الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد أمين باشا الجليلي
(1)
ونجله الذي ألفنا الكتاب بجنابه، وعنونا الدفاتر بسامي ألقابه.
حضرة والي الحدباء، الذي باهت به الأرض والسماء. محمد أمين باشا، أناله الله ما يشا.
(1) هو الولد الثاني لحسين باشا الجليلي فقد انجب هذا خمسة أولاد: أكبرهم مراد باشا وقد توفي قبل والده باثنتي عشرة سنة، وكان عمره يوم وفاته اثنتين وثلاثين سنة. ثم: محمد امين باشا، وسعد الله بك وأسعد بك، وحسن بك.
ولد محمد امين باشا سنة 1132 هـ وقد نشأ شجاعا جريء القلب اشترك مع والده سنة 1156 في دفع الطاغية نادر شاه عن الموصل. ووجهه والده الى الآستانة في تلك السنة لينقل الى السلطان انباء هذا الفتح وصحبه في رحلته مؤلف الروض. وقد وجهت اليه في تلك السنة رتبة الميرميرانية. وبقى بهذه الرتبة حتى سنة 1166 هـ. وفي تلك السنة صحب سليمان باشا والي بغداد، في حملته على سنجار، فاظهر في تلك الحملة شجاعة نادرة وحسن تدبير، وبذل من خالص أمواله أموالا جسيمة، وساعد سليمان باشا مساعدة جعلته يطلب الى السلطان أن يوليه الموصل. فاستجيب طلبه. وأنعم عليه السلطان بمنصب الموصل وهو يومئذ ميرميران.
وكان والده حينئذ واليا على ولاية قارص في الأناظول. فحكم الموصل سنتين ثم عزل عنها. ثم تولاها سنة 1169 ثانية ثم عزل عنها في نفس السنة.
ولما تولى والده ولاية كوتاهية بالاناظول، سار اليه، وبقي مع والده، يدور معه في ولايات الروم ثم حلب، ولما اعيد والده الى الموصل سنة 1171 عاد معه، وتوفي والده في تلك السنة. عهد بولايتها اليه.
وهي ثالث مرة يتولاها. واستمر فيها حتى سنة 1173 فعزل عنها، ثم اعيدت اليه في نفس السنة ثم أعيد اليها سنة 1174 وهي خامس مرة يتولاها، واستمر واليا عليها ثماني سنين.
وفي سنة 1181 أنعم عليه السلطان برتبة الوزارة، وبقى وزيرا حاكما للموصل سنة واحدة، ثم عزل عنها. وتولى منصب ولاية ديار بكر.
واقام بديار بكر ستة أشهر. عهد اليه بعدها أن يتوجه لرد غزو الروس لرومانيا وكانت تابعة للدولة العثمانية حينذاك. وقد سجل علي بن علي العمري قصة جهاده في قصيدة طويلة مطلعها:
ألا عاطني الأقداح من زهرة العمر
…
ودعني من زيد يقول من عمرو
وفي شهر جمادى من سنة 1184 كان محمد امين باشا في مدينة على نهر الدنيستر فحاصرها الروس واستطاعوا أن يقتحموا سورها، فوقع محمد أمين باشا اسيرا بيدهم. ومكث في الأسر خمس سنين. حتى صار الصلح بين السلطان والافرنج، عاد من الاسر الى استانبول سنة 1189 هـ. وقد قوبل باستانبول-
تمتع من شميم عرار نجد
…
فما بعد العشية من عرار
ملك نبت غصن شبابه في دوحة المال، وجمع بين البأس والندى والحزم والنوال. سلالة اكابر، تحلت بأسمائهم الأعواد والمنابر.
إذا عد كعب في السماح أبت له
…
يمين له في كل أنملة كعب
وان الذي ترويه طي لحاتم
…
إذا نحن أنشدنا فواضله ذنب
مشرع النوال، ومطلع الرجاء (1) والنوال، الذي استقرت له الرياسة، وأقرت بمعاليه الكياسة. اتخذته المعالي لها مطلعا، ومهدت له في قباب المكارم موضعا. دانت له الدنيا، وخطبته لنفسها العليا. فأنزلته السما حد قصرها، وملكته الرجاحة سرها وجهرها. فهو الكثير الإحسان، الذي قلد بنواله جيد الزمان، حاز المكارم برمتها، واخذ مقاليد المعالي بأزمتها.
هو الدهر إلا أنني لا أرى له
…
على غير من ناواه خطباً ولا صرفا
إذا شهد الهيجاء مدت له يد
…
كأن عليه دملجاً منه أو وقفا
- بحفاوة بالغة. وزاره الصدر الأعظم. وأتته الهدايا والخلع من السلطان.
وعاد الى الموصل في نفس السنة، فدخلها في غرة شهر شعبان. وكانت فرحة الموصل بقدومه كبيرة.
ولم يكد المقام يستقر به نحو شهرين ونصف حتي توفي في اليوم الخامس عشر من شهر شوال سنة 1189 هـ.
ودفن الى جنب والده المرحوم حسين باشا في الجامع الذي كان قد أنشأه هو سنة 1169 هـ. رحمه الله.
وقد خلف ولدين: الوزير سليمان باشا، ومحمد باشا الأمير.
وكان على غرار والده شجاعة وحزما وكرما، وحسن رأي وتدبير، وحبا للعلم والادب وأهله. ترجمته في نفس المصادر التي ترجمت لوالده.
(1)
في الأصول الرجال وهو خطأ.
سرى في المجد مسرى الخيال الطائف، وملك بسيبه الرائع أزمة أرباب الأدب والمعارف. فهام في السماحة بكل واد، وحل من الرجاحة محل السويدا من الفؤاد، فهو زعيم الفتية الجليلية، وملجأ تلك العصابة الاصيلية. قد افتخرت بمجده الرؤساء والملوك، وباهت بإشراقه والطافه الشموس قبل الدلوك. وقف الكمال على ربوته، وصعد إلى أعلى منازل المعالي بعظيم خطوته.
وكفاك من حيث السماحة أنها
…
منه بموضع مقلة من محجر
فغمامه من رحمة وعراصه
…
من جنة ويمينه من كوثر
اختلس بسيبه القلوب والألباب، وأغلى ببذله وإحسانه أمتعة المعارف في سوق الآداب، فرفع في الرياسة علمه، وثبت في طود المواهب قدمه. وحاز البراعة والبيان، وجمع بين المكارم والاحسان، فرقى سماء المحامد، وتصدى لمطالب ومقاصد، فملك السيف والحسام، والمحيا الطلق البسام. اقتفى اثر ابيه، فتجمعت أصناف المحاسن فيه.
ابن العوالي السمهرية والسيو
…
ف المشرفية والعديد الأكثر
من منكم الملك المطاع كأنه
…
تحت السوابغ تبع في حمير
فإنه واسطة عقد العدل، وأمامة سبحة جامعة البذل. لا يدرك غباره في مضمار النوال، ولا يعتريه عند البذل والعطاء فلول ولا ملال. اشتملت عليه المعالي اشتمال الجيد على اللآلي. فهو رئيس الوزارة، والنفيس من عقود الإمارة. نخبة هذه الرجال، وقمرها المنير في ظلمة الليال.
صعب إذا نوب الزمان استصعبت
…
متشمر للحادث المتنمر
فإذا عفا لم يبق غير مملك
…
وإذا سطا لم يبق غير معفر
أنخت لديه ركابي منذ الصغر وعقلتها، وقلدت له رغائبي واعتقلتها. لازمت خدمته وكلانا شاب رائع الشباب، متعاطي كؤس خلوص لم يعتره (1) اكتئاب، لازمت حضرته إلى الآن وأنا خادم أعتابه، ورقيق إحسانه وحسان أبوابه. سافرت معه إلى دار السلطنة وأكثر بلاد الروم، وكشفنا بفضله تلك الأطلال واطلعنا على الرسوم. كساه الله حلل حلم لم يبصرها الزمان، تبهر العقول وتشحن الأذهان. ميال للخير، كشاف للضرر والضير.
