الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد امين الطبيب
محمد أمين بن إبراهيم بن يونس بن ياسين المذكور (1)
سراج ذلك الربع وبدرها المستغني عن القنديل والشمع، والنازل بها منزلة البصر والسمع. نادرة ذلك البيت الذي باهت به رجالها، واتممت بادبه أدبها وكمالها. فهو بحر فلكهم، وعقود سلكهم.
(1) ترجم له صاحب منهل الاولياء فقال: محمد أمين بن إبراهيم بن يونس بن ياسين المفتي: قد سبقت اشارة الى ترجمة جده ياسين. فانه كان كبير المصر شرفا، ورئيسهم فضلا وعلما، علومه مشهورة، ومناقبه غير محصورة، ومواقفه لنفع العامة مذكورة، وكانت له صدقات جارية على أهل العلم والفضل. وكف بصره آخر عمره. وكانت وفاته سنة خمس وثلاثين ومائة والف. ومنه أخذ علي العمري الفتوى. ولم يبق له من العقب السالكين على منهجه سوى حفيده هذا. فانه فاضل بارع. جمع فاوعى، وألف وصنف، وقرأ العلوم على عدة رجال من أهل الموصل. وعلماء الاكراد، وابناء حيدر. ومهر في علم الطب، وله فيه مصنفات مفيدة، وفوائد سديدة وعلاجاته ابقراطية وتدبراته جالينوسية. وبالجملة فلا قرين له في علمي الطب والتشريح وقد استفدنا منه فوائد جمة في العلمين وله في الشعر باع طويل، ونظر حاذق، ومنظوماته في غاية اللطف، ومنشوراته في نهاية الظرف
…
نظم بديعة رائعة النمط، غريبة الحوك، بديعة الصوغ، بينة الانسجام.
وكم له مثلها من قصيدة عجيبة ومقاطع انيقة. واما الديانة فهو مطلع نجومها، ومظهر اسرارها، يلازم على السنن والاذكار والتوحيد، حسن الصلاة. طويل القيام. كثير الخشوع. يعاشر الفقراء مع التواضع، ويعامل الاغنياء بالترفع، في حسن سمت وطهارة طبع. وقد جاوز الان ستين سنة. وكانت له؟ ؟ ؟ قرية باعشيقة وكان ينقل اليها عياله في فصل الربيع. واولاده كلهم فضلاء شعراء! ابراهيم وعبد الله وسليمان ومحمد بديع ثم ذكر من شعره تقريضه لكتاب الروض النضر (سيذكرها صاحب الروض في ترجمته كما ذكره ياسين العمري في كتابه غاية المرام فقال عنه «ومما يدلك على فضله وطيب فرعه واصله، ماله من التصانيف منها اوراق الذهب وله اليد الطولى في الطب ومعالجة الأمراض وتركيب الادوية. وله نظم ونثر. سافر الى بغداد مرارا. اخرها سنة 1184. واقام بها سنين وتزوج من احدى بنات فضلائها، وولد له منها ابناء نجباء، ثم عاد الى بلده، اذ هي مأمنه ومعتمده. ولما قدم الى الموصل الوزير المحتشم علي باشا والي بغداد سنة 1220 حصل-
بل وقاعدة تلك المعاقل، وقمر هاتيك المنازل، وآية نهارها وأشعة أقمارها، وديمة فضائلها، ونمو أعضائها، ونجم أفقها، وضوء فرقها، الذي هو لطلعتها غرة، ولعيونها قرة. ولزهرها نماء، ولدارها فناء، ولشهبها سماء. ولوهادها علم، ولإملائها قلم. ذو الحرم الأمن، والأدب الكامن. والأمن والأماني، والبشر والتهاني.
رئيس الأدباء، علامة الأطباء. بقراط الأدب، وردة ذلك البيت والنسب. الذي خاطبه الزمان، بأفصح لسان. بقوله:
أو لست رسطا ليس إن
…
ذكر الفلاسفة الأكابر
وكذلك ان ذكر الخليل
…
فأنت نحوي وشاعر
من هرمس من سيبويه
…
من ابن فورك إذ تناظر (1)
أليف الصبا وعصر الشباب، والواحد الذي لم يعتره ارتياب.
تقضت لنا معه أيام، أربت بلذاتها على الخمور والمدام. كلها أعياد ومواسم قرب واتحاد. لو ذكرت لكانت بردا محبرا.
وعبقت لكانت مسكا وعنبرا. وهي كما قال الوزير الصاحب (2)
- به بعض الامراض. فاستدعاه وقربه فعالجه وخلع عليه خلعة القبول والرضى.
وله ديوان شعر منه نسخة في خزانة المرحوم عباس العزاوي. وقد ذكر المرحوم الدكتور داود الجلبي في كتابه مخطوطات الموصل كتاب «حاشية محمد امين على وجهة الوحدة» انظر ص 137 و 223 و 245.
(1)
في الاصول ابن فورس وصوابه ابن فورك وهو محمد بن الحسن بن فورك الانصاري الاصبهاني من اكابر علماء الاصول والكلام وفقهاء الشافعية ترجمته في وفيات الاعيان 1/ 482 والنجوم الزاهرة 4/ 240 والاعلام 6/ 313 وفيه مصادر اخرى. مات مسموما سنة ست واربعمائة
(2)
في الاصول الكائب وصوابه الصاحب وهو اسماعيل بن عباد. ابو القاسم وزير بني بويه المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وقد تقدمت ترجمته في حاشية ص 156
أبو القاسم، في مثل هذا اليوم الذي هو للأعياد مواسم.
ويوم ظللنا والمنى تحت ظله
…
تدار علينا بالسعادة أفلاك
بروض سقته الجاشرية مزنة
…
لها صارم من لامع البرق بتاك (1)
توسد بالصهباء اضغاث آسه
…
كانا على خضر الأرائك أملاك
وقد نظمتنا للرضى راحة الهوى
…
فنحن اللآلي والمودات أسلاك
تطاعننا فيه ثدي نواهد
…
نهدن لحربي والسنور أنباك (2)
وتجلى لنا فيه وجوه نواعم
…
يخلن بدوراً والغدائر أحلاك
مضت أيامنا على هذا الحال
…
من غير ريب واختلال. تهزا (3)
بالربيع وأنواره، والرياض وأزهاره. ونحن الآن، على ما كنت وكان وكيف لا وهو الأديب الذي ليس فيه شك، والمتودد الذي لم يطر على خلوصه فك. له في الطب والأدب أبواب، لم يكن لغيره إلى تلك الدور دخول ولا إلى تلك المعالم انسياب. له من النظم ما هو كالعقود والجوهر، ومن النثر ما هو في المذاق كالسكر المكرر.
قد أثبت منه ما يستحلى، وإلى أهل الأدب من عطارد يستملى.
