الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي بن علي العمري
(1)
أخي الصغير ذو الأدب الغزير علي بن علي
شاب بلدنا وأديبها، ورجل قطرنا وأريبها. حاوي السؤدد والكمال، الذي لم يكن له في سنه مثال.
وذا غلام بعيد صيته وله
…
فصاحة وفعال زين الحسبا
وظل ينشدها دهراً ويطربها
…
حتى رأته بذيل الدهر منتصبا
استقل بالأدب فغدا أمامه، واوضح طرق الذكاء فكان همامه.
يزعم بنفسه أنه الجرم الأصغر، وفيه قد انطوى العالم الأكبر، وهو رئيس الأدب وغيره الذي لم يذكر. وهو من الذين قال فيه قائلهم، وهو حسانهم ووائلهم.
ونحن أناس نرتدي الحلم شيمة
…
ونغضب أحياناً فنروي العواليا
فلولا الهوى لم يغض عينا على قذى
…
فتى كان مجنيا عليه وجانيا
قد طلع في الأدب طلوع الهلال، وجهز للقريض قوافل
(1) هو ابن علي ابي الفضائل سمي باسم بابيه لانه كان ابن أشهر حين توفي ابوه سنة 1147 هـ. وتكفل بتربيته أخوه عثمان مؤلف الكتاب. قرأ العلوم على ملا عبد ابن عنيدة. ومحمد سليم الاردلاني، والملا درويش العقراوي. ولما توفي اخوه احمد العمري ولي مكانه على أوقاف جامع العمرية في الموصل، سافر الى اسلامبول سنة 1192 هـ صحبة الأمير يوسف أغا قابجي. ولم تطل ايامه فمات في نفس السنة ودفن باسكوار قال عنه صاحب غاية المرام ص 236 انه كان فاضلا بارعا في النظم والنثر وعلوم البديع والبيان والمعاني. وله تآليف جيدة في مطالب تلك الفنون.
ونوه به صاحب الشمامة. وله في الموصليات نحو احدى عشرة قصيدة انظر عنه ايضا: تاريخ الموصل 2: 194 - 197.
القوافي على أحسن منوال. شعشع الحديث وروقه، وبكل قلادة من الكمال طوقه. وهو من الفحول، الذي لم يعتره نحول. ملك أزمة المحامد والأدب، فغدا حجة ألسنة اللسن من العرب.
وكيف لا وهو من هذا البيت، الذي لم يتحمل عسى وليت.
ونحن أناس لم تطأنا رذالة
…
ولا انسحبت للذل فينا ذيول
له نظم تتهاداه الأيام، تهادي العلاج للأسقام. وهو قد انبت منه كل غريب، وأثبت منه بالرائع المهيب. وهو الواحد فيه، الذي يستحص منه كل نبيه.
أودعه الوالد وهو إذ ذاك ابن أشهر، فربيته بالأحضان. وأرضعته في تلك الطفولية من ثدي الذكاء والأذهان. حتى انتشى وهو في الأدب إمام، كما تراه ليس عليه كلام.
فمن شعره المنسجم، الرائق الكلم، والفائق النظم، قوله:
طرة النهر سرحتها النسائم
…
وعلت منبر الغصون الحمائم
ساجلتها بلابل الدوح حتى
…
شق ورد الربى جيوب الكمائم
ما ترى الشرق سل مرهف فجر
…
قد تغرى براحة الأفق قائم
وسطا في الظلام حتى تبدى
…
فلقاً فالدماء فيه علائم
فاختلس فرصة الزمان بروض
…
ضحك الزهر من بكاء الغمائم
وتنبه لساعة الأنس وانهب
…
صفوة العيش واطرح كل لائم
واجتل كأس مبسم من غزال
…
بابلي اللحاظ حلو ملائم
مايس الطرف كلما راح يخلو
…
وده الصب فوق جفنيه دائم
ذي دلال تمهد الحسن حتى
…
قلدته زهر النجوم التمائم
نفثت مقلتاه سحرا فأمسى
…
كل صب محلول عقد العزائم
وعلى غصن قده كم تمنى
…
طائر القلب لو يكن فيه حائم
جال ماء الجمال في روض خد
…
منه إنسان مقلتي فيه عائم
لا تلمني إن سمته بيع روحي
…
فعلى كل حالة أنا سائم
فسقى الله ملعباً قد تقضى
…
حادث الدهر كان لي عنه نائم
بعتاب أرق من ورد خد
…
نبهت جفنه أيادي النعائم
قوله: وده الصب فوق جفنيه دائم، فيه من أنواع البديع الاكتفاء (1). وهو نوع لطيف ينقسم إلى قسمين: قسم يكون بجميع الكلمة، وقسم يكون ببعضها. وقالوا: الاكتفاء بالبعض اصعب مسلكا، ولكنه أحلى موقعا.
فشاهد الاكتفاء بجميع الكلمة قول ابن مطروح (2):
لا أنتهي لا أنثني لا أرعوي
…
ما دمت في قيد الحياة ولا إذا
إذ المعلوم أن باقي الكلمة ولا إذا مت، لما تقدم من قول الحياة، ومتى ذكر تمامه في البيت الثاني كان عيباً من عيوب الشعر، مع ما يفوته من حلاوة الاكتفاء ولطفه وحسن موقعه في الأذهان.
ومنه قول شيخ شيوخ حماة (3)
أهلا بطيفكم وسهلا
…
لو كنت للإغفاء أهلا
لكنه وافى وقد
…
حلف السهاد علي أن لا
(1) الاكتفاء ضرب من الايجاز، نوع يكون بكلمة فاكثر ونوع يكون لبعض كلمة فالاول هو ان يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط، فيكتفى باحدهما عن الآخر مثل قوله تعالى «سرابيل تقيكم الحر» اي والبرد. والنوع الثاني من الاكتفاء وهو الذي يكون ببعض الكلمة فهو حذف بعض حروف القافية من آخرها لدلالة الباقي عليه انظر تفصيل ذلك في انوار الربيع 3/ 71.
(2)
انظر حاشية ص: 85
(3)
انظر حاشية ص: 155
ومنها قوله مما نحن فيه أيضا:
راموا فطامي عن هوى
…
غذيته طفلا وكهلا
فوضعت طوقي في يدي
…
وقلت خلوني وإلا
وما اطرف ما قال البهاء زهير (1) من قصيدة مطلعها:
يا حسن بعض الناس مهلا
…
صيرت كل الناس قتلى
لم تبق غير حشاشة
…
في مهجتي وأخاف أن لا
ومنه قول ابن نباتة وقد جمع بين الاكتفاء والمثل السائر:
اسقني صرفا من الرا
…
ح تحت الهم حتا
ودع العذال فيها
…
يضربون الماء حتى
ومن لطائف شيخ شيوخ حماة في هذا النوع قوله:
صلي ودعي نفارك عن محب
…
بذكرك آنس في الليل ساكن
ولا تستقبحي شيباً برأسي
…
فما أن شبت من كبر ولكن
ومنه قول ابن سناء الملك (2) من قصيدة:
رأيت طرفك يوم البين حين همى
…
والدمع ثغر وتكحيل الجفون لمى
فاكفف ملامك عنه حين ألثمه
…
فما شككت بأني قد لثمت فما
لو كان يعلم مع علمي بقسوته
…
تألم القلب من وخز الملام لما
(1) هو الفضل زهير بن محمد بن علي المهلبي العتكى الكاتب، بهاء الدين. اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح. وعرفه ابن خلكان واجتمع به واثنى عليه. توفي سنة 656 هـ. وديوانه مطبوع عدة طبعات وترجمه المستشرق بالمر نظما الى الانكليزية. انظر ابن خلكان 1/ 194 وبروكلمان
(2)
هو القاضي السعيد هبة الله بن القاضي الرشيد جعفر بن المعتمد سناء الملك المصري، كان من الرؤساء النبلاء وكان منشئا حسن الانشاء، وهو أول من استكثر من الموشحات، وأجاد فيها من المشارقة. وله ديوان شعر. اخباره في ابن خلكان 1/ 188. والخريدة قسم مصر 1/ 64، وشذرات الذهب 5/ 35.