سنة تحرير هذا المؤلف، وهي سنة سبعين ومائة وألف، يسره الله لبناء جامع في الحدباء، شاكه بنظامه الثريا وشاكل بارتفاعه السماء. ووقف له الأوقاف وبذل على بنائه المئات والآلاف.
واتفق في هذه السنة أيضا أنه أبلى الله أهل بلدنا بالغلاء، وأهلك بالجوع كثيرا من الفقراء، فبذل وسعه ببذل الطعام.
وتربية الأرامل والأيتام، وكفن من الأموات العدد الكثير، ونال من الثواب الوافر الغزير.
وكنت قد أنشأت لعمارة الجامع تاريخا وللمنارة آخر، وهو مكتوب عليها، وأنشأت بعض نثر مسطور في الباب، فضلا ومنة من ذلك العالي الجناب. فأما تاريخ المنارة فهو:
ألا أن الأمين أبا المعالي
…
لوجه الله، ذا الخيرات عمر
(1) في الاصل لم يعتريه وهو خطأ.
بنى لمنارة كعروس حسن
…
فشيدها فحازت كل مفخر
فمذ رفعت إلى هام الثريا
…
وفاقت في معال ليس تنكر
وصفت سموها برقيق شعر
…
وقلت لعلها للحشر تذكر
فخذ في وصفها تاريخ «زاه
…
تعالى شأنه الله أكبر»
لما جمع الله لهذا السيد بين الرياستين الملك والتقوى، وافرده في محاسن أخلاق تجل عن أن تبان وتسمو عن أن توصف وتروى.
شارك في هذه الخيرات والده حضرة (1) الوزير المذكور، جزاهما الله خير الجزاء يوم الحشر والنشور. فبإشارته العلية، وأوامره المطاعة السنية. أنشأت تاريخ الجامع مشيرا إلى اشتراكهما في هذه الخيرات، وتوافقهما على هذه المبرات. بقولي:
إن الوزير حسين ذو الفضل الذي
…
بهر العقول وفضله متتابع
وأبو المكارم نجله أسد الشرى
…
هذا الأمين حسام فضل قاطع
قد عمرا لله خير عمارة
…
فنوالهم في كل قطر شائع
أكرم به من مسجد قد أسست
…
فيه التقاوة وهو نور ساطع
كتبت لهم جنات عدن فيه إذ
…
قد شيدوه فللمجرة طالع
بشرى لهم إذ قد تكامل مجدهم
…
وعلت مآثرهم وهن مطالع
قد قيل بعد تمامه أرخه لي
…
جمع المحامد كلها ذا الجامع
وقد كان بناء الجامع وتمامه في آخر سنة تسع وستين في ذي الحجة فلذلك وقع في ذلك التاريخ. ومما قاله فيه الأديب قاسم الرامي (2):
(1) في الاصل حضرت.
(2)
سيترجم له المؤلف.
لك الحمد يا رباه والمجد والثنا
…
على نعم بين الأنام تجدد
لقد عمرت للخير فينا عمارة
…
على البر والتقوى يطيب التشيد
فقد شيد المولى حسين ونجله
…
بناء به الرحمن يدعى ويعبد
بنى الله قصراً في الجنان لمن بنى
…
غدا لهما فيه النعيم المؤبد
قد اشتركا في الخير إذ سعيا به
…
ولا شك ساعي الخير يسعى فيسعد
له البشر مولانا الحسين وابنه
…
أمين الهدى ذاك التقي المسدد
تقبل ربى منهما خير نية
…
وأعمال بر لا تزال تؤيد
هما جاهدا في الله حق جهاده
…
سما لهما وقف جليل مخلد
نعم جامع الخيرات تاريخه «دنى
…
تطوع منشيه الأمين محمد»
وفي ذلك الحصار، والضنك الذي ماله قرار. ظهرت من حضرة المشار إليه بسالة وشجاعة زينت جيد المعال، وحقنت ربات الخدور والحجال. فأنشأت في مدحه قصيدة تنبئ عن علو هممه.
وكيفية شجاعته وكرمه. وهي لنكتة لن تخلو عن لغات غريبة.
أنار لأسما في العذيب وثهمد
…
تضل بها الركبان طوراً فتهتدي
أم الزهر في تلك المرابع يانع
…
فافعم هش الرقمتين وقرمد
تألق في أعلام فارع نورها
…
أحال وميض البرق ذاك التوقد (1)
خود خدلج ناعم برهرهة
…
وهركولة هيفاء مبيضة اليد (2)
حماها حماها عن ضنى ووهادها
…
تصد عدى يرصدن في كل مرصد
(1) في هذا البيت اقواء.
(2)
الخود: الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة. والخدلجة: مشددة اللام المرأة الممتلئة الذراعين والساقين والبرهرهة: المرأة البيضاء الشابة أو الناعمة أو التي ترعد رطوبة ونعومة. والهركولة: كبر ذونة الحسنة الجسم والخلق والمشية.
أيا ربة الحسن الذي كلفت به
…
قدعت زكاة الحسن عن ذا المسرهد (1)
أمالك يا عطبولة ملكية
…
لويت إلى غيري وواريت محتدي (2)
واغزر من هذا استلامي جداركم
…
وغيري في اللذات رامق مقصد
فإني لصبار لكل بلية
…
أحاول أثواب الكمال فارتدي
فطوراً تقاعست وأدلفت تارة
…
فمالك أوديت الكئيب بقردد (3)
كأن ذوات الخدر في كل وامق
…
لهن بقلب جائر متشدد (4)
صلي وسلي عني الدءاليل أنني
…
أنا الرجل المأثور في كل مشهد (5)
إذا أنت قد ماريت بي لم يكن لنا
…
إلى الوصل غير ابن الحسين المصمد (6)
(1) قدع: كمنع: كف وكبح. والمسرهد السمين من الأسمنة وسرهد الصبي احسن غذاءه واسم المفعول منه معناه الذي حسن غذاؤه وهو المقصود في البيت.
(2)
العطبولة الفتية الجميلة الممتلئة الطويلة العنق. والمحتد: الأصل.
(3)
تقاعس تأخر. ودلف: مشى مشي المقيد. واستعماله أدلف هنا خطأ اذ ان ادلف معناها اضخم يقال ادلف له القول اضخم. وأودى هلك. وأودى به الموت ذهب. والصواب ان يقول أوديت بالكئيب، والكئيب: المغموم وسيئ الحال والمنكسر من حزن. وقردد: جبل، وما ارتفع من الارض.
(4)
الوامق: المحب.
(5)
الدءاليل واحدها دؤلول والدؤلول: الداهية.
(6)
المصمد: كمعظم المقصود، والشيء الصلب ما فيه خور.
أخو المجد وابن البحر خضم وماجد
…
متى لاح بدر التم في الجو يسجد (1)
شجاع وشهم ماجد وغشمشم
…
همام وصنديد بمجد وسؤدد (2)
سقى عطباً العجم إذ ضاء نارهم
…
ودار لنا تلك الخيام بأعمد
على دجلة شرقيها نصبوا ولم
…
يهابوا معان الأسد تهدي الخفيدد (3)
أحاطوا بنا من كل قفر وشددوا
…
علينا بأطراف الحسام المنكد
وقد بذلوا في أخذنا ولأسرنا
…
شبات قوي في البطالة مفسد
سرت نارهم ليلا لنا وتكاثرت
…
علينا وفي البيداء شعلة فرقد
فأغربت الاعجام فينا وضرست
…
على رسلها مطروقة لم تشدد
ولما رأوا أن الجليلي ماجد
…
حسين هضوم منجد خير سيد
(1) خضم كخدب: السيد الحمول المعطاء. ولا يستقيم الوزن بهذه الكلمة الا اذا حرفت الى خضم ولم ترد الخضم وهو الاكل بأقصى الاضراس أو ملء الفم بالمأكول. أو خاص بالشيء الرطب كالقثاء. ولا يمكن ان يكون المقصود هنا.