فمن هطل ذلك السحاب، قوله لما سمع بجمع هذا الكتاب وهو:
لله روض نضير جل عن شبه
…
قد حاز منتخب الآداب والكتب
مستظرف لجميع الفضل مشتمل
…
على غريب بديع النظم والأدب
قد ضم أبكار أشعار محاسنها
…
قد أخجلت قاصرات الطرف من عرب
(1) في الاصول الجاشنية وهو خطأ وصوابه الجاشرية وهو شرب يكون مع الصبح وبتاك قاطع من بتك اي قطع
(2)
السنور: لبوس كالدروع، وانباك جمع نبكة وهو التل الصغير
(3)
في الاصول تهزءوا
وقد حوى كل فن في القريض كذا
…
جمع العلوم وأنواعاً من النسب
وأبكم الفصحاء اللسن في حكم
…
مخدرات عن الأفهام في حجب
لا تنكروا فضله إذ جاء تاليهم
…
«فإن في الخمر معنى ليس في العنب»
كذا مصنفه الفرد الجواد بدا
…
لقمع داء الدواهي الدهم منتدب (1)
الوارث المجد عن آبائه الفضلا
…
فليس إن فاق أهل العصر بالعجب
إن جاد فالبحر لا يوفي بنائله
…
وإن سطا أهلك الأعداء بالعطب
إن أمه طالب أكفاه حاجته
…
بالثوب والزاد ثم الشمع والحطب
ما جاءه قاصد يشكو ملمته
…
إلا أزال العنا عن ذلك الكئب
وإن تمردت الأعداء قال لنا
…
لا عيب فيه سوى جود براحته
…
قد فاق بالحلم أهل الفضل والحسب
شريف ذات زكي الأصل ذو همم
…
بهي خلق جميل الخلق والنسب
(1) في البيت اقواء.
ذو همة قد بدت فوق السماك علت
…
قد أذهبت زلل الاكدار والكرب
سمي عثمان ذي النورين كنيته
…
أبا شفيقة ثبت الجأش في النصب (1)
يكفيك فضلا أبا نعمان يا ثقتي
…
أن قد تفردت بالآداب والأرب
وفقت كل الورى طراً بمعرفة
…
وحكمة وسخا يغني عن السحب
رقيت للمجد من درج إلى درج
…
حتى رقيت السها بالعز والرتب
لا زلت في رفعة تسمو على شرف
…
ما غرد الأيك والورقاء من طرب
وله مخمساً:
عذراء في مهد الدلال رباها
…
تلفت حشاشة مهجتي بهواها
لا بد لي من وصلها وقراها
…
قسماً بشمس جبينها وضحاها
وبليل طرتها إذا يغشاها
…
منعوتة في خدها ذاك البهي
موصوفة في ريقها العذب الشهي
…
لا انتهي عن حبها لا أنتهي
إن النفوس لغيرها لا تشتهي
…
أبداً ولا تهوى القلوب سواها
يئس المحب من الملال بقربها
…
ثم استجار بمن يجير بعربها
لما رأوه عائذاً من عجبها
…
قالت محاسنها لوجه محبها
لنولينك قبلة ترضاها
(1) في الاصل: ذو النورين
مصطفى الغلامي (1) بيت الغلامي رئيس ذلك البيت مصطفى المفتي
رجل تطعمه الزمان فجاءه
…
طرفين في الإحلاء والإمرار
رفيع المجد، وري الزند، ماضي الحد، سني المجد، عالي المقام بعيد المرام، واضح الرسم، غريب النظم. ثابت الأصول، فائق الفصول، طيب النشر، بديع النثر. فسيح الرحاب، شامخ
(1) ترجم له صاحب منهل الاولياء 1/ 252 فقال عنه: مصطفى الغلامى المفتي النجمي نسبة الى قبيلة بني نجمة من زيد .. كان اماما مبرزا في فقه الشافعية واصول مذهبهم. وحواشيه تدل على كمال فطنته ورسوخ قدمه فيها. فلذلك كان فقيههم وامامهم، وكان له معرفة تامة بباقي العلوم قرأ في الموصل على شيوخها ورحل في طلب العلم فحصل منه كل نادرة. وعاشر الملوك. وكان ظريف المناقشة، لطيف المحاضرة يحكى عنه النوادر الكثيرة.
وسافر الى الروم. وحظي عند ملوك الموصل. وكان من خلص اصحاب عبد الباقي العمري وبينهما مراسلات ومداعبات. وهو من أقران الشيخ عبد الله (الربتكي المدرس) ورفقائه في الطلب ولم اقف على وفاته ومولده واظنه مات في سنة نيف وثلاثين ومائة والف والله اعلم. ثم ذكر له ستة ابيات من القصيدة العينية التي ذكرها المؤلف وترجم له ولده في شمامة العنبر (ص 97 - 104) فقال عنه ما خلاصته: بحر عذب المنهل يتموج لفظته بلاد العرب فغرب الى الروم فتلقفته اكابر علماء تلك البلاد. ودخل القسطنطينية واقام بها مدة ومدح اكابرها ثم عاد الى الموصل ولم يزل فيها نديما كريما لاعيانها وامرائها بل جليسا انيسا لحكامها ووزرائها. ثم رحل الى القسطنطينية ومات هناك. وكان له ديوان شعر فتلف هناك مع ما تلف من المتروكات.
وجاء عنه في العلم السامى الشيخ مصطفى الغلامي بن الشيخ علي الغلامي ابو المكارم قرأ في صباه على شيوخ الموصل. ثم سافر الى بلاد الروم في طلب العلم، وبعد رجوعه الى الموصل، ولي الافتاء على مذهب الامام الشافعي وعهد اليه التدريس في مدرسة نبي الله يونس. ثم سافر الى القسطنطينية وتوفي هناك سنة 1140 هـ.
وله نظم جميل رقيق. واورد عثمان الحيائي في كتابه «الحجة فيمن زاد على ابن حجة» (ص 102 - 105) قصيدة للغلامي يصف فيها حاله في ادرنه وحالة دواوين الدولة، وما هي عليه من الفوضى وسوء الحال.
ذكر بعضها صاحب الشمامة (ص 101 - 103).
الهضاب. الطالع من كل ثنية، والواصل بكل أمنية. ذو الفضل الوارف، والكمال والمعارف. عماد الإفتاء، التي باهت به الجوزاء.
سباق الغايات، الناصب للكمالات رايات. فكم قد أبرى للفضائل أعواد، وأورى للمكارم زناد. فهو الأديب المعظم، والأريب المقدم. المتميز بين اترابه، والمتفوق على أقرانه وأريابه.
وهو المنيع الذرى، البعيد عن أن يلاحظ أو يرى. قضى عمره في تعاطي أنواع التدريس، وأفتى على مذهب الإمام ابن إدريس.
فركب في ذلك صعاب المسائل فذللها، ورقى هام الثريا فانتعلها.
فحاز أنواع المحامد والمجد، والآداب الراقية التي لا تحد. فلم يحتمل قال وقيل، ولم يأت له الدهر بمثيل.
بآرائه البيض ارتقى درج العلى
…
وحل ذرى العليا براياته الخضر
كانت صحبته مع الوالد والعم اكيدة، والمحبة بينهم في الغاية سديدة. فكنت أراه وهو في مجلس الوالد، قد جمع لأنواع المحاسن والمحامد. وأنا إذ ذاك صغير، أتطلع لاستنشاق ذاك الرند والعبير. وهو في صدر المجلس قد نصب للفضل لواء، وألقى على أقمار المجلس بهجة وضياء. وقد أثبت للأدب إجلالا، وشيد للمكارم معارف وأفضالا. ينطق ببيان، وينظم لجواهر الألفاظ معان. والوالد ينسر بسبقه، ولا ينكر لمقدم حقه، ويحبه الحب الشديد، الذي ما عليه من مزيد.
وقد اتفق له مع العم عبد الباقي (1) رسائل أدب، تهزأ بالشهد والضرب. فهي الشموس، التي ترتاح بسماعها الأرواح والنفوس.
