المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجلد الأول ‌ ‌مقدمة … المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه - الروايات التفسيرية في فتح الباري - جـ ١

[عبد المجيد الشيخ عبد الباري]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: دراسة حياة الحافظ ابن حجر وكتابه فتح الباري

- ‌الفصل الأول: ترجمة الحافظ ابن حجر

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه

- ‌المبحث الثاني: مولده

- ‌المبحث الثالث: نشأته وأسرته

- ‌المبحث الرابع: نشأته العلمية، وطلبه للعلم

- ‌المبحث الخامس: رحلاته العلمية

- ‌المبحث السادس: شيوخه

- ‌المبحث السابع: تلاميذه

- ‌المبحث الثامن: مذهبه

- ‌المبحث التاسع: آثاره العلمية

- ‌المبحث العاشر: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الحادي عشر: وفاته

- ‌الفصل الثاني: دراسة فتح الباري

- ‌المبحث الأول: منهج ابن حجر في فتح الباري عموما

- ‌المبحث الثاني: منهجه في تفسير الآيات القرآنية

- ‌المبحث الثالث: قيمة فتح الباري العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الفصل الثالث: جهود ابن حجر في تفسير القرآن الكريم وعلومه من خلال كتابه فتح الباري

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تفسيره للقرآن بالقرآن

- ‌المبحث الثاني: تفسيره للقرآن بالسنة

- ‌المبحث الثالث: تفسيره للقرآن بأقوال الصحابة

- ‌المبحث الرابع: عنايته بأسباب النزول

- ‌المبحث الخامس: تناوله لقضايا النسخ

- ‌المبحث السادس: ذكره للقراءات

- ‌المبحث السابع: بيانه لغريب القرآن

- ‌الفصل الرابع: دراسة الروايات التفسيرية في فتح الباري

- ‌المبحث الأول: منهجه في سياق الروايات

- ‌المبحث الثاني: نقده للروايات والحكم عليها

- ‌المبحث الثالث: عزوه للمصادر

- ‌المبحث الرابع: موارده في الروايات التفسيرية:

- ‌الباب الثاني: الروايات التفسيرية في فتح الباري

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة التوبة

- ‌سورة يونس

- ‌سورة هود

الفصل: ‌ ‌المجلد الأول ‌ ‌مقدمة … المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه

‌المجلد الأول

‌مقدمة

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد: فإن القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيراً، وهو هدى ونور وشفاء لما في الصدور، كما أنه المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي. لذا كان من مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه للناس، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن لأصحابه معاني القرآن الكريم، كما بيّن لهم ألفاظه1. ثم إن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - إذا أشكل عليهم فهم شيء من القرآن، سألوه، فيفسره لهم. كما أنهم - أي الصحابة – كانوا

1 أخرج الطبري في مقدمة تفسيره رقم82 بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلَّموا عشر آيات لم يخلّفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا".

وأخرج رقم81 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن". وقد صحّح إسنادهما الشيخ محمود محمد شاكر.

ص: 5

يفسرون القرآن لتلامذتهم من التابعين1، فنشروا ما علموه بحكمة وصيانة مع التحري والتدقيق.

وهذا اللون من التفسير هو المسمى بالتفسير بالمأثور، فهو إذاً تفسير القرآن بالقرآن، وبما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين بما يتعلق بتفسير القرآن الكريم. وقد دونّ العلماء الذين جاءوا في عصر التابعين ومن بعدهم تلك التفاسير في مصنفاتهم، منهم من أفردها بالتصنيف، ومنهم من جمعها مع السنة2.

1 وقد كان من بينهم من تلقى جميع التفسير عن الصحابة، فقد أخرج الطبري في مقدمة التفسير رقم108 من طريق محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد قال:"عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها".

وأخرج رقم107 عن أبي كريب، حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة قال:"رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس "اكتب" قال: حتى سأله عن التفسير كله ". وانظر: مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية ص35-38.

2 قال ابن أبي حاتم الرازي: فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، رضي الله تعالى عنهم. مقدمة الجرح والتعديل ص2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن قال قائل: فما أحسن طريق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة؛ فإنها شارحة للقرآن وموضحة له

إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح لاسيما علماؤهم وأكبراؤهم

إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين. انظر: مقدمة في أصول =

ص: 6

فكان الإمام البخاري رحمه الله ممن تصدى لتدوين سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل كان أول من أفرد الحديث الصحيح في مؤلف. وأفرد في مصنفه هذا كتابا في التفسير أيضا، كما أورد روايات وأحاديث تتعلق بتفسير بعض الآيات في كتب وأبواب أخرى من هذا الجامع الذي سماه "الجامع الصحيح"، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبه أو باب من أبوابه مما له تعلق بتفسير آية قرآنية.

وقد تصدى جمع من العلماء لشرح هذا الجامع، وإيضاح ما خفي على الأذهان مما أودع فيه، منهم شيخ الإسلام في الحديث العلامة الحافظ ابن حجر رحمه الله، فكان شرحه لصحيح البخاري من أجل الشروح، بل هو أجلها وأشملها وأنفعها.

ولا شك أن شرحه هذا الذي سمّاه بـ "فتح الباري" يعد موسوعة كبيرة في المعارف الإسلامية عموما؛ فإن الحافظ ابن حجر رحمه الله قد أودع فيه علوما شتى ونافعة، لا نكاد نجد مثله في كتاب آخر، كما أنه يعتبر أكبر وأجمع ما ألفه ابن حجر. وهذا ليس بغريب؛ إذ أنه قضى في تأليفه خمسة وعشرين سنة، من بداية سنة817هـ إلى 842هـ، وكان جمعه للمقدمة في سنة813هـ1. ففيه

= التفسير ص93 و95 و102. وقال الزركشي: لطالب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الطراز الأول، ولكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع؛ فإنه كثير. وإن سواد الأوراق سواد في القلب

الثاني: الأخذ بقول الصحابي؛ فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قاله الحاكم في تفسيره

إلى أن قال: وفي الرجوع إلى أقوال التابعين روايتان عن أحمد، واختار ابن عقيل المنع، وحكوه عن شعبة، لكن عمل المفسرين على خلافه، وقد حكوا في كتبهم أقوالهم

وغالب أقوالهم تلقوها من الصحابة، ولعل اختلاف الرواية عن أحمد إنما هو فيما كان من أقوالهم وآرائهم. انظر: البرهان في علوم القرآن 2/156-160.