(2)
الغشمشم: من يركب رأسه فلا يثنيه عن مراده شيء. والصنديد: السيد الشجاع أو الحليم أو الجواد أو الشريف.
(3)
المعان: المباءة والمنزل. والخفيدد السريع والظليم وفي البيت اقواء.
سروا سحراً مستأنسين بربعهم
…
بكل لئيم في حسام مهند
لسبي البنات الراتعات بدارهم
…
وجردت سيفاً كان غير مجرد
فثاروا علينا واستحاطوا بسورنا
…
فأيقنت الأطفال بالسبي في غد
فنادت ذوات الخدر أين ملوكنا
…
وأين الوزير الشهم أحسن منجد
فنادى حسين اصبروا وتمكنوا
…
ونادى مراد كالصفيح المصمد
«أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه
…
خشاش كرأس الحية المتوقد» (1)
وقال أمين يا ابن أمي لم نكن
…
نرى مثل هذا اليوم في كل مشهد
دع القيل عنا واغتنم سمعة لنا
…
فها أنا في الهيجاء أكرم مرفد
فأضحت بنو الأعجام في كل فدفد
…
تعول وتنعى من دماء مبدد
فكانوا طعوم الوحش تحت حسامهم
…
مفلين عقد الخيل بعد تمرد
ولما رأى السلطان أن أمينه
…
أمين الندى عند اللقا والتردد
حسيب كريم كامل متكمل
…
حباه بما أولاه عن عين حسدي
فدمت فريدا في الفرائد مكرماً
…
لترفل في برد البهاء ومجسد (2)
فلم يك لي إلا ببابك عزة
…
فلا زلت يا خير الورى خير منجد
ولما أنجانا الله من ذلك الحصار، وأطفأ بسبب لطفه وكرمه لهيب ذلك النار، وسار حضرة المشار إليه إلى طرف الدولة العلية، بهذه البشائر السنية، والفتوحات البهية، ألبسه خادم الحرمين
(1) البيت لطرفة بن العبد من معلقته.
(2)
المجسد: المصبوغ بالزعفران والمجسد كمبرد: ثوب يلي الجسد.
الشريفين خلعة الإمارة، وأولاه بأنواع المسرات والبشارة، وأنا إذ ذاك في خدمته، مغمور في آلائه ونعمته، ورجعنا إلى الديار وقد تهيأت لمديحه الأدباء والشعراء بأبلغ الأشعار.
فمن جملة من خدم ذلك الجناب بشعره الحري، منلا علي الشهير بالحفعتري (1) بقوله:
قدم فديتك ذكر الغيد والحور
…
واشرب على خد من تهوى بلا حذر
واغنم سلافة ريق راق مطعمه
…
كأنه الراح فيه نشوة الصور
يريك خداً أجاد الصبغ طابعه
…
لذا به قد تراءت هامة القمر
تصونه أسهم الأجفان حارسة
…
من لامس فهو في صون وفي حذر
فصدغه واو عطف ليتها عطفت
…
على المتيم وصلا غير مستتر
ولام عارضه للخفض قد جعلت
…
كأنها لام تعليل على بشر
ونون حاجبه بي أكدت سقماً
…
يا ليتها أكدت وصلا بلا غير
مذ خانني عاذ لي استحميت منه إلى
…
حمى الأمين إلى أمن بلا كدر
فتى له المجد إرث والسخاء حلى
…
فمن يباريه فيما نال من ظفر
طلق لقاصده عذب لوارده
…
غنى لوافده غوث لذي وطر
ما أم راحته يوماً أخو أمل
…
إلا ونال نوالا جاء كالمطر
أقسمت بالله إن السعد خادمه
…
من سعده وبما أقسمت لم أجر
قد اقتفى في صفات والداً خضعت
…
له رقاب الورى في البر والحضر
رجو من الله أن تعلو وزارته
…
بين الأنام ويقفو أحسن السير
وللأديب الشريف فتح الله المولى (2) تاريخ (3) وتقفية، يخرج
(1) سيترجم له المؤلف.
(2)
سيترجم له المؤلف.
(3)
في الاصل تاريخا وهو خطأ.
من أوائلها أمين باشا حرسه الله:
أيا من حوى فخراُ وسعداً على الورى
…
أيا ابن جليل الذات يا ابن الأطايب
ملكت العلا والجود والسعد والنهى
…
وحزت السنا حقاً بحسن المواهب
يؤم وفود الرفد سلماً ببابكم
…
يعودون في أوفى العطا والمكاسب
نأيت عن الحدباء ترجو صلاحها
…
وأبت بأفراح ونيل المناصب
بكم موصل الحدباء قد شاع اسمها
…
وقد عرفت في مشرق ومغارب
أبوكم حسين الذات قد جل اسمه
…
جليلي أصل بين عجم أعارب
شويتم عداكم في ظبانا وحربكم
…
وأسقيتم الأعداء حمر المصائب
ألا انني لم أحص مدح مديحكم
…
فكيف بإحصاء النجوم الثواقب
حسمتم ظلام الظلم مذ ضاء ضوءكم
…
بمشكاة نور الحلم من كل جانب
رسمتم سطور الجود في كل وجهة
…
فأمت بنو الآمال خير مآرب
سلوا عن مقالي كل غاد ورائح
…
يبان صدوق القول من غير كاذب (1)
هبات يديكم سيل سحب هوامع (2)
…
وما انتم حقا شبيه السحائب
أما السحب (3) إن سحت يدوم بكاؤها
…
وان أنتم جدتم لضحك مصاحب
لكم أذعنت كل الورى ورئيسها
…
بكم أعلنت سعدي بحسن العواقب
لكم مدحتي فيكم مرادي وأنتم
…
رشادي سدادي بغيتي ومواهبي
هبوني اقتصاري مدحكم وثناءكم
…
خذوا بنت فكري مالها من صواحب
على الناس جمعاً واجب ان يؤرخوا
…
«أمين الندى قد نال أعلى المراتب»
وفيه لمنلا صالح المعماري (4):
تبسم الدهر وحل الهنا
…
وشرف الأوطان ليث العرين
خوافق السعد على رأسه
…
تخفق بالنصر وفتح مبين
فهو جليل القدر والمرتضى
…
وهو أمين الخير وابن الأمين
قلده السلطان عقد الولي
…
فضلا بتقدير العزيز المعين
ومذ زهى الريحان في خده
…
أرخته «يجلى عذار الأمين»
(1) كذا في الاصل
(2)
في الاصل سحب سيل هوامع.
(3)
في الاصل اما السيل وهو خطأ.
(4)
سيترجم له المؤلف.
وكنت قد أنشأت مناظرة بين الأزهار، ومفاخرة بين الشموع والاقمار، وختمتها باوصافه، ملمحاً فيها لبعض مكارمه وألطافه، فناسب ذكرها وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم، حامدا ومصليا ومسلما: روي عن الحبيب، ما هو أضوع من الطيب، انه قد اختلى مع بعض العشاق، والمدام بينهم قد راق. والنجوم مزهرة، والأفاق مقمرة، والشموع مشتعلة، والزجاجة مشتغلة. والأوراق ناظرة، والأزهار ناضرة، والغصون مائلة، والمياه سائلة، والسواقي جواري، والغلمان دراري. والروض أنيق، والقهوة رحيق. والعود مطرب، والناي معرب. والنادي مزهر، والحادي مزمر.
بكلام لو أن للدهر سمعا
…
مال من حسنه إلى الإصغاء
وأنا أعذب من المدام، وازهر من النجوم في حالك الظلام.
وجهي مقمر، وشمع خدي مزهر. لوني أصفى من الزجاج، وأنا أبهج من الأوراق في الابتهاج. اخجل الأزهار، وازين الروض للنظار. قدي أميل من الغصون، وأنا الماء العذب القراح حيثما أكون. لا تذكر السواقي الجواري، ولا الغلمان الدراري، عند خطوري، وإشراق مصباح نوري. ريقي أحلى من الرحيق، وأنا اطرب من العود والناي الأنيق. أسكر السامع بصوتي، وأضرب المنكر بسوطي.
