الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: تناوله لقضايا النسخ
.
إن معرفة الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم مهم جداً في الشريعة الإسلامية، إذ أنه ينبني عليه أحكام، فما ثبت فيه محكما غير منسوخ يجب العمل به، وما كان منسوخا منه لا يعمل به.
وقد كان السلف الصالح رحمهم الله يرون معرفة الناسخ والمنسوخ شرطا في أهلية المفسر للتفسير والمحدث للحديث. يقول يحيى بن أكثم التميمي رحمه الله وهو أحد عظماء السلف المتوفى سنة242هـ "ليس من العلوم كلها علم هو أوجب على العلماء وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه؛ لأن الأخذ بناسخه واجب فرضاً والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهى إليه، فالواجب على كل عالم، علم ذلك لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمراً لم يوجبه الله، أو يضع عنهم فرضاً أوجبه الله"1.
وللحافظ ابن حجر مباحث قيمة في هذا الباب، أوردها أثناء شرحه لصحيح البخاري، وكان يرد بعض الآراء والأوهام في دعوى نسخ بعض الآيات، والأمر خلاف ذلك. ومن أمثلة ما ذكر في قضايا النسخ:
ما أورده في سورة النساء من كتاب التفسير، باب {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الآية [النساء: 33] ، والذي أخرجه الطبري من طريق قتادة قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك وترثني وأرثك، فلما جاء الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث
1 انظر: جامع بيان العلم وفضله للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي 2/35.
وهو السدس، ثم نسخ بالميراث فقال:{وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] 1، ومن طرق شتى عن جماعة من العلماء كذلك، ثم قال ابن حجر:"وهذا هو المعتمد، ويحتمل أن يكون النسخ وقع مرتين: الأولى حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة فنزلت {وَلِكُلٍّ} وهي {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] فصاروا جميعا يرثون، وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس، ثم نسخ ذلك آية الأحزاب وخص الميراث بالعصبة وبقي للمعاقد النصر والإرفاد ونحوهما، وعلى هذا يتنزل بقية الآثار، وقد تعرض له ابن عباس في حديثه أيضا، لكن لم يذكر الناسخ الثاني، ولا بد منه، والله أعلم" ا. هـ.2.
وذكر في كتاب الحدود، باب البكران يجلدان وينفيان، حديث ابن عباس الذي أخرجه الطبراني قال: كن يحبسن في البيوت إن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت: لما نزل {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء:15] حتى نزلت {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2]3.
وذكر أيضا حديث عبادة بن الصامت الذي روى مسلم وأصحاب السنن عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" 4.
1 الأثر أخرجه ابن جرير رقم9269.
2 فتح الباري 8/249، انظر رقم 524.
3 أخرجه الطبراني في الكبير ج 11/رقم11134، انظر رقم 495.
4 أخرجه مسلم في صحيحه رقم1690-12، انظر رقم 492.