وتلطف القيراطي (1) في هذا النوع من بديع الاكتفاء والاقتباس
حسنات الخد منه
…
قد أطالت حسراتي
كلما ساء فعالا
…
قلت إن الحسنات
ومنه قول ابن حجة (2):
تطلبت منه قبلة وهو نافر
…
فقال وقتلى حبنا لن يقبلا
فقلت له بالوصل عدني إلى غد
…
فبعدك مات الصبر قال نعم إلى
وقوله أيضا مع زيادة التضمين:
صهباء ريقته رشفت سلافها
…
فتغلبت وعجزت أن أتكلما
فلئن سئلت أقل لمن هو سائل
…
أني لأفهم ما تقول وإنما
*** وأما القسم الثاني وهو الاكتفاء بالبعض وقد تقدم انه صعب المسلك، وهو عزيز الوقوع جدا. فمن ذلك قول ابن سناء الملك من قصيدة (3):
أهوى الغزالة والغزال وربما
…
نهنهت نفسي عفة وتدينا
ولقد كففت عنان عيني جاهدا
…
حتى إذا أعييت أطلقت العنا
ومنه قول القاضي فخر الدين بن مكانس (4):
لله ظبي زارني في الدجى
…
مستوفزاً ممتطياً للخطر
فلم يقف إلا بمقدار أن
…
قلت له أهلا وسهلا ومر
***
(1) برهان الدين ابراهيم بن عبد الله بن محمد القيراطي، فقيه، اديب، شاعر من اعيان القاهرة توفي بمكة اثناء مجاورته بها، سنة احدى وثمانين وسبعمائة الدرر الكامنة 1/ 32، شذرات الذهب 2/ 269
(2)
انظر حاشية ص: 71
(3)
انظر حاشية ص: 212
(4)
فخر الدين ابو الفرج عبد الرحمن بن عبد الرزاق القبطي الحنفى المصري، وزير، شاعر، بليغ توفي سنة 794 هـ. الدرر الكامنة 2/ 330، النجوم الزاهرة 12/ 131 - 132
ومثله قول ابن الدماميني (1):
الدمع قاض بافتضاحي في هوى
…
ظبي يغار الغصن منه إذا مشى (2)
وغدا بوجدي شاهداً ووشى بما
…
أخفي في الله من قاض وشا
ومثله أيضا قوله:
يقول مصاحبي والروض زاه
…
وقد بسط الربيع بساط زهر
تعال نباكر الروض المفدى
…
وقم نسعى إلى ورد ونسر
*** ومن شعر صاحب الترجمة في المديح:
لا وثغر فضح الدر ابتساما
…
ومحيا أخجل البدر التماما
ولحاظ فتكت في سحرها
…
ومرت في مهجتي منها سهاما
لم يكن ينفعني صبري إذا
…
جردت عيناك للقلب حساما
قاتل الله الهوى كم عاشق
…
ألف الصبوة واستحلى الغراما
كيف لي يا عز صبر في الهوى
…
وولوعي فيك قد عاد هياما
يا سقى الله زماناً بالحمى
…
من ملث السحب سحاً وانسجاما (3)
ورعى بالشعب لي من جيرة
…
ضيعوا عهدي ولم يرعوا الذماما
يا نسيماً هب من أطلالهم
…
حاملا من عرقهم ريحاً ثماما (4)
«قل لجيران الغضا آها على
…
طيب عيش بالغضا لو كان داما»
حيث سامرت بها الغيد وقد
…
نام طفل النبت في حجر النعامى
فتعاطى أكؤس الحب جوى
…
لاهتزاز الطل في مهد الخزامى
(1) في الريحانة 2: 109، 110: الدماميني حيث وردت هذه الامثلة. وهو بدر الدين محمد بن ابي بكر بن عمر المخزومي عالم واديب مصري توفي سنة 828. (انظر معجم المطبوعات العربية).
(2)
في ب: مشا
(3)
في ب بالحما
(4)
في الاصل: ريحا تماما، وفي ب ريح التماما
ذكرتني معهداً ربح الصبا
…
عن ربا سلع ومن فيه أقاما
فعلى العيش الذي قد مر لي
…
بالحمى وجداً أيا برق السلاما
يا ندامى كيف لي قلب وقد
…
خلفوني مستهاماً يا ندامى
مغرماً يستعطف الأرواح إن
…
نسمت من سفح نجد والمقاما
خل عن ذكر سليمى والتي
…
سلبت لبك جيداً وقواما
واطرح حب سعاد إنما
…
حبها ذل ولم تقض مراما
ولد عد ورباب قبلها
…
ولمن مر على دار أماما
واكتسب عزاً وفخراً بالذي
…
قد غدا للفضل كهفاً وإماما
وامتدح من علمته نفسه
…
طلب العز رضيعا وغلاما
ما جد يفضح منهل الحيا
…
جوده والبدر نوراً واحتشاما
وحبيب قد غدت آلاؤه
…
تخجل الغيث انتشاراً وانتظاما
ومنها:
قسماً ما الروض حيته الصبا
…
صافحت منه عراراً وبشاما
ومنها في آخرها:
حفه الله بلطف زائد
…
أبداً باق على الدهر دواما
وقوله: قل لجيران الغضا آها على. هذا البيت من قصيدة لمهيار الديلمي (1) مطلعها:
بكر العارض يحدوه النعامى
…
فسقاك الري يا دار اماما
(1) ابو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي كان مجوسيا فاسلم على يد الشريف المرضى توفي سنة 428 وله ديوان كبير في اربع مجلدات طبعته دار الكتب المصرية. انظر الاعلام ففيه ذكر المصادر وانظر معجم المطبوعات العربية.
وتمشت فيك أرواح الصبا
…
يتأرجن بانفاس الخزامى
قد قضى حفظ الهوى أن تصبحي
…
للمحبين مناخا ومقاما
وبجرعاء الحمى قلبي فعج
…
بالحمى واقرأ على قلبي السلاما
وترحل فتحدث عجبا
…
إن جسما سار عن قلب أقاما
قل لجيران الغضا آها على
…
طيب عيش بالغضا لو كان داما
حملوا ريح الصبا نشركم
…
قبل أن تحمل شيحاً وثماما
وابعثوا لي في الدجى طيفكم
…
إن أذنتم لعيوني أن تناما
وقوله: قسما ما الروض حيته الصبا، فيه من أنواع البديع التفريع (1)، واستشهدوا فيه بقول الأعشى (2):
ما روضة من رياض الحزن معشبة
…
غناء جاد عليها مسبل هطل
يضاحك الشمس فيها كوكب شرق
…
مؤزر بعميم النبت مكتهل
يوماً بأطيب منها طيب رائحة
…
ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
ومنه قول أبي تمام:
ما ربع مية معموراً يطيف به
…
غيلان أبهى ربى من ربعه الخرب
ولا الخدود وإن أدمين من خجل
…
أشهى الى ناظري من خدها الترب
***
(1) التفريع هو ان يأخذ المتكلم في وصف فيقول: ما كذا ويصفه بمعظم اوصافه اللائقة به في الحسن والقبح. ثم يجعله اصلا يفرع منه معنى فيقول بافضل من كذا وهو المعنى المشهور للتفريع وهو الذي نظمه اصحاب البديعيات ومنه قول الاعشى المذكور.
وهناك معنى آخر للتفريع وهو ان يثبت لمتعلق امر حكما بعد اثبات الحكم لمتعلق له آخر على وجه يشعر بالتفريع والتعقيب كقول الكميت:
احلامكم لسقام الجهل شافية
…
كما دماؤكم تشفى من الكلب
(2)
هو ابو بصير ميمون بن قيس المتوفى سنة 629 م صاحب المعلقة او لامية الاعشى.
ومن العجائب في هذا الباب قول إبراهيم بن سهل الاشبيلي (1):
وما وجد أعرابية بان دارها
…
وحنت إلى بان الحجاز ورنده
إذا آنست ركباً تكفل شوقها
…
بنار قراه والدموع بورده
وإن أوقدوا المصباح ظنته بارقا
…
يحيى فهشت للسلام ورده
بأعظم من وجدي بموسى وإنما
…
ترى أنني أذنبت ذنباً بوده
*** ومن قول ابن نباته من قصيدة في المديح:
ما السحب خافقة ذوائب برقها
…
بأبر من جدواه في الانواء
لا والذي أعلى وأعلن مجده
…
حتى تجاوز هامة الجوزاء
وله من قصيدة:
ما روضة قلدت أجياد سوسنها
…
من الرياب عقود لؤلؤيات
فللجدوال تصفيق براحتها
…
ورقص القضب للأطيار رنات
يوماً بأبهج من أخلاقها نظراً
…
أيام تنكر أخلاق سريات
ولا الغيوث بأسخى من عوائده
…
أيام تعبى السجيات السخيات
ولا الشموس بأجلى من فضائله
…
أيام تدجو الظنون اللوذعيات
ولا النجوم بأنأى من مراتبه
…
أيام تزدحم الأيدي العليات
*** ومن إنشاء القاضي شهاب الدين (2) في هذا الباب قوله:
(1) ابراهيم بن سهل ابو اسحاق الاشبيلي شاعر غزل من الكتاب، كان يهوديا واسلم، اصله من اشبيلية وسكن سبتة، مات غريقا سنة 649 هـ. له ديوان شعر صغير مطبوع ترجمته في فوات الوفيات 1/ 23.
