الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي العمري أبو الفضائل
(1)
نجله الوالد علي صاحب الفضل العلي:
نشأ في حجر الشرف والافتاء، فبلغ من الكمال مالا بلغته الفضلاء، تفرد في كل فن وفاق أبناء العصر والزمن. فهو مركز قطب فلك المعال، وشمس سماء الفصاحة والكمال. له فضائل
(1) هو أبو الفضائل علي المفتي بن مراد بن عثمان بن علي بن قاسم. ولد في الموصل سنة 1060 هـ.
تولى تدريس المدرسة اليونسية. وفي سنة 1094 سافر الى استانبول يطلب توليه جامع العمرية بالموصل مكان والده، وكان المتولى عليه ابن عمه فنح الله العمري وكان الواقف قد شرط التولية للارشد والاعلم والاقرب والاصلح. وكان الاثنان في الدرجة سواء، فاصلح بينهما صاحب الصداره الكوبرلي وجعلها بينهما. ثم توفي فنح الله سنة 1107 هـ فاستقل بالولاية. وفي سنة 1112 سافر الى الروم، وولي قضاء بغداد ثم عاد الى الموصل بعد سنة. ثم ولي الافتاء بالموصل سنة 1124 هـ ثم عزل عنه بعد سنة ولعل ذلك كان بسبب اشتراكه في الفتنة التي حدثت في الموصل بين فرق الانكشارية، فقد انحاز الى فرقة باب العراق (عراق) وانحاز الوالي الى فرقة الميدان (مدن) وامتدت الفتنة أياما واعيد الى الافتاء بالموصل سنة 1125 هـ واستمر الى ان غلبه الكبر فنزل عنه لحفيده يحيي بن مراد بن علي ابى الفضائل. وفي سنة 1132 جدد الجامع العمري واتخذ فيه مدرسة درس فيها عشر سنين. وفي سنة 1138 حدثت بسببه فتنه في الموصل استمرت ستة اشهر تعرف بفتنة علي افندي العمري ..
وصارت اليه الرياسة في الموصل، واحرز شهرة عظيمة بسعة علومه، وبراعة أدبه. وكان مجلسه يغص بالعلماء والادباء، حتى قالوا ان من كان يحضر مجلسه كان يستغنى عن القراءة والدرس.
وصنف كتاب «شرح الفقه الاكبر» للامام ابى حنيفة. وشرح كتاب الآثار لمحمد بن الحسن تلميذ ابى حنيفة. وقد ترك ذيولا وتعليقات على كل فن. توفي سنة 1147 هـ 1734 م وكان شاعرا.
ولكن لم نعثر من شعره الا على قصيدتين: احداهما سينية في المدح ذكرها المؤلف، كما ذكرها صاحب الشمامة. والاخرى شينية غزلية، تقع في 21 بينا، ذكرها صاحب الشمامة. أخباره في:
منهل الاولياء (1: 225)، وغاية المرام (ص 340)، وسلك الدرر (3: 231) ومنية الادباء (79) وتاريخ الموصل (2: 152).
ومآثر، لا تحيط بها الكتب والدفاتر. لسانه فصيح، وميدان كماله فسيح. قضى عمره بتعاطي كئوس الفضائل، فتسامرت بحديث فضله وفضل حديثه الأندية والمحافل. ورد مناهل الكرم، فكان سحاب الفضل وديمة النعم. فالأدب مدينة وعلي بابها، وما في زمانه فضيلة إلا وإليه انتسابها. شرح الفقه الأكبر، في مذهب الإمام الأعظم الأفخر، عمان العرفان، أبو حنيفة النعمان.
كتاب في سرائره سرور
…
مناجيه من الأحزان ناجي
فكم معنى بديع تحت لفظ
…
هناك تزاوجا أي ازدواج
وله من الآثار، شرح الآثار (1).
بكلام لو أن للدهر سمعا
…
مال من حسنه إلى الإصغاء
هذا وكان حفه الله بغفرانه، وأسكنه بحبوحة جنانه، ميالا للأدب وأربابه، متمسكاً في الغاية بتحصيل أسبابه. يهتز لأبياته طربا، ويدفع بتلميحاته أحزانا وكربا. يقتطف لأزهاره وينتعش بأنواع نثاره. فناديه على الصباح مجمع العلماء، ومعدن الفضلاء، ومرتع الأدباء. يقري لكل فن، ويطوق بدر تقريره جيد الزمن. فتفسير القاضي (2) أنيسه، والكشاف (3) جليسه.
(1) كتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة.
(2)
لعله يقصد: تفسير القاضي حسين منه نسخة مخطوطة في مكتبة جامع الباشا (مخطوطات الموصل ص 65).
