المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحاج حسين باشا - الروض النضر في ترجمة أدباء العصر - جـ ١

[عصام الدين العمري]

الفصل: ‌الحاج حسين باشا

‌الحاج حسين باشا

(1)

ومن البيوت التي تشرفت بناديه الوزارة، وتشرفت وسمت بمعاليه الرياسة والإمارة بيت عبد الجليل، (الذين هم لتيجان المعال أكاليل. نالوا أعالي المراتب، وملكوا المحامد بالمكارم والمواهب، فرئيس رجالهم، وفريد عقود لئالهم. الدستور الأعظم والمشير الأفخم، حضرة (2) الحاج حسين باشا ابن اسماعيل باشا.

(1) ما بين القوسين في ب فقط. وفي الاصل فمنهم الحاج حسين باشا وفي ب ابن المرحوم اسماعيل باشا

(2)

هو ثاني من ولي الموصل من الاسرة الجليلية. وهذه الاسرة تنتسب الى جدها الأعلى عبد الجليل أغا ومنه اخذت نسبتها. وقد حكمت هذه الاسرة الموصل زهاء قرن من الزمان ولد عبد الجليل أغا جد هذه الاسرة في مدينة ديار بكر في حدود سنة 1030 ويظهر انه كان من أسرة غنية ذات تجارة. فعمل عبد الجليل بالتجارة ونال شهرة كبيرة بها وكانت أكثر تجارته مع الموصل وبغداد تنقل في نهر دجلة. ثم انتقل الى الموصل. ولما كان صادق القول، وفي العهد كريم الخلق. سخي اليد طالت ثروته وزادت شهرته، واصبح موضع الاحترام والتكريم والتعظيم في الموصل وبغداد وغيرهما من البلاد التي كان يتعامل مع تجارها وكبرائها، وتوفي في الموصل بعد ان اصبحت اسرته مطمح الانظار وموضع الاكبار. واختلف المؤرخون في تاريخ وفاته فقال صاحب الدر المكنون انه توفي سنة 1092 هـ وقال غيره انه توفي في حدود 1100 هـ.

وقد انجب خمسة ذكورهم: ابراهيم واسماعيل وصالح والحاج يونس والحاج خليل وكانوا كلهم كما يقول صاحب منهل الاولياء (1: 142)«ذوو شهامة ورياسة، واخلاق حميدة، على الخصوص منهم اسماعيل باشا وابراهيم آغا. كان لهم عناية بالفقراء، وارباب الصنائع، يدافعون عنهم ويحامون، ويسعون لهم بالمصالح، وإزالة المظالم، وتبديل البدع. فظهر اسمهم، واعتلا رسمهم، واشتهرت في رجال الدولة أخلاقهم الحميدة وآراؤهم السديدة» .

كان ابراهيم أغا صاحب خيرات كثيرة وعناية بالفقراء وبنى هو وأخوه اسماعيل باشا وابراهيم آغا جامع الأغوات في الموصل. وسعى في رفع كثير من المظالم عن أهل الموصل. والبدع الجديدة التي ابتدعها الحكام حينئذ. منها بدعة ما يسمى القسامية التي كان يأخذها القاضي من أهل البيت اذ كان يموت الرجل منهم فيأتي القاضي الى بيت الميت ويحرر جميع ماله ويقيمه، ويأخذ من العشرين واحدا باسم القسامية. ومنها أنه إذا كان يغرق أحد منهم أو يحترق، أو ينهدم عليه جدار فيموت، كان الحكام يأخذون دية ذلك الميت من أهله. فسعى في إزالة هذه البدعة منهم. وحين توفي رحمه الله سنة 1119 اضطربت الموصل لوفاته، وخرج أهلها جميعا، حتى أهل الذمة منهم لتشييع جنازته وأرخت وفاته «كان للخير محبا» .

وكان من آثار خليل آغا أن بنى المدرسة الخليلية سنة 1114 في جامع الأغوات الذي أنشأه إخوته وكان-

ص: 505

صاحب الآثار المعمورة، والمحامد المبرورة، الذي قلد أعناق الأنام بقلائد نعمه وأورق أغصان الآمال بسحب سيبه وكرمه.

روح جسد هذا الزمان، إنسان عين كل إنسان. تميمة قامة الدهر، نتيجة وزراء العصر. ذو المحامد المنوعة، والمكارم المرصعة. سحاب المجد والسماحة، مالك أزمة العلو والرجاحة، حسني الأخلاق، طاهر العنصر والأعراق. المتصف بأشرف الخصال، والمنعوت بالسعود والاقبال.

- اسماعيل باشا رئيس الأسرة بعد وفاة أبيه وواسطة عقدها.

عظيم الرعاية لأهل الموصل والحدب على فقرائهم، كثير الخيرات، انشأ في سنة 1129 هـ دار قرآن في جامع النبي جرجيس. لا تزال باقية الى اليوم. غير أن التدريس فيها معطل اليوم. وقد تولى ولاية الموصل سنة 1139 هـ. وهو في الحق جد حكام الموصل الجليلية ولم تطل ولايته اذ يظهر أنه توفي بعد عام واحد.

اما حسين باشا الجليلي فقد ولد سنة 1107 وقيل 1106 وهو ابن اسماعيل باشا. ووجهت اليه ولاية الموصل في شهر رجب سنة 1143 وهو أشهر الولاة الذين تولوا الموصل في القرن الثاني عشر الهجري

وقد عرف بحسن تدبيره، واصالة رأيه، وسياسته الرشيدة، وحبه للاصلاح والعمران وكان حاكما عادلا في كل اعماله التي تولاها. ويذكر الاب لنزا (ص 45) أن أهل الموصل كانوا يسمونه: أبانا، وباشانا لشدة محبتهم له، وتعلقهم به. وكان حين تولى الموصل برتبة بكلربكى (أي بيك البيكات). وقد دافع عن الموصل دفاعا مجيدا سنة 1145 حين ارسل طهماسب اثناء حصاره لبغداد قائده نركز خان للاستيلاء على الموصل. فرد عسكره مدحورا وقتل قائده نركزخان.

وقد وجهت له الدولة العلية رتبة الوزارة سنة 1147 هـ وقدم سردار العسكر الوزير عبد الله باشا الكوبرلي في عهد السلطان محمود الى الموصل، في تلك السنة فخلع عليه خلعة الوزارة.

ولم تكن ولاية حسين باشا الجليلي للموصل متصلة فقد تولى حكمها ثماني مرات وكان في هذه الفترات ينقل الى حكم ولايات أخرى حيث تشتد الحاجة الى حزمه وحنكته فدار اكثر مناصب الروم ثم يعود الى حكم الموصل فقد تولى الموصل سنة 1143 هـ ثم عزل في نفس السنة. وعاد اليها سنة 1143 هـ وعزل عنها نفس السنة أيضا. ثم أعيد اليها سنة 1143 هـ وبقي فيها الى سنة 1146 هـ ثم عزل عنها ولكنه عاد اليها في نفس السنة وبقى الى سنة 1148 هـ وعزل عنها ثم عاد سنة 1151 هـ فأقام سنتين ثم عزل. ثم عاد اليها سنة 1154 فبقى فيها واليا اربع سنين وشهرا.