انظر معجم المطبوعات العربية والاعلام.
(2)
هو ابو الثناء شهاب الدين محمود بن سلمان بن فهد بن محمود الحلبي ثم الدمشقي صاحب ديوان الانشاء كان شيخ صناعة الانشاء في عصره. مولده سنة اربع واربعين وستمائة وتوفي سنة خمس وعشرين وسبعمائة بدمشق الدرر الكامنة 4/ 324 وفوات الوفيات 2/ 286 والبداية والنهاية 14/ 120 والنجوم الزاهرة 9/ 264 واسمه فيه محمود بن سليمان وانظر الاعلام 8/ 48.
وما أم طفل قذفها الزمن العنيد، ببعض البيد، في ارض موحشة المسالك، قليلة المهالك (1)، قد لمع سرابها، وتوقدت هضابها، وصرخ بومها، ونفر ظليمها، وحضر سمومها، وغاب نسيمها.
فلما خافت على ولدها من الظمأ الهلاك، أجلسته إلى جانب كثيب هناك. ثم ذهبت في طلبة الماء للغلام، لئلا يقضي عليه الأوام، فانتهى بها المسير، إلى روضة وغدير، وآثار مطي بوارك، تدل على أن الطريق هنالك، فعادت إلى ولدها مسرعة، وكل أعضائها إليه متطلعة. فلما شارفت جانب الكثيب، رأت ولدها في فم الذيب. فجرت دمعتها وسالت، وتحرقت فقالت (2):
بأكثر مني حسرة وتلهفا
…
وأعظم مني حرقة وتوجعا (3)
وأغزر دمعا عند ما قيل لي الذي
…
كلفت به أضحى على البعد مزمعا
ولابن نباته من رسالة:
وينهى بعد ولاء غير مختلق، ودعاء كان طائره المحلق إلى السماء مخلق الشفق. وثناء ماء الروض وان زها وجهه الأنضر، وجادت خيوط الودق حتى نسج فيه برده الأخضر. وتبسمت عجبا في أرجائه ثغور الأزهار وتنفست فرحا بظلال مروحه معاصم الأنهار بأبهج منه رونقاً، ولا أعطر منه عبقا، ولا أسجع على أفنان الفصون مطوقا.
طوقتني نعماً فها أنا ساجع
…
مدحاً ولا عجب بسجع مطوق
(1) في الاصلين الهالك والتصويب من الخزانة ص 415.
(2)
هذه الجملة ليست في الخزانة والمعنى لا يستقيم بها.
(3)
وورد الشطر الاخير واعظم مني فرقة وتاسفا وهو خطأ.
ولصاحب الترجمة من التضمين:
لك الله روض للمحاسن جامع
…
به انتظمت در السرور بلا شك
تضاحك فيه مبسم الزهر مذ غدا
…
يقول له جفن الغمام قفا نبك (1)
*** ومثله قول القائل في الغزل:
توقد جمر القلب عند تغزلي
…
فمن أجل هذا قد أتى جيد السبك
وما حفظت عيناي من شوم بختها
…
على كثرة الأشعار إلا قفا نبك (1)
*** ولابن مطروح (2) فيه من قصيدة:
وغناهم شاد أغن فزادهم
…
سروراً بشعر رائق حسن السبك
تلعب فيهم بالكلام تلعبا
…
كما تلعب الأمواج في البحر بالفلك
فقم وانهب اللذات قبل فواتها
…
ودعني من قول ابن حجر قفا نبك
*** ومثله قول سيف الدين بن المشد (3):
شعار بليغ بل بلاغة شاعر
…
معانيه بل ألفاظه حلوة السبك
لقد ترك الضحاك في الناس ضحكة
…
وأبكى الذي قد قال قدماً قفا نبك (1)
***
(1) في المخطوطتين: قفا نبكي.
(2)
ابو الحسن يحيى بن عيسى بن ابراهيم ابن مطروح، جمال الدين المصري توفي سنة 649 اخباره في وفيات الاعيان 2/ 341 وحسن المحاضرة 1/ 122 والوافي بالوفيات للصفدي. وله ديوان مطبوع انظر معجم المطبوعات العربية.
(3)
كذا ورد اسمه ابن المشد؛ وفي النجوم الزاهرة: وهو على بن عمر بن قزل التركماني المصري. سيف الدين المشد كان «مشد الديوان» بدمشق. ولد بمصر وتقلب في دواوين الانشاء وتوفي بدمشق سنة 656 هـ وله ديوان شعر مخطوط انظر فوات الوفيات 2/ 63، النجوم الزاهرة 7/ 64، البداية والنهاية 13/ 197 والاعلام للزركلي 5/ 131. شذرات الذهب 5/ 280.
ولبعض شعراء النفحة في هذا:
من الروم ريم إن رنا قال لحظه
…
حذار سيوف الهند من أعين الترك
وحين رأت عيناي عارضه بدا
…
على خده الوردي قال قفا نبك (1)
*** ومثله لابن السمان (2):
أما وقوام لا يمل من الفتك
…
وصارم لحظ لا يضل من السفك
وصفحة خد من لجين تخالها
…
مسطرة باللازورد وبالمسك
لئن تليت للسمع حلية حسنه
…
يناشدني قلبي الجريح قفا نبك (1)
*** وقلت أنا فيه:
تعشقته طفلا وقلت إذا انتشى
…
سأجني إذا ورداً وآساً بلا شك
ولما بدا آس العذار منمنما
…
رفعت يدي عنه وقلت قفا نبك (1)
ولصاحب الترجمة في التضمين:
أفديه ظبياً فوقت لي لحظه
…
سهما به استدت علي منافذي
أني استجرت بخال خدك انه
…
هذا مقام المستجير العائذ (3)
***
(1) في المخطوطتين قفا نبكي.
(2)
عبد الباقي بن احمد، أديب من الشعراء، ولد بدمشق وتعلم بها وسافر الى بلاد الترك وتصرفت به الاحوال وحظي عند السلطان محمد العثماني واستقر بالقسطنطينية الى ان توفي سنة 1088 هـ. وبها لقيه صاحب نفحة الريحانة. انظر خلاصة الاثر 2/ 270 - 283 والاعلام 4/ 44.
(3)
هذا شطر بيت نسبه صاحب الاغاني 5/ 30 الى ابراهيم الموصلي. وتمام البيت كما ذكره.*
وقال أيضا:
يا رب من دائي أتيتك راجياً
…
متشبثاً في ذيل لطف لائذ
إني استجرت بما اقترفت وعائذ
…
هذا مقام المستجير العائذ
*** وقال وأحسن:
لما امتطيت مطامعي متحميا
…
لحمى المهيمن إذ قطعت لذائذي
قالت لي الآمال فاسكن لا تخف
…
هذا مقام المستجير العائذ
والأصل في هذا أن جارية من جواري المأمون غنت له بأبيات وهي:
ولقد أخذتم من فؤادي أنسه
…
لاشل ربي كف ذاك الآخذ
وزعمت أني ظالم فهجرتني
…
ورميت في قلبي بسهم نافذ
ونعم هجرتك فاغفري وتجاوزي
…
هذا مقام المستجير العائذ
هذا مقام فتى أضر به الهوى
…
فرح الجفون بحسن وجهك لائذ
وقد ضمنه جماعه من المتأخرين. فمنهم السيد محمد بن كمال الدين نقيب الأشراف (1) في الشام فإنه قد قال:
نقل العذول بأنني أفشيت ما
…
أخفى الحفاظ من الغرام الواقذ
*
ونعم ظلمتك فاغفري وتجاوزي
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقبله:
وزعمت أني ظالم فهجرتني
…
ورميت في قلبي يسهم نافذ
وقد نسب الثعالبي في اليتيمة (1/ 91) هذين البيتين الى ابي زهير مهلهل بن نصر ابن حمدان حين ذكر شعراء بني حمدان. وتابعه على ذلك ابن معصوم في انوار الربيع 4/ 86.
(1)
هو السيد محمد بن كمال الدين بن محمد بن حسين بن محمد بن حمزة الحسيني الحنفي. ولد في دمشق سنة اربع وعشرين والف وتوفي سنة خمس وثمانين والف وترجمته في خلاصة الاثر 4/ 124 ونفحة الريحانة 2/ 9، وتراجم بعض اعيان دمشق ص 9 - 16.