بل هي سمر الأحباب، التي لم يرد مثلها في هذا الباب. قد نظم درا، وحلى نحرا
تخال أزاهير الرياض خلالها
…
مصابيح ليل ما لهن فتائل
فمن أقحوان ثغره متبسم
…
وورد على أكنافه الطل حائل
فمما أرسله إلى العم قوله:
أفديه إذ بالقد والأطراف
…
ألقى الرماح وسطوة الأسياف
ريم اللواحظ بالجمال موشح
…
طاوي الحشاء مرخم الأعطاف
سهران لا عن ترك نوم جفونه
…
سكران لا من حسو كأس سلاف
من فوق طرته الشعور كأنها
…
قرص الغزالة تحت جنح غداف (2)
إن جاء يا للاعتدال بقده
…
أوسار يا للموت بالأرداف
ظبي من الأعراب إن ناسبته
…
يعزى بإسناد لعبد مناف
بدر إذا ما رمت تنظر وجهه
…
يغشيك نور جماله الشفاف
حاوي الدلال جميعه فوصاله
…
حسد يضيع وقلة الإنصاف
تصغي السماع لقوله فكأنه
…
يتلو لها ضربا من الأوصاف
أوصاف عبد الباقي الحبر الذي
…
أنجى المجير واقرأ الأضياف (3)
الجاعل العلياء ثوبي لبسه
…
ما دام ثوب ندى وثوب عفاف
الساعي في كسب الثناء فشأنه
…
مغني الالوف وموهب الآلاف
(1) ترجم له المؤلف في ص 51
(2)
في الاصول غذاف. والغداف غراب القيظ
(3)
في هذا البيت سناد والتجوز في اللغة ظاهر فيه
ما أقشعت ديم الندى في أرضنا
…
إلا كفاها بسيله الوكاف (1)
يجد المقل إذا ألم بربعه
…
فكأن أرسل للأنام مكافي
شرفت بك الحدباء يا عمري كما
…
شرف الثرى بأصولك الأشراف
دم باقيا وأمشي على جيد العدى
…
تفنى الزمان وتحصى الأحقاف (2)
وله رحمه الله فيه:
ولقد لممت بربع باق ضالعا
…
فأزال عن هام الهموم صعاصعا (3)
وبه لقيت الاستقامة بعد ما
…
ولدتني أيام احتياجي اكتعا (4)
وأباحني ثدي النوال وطالما
…
غذى المقل به وأرضى طامعا
يا باقياً جعل العطاء بما له
…
دينا ندى عبد وسهما شايعا
ما للغمام وراحتيك تماثلا
…
إذ عد وابلها أنالت أصوعا
فيه رائحة من قول رشيد الدين الوطواط (5):
ما نوال الغمام يوم ربيع
…
كنوال الأمير يوم سخاء
فنوال الأمير بدرة عين
…
ونوال الغمام قطرة ماء
وفي البيت من أنواع البديع التفريق، وهو إيقاع تباين بين أمرين من نوع في المدح أو غيره كقول بعضهم فيه:
(1) في ب: ديم النداء بارضنا.
(2)
في هذا البيت الاقواء.
(3)
الصعاصع جمع صعصع وهو المتفرق وطائر ابرش يأخذ الجنادب (القاموس)
(4)
الاكتع: من رجعت اصابعه الى كفه وظهرت رواجبه.
(5)
هو رشيد الدين محمد بن محمد العمري، الوطواط كاتب من الادباء له شعر دون نثره كان كاتبا للسلطان خوارزم شاه الهندي. وله آثار كثيرة منها: مطلوب كل طالب من كلام علي بن ابي طالب.
وتحفة الصديق من كلام ابي بكر الصديق. وفصل الخطاب من كلام عمر بن الخطاب وانس اللهفان من كلام عثمان بن عفان. وديوان رسائله، وديوان شعره.
توفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة معجم الادباء 19/ 29 وبغية الوعاة 1/ 226 ومعاهد التنصيص 1/ 244 وروضات الجنات 77 والكنى والالقاب 2/ 247 والذريعة 9/ 127.
حسبت جماله بدراً منيراً
…
وأين البدر من ذاك الجمال
وقول الآخر:
قاسوك بالغصن في التثني
…
قياس جهل بلا انتصاف
هذاك غصن الخلاف يدعى
…
وأنت غصن بلا خلاف
وقد تلاعب الشعراء في معني أبيات الوطواط. فللوأواء الدمشقي (1):
من قاس جدواك بالغمام فما
…
أنصف بالحكم بين شكلين
أنت إذا جدت ضاحكا أبداً
…
وهو إذا جاد دامع العين
ولبعضهم فيه:
من قاس جدواك يوما
…
بالحسب أخطأ مدحك
السحب تعطي وتبكي
…
وأنت تعطي وتضحك
ولأبي الفتح البستي (2):
يا سيد الأمراء يا من جوده
…
أوفى على الغيث المطير إذا همى
الغيث يعطي بالحيا متجهما
…
ونراك تعطي ناظرا متبسما
(1) هو ابو الفرج محمد احمد الغساني الملقب بالوأواء الدمشقي. كان مناديا بدار البطيخ بدمشق ينادي على الفواكه. وما زال يشعر حتى جاد شعره وسار كلامه واصبح من شعراء سيف الدولة توفي حوالي سنة تسعين وثلاثمائة وله ديوان حققه المرحوم سامي الدهان ويرجح ان وفاته كانت سنة سبعين وثلاثمائة. يتيمة الدهر 1/ 272 وفوات الوفيات 2/ 304 والكنى والالقاب 3/ 242 والشريشي 1/ 55 والذريعة 9/ 79 واعيان الشيعة 3/ 256 وبروكلمان 2/ 78 ومطالع البدور 1/ 57 والاعلام 6/ 204 وفيه مصادر اخرى.
(2)
هو علي بن محمد بن الحسين بن يوسف بن محمد بن عبد العزيز البستي، ابو الفتح: شاعر عصره وكاتبه ولد في بست (قرب سجستان) واليها نسبه وكان من كتاب الدولة السامانية في خراسان وتوفي سنة اربعمائة. وله ديوان شعر صغير مطبوع.
وفيات الاعيان 2/ 58 ويتيمة الدهر 4/ 302. وشذرات الذهب 3/ 158 والمنتظم 7/ 72 ومفتاح السعادة 1/ 229 والكنى والالقاب 2/ 74 وهدية العارفين 1/ 685 والبداية والنهاية 11/ 278 والاعلام 5/ 144 وفيه مصادر أخرى
وقول الأديب يعقوب النيسابوري (1) في أبي الفضل الميكالي (2)
رأيت عبيد الله يضحك معطيا
…
ويبكي أخوه الغيث عند عطائه
وكم بين ضحاك يجود بماله
…
وآخر بكاء يجود بمائه
وما أبدع قول البديع الهمداني (3) مع زيادة في المعنى ومبالغة في الغلو.
وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا
…
لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا
والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت
…
والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا
وقول ابن بابك (4) يمدح نظام الملك:
يقولون أن المزن يحكيك صوبه
…
محاكمة فيها شهدت وغابا
وكم عزمة عم البرية بؤسها
…
فهل ناب عنها عن يديك منابا
همت صيبا فيها يداك عليهم
…
وضلت يداه ان ترش ذهابا
(1) هو ابو يوسف يعقوب بن احمد النيسابوري ترجم له الباخرزي في دمية القصر مرتين وروى عنه اخبار بعض شعرائها. ويظهر انه كان صديقا للباخرزي ويظهر مما قاله عنه انه عربي من بني عامر توفي سنة اربع وسبعين واربعمائة. من آثاره كتاب البلغة، وجونة الند. دمية القصر 190، 299 وبغية الوعاة 2/ 347 وفيه انه كردي وكشف الظنون 253، هدية العارفين 2/ 544.
