الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: ذكره للقراءات
.
إن القرآن الكريم أنزلت على سبعة حرف، وذلك تسهيلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فبأيها قرأ القارئ فمصيب، ففي حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أتاني جبريل فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: إن أمتي لا تستطيع ذلك، حتى قال سبع مرات، فقال لي: اقرأ على سبعة أحرف، ولك بكل ردّة رددتها مسألة، فاحتاج إليّ الخلائق حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم"1.
إضافة إلى ذلك فإن لهذه الأحرف فائدة عظمى في تنوع المعاني وزيادتها، إذ أنها تشتمل على أنواع كثيرة من المعاني المتغايرة المتنوعة، فباختلاف القراءة يختلف المعنى، وهذا الاختلاف إنما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. وهذا من إعجاز هذا القرآن العظيم.
لذا نجد أن الحافظ ابن حجر اهتم بهذا الجانب كثيراً أثناء شرحه، فإذا مرّ بآية أو كلمة فيها أكثر من قراءة يذكرها، ويبيّن مَن قرأ بها، كما ينبّه أحيانا هل هي متواترة أم شاذة.
فمثلا عند قوله تعالى: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] ذكر القراءات الواردة فيها، وبيّن الشاذ منها من المتواتر، ونسب كل قراءة إلى من قرأ بها2.
كما نقل عند قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات:12] ما روى الطبري وابن أبي حاتم من طريق الأعمش عن أبي وائل عن شريح أنه أنكر
1 أخرجه ابن جرير في تفسير رقم32 في حديث طويل، بإسنادين عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن أبي ابن كعب. وقد صحّح المحقق محمود محمد شاكر إسناده.
2 انظر: فتح الباري 8/364.
قراءة {عَجِبْتُ} بالضم، ويقول إن الله لا يعجب وإنما يعجب من لا يعلم1، قال فذكرته لإبراهيم النخعي فقال: إن شريحا كان معجبا برأيه، وأن ابن مسعود كان يقرؤها بالضم وهو أعلم منه، ومن طريق أخرى عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود أنه قرأ {بَلْ عَجِبْتُ} بالرفع ويقول نظيرها:{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرعد: 5]2.
وعند قوله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} [الإسراء: 93] نقل ما رواه عبد بن حميد بسنده عن مجاهد قال: كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيتها في قراءة عبد الله أي ابن مسعود "أو يكون لك بيت من ذهب"3.
وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقرأ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] فأنكر عليه سعد ابن أبي وقاص، واستدل بقوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] ، وكانت قراءة سعد {أو تَنْساها} 4.
1 مذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتا يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل. وصفة العجب في حق الله سبحانه وتعالى قد ثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الرجل الذي أضاف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه "لقد عجب الله عز وجل، أو ضحك - من فلان وفلانة " الحديث. انظر: صحيح البخاري، تفسير سورة الحشر، ومسلم، كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف.
2 وهما قراءتان متواتران - أعني قراءة الفتح والضم في قوله: {بَلْ عَجِبْتَ} -، وانظر رقم 2240-2241.
3 انظر رقم 1427.
4 أخرجه عبد الرزاق 1/55، وابن جرير رقم1755، 1756 وغيرهما، انظر: رقم 93.