ولي كف ضرغام إذا ما بسطتها
…
بسوق الوغى أشري بها وأبيع
فأردت أن أوقع بينهم الخصام، في أثناء الكلام، حتى أعرف بهذه الأوصاف بين الأنام، فابتدرت بالكلام، وخاطبت المدام، وأوقدت بينهما نارا الخصام، حيث مدحته. وبالإكرام منحته.
فطرب طرب السكران، وجال وسط الفنجان، وقال:
الحمد لله الذي جعل الكرم محتدي، وإزالة الهموم مقصدي.
وفضلني على كثير من المياه، وخصني بالفضيلة بلا اشتباه، حيث وعد لي المتقين، وأثنى علي في كتابه المبين، وقال وهو اصدق القائلين، وأنهار من خمر لذة للشاربين. والصلاة والسلام، على سيد الأنام، وآله وأصحابه الكرام. وبعد فإني أحق بالمديح، وأولى بالتلميح، وأحرى بالاكرام، لدى الخواص والعوام، وقد قال الله تعالى، ومن أصدق من الله قيلا (1)، ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا (2). فليس النجم مثلي، ولا نيله كنيلي. أنا أحسن نورا، وأزيد منه سرورا. حبابي زهرة الأحباب، وأنا زينة الأصحاب، أنا الحاضر في كل نادي، أنا المؤلف بين أصحابي وعوادي. أنا ديمة أولي الألباب، أنا داخل المجلس والنجم واقف على الباب. طالما لذ العناق بمذاقي، وانسر السرور بإشفاقي وذهب الحزن بحضوري، وزاد السرور بسروري. وكفاني في الانتساب، ما ورد في نص الكتاب. ومن ثمرات النخيل والأعناب (3)
(1) سورة النساء، الآية:122. وكانت في الاصل ومن أحسن.
(2)
سورة الانسان، الآية:17.
(3)
سورة النحل، الآية:67.
وأما أنت يا نجم، ومؤنس الليل المدلهم. فضعيف الكون، أبيض اللون. تحرق بنارك، وتؤذي بشرارك. فقصر في الكلام، واسمع شرح حالي في النظام.
أهل حاني عودوا إلي بعود
…
وأوقدوا مجمري بند وعود
واسمعوا قصتي فأعجب منها
…
ما جرى بيننا من التنكيد
زعم النجم أنه لي مثيل
…
أين هذا السرور في الجلمود
أنا أعلى بين الأنام وأحلى
…
وكلامي مزين بعقود
أين للنجم ألفة بين قوم
…
أين للنجم زينة العنقود
فلما سمع النجم الكلام، ثار للخصام. وازورت إحداقه، وتلون كالمعشوق بين عشاقه. فزمجر وهدر، وأسقط الشهب والشرر، ثم قام وابتدر، فقال وأجاد في المقال، الحمد لله محرم الحرام، الناهي (1) عن المدام، ومزهر النجوم في حالك الظلام.
الذي اقتضت حكمته تحريم الخمور، وعوض سرور الإسلام عن ذلك السرور، والصلاة والسلام، على يتيمة الأنام، وآله وأصحابه علايم الأعلام. النجوم الزواهر، والسيوف البواتر، وبعد
أما أنت أيها المدام، النجس في ملة الإسلام، قد أغلظت في الكلام (2)، ولم تفرق بين الحلال والحرام. أما لك أدراك تدرك به ارتفاعي، وعين تريك أنواري وشعاعي. أنا سيف الله القاطع، أنا شهابه الثاقب الساطع. أنا رجوم الشياطين، أنا السامي المكين.
(1) في الاصل المنهى وهو خطأ.
(2)
في الاصول: قد اغلضت الكلام وصوابه قد اغلظت في الكلام.
أما تدري أني الشهاب الثاقب، والزينة التي شهد بها العزيز الغالب. إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب (1). انا عظيم المقدار، وأنا القسم المغوار. أما قرأت الكتاب، وتلوت نصه المستطاب، والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى (2). أنا ثاني الموحدين، أنا المزهر إلى يوم الدين. لا القمر يضاهيني، ولا النيران (3) تعلوني، فاسمع مقالي وميز حالك عن حالي.
أيها الخمر قد أطلت ملامي
…
فاترك اللوم واستمع لكلامي
ما عقول الصحاة مثل السكارى
…
لا ولا يقظة بمثل منام
قد تعديت فوق ما أنت فيه
…
فالزم الحد لست أهل خصام
أنا نجم فما هويت لشر
…
أنا سيف السيوف عند اصطدام
فاترك العتب فالكلام كثير
…
أنا ساع وأنت لست بسام
فلما سمع القمر هذا الكلام، اجتمع للخصام. وهل من أفق الغيرة وقال، سبحان الله العظيم المقال، الحمد لله الذي جعل الشمس نورا، والقمر سراجا منيرا. وقهر النجوم، بإنزالها إلى التخوم. وأصلي وأسلم على من انشق له القمر، وظهر ظهور النيرين واشتهر، وعلى آله الأقمار، وأصحابه الأخيار، ما أشرق الهلال في جميع الأمصار، وبعد.
أما أنت يا نجم، ويا صغير الحجم، فقد عرضت نفسك للبلوى، وأظهرت الحسد والشكوى. تفاخرني وأنت المهان، وتسقط من العلو إلى انزل مكان. أنا الهلال المنير، والقمر المستنير. وأنت
(1) سورة الصافات، الآية:6. وفي الاصول وزينا وهو خطأ.
(2)
سورة النجم، الآية: 1، 2.
(3)
بالاصل: النيرين
النجم الهاوي، والآفة السماوي. أما تلوت الكتاب، وسمعت المدح المستطاب، بالكلام الأنوار، اقتربت الساعة وانشق القمر (1) أنا أعظم المعجزات، وأبهر الآيات البينات. انقدت لخدمة الرسول، وانشقيت نصفين بلا أفول. حزت بخدمته السعادة، ونلت بقربه السيادة، فالقرآن مشحون باسمي، والنور قد وقع قسمي. وأنا فوق ما أكون، وقد قال القائل للشيء كن فيكون.
لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار (2) وكل في فلك يسبحون، لا الشموع تشابهني، ولا الظلام يصاحبني أصحب المسافر، والليل كافر. أستر على الحبيب، والشمع أشنع رقيب. فاسمع مني، وارو عني.
أنا القمر السامي لكل مكان
…
وأصدق أصحابي بكل زمان
أصاحب كل الناس في وقت شدة
…
وعند اصطدام الحرب يوم رهان
أعللهم في كل أرض وقيعة
…
وأصحبهم عند الرخا بأمان
فاسترلا كالشمع أفضح صاحبي
…
وأشرق لا كالنجم عند عيان
فلي صيتة في الخافقين جسيمة
…
كفاني دعيت اليوم بالقمران (3)
فلما سمع الشمع مقاله، احمرت عيناه لهذه الحاله، فطال لسانه، وصكك أسنانه. وشرع في الكلام، على سياق الخصام، وقال:
الحمد لله منور النور، ومزهر الشموع والزهور. وجعل نوره كمشكاة فيها مصباح (4)، وزين به مجالس الأفراح. والصلاة
(1) سورة الفمر، الآية:1.
(2)
سورة يس، الآية:40.
(3)
كذا بالأصول.
(4)
سورة النور، الآية:35. والآية مثل نوره.
والسلام على سيدنا الأسعد، ونبينا الأمجد، محمد الأحمد.
الذي أرسله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (1).
أما أنت يا هلال، فقد أكثرت المقال، ولم تدر حقيقة الحال.