(2)
هو ابو الفضل عبيد الله بن احمد الميكالى المتوفى سنة 436 سبقت ترجمته في حاشية ص
(3)
انظر ترجمته في حاشية ص 148
(4)
هو ابو القاسم عبد الصمد بن منصور بن الحسن بن بابك، شاعر بغدادي، مكثر مجيد. قال ابن خلكان رأيت ديوانه في ثلاث مجلدات وله اسلوب رائق طوف في البلاد وقصد الرؤساء ومدحهم ونال منهم اسنى الصلات. ولما قدم على الصاحب بن عباد قال له: انت ابن بابك.
قال: انا ابن بابك، فاستحسن جوابه واجزل صلته. توفي ببغداد سنة عشر واربعمائة يتيمة الدهر 3/ 377 ووفيات الاعيان 2/ 368 والنجوم الزاهرة 4/ 245 وشذرات الذهب 3/ 191 والكنى والالقاب 1/ 216 وكشف الظنون 764 ومعاهد التنصيص 1/ 24
وقول ابن اللبانة (1) في المعتمد بن عباد (2):
سألت أخاه البدر عنه فقال لي
…
شقيقي إلا أنه البارد العذب
لنا ديمتا ماء ومال وديمتي
…
تماسك أحيانا وديمته سكب
إذا أنشأت تبرية فله الندى
…
وإن أنشأت بحرية فله العجب
ومن تتمة القصيدة المترجمة:
أم أين للعضب اليماني نسبة
…
ويكون عزمك في المواقع أقطعا
سالت أناملك النوال فكاد من
…
فرط التدفق دهرنا أن يكرعا
آلت يمينك لم تزل عن بذلها
…
حتى ترى المعتر فيها قانعا
أغدقت يا غيم الجوائز منة
…
وأبيت عن أرض الرجا أن تقشعا
أتعبت نفسك في اكتساب ثنائنا
…
فلنصنعن الحمد ذاك مصانعا
مالي ولا أثني عليك وأنت لي
…
عضب به ألقى الحمام الناقعا
أبقيت ربح مديحتي أو كيف لم
…
تربح وقد زرعت شباط أبدعا
دم باقيا في الدهر صدراً ماجدا
…
نلقاك ما دمت الأعز النافعا
فأرسل إليه العم عبد الباقي هذه الأبيات:
يا خبيراً بكل معنى بليغ
…
وبصيراً بكل نظم ونثر
فلقد ضاع شعركم وطفقنا
…
نسأل الركب هل سمعتم بشعر
(1) في الاصول ابن اللبابة وهو خطأ وصوابه ابن اللبانة وهو ابو محمد بكر بن عيسى بن محمد اللخمي الاندلسي الداني المشهور بابن اللبانة كان من شعراء المعتمد بن عباد وله مؤلفات وتوفي سنة سبع وخمسمائة، فوات الوفيات 2/ 514 وشذرات الذهب 4/ 20 والمغرب في حلى المغرب 2/ 409 والعبر في خبر من غبر 4/ 15 وهدية العارفين 2/ 83 والمعجب في تلخيص اخبار المغرب 211 وقلائد العقيان 256.
(2)
ابو القاسم المعتمد بن عباد صاحب اشبيلية وقرطبة وهو آخر ملوك الدولة العبادية توفي سنة 488 هـ
فأرسلوا نظمكم لكي نتداوى
…
به حقاً فلا برحت كبدر
لا تقل إنه عليم بهذا
…
لست اعرفه لا ولا به أدري
إنما نحن بالقريض كواو
…
«ألحقت بالهجاء ظلماً بعمرو» (1)
وأنا باقي على العهد دوما
…
بصفاء الوداد ما دام دهري
فأجابه المذكور بقوله:
يا كبيراً على الكبار مجيداً
…
يا أميراً لكل عبد وحر
إن ترم قول أبكم مستحيل
…
هل زمين على الحدادة تجري (2)
شرف العبد في الخطاب بادعو
…
وبياء النداء قد زيد قدري
أنت للشعر فاء أما فأما
…
هل تلقى بغيرها يا لعمري
إن تكن باقيا على العهد دوما
…
فأنا مصطفى لمدحك عمري
فراجعه العم بقوله:
شرف المشرف الكريم فخلنا
…
لؤلؤاً في العقود أو سلك در
يا له من نظام سمط بديع
…
فاق سحبان والعلاء المعري (3)
لو رأى سحر لفظه المتنبي
…
آل ما دام لا يفوه بشعر (4)
خمر العقل في معانيه حتى
…
ظن أني شربت كاسات خمر
فغدا الفكر قائلا فيه تيها
…
ولعمري أظن هذا بسحر
دم بعز وبهجة وسرور
…
ما شدا الأيك أو تغرد قمري
(1) الشطر الاخير تضمين لشطر بيت ابي نواس في هجاء اشجع السلمى وصدره: انما انت من سليم كواو ديوان ابي نواس ص 545
(2)
الزمين: ذو العاهة مثل الزمن. والحدادة يريد به الحدة
(3)
في الاصل والعلائي المعري: وما اثبتناه هو الصحيح ويريد به ابا العلاء المعري
(4)
في الاصول لم يفوه بشعرى. وآل يريد به آلي أي اقسم
وأرسل إليه العم هذه الأبيات:
أيا من له في كل فن نتايج
…
وأضغرها أعيت لمن هو صادح
ومن عجزت عنه المذاود أن ترى
…
فخاراً وكادت أن تنوء المدايح (1)
ومن ليس في ذا العصر ضد مضادد
…
لبعض الذي يأتيه والجد فاتح
ومن قد غدت منذ استطابت باسمه
…
تفيد سعوداً في البوادي البوارح
إليك أتت تقرى المسائل في العلى
…
وحثت باجواز الفلاة المنائح (2)
فلو علم العافون أن مقامكم
…
بديع لما كان البيان يجانح
فإن أطنبت في مدحه لم تكن تفي
…
بمعشار ما فيه العلوم الصوادح
لقد أسمع الصادي الفؤاد أو ان ما
…
تفارق منكم سائل المحن قادح
وقد كان في تجهيز ما هو قائل
…
بإرساله في الأمس والعلم فايح
فأوحيت ما فيه ولكن ظننته
…
خلافا فارسالى إليكم تسامح
(1) المذاود جمع مذود كمنبر وهو اللسان
(2)
المنائح جمع منيحة وهي الناقة تمنح اي يعطى للرجل وبرها ولبنها وولدها ويريد بها هنا الناقة عامة.
وذلك بيتان وظني فيهما
…
سؤال لأرباب الجهالة فاضح
لنا ابل ما روعتها الصفائح
…
ولا نفرتها بالصياح الصوائح
إذا سمعت أضيافنا من رعاتها
…
أتين سراعا يتبدرن الذبائح
فما الوجه في رفع الذبائح فيهما
…
ووجه وجوب النصب فيهن لائح (1)
فأرسل جواباً عن سؤالي وأن يكن
…
وضيح لديكم لا يليه الجوامح
وما قلته من بعد هذا فإنني
…
لمرسله ما دام صفو وصالح
وكن مرسلا لي ما يكون جوابه
…
شديداً فاني باقي الود كادح
فأجاب صاحب الترجمة بقوله:
أزال ستار الصمت بالنطق فابتدت
…
فوائد بحر لم تنلها السوابح
وأسجع من فرط البلاغة منطقا
…
فحزت شحارير الكلام الصوادح
وأبدع تصوير المعاني فصاحة
…
فزالت بها حسنا عقول رواجح
(1) في الاصول في دفع الذبائح.