1 صرح بذلك في خاتمة الكتاب 13/556.

ص: 7

مباحث فقهية قيمة، وفيه بيان لخفايا علم الرجال، وكشف عن مبهمات الحديث في المتن والإسناد، ومباحث لغوية مفيدة، كما فيه شرح لعدد من الآيات القرآنية.

ولقد نقل ابن حجر في هذا الكتاب العظيم روايات ونصوصا كثيرة في التفسير، من عدد من الكتب القيمة في التفسير والتي لا تزال في عداد المفقود، ومن تلك التفاسير المفقودة والتي نقل عنها ابن حجر:

تفسير الفريابي، وتفسير عبد بن حميد، وتفسير سفيان بن عيينة، وتفسير ابن المنذر، وتفسير إسحاق بن راهويه، وتفسير سنيد، وتفسير ابن مردويه، وأحكام القرآن لأبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي، وتفسير أبي الشيخ الأصبهاني وغيرها من التفاسير1.

وهذه الروايات الكثيرة التي نقلها ابن حجر من تلك الكتب منثورة في ثنايا هذا الكتاب. لذا عزمت على جمع تلك الروايات في مكان واحد وترتيبها وتخريجها وبيان درجتها من الصحة، في سبيل خدمة هذا الكتاب الجليل، وتسهيلا للباحثين. وذلك في رسالتي لإعداد مرحلة الدكتوراه بعنوان:

"الروايات التفسيرية في فتح الباري جمعًا ودراسةً".

1 من بين هذه التفاسير تفسير عبد بن حميد وتفسير ابن المنذر وتفسير أبي إسحاق القاضي وهذه التفاسير الثلاثة فقد وجدت أجزاء منها، أما تفسير عبد بن حميد فتوجد منه قطعة فيها سورتا آل عمران والنساء، وهي على هامش تفسير ابن أبي حاتم المجلد الثاني، وهذه النسخة توجد في مكتبة أياصوفيا بإستنبول تحت رقم 175. وأما تفسير ابن المنذر فتوجد منه مجلد كامل فيه من الآية 21 سورة البقرة إلى الآية 94 من سورة النساء. وهو موجود أيضا على هامش تفسير ابن أبي حاتم المشار إليه. وأما أحكام القرآن لأبي إسحاق القاضي فيوجد منه جزء في سبع عشرة ورقة في القيروان بتونس. انظر: تاريخ التراث العربي لبروكلمان 2/151.

ص: 8

أسباب اختيار الموضوع:

هناك أسباب ودوافع دفعتني لاختيار هذا الموضوع - غير ما ذكر -، وأهمها ما يلي:

1-

مكانة الحافظ ابن حجر وشهرته ومنزلته عند العلماء، فهو "الحافظ المتقن الضابط الثقة المأمون" هكذا وصفه شيخه الحافظ العراقي1، وكذلك قيمة كتابه "فتح الباري" لدى العلماء وطلاب العلم2، من الأسباب التي دفعتني أيضا إلى اختيار هذا الموضوع. فهذا الكتاب - أعني فتح الباري - يعتبر أنفع كتبه على الإطلاق. ورغم أنه مطبوع عدة مرات، فإنه مازال بحاجة إلى دراسته من جوانب عدة. فهذا الموضوع يبحث في جانب من أهم جوانب هذا الكتاب، ألا وهو دراسة الروايات التفسيرية فيه؛ فإنه غزير بهذه المادة، إذ زاد عدد الروايات التفسيرية فيه على [3500] رواية. فجمع تلك الروايات وتخريجها ودراستها يعتبر إسهاما في خدمة هذا الكتاب العظيم.

2-

تشجيع بعض الأفاضل من الأساتذة، فقد كنت أبحث عن موضوع يصلح أن يكون أطروحة لمرحلة الدكتوراه، أشار عليّ أستاذي الفاضل فضيلة الأستاذ الدكتور/ حكمت بشير ياسين، بجمع الروايات التفسيرية التي وقعت في كتاب فتح الباري ودراستها، وفي بادئ الأمر كنت أتهيب له بسبب كبر حجم هذا الموضوع، ولكنه - حفظه الله - أقنعني بأهمية هذا الموضوع وبجدوى العمل فيه، فانشرح صدري لذلك، وأقدمت عليه مستعينًا بالله.

1 انظر: مبحث مكانة الحافظ ابن حجر وثناء العلماء عليه ص63.

2 انظر: مبحث قيمة فتح الباري العلمية ص76.

ص: 9

3-

أثناء عملي في رسالة الماجستير، جمعت مرويات ابن مردويه في التفسير من فتح الباري بالاشتراك مع الزملاء، فكنت أقرأ في هذا الكتاب العظيم، فقد ازداد شوقي لمزيد من الاطلاع على هذا الكتاب، فكنت أقرأ فيه، فلا أمرّ على سطر إلا وأرى أنه مفيد للغاية، ولم أر فيه أي استطراد ليس في مكانه.

4-

لما كنت أحضر رسالة الماجستير، أشار عليّ بعض الزملاء في اختيار موضوع للمرحلة القادمة، يشمل تفسير كل سور القرآن الكريم، فمن ذلك الوقت وقع في نفسي ذلك، فرأيت أن هذا الموضوع سوف يأخذني للاطلاع على تفسير كل سور القرآن.