وفي سنة 1156 هـ قصد نادر شاه الموصل للاستيلاء عليها بعد ان استولى على كركوك واربيل ولم يثبت امام جيش جرار عداده ثلاثمائة الف. فعزم حسين باشا حينئذ على الدفاع عن الموصل وأمر بحفر الخندق حولها ورمم سورها. وحاصر نادر شاه الموصل في 21 رجب سنة 1156 هـ. واقام حول البلد بروجا تضربها بالمدافع وبذل جهدا كبيرا للاستيلاء عليها. غير أن حسين باشا ووراءه أهل الموصل قد ثبتوا ثبوت-

ص: 506

حلف الزمان ليأتين بمثله

حنثت يمنيك يا زمان فكفر

جميل الشيم، علي الهمم، كثير الكرم، ملاذ العرب والعجم. كعبة الفضل، غمامة البذل. قامع كل طاغ، وما حي كل باغ. بدر سماء العراق، ناشر ألوية العدل في الآفاق.

إنسان حدقة المعالي، نتيجة مقدمات الأيام والليالي. صاحب السعد والإجلال، ساحب أذيال المجد والإقبال.

لقد فاق أهل الأرض جاها ومحتدا

فصار لخلق الله عوناً ومرشدا

درة إكليل الدول، يتيمة الوزراء الأول. قبلة الأمراء الأكارم، كعبة الملوك الأعاظم.

فمكارم تذر السباسب أبحرا

وعزائم تذر البحار سباسبا

كالسيف يبدي للنواظر منظرا

طلقا ويمضي في الهياج مضاربا

معالم الجود والفضائل، والي ممالك الهمم والشمائل. أحيا بجوده ذكر بلدنا الحدباء، فباهت بمكارمه أرضها السماء. قصدته

- الأبطال واستماتوا في سبيل الدفاع عن مدينتهم الباسلة. واستمر الحصار نحوا من ثلاثة اشهر. حتى اذا يئس الطاغية من الاستيلاء على البلد الباسل مال الى السلم فارسل يفاوض في الصلح. فصالحه الباشا. وعاد من المدينة خائبا في 4 رمضان 1156.

وعزل حسين باشا عن الموصل سنة 1160 ولكنه أعيد اليها في نفس السنة فاقام سنة ثم عزل عنها. ثم اعيد اليها سنة 1163 ثم عزل عنها وظل ينتقل في ولايات الروم حتى سنة 1171. وحدثت في تلك السنة فتنة في الموصل فأعيد اليها في تلك السنة وهي ثامن مرة يتولى بها الموصل. وقد مرض في تلك السنة فاقام مريضا شهرين واياما وتوفي رحمه الله. دفن بتربته في الجامع الذي انشأه ولده محمد امين باشا «جامع الباشا» في الموصل.

وكان رحمه الله ميالا للاصلاح والعمران محبا للعلم وأهله، راغبا في الأدب مشجعا للأدباء والشعراء بنى مصلى الشافعية في جامع النبي جرجيس والرواقات التي امام المصلى وجدد بناء الحضرة سنة 1142 هـ واوصى ببناء جامع فبناه ابنه محمد امين باشا سنة 1169 هـ ورمم سور الموصل. وايج قلعة. وقد مدحه كثير من الشعراء. وكان شاعره الخاص حسن عبد الباقي ثم غضب عليه والشيخ محمد الغلامى. وعثمان العمري مؤلف الروض ترجمته واخباره في منهل الاولياء ومنية الادباء وجوامع الموصل وتاريخ الموصل والآثار الجلية، وقرة العين، والدر المكنون، وغاية المرام، مقدمة ديوان حسن عبد الباقي وسومر عدد 18.

ص: 507

الشعراء من كل جانب، ونالت من سيبه أنواع العطايا والمواهب.

فبابه إلى الآن كعبة الأدباء، وملاذ الشعراء، ومطاف الفضلاء.

أنسى ذكر سيف الدولة (1) بإقباله على أهل الأدب، فشاع ذكره في أقصى بلاد العجم فضلا عن العرب.

فإليه تنتسب المكارم والعلى

فطريفها وتليدها متقابل

وجنابه الحرم الشريف وجوده

ركن به يسعى إليه الآمل

مولاي، ولي نعماي. الذي يعجز القلم ان ينطق ببعض أوصافه، ويكل عن أن يعد نوعا من محاسنه والطافه. فأنا خادمه الأدنى، الشاكر لأياديه الحسنى. لم تزل أياديه تزيد رقي عقدا، ولم تبرح سيول نواله تؤثر لربق إطاعتي شدا. فأنا (2) حسان بابه، ووصاف جنابه. على أنني لو شددت نطاق النطق على اللسان، وجمعت بين اليراع والبيان. وبثثت عجائب متخيلة الفكر، وحثثت ركائب النظم والنثر، لما بلغت معشار ما حوته ذاته الكريمة الزاهية، وصفاته الباهرة الباهية. فلم يكن لدينا إلا الدعاء، والابتهال في الصبح والمساء.

له على بلدنا أياد، طوقت جيد العباد. منها ما اتفق له سنة ألف ومائة وخمس وأربعين، لما نزل شاه العجم نادر شاه بغداد بعسكره الغزير، وجمه الغفير. وحاصرها اشد الحصار، وقطع عن أهلها اللذة والقرار. وأرسل إلى بلدنا سرية، أبهرت عقول البرية. ففلها بعزمه، ومزقها بجيوش رأيه وحزمه. فامتدحته الشعراء

(1) يريد سيف الدولة الحمداني ممدوح المتنبي.

(2)

يريد انه منه بمنزلة حسان بن ثابت الانصاري من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 508

من كل جانب، وأظهرت بمديحه الفنون الغرائب.

فمن جملة من مدحه في تلك الوقعة، أفخر الشعراء، وواحد الأدباء. المرحوم حسن بن عبد الباقي (1) بقوله:

قفا نصطبح ما بالإناء المجسد

فأحياء أموات الغبوق على يدي (2)

وان حلف الساقي وأنكر فضلة

تبقت من الصهباء ذخراً إلى غد

فأي يمين والبنان خضيبة

وفضلتها شمس ولست بأرمد

معتقة جددت أنسي بصرفها

صباح انتعاشي بالعتيق المجدد

وساق حباها والزجاجة قهقهت

فأوهمني غصنا وصوت مغرد (3)

فقلت انظروا والراح بين بنانه

إلى الزئبق المنفض عن ذر عسجد (4)

وأظمأني حبس الطلا فزجرته

فأرشفني ريقا وقال تبرد (5)

تعذر حتى قلت والشعر قد بدا

أتذكر بغيا كان حين التمرد

وبيض الظبا راحت تقلد أعينا

يصول بها لا بالحسام المقلد

رنا قلت لا تفتك بدا قلت لا تغب

وأقبل للتوديع قلت تأود

ورجرج ردفا كالعذول تثاقلا

ومنطق خصرا كالرسول لموعد

يغازلني والثغر شهد حلاوة

فأذكر ألفاظ المليك المؤيد

مليك يهاب النجم سطوة بأسه

متى لاح بدر التم في الأفق يسجد

إذا جاد، مجرى الفلك كانت سباسبا

وان صال، فالأبحار أقفر فدفد (6)

(1) سيترجم له المؤلف.