هبني اقترفت لما افترى فاغفره لي
…
هذا مقام المستجير العائذ
ومنهم ولده السيد عبد الكريم (1):
هب قادني فيك الغرام فما الذي
…
ألجأك تعذيبي بهجر واقذي
أضراعتي أم ما افترته عواذلي
…
عني إليك من الكلام النافذ
رحماك بي لا ترع غير مودتي
…
وحفاظ ودي لا تكن بالنابذ
فلديك منك بك استعذت وانه
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقال أيضا:
ريم رنا نحوي بطرف أدعج
…
فاستل روحي من جميع مآخذي
فطفقت استعف اللواحظ قائلا
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقال السيد إبراهيم (2):
قد أوسعت عيناه قلبي اسهما
…
إن غض عني هذه أصمى بذي
ما فوقت إلا وقلت لسهمها
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقال الشيخ عبد الغني (3):
لاحظت خالا تحت صفحة خده
…
متواريا خلف اللهيب النافذ
فسألته ماذا المقام فقال لي
…
هذا مقام المستجير العائذ
(1) ولد بدمشق سنة احدى وخمسين والف ونشأ بها في ظل ابيه وتولى نقابة الاشراف بدمشق توفي سنة ثمان عشرة ومائة والف ترجمته في سلك الدرر 3/ 66 ونفحة الريحانة 2/ 67 وتراجم بعض اعيان دمشق ص 27.
(2)
هو السيد ابراهيم بن السيد محمد المذكور قبل واخو السيد عبد الكريم ولد بدمشق سنة اربع وخمسين والف ونشأ بها في كنف والده وتولى وظائف هامة توفي سنة عشرين ومائة والف ترجمته في سلك الدرر 1/ 22 ونفحة الريحانة 2/ 86. وتراجم بعض اعيان دمشق ص 39.
(3)
هو الشيخ عبد الغني بن اسماعيل بن عبد الغني النابلسي الدمشقي. ولد في دمشق سنة خمسين والف وتوفي سنة ثلاث واربعين ومائة والف وله مؤلفات كثيرة ذكرها المرادي في كتابه وطبع منها عدد غير قليل. ترجمته في سلك الدرر 3/ 30 ونفحة الريحانة 2/ 137، وتاريخ الجبرتي 1/ 159، الاعلام 4/ 158 وتراجم بعض اعيان دمشق ص 67.
وقال الشيخ عبد القادر الحموي (1):
وافى الحبيب بغير وعد زائرا
…
يرنو بطرف للمجامع آخذ
وأتى بسكر هوى وسكر مدامة
…
حتى إذا استدت على منافذي
ناديته حسبي فديتك زائرا
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقال الشيخ عبد الحي (2):
أنزلت آمالي بواد مخصب
…
وحمى منيع نعم كهف اللائذ
فلذاك ناداني يقيني معلنا
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقال الشيخ زين الدين (3):
واغن فتاك اللواحظ أدعج
…
يرمى بنبل في القلوب نوافذ
نادته افلاذي وقد فتكت بها
…
هذا مقام المستجير العائذ (4)
وقال السفرجلاني (5)
(1) كذا في الاصول الشيخ عبد القادر الحموي غير ان هذا الابيات وردت في نفحة الريحانة 2/ 16 منسوبة الى عبد القادر بن عبد الهادي وهو عبد القادر بن بهاء الدين بن نبهان المعروف بابن عبد الهادي العمري الدمشقي. توفي سنة مائة والف وله منظومات في علوم متفرقة وترجمة في خلاصة الاثر 2/ 437 ونفحة الريحانة 1/ 586. وقد ورد في سلك الدرر 3/ 46 ترجمته لعبد القادر بن ابراهيم بن شرف الدين الحموي القادري المولود ببغداد سنة 1080 هـ والذي استقر بدمشق وتوفي بها سنة 1127. غير ان المرادي لم يذكر ان له شعرا، ونرجح ان كلة الحموي التي وردت في الاصلين هو تصحيف لكلمة العمري.
(2)
هو الشيخ ابو الفلاح عبد الحي بن احمد بن محمد العكري الصالحي الحنبلي المعروف بابن العماد المصنف الاديب الاخبارى صاحب شذرات الذهب ولد سنة اثنتين وثلاثين والف وتوفي سنة تسع وثمانين الف وترجمته في خلاصة الاثر 2/ 340 والاعلام 4/ 31.
(3)
هو زين الدين بن محمد بن احمد البصري الشافعي الدمشقي ولد سنة تسع وثلاثين بعد الالف واشتغل بالتدريس وكان اديبا شاعرا. وتوفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة والف. ترجمته في سلك الدرر 2/ 120 ونفحة الريحانة 1/ 420.
(4)
في الاصلين «ناديت افلاذي فتكت بها اذا» وما اثبتناه من نفحة الريحانة 2/ 17.
(5)
هو ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن عبد الكريم السفرجلاني الدمشقي. ولد بدمشق سنة خمس وخمسين والف. وبها نشأ. وبرع في الرياضيات ونبغ في الادب وله ديوان مشهور توفي سنة سبع عشرة ومائة والف ترجمته في سلك الدرر 1/ 15 ونفحة الريحانة 1/ 479. والاعلام 1/ 65 ومنتخبات تاريخ دمشق 614.
يا آل بيت المصطفى شعري حلا
…
فيكم وطابت بالمديح لذائذي
وافيتكم أبغي حماكم منشدا
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقال الشيخ محمد الذهبي (1):
يا من إذا جاريته في مسلك
…
ألفيته قد سد طرق مآخذي
ارفق بمضناك الذي حيرته
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقال المنجكي (2):
بسوى حماكم لا تراني مقلة
…
يا من لهم ودي المؤكد لائذي (3)
ارفق بمضناك الذي حيرته
…
هذا مقام المستجير العائذ
وقال عبد الرحمن الموصلي (4):
عاهدته أن لا يميل وقد رأى
…
نبذ العهود فديته من نابذ
رد الصباح لناظري بهجره
…
ليلا وسدد بالصدود منافذي
ناديته واليأس أمسى ضاحكا
…
وأنامل الآمال تحت نواجذي
رفقاً بقلب لا يميل لغيركم
…
هذا مقام المستجير العائذ
(1) في الاصلين الشيخ محمد الرحبي وصوابه الذهبي وهو محمد بن عبد اللطيف الدمشقي الشافعي المعروف بالذهبي فاضل بارع له شعر مطبوع ومشاركة جيدة، توفي سنة ست ومائة والف ودفن بالذهبية.
ترجمته في سلك الدرر 4/ 63 والبيتان فيه، وذكر البيتين صاحب نفحة الريحانة 2/ 17.
(2)
هو الامير منجك بن محمد بن ابي بكر اليوسفي الجركسي الدمشقي جمع اشعاره بعد وفاته فضل الله المحبي والد صاحب النفحة. توفي سنة ثمانين والف عن ثلاث وسبعين سنة ترجمته في خلاصة الاثر 4/ 409. ونفحة الريحانة وريحانة الالبا 1/ 232. وسلافة العصر 369. والاعلام 9/ 224 وبروكلمان 2/ 256.
(3)
في الاصلين عجز البيت ما من له ودي المؤكد وما اثبتناه من نفحة الريحانة 2/ 18. وعجز البيت في الديوان يا من لهم ودى القديم بلائذ وجاء صدر البيت الثاني في النفحة فاذا وقفت ببابكم متذللا.
(4)
هو عبد الرحمن بن ابراهيم بن عبد الرحمن الموصلي الدمشقي الصوفي ولد سنة احدى وثلاثين والف وكان اديبا فاضلا، بارعا، ناظما. وكان معتقدا عند خاصة الناس وعامتهم شيخا للصوفية في وقته توفي سنة ثمان ومائة والف ترجمته في سلك الدرر 2/ 259 ونفحة الريحانة 1/ 430.
وقلت أنا أيضا:
لما ألم بي الاذاء وعلني
…
وأملني حتى قطعت لذائذي
أسبلت دمعي في تطلب من يكن
…
كهفاً وملجأ في الصعاب للائذ (1)
فتعلقت كفي بآل المصطفى
…
فصفت لي الدنيا بكل مآخذي
فطفقت أشدو منشداً متوجداً
…
هذا مقام المستجير العائذ
*** ولصاحب الترجمة:
لا وخد أورث القلب حرق
…
وقوام منه قلبي في قلق
وجبين كهلال لاح في
…
برج سعد ضوؤه يجلو الغسق
ولحاظ نشأ السحر بها
…
وغدا كل شجي في أرق
ما انتشار الطل من دمع الحيا
…
كنظام الثغر منها في النسق
لا ولا كف الصبا ان سرحت
…
طرة النهر كجسم منها رق
والأصل في هذا ما قاله ابن المعتز (2):
لا ورمان النهود
…
فوق أغصان القدود
وعناقيد من الصد
…
غ وورد من خدود
ورسول جاء بالمي
…
عاد من غير وعيد
ونعيم من وصال
…
في قفا طول الصدود
(1) جزم يكن من غير جازم ليستقيم له الوزن.