تفاخر أمثالي، ولم تميز بين الصدف واللآلي. أين أنت من الشمع المقصور، وأشكالها التي كأنها المقصورات من الحور. وإذا برزت في الظلام، مزقت أديم الديجور. أو ما علمت بقربي للأحباب، وقد أفنيت جسمي في خدمة الأصحاب. ومع هذا فيقطعون لساني، ويخفضون شاني، وأصبر على ما دهاني. فمحاسني كثيرة، ولطائفي غزيرة، ومحاسنك يسيرة. نورك مكتسب، وأنا أعلى في النسب. أما تلوت القرآن، وفهمت تمييزي على سائر الأقران، حيث نظم بمدحي درراً وياقوتا، وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا (2). الزجاج خادمي، والمدام منادمي.
لوني أصفى من الزجاج، وأزيد في الابتهاج، وأكثر ملاحة، وأوفر صباحة. فأصغ إلي، وإياك أن تشق علي.
يا أيها البدر قد أكثرت في العذل
…
فارفق فليس كثير النور مثل خلي
من أين للبدر نور يستضاء به
…
فان نورك نور الشمس في الأصل
يكفيك ما قد حواه الشمع من كرم
…
فالخد كالورد ثم القد كالأسل
(1) سورة الاحزاب، الآية:46.
(2)
سورة النحل، الآية:68.
دع الهلال ودع أيضا الزجاج فلا
…
تميل الا لحسني فالبهاء جلي
أنا السمير ونوري يستضاء به
…
باللمح من خلل الأستار والكلل
فلما سمع الزجاج، هذا اللجاج، تلاطم كالبحر العجاج.
وقال: هذه ليست أول قارورة كسرت في الإسلام، وأول كسر وقع في الزجاج بين الأنام. ثم علا على يد الساقي، وقد بلغت الروح التراقي، فحمد الله وأثنى عليه، وأظهر ما أكن من الخصام لديه، وقال الحمد لله الذي قصر الحسن علي، والملاحة مني وإلي. وأصلي وأسلم على خير ولد آدم، محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه، المتأدبين بآدابه.
وأما بعد أيها الشمع قد أطلت اللجاجة، لست كالبدر لا ولا كزجاجة أين لك هذا الصفاء، والألفة بين الإخاء، أما تلوت الكتاب القديم، والكلام الفضيل الجسيم. وسمعت المدح المشهور في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور (1). فإن لم تلزم حدك، لأغمدن فيك سيف جدك. الأوراق تحسدني، والأزهار تغبطني. أنا مرآة الزمان، ومحسود كل إنسان. فاسمع كلامي، ودع ملامي.
وانشد مقالي، ولا تبالي.
أيها الشمع قد أطلت الملامة
…
فاترك اللوم قبل نيل الندامة
(1) سورة النور، الآية:35.
أين صفو الزجاج وقت ابتهاج
…
عند صفو الشموع وقت المدامة
لا ولا الزهر مثله في صفاء
…
بل ولا الروض مثله في الزعامة
بل ولا الماء حسنه مذ تبدى
…
في سماء إليها وسيل الغمامة
فأنا سيد وقدري عظيم
…
كامل قابل عظيم الجهامة
فهنالك، عظمت المهالك. فلا ترى إلا بحرا مسجورا، وورقا منثورا، وأزهارا مزهرة، ورياضا مقمرة. وغصونا مايلة، ومياها سائلة. وسواقي جواري، وغلمانا دراري. كل (1) ينادي بالثبور، وينثر المنثور. ويروم النزال، لرمي النصال. فيا لها من وقعة ظريفة، ونوبة شريفة فلم يكن بد (2) من المشورة، والنادي قد انتثر فيه مسك وعنبر (3). فانطبقت آراؤهم على ترئيس الماء، المشاكل للسماء، لحدة لسانه، وكثرة أعوانه، فقال من غير روية:
الحمد لله خالق البرية، الذي تنشر القلوب بذكره بعد الطي، القائل وجعلنا من الماء كل شيء حي (4). رافع السماء، الذي كان عرشه على الماء (5). مجري البحار، ومنور الأزهار. والصلاة والسلام على سيد الأنام، ومصباح الظلام، محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ما تلون الربيع للنظار، وبعد:
فأنت يا زجاج، ويا لون العجاج، ويا كثير اللجاج، بأي شيء تفاخر، وما عندك شيء من المفاخر. بلونك الصافي، أم
(1) في الاصول: كلا.
(2)
في الاصول بد.
(3)
في الاصول: مسكا وعنبرا.
(4)
سورة الانبياء، الآية:30.
(5)
سورة هود، الآية: 7 وكان عرشه.
بنيلك الوافي. أم بمدك النافع، أم بجزرك الناقع. أم بأنباتك الزهر، أم بروضك النضر. أم بأوراقك الزبرجد، أم بزهرك المنضد. أم بفضلك الزاهر، أم بحسنك الباهر. أم بسواقيك، أم بجواريك. أم بخدمك وغلمانك، أم بجنودك وأعوانك. أما الماء ففضله أظهر من السماء. بحاره زاخرة، أنهاره باهرة. مصاحب الأنبياء، وأليف الأنقياء. بفضلي دعيت هذه الأمة بالغر المحجلين، وأنا مادة حياتها إلى يوم الدين. أنا أصوت من العود، وأضرب من الناي بالعقود. أزين النادي، وأطرب الحادي. وكم حويت مآثر، لا تحيط بها الكتب والدفاتر. فالزموا الحد، وأريحوا قلبكم المكمد. فإني في الأرض، أفضل جماد في طولها والعرض.
فاسمع مني، وارو عني.
أيها المكمد الذي قد تحقر
…
لست منها ولا قلامة أظفر
أنا ماء وسيد ونفيس
…
أنا فضل وفي اللطافة أشهر
كل من يدعي بما ليس فيه
…
كذبته شواهد ليس تنكر
أنا عين الحياة، ينكر فضلي؟
…
وأنا زمزم وفي الحوض كوثر
دع ملامي إذا فهمت كلامي
…
والزم الحد في الملا لا تعزر
فلما سمع الحبيب المناظرة، وأصغى (1) لهذه المسامرة، زاد سروراً، وعلا حبورا. وقال يا قوم كلكم ذو فضيلة، وكرامة جزيلة. ومحاسن كثيرة، ومحامد غزيرة. ومواهب عظيمة، ومآرب جسيمة، فطيبوا القلوب، فو حق علام الغيوب، ما منكم
(1) في الاصول: وصغى. والصواب وأصغى الى هذه.
إلا وله مقام معلوم، وكمال منظوم. ورياسة وإمارة، وأمارة ومهارة إلا أن جامع هذه المناقب، وصاحب هذه المحامد والمواهب، حضرة فريد الأوان، ويتيمة الزمان. وهدية الرحمن، وعين كل إنسان، الممدوح بكل لسان.
يلوح لنا من برجه كوكب الهدى
…
ومن وجهه شمس بكل مكان
وهو الملك النجيب، والأمير الأديب، محمد امين باشا، ابن الوزير المظفر الحاج حسين باشا. فاعترف كل منهم بخيرية أخلاقه، وطيب أعراقه، وزكاء منبته، وذكاء طينته، وزيادة فطنته. وقرت الأطيار له بالثنا، وأنشدت بمدحه معلنا:
لله درك يا عين السخاء ويا
…
وافي الوفاء ويا من بالعلا فطنا
أنت الكريم ونجل المكرمات ومن
…
قد شاع في فضله والفضل منه لنا
وألقى كل منهم عصا التسليم، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم (1). فاشتغلوا بالثناء، والتزموا فضيلة الدعاء.
فلا زالت أعلامه خافقة، وألسنة الأنام بشكره وعلو قدره ناطقة.
على مرور الشهور والأعوام، إلى قيام الساعة وساعة القيام.
وفي سنة ألف ومائة وست وستين، بلطف الملك الجبار المعين.
توجهت ولاية الموصل لجنابه، وتزخرفت منابرها بسمو ألقابه.