وكاد سنا برق النظام لحسنه
…
يضيء مداداً مذ حوته الصفائح
فشق سماع القوم ثوب صماخه
…
إليها وتاهت في تلاها الجوارح
واعتبقت منها النفوس لطافة
…
وفاحت الى التنشيق منها نفائح
ألا وهو الخلم الحسيب ومن به
…
لكل مغاث قد تجلت طوائح (1)
فشرفنا منه السؤال وقد درى
…
بنا وبما جادته منا القرايح
فدم باقياً لا زلت في العهد إنني
…
مصيطف ود للأحبة مادح
فراجعه العم بقوله أيضا:
ألا يا بديع الفضل في كل ما نحت
…
إلى نحوه أهل البيان من الغض
ومن هو في هذا الزمان بفعله
…
لفاعل نصب المنتمين من القرض
لأنت وحق الله بين أولى النهي
…
لبرهان حق لا يدنس بالنقض (2)
(1) الخلم بالكسر: الصديق والصاحب. والطوائح القواذف
(2)
في الاصل: أولى النها
وكاشف عن حجب الدقائق بالحجا
…
ومغلق أبواب النقائص والخفض
لك الله من صدر كأن ذكاءه
…
سناء ذكا أو جذوة في لظى الرمض (1)
كأن إذا ما أجرضته عنودة
…
من الوحي أمضاها بصارمة المحض
كأن له ما بين ضحضاح علمه
…
لغمر إذا ما جف حول بالنض
كأن إذا ما شاء تقرير لفظه
…
تكاد له صم الصياخد أن تغضي
كأن إذا ما كان ينظم غائصا
…
إلى اليم يستملي اللآلي ويسترضي
كأن الصحاح الجوهري في لغاته
…
وقاموس بحر في الخضم من البرض (2)
كأن قوافي الشعر تحت لسانه
…
جواد فيلويه لما شاء بالركض
كأن يرى في فكره إن أجاله
…
سنا البرق أو أسنى سناء من الرمض
كأن مقالي هو وقس كباقل
…
لديه ولكن غيره فيه ذو رحض (3)
(1) في الاصل: نطا الرمض.
(2)
في الاصل: الخظم. والبرض: القليل وبرض الماء خرج وهو قليل.
(3)
الرحض: الشنة والمزادة الخلق.
كأن نظامي هل من نحو شرقه
…
ونور قريض المستهل من البعض
كأن حديثي حيث ما كان مرسلا
…
لديه ضعيف ليس من سنة الفرض
فيا من له دانت مسائل علمنا
…
وكان لنا فيها سهاد من الغمض
إليك نحا سؤلي وأنت مميزاً
…
بآية كبرى أعجزت كل ذي نبض (1)
وما هي إلا استطعما أهلها فقد
…
ترى استطعماهم مثل ذلك مستقضي
فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر
…
مكان ضمير فاحكه أيها المرضي
وما الوجه في هذا العدول ابنة لي
…
فانك في ذا العصر أوحده المحض
فلا زلت طوداً شامخاً في ذرى العلى
…
مقيماً وباق بالسمو وبالارض (2)
(1) كذا في الاصول وأنت مميزا وصوابه مميز.
(2)
كذا وباق وهو خطأ وصوابه باقيا ولا يستقيم الوزن بالصواب.
الشيخ علي مفتي الشافعية (1) المفتي الشيخ علي، صاحب الأدب الواضح الجلي
هذا الهمام، شبل ذلك الضرغام، ملاذ أهل القريض الفائق بآثاره، ومطلع شمس الكمال الرائق باقماره، ذو الأدب الوافر العامر، والحسب الزاهر الفاخر، والرجا والأرب والأمل، والظبا والقنا والأسل. والفضل والسعد، والحل والعقد.
أديب واحد قمر منير
…
ونهر في المعالي له خرير
فريد مفرد بحر عظيم
…
أديب بارع غيث مطير
فهو الواحد الرحب الساحة، الحاوي لأنواع المكارم والسماحة.
ذو اللسان العذب الطلق، والبيان الزاهر اليقق. والكمال الشائع السائر، والنوال الرائع الباتر. مقدم الاعيان، الثابت القلب والجنان. ملاذ القاصدين، معاذ الوافدين. الطلق الوجه والصباح، والحامل المجد والسماح. والسني السناء والمناقب، والرحيب الفنا
(1) هو الشيخ علي المفتي ابن مصطفى الغلامي الذي سبقت ترجمته. ترجم له صاحب منهل الاولياء 1/ 253 فقال عنه: صاحب محاضرات ولطائف ومشاركة في العلوم والشعر. وله الخبرة التامة في الفتاوي والمسائل الشافعية. وتصدر للافتاء بعد والده، وعاشر ملوكنا وحظي عندهم، فكان جليسهم ونديمهم. وكان فيه تيه وصلف ونبوة. ولقد جئت اليه في شهادة فسلمت عليه فلم يرد، ورد الحاضرون، فلم يرفع رأسه ولا نظر الي. فوجدت له هيبة ملك وصولة ليث، وندمت على خطوات مشيتها الى داره، وسلام بذلته اليه، فما عرف حتى مقداره. والكبير من يتواضع على مجده ومناره. ولعله كان مشغول البال والله يغفر له ويرحمه.
مات سنة اثنتين وتسعين ومائة والف (ثم ذكر الابيات الستة الاولى من قصيدته اللامية التي مطلعها «برق تألق في الظلام المسدل» التي سيذكرها المؤلف). وترجم له صاحب سلك الدرر 3/ 258 بقوله-
والمواهب. الذي ابرق وأرعد، وأسهر وأرقد. وقرب وأبعد، وأقام وأقعد.
فانه الواحد المصفى
…
من جوهر الفضل والمعالي
فريد علم ومجد
…
كالبدر في ظلمة الليالي (1)
فها هو الشمس حقاً
…
قد ساد في الفضل والكمال
فانه الطود الشاهق، والومض البارق، واللمع الشارق. والمجد الواضح والعطر الفايح، والكمال اللائح. الذي اتخذه الأدب منارا، وجعله الكمال بهجة ووقارا. وصيره للمحامد مراحا، وللفضائل إزاراً ووشاحا. قد أحرز لأنواع المعال، واكتسب أصناف الكمال، فيراعه دوحة المعارف، وبنانه قمري ساحة
- «علي الغلامى مفتي الشافعية بالموصل، صاحب الفتاوى الظريفة، وعارف اسرار فنون الادب اللطيفة، ومحرز قصب البلاغة والادب، والفصاحة والخطب، له خبرة وافرة، وبصيرة حاذقة بامور الفتاوى احكام الدعاوي. دخل حلب سنة ثلاث واربعين ومائة والف، وتولى الفتوى سنة اربع واربعين، وله شعر لطيف (ثم ذكر منه الابيات التسعة الاولى من قصيدته اللامية التي ضمنها ابيات لامية السموأل).
كما ترجم له صاحب كتاب قرة العين فقال عنه «احد اذكياء العالم، صاحب محاضرات ومداعبات ولطائف، وسرعة جواب، ومشاركة في العلوم. وبفقه الشافعية امام ابن امام وله خبرة في الفتاوى، ونظم الشعر وتصدر للتدريس والافتاء بعد والده. وعاشر ملوك بني عبد الجليل وحظي عندهم توفي سنة اثنتين وتسعين ومائة والف، ثم ذكر شيئا من شعره. وذكره صاحب منية الادباء (ص 240) وقال انه كان احد اعضاء وفد الموصل لمفاوضة نادر شاه بعد ما طلب الصلح مع اهل الموصل سنة ست وخمسين ومائة والف.