ويظهر ان المؤلف نقل تضمينات الشطر «هذا مقام المستجير العائذ» من الريحانة غير انه اغفل نقل تضمين السيد عبد الرحمن بن السيد محمد وتضمين عبد الرحمن البعلي انظر نفحة الريحانة 2: 15/ 17 ونذكر للفائدة ان لمحمد بن ابراهيم العمادي المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة والف وهو من شعراء الشام تضمين لهذا الشطر في ذيل نفحة الريحانة ص 16.
(2)
هو عبد الله بن المعتز تقدمت ترجمته.
ما رأت عيني كقد
…
زارني في يوم عيد
*** وللقطب المكي (1) مثل الأول:
لا وغصن راق للطرف ورق
…
وعليه حلل الظرف ورق
وشموس لم تغب عن ناظري
…
والشعور الليل والخد الشفق
وعيون حرمت نومي وما
…
حللت غير دموعي والأرق
ما احمرار الراح إلا خجلا
…
من رضاب سكرت منه الحدق
والذي قد حسبوه حبباً
…
فوق خد الكاس قطرات العرق
*** ومثله لبعض الأدباء وقد أغرب:
لا وفرع كدجى الليل غسق
…
وجبين ضوؤه ضوء الفلق
ومحيا كلف البدر به
…
وخدود من حواليها شفق
ما أرى الغزلان إلا سرقت
…
منك جيداً والتفاتاً وحدق
ثم خافتك فولت شرداً
…
كيف لا يشرد خوفاً من سرق
*** ومثله في المعنى مطلع قصيدة للصفدي (2):
لا واعتدال قوامك المهزوز
…
وصقال هذا خدك الابريزي
وكمال سر أودعته يد البها
…
في خط هذا صدغك المرموز
وفتور طرفك انه يسبي الورى
…
أجفانه بحلاوة التلويز
ورضاب فيك فإنما هو قهوة
…
تحلو لقلبي ساعة التمزيز
(1) هو قطب الدين محمد بن علاء الدين احمد بن محمد النهراني المكي الهندي الحنفي ولد سنة سبع عشرة وتسعمائة واخذ عن شيوخ عصره وله شعر رقيق. كتب تاريخا لمكة المشرفة والف طبقات الحنفية توفي سنة تسعين وتسعمائة ترجمته في البدر الطالع 2/ 57 وريحانة الالبا 1/ 407، شذرات الذهب 8/ 420 وسمط النجوم العوالى 4/ 337.
(2)
تقدمت ترجمته في ص: 105 و 143
ما كنت إذ نفثت جفونك في الحشا
…
لتشف عن عيني حروف حروزي
*** ومثله أيضا في القسم قول ابن المعتز:
لا والذي سل من جفنيه سيف ردى
…
غدت له من عذاريه حمائله
ما صارمت مقلتي دمعاً ولا وصلت
…
غمضاً ولا سألت قلبي بلابله
*** وتعجبني هذه الأبيات من قصيدة لصاحب الترجمة:
وروى حديث الحسن ورد خدودها
…
عن جوهري الثغر بالإسناد
أرويت وجدي عن تسلسل أدمعي
…
عن حرقتي عن لوعتي ورقادي
أشبيهة الظبي المليح ترفقي
…
ودعي كناسك في صميم فؤادي
*** ومثله في إجراء اصطلاحات الحديث ما نظمه الشيخ محمد بن أحمد الفارقي حيث قال:
أحاديث عشقي بين أهل الهوى تروى
…
معنعنها عند التأوه والشكوى
مسلسلها وجدي ومسندها الأسى
…
ومرسلها دمعي ومشكلها البلوى
وصحتها سقمي وصبري غريبها
…
وأحسنها ذلي لعز الذي أهوى
وأما أحاديث الوشاة بأسرها
…
فموضوعة لا حكم فيها ولا فتوى
*** وألطف منه وأرق ما قاله بعضهم وقد أبدع:
روت لي أحاديث الغرام صبابتي
…
بإسنادها عن بانة العلم الفرد
وحدثنا عنها النسيم عن الصبا
…
عن الدوح عن وادي الغضا عن ربا نجد
عن الدمع عن جفني القريح عن الأسى
…
عن الشوق عن قلبي الجريح عن الوجد
بان غرامي والأسى قد تحالفا
…
فلن يبرحا حتى أوسد في اللحد
*** ولطيف هنا قول بعضهم فيه أيضا:
روت لي الصبا عنهم حديثاً معنعناً
…
عن البث عن وجدي عن الحزن عن كربي
عن الشكو عن قلبي عن الشوق عن جوى
…
عن الدمع عن جفني عن النار عن قلبي
*** ومثله في المديح قول ابن تميم (1):
أصح وأقوى ما رويناه في الندى
…
عن الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا
…
عن البحر عن جود الأمير تميم
*** ولطيف هنا قول بعضهم:
حدثنا عرف نسيم الصبا
…
عن بان نجد عن ربا حاجر
عن عذبات البان عن لعلع
…
عن طيب ذاك المبسم العاطر
قالوا سمعنا في الدجى طائراً
…
ينشد بيتا لبني عامر
(1) مرت ترجمته في حاشية ص 126
ما أقبح السلوان من عاشق
…
وما ألذ الوصل من هاجر
وفيه قول بعضهم:
نقل الأراك بأن ريقة ثغرها
…
من خمرة مزجت بماء الكوثر
قد صح ما نقل الأراك لأنه
…
يرويه نقلا عن صحاح الجوهري
*** ولصاحب الترجمة قصيدة في المدح وهي:
أما وابتسام الثغر من أوضح الدر
…
وشهدي ريق راق من العس الثغر
وسحر جفون ذكرتني عيونها
…
عيون المها بين الرصافة والجسر
لقد هيجت شوقي القديم لواحظ
…
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
تعذر فيها الصبر والشوق بالغ
…
ولا بد للمغلوب من بارد العذر (1)
إذا شارفت نفسي العذيب وثهمد
…
سقيت الثرى من ادمعي عوض القطر (2)
معاهد آرام ومسرى جآذر
…
ومسرح عين ضاق عن بعدها صدري
ولم أنس لا والله سجع ابن أيكة
…
على البان يطوي في أغاريده صبري
(1) في الاصل: ولا بد للخلوب.
(2)
العذيب تصغير عذب ماء بين القادسية والغيثة وبينه وبين القادسية اربعة أميال وهو من منازل حاج الكوفة. انظر ياقوت معجم 6 ص 131. وثهمد جبل من اخيله الحمى في ديار غني وثهمد موضح في ديار بني عامر انظر ياقوت معجم 1 ص 30 والاول هو المقصود هنا.
وقد نثرت كف النسيم لآلئا
…
على الروض منها فتحت مقل الزهر
وهبت نسيمات الخزامى فنبهت
…
عيون الندامى تحت ريحانة الفجر (1)
ومستورة مذ لاحظتني بظرفها
…
هتكت حجاب الوجد عن ربة الخدر
وارقني من حليها سجعة ضحى
…
على معطف منها تلا صحف الهجر (2)
تجر بنون الحاجبين إلى الأسى
…
فؤادي وليس النون من أحرف الجر
مليحة خدر أبدع الله صنعها
…
بوجنتها ماء الحيا أبداً يجري
إذا ما انقضت عن أسود الجفن أبيضا
…
وما ست فما بيض الظبا والقنا السمر
تقول أرى طرق الخلاعة مذهباً
…
وتزعم أن تحوى المفاخر بالشعر
فقلت أسأت الظن بي لست شاعراً
…
ولكن أحياناً يجيش به صدري
فولت ولم تعبأ بما قد تلوته
…
وقد جمعت كل الملاحة والبشر
كما جمع الإحسان والبذل والندى
…
سليمان ذو الافضال والنهي والامر
(1) في المخطوطتين: الخزاما، النداما.
(2)
في المخطوطتين: تلى.
فتى جامع الأوصاف مفرد وقته
…
مفاخره ضاهت سنا الشمس والبدر
ودوحة فضل أخبرتنا أصوله
…
زكت وعلت عزاً على الأنجم الزهر
أمير المعالي وابن من خضعت له
…
أسود الشرى من شدة البأس والذعر (1)
طوى ذكره ذكر الذين تقدموا
…
فما حاتم في الجود أو معن في الفخر (2)
فديتك يا روض الكمال ومن به
…
تفاخرت الأقران من سائر العصر
ويا من به حزت الفضائل رتبة
…
ونلت فخاراً في نظامي وفي نثري
لئن فاح عرف المدح من روض فكرتي
…
فمن طيب أوصاف حويت ومن سر
فخذ غادة هيفاء بلقيس عصرها
…
تزف إلى علياك طيبة النشر
وخذ كلماً كالدر يزهو نفاسة
…
بمدحك واقبل في نقائصه عذري
ودم في رياض المجد والعز دائماً
…
تشيد ربع الفضل في البر والبحر
(1) في ب: والذكر بدل الذعر.
