الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيد علي خاتمة السادة ومنهم الأديب النجيب السيد علي
(1)
هذا الشاب ابن بنت الرسول، والمهند الذي لم يعتره فلول.
غصن غرست نبعته في ساحة السيادة، برق تألق من شاطئ المجد فأشرق في تلول الكرم فأضاء وهاده. تردى ببرود المعالي فاتخذ السماحة ديدنا والكمال عادة. وانتشى في ذورة الفصاحة فملك من الأدب زمامه وتملك من الفضائل قياده. توارث الفضائل عن
(1) هو السيد علي بن درويش. ترجم له صاحب منهل الاولياء فقال انه: فاضل أديب، وعارف لبيب نشأ بالموصل وقرأ بها. وحصل على الأدب والحكمة.
ورحل الى بغداد وتخرج فيها. وروى عن رجالها، وفاق اقرانه، ثم اتصل بخدمة صاحب بغداد وانصلح حاله، وزالت ضرورته، ومكث كاتب العربية مدة.
ثم قدم الى الموصل وقد صار له اسم وصيت وحال، فمكث قليلا فيها فلم يجد بها قبولا، فرحل الى القسطنطينية، واتصل بأهلها فحصل له الحظ الأوفر، والجاه الرفيع. وانتقل في الخدم، وترقى في المراتب وجالس شيخ الاسلام وقضاة العساكر. وصارت عنده ثروة زائدة، وحشمة وافرة، وقصده الناس في حوائجهم ومطالبهم.
ثم طوى الزمان ذكره، واخمد نائرته، وصرم حبله، واورده منهل المنية في القسطنطينية قبل تاريخ التحرير بنحو ثلاث سنين. (ثم ذكر له بيتين من الشعر وآخرين من الدو بيت ذكرها صاحب الروض) كما ترجم له صاحب غاية المرام فقال عنه: قرأ على الملا السوسني، ثم على العلامة السيد موسى الحدادي ثم سافر الى بغداد، وقرأ على العلامة الملا عيسى. ثم على والده صبغة الله أفندي الحيدري، واتصل بخدمة والي بغداد الوزير سليمان باشا، وصار عنده كاتب العربية، ثم استعفى من تلك الخدمة، وعاد الى الموصل وسافر الى الروم، وعام في تلك التخوم، وأظهر فضله المعلوم، واتصل بخدمة الرجال وبين فضله في ذلك المجال، ونال الحظ الوافر، والخير المتكاثر، وصار صاحب حشمة ووقار، وشاع ذكره في الامصار. ولم يزل يترقى في الرتب حتى ولي «التفتيش» وتقدم وما تأخر. واصبح محط الوفود الى ان أدركه الحمام، فمات في اسلامبول سنة ثمان وتسعين ومائة والف. (ثم ذكر شيئا من شعره) وترجم له ايضا في كتابه قرة العين. بنحو هذه الترجمة.
آبائه الكرام، فكانت النجابة حصته المخصوصة. واستحص الفضائل من أجداده الفخام، فكانت الرياسة لسهامه منصوصة.
قد ورث المجد كابرا عن كابر، فترجلت له الرجال. وانهل أدبه كالغيث الماطر، فحطت لديه الرحال. فهو الآن بدر سماء المعالي وقطبها المشيد، والبحر الطامي الزاخر الذي ما عليه مزيد.
وأرى النجابة لا يكون تمامها
…
لنجيب قوم ليس بابن نجيب
زرع الأدب في ساحة وجوده، فنبتت من المعارف أصنافا.
وأثمرت بأنواع اللطائف فتضاعفت سنابلها مئات وآلافا. فهو الآن سجل علم بأنواع الكمالات محفوظ. وصندوق فهم من كل الجهات ملحوظ. صاغ في الأدب جواهر حلي حلت جيد الدهر تلك النوادر، وذهبت تيجان فضائل اختطفتها يد الدهر فجعلتها لجيدها العاطل محاسن ومفاخر. غرف من بحر الأدب ما شاء، قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء. بنى بروج مجد حاكى السماء بارتفاعه، وشيد حصون فضل شاكل الجوزاء بامتناعه. خلع عليه الكمال برد العز والشرف، فهنته شواويش (1) الأدب من كل طرف.
متعود ليس المعال تخاله
…
في الفضل بدراً والكمال شموسا
سطع فلم تتحمل بروج الحدباء حمل ضيائه، وانهل فأعيا (2) أرضها عن ارتشاف قطر سمائه. فلفظته يد الغربة الى دار السلام (3)
(1) شواويش جمع شاويش وهي كلمة تركية تقابل كلمة «عريف» المستعملة الان في الجيوش العربية الحديثة.
(2)
في الاصل فاغي.
(3)
يريد بغداد ويطلق عليها المحدثون اسم دار السلام بدل مدينة السلام وهو الاصل الذي اطلقه المنصور العباسي على المدينة حين بناها.
واختصت بارتشاف ذلك الثغر الشهدي المذاق ومطالعة ذلك الوجه البسام. فنزل على ابن عمه السيد عبد الله ذلك العلم المشهور، واللواء الزاهر الذي على عاتق الخافقين منشور. فقرا على ذلك العلم واستفاد، فملأ بفضله تلك المعالم والعهاد. فاكتسب من فضله أنواعا، ومن أدبه إكيلة واصواعا، حتى مد إلى ذرى الفضائل باعا والى معاهد الكمال قدما وذراعا.