وترجم له صاحب شمامة العنبر (ص 104). فقال «اخي في النسب، وقريني في الدرس والادب، ولكنه سبقني بمصاحبة الوزراء ومخالطة الاعيان والامراء» ثم ذكر انه تولى الافتاء بعد والده على مذهب ابن ادريس الشافعي. وانه قد فرغ غالب شعره في مخدومه الوزير الحاج حسين باشا الجليلي وانه استصحبه معه الى ادنه.
ثم ذكر له كثيرا من الشعر.
وترجم له كل من صاحب العلم السامي (ش. ت 271 وصاحب تاريخ الموصل 2/ 197 وصاحب الحجة فيمن زاد على ابن حجة ص 83، ترجمة لا تخرج عما ذكرنا من قبل.
(1)
صدر البيت معلول.
اللطف واللطائف. لم يحتج إلى البيان، فقد سارت بحديثه الركبان.
من كان كالبدر يزهو حسن بهجته
…
فليس يلحقه نقص ولا خلل
فمعارفه كالأهلة تتوقد، وفواضله على مرور الأيام تزهو وتتجدد. له نظم أرق من الخيال، وآنق من مواصلة ذوات الحجال.
قد اثبت من نظمه ما هو كالرحيق الرائق، وذكرت من شعره ما هو الأنيق الفائق.
فمن منظوماته، وعذب أبياته، قوله مضمنا لبعض من أبيات الحماسة في مدح محمد أمين (1) باشا. وهي:
تقول فتاة الحي وهي تلومني
…
أمالك عن دار الهوان رحيل
فان عناء المستنيم إلى الأذى
…
بحيث يذل الأكرمين طويل
فثب وثبة فيها المنايا أو المنى
…
فكل محب للحياة ذليل
فان لم تطقها فاعتصم بابن حرة
…
لهمته فوق السماك مقيل
يعين على الجلى ويستمطر الندى
…
على ساعة فيها النوال قليل
فقلت ومن ذا فأرشديني فإنني
…
إلى مثله بادي الركاب عجول
فقالت أمين غصن جرثومة الندى
…
ألوف العطا للمكرمات فعول (2)
تدرع ثوب المجد والحزم يافعا
…
فحطت شباب دونه وكهول
له الهمة القعساء والرتبة التي
…
تعز على من رامها وتطول (3)
بدا في سما العليا بالعز شارقا
…
جري السنا لا يعتريه أفول
(1) في ب في مدح حضرت محمد.
(2)
في الاصل جرثومة الندا وفي ب: جرثومة السخا
(3)
في الاصول: له همة
فليس يشد الرحل إلا لربعه
…
فحسبك ربع للعفاة ظليل (1)
ففي بابه تحوى المراد وغيره
…
يرد إليك الطرف وهو كليل
والأبيات المذكورة المضمنة من الحماسة للسموأل بن عاديا (2) وهي:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
…
فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
…
فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا،
…
فقلت لها إن الكرام قليل
وما قل من كانت بقاياه مثلنا
…
شباب تسامى للعلى وكهول (3)
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
…
عزيز وجار الأكثرين ذليل
لنا جبل يحتله من نجيره
…
منيع يرد الطرف وهو كليل
رسا أصله تحت الثرى وسما به
…
إلى النجم فرع لا ينال طويل (4)
هو الأبلق الفرد الذي سار ذكره
…
يعز على من رامه ويطول
وأنا لقوم لا نرى القتل سبة
…
إذا ما رأته عامر وسلول
يقرب حب الموت آجالنا لنا
…
وتكرهه آجالهم فتطول
وما مات منا سيد حتف أنفه
…
ولا طل منا حيث كان قتيل
تسيل على حد الظباة نفوسنا
…
وليس على غير الظباة تسيل (5)
صفونا ولم نكدر وأخلص سرنا
…
إناث أطابت حملها وفحول (6)
(1) في الاصل: للعفات.
(2)
في الاصول السمؤل بن عاديه
(3)
في الاصل: تسامى للعلا
(4)
في الاصل: رسى اصله
(5)
في الاصل: الضبات
(6)
في الاصول اناس اطابت
علونا إلى خير الظهور وحطنا
…
لوقت إلى خير البطون نزول
فنحن كماء المزن ما في نصابنا
…
كهام ولا فينا يعد بخيل
وننكر إن شئنا على الناس قولهم
…
ولا ينكرون القول حين نقول
إذا سيد منا خلا قام سيد
…
قئول لما قال الكرام فعول
وما أخمدت نار لنا دون طارق
…
ولا ذمنا في النازلين نزيل (1)
وأيامنا مشهورة في عدونا
…
لها غرر معلومة وحجول
وأسيافنا في كل شرق ومغرب
…
بها من قراع الدار عين فلول
معودة ألا تسل نصالها
…
فتغمد حتى يستباح قتيل
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم
…
فليس سواء عالم وجهول
وله في المديح وهو في بلاد الروم (2):
برق تألق في الظلام المسدل
…
فأثار في الأحشاء ذكر الموصل
أوري زناد الشوق بين جوانح
…
جنحت إلى ذكر الحمى والمنزل
يا أيها البرق الولوع بمهجتي
…
رفقا فديتك بالفؤاد المبتلي
هات الحديث عن العراق فإنني
…
أصبحت عن تلك البقاع بمعزل
أين العراق وساكنوه لمن غدا
…
بالروم يسأل كل ركب مقبل
ما حال هاتيك المعاهد بعدنا
…
ما حال ذاك الربع بعد ترحل (3)
هل جادها صوب العهاد عشية
…
هل أعشبت بهوامل المتنزل
حيى الحيا تلك الرحاب وان نأت
…
عني فذكراها حليف تخيلي
ما الروم داري يا بريق ولا أنا
…
ممن يشد إلى ذراها أرحلي
(1) في الاصل: ولا اخمدت
(2)
هذه القصيدة في مدح الحاج حسين باشا الجليلي
(3)
في الاصول تلك الربع
لولا الوزير أبو المكارم والعلى
…
وسداد ثغر الملك للمتأمل (1)
المرتقي أوج الكمال بهمة
…
نافت على هام السماك الأعزل
دامي المضارب لم تزل أسيافه
…
كالشهب تلمع في دياجي القسطل
هذا الرشيد أبو الأمين ورأيه
…
المأمون معتصم بتوفيق جلي
مذ حل أرض الروم عضبا باتراً
…
دانت رقاب طغاتها بتذلل
رغمت بسطوته أنوف طالما
…
عطست عتوا في الزمان الأول
إن أجدبت أرض العراق لبعده
…
فالروم في حلل النضارة تنجلي (2)
أهل العراق لقد حرمتم ضيغما
…
بمثاله بخل الزمان لسائل
فهو الذي أسدى إلى عوارفا
…
أعيى عن التفصيل فيها مفصلي
سحت علي سحائب من جوده
…
تترى فاغنت عن مقالي ليت لي
أعلى محلي رفعة وأنالني
…
رتبا تعز على يد المتناول
أنساني الوطن القديم ومن يكن
…
بظلاله يسل الديار ويهمل
فببابه العالي مناخ مطيتي
…
وحماه منتجعي وغاية مأملي
لا زال في برج السعادة مشرقاً
…
بالنصر والفتح المبين الأكمل
بمزيد إقبال وعز سرمد
…
ودوام تأييد من الملك العلي (3)
(1) في الاصول: العلا
(2)
في الاصول ان اجذبت وفي ب النظنارة
(3)
في الاصل: وعز سرمدا
محمد الغلامي (1) شيخ الأدباء أخوه محمد الغلامي بن الشيخ مصطفى
هذا الذي بخل الزمان بمثله
…
وبفضله وبعلمه وكماله
نادرة الحين ونتيجة الزمان، والماء العذب المعين حيث ما كان.