(2)
يشير الى حاتم الطائي. ومعن بن زائدة الشيباني:
القائد العربي المشهور عاصر الدولتين الاموية والعباسية وتوفي سنة احدى وخمسين ومائة (انظر الاعلام 8: 192 ففيه مصادر ترجمته.
ولا زلت كهفاً للانام ومسنداً
…
تظل لمن وافاك بالعز والنصر
وقد ضمن هذا الشاب بعض أبيات من قصيدة علي بن الجهم (1) التي هي في مدح المتوكل على الله العباسي التي سارت بها الركبان، وافتخرت بها أبناء كل عصر وزمان، منها قوله:
عيون المها بين الرصافة والجسر
…
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
سلمن وأسلمن القلوب كأنها
…
تشك بأطراف المثقفة السمر
ومنها في حسن التخلص:
فقالت كأني بالقوافي سوائراً
…
يردن بها مصراً ويصدرن عن مصر
فقلت أسأت الظن لست بشاعر
…
وان كان أحياناً يجيش به صدري
وما ألطف قوله هذا:
ولا الشعر مما استظل بظله
…
ولا زادني قدراً ولا حط من قدري
وللشعر أتباع كثير ولم أكن
…
له تابعاً في حال يسر ولا عسر
ولكن إحسان الخليفة جعفر
…
دعاني إلى ما قلت فيه من الشعر
وقد ضمن جماعة مطلع هذه القصيدة الجهمية. منهم ابن
(1) هو علي بن الجهم بن بدر ابو الحسن من بنى سامة بن لؤي بن غالب، شاعر رقيق الشعر من أهل بغداد، خص بالمتوكل العباسي. ثم غضب عليه المتوكل فنفاه الى خراسان، فاقام مدة ثم انتقل الى حلب. توفى سنة تسع واربعين ومائتين، وله ديوان شعر مطبوع. ترجمته في الاغاني 10:
203 وابن خلكان 1: 349 والطبري 11: 86 وتاريخ بغداد 11: 367 والاعلام 5:
77 وفيه مصادر أخرى.
حجة الحموي (1) قوله من قصيدة يتشوق بها إلى حماة ومطلعها:
هواي بسفح القاسمية والجسر
…
إذا هب تدري إن ذاك الهوى عذري
ومنها يقول:
وقد أصبحت تلك الجزيرة جنة
…
ألم تنظر الأنهار من تحتها تجري
يفوق عيون الزهر بين شطوطها
…
«عيون المها بين الرصافة والجسر»
وإن جزت في الرمضاء بين شطوطها
…
«جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري»
*** وضمنه ابن نباتة (2) من جملة قصيدة فقال:
مليح بوسنان اللواحظ سارق
…
كرى مقلتي من حيث أدري ولا أدري
ومالي لا أبكي على در مبسم
…
كما بكت الخنساء يوماً على صخر
وأجرى دموع العين فائضة على
…
«عيون المها بين الرصافة والجسر»
ظباء بشطي نيل مصر لأجلها
…
يقول حنين الشوق آها على مصر
وقد زاحمه ابن حجة (1) في قصيدة وعارضه في هذا المعني فقال:
فآها على وادي حماة تأسفاً
…
خلافاً لمن قد قال آهاً على مصر
(1) سبقت ترجمته في حاشية ص: 233
(2)
سبقت ترجمته في حاشية ص: 71
فكم مر لي فيها حلاوة ليلة
…
فكانت شبيه الخال في وجنة الدهر
وفي غيرها قد صرت أقضي لياليا
…
تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وقول صاحب الترجمة في قصيدته هذه الرائية:
ولم انس لا والله سجع ابن أيكة. قال أبو الفرج بن الجوزي (1):
روي عن الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قد علمتم فلم تتعلموا، أهلا قلت: لا وعافاك الله. قال الصاحب بن عباد (2): هذه الواو هنا أحسن من واوات الأصداغ في وجنات الملاح
ومن اللطيف: أن رجلا من الحذاق كان يكتب كتابا وإلى جانبه آخر، فانتهى في كتابه إلى اسم عمرو فكتبه بغير واو.
فقال: يا مولانا زدها واواً للفرق بينها وبين عمر. فقال له: والله قد تفضل مولانا بزيادة واو يعني تفوضل.
وهذا الواو اعني واو عمرو قد نظم الشعراء فيها كثيرا (3): منهم أبو نواس قال يهجو أشجع السلمي (4):
(1) هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، القرشي، البغدادي، ابو الفرج علامة عصره في التاريخ والحديث كثير التصانيف، مولده ببغداد سنة ثمان وخمسمائة. وتوفي بها سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ونسبته الى «مشرعة الجوز» من محالها. ترجمته في وفيات الاعيان 1: 279 والبداية والنهاية 13: 28 ومفتاح السعادة 1: 207 ودائرة المعارف الاسلامية 1: 125 والاعلام 4: 89 وفيه اشارة الى مصادر اخرى.
(2)
مرت ترجمته في حاشية ص: 156
(3)
في المخطوطتين: كثير.
(4)
هو أشجع بن عمرو السلمى ابو الوليد، شاعر مجيد، ولد باليمامة ونشأ بالبصرة، وانتقل الى الرقة، واستقر ببغداد، مدح البرامكة، وانقطع الى جعفر بن يحيى فقر به من الرشيد. فاعجب به الرشيد، فاثرى وحسنت حاله وعاش ما بعد وفاة الرشيد ورثاه وتوفي في نحو سنة خمس وتسعين ومائة. اخباره في الاغاني 7: 30، تهذيب ابن عساكر 3: 59، تاريخ بغداد 7: 45، والشعر والشعراء 373 وخزانة البغدادي 1: 143 والاعلام 1: 332 وفيه مصادر اخرى.
قل لمن يدعى سليماً سفاهاً
…
لست منها ولا قلامة ظفر (1)
إنما أنت من سليم كواو
…
ألحقت بالهجاء ظلماً بعمرو (2)
وقال أبو سعيد الرستمي (3) وأجاد. وهي من قصيدة مدح بها الصاحب:
أفي الحق أن يعطى ثلاثون شاعراً
…
ويحرم ما بين الورى شاعر مثلي (4)
كما سامحوا عمرواً بواو مزيدة
…
وضويق بسم الله في ألف الوصل (5)
وقال صاحب الترجمة في قصيدة أيضا:
لئن فاح عرف المدح من روض فكرتي
…
فمن طيب أوصاف حويت ومن سر
هذا المعنى مأخوذ من قول ابن عمران الحلبي (6) من قصيدة وهي:
لا تعجبوا إن فاح عنبر نعته
…
قابلته من فكرتي بالمجمر
لما أراني جعفراً من جوده
…
فاريته شعر الوليد البحتري
(1) ورد الشطر الاول في المخطوطتين قل لمن يدعى انتسابا بسلمى وما اثبتناه من ديوان ابى نواس.
(2)
في الاصل من سليمى وفي ب من سليما.
(3)
هو محمد بن محمد بن الحسن من شعراء اليتيمة ومن ابناء اصبهان، اتصل بالصاحب بن عباد وقربه ثم جفاه.
(4)
في المخطوطتين شاعرا مثلى.
(5)
في الاصل وكم سامحوا.
(6)
في الاصول عمران الحلبي وصوابه ابن عمران وهو يوسف بن عمران الحلبي، كان يعمل اول أمره بالتجارة، وكان صاحب مال فخالط الادباء، طاف بلاد الشام والقاهرة، وقصد دار الخلافة وامتدح اكابر علمائها ورؤسائها. كان مغرما بابتكار المعاني، جيد الشعر، وقد جمع لنفسه ديوانا. توفي سنة اربع وسبعين والف. ترجمته في اعلام النبلاء 6: 338، خلاصة الاثر 4:
506 وريحانة الالبا 1: 104.