5-

رغبتي الشديدة في دراسة الروايات التي تتعلق بتفسير القرآن، فمنذ أن حضّرت رسالة الماجستير المشار إليه آنفا، زدت رغبة في هذا الجانب، فقد تيقنت منذ ذلك الحين، أن الطريق الصحيح لمعرفة تفسير القرآن الكريم هو ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين.

فهذه هي أهم الأسباب التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع.

ص: 10

خطة البحث:

تتكون خطة البحث من مقدمة وبابين وخاتمة وفهارس:

المقدمة، وقد تضمنت ما يلي:

- أهمية الموضوع.

- أسباب اختياره.

- عرض الخطة المرسومة للبحث.

- توضيح منهج الكتابة فيه.

- كلمة شكر وتقدير.

الباب الأول: دراسة حياة الحافظ ابن حجر - باختصار - وكتابه فتح الباري، وفيه أربعة فصول:

الفصل الأول: ترجمة الحافظ ابن حجر، وفيه أحد عشر مبحثا:

المبحث الأول: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه.

المبحث الثاني: مولده.

المبحث الثالث: نشأته وأسرته.

المبحث الرابع: نشأته العلمية وطلبه للعلم.

المبحث الخامس: رحلاته العلمية.

المبحث السادس: شيوخه.

المبحث السابع: تلاميذه.

المبحث الثامن: مذهبه.

المبحث التاسع: آثاره العلمية.

المبحث العاشر: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.

المبحث الحادي عشر: وفاته.

ص: 11

الفصل الثاني: دراسة فتح الباري، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: منهج ابن حجر في فتح الباري عموما.

المبحث الثاني: منهجه في تفسير الآيات القرآنية.

المبحث الثالث: قيمة فتح الباري العلمية وثناء العلماء عليه.

الفصل الثالث: جهود ابن حجر في تفسير القرآن الكريم وعلومه، من خلال كتابه فتح الباري، وفيه سبعة مباحث:

المبحث الأول: تفسيره للقرآن بالقرآن.

المبحث الثاني: تفسيره للقرآن بالسنة.

المبحث الثالث: تفسيره للقرآن بأقوال الصحابة.

المبحث الرابع: عنايته بأسباب النزول.

المبحث الخامس: تناوله لقضايا النسخ.

المبحث السادس: ذكره للقراءات.

المبحث السابع: بيانه لغريب القرآن.

الفصل الرابع: دراسة الروايات التفسيرية في فتح الباري، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: منهجه في سياق الروايات التفسيرية.

المبحث الثاني: نقده للروايات والحكم عليها.

المبحث الثالث: عزوه للمصادر.

المبحث الرابع: موارده في الروايات التفسيرية.

الباب الثاني: الروايات التفسيرية في فتح الباري، وقد رتبتها حسب الآيات والسور القرآنية.

الخاتمة، ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها خلال البحث.

ص: 12

الفهارس، عملت فهارس متنوعة، تسهيلا للباحث الكشف عن مراده. وهي كالتالي:

1-

فهرس الآيات المستشهد بها.

2-

فهرس الأحاديث.

3-

فهرس الآثار الموقوفة والمقطوعة.

4-

فهرس الأعلام المترجم لهم.

5-

فهرس الأماكن والبقاع.

6-

فهرس القبائل والشعوب.

7-

فهرس الفرق.

8-

فهرس المصادر والمراجع.

9-

فهرس الموضوعات.

منهج الكتابة فيه:

هذا وقد سلكت في هذه الرسالة المنهج الآتي:

- تتبعت الرواياتِ التفسيريةَ في "فتح الباري" من أوله إلى آخره، سطرا سطرا، وذلك من خلال القراءة المتأنية للكتاب، وكلما وجدت رواية تفسيرية كنت أحددها، ثم دوّنت تلك الروايات في أوراق، كل رواية في ورقة مستقلة، مع الإشارة إلى مكانها في فتح الباري، مع ترك فراغ أسفل الصفحة للتعليق عليها. ثم عنونت كل ورقة منها بعنوان، وذلك بكتابة الآية ورقمها واسم السورة، وهذا العمل قد استغرق منّي وقت طويل، وذلك بسبب تشتت مظان تلك الروايات، وتقطيع الحافظ ابن حجر لها، الأمر الذي يجعل الإنسان محتاراً في كيفية التعامل مع هذه الآثار المتقطعة، بالإضافة إلى

ص: 13

ذلك ما واجهني من أشغال خارجة عن إرادتي، فقد قضيت في هذا الجمع ما يقارب سنة كاملة.

ثم رتبت تلك الروايات حسب ترتيب السور والآيات في القرآن الكريم. وإذا وردت روايات متعددة في تفسير آية واحدة، فإني أراعي تقديم الأصح إلا أن يكون سياق ابن حجر لها على نسق لو قُدِّم أو أُخِّر يخل بالمعنى؛ فإن ابن حجر لا يورد جميع الروايات بكاملها غالبا؛ وإنما يورد رواية ثم يقول وعن غيره نحوه، أو وعند غيره زيادة كذا ونحو ذلك من العبارات. ففي هذه الحالة قد تكون رواية الغير هذه أقل درجة في الصحة من التي أورد بعدها، ولكن أضطر أن أسوقها كما أوردها.

وإذا وجدت رواية مكررة، أوردها ابن حجر في أكثر من موضع، فإن كان التكرار باللفظ، نقلتها من أول مكان ورد فيه، ثم أشرت إلى الأماكن الأخرى التي وردت فيها في الحاشية، وإن كان هناك اختلاف في اللفظ، حيث أوردها في مكان باختصار، ثم أوردها في مكان آخر بأطول من ذلك، أو أوردها من غير إسناد، ثم أوردها بالإسناد في مكان آخر، أو حكم عليها في مكان، ولم يحكم عليها في مكان آخر، فأختار الأكمل، والأشمل للحكم، أو الرواية، ثم أشير إلى الأماكن الأخرى في الحاشية. ثم رقمت الروايات بعد هذه التصفية.