(2)

المجسد المصبوغ بالزعفران كأن الخمرة تكسو الاناء لونها.

(3)

في الاصول: وساق حساها.

(4)

في الاصول: عن زر عسجد.

(5)

في الاصول واضمأني.

(6)

في الاصل اذا جارى. وفي الديوان ص 41 اذا جار والصواب ما أثبتناه.

ص: 509

ورهط من الاعجام بين مدرع

على لاحق وافى وبين مزرد

فجاءوا صفوفاً والقنا يقرع القنا

كغيم كثيف أو بناء مشيد

فثمنت السبع الطباق سرادقاً

بناها قتام الخيل من غير أعمد

ولما دجى ليل الخطوب بدت به

بدور صدور في غلائل خرد

ومزقن أمراطا وسجف هوادج

وأصداغ خد كالحرير مورد

ونادت بنات الحي أين رعاتنا

وأين الفتى المنعوت في كل مشهد

أبا حسن ضاق الخناق ولم نجد

سواك ملاذاً خير ذخر ومنجد

فقال اصبروا بالله لا تهلكوا أسى

ودونكم فتك القنا والمهند

فمن يدخرني للكريهة لم يخب

ومثلي متى خاض العجاجة ينشد

(أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه

خشاش كرأس الحية المتوقد) (1)

سرى في مثار النقع بدراً تحفه

نجوم وفي يمناه شعلة فرقد

وما قال فانعيني إذا أنا لم أعد

وشقي علي الجيب يا ابنة معبد (2)

فاغمد حلما لم يكن قط مغمدا

وجرد قهرا كان غير مجرد

ونادى مراد إن هذا مرادنا

وقال أمين يومنا يوم سؤدد (3)

فأضحت نحور العجم غمد صوارم

وكل عنيف كالعمود الممدد

ولما شكت أسيافهم حر ظمئها

سقوها دماء من نحور وأكبد

وقد علم العجم العرين محصنا

بأسد كرام لا بصخر وقرمد

فلم ينج منهم غير أمرد ناعم

يقاد أسيراً كالغزال المقيد

حنانيك يا ابن الاكرمين ألم تكن

علمت باني طايع غير معتدي

(1) هذا البيت لطرفة بن العبد في معلقته وقد ضمنه الشاعر في قصيدته.

(2)

هذا البيت تضمين لقول طرفة:

اذا مت فانعيني بما انا اهله

وشقي علي الجيب يا ابنة معبد

(3)

يشير الى ولدي الممدوح: مراد ولده الاكبر. وتوفي قبل والده باثنتي عشرة سنة وكان عمره يوم وفاته اثنتين وثلاثين سنة وحسين يريد به محمد حسين باشا الذي تولى الموصل وسيترجم له.

ص: 510

عفا الله عني كم أكابد ازمة

وقلبي وعيني لم يمزق وتجمد (1)

ولم يستطع صبراً معي غير أربع

خمولي وذلي والعنا وتجلدي

واعجب مني كيف أمهلني النوى

وما ذاك الأحسن إقبال حسدي

فأصبحت مرآة القضاء وبي بدت

لمعتبر شكل الشتات المنكد (2)

وكل أذى والله يسهل حمله

سوى ذكر لذات اللقا والتودد

فلا زلت عبدا مادحا غير آبق

ولا زلت يا أندى الورى خير سيد (3)

وامتدت أيام الخارجي المذكور وعلا شأنه، وزاد ملكه وسلطانه ودخل بلاد الهند وقبض على سلطانها، وخاض في خراب أماكنها وعمرانها. وقد صنعوا في أحواله من التواريخ ما يغني عن إيرادها، ويغني عن بيان جمعها وأفرادها. إلى سنه ست وخمسين ومائة وألف أقبل بسلطانه، وجنده وأعوانه. بجيوش ملأت الوهاد، وأبهرت عقول العباد. يحتاج إلى تفصيلها وتفصيل تلك الوقائع إلى مجلدات، تصل إلى الألوف فضلا عن المئات. وكنت في ذلك الحصار، ملازما في الليل والنهار لحضرة هذا المشار. فرأيت من شجاعته ما يبهر، ومن بذله ما يغمر. فمما يدلك على بعض ذكرته، ويرشدك إلى أدنى ما حررته، وطويته ونشرته، أرجوزة الشريف السيد فتح الله (4) وهي طويلة نذكر منها المقصود الذي يرشدك إلى كمال هذا الفريد بالوجود. أولها:

(1) في الاصول: عفى الله.

(2)

في الاصل مرآة القضاة. وفي الديوان الشتات الملبد.

(3)

في ب: سيدى.

(4)

هو فتح الله متولي وسيترجم له المؤلف.

ص: 511

أحمد ربي خالقي معيني

في كل آن بل وكل حين

أثني عليه لزوال النقمة

إذ بدل العسر بنعم النعمة

ثم صلاة الله تغشى أحمدا

محمد الهادي النبي الأوحدا

ثم على الشيخين من بعدهما

أفضل صهرين له هما هما (1)

ثم على ستة البررة

والآل أيضا هكذا والعترة (2)

ومنها بعد أبيات عديدة يقول:

لما تحققنا بهذا الخبر

فكم ترى من بطل في فكر

إن تنظر الناس ترى سكارى

بغير خمر وهم حيارى (3)

وإذ أراد الله صون الناس

من كيد ذي الرفض الشديد الباس

ولى علينا آصف الزمان

ورستم الأيام والأوان

واسطة في جيد هذا الدهر

حسين آراء شديد القهر

فنادى في الناس هلموا واقبلوا

أن تسمعوا قولي وإلا فاهملوا

فاجتمع الناس بدار الحكم

وشمل الكل عظيم السقم

وقال يا ناس فما التدبير

ما الفعل ما القول وما التقرير

فالسور من بلدتكم مدثور

وخندق من قدم مهجور

وآلة الحصر نعم معدومة

وهذه عندكم معلومة

فاستمعوا نصحي ألا أخبركم

لعل جبار السما يجبركم

نحفر خندقاً ونبني سورا

ونحفظ العيال ثم الدورا

(1) في الاصل افضل مهرين هماهما وفي ب كذلك غير انه ذكر طهرين بدل مهرين.

(2)

في الاصول ثم على ستة الباقية واثبتنا البررة ليلائم القافية.

(3)

كذا في الاصول: ترى سكارى، وصوابه تر سكارى.