وهذا المعنى اختلسه ابن عمران من ابن عمار (1) من قصيدة مدح بها المعتضد بالله (2) مطلعها:
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى
…
والنجم قد صرف العنان إلى السرى
والصبح قد أهدى لنا كافوره
…
لما استرد الليل منا العنبرا
ومنها في حسن التخلص:
روض كأن النهر فيه معصم
…
صاف أطل على رداء أخضرا
وتطيفه ريح الصبا فتظنه
…
سيف ابن عباد يبدد عسكرا
ملك إذا ازدحم الملوك بمورد
…
ونحاه لا يردون حتى يصدرا
أندى على الأكباد من قطر الندى
…
وألذ في الأجفان من سنة الكرى (3)
يختال إذ يهب الخريدة كاعبا
…
والطرف أجرد والحسام مجوهرا
ومنها يقول:
أثمرت رمحك من رءوس كماتهم
…
لما رأيت الغصن يعشق مثمرا
وصبغت درعك من دماء ملوكهم
…
لما علمت الحسن يلبس أحمرا
والبيت المقصود منها:
من ذا ينافحني وذكرك مندل
…
أوردته من نار فكري مجمرا
ولصاحب الترجمة قصيدة هي:
(1) ابن عمار هو ابو بكر محمد بن عمار الاندلسي، ذو الوزارتين وزر للمعتمد بن عباد، وخلع عليه المعتمد خاتم الملك، ولقبه بالامارة، واستنابه على مرسية، فعصى بها وتملكها، ثم تمكن منه المعتمد وقتله سنة سبع وسبعين واربعمائة. شذرات الذهب 3: 356 وقلائد العقيان 83 والمطرب من اشعار أهل المغرب 169 ووفيات الاعيان 2: 5.
(2)
هو عباد بن محمد بن اسماعيل ابن عباد اللخمي الملقب بالمعتضد بالله صاحب اشبيلية في عهد ملوك الطوائف ولد سنة اربع واربعمائة وولي الامر بعد وفاة ابيه سنة ثلاث وثلاثين واربعمائة وتوفي سنة احدى وستين واربعمائة ابن خلكان 2: 28 وفوات الوفيات 1: 199 والاعلام 4: 29 وفيه مصادر اخرى.
(3)
في المخطوطتين: الكرا.
أحبتنا والله أفنيتم الصبرا
…
فرقوا لحالي تغنموا المدح والاجرا
منعتم خيالا منكم أن يزورنا
…
وأحرمتم جفني القريح بأن يكرى
وغادرتم بين الجوانح جمرة
…
ومنثور دمعي فيكم أخجل القطرا
فان كان لي ذنب سوى أن أحبكم
…
بلب الحشا لما جرى أدمعي أجرى
فلم لا يكن بعد الصدود لمغرم
…
صدور خيال جهرة أو يكن سرا
أحبتنا رفقاً بمن هام فيكم
…
وصباً صبا والبين قد حسم الظهرا
فو الله إن القلب فيكم متيم
…
ومطوي شوقي في هواكم غدا نشرا
شغفت بكم حباً فزدتم تجنباً
…
كأن لم يكن هذا الحديث الذي مرا
ومنها:
فتاه فؤادي في ليالي جفاكم
…
وما كان لي من صبح غرتكم فجرا
فلله ساعات مضت بربوعكم
…
وأيام وصل فيها مستنشقاً عطرا
ولما سرى الشوق المؤجج بالحشا
…
تذكر قلبي منكم ليلة الإسرا
فقلت لأجفاني وقد هاجني الهوى
…
وامنحني وجدا قفانبك من ذكرى (1)
رعى الله هاتيك القدود إذا انثنت
…
فلست أرى إلا مثقفة سمرا
ومنها:
شغلت بكم عن كل فتان إن رنا
…
لا نفث من أجفانه للورى سحرا (2)
وعن كل هيفاء رداح إذا بدت
…
بنور جبين تخجل الشمس والبدرا
وفي أثناء التحرير أرسل قصيدة شاملة لمدحي وقد أعجبني حسن سياقها ولطف اتساقها فلا باس من ذكرها وهي:
(1) في المخطوطتين قفا نبكى. وفي ب من ذكرا.
(2)
في المخطوطتين: رنى وصوابه ما اثبتناه والرنو إدامة النظر مع سكون الطرف.
غصن بان وله الحلي ثمار
…
اخذ الصد مع الهجر شعار
ورد خديه المغشى بالحيا
…
قد سقته ادمع الصب الغزار
يا بقلبي قامة منه إذا
…
حركتها نسمات الاعتذار
سكن القلب ولا بدع إذا
…
نار خديه من القلب استعار
يا رعاك الله ربي رشأ
…
سفح قلبي لك مرعى ومزار
وغزال بابلي اللحظ قد
…
نفثت أجفانه السحر جهار
يا خليلي اعذراني في الهوى
…
دأبه أن يمنع الصب القرار
لست أنسى أهل ودي معهدي
…
لم يشب مع حلوه العيش مرار
في رياض رقصت أزهارها
…
وعليها لؤلؤ الطل نثار
والندى قد راق لما رق من
…
نسمة الصبح بكأس الجلنار
غزلي فيه ومدحي لم يزل
…
بحسيب ذي علاء وافتخار
ذا أبو نعمان عثمان الذي
…
قد غدا للفضل كهفاً ومنار
من محا ليل خطوب عزمه
…
وكذاك الليل يمحوه النهار
بحر جود غرقت في سيبه
…
وندى كفيه امواه البحار (1)
وإمام للمعالي والعلا
…
وحليف للندى والسعد جار
قد رقى هام الثريا مجده
…
فعليه منتهى الفخر يدار
كعبة للعلم والفضل ومن
…
في سماء المجد بدراً قد أنار
رتع العافون في نائله
…
وبه الفضل غدا عالي المنار (2)
واضح البشر إذا سيم العطا
…
يملأ العين بهاء ووقار
(1) في المخطوطتين: امياه والصواب ما اثبتناه اذ يجمع ماء على امواه ومياه.
(2)
في ب ترتع العافين.
فلجيد الفضل طوقاً قد غدا
…
ولزند المجد أمسى كالسوار
فهو أولى الخلق مني بالثنا
…
وامتداحي فيه أولى وادكار
طوقت نعماه جيدي فلذا
…
في رياض المدح قد مر هزار
ما الجزا إلا دعاء خالص
…
في غدو ورواح وابتكار
ولصاحب الترجمة في التضمين:
لله إذ نادمت من أحببته
…
في روض أنس بالأزاهر معلم
دميت خدود شقيقه ولأجله
…
ضحكت ثغور أقاحه المتبسم
فهمى عليه لئال طل ممسكا
…
وقال فيه:
رشأ بسحر لواحظ متلفف
…
عقل الورى في سيف جفن مخذم
نمت صفاء خدوده بسلافة
…
وقال فيه أيضا:
لما تناءت داره وبكيته
…
بمدامع من مقلتي كالعندم
حتى تراءى وجهه فتجففت
…
من عادة الكافور إمساك الدم
وقد ضمنه جماعة من الأدباء منهم الشيخ عبد الغني (1) فإنه قال:
شفق بحمرته تبدل في السما
…
هو مؤذن بمجيء ليل مظلم
ثم اختفى بضياء بدر طالع
…
وقوله أيضا:
وشقائق النعمان حول الماء في
…
روض أريض بالربيع منمنم
هطل الندى فيه النضارة ممسكا
…
(1) هو عبد الغني النابلسي. انظر حاشية ص 222.