- وكتبت في رأس الصفحة اسم السورة التي تناول البحث فيه كعنوان، تسهيلا للقارئ عن البحث عن أي سورة أراد البحث فيه.

- وذكرت الآية القرآنية التي تتناول تفسيرها قبل الرواية، مع رقمها، وذلك تسهيلا للبحث عنها أيضا.

- والتزمت رسم المصحف في كتابة الآيات القرآنية.

ص: 14

منهج تخريج الروايات: تتبعت في تخريج الروايات المنهج الآتي:

- خرجت الروايات من كتب الحديث المعتمدة الأصلية وكتب التفسير المسندة، كتفسير عبد الرزاق، وتفسير سعيد بن منصور - وهو جزء من سننه -، وتفسير آدم ابن أبي إياس المنسوب إلى مجاهد، ومعاني القرآن للفراء والزجاج والنحاس، وتفسير النسائي - وهو جزء من السنن الكبرى - وتفسير الطبري وتفسير إسحاق بن إبراهيم البستي، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير البغوي، وكتب نواسخ القرآن، وأسباب النزول، وفضائل القرآن المذكورة في قائمة المصادر والمراجع في آخر هذه الرسالة، محاولاً خلال ذلك الوصول إلى معرفة درجة الرواية من الصحة - قدر الاستطاعة - اعتماداً في ذلك على أقوال الأئمة النقاد المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين.

- وإذا لم أجد له تخريجا في المصادر المعتمدة، فإني قد أذكر شاهداً، أو شواهد له إن وجدت أو تقدمت، أو أذكر من فسر به من المفسرين، وأوردوها في كتبهم من غير إسناد كابن الجوزي في زاد المسير والقرطبي في تفسيره وابن كثير في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور وغيرهم، وإذا لم أجد شيئا سكت عنه أو قلت: لم أجده أو لم أقف على تخريج له أو لم أقف على من ذكره ونحو ذلك.

- إذا نسب ابن حجر إلى مصدر بعينه، فإني - في الأغلب - أخرج منه مع ذكر إسناده كاملا إلا إذا كان الإسناد مما يتكرر عنده؛ فإني في هذه الحالة ذكرت إسناده في المقدمة، ولا أذكر ذلك كل ما تكرر، وذلك تجنبا للتكرار.

- وإذا نسبه إلى أكثر من مصدر، فإني في هذه الحالة أخرجه من تلك المصادر إن وجدت أو من غيرها من مصادر التخريج.

ص: 15

- إذا كان الحديث في صحيح مسلم أكتفي بتخريجه منه. إلا إذا نسبه إلى غيره، واللفظ المذكور عند ذلك الغير فإني أخرجه منه أيضا مع الإشارة إلى مكانه في صحيح مسلم.

- إذا علق البخاري الحديث عن صحابي أو تابعي، وذكر ابن حجر الذي أوصله، فإني أشير إلى تعليق البخاري في أول التخريج، ثم أتبعه بتخريجه من المصادر التي عزاه ابن حجر إليها ومن غيرها إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وإذا كان هذا المصدر مما هو مفقود أو في حكم المفقود، أو لم أعثر عليه، فأرجع إلى كتاب "تغليق التعليق" لابن حجر، فإنه أورد فيه ما علقه البخاري، ثم أوصلها بالإسناد.

- ترجمت لرجال الأسانيد الذين أوردهم ابن حجر، أما الذين وردت أسماؤهم في السند، ولم يذكرهم ابن حجر في الفتح، فلم أترجم لهم إلا في بعض الحالات مثل أن يكون هناك تصحيف أو أن الراوي لم يكن معروفا أو مشهورا أو ممن تكلم فيه جرحا، ونحو ذلك مما تدعو الحاجة إلى ترجمته فإني ترجمت له باختصار.

- عزوت الآيات المستشهد بها، وذلك بذكر اسم السورة، ورقم الآية.

- شرحت الكلمات الغريبة الواردة في الروايات، وعرفت بالأماكن والبقاع الواردة في الروايات،. وعرفت بالفرق الواردة في الروايات وهي قليلة جداً.

- ما وقع من التصحيف في بعض أسماء الرواة أثبت الصحيح ثم أشرت إلى ذلك في الحاشية.

- صححت الأخطاء التي وقعت في الآيات، من غير إشارة إلى ذلك.

- دراسة بعض الأسانيد والطرق المتكررة في هذه الرسالة.

ص: 16

لما رأيت أن جلّ المادة العلمية في هذا الكتاب كانت عن الصحابة والتابعين، كأمثال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم، وأن كثيراً منها جاءت بأسانيد قد تتكرر عشرات المرات، ولما رأيت ذلك أحببت أن أسجل نبذة عن بعض تلك الأسانيد التي تكررت، في هذه المقدمة، وذلك تجنبا للتكرار1.

وأبدأ بأكثرها تكراراً، فأقول:

أولا: الأسانيد عن ابن عباس رضي الله عنه:

ويعتبر عبد الله بن عباس رضي الله عنه أكثر الصحابة تفسيراً للقرآن، ولذا كان اعتماد ابن حجر على ما روي عنه كبيراً حيث بلغ عدد الروايات التفسيرية عنه في هذا الكتاب 936 رواية، من بين 3541 رواية.

وقد روى جمع غفير من التابعين عن ابن عباس رضي الله عنه. وأكثرها تكرارا في هذا الكتاب:

1-

طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه.

وهي صحيفة مشهورة تداولها العلماء، فقد اعتمد عليها الإمام البخاري كثيراً في التراجم وغيرها، ولكنه لا يسميها بل يقول: قال ابن عباس أو يُذكر عن ابن عباس.