ص: 512

ومنها أيضا بعد عدة أبيات:

فأدركتنا غيرة الغيور

في حفر خندق وضرب سور

بذلنا جهداً وصرفنا مالا

لنحفظ الأولاد والعيالا

وكان ذا من همة الوزير

صاحب عزم كامل غفير

ويقول بعدها:

هذا وطهماز اللعين قد أتى

نحو قرى الصوران نحو اثبتا

ثم سراياه أنت للحله

ونحو بغداد بغير عله

ثم أتى نحو قرى بغداد

لأخذ قوت غلة وزاد

والناس أضحت بين عل وعسى

لم يفرقوا بين صباح ومسا

إذ جاء فوج زمر الأكراد

بالمال والعيال والأولاد

ويقول أيضا بعد كثير أبيات:

وابتهل المولى الوزير الكامل

أبو مراد الخير فهو الفاضل

يعمر السور لحفظ الناس

من كيد أعجام ومنع الباس

ونادى في الناس هلموا وأسرعوا

واصلحوا السلاح ثم اجتمعوا

فبينما الناس بإصلاح العدد

يبغون من مولاهم خير مدد

إذ جاءنا مبشر السراء

مخبراً بحامي الشهباء (1)

نعم وزير بطل ذو عدد

مكمل البأس كثير العدد

فهو حسين ذو العظيم الهمة

عنترة سام كثير النعمة

ومذ أتى شهر جماد الأول

قد زحف الملعون للمعول

من بعدها جاء لشهر زور

وضر بالدور وبالقصور

(1) يريد بحامي الشهباء الوزير حسين باشا والي حلب وسيذكر اسمه بعد بيتين.

ص: 513

وجنده تنهب في الأطراف

وهذا مشهور بلا خلاف

ومذ أتى شهر جماد الآخر

أتانا خوف ماله من آخر

لكونه جاء إلى كركوك

أحاط بالمالك والمملوك

وصاح في أجناده المشهورة

فيما لديهم لم تزل مقهورة

نادوا سريعاً أهل هذا البلد

قولوا لهم ليس لكم من مدد

قوموا انزلوا ثم أطيعوا الشاها

لأنه بجنده قد باهى

فما أجابوه على الفور وقد

كان بهم خبث عظيم وحقد

فصاح ذا الملعون بالجنود

في العجم والأفغان والهنود

فأحدقوا من طرف القرايا

ثم احلوا بهم الرزايا

فأرسلوا القنبر والمدافعا

وقد أحلوا فيهم المشافعا

فامطر القنبر والنار على

أهيل كركوك مصراً في الولا

فصاحت المخلوق بالأمان

في ذلك الوقت لهذا الشان

ومنها:

إذ جاءت الرسل بهذا القال

وأخذ كركوك وسود الحال

فاختل عقل الناس من هذا الخبر

وشاع هذا القول فينا واشتهر

فصاحت المخلوق بالبكاء

بل شخص الطرف إلى السماء

من بعد أن مر قليل الوقت

كعشرة أو سبعة أو ست

إلا وجاء القول من اربيل

بأنها طاعت له بالقيل

ومنها:

وسار ذا الملعون بالأجناد

وبدل الرقاد بالسهاد

هذا ووالينا حسين؟ ؟ ؟

أنا له الله علو الهمم

ص: 514

ومنها بعد أبيات:

وعقد الرايات والبنودا

وحرض الرجال والجنودا

وغلق الأبواب ثم سدها

بذاك قوى الناس إذ ما شدها

أعطى من السلاح والسيوف

وصرنا لا نخشى من الحتوف

وقبل هذا قلع الروابي

وكان ذا من غاية الصواب

وكل تل كان في قرب البلد

ساواه إذ فاز بأحسن الرشد

ومنها:

كان يدور السور في الليالي

يحذر الناس من الوبال

من بعده النجل مراد السعد

كريم جد منجز للوعد

يعقبه الأمين بالأمور

لا زال في العز وفي السرور

ومنها:

هذا وكل الناس قد تشجعوا

بحرز مولاهم لقد تدرعوا

وكم لهم في البرج من صياح

الله الله إلى الصباح

هذا وطهماز اللعين آتي

لنحونا يبغي للشتات

أجناده أرسلها في القفر

حتى انتهت نحو قرايا العقر (1)

فاحرقوا التين كذا البيوتا

وأحرزوا الغلة بل والقوتا

وأسروا النساء والأطفالا

وقتلوا الشبان والرجالا

لما أتى الملعون ماء الزاب

وجمع الحزب بلا ارتياب

ومنها بعد كثير:

ثالث يوم بانت السرايا

من بعد ما ان احرقوا القرايا (2)

(1) في ب نحو قرى للعقر. يريد قرى عقرة.

(2)

في ب بانت الرزايا.

ص: 515

تشاخصت لنحوها الأبصار

وزادت الأكدار والأفكار

جنود والي حلب تبادرت

مثل سلاهب سعت تصاردت (1)

وعبروا الدجلة ذاك الشاطي

شبيه أسد حلوا من رباط

لما رأى حزب حسين الأمجد

تلاطم الرجال والحال ردي

تقلدوا السيوف والرماحا

تطلب حريا تبتغي كفاحا

تابعهم فوج من الأكراد

يبتغي في ذا سبل الجهاد

مقدم الجيش مراد الخير

كذاك فتاح شديد السير (2)

ساروا جميعاً يطلبوا الصفوفا

ويعلمون ضدهم ألوفا (3)

وعبروا الشط بلا أمان

وهذا فعل عنتر الزمان

وكنت أنا أحد تلك الفرسان، وشاهدت من الهول ما لم يذكر بلسان.

ومنها:

مقدار عشرين من الفرسان

قد عانقوا الحور مع الولدان

ثم ثلاثين يقيد الأسر

قد أوقعونا في شديد الفكر

ثم أتت فرساننا وأدخلوا

لداخل على الحصار عولوا

وزادت الأفكار والأشجان

ثم بكى الإخوان والخلان

واكتحل الجفون بالسهاد

ولم تر العيون من رقاد

فثاني يوم جاءت المواكب

وراجل أيضا أتى وراكب

(1) هذا البيت والبيتان بعده في ب ففط.

(2)

يريد مراد بن حسين باشا الجليلي وعبد الفتاح الجليلي بن اسماعيل باشا اخو حسين باشا الجليلي ابن اسماعيل باشا.

(3)

كذا في الاصول يطلبوا الصفوفا وصوابه يطلبون ولكن الوزن لا يستقيم به.