وقوله أيضا (1):
يوم الفراق بكيت من أحببته
…
بمدامع تحكى عصارة عندم
حتى التقيت ولاح ضوء جبينه
…
وله أيضا:
قتلت بجلق عصبة لعبت بهم
…
أهواؤهم بفعال طاغ مجرم
وبشيبة الشاويش كان ختامهم
…
وقوله فيه أيضا:
ومهفهف وقف الجمال بخده
…
فأهاج شوق أخي الصبابة مغرم
وصفا بياض الخد زين بحمرة
…
وضمنه عبد الرحمن الحلبي:
ورد الرياض تفتحت أكمامه
…
والجلنار أدار كأس العندم
والياسمين الغض وافى بعده
…
من عادة الكافور إمساك الدم
وفيه لابراهيم اللائحي:
رشأ أدار الكأس ليلا بيننا
…
من خمرة تحكي عصارة عندم
حتى بدا وجه الصباح فقال لي
…
من عادة الكافور إمساك الدم
وضمنه بعض الأدباء فقال:
ولقد وقفت على الطلول وأدمعي
…
تجري على خدي كلون العندم
(1) في هامش ب: لبعضهم:
ذو لحية بيضاء قد غنى لنا
…
بربابة وبلفظ لحن معجم
بالحنة الحمراء خضب شيبه
…
من عادة الكافور امساك الدم
وطفقت اسأل ربعهم وديارهم
…
شوقاً إليهم باليدين وبالفم
فأجابني رسم الديار وقال لي
…
حييت من باك بغير تكلم (1)
لو عاينت عيناك أجياداً لمن
…
بانوا لما سالت دماً بمخيم
ولجف هذا الدمع منك لأنه
…
من عادة الكافور إمساك الدم
ولصاحب الترجمة هذه النبوية والمدحة المصطفوية (2):
جرى عقيق الدمع لما شجاه
…
سجع حمام نشر صبري طواه
ذكرني عيشاً رقيقاً لنا
…
بالسفح قد مر لذيذاً جناه
ورسم دار لم يبن لي بها
…
إلا سطوراً حررتها نواه
جر عليها الدهر أذياله
…
ورسمها في سيف بين محاه
فشب جمر الشوق في مهجتي
…
وغاض من نيل اصطباري رفاه
شوقاً إلى فاتنة ما بدت
…
إلا وللقلب أطالت عناه
وإن تثنت مال غصن النقا
…
حيث من العطفين غنى حلاه
ألم تر من فوقه قد غدا
…
حمامه في نوحه قد نعاه
حوراء في روض جمال بدت
…
اطلقت سرح اللحظ حتى رعاه
قد راق ماء الحسن في خدها ال
…
فضي حتى راقني في رواه
وكادت الأعين من رقة ال
…
خدين لما أن بدت تشرباه (3)
جسم حكى الماء ولطف الصبا
…
يكاد أن تنظر منه المياه
غصن بروض الحسن تختال إن
…
مر به أنفاس عتبى ثناه
قد مال عني يا ترى هل له
…
فرط دلال عن ودادي لواه (4)
(1) في ب: بغير نوهم.
(2)
في ب: كتبت هذه العبارة والقصيدة بعدها على هامش ص 63 ق و 64.
(3)
كذا في المخطوطتين تشرباه وصوابه تشربانه ولا يستقيم الوزن الا بالخطأ.
(4)
في الاصل: قد مال عن هل ترى باله.
واضطربت حيات شعر لها
…
لما بدت في الصدر رمانتاه
تحجبت عني بسمر القنا
…
وسيف طرف لحظها قد نضاه
مخافة من رقة الوجه أن
…
تؤثر الالحاظ في صفحتاه (1)
فانتثرت در دموعي وقد
…
رأيتها في وجنة كالمراه
فخلتها ذوب جمان لما
…
ألقى احمرار الخد فيها صفاه
قالوا حكتها الشمس في نورها
…
قلت ولا بدر الدجى قد حكاه (2)
دعني أخوض الليل في شعرها
…
من ثغرها أطلب ماء الحياه (3)
ويا نديمي قم بنا عاجلا
…
نسعى بروض زهره الغض زاه (4)
وأقحوان راق منه الذكا
…
راشفته خمر الندى من لماه
واحمر ورد الخد منه حيا
…
والنرجس الوسنان في انتباه
إذ قام في منبر دوح به
…
مطوق شحروره قد رقاه
يخطب في مدحة خير الورى
…
من صحف الأوراق ذكر تلاه
من أجل ذا تركع أغصانه
…
شوقاً إلى ما قد تلا ثم فاه
ففاح عرف المدح حتى لقد
…
رق نسيم الروض يحكى شذاه
أرسله الله لكل الورى
…
متوجاً بالعز لما حباه
لا عجب ان غرق السبعة ال
…
أفلاك يبغي الفوز عند الإله
فذاته شمس الضحى قد غدت
…
نقطعها إذ كان فيها سراه (5)
وعاد موفور السنا زاهرا
…
والصبح لم ينشق عنه رداه
(1) كذا في المخطوطتين في صفحتاه وصوابه في صفحتيه الا اذا حمل على لغة ما يلزم المثنى الالف دائما.
(2)
في الاصل: قالت حكتها وفي ب: بدر الدجا.
(3)
في الاصلين اخوض وصوابه اخض.
(4)
كذا في الاصلين نسعى وصوابه نسع.
(5)
في ب: شمس الضحا.
ومذ رقي فالبرق قد أثمرت
…
حوافراً في الأفق لما طواه (1)
لذاك تبدو للورى دائماً
…
أهلة ممتدة من ضياه
بحر جرى في فارس ماؤه
…
مذ شب جمر النار منه طفاه
هذا دليل يا عصاة الورى
…
معجزة قد طبقتها الرواه
بأنها تسري غداً في لظى
…
نزاعة عن كل من في حماه (2)
وكان ليل الشرك داج وقد
…
مد جناحاً اسوداً جانباه (3)
حتى بدت أنوار آياته
…
مشرقة كالبدر باد سناه
فانزاح ذاك الليل من نوره
…
ونار بالإسلام منه دجاه
وضاء فجر العدل لما بدا
…
من مطلع الإيمان يوماً بهاه
سيف صقيل قامع للردى
…
قد سله الجبار لما جلاه
في موقف طارت به للعدى
…
جماجم للكفر أروى صداه
فزال منهم كلب الكفر إذ
…
دماء سادات لهم قد سقاه
يا ليت في تربة أعتابه
…
تعفر الآمال فيه الجباه
وليت نوء الطرف في روضه
…
يسحب شوقي من جفوني بكاه (4)
وليت في ميل اللقا كحلت
…
للصب في رؤياه عيني رجاه
يا سيد الرسل ويا من به
…
طاولت الأرض السما في علاه
عبدك يرجوك لما أمه
…
وأنت تدري ما غدا مبتغاه
وقد جنى زهرة لهو جرت
…
يانعة تزهو بأيدي صباه
ولم يزل يحمل في كاهل
…
وزراً ثقيلا ظهره قد حناه
ثم صلاة عطرت نفحها
…
على ضريح منك جسما حواه
(1) في ب فمذرقا.
(2)
في الاصل: لظا وفي ب لضى.
(3)
صوابه داجيا
(4)
في الاصلين: وليس نوء.
ولم تزل تنهل سحب الرضا
…
على رياض أزهرت في ثراه
حتى تروي زهره في حيا التسليم
…
في صبح تلاه مساه
والآل والأصحاب أزكى الورى
…
ما صبغة الليل الضيا قد نفاه
وله من أخرى:
لحظات قد فرقت جيش صبري
…
لي من سهم سحرها تفريقا
نسخة الوجد صححتها دموعي
…
عند ما رحت بالبكاء شريقا
لفتاة أعارت الغصن ليثاً
…
وبدور السما سناً وبريقا
أتعاطى من خدها البارد العذ
…
ب ومن لفظها الشهي رحيقا
ما رأينا من قبلها غصن بان
…
صار بالحلي والحرير وريقا
عجبي خدها المضرج لما
…
بحياه الجمال يشكو الحريقا
ولقد رق إذ صفا ماء حسن
…
صار فيه إنسان لحظي غريقا
ورأى الورد خدها فتغشى
…
عند ما انبت اللجين شقيقا
فبكاه جفن الغمام ورش ال
…
قطر في وجنتيه كي يستفيقا
ما تناءت إلا بأيدي افتكاري
…
نحو صدري أضم قداً رشيقا
شمس خدر لها نصبت الأماني
…
سلما إذ جعلته لي طريقا
وله أيضا:
يا لك الله عقد شمل تنضد
…
بيد الأنس برهة فتبدد
سلبتك الأيام بالرغم مني
…
ويح دهر يمن بخلا بما قد
كنت يا دهر منك قدما لجيناً
…
سبكتني نيران صدفك عسجد
وأحال النوى لدمعي لما
…
بلظى البين والنوائب صعد
وقديما قد كنت أشدو ببيت
…
قلته حيث ذا الزمان تمرد
نمت في مقلة الخطوب أمينا
…
ولظاها أقام غيري وأقعد
وأنا الآن غره الدهر مني
…
كوكب الأنس في اللقا إذ توقد
حيثما في رياض قربي لما
…
طير شوقي بصحف وجدي غرد
مضه جرحه الزمان فألقى
…
خطبه إذ للمحه الفكر أفسد
سل لي في البعاد مرهف بين
…
شحذت متنه النوى فتجرد
فتلقى الزمان في الخطب مني
…
صدر حر على الخطوب تعود
تركت صفحتيه راحة صبري
…
كلما كر في المضاء كمبرد
جرعتني الأيام كأس فراق
…
وأقامت علي في شرعها الحد
لست أصحو من خمرة البين لما
…
سكر العقل ثم تاه وعربد
فجعتني بظبي أنسي فأمسى
…
ظاعنا إذ غدا له الكرخ مورد
جامع وجهه لأنواع حسن
…
طالما الطرف في ذراه تعبد
وقضيباً سقته سحب دموعي
…
إذ مضى مثل بانة يتأود
قلدت جيده دموعي عقيقا
…
فهو في در مدمعي قد تقلد
***