امتدحته الشعراء من المديح بكل طريق، وتبادروا لنيل سيبه من كل فج عميق. وكنت إذ ذاك في خدمة والده الوزير المشار اليه،
(1) سورة النمل، الآية:30.
والمعول في جميع المهام عليه. فأنشأت لولايته تاريخاً، وهو:
لاح صبح السعود لي بابتلاج
…
واستنارت ديارنا كالسراج
حيث أن الأمين أضحى عزيزاً
…
لبني مصرنا بأسعد تاج
هو سعد السعود دوح المعالي
…
فالعلى من سراجه الوهاج
جاء في فترة بخير اتفاق
…
كشفاء من غير سبق علاج
نعمة وافت الأنام جميعا
…
كصباح من بعد أسود داجي
منة منّها الإله علينا
…
منحة رفعة لأحوج راجي
زدت قدراً فزدت فيك علاء
…
فأنا في الدعا بضمن الدياجي
مذ أتاه الولاء قد قيل أرخ
…
ولما كان إرساله قد تجاوز التاريخ المذكور ودخل في السنة الثانية وهي السابعة والستين أردفناه بتاريخ آخر، وهو:
يا واحداً في العلى والذات والنسب
…
ومن سما كرماً في العجم والعرب
لما علوت وقد جانا بشائركم
…
وزادنا طرباً حقاً بلا ريب
قد قيل لي سنة إن كنت خادمه
…
أرخ على عجل يرقى إلى رتب
وكنت قد أردفت التواريخ بأبيات تنبي عن الحال، وتغني عن تفصيل المقال، وهي:
يا أمين الندى تعاظم مابي
…
لانتسابي لأوحد الوزراء
غمرتني أكفه والأيادي
…
فلهذا تكاثرت أعدائي
وأرى الآن قد تجمع قوم
…
لشتاتي وعزلتي وفنائي
فإذا قدر الإله ونالوا
…
فاذكروني بصالح ودعاء
وممن زين قريضه بأوصافه، وحلى نظمه بعقود فرائد ألطافه،
محمد الغلامي (1) المذكور، صاحب الأدب المشهور، بقوله:
نشر مسك في الكون أم ريحانه
…
عطرتنا أرجاؤه الملآنه
أم بدا في الوجود أمر جديد
…
شمت من برق غيثه لمعانه
أم تبدت مخايل الخير فينا
…
إذ أتت للأمين فينا أمانه
كان كفؤاً لخطب بنت المعالي
…
فأتى الحكم يبتغيه قرانه
كامل فاضل أديب لبيب
…
حكمه مع صيانة وديانه
حسن الخلق زانه حسن خلق
…
فأرانا مع حسنه إحسانه
هيبد تملأ المسامع لكن
…
ذو جمال يغنيك عن خمر حانه
وإذا حفت السعادة عبداً
…
بخصال الكمال فاق زمانه
شد أزر الحسين فازداد فيه
…
ذلك العضب صيقلا ومتانه
كلما أسس الحوادث باغ
…
هد بالسيف إذ بنى أركانه
يا أمينا وأنت نعم أمين
…
من أجل الاله والعرش شانه
حكمة الله أظهرت كل عقل
…
قصرت عندها العقول استبانه
حث كنا وللأراذل موج
…
رشحها يغرق الشريف استهانه
فتنة تمطر الرصاص علينا
…
وترينا البيوت خير مكانه
فأتاهم من الجليلي نجم
…
أحرقت كل مجمع شيطانه
وإذا حل في المواقع موسى
…
أبطل السحر خاذلا أعوانه
قيل أن نسل الجليلي دوح
…
بمعاليه مسعد أغصانه
قد أصابوا بالحكم قلب سفيه
…
قلت هاتيك أسهم من كنانه
سل سيفا فنام بالأمن فينا
…
من غدا الخوف مسهرا أجفانه
(1) ترجم له المؤلف في ص 430.
واقتفى أثر والديه بحكم
…
فاقتفينا للمدح نثني عنانه
نسب كالقناة في كل حين
…
يترقى وكنت أنت سنانه
طالما غردوا بوصف حسين
…
بالقوافي واستنشدوا إحسانه
فاتاكم يحوك وشي المعاني
…
بمعاليكم عن الغير صانه
ان شعراً أبدى بوصف أمين
…
يبذل المرء حذقه والفطانه
لا يزال الأمير يعلو ويسطو
…
ما بقى الدهر فائقا أقرانه
وممن مسك بعبيره ثراه، وجر ذيل الفخر بقراه، السيد موسى الحداد (1):
زارت لتبصر حال المغرم الدنف
…
ليلا فهاجت لهيباً جالب التلف
غيداء لو خطرت فالغصن في خجل
…
أو أسفرت فبدور التم في كسف
والليل فوق صباح الوجه مؤتلف
…
كلاهما عن أخيه غير منحرف
لاحت دنانير حسن فوق وجنتها
…
لكنها نحو طرفي غير منصرف
وحمرة الخد منها الأفق مكتسب
…
والغصن والظبي لين العطف والوطف
وذات غنج به تسبي النهى طرباً
…
في موقف بين سلب الوجد والشغف
وحارس قام يحمي ورد وجنتها
…
بصارم اللحظ منها خوف مقتطف
(1) سيترجم له المؤلف.
تالله لو لم أخف من فتك ناظرها
…
أطفأت حر الحشى من بارد الرشف (1)
يا ربة الحسن رفقا بالقلوب فكم
…
أجبت قلبا وقلب مات بالأسف
مهلا فما لي أمير استجير به
…
إلا أمين المعالي كامل الشرف
ماضي العزائم خواض المعامع في
…
يوم الهياج وملجا الخائف اللهف
شهم الكرام إذا ما رام مكرمة
…
قامت إلى مجده تسعى ولم تقف
كهف الملوك إذا مال الرضى كرماً
…
في جفنه كاد يحيى ساكن الجدف
يا ذا الفضائل من آل الجليل ومن
…
علا منار العلى عن رتبة السلف
إن الوزارة سيف أنت جوهره
…
والحكم للجوهر المشهور غير خفي
إذا رآك الورى قالوا بأجمعهم
…
هذا أمين المعالي درة الخلف
ورب فرع سما الأصل الأثيل كما
…
تسمو الزهور على الأشجار في التحف
من معشر صهوات الخيل مرتعهم
…
يوماً إذا الفارس المقدام في وجف
(1) في الاصول: هو الحشا.
تحيي بحد القنا أخبار عنترة
…
وبالندى ذكر معن مع أبي دلف (1)
أبا سليمان كم أحرزت مرتبة
…
تهنيك محتشماً والغير في كلف
قد فاح عدلك في الحدباء فافتخرت
…
بكم على موطن الزوراء والنجف
فالسعد في طرب والنصر في فرح
…
والمجد في جذل والعز في ترف
جمعت فضلا فلو فرقته لغدت
…
كل العوالم في فضل وفي شرف
لو أن للصبح نطقاً واستجار بكم
…
أبقيته آمناً من ظلمة السدف
لا زلت يا ملك الأقران منتصراً
…
ما أضحك الروض دمع العارض الوكف
وممن صرف عنان نظامه، في شأن علو مقامه، علي الجفعتري (2)
حكم الهوى وعلي طال يمينه
…
والقلب يصدقه وذاك يمينه
إن كنت تحكم يا غرام بمهجتي
…
فليأتني مما صحبت مكينه
وإذا أردت حفيظ عهد فليكن
…
قلبي فذاك مدى الزمان خزينه
وإذا بلوت فتى فلا تبلو سوى
…
من جاره بين الورى مأمونه (3)
فأنا الذي لو جاء طيفك في الكرى
…
يبغي الزيارة كنت عنه أصونه
(1) يريد معن بن زائدة الشيباني. وابى دلث القاسم بن عيسى العجلي.
(2)
سيترجم له المؤلف.
(3)
كذا في الاصول وصوابه لا تبل.