ص: 516

وأركزت أعلامه المكسورة

بل نزلت جنوده المقهورة

سواده قد ملأ القفارا

مثل الشياطين إذا ما سارا

خيامه منثورة في البر

ممتدة في مهمه وقفر

ومنها:

قد عود الله أهيل الموصل

من قدم وفي الزمان الأول

لو أذنبوا وأخطئوا وتابوا

ثم إلى مولاهم أنابوا

يكشف عنهم نازل العذاب

كرامة ليونس الأواب (1)

هذا وفي سبع بقين من رجب

في الشاطئ الشرقي خيم النصب

على الصباح أرسل السرايا

لنحونا طالبة الرزايا

قد رتب الجنود والمواكبا

في أول القوم اللعين راكبا

وانتشروا في البر كالجراد

وملئوا تلا كذا ووادي

لكنهم لم يقربوا للسور

وكان طهماز مع الجمهور

وعاد أيضاً طالب الخيام

والجند كالجراد في ازدحام

ومنها:

أعقبها من خلفهم بالخيل

تسوقهم تجرى بهم كالسيل

والناس تنظر نحوهم لا تدري

ماذا يريدون بهذا الأمر

تراهم في ساعة قد جمعوا

أعظم ترب مثل تل رفعوا

لما علمنا أمرهم والمقصدا

وأي شيء ضرر منهم بدا

ومنها:

هذا ولم يخشوا ولم ينصرفوا

مثل الشياطين فلم ينحرفوا

(1) يريد نبي الله يونس وقبره في الجامع المعروف باسمه في الموصل.

ص: 517

وقطعوا الأشجار من أصولها

نحو المتاريس لقد أتوا بها

تراجعوا يمشون للخيام

ولا يخافون من الحمام

وثاني يوم هكذا للسابع

أتموا ما شاءوا بلا موانع (1)

سبعة عشر من متاريس بنوا

والناس في أعينهم هذا رأوا (2)

وأصلحوا جسراً على التحقيق

كيما يمرون لدى المضيق

ومنها:

وأرسلوا أطوابهم في السادس

فعاد ضوء الشمس كالحنادس

فذلك اليوم أتوا بالهاون

وأركبوها في المتاريس الدني

وقبلها يا صاح في أيام

قد قطعوا الماء عن الأنام

قد جاهد الملعون أن يقطعه

وعن عباد الله أن يمنعه

عارضه المولى الوزير الأكرم

السيد الحبر الجليل الأفخم

وجاء بالأخشاب والدلاء

واستحضر الأحواض للسقاء

قابلنا الملعون بالرصاص

ما كان للساقين من خلاص

فامتنع الناس عن المياه

بل تركوا السقي بلا اشتباه

ثم ابتدرنا شرب ماء البير

كل كبير كان أو صغير

وليلة السابع من شعبان

وكانت الجمعة يا إخواني

قد ملأ الأطواب والقنابرا

أدخل أجناداً له المقابرا

فابتدروا قبيل فجر الجمعة

من كل أطراف وكل بقعة

فأرسلوا الأطواب والقنابرا

فلا تسل عن حالنا وما جرى

شرقا وغربا قبلة شمالا

برقاً ورعداً مثل سيل سالا

(1) في ب ما شاء.

(2)

في ب حقارأوا.

ص: 518

فإن نظرت جانب العلاء

تظن نجماً خر من سماء

إن وقعت في الدار حرقته

أو ألقيت في السطح مزقته

فانعقد الدخان والغبار

تساقطت من هولها الأطيار

ترى الكلاب سرحاً منهزمة

كذاك أطياراً نعم منعدمة

تصدعت من هولها القلوب

تزايدت لأجلها الكروب

فالتجأ الناس نعم للسور

وفوضوا الأمر إلى الغيور

وأخلصوا لله بالنيات

ووطنوا الروح على الثبات

وابتهل النساء والأطفال

لله مولاهم كذا الرجال

وصاحت الأبكار والحرائر

تفطرت لأجل ذا المرائر

كم كادنا الملعون من مكيدة

أنواع حرب مالها من عدة

أربع الغام نعم قد حفروا

سلالماً ألفاً كذاك حضروا

ومذ رأى الملعون نصف السور

من جانب الغربي كالمدثور

فزاد أطماعا به ثم نزل

في قاضي كند مستطيلا كجبل

وجسر ثان نحوها قد نصبا

ولا يبالي ضجرا أو تعبا

وجر من أطوابه العظيمة

حتى انتهت تجاه أعلى قلة (1)

ومنها:

هذا ووالينا الوزير الأعظم

البطل الليث الشجاع الأكرم

قد جعل النجل السعيد المقتدى

نعم مراد في مقامات الجدا

أوقفه في باب سنجار فلم

يبال أطوابا ولم يحذر ألم

وثم والينا المفدى قد بنى

خيمته لقلة الأولى دنا (2)

(1) في الاصول اعلا قله.

(2)

في الاصول المفدا. وفي ب. قد بنا.

ص: 519

قد تقع القنبر في أطرافه

فتنثر الترب على أكتافه

كم بذل المال لحفر الأنعم

فدام في عز وسعد أعظم

كم حفر الآبار بالخندق كم

أوهب أموالا إلى كل الأمم

من حيث لا يبقى لألغام العدى

من فسحة في البرج أصلا أبدا (1)

هناك والينا الهزبر الأسد

قد نبه العالم أن لا ترقدوا (2)

قد أخذ الجنة في راحته

كشبه ليث وهو في ساحته

في الحال قد أقام خير قلة

قد ملئت ترباً بغير علة

من داخل السور وقد ارتفعت

برجا مشيداً كل قلب قطعت

أيضا ووالي حلب الهزبر

فكم له تلك الليالي صبر

فهذا والأطواب والزنبلك

نعم كذا القنبر فينا فتكوا

سبعة أيام مع الليالي

يرمون نيرانا على التوالي

حتى أتت ليلة خامس عشرة

من شهر شعبان وذي براءة

وأيضا كانت جمعة يا صاح

ونحن ندعو الله للفلاح

ومنها:

حتى إذا صار قريب الصبح

وبان ذو نجح كذا ذو ربح

تطاير النار من الأطواب

وانعجم اللسن عن الجواب

من الجهات الكل تنظر السما

قد صار ناراً بعد أن قد أعتما

وتسمع الرعد مع الهدر ومع

ضرب الرصاص كل قلب قد صدع (3)

(1) في الاصول العدا.

(2)

في ب قرقد.

(3)

في ب قد قطع.

ص: 520

والقنبر الملعون مثل الشهب

ينقض من أعلى كنار اللهب (1)

مزق من صادفه تمزيقا

فرق من قاربه تفريقا

إن صادف الشخص نعم أفناه

أو قارب الشيء نعم أبلاه

تزاحفت أجناده جميعاً

تبادرت لنحونا سريعاً

ذو سلم قد قصد التسليقا

وغيره قد طلب التعليقا

كم تسمع الضجيج فوق السور

كذلك الأطفال في القصور

تظن حقاً قامت القيامة

ما منا شخص أمل السلامة

والصبح قد عاد كليل داجي

من شدة النقع ومن عجاج

وقد علا من فوقنا الصياح

تفانت الأرواح والأشباح

تواصلوا حتى أتوا للخندق

وما بهم من ضجر أو قلق

وراءهم مواكب الخيل أتوا

وقد بغوا حقا علينا بل عتوا

تسلق البعض لفوق السور

ماله من خوف ولا محذور

أسيافهم مشهورة بالأيدي

كأنهم قاصدو أخذ الصيد

هنالك المولى الحسين الوالي

قد حرض الناس على القتال

وهو ينادي دونكم والجنة

قد فتحت لأجل أهل السنة

فدافعوا عن دينكم والمال

كذاك والطفل مع العيال

فنادت المخلوق يا لله

هو الذي ليونس أنجاه

وأعلن النساء بالبكاء

وابتهل الأطفال بالدعاء

لله قد أخلصت العباد

تفطرت لأجل ذا الاكباد

(1) في الاصول: من اعلا.