ثم ثنى عنان القراءة على العالم العلامة والحبر الفهامة، صبغة الله بن إبراهيم بن حيدر (1)، فحاز من العلم ما هو كالشهد ومن الأدب ما هو كالسكر المكرر. منحه بالفوائد التامة، وأجازه بالإجازة العامة.
وكنت أحب الاجتماع به، لما شاهدت منه من أدبه. لأراه بعد صغره في دائرة الكمال، وكيف بدر بعد أن كان هلال.
فاتفقت لنا رحلة إلى تلك المدينة، فرأيت الفضل مذهبه والعفة دينه. وذلك بعد حين من الدهر، فأشرق علي إشراق القمر عند البدر. فلقيته وقد جر على المجرة أذيالا. فقلت جل الواهب العلي وتبارك وتعالى، هكذا فيلكن الأديب الكامل وإلا فلالا. ما غادر صغيرة من المعارف ولا كبيرة إلا وحازها، وعرف حقيقتها على التحقيق وأصولها ومجازها. قد نظمها في سلك فهمه نظم الدراري والدرر، وأدرجها في درج علمه فما باهى (2) بها ولا افتخر.
فقليلها وكثيرها عنده معدودة معهودة، وهي بانواعها المجملة
(1) سيترجم له المؤلف.
(2)
في الاصول: باها.
والمفصلة في جرابه مشدودة. وكان الاجتماع به اقصر من ليالي الوصال، وأخصر من معانقة الغيد الحسان عند معاطاة الدل والدلال. قد مرت كما يمر الطيف، فوا أسفا عليها ووا حيف. وها هو الآن نزيل بيت الفخر، وقطب ذلك القطر، كل أوقاته التي يعدها سدى، فهي في الحقيقة رشد لأرباب الكمال وهدى. فبقيت على ذلك الشوق المديد، والتوق الذي ما عليه مزيد. إلى أن ألوى عنان العزم إلى الوطن ثانيا، فقدر الله لنا به الاجتماع ثانيا.
فأطفينا بذلك غلة الشوق الملم الضافي، واكتسبنا في معاشرته سائغ الحب الهني الصافي. واستفدنا ممن أدبه الذي حواه أتم الإفادة، وأنشدنا من نظمه ما يفيد المجد وينيل السعادة.
فأما نظمه العربي فهو الزكي العاطر، وأما نثره الغريب الحكمى فهو الغمام المريع المتقاطر. فتناول من نظمه سجلا وصكا، وخذ حقا ودع من قال إفكا.
فمن نظمه العالي المستهزئ باللآلي قوله:
سال الدموع وفاضت بالبكا المقل
…
فمذ تذكرت الأوطان والطلل
يا حاديا هاديا أسرع بنا فلقد
…
بان التجلد إذ بانت لنا النزل
سقياً ليوم اللقاكم فيه من فرح
…
يغدو فيبقى ومن هم فيرتحل
وكم يواسي قريحاً بعد أن يئست
…
منه الأساة فما السلوان والأمل
وكم يملي أخا وجد بلثم لمى
…
وباجتماع متى لا زال ينفصل (1)
وكم يبلّ غليلا بل يروي صدى
…
من بعد أن كادت الأنفاس تشتعل (2)
وكم يسر كئيبا نازحاً فإذا
…
ما لاح برق ترى عينيه تنهمل
وكم يسكن من ناري هوى وجوى
…
لولاه كادت بأوج الشمس تتصل
أجل وينشر ميت الهجر إذ قطعت
…
منه الأماني وحالت حوله الأجل
ويجمع الشائق المسكين بكرة أن
…
ضجت له العيس والأقتاب والسبل
أكرم بليلة وصل قد تساحق من
…
ضيق الخناق حلي الجيد والحلل
وكدت من شدة الأشواق وهي معي
…
أن اطلب القرب منها لي وابتهل
لا أنسى ما أنسى إذ جداً تعانقني
…
تقول أسرفت في الهجران يا رجل
فقلت بالله خلي العتب عنك عسى
…
وصل به بحديث الانس نشتغل (3)
(1) في الاصول: بلثم لما.
(2)
في الاصول: صدا.
(3)
في الاصل: خل القلب
أمست تذم الليالي ثم تحمدها
…
لما على الوصل والهجران تشتمل
تقول لا دَرَّ دَرُّ الدهر ديدنه
…
طوراً يسر وأخرى ساءه الخصل
إقباله نوبٌ إدباره كرب
…
أعماله نصب دولاته دول
لا زال يرفع ذا خفض ويخفض ذا
…
رفع ونصب فتلقى حاله بدل
ومن نظمه قوله:
لست أنساها إذ تميل من ال
…
أنس لدينا وتستكن نفورا
كلما رمت زورها فتأبت
…
وأجابت بزخرف القول زورا
وله:
غلب النعاس جفونه فتراه من
…
ألم السهاد يميل كالغصن النقي
حلو المفاصل أشنب فكأنما
…
من ريقه عسال قامته سقي
وقوله أيضا (من الدوبيت):
أهواك اذا ما لمع البرق وبان
…
أوغرد طائر على الأيك وبان (1)
قف ليلة وصلنا قليلا حتى
…
تحكي زمن الصدود واذهب بأمان
(1) في الاصول طائر الايك