(3)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الاقاويل في وجوه التأويل، وهو تفسير القرآن الكريم للامام محمود بن عمر الزمخشري المتوفي سنة 528 هـ.
وسعدي (1) في لسانه، والبخاري من جملة بيانه.
ثم أثر ذلك يفكه بنوادر الأدب، ودواوين دهاة العرب.
وبعض أشعار البلغاء، وطبقات الأدباء. كالتحفة (2) والأطباق (3) والمفاكهة (4)، والأطواق (5). وتنتشر الرجال، كأقمار الليال. ويبقى وحده، وليس غيري عنده. وأنا إذ ذاك في العشرة الأولى وهو في العشرة الثامنة، ولم يكن عندي من نفائس الأدب ولا كامنه. فيناديني يا عصام، شنف أسماعنا بديوان البحتري وأبى تمام. فاجثو بين يديه، وأقرأ ما تيسر منهم عليه. وكنت أرى منه ما يبهر العقول، ويوقف الفحول، في تقرير الأدب، وتعريف أيام العرب. يحرضني على تحصيل المعارف، واقتناء اللطائف. ومطالعة الكتب والدواوين، لكون ذلك سيرة آبائه الغر الميامين.
هذا وأيامه كلها أعياد ومواسم، وأوقاته بأجمعها ثغور
(1) لعله يريد به سعد الله بن عيسى بن أمير خان المفتى الشهير بسعدي جلبي وسعدي افندي، وهو مؤلف كتاب حاشية على العناية بشرح الهداية في الفقه الحنفي.
(2)
سميت كثير من الكتب باسم التحفة، ولا ندري ايها يقصد (انظر كشف الظنون ومعجم المطبوعات العربية).
(3)
لعله يريد «أطباق الذهب في المواعظ والخطب» لعبد المؤمن بن هبة الله الاصفهاني المعروف بشقورة من رجال القرن العاشر الهجري (انظر معجم المطبوعات العربية) و (كشف الظنون).
(4)
لعله يريد مفاكهة الحكماء الذي ورد ذكره في كشف الظنون ولم يذكر مؤلفه ولا موضوعه وجاء في ذيله تمت «مفاكهة الاخوان في تراجم الاعيان» لابن طولون شمس الدين بن علي. و «مفاكهة الاخوان في طبقات الاعيان» وهو ذيل على طبقات السبكي لابن المعتمد ابراهيم الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 902 هـ.
(5)
لعله يريد «أطواق الذهب» للزمخشري (انظر كشف الظنون).
بواسم. قد انقادت الدنيا لديه، وأقبلت بكليها عليه. مع كثرة خدم، وتضاعف حشم. وتعدد أولاد وذراري، ووفرة غلمان وجواري. ولم تشغله عن مجده، او تؤخره عن رشده. قد اتخذ الفضل صناعة، وصحبة الكمّل خير بضاعة. فله على بهذا حقوق، لم تقبل العقوق. جزاه الله عنا خير الجزاء الجسيم، في جنان الخلد والنعيم.
فمن جملة آثاره، والسكر المكرر من نثاره، قوله يمدح شيخ الإسلام فيض الله:
خد تورد بارتشاف الأكؤس
…
فرنت لواحظه بطرف أنعس
أم ذا احمرار بان في وجناته
…
وأظن أورثه لهيب تنفسي
أم ذا شقيق الحسن أحمر ساطع
…
أوراقه آس العذار المغرس
أم غادة حسرت قناع جمالها
…
فبدت بواتر لحظها المتنكس
قد زادها عجباً رحيق شبابها
…
فغدت تقابلنا بثغر ألعس
هيفاء قد لعب الجمال بعطفها
…
وكساها تاج الحسن أفخر ملبس
لا شك طرتها الأصيل وفرقها
…
صبح تبلج عن ظلام مغلس
أو روضة عبث النسيم بزهرها
…
وكساها وقع الطل حلة سندس
فبدت بها الأشجار شبه عرائس
…
تحكي ببهجتها الجواري الكنس
رقصت بلابلها على أغصانها
…
طرباً لبهجة وردها المتورس
فالياسمين معانق قضبانها
…
قد قلدته حمائلا من سندس
أما الشقيق فشققت أطواقه
…
والخال في فيه كمسك أنفس
والأقحوان الثغر منه باسم
…
وكذلك الغض العيون النرجس
يختال في قضب الزبرجد مارحاً
…
والرأس منه مائلا بتنكس
وبنفسج آس وورس أخضر
…
ومضاعف المنثور نزهة مجلس
والورق تشدو والغصون رواقص
…
والسحب تبدي القطر عند تنفس