وعلي بن أبي طلحة: مولى بني العباس، أرسل عن ابن عباس رضي الله عنه

1 اعتمدت في ذلك كثيراً على مقدمة الحافظ ابن حجر نفسه في كتابه "العجاب في بيان الأسباب"، وما نقل عنه السيوطي في الإتقان - في النوع الثمانين، في طبقات المفسرين -، وعلى مقدمة فضيلة الأستاذ الدكتور/ حكمت بشير ياسين في موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور. ونُشِرَت هذه المقدمة في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في عددها 101-102، عام 1414هـ-1415هـ.

ص: 17

ولم يره، وقد تُكلم في روايته عن ابن عباس رضي الله عنه بأنه لم يسمع منه. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: سمعت دحيما يقول: إن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه التفسير1.

وقد أجاب عن ذلك أبو جعفر النحاس فقال: والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة، وهذا القول لا يوجب طعنا؛ لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق. اهـ2.

وذكر ابن حجر في العجاب الرواة الثقات عن ابن عباس رضي الله عنه فقال: وعلي صدوق لم يلق ابن عباس رضي الله عنه، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة3.

ونقل السيوطي عن ابن حجر أنه قال: بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير في ذلك4.

وروى أبو جعفر النحاس بإسناده عن الإمام أحمد قال: بمصر صحيفة تفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيراً5. ونقل ابن حجر العبارة عن معاني القرآن، ثم قال: وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح،

1 المراسيل ص118، رقم الترجمة 247.

2 الناسخ والمنسوخ 1/461-462.

3 مقدمة العجاب 1/207.

4 الإتقان 4/207.

5 أخرج النحاس في الناسخ والمنسوخ 1/462 بسنده عن الإمام أحمد، ولفظه "بمصر كتاب التأويل عن معاوية بن صالح، لو جاء رجل إلى مصر فكتبه ثم انصرف به ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلا".

ص: 18

عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه، وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيراً، وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح. اهـ1.

ويقول الدكتور محمد كامل حسين "نستطيع أن نقول: "إن صحيفة علي ابن أبي طلحة في تفسير القرآن الكريم، هي من أقدم الروايات التي دوّنت عن ابن عباس رضي الله عنه، وإن هذه الرواية من أصحّ الطرق عنه، وإن البخاري، وابن جرير الطبري وغيرهما نقلوا هذه الصحيفة في كتبهم، ومجمل القول: إن هذه الطريق من أصحّ الطرق في التفسير، عن ابن عباس رضي الله عنهما"2.

2-

طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه.

وهي من الطرق الصحيحة على شرط الشيخين. قال السيوطي: ومن جيّد الطرق عن ابن عباس طريق قيس، عن عطاء بن السائب، عن سعيد ابن جبير، عنه؛ وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين. وكثيراً ما يخرج منها الفريابي، والحاكم في مستدركه3.

3-

طريق سعيد بن جبير:

ومِن أكثر مَن روى عنه محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير. قال ابن حجر: هكذا بالشك، ولا يضر لكونه يدور على ثقة، وقد ذكر هذا الإسناد في مقدمة العجاب في بيان الأسباب ضمن أسانيد الثقات عن ابن عباس، فقال: والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات وضعفاء، فمن الثقات مجاهد ابن جبر ويروي

1 فتح الباري 8/438-439.

2 انظر: مقدمة معجم غريب القرآن لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص هي.

3 الإتقان 4/208-209.

ص: 19

التفسير من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية فإذا ورد عن غيره بينته، ومنهم عكرمة ويروى التفسير عنه من طريق الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عنه، ومن طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير - هكذا بالشك - ولا يضر لكونه يدور على ثقة

ثم ذكر طريق علي بن أبي طلحة وعطاء بن أبي رباح ثم قال: ومن روايات الضعفاء فساقها

1. وقد حسّنه في فتح الباري2. كما حسّنه السيوطي في لباب النقول في أسباب النزول3 وقال في الإتقان4: وهي طريق جيدة وإسنادها حسن.

بينما قال عنه الإمام الذهبي: لا يعرف5 وفي الكاشف: وُثّق. وقال الحافظ ابن حجر6 مجهول. وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم7 وذكره ابن حبان في الثقات8. وقال الشيخ أحمد شاكر عن توثيق ابن حبان: وكفى بذلك معرفة وتوثيقا9.

وقد درس فضيلة الأستاذ الدكتور/ حكمت بشير هذا الإسناد في مقدمة موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور هذا الإسناد، وحشد ما تقدم من أقوال النقاد، ثم حسّنه إعتمادا عليها، وذكر أيضا: أن الإمام

1 مقدمة العجاب 1/203-209.

2 7/332، 8/231 و269، وانظر الأرقام 362، 450، 691.

3 ص62.

4 4/209.

5 ميزان الإعتدال 5/151، رقم الترجمة 8129.

6 التقريب 2/205.

7 التاريخ الكبير 1/225، والجرح والتعديل 8/88.

8 الثقات 7/392.

9 تفسير الطبري 1/219 في الحاشية.

ص: 20

الطبري قد اعتمد على هذا الإسناد ورجّحه، وأن الحافظ ابن كثير صحّحه، وأن أبا داود روى له، وأنه يروي عن كتب، كتفسير سعيد بن جبير وعكرمة وأن جميع هذه الروايات في المغازي وهي مغازي ابن إسحاق، وقد تقبلتها الأمة. وأن ابن حبان ذكره في الثقات، وكذا قال عنه الإمام الذهبي في الكاشف: وُثِّق. وقد اعتمده الحافظ ابن حجر والهيثمي والسيوطي، وكذلك اعتبر الشيخ محمد نسيب الرفاعي الذي اختصر تفسير ابن كثير هذا الإسناد من الأسانيد الثابتة حيث ذكر في مقدمة مختصره شرطه أنه يختار أصحّ الأقوال ولا يسوق الروايات الضعيفة والموضوعة، وأكثر النقل بهذا الإسناد1.