ص: 521

حينئذ قد لطف الرحيم

سامحنا في ذنبنا الكريم

أدركنا ذو النون حامي الموصل

كذاك جرجيس النبي الأكمل (1)

إذ ضربوا لغماً غدا لديهم

فعاد نار لغمهم عليهم

تشجع الناس بذاك الوقت

فلم يبالوا ضرراً من مقت

واشتغلوا بالضرب للأحجار

كذاك رمي القنبر الصغار

ومن علا السور من الفجار

مضى سريعاً عاجلا للنار

ومن أتى منهم لتحت السور

لم يقدر الفرار للعبور

فولوا الأعقاب للفرار

وانقلبوا صرعى على الأدبار

فامتلأ الخندق من أشباحهم

إلى الجحيم ساروا في أرواحهم

من سورنا شجعاننا قد نزلوا

كم قاجر وكافر قد قتلوا (2)

واحرزوا التفنك والسيوفا

وقطعوا الرءوس والكفوفا (3)

كم سلم سحبنا فوق السور

كم قجر قتلنا بل كم لوري (4)

فولى طهماز إلى الخيام

والخيل من ورآه بازدحام

هذا ووالينا الوزير الأفخم

الباذل المال الشجاع الأكرم

كم بذل المال لكل الأمم

بل كل دينار بكل سلم

وكل دينارين يا إخواني

بكل رأس من بني الزواني

تعبت الرءوس كالتلال

سلالم صارت كما القلال

واغتنم المخلوق بالسلاح

وصرنا ذاك اليوم في نجاح

(1) يريد بذى النون: نبي الله يونس وبجرجيس نبي الله جرجيس المدفونين بالموصل.

(2)

في الاصل كم فاجرا وكافرا.

(3)

التفنك: ما يسمى الآن بالبندقية.

(4)

قجر يريد سكان قجرستان، ولور يريد سكان لورستان.

ص: 522

فانكسرت شوكة طهماز وقد

عاد وربع جنده لقد فقد (1)

واجتمعت خاناته سريعا

وعرضوا دفترهم جميعا (2)

خمس وأربعون ألفاً قنبره

من بعده خمسون ألفا حجره (3)

ومائتا الف من الطوب نعم

قد عده الحاسب هكذا رقم

زنبلك تفنكهم لا يحصى

ومكرهم كذاك لا يستقصى

هذا جميعا صرفوه عندنا

بإذن بارينا فما قد ضرنا

ومنها في آخرها:

فجاءوا سرعى نقلوا الآلات

وصاح فيهم صايح الشتات (4)

في خامس من رمضان قاموا

في بحر شتى كلهم قد عاموا

من بعد ذا أصبحنا في أمان

من فيض فضل الواحد المنان

والسبب الأعظم كان الوالي

لا زال في حفظ القديم العالي

والحمد لله على التمام

أشكره للفضل والأنعام

ولما يسر الله تعالى هذا الظفر، والنصر الذي لم يكن ينتظر، شاع صيته (5) في الآفاق، واسترق بصارم عزمه أهيل العراق.

امتدحه الشعراء من كل جانب، وأظهرت الأفراح بدفع هذه المصائب. فلنذكر نبذة من تلك القصائد، ليرشدك إلى كماله، وعظيم باسه وعميم نواله.

فمن أنشد وهنى بتلك المواسم والأعياد، أحد رجال هذا الكتاب، السيد موسى الحداد (6). بقوله:

(1) في ب نعم فقد.

(2)

في ب واجتمعوا خاناته.

(3)

في الاصل خمسا واربعون.

(4)

في ب فجاءوا صرعى.

(5)

في الاصل شاع سيطه.

(6)

سيترجم له المؤلف.

ص: 523

بالقد والخد ثم النهد والشنف

ظل المتيم مغرى زايد الشغف

لله من صعدة سمراء أتحفها

بدر الدجى زينته نقطة الكلف

أنيسة أنس القلب الكليم بها

من قبل أن تلج الأرواح في الصدف

غزالة الأفق حارت في محاسنها

كذا غزال الفلا بالنعس الذرف

خود إذا ما رنت باللحظ تحسبه

سيفاً تبتل للأشباح بالتلف

وإن مشت قال غصن البان معترفاً

مشهور ميلك منقول عن الصحف

قوس الحواجب يحمي ورد وجنتها

بخارق من سهام المنظر الوطف

لولا مخافة سيف من لواحظها

لثمت ما قد حوته اللعس بالرشف

يا ربة الحسن من أفتاك سفك دمي

ما فيه عن سلف نقل ولا الخلف

إن لم تكوني لكسر القلب جابرة

رفعت حالي لمولى كامل الشرف (1)

صدر الفضائل وهاب النوافل جو

أب الحجافل مصلي العجم للجدف (2)

(1) في الاصول: لمولا.

(2)

هذا البيت سقط من الاصل.

ص: 524

جاءت وقد فطنت للاسم إذ ملكت

سميه عنوة والفرق غير خفي

راموا بأن يطفئوا نور الإله عمى

والله يأبى فأضحوا مسقط الهدف

من كان معتصماً بالله منتقماً

لله خاض لظى الهيجا ولم يخف

فقام يحمي طريق الحق مجتهدا

يطوي الدجى بجنان جل عن وجف (1)

يبيت في ريض الحدباء محتسباً

خلي بال عن اللذات والترف

وقد بالسمر والبيض الرقاق طلا

حتى امتلا خندق الحدباء بالجيف

هو الوزير حقيقا للورى وزر

وما سواه مجازاً قل ولا تخف

لو يسمع المتنبي حسن سيرته

طوى امتداح علي طي معترف (2)

عين الكمال كمال العين طلعته

فهي ركبا لناديه ولا تقف

أوصافه وصف نعماء به وصفت

وكم كفت وكفت فارتاح ذو الأسف

(1) في الاصول الدجا.

(2)

يريد بعلي سيف الدولة الحمداني وهو علي بن عبد الله المتوفى سنة ست وخمسين وثلاثمائة وهو ممدوح المتنبي.

ص: 525

جد الأمين علا في مجده شرفا

فرائد صاغها المولى بلا صدف

ومذ صفا الوقت لسن العصر أرخه

«سعد الحسين حصين ساد للشرف» (1)

خذها أبا الفضل بكراً لا صداق لها

واصغدها جوفا فهذا اكبر التحف

لا زلت في جذل والسعد في قبل

والخصم في خذل من فاطر النطف (2)

وقد حذوت حذو هذا الاديب، وغصن الشباب اذا يانع قشيب. وأنا إذ ذاك بخدمة السيف والسنان، بمعزل عن معالم القريض ومرابع البيان. والآن أيضا على ذلك الحال. أترقب الفرص للإقدام والنزال.