فاشرب معتقة الدنان شمولة
…
تذر الهموم صحيفة المتلمس
وأسطو على خطب الزمان ببأسها
…
إن المدام أنيسة المستأنس (1)
هذا هو العيش الهني ففز به
…
والجأ بخطبك للمحل الأقدس
فهو المحل المستنير بمن غدت
…
آراؤه عوناً على الزمن المسي
الفاضل الحبر الهزبر ومن غدا
…
أمن المروع ورأس مال المفلس
ركب الفضائل وارتقى حتى غدت
…
من دون رتبته مجاري الأطلس
لا شك أن الدهر طوع يمينه
…
فيرى التصرف لا بشق الأنفس
عرضت عواقبه الأمور عليه ان
…
قادت تخاطبه بقلب أوجس
فأمدها عزماً وبرثن سطوها
…
فمضت محتمة بغير تهجس
تلقى سهام مصابها عن قوسه
…
فتصيب نحراً للحسود الأتعس
مولاي فضل الله أنت مؤملي
…
من جودك الطامي بكأس أحتسي (2)
رضت الفضائل والمكارم والعلى
…
ولأنت أجدع كل قرم أشوس
ورفعت عن بكر العلوم براقعاً
…
وخطبت منها عوانساً لم تمسس
لا زلت راق في العلا مترديا
…
في حلة المجد الأتم الأنفس (3)
قوله تذر الهموم صحيفة المتلمس، هذا مبني على حكاية لطيفة
(1) كذا في الاصول واسطو وصوابه واسط لكنه ابقى الواو ليستقيم الوزن.
(2)
في الاصل انت موئلي.
(3)
كذلك في الاصول وهو خطأ وصوابه راقيا ولكن الوزن لا يستقيم به.
لا بأس بذكرها.
كان من خبر المتلمس فيما أورده الميداني (1) إن عمرو بن المنذر بن امري القيس كان يرشح أخاه قابوس ليملك بعده، فقدم عليه المتلمس وطرفة، فجعلهما في صحبة قابوس، وأمرهما بلزومه. وكان قابوس شاباً يعجبه اللهو، وكان يركب إلى الصيد، فيركض ويتصيد. وهما يركضان حتى يرجعا عشية وقد تعبا.
ويكون قابوس مولعا بالأكل والشراب فيقفان بباب سرادقه إلى العشي. وكان قابوس يوماً على الشراب فوقفا النهار كله ببابه ولم يصلا إليه، فضجر طرفة وقال:
فليت لنا مكان الملك عمرو
…
رغوثا حول قبتنا تخور
من الزمرات أسبل قادماها
…
وجرتها مركبة تدور
يشاركنا لنا خلان فيها
…
وتعلوها الكباش فما تنور
لعمرك إن قابوس بن هند
…
ليخلط ملكه نوك كثير (2)
قسمت الدهر في زمن رخي
…
كذاك الحكم يقصد أو يجور
فأما يومهن فيوم سوء
…
يطاردهن بالحرب الصقور
وأما يومنا فنظل ركباً
…
وقوفاً ما نحل وما نسير
فبلغ عمرا هذه المقالة فمكث غير كثير، ثم دعا المتلمس
(1) الميداني هو أبو الفضل احمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم الميداني النيسابوري المتوفى سنة 518 هـ صاحب كتاب «مجمع الامثال» ترجمته في الانباري (466) وابن خلكان (1: 57) ومعجم الادباء (3: 107) وبغية الوعاة (1: 80) وغيرها.
(2)
في الاصول: شوك كثير.
وطرفة، فقال: لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما ويسركما أن تنصرفا. فقالا: نعم. فكتب لهما إلى أبي كرب عامله على هجر أن يقتلهما، واخبرهما أنه قد كتب لهما بحباء ومعروف، وأعطى كل واحد منها شيئا فخرجا. وكان المتلمس قد أسن فمر بنهر الحيرة على غلمان يلعبون. فقال المتلمس لطرفة: أعط (1) الكتب لهؤلاء الغلمان يقرءوهما (2) لنا، إن فيهما خير مضينا، وإن فيهما شر (3) اتقينا. فأبى طرفة عليه. فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان فقرأه عليه، فإذا فيه السوء، فطرحه في الماء. فقال لطرفة أطعني وأطرح كتابك .. فأبى طرفة ومضى بكتابه. وكان من شأنه أن قتله عمرو، ونجا المتلمس بنفسه فسارت مثلا. وهذا خلاصة ما ذكر الميداني في كتابه مجمع الامثال.
***
(1) في الاصل اعطى.
(2)
كذا فى الأصول، والصواب يقرءوها
(3)
في الاصلين خيرا وشرا.