4-

طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنه.

وأكثر مَن روى مِن هذه الطريق عبد الملك بن جريج، لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران، وما عدا ذلك يكون عطاء هو الخرساني، وهو لم يسمع من ابن عباس، فيكون منقطعا، إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء ابن أبي رباح. وقد ذكر ابن حجر هذا الإسناد ضمن أسانيد الثقات عن ابن عباس2.

ومن الطرق الضعيفة عن ابن عباس رضي الله عنه:

1-

طريق محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه.

والكلبي ضعيف متهم بالكذب. قال ابن حجر: ومن روايات الضعفاء عن ابن عباس: التفسير المنسوب لأبي النضر محمد بن السائب الكلبي، فإنه

1 انظر: مقدمة موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور ص37-45.

2 انظر: مقدمة العجاب 1/208-209.

ص: 21

يرويه عن أبي صالح، وهو مولى أم هانئ عن ابن عباس رضي الله عنه، والكلبي اتهموه بالكذب، وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه: كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب1.

2-

طريق جويبر بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس رضي الله عنه.

والضحاك: صدوق كثير الإرسال، وقد وثقه الإمام أحمد وأبو زرعة وغيره.

ولكنه لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه. قال ابن حجر: صدوق كثير الإرسال، وفي سماعه من ابن عباس رضي الله عنه وغيره من الصحابة نظر. وقد أنكر سماعه من ابن عباس شعبة وأبو حاتم وأبو زرعة. وقد روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الملك بن ميسرة قال: قلت للضحاك سمعت من ابن عباس؟ قال: لا. قلت: فهذا الذي تروي عمن أخذته؟ قال: عنك وعن ذا وعن ذا. وقال عبد الملك أيضا: الضحاك لم يلق ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري فأخذ عنه التفسير. وروى ابن أبي حاتم بسنده عن مشاش قال: قلت للضحاك سمعت من ابن عباس شيئا؟ قال: لا. قلت: رأيته؟ قال: لا.

هذا وخالف أبو جناب الكلبي الضعيف المدلس، الثقات حيث روى عن الضحاك أنه قال: جاورت ابن عباس سبع سنين. فلا ينظر إلى مثله2.

3-

طريق عطاء الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنه.

وعطاء هو ابن أبي مسلم أبو عثمان الخراساني، صدوق يهم كثيراً،

1 مقدمة العجاب 1/209.

2 انظر: الجرح والتعديل 4/458، والمراسيل ص85، رقم149، وتهذيب التهذيب 4/397-398 والتقريب 1/373.

ص: 22

ويرسل ويدلّس، مات سنة خمس وثلاثين ومائة1، وقد أورد ابن حجر هذا الطريق ضمن الطرق الضعيفة عن ابن عباس، حيث قال: ومنهم عثمان بن عطاء الخراساني: يروي التفسير عن أبيه، عن ابن عباس، ولم يسمع أبوه من ابن عباس2، وعثمان ضعيف3.

4-

طريق عطية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه.

وهو عطية بن سعد بن جنادة العوفي، أبو الحسن، ضعيف، يدلس، ويخطئ كثيرا، رمي بالتشيع. ضعفه أحمد والثوري ويحيى وهشيم وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وأبو داود والساجي. قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. وقال الذهبي: تابعي شهير ضعيف4.

5-

طريق عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه.

وقد ذكر ابن حجر هذه الطريق ضمن الطرق الضعيفة عن ابن عباس، حيث قال: ومنهم عطاء بن دينار، وفيه لين. روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس تفسيراً، رواه عنه ابن لهيعة وهو ضعيف5.

6-

طريق يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد عن ابن عباسرضي الله عنه.

ويزيد بن أبي زياد هذا مختلف فيه، قال ابن حجر: ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقن، وكان شيعيا، وقد روى له مسلم إلا أن رواية مسلم عنه

1 ينظر ترجمته في التقريب 2/23.

2 مقدمة العجاب 1/211.

3 ينظر ترجمته في التقريب 2/12.

4 ينظر ترجمته في: الجرح والتعديل 6/383، وميزان الاعتدال 3/476 رقم5667، والتهذيب 7/200-202، والتقريب 2/24.

5 مقدمة العجاب 1/214.

ص: 23

كانت مقرونة1.

7-

طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة.

أورد الحافظ ابن حجر هذا الطريق ضمن روايات الضعفاء، حيث قال: ومنهم إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني: وهو ضعيف يروي التفسير عن أبيه، عن عكرمة، وإنما ضعفوه لأنه وصل كثيراً من الأحاديث بذكر ابن عباس، وقد روى عنه تفسيرَه عبدُ بن حميد. اهـ2.

ثانيا: الإسناد عن قتادة بن دعامة السدوسي:

روي التفسير عن قتادة من طرق، وأكثرها ورودا في هذا الكتاب - وهي أشهرها -:

1-

طريق معمر بن راشد الأزدي.

وأكثر من روى عنه التفسير عبد الرزاق، ذكره ابن حجر في الطرق الصحيحة في تفاسير التابعين3.

2-

طريق سعيد بن أبي عروبة البصري.

روى الطبري في تفسيره من هذا الطريق كثيراً، وقد ذكره ابن حجر في الطرق الصحيحة في تفاسير التابعين4.

3-

طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي.

روى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من هذا الطريق كثيراً،

1 انظر: التهذيب 11/287، والتقريب 2/265.

2 مقدمة العجاب 1/213.

3 مقدمة العجاب 1/214.

4 المصدر السابق نفسه.

ص: 24

وقد ذكره ابن حجر في الطرق الصحيحة في تفاسير التابعين1.

4-

طريق سعيد بن بشير الأزدي.