بدئ به البيان وختم، وله ثبت المعالي ورسم. وبمكارمه هب الزمان وبسم. وفيه ختمت النباهة والبسالة، ولبس ببعيد فمحمد خاتم الرسالة. تفرد بأدبه وفاق، وملأ بمعارفه الآفاق. نثر ونظم.
وأغار على فتح حصون الأدب وهجم.
(1) هو محمد بن مصطفى علي الغلامي. ترجم له صاحب منهل الاولياء فقال: الشيخ محمد بن مصطفى الغلامي. شيخ الادباء، وعلامة الشعراء، فاق في الشعر على اقرانه، وصار فيه امام اهله ورقم عنوانه كان حسن النظم والنثر، رائق الشعر، عذب الكلمات انيق العبارات لطيف الاشارات.
قرأ على الشيوخ وحصل علما كثيرا، ولكن غلب عليه الشعر فكان مكسبه ورأس ماله ومتجره. ومدائحه في ملوك الموصل كثيرة جدا، وكلها رائق معجب، مع حسن صوغ، وجودة سبك. وكذا مدائحه في غيرهم.
وكان قد أصابه نوع مرض غير فكره، واثر في عقله، ومع ذلك فأشعاره في غاية اللطافة والظرافة. وكنت ازوره أحيانا. وكنت قبلها أسمع به واحب ان أراه، فلما رأيته كان عندي كزيد الخيل، لكنه كان من رثاثة الحال وعدم انتظام الزي في مكان لا يجحد .... وكان بينه وبين علي العمري بن علي صحبة تامة وله فيه مداثح كثيرة. والتمس منه صديقنا ابراهيم بن محمد امين ان يمدحه بقصيدة ففعل، فجعل يماطله بالجائزة، فارسل اليه بطلب الفصيدة. مات رحمه الله سنة ست وثمانين ومائة والف. ثم ذكر شيئا من شعره وقال بعد ذلك. وقصائده كلها فائقة ومقاطيعه باسرها رائقة.
وقد ذكرت في كتابي مراتع الاحداق جملة حسنة من نظمه، واوردت معارضاتي لها في اول ابتهاجي بالقريض وتولعي بفنونه.
وبالجملة فليس لاحد من شعراء الموصل من اللطائف ما لهذا الرجل. وانما يلفقون الكلمات حتى يتم الوزن ولا يلتفتون الى انسجام المعاني وجزالتها. وفخامة الالفاظ ورقتها. فمثلهم كناظم لؤلؤ وخرز في ليلة، يجمع الحبات حتى يملأ السلك، ولا يلتفت الى مواقع الحبات ومواطنها اللائقة بها، لقلة ممارسة علم البيان ومطالعة دواوين الفصحاء. وقد ألف كتاب شمامة العنبر، وهو كتاب في تراجم شعراء عصره شعراء عصره، على غرار الروض النضر وقد ترجم لنفسه فيه وذكر بعض شعره (ص 112 - 122) فاثنى على نفسه-
وجرد من أغماده كل مرهف
…
إذا ما انتضته الكف عاد يسيل
فهو الآن زعيم فتية الأدب، الذي بهر بأدبه جهابذة العرب.
فجاء من النظم بالسحر الحلال، ومن النثر بالعقود واللال. فنظمه ماء الغمام، وسجع الحمام. وشقايق الرياض، وشباك الحياض.
كالنور أو كالسحر أو كالدر أو
…
كالوشي أو كالبدر حين يلوح
فهو ملهج لسان البيان، وانسان عين الزمان. الذي نبت في روض المعارف، وكان من الأدب مكان السواد من السوالف.
فنظمه أحلى من العسل، وأرشق من سهام المقل حقيق بالقبول وخليق، وهو الصهباء في الحقيقة والرحيق. يجري مجرى الروح في البدن، والنوم في العين والرقود في الوسن. ويرق عن الماء ويسمو على قطر السماء.
وماء على الرضراض يجري كأنه
…
صفائح تبر قد سكن الجداولا
له في كل واد مقال، وفي كل نزال نصال. روى، ولكل ظريف حوى. صنف، وبكل بليغ شنف. صنف بالأدب
- وعلمه في النحو والبيان والعلوم الاخرى. وانه في مطلع عمره ركب شبابه وانصرف الى ارتشاف كئوس المسرة. فالايام كلها له جمع والليالي كلها قدر والوقت كله سحر والفصول ربيع. الى ان اعترته علة اكمنته في داره فانقطع عن السعي في مناكب الارض. وهو في ترجمته لنفسه ساخط على الدنيا والناس تنبعث المرارة من الفاظه ويفوح السخط من معانيه. فيقول مثلا «على اننا وان اظهرنا التأسف بين الناس على ما فاتنا منها. نحمد الله تعالى في كلى يوم الف مرة. على اجتنابنا عنهم وعنها. والله ما في الوجود شيء تأسى على فقده العيون، التقتنا بوجه وقيح فالتقيناها بنفس قوية، وهمة عن ادناس الناس علية .... وقد استغاث قبلي الفاضل الارجاني من الزمان الخائن الجاني وذلك لانه عرف حال مودة الناس كما قال ابو العلاء المعري.
جربت دهري واهاليه فما تركت
…
لي التجارب في ود امرئ غرضا
وترجم له عثمان الحيائي الجليلي في كتاب الحجة فيمن زاد على ابن حجة. والقس صائغ في تاريخ الموصل 2/ 176، والعزاوي في تاريخ الادب العربي في العراق (2/ 213، 278، 279) والف محمد رءوف الغلامي كتابا عنه سماه «العلم السامي في ترجمة الشيخ محمد الغلامي»
الشمامة ووسم في جبهة الأيام شامة.
وكل فضل طواه الدهر مذ ظهرت
…
آيات أبياته من سالف الحقب
حذا فيها حذو الريحانة، ولم يبق من مكتوم البيان شيء حتى أبانه. جمع فيها رجالا وأي رجال، لم يأت لهم الدهر بمثال.
فهي شمامة الكمال، المستهزئة بعقود اللال. أبدع فيها، وأودع الفضل في مكنون خوافيها. رقى إلى أوج الشرف، وملك أنواع اللطائف والظرف. فبرع في القريض سرا وجهرا، وقلب دفاتر الكمالات بطنا وظهرا. وقد وقدت ناره، ودلت عليه آثاره «إن القليل على الكثير دليل» .
قد أقام نهاره وليله، يجر على المجرة ذيله. عطس من الأنفة بأنف شامخ، وعلا على عطارد بكمال راسخ. وشرف باذخ، جمع لكل نبيل، وهو في الكمال كما قيل.
أديب له جل المكارم ثابت
…
لبيب له في المكرمات مناقب
فكتابه الروض الزاهر، والبدر الباهر. والغمام القاطر، وشحه بالفضائل واستوفاه، ووكل أمره إلى الكمال حتى استكفاه. فكتابه روض كمال تشعبت أنواره، وجدول معال اعتدلت أسطاره.