ظبي رمى مهجتي في السهم كالهدف

وسل من جفنه سيفاً ولم يخف

وماس تيها وأبدى من لواحظه

نوراً ونوراً وهذا غير مختلف

لله في كبدي جمر له وهوى

ولوعة وضنى قد زاد بالدنف

تخفى البدور بنور الشمس وقت ضحى

وكل وقت له ذا الفضل غير خفي

(1) سنة ست وخمسين ومائة والف.

(2)

في الاصل فاتر النطق.

ص: 526

يا بدر قلبي وطرفي فيك متفق

بالوجد والصد والهجران والشغف

فالقلب واصلته وصلا بغير جفا

والطرف صديت عنه صد منحرف

ويلاه من ورد خد احمر نضر

منه ومن أسود في الروضة الأنف

بما بقلبي من وجد ومن كمد

وما بحسنك من لطف ومن ظرف

شفاء قلبي تقليبي محاسنكم

ولم أر تلفي فيكم من السرف

ان ماس في تيهه أو بان في صلف

أو صد شزراً فهذا اكبر التحف

فأدمعي أغرقتني بل غدوت به

أخوض بحر دموع ليس كالنجف

يا أيها الرشأ الساطي بمقلته

لعبت فينا كلعب الريح بالسعف

تظن أن سواكم لي بكم خلفا

أسأت بالظن هل للحب من خلف

الله يعلم أني في هواك لقد

تركت نومي وأشرفت على التلف

يا باخلا بوصالي مرخصاً تلفي

أقصر فديتك هذا شيمة السلف

ص: 527

نلت الجمال فكن مولي الجميل إذا

الخير بالخير والإحسان غير خفي

أو أرفع الحال للمولى الوزير ومن

من بأسه تخفق الأرواح في النطف

عين الوزارة من بالجود قد طبعت

أخلاقه الغر واعتادت على الشرف

سعد الوزارة بل عز السعادة بل

نور الكمال بدا في ظلمة السدف (1)

معطي الهبات ومناع البغاة ومن

اح الرشاد وملقي العجم بالرجف

في الله معتمداً لله مرتقباً

بالله منتصراً من رجفة الزحف

جاءت لنصرته الأفلاك حين غدت

خيل الأعاجم تقفو أثرنا لتفي

تروم سلبا وسبيا بل وسفك دما

ولم تهب سطوة جلت عن الصلف (2)

فمذ بدا الظفر الباهر ببهجته

ولوا فرارا كعقد غير مختلف

قرى الوحوش بأجساد لهم جيف

فلم يكن قط وحش غير مرتشف

(1) في الاصول: نور الكمال بدى.

(2)

في ب: تروم سلب وسبي بل وسفك دم.

ص: 528

فهو الوزير وصدر الفضل وهو لنا

نعم الملاذ وجار غير منحرف

لو سطرت بعض أخلاق له اشتهرت

لم يحصها الورق المجموع في الصحف

أو أبصر المتنبي جوده لبدا

به الشتات فلم ينثر ولم يقف

أو ابن تمام إلا أن يكون له

وما سواه فمجعول من الخزف (1)

وفي الحقيقة ما الحمراء جمرة والس

وداء تمرة بل سر من النطف

آياته بهرت أوصافه زهرت

آراؤه عطرت تنبي عن الشرف

أبا مراد أبا ليث الليوث ومن

من جوده كفتا للفضل مغترف

ما القصد أحصي ثناء لا أقوم به

ولا مفاخرة الياقوت بالصدف (2)

فلم أقل بنت فكري بنت ساعتها

تجزي عن الغير أو تغني عن السلف

فالعفو ملتمس والحلم متسع

والصفح منفسح في زايد السرف

(1) يريد: ابو تمام. وفي ب مع الخزف.

(2)

في ب ولا مفاخرت.

ص: 529

لا زلت في نعم والمال في كرم

والخصم في نقم ملقى على التلف

ثم بعد ذلك لما من الله علينا بهذا الفتح العظيم، ودفع عنا غائلة هذا الخطب الجسيم، وكنا نرى من البشر والسرور، والنشاط والحبور، في أنفسنا ما لم يمكن تحريره، ولا يسع إيراده وتقريره.

فكانت ثغورنا بواسم، وأوقاتنا كلها أعياد ومواسم. ففي تلك الأيام أنشأت هذه القصيدة في تهنئته بالعيد، وتبركه بطالعه السعيد. وقد ذكرت أيضا نبذة في القصيدة من تلك الواقعة. وهي:

ماست وقد خطرت في مائس الحلل

ثم انثنت في سهام اللحظ والمقل

وقلدت جيدها سمطين من درر

واللؤلؤ الرطب يحكي جيدها العطل (1)

حسناء سمراء بالقرطين مائسة

فالخد كالورد بل والقد كالأثل

وافت وقد كان قلبي من صبابتها

كليم نار الجوى في معظم الجدل

إن أبعدت ملكت أو قاربت هلكت

أو أسبلت فتكت بالناعم الطفل

جيداء في غنج حوراء في دعج

هيفاء في موج بالردف والكفل

شمس إذا نظرت بدر إذا بزغت

كانما ردفها ضرب من القلل

(1) في هذا البيت اقواء

ص: 530

ريحانة الحسن أن يبدو النسيم بها

تهتز كالغصن في تيه وفي وجل

لا نرتجي وصلها بالوصل ان وعدت

فغيمها خلب بالدث والمطل

كم صرت في حبها أشكو الضلوع جوى

أبيت فيها بميل السهد ذا كحل (1)

والصدر في قلق والطرف في سهر

والجفن يدعى بها بالوابل الهطل

قاسيت فيها الهوى شوقاً وما شعرت

وخضت فيها مجازاً ليلة السبل

وكلما زدت وجداً أغمضت كمدا

إلى متى أنت في لذاتك الأول

ان لم تعودي لأيام لنا سلفت

أشكوك للملك المضروب بالمثل

صدر الوزارة بالأفضال قد غرست

أغصانه في رياض المجد والدول

بحر السخاء سخي الطبع منذ نشا

أدنى سخاوته بحر لممتحل

أن يحتمي الليل فيه ما بدا فلق

أو تحتمي الشمس لم تنحط عن زحل

(1) في ب ذو كحل.