وهذا من الطرق الضعيفة عن قتادة، وسعيد بن بشير الأزدي أو البصري، يروي عن قتادة وغيره، وعنه الوليد بن مسلم وغيره، ضعيف، بل وصفه بعضهم بأنه منكر الحديث، يروي عن قتادة منكرات، مات سنة تسع وستين ومائة2.

وقد روى من هذا الطريق ابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردويه وغيرهما.

ثالثا: الإسناد عن مجاهد بن جبر المخزومي.

وأشهر الطرق عنه طريق ابن أبي نجيح، وقد ذكره ابن حجر في الطرق الصحيحة في تفاسير التابعين؛ إذ يقول: والذين اشتهر عنهم القول في التفسير من التابعين أصحاب ابن عباس، وفيهم ثقات وضعفاء، فمن الثقات: مجاهد بن جبر، ومن الطرق التي يُروى التفسير عنه طريق ابن أبي نجيح، والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية3.

ومن الطرق إلى ابن أبي نجيح عن مجاهد:

1-

طريق عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد.

2-

وطريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.

3-

وطريق شبل بن عباد عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. وكلها طرق صحيحة4.

1 المصدر السابق نفسه.

2 ينظر ترجمته في: الجرح والتعديل 4/6، والتهذيب 4/8، والتقريب 1/292.

3 مقدمة العجاب 1/203-204.

4 ينظر في ذلك: مقدمة موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور ص60-63.

ص: 25

رابعًا: الإسناد إلى أبي بن كعب رضي الله عنه.

وأكثر ما ورد عن أبي بن كعب من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي. وبعضه لا يسمي الربيع فوقه أحداً، وبعضه موقوفا على أبي العالية. وقد أورده ابن حجر ضمن الطرق الصحيحة في تفاسير التابعين1. وهذا إسناد حسن، وإن كان أبو جعفر الرازي صدوقا سيء الحفظ، وكذا الربيع بن أنس صدوقا له أوهام؛ لأن ما يرويه أبو جعفر ليس من حفظه وكذلك الربيع لا يرويه من حفظه، بل يرويان عن نسخة. وهي نسخة مشهورة. وقد حسّن الحافظ ابن حجر هذا الإسناد 2، وأفاد منها كبار المصنفين وبعضهم حكم عليها بالصحة مثل السيوطي فقال:"وأما أبي بن كعب فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية عنه، وهذا إسناد صحيح، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا وكذا الحاكم في مستدركه وأحمد في مسنده"3.

خامسا: تفسير السدي الكبير.

والسدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي. قال ابن حجر: وهو كوفي صدوق، لكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح، عن ابن عباس،

1 المصدر السابق 1/215.

2 انظر على سبيل المثال: فتح الباري 6/366. ويأتي ذكره عند قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} ، برقم 34.

3 الإتقان 4/209-210. وانظر: التفسير والمفسرون للدكتور الذهبي 1/93، 115، وتفسير ابن أبي حاتم سورة آل عمران، رقم النص 8، الحاشية بتحقيق: الأستاد الدكتور/ حكمت بشير ياسين.

ص: 26

وعن مُرّة بن شراحيل، عن ابن عباس، وعن ناس من الصحابة وغيرهم. وخلط روايات الجميع فلم تتميز رواية الثقة من الضعيف، ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك1.

سادسا: تفسير زيد بن أسلم.

أورده ابن حجر ضمن تفاسير ضعفاء التابعين. حيث قال: ومن تفاسير ضعفاء التابعين فمَنْ بعدهم: تفسير زيد بن أسلم، من رواية ابنه عبد الرحمن، عنه. وهي نسخة كبيرة يرويها ابن وهب وغيره عن عبد الرحمن، عن أبيه، وعن غير أبيه. وفيها أشياء كثيرة لا يسندها لأحد. وعبد الرحمن من الضعفاء، وأبوه من الثقات2.

سابعا: تفسير مقاتل بن سليمان الأزدي.

أورده أيضا ابن حجر ضمن تفاسير ضعفاء التابعين فمن بعدهم. قال ابن حجر: ومنها تفسير مقاتل بن سليمان، وقد نسبوه إلى الكذب، وقال الشافعي: مقاتل قاتله الله تعالى، وإنما قال الشافعي فيه ذلك؛ لأنه اشتهر عنه القول بالتجسم.

وروى تفسير مقاتل هذا عنه: أبو عصمة نوح بن أبي مريم الجامع، وقد نسبوه إلى الكذب.

ورواه أيضا عن مقاتل هذيل بن حبيب وهو ضعيف لكنه أصلح حالاً من أبي عصمة3.

1 مقدمة العجاب 1/211.

2 المصدر السابق 1/217.

3 المصدر السابق 1/217-218.

ص: 27

ثامنا: تفسير مقاتل بن حيان.

قال ابن حجر: وتفسير مقاتل بن حيان، من طريق محمد بن مزاحم، عن بكير ابن معروف، عنه، ومقاتل هذا صدوق. اهـ1.

تاسعا: تفسير سُنَيْد، واسمه الحسين بن داود.

وقد أورده ابن حجر ضمن تفاسير ضعفاء التابعين فمن بعدهم. وقال: "يروي عن حجاج بن محمد المصيصي كثيراً، عن أنظاره، وفيه لين"2.

وهذا السند يتكرر عند ابن جرير كثيرا، وسُنيد، من حفاظ الحديث، وله تفسير مشهور. قال عنه ابن حجر في التقريب 1/335: ضعيف مع إمامته ومعرفته، لكونه كان يلقن حجاج بن محمد شيخه.

قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: رأيت سنيداً عند حجاج بن محمد وهو يسمع منه كتاب الجامع لابن جريج: أخبرت عن الزهري وأخبرت عن صفوان بن سليم وغير ذلك، قال: فجعل سنيد يقول لحجاج: يا أبا محمد قل: "ابن جريج عن الزهري" و"ابن جريج عن صفوان بن سليم"، قال: فكان يقول له هكذا، قال: ولم يحمده أبي فيما رآه يصنع بحجاج، وذمّه على ذلك، قال أبي: وبعض تلك الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة كان ابن جريج لا يبالي عن من أخذها.

وقال الخلال: وروي أن حجاجا كان هذا منه في وقت تغيره، ويرى أن أحاديث الناس عن حجاج صحاح إلا ما روى سنيد3.

1 المصدر السابق 1/216.

2 المصدر السابق 1/219.

3 انظر: الجرح والتعديل 4/326، والتهذيب 4/214-215، والتقريب 1/335، وفتح الباري 8/253.

ص: 28

كلمة شكر وتقدير

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان: 12]، وقال جل شأنه {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من لم يشكر الناس، لم يشكر الله عز وجل"1. وقال عليه الصلاة والسلام "من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أن قد كافأتموه" 2.

فعملا بهذين الأساسين لا يسعني في هذا المقام إلا أتضرع إلى الله عز وجل وأتوجه إليه سبحانه بالحمد والثناء والشكر على ما منَّ به عليّ من نعمه الكثيرة، من بينها أن منّ عليّ سبيل طريق العلم، كما أشكره سبحانه على توفيقه لإتمام هذه الرسالة؛ فله الحمد والشكر أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

كما أوجه شكري وامتناني وتقديري إلى والدي العزيزين الَّذَّيْنِ تحمَّلا عِبْئَ تربيتي منذ طفولتي بكل فرح وسرور وبصدر رحب، حتى فارقا هذه الحياةَ الفانيةَ، وقد وجّهاني إلى سلوك طريق العلم الشرعي، فأدعو الله عز وجل أن يجزل مثوبتهما، ويسكنهما فسيح جناته.

كما يطيب لي أن أتوجه بخالص الشكر والامتنان والتقدير إلى فضيلة الشيخ أستاذي الفاضل الدكتور/ محمد عمر حوية الذي تفضل بالإشراف على هذه الرسالة، رغم انشغاله وما أنيط به من الأعمال، فقد بذل معي

1 أخرجه الإمام أحمد 2/258 وغيره، من حديث أبي هريرة، بسند صحيح. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/183 وقال: رجاله ثقات.

2 أخرجه أبو داود 2/128، رقم1672 من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

ص: 29

الكثيرَ من أوقاته الثمينةِ في الاستماع إلى هذه الرسالة، وأسدَى كثيراً من توجيهاته الرشيدة وملاحظاته القيمة التي كانت لها الأثر البالغ في إنجاز هذه الرسالة على هذا الوجه.

كما أتوجه بالشكر والامتنان لأستاذي الفاضل فضيلة الدكتور/ أحمد بن عبد الله الزهراني المشرف الأول على هذه الرسالة الذي رسم لي الخطوط العريضة في أُوْلَى مراحلها. فكنت في بادئ الأمر محتارا في كيفية التعامل مع الرواية الواردة في الفتح، وكيفية تدوينها، والتفريق بين الروايات التفسيرية وغيرها من أقوال الأئمة، فكان - حفظه الله - خير عون لي - بعد الله عز وجل في هذه المرحلة الحرِجة، كما كان يشجعني ويحثني دائما على الجد والمثابرة.

وأتوجه بخالص الشكر والامتنان لحكومة المملكة العربية السعودية - وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله - على ما تقدمه من الدعم والجهود المتواصلة لنشر تعاليم الإسلام في أرجاء المعمورة، وما هذه الجامعة المباركة إلا رمزاً لتلك الجهود المباركة.

ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر والتقدير لهذه الجامعة المباركة التي احتضنتني طيلة فترة الدراسة فيها حتى وصلت إلى هذه المرحلة - ولله الحمد -، فأشكر القائمين على أمر هذا الصرح العلمي وأساتذته على ما يقدمونه لطلابه من تسهيلات ورعاية وتوجيهات في سبيل العلم والمعرفة، وفي مقدمتهم معالي مدير الجامعة فضيلة الدكتور/ صالح بن عبد الله العبود - حفظه الله -. وأشكر أيضا المسؤولين في كلية القرآن وأخصّ منهم بالذكر فضيلة عميدها الدكتور/ سليمان بن صالح الخزي، وفضيلة رئيس قسم التفسير الدكتور صالح كاتب.

وأشكر أيضا جميع مشايخي وأساتذتي الذين درّسوني طيلة أيام الدراسة في الجامعة والذين استفدت منهم أثناء إعداد الرسالة.

ص: 30

وأتقدم بالشكر الجزيل وفائق الامتنان لكل من الأستاذين الفاضلين الكريمين، فضيلة الأستاذ الدكتور/ حكمت بن بشير ياسين، وفضيلة الدكتور/ عاصم بن عبد الله القريوتي - حفظهما الله - الذين تفضلا بقبول مناقشة هذه الرسالة وتحملا عناء قراءتها وتقويمها مع كثرة مشاغلهما وضيق وقتهما، فجزاهما الله عني خير الجزاء.

وأشكر زملائي وإخواني الذين ساعدوني في التصحيح والمقابلة وغير ذلك.

كما أشكر كل من قدّم لي يد العون والمساعدة في إنجاز هذه الرسالة سواء بإعارة كتاب أو إرشاد أو تصحيح أو غير ذلك.

وأكرّر شكري وتقديري لأستاذي فضيلةِ الأستاذ الدكتور/ حكمت بشير ياسين على إرشاده إيايَّ إلى هذا الموضوع القيم، وتشجيعِه إيايَّ على العمل فيه، وأشكره أيضا على توجيهاتِه وإرشاداتِه.

فجزى الله الجميع خير الجزاء وأجزل مثوبتهم وسدّد خطاهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 31