فاجعل نصيبي منك أحور فاتراً
…
تسبي العقول عيونه وجفونه
فاقت بدور التم طلعة وجهه
…
وقد ازدرى حسن الهلال جبينه
وعذاره المسكي لام فوقه
…
عين وفوق العين قوس نونه
شق الشقيق على بهاه رداءه
…
وابيض بين شقيقه نسرينه
والجيد جاد وغازلت غزلانه
…
ريم الفلاة فشابهته عيونه
لم يحل لي من دونه إلا الذي
…
هو للزمان حسينه وأمينه (1)
نجل الوزير ويا له من حاكم
…
أجرى الأوامر والسعود يزينه
هذا دليل للبرية أنه
…
سينال فخراً لم ينله قرينه
فأبو سليمان أجل مآثراً
…
إذ جاءه عما رجا مكنونه
وافى السعود من الجدود وانه
…
كمد الحسود مدى الدهور فنونه (2)
أحيا الذين مضوا بأفخر سيرة
…
والعز يخدم راحتيه رصينه (3)
لم يلق قاصده بغير بشاشة
…
فكأنه في الحادثات يعينه
وكأنه البحر الفرات بفيضه
…
حيث المحيط على الدوام معينه
كملت محاسنه فقارن طبعه
…
من كل فضل فاخر موزونه
قد جاء يقفو أثر أكرم والد
…
إن الكريم إلى الكمال حنينه
إن مد ساعده تساعده العلى
…
أو رام مخفياً أتاه كمينه
فكأنه سر الأنام لأنه
…
كهف الضعيف وركنه ومعينه (4)
لا زال يرقى كل مجد ساميا
…
وبه تعز قلاعه وحصونه
ومنهم الشريف فتح الله المتولى (5)، يخرج من اوائل أشطرها
(1) يريد حسين باشا الجليلي وأمين باشا الجليلي.
(2)
في الاصول: مدا الدهور.
(3)
في الاصول: أحيا الذين.
(4)
في الاصل كف الضعيف.
(5)
سيترجم له المؤلف.
ومنتصف الشطر الأول محمد أمين باشا السعيد، حرسه الله ربي ووفقه لما يريد، بقوله:
ملكت عنان الجود والفضل والسعد
…
وفقت جميع الناس بالأب والجد
حميت حمى الإسلام بالسيف والقنا
…
وقلدتنا سيفا صقيلا بلا غمد
ملأت طروس المادحين فضائلا
…
فمنها كسحب الخير جلت عن العد
دواما يراعي خادم لمديحكم
…
قديماً لكم داع بأوصافكم أشدي
أبوك حسين الخير ذو العز والنهى
…
هو اليوم صنديد السيادة والمجد
متى ما تبدى وحده ككتيبة
…
لقال العدى قد جاء جند بلا حد
يمينا به في يوم حرب أعاجم
…
منعنا وأنجانا فردوا مع الكيد
ندى كفكم بل راحتيكم سحابة
…
أتت برخاء غامر الحر والعبد
بدور علاكم قد سمت أفق السها
…
يدوم ولا كم ماحي الضد والند
أما أنتم شهم الوقائع في الوغى
…
رجال العلى شم الأنوف أولو الرفد
شويتم بنا والسيف لحم عدوكم
…
يدوم قناكم معجما حرف مرتد
أبى الله إلا أن يبشر بينكم
…
دواماً بإقبال وفضل مع المجد
فما أنتم إلا بيوت أعزة
…
كرام على المولى مقيمين بالعهد
ولا زال فتح الله يشدو مؤرخاً
…
«نصرت أمين الجود بالعز والسعد»
وفي هذه المناسبة كنت قد أنشأت في مدح هذه الحضرة قصيدة تقرا على اوجه عديدة، وسياقات غير محدودة. بصنوف تزيد على الألوف، تظهر لمن أمعن النظر فيها، واطلع على ظواهرها وخوافيها، وهي:
أميننا، سيد في الذات والنسب
…
بحر الندى، منحة في الجود والكرم
ليث العلى، أسد في العجم والعرب
…
وافى ألوفا، آية في البذل والنعم
بدر دنا، قمر يزهو على الشهب
…
عين الهدى، حكم من خالق حكم
حامي الملا، ملجأ في الضنك والكرب
…
فهو الشفا، منبع للفضل والحكم
سامي القنا، من أناس سادة نجب
…
راوي الصدا، كعبة الافضال للأمم
هطل العلى، هاطل الأنعام كالسحب
…
ذا المكتفى، غيث مجد ساكب الديم
رحب القنا، علم في الفضل والرتب
…
وافي الجدا، عظم تسمو على عظم
عالي الولا، قبلة في العلم والأدب
…
سقم نفى، كامل في الفضل كالعلم
فهو المنى، سائغ أحلى من الضرب
…
شمس بدا، كرم من بارئ النسم
فضل تلا، كامل عال بلا ريب
…
نفس الصفا، واحد في المجد والهمم
مجد بنى، مفرد بالذات والحسب
…
معط سدى، آية للخط والقلم (1)
تبر غلا، قطب يعلو على القطب
…
ماحي الجفا، مفخر خال عن الوصم
نافى العنا، فيه ما يربو على الكتب
…
قامي العدا، مفرد بالجذل من قدم (2)
دفع البلا، سابق الأعداء للعطب
…
عذب صفا، سفح مجد محيي الرمم
رفع الضنا، ساكب في الجود للذهب
…
سفح مدى، ملجأ للعرب والعجم
فيه الجلا، ديمه بالجود منسكب
…
حسب كفى، قمر في الليل والظلم
(1) في الاصول. معطي سدا. والشذى: العرف.
(2)
يريد بقامي العدا: قامع العدا.
ملجا لنا، في الندى من أم لم تجب
…
حبر غدا، تاج جود صيغ للقمم
نور علا، نخبة بالعلم والأدب
…
ذا المصطفى، مرتع الافضال بالشيم
مهدي الهنا، قبلة للكل في النوب
…
عذب الأدا، فخره بالفضل والحشم
فرد الأولى، حاتم معط بلا سبب
…
بحر لنا، ملتجيه الآن لم يضم
وهذا المولى الآن، درة تاج الزمان. ملجأ الأنام، وممدوح الخاص والعام. لم يخل وقت من وصفه ولسان، ولا آن وزمان.
ولا أدب وبيان. فمن ذلك ما وصف في بعض الأعيان، على لسان بعض الأدباء الأمجاد، بقوله:
فتوح وإقبال بعيدك حاصل
…
وعز وإحسان بسعدك واصل
وأوقات سعد بالتهاني ضمينة
…
وأسباب مجد ظاهرات قوابل
وجاءتك أسباب المعالي مشيرة
…
إليها وقد دلت عليها الدلائل
وفي الدولة الغراء نور وبهجة
…
على صفحات الملك والفخر شامل
تهن بها يا مالك العصر آمنا
…
فما بجناها غيرك اليوم قابل (1)
حبتك المعالي نفسها وتعاقدت
…
عليك النهى واستأثرتك الكوامل
وقمت وقامت للشرائع أعمد
…
فضائل قد قامت بها وفواضل
وآيات نصر من إمارات سعده
…
تلوح وأفلاك السعود حوامل
(1) في الاصول: تهنى.