ص: 531

له يد قد علت بالجود مذ خلقت

سحابها هاطل بالسهل والجبل

رقى إلى المجد واستوفى مكارمه

وشاع في جوده في معظم الملل

تهابه الأسد والأعداء وا عجبا

تهابه النطف المخلوقة الشكل

مواهب جمعت من واهب وأتت

إليه راغبة تسعى على عجل

له بنصرة دين الله من حكم

فحبذا حكم من فارس بطل

سل الأعاجم عن حرب ومعترك

ما احتاج فيها إلى خيل ولا خول

إذ شنت العجم غارات السباق إلى

أطراف بلدتنا الحدباء بالحيل

فدم لتأييد دين الله منتصراً

بالله انك في مجد من الأزل

هنيت بالنصر والفتح المبين وما

جاءت بشائر ما قد زال من خلل

فالفتح والبشر مقرون كما وقعا

في راحتيك فدم في أفخر الدول

نعم نعم هكذا الأعياد وقد سلفت

محفوفة السعد قد صينت عن الجدل

ص: 532

من سالف العهد من أجدادكم قدما

وكل مجد لكم بالمكرمات جلي

بشراك يا أيها المولى الجليل بما

تلقاه في الزمن الآتي من الجذل

فكلما جاءت الأعياد في ظفر

وكلما مر يوم بالسعود علي

ما زلت في فلح والعيد في فرح

تجنى عناقيده في مائس الحلل

ومما يرشدك إلى الوقعة المذكورة، والنصرة المبرورة، أرجوزة البصير السيد خليل (1)، ذلك الفاضل النبيل. منها:

فإن تجيزوا الفحص عن حال البلد

وما من الشدة والضيق وجد

فالحمد لله معين الضعفا

مفرج الكرب معجل الشفا

على انكشاف الضر والآلام

وصون عرضنا من الاعجام

اذ دخلوا القرى وأفسدوها

آذوا، ومزقوا، وشردوها

واستهلكوا الشبان والفتيانا

واستأسروا النسوان والصبيانا

وغادروا الشيوخ والأطفالا

وحملوا الأحمال والأثقالا

ثم توجهوا ليحصرونا

ويستفزونا ويكسرونا

جاءوا «كأنهم جراد منتشر» (2)

فحاصروا «في يوم نحس مستمر» (3)

أخبرنا مفتيهم أن الفئة

خمس وسبعون تليهما مائة

وإنما تمييز ذي الأعداد

ألف بلا نقص ولا ازدياد

(1) ترجم له المؤلف في ص 347.

(2)

الآية 7 سورة القمر.

(3)

الآية 19 سورة القمر.

ص: 533

دنوا فأمطروا علينا نارا

لم يهجعوا ليلا ولا نهارا

وإصبعا كل من الخلائق

في أذنيه حذر الصواعق

فبان بيننا سماط القحط

حتى حرمنا شرب ماء الشط

وكلنا يرتقب القتالا

ممتثلا بقوله تعالى

«يا أيها الذين آمنوا اصبروا. وصابروا ورابطوا» (1) لتنصروا***

سطا خميسهم علينا الجمعة

في نصف شعبان بفرط المنعة (2)

فخادعونا خدعا لم تكتم

كحفر الغام ونصب سلم

فضرهم ما صنعوا من اللغم

إذ رده الله عليهم فقصم

وكل سلم رفيع نصبا

جر إلى السور ومنهم سلبا

خفنا احتيالهم وسوء مكرهم

فلم يحق مكرهم إلا بهم

فقارب السور المبارزونا

وانهم لنا لغائظونا

لما رأونا حافظين السورا

«ولوا على أدبارهم نفورا» (3) 19 - 22 الجهد في كفاحهم بذلنا

ما قتلوا معشار ما قتلنا

فاصبحوا في ذلك اليوم العسر

«كأنهم أعجاز نخل منقعر» (4)

***

لما أريقت منهم حمر الدما

ببيضنا ألقوا إلينا السلما

فأرسل النادر سلطان العجم

يحاول الصلح ويبتغي السلم

إذ كلما أوقد نار الحرب

أطفأها الله بغيث الغيب (5)

فصالح الصدر أمير الموصل

أعنى حسينا صاحب القدر العلي (6)

(1) الآية: 200، سورة آل عمران.

(2)

في الاصل: سطى.

(3)

آية: 45 سورة الاسراء.

(4)

الآية: 20، سورة القمر.

(5)

في الاصل اذا كلما أوقدوا.

(6)

في الاصل: فصاح للصدر.

ص: 534

بألسن الرسل على أن يرسلا

من خيله عشراً إليه كملا (1)

فجاد والينا بضعف ما طلب

ومثله أتحف حاكم حلب

فكف عنا أيدي الأعداء

محافظ الحدباء والشهباء

بقوة الله وأنبيائه

وأوليائه وأصفيائه

***

لكن تجلد الوزير الموصلي

الباسل الشهم الشجيع المقبل

تبيانه أكثر من أن يذكرا

لله دره جرياً أجسرا

إذ لم ترعه كثرة القبائل

منهم تأسيا بقول القائل

«لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء»

الحمد لله الذي عززنا

به وقد أذهب عنا الحزنا

قلت له في هذه القضية

قصيدة جيدة تركية (2)

وفصل الوقعة بالوجه الحسن

ابن أخي المرحوم داعيكم حسن (3)

أحاط بالخطوب علما وكتب

أتحفها إلى الوزير المنتخب

فاستحسن الصدر محسناتها

وما قد استشهد من أبياتها

لأنها فائقة المباني

رائقة الألفاظ والمعاني

أما الشقي الخارجي نادر

المعتدي الباغي الظلوم الغادر

***

(1) كان الوفد الذي خرج لمفاوضة نادر شاه مؤلفا من قره مصطفى بك محافظ الموصل والشيخ علي الغلامي مفتي الشافعية وقاضي الموصل. أما تقديم الخيل فلم يكن شرطا للصلح كما يفهم من الارجوزة. اذ يفهم من قول صاحب منهل الاولياء. أن ملاباشي من مقدمي اتباع الشاه هو الذي طلب الخيل للشاه على سبيل الهدية.

(2)

لم نعثر على هذه القصيدة التركية.

(3)

هو السيد حسن ابن اخي السيد خليل البصير مرت ترجمته في ص 356.

ص: 535

فكان يبدي الود والمخادنة

بعد انعقاد الصلح والمهادنة

معاهداً شخصاً إليه أرسلا

من صوب والينا على أن يرحلا

ونحن طائفون عاكفونا

في السور حاضرون حاذرونا

إذ لم نكن نأمن بالمعاهدة

بطشته مخافة المعاودة

أقام في ديارنا أياما

ثم نوى النهضة والقياما

فغاب مع عسكره المشئوم

فاصبح النادر كالمعدوم

وغاب الاعجمون أجمعونا

وانطلقوا وهم يسارعونا

صالوا فصالحوا فولوا الدبر

«وكل شيء فعلوه في الزبر» (1)

***

هذا والله جزيل الشكر

على النجاة واندفاع الشر

ثم من الصلاة أزكاها على

جد الذين حوصروا في كربلا

محمد وآله الدعاة

إلى الهدى وصحبه الغزاة (2)

ما اشتدت الفتنة والمخاصمة

وامتدت الهدنة والمسالمة

والحاصل هممه في تلك الوقائع لا تنكر، وسعيه في تلك المعامع لا يحصر. فالله يبقيه ومن كل مكروه يقيه. فانه عماد الدين، وركن الإسلام القوي المتين.

(1) سورة القمر آية: 52.

(2)

في الاصول: الغرات.

ص: 536