فلا حق إلا وهو منك مؤيد
…
ولا هزل إلا وهو عندك باطل
وأعطيت علما في الأمور وفطنة
…
تكل رجال الدهر ما أنت حامل
إذا قال فهو الفصل حكم وحكمة
…
وإن سال فهو السيف قاض وفاصل
يداه يد بالبر قد شاع فضلها
…
وأخرى حسام للمضلين زايل (1)
وأحيا رسوم العدل بعد اندراسه
…
وشيده من بعد ما هو نازل
فحلمك لم يخصص به قوم خالد
…
ولكنه للعرب والعجم شامل
بكم بلد الحدباء أصبح عامراً
…
وأمحق فيه كل باغ وصائل
فما لصلاح الأمر غيرك صالح
…
ولا لنظام الملك غيرك قابل
…
ولا كوكب إلا لدى الشمس آفل
لكم همم أن ليس يحصى ثناؤها
…
يراع وكف الحادثات رسائل
فلا زلت مشكوراً على ألسن الورى
…
مدى فلك الدوار للسعد حامل
ولا زلت في الدنيا أميناً معمراً
…
وأعطيت أصناف الذي أنت آمل
وممن مدح ذلك الجناب، وتفنن بمديحه في كل باب، حسان بابه، ومداح جنابه. الغلامي محمد (2)، ذلك الحبر الأمجد، بقوله:
قفانبك من عذراء أخلت مزارها
…
على الموصل الحدباء أعهد دراها
تؤجج ناراً للضيافة قومها
…
كما أضرمت في مهجة الصب نارها
كعوب من الأعراب في بيت شعرها
…
إذا دهمت أعلت بطي شعارها
(1) في الاصول: يداها.
(2)
تقدمت ترجمته في ص 430.
سريت إليها والهلال كأنه
…
على الجانب الغربي ألقت سوارها
ينم علي الضوء طوراً واختفي
…
ببطن الفلا لما أثير غبارها
ولما طرقت الحي وهنا تفطنت
…
فقالت تناجي جارها وجوارها
ألا انعم مساء أيها القادم الذي
…
رأى غمرات الموت عندي وزارها
فبت باهنا عيشة عاش مغرم
…
إذا عدت الأخيار كان خيارها
أرد يدي عن ثوبها ونقابها
…
وتسبل دوني سترها وخمارها
إلى أن بدا ضوء الصباح فراعني
…
ولم أخش قتلي بل كراهة عارها (1)
وحرب ببرق السيف زدت ضرامها
…
ومن حلق السعدى أطارت شرارها
وليمة طير والكماة جزورها
…
فاحسنت من نثر الرءوس نثارها
هجمت عليها والغبار يضمنا
…
كحسناء فوق الرأس ألقت إزارها
فصامت بها الأبطال عند استنارها
…
وصلت بها الأسياف تبغي اشتهارها
وأبرق من لمع السيوف غمامها
…
فأقطرت من ورد الوريد شفارها
على أدهم رحب الذراع بغرة
…
يخوض الدياجي فاستعاد نهارها
وأوردت أقراني بنغمة صارمي
…
مدامة سكر ما استلذوا خمارها
صهيل جوادي مع صليل مهندي
…
نديمي اذا البلوى أدارت مدارها
(1) في هذا البيت اقواء.
سلوا عمرا عني بكل كريهة
…
يمينة إن كان كنت يسارها
نعم حيث كنا خادمين لسيد
…
به آل عثمان أقرت قرارها
أجل بالأمين بن الحسين ابن ماجد
…
وأعني به إسماعيل أربت فخارها
على نسق أعطوا الشريعة حكمها
…
ويأتي سليمان فيعلى منارها
همو غرسوا بالحلم أشجار مجدهم
…
ومذ أينعت بالعلم تجني ثمارها
أكف بحور والسيوف جداول
…
تمد بأحياء الفخار كبارها
وليل كقلب الكفر سوّد خاضه ال
…
أمين إلى الأشرار يبغي اختبارها
فان أقلعت كانت لديه أمينة
…
وان رجعت تبغي أحل دمارها
وكم سنة شهباء كادت لقحطها
…
لتقتات أهل اليسر فيها حمارها
تفقد فيها للأرامل حالها
…
فأضحت بفضل الزاد تكرم جارها
وكم بات ليلا والحسام ضجيعه
…
لملة خير الخلق يبغي انتصارها
أتتك أبا سلمان مني قصائد
…
تؤمل من كسر الزمان انجبارها
بسعدك كملنا قصور بيوتها
…
تقل ولكن القصور قصارها
فلم يصنع الحليّ حلي كلامها
…
ونقد ابن هاني ما أهان عيارها (1)
ولما رجعت من بلاد الروم من خدمة أبيه، ذلك الضرغام النبيه وذلك ليلة عيد من رمضان، بعد امتداد الغربة أربع سنين. وقد اثر بي حب الوطن، وألم بي الحنين إلى ذلك السكن. وحللت بناديه، وغمرتني أكفه وأياديه، أمرني أن أشنف الاسماع، بمديحه الذي لا يستطاع، فامتثالا لذلك الأمر المطاع، زففت إلى حضرته هذه القصيدة، فتقبلها كما هو دأبه من حلمه وكرمه.
وأمر برسمها في ديوان المديح، وهي:
غزال سرى من جانب الحي أم خشف
…
أم التفتت ريم وقد زانها شنف
ظباء نأوا بالطبع عني سجية
…
فأقعدهم خصر وأثناهم ردف
وخود تريك الشمس لوناً وصورة
…
كأنهما عقد وهذا له نصف
«عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى»
…
وما زادني من كشفها أبداً كشف
فلله كم من ليلة ضمنا هناً
…
وقد لذ لي بعد المكابدة الرشف
تجردنا عن أثيابنا لمهمة
…
فكان كسانا ذلك الشعر الوحف (2)
على غدر رقت وراقت لناظر
…
ونبت سناما ليس يدركه الوصف
بروض أنيق يانع وشقائق
…
ووسم حيا يحيى ورسم ندى يعفو
وحولي بدور والنجوم تحفني
…
وعيش لمثلي في اللذاذة لم يصف (3)
(1) يريد صفي الدين الحلي. وابن هاني الأندلسي.
(2)
في الاصول: الوجف، وصوابه الوحف وهو الشعر الكثيف الاسود.
(3)
في الاصل: لم يصفو.
وساق كبدر والزجاج نجومها
…
وكأس كشمس والحميا له لطف
ولا عاذل جاني ولا لائم قلا
…
ولا حاسد مكد ولا كايد يجفو
كأن صفا الحدباء حيث أميرها
…
أمين المعالي ابن الحسين لها كهف
كثير العطا ليث العرين الذي سطا
…
رحيب الندى من ليس في وصفه خلف
أمين العلى، سامي الولا، أسد الفلا
…
وجيش مع الأعداء لكن لها وقف
فسل عن علاه، الرمح والسيف والقنا
…
إذا اشتجرت حرب وليس له حلف
بطعن يقد الهام والقلب والحشا
…
وضرب بضرم قد يحار له الطرف
إذا أبصرته الناس ظنوا بأنه
…
هو الجيش لكن ليس يدخله زحف
همام جواد ضيغم ذو مكارم
…
سحاب له في كل مكرمة وكف
أمين ولكن للإمارة مسند
…
يهب على أرجائه في العلا عرف
له في العلا والجود والمجد رتبة
…
وفي كل حزب في الفوال له ضيف
له راحتا فضل تسح مكارما
…
وأيدي على للفقر من وكفهم كفوا (1)
(1) في الاصول: له راحتي. وهو خطأ.
يحن إلى الإحسان والبذل والعطا
…
حنين حليف الشوق فارقه الألف
توارث مجداً في الأنام ورفعة
…
وحاز معال دونها وقف الوصف (1)
له جل ذكر إن خلا الدهر بأهله
…
تسطرها كتب وترسمها صحف
حوى كرما لو قسمت بعض أيده
…
على الناس وفاهم وتم له العرف
وهذا عجيب كيف أحصى ثناءه
…
ودون الذي قد رمته أبداً كلف
وما كان مدحي فيه حصراً لمدحه
…
وحاشا وكيف البحر يحصره ظرف
وما الشعر دأبي لا ولا أنا أهله
…
ولو كنت أحياناً لأبوابه أقفو
ولكن أياد ليس يحزر مدها
…
مدى الدهر لا ينهاهما النشر واللف
دعتني إلى هذا القريض ونظمه
…
ولو لم يكن لي خلفه أبداً خلف
فدم بالعلى واسمح فمثلي مقصر
…
مدى العمر قد يهفو ومثلك قد يعفو
(1) وحاز معال وصوابه معالي.