وقد جمعت سوسانها في خدودها
…
رواضع إلا أنهن حوامل
وقد شربت ماء الغمامة فانثنت
…
كما يتثنى الشارب المتحابل
فها هو الآن، منتهى البيان، المطاول لسحبان، والمستهزئ بالفتح بن خاقان، على قلائد العقيان.
دع عنك شاميات أحمد واقتطف
…
ثمر العلى يا صاح من أبياته
وقد أودعت من اشعاره ورايق آثاره، ما يشاكه النور وليصلح أن يكون قلادة لنحور الحور وأشعة للأقمار والبدور.
فمن نفحاته، ورايق قوله في المديح لما وصلت خلعة الوزارة إلى ممدوحه (1).
أوُرق الحمى لم أنت خاضية كفا
…
وسحب الندى لم أنت واكفة وكفا
ويا زمني لم أنت ملتمع الضيا
…
أجرد هذا الدهر من غمده سيفا
نعم أنجز الإقبال وعداً فعاطني
…
على نغمات العود مشمولة صرفا
ودع ذكر من أهوى فإني أجله
…
على مسمعي من أن يكون له شنفا
فديتك عرض عن حبيبي بغيره
…
وهيهات من شمس الظهيرة أن تخفى (2)
بروحي من أنسى بفرط غرامه
…
معاطاة نظم الشعر والنحو والصرفا
فما حيلتي والقلب إن رام سلوة
…
وشاهد واو الصدغ يقتبس العطفا
(1) في ب: الى حضرت ممدوحه والقصيدة في مدح محمد امين باشا الجليلي
(2)
في ب: ان تخفا
؟ ؟ ؟ وز من لدن قده
…
وفترة لحظ ذابل كاد أن يغفا
؟ ؟ ؟ قلت أحدث سلوة
…
بدا رافعا عن صبح عزته السجفا
؟ ؟ ؟ لطرف في روض خده
…
ليرعى وإن جاءت كتيبته زحفا
؟ ؟ ؟ عذل أعاب تهتكي
…
وحاول أن يشفي العليل وقد أشفى
؟ ؟ ؟ حط بالحب قدره
…
فمثلي متى ما نال بغيته عفا
؟ ؟ ؟ أن يكون متيماً
…
عليلا وثوب الصبر عندي لا يرفا
؟ ؟ ؟ ى للوزارة أن ترى
…
مقبلة كف الذي زانها إلفا
؟ ؟ ؟ خلعة لتزينه
…
فأبهرها حسنا فزادت به عرفا
؟ ؟ ؟ نه فخرا وإنما
…
لها الفخر من ذا البحر إذ علت الكتفا
؟ ؟ ؟ مطر الناس جوده
…
فإن نفذت أمواله استقطر السيفا
أحب العلى طفلا فعود نفسه
…
ولولا اغتراف الماء لم يبسط الكفا
لقد قسم الأيام يوم لنائل
…
ويوم على أعدائه يجلب الحتفا (1)
ومنها:
أبا حسن يهنيك في خلعة غدت
…
تجر ذيول الفخر حائزة لطفا
كويت بها قلب الحسود وغادرت
…
حشاه لهيب النار هيهات أن يطفا
فلا زلت في أوج المكارم راقياً
…
بك السعد والإقبال يا بحر قد جفا
وله من أخرى:
خليلي مالي لا أرى الدهر مسعدا
…
ولا الهمة العلياء تمنحني يدا
هو الدهر حياني بمسكر همه
…
فما لي أرى صرف الحوادث عربدا
وصحبة مخضوب البنان وأغيد
…
هما أحوجاني أن صحبت المهندا
وأقطرت بيض الهند من ديمة الطلا
…
فقبلت متن السيف خدا موردا
وعاشرت ناساً لأخلاق لخلقهم
…
فأرضيت قد القوم شيخا وأمردا (2)
وحقك ما ايلى لي الدهر جبة
…
من الذكر إلا ثوب عز تجددا
ومستخبر عن شعلة الرأس أسرعت
…
فقلت له من نار قلب توقدا
ومعتذر بالذم عد معايبي
…
وماذا عليه أن أكون محمدا
وله في المديح أيضا (3):
يا حبيب الفؤاد أهلا وسهلا
…
بك لا زلت للمحامد أهلا
(1) في الاصول لقد قسم الاموال
(2)
قد القوم: واحده قدة ويريد به هنا الفرقة من الناس هوى كل واحد منهم على حدة (القاموس)
(3)
في مدح حسين باشا الجليلي
جاء يسعى والليل جنح دجاه
…
ولد الصبح والحمام استهلا
سحراً صاح فوق غصن بشيراً
…
مشعراً أن ليلة الصبح حبلى (1)
ليلة لا تزول فالصبح منها
…
هو مثل الحبيب يكره وصلا
والثريا تلوح في طرف الأف
…
ق كعنقود كرمة قد تدلى (2)
وكأن الهلال زورق ماء
…
هب ريح فأعقب الهب ميلا
وكأن السها مقارنة النج
…
م كذات الجمال تحمل طفلا
وكأن الذراع قد ذرع اللي
…
ل وقد ضيع الحساب فملا
وكأن الجدي المسمر قرم
…
ثابت في مقامه ما تولى (3)
وكأن الصباح قرية نمل
…
وكأن النجوم في الأفق نملا (4)
وتراه مجرى المجرة نهرا
…
حل أرضا فاعقب الجري سيلا
وشعاع الصباح يرقع سجف ال
…
ليل مثل الحبيب شمر ذيلا
فبدت شمسه كوجه حسين
…
إذ غدا في الأنام يقسم فضلا
مشى في هذه الأبيات (5) وفي حسن التخلص على اسلوب ابن هاني الأندلسي (6) في قصيدته البديعة الغريبة التي منها:
(1) في الاصول: حبلا.
(2)
في الاصول: قد تدلا
(3)
في ب: تولا
(4)
كذا في الاصل وفي البيت اقواء
(5)
جاءت قصيدة ابن هانئ وكذلك قصيدة ابن خفاجة في هذا الموضع وربما كان السياق يقتضي تقديمهما فتأتيان بعد قصيدة المترجم له الفائية.
(6)
هو ابو القاسم وابو الحسن محمد بن هاني الاندلسي الازدي. يرجع نسبه الى المهلب بن ابي صفرة الازدي. ولد باشبيلية بين سنتي عشرين وثلاثمائة، وست وعشرين وثلاثمائة حسب اختلاف الروايات. وبها نشأ وتعلم، وتأدب بقرطبة فبلغ الذروة في قرض الشعر وهو كالمتنبي عند المشارقة. واتصل بملك اشبيلية وغيره ثم اتصل اخيرا بالمعز لدين الله الفاطمي وهو يومئذ بالقيروان ومدحه بغرر القصائد فاكرمه اكراما-
بعيشك نبه كأسه وجفونه
…
فقد نبه الإبريق من بعد ما أغفا
وقد فكت الظلماء بعض قيودها
…
وقد قام جيش الليل للصبح واصطفا
ودلت نجوم للثريا كأنها
…
خواتيم تبدو في بنان يد تخفى
ومر على آثارها دبرانها
…
كصاحب جيش نكبت خيله خلفا
كأن بني نعش تراها مطافل
…
بوجرة قد أظللن في مهمه خشفا
كأن سهيلا في مطالع أفقه
…
مفارق إلف لم يجد بعده إلفا
كأن سهاها عاشق بين عوّد
…
فآونة يبدو وآونة يخفى
كأن ظلام الليل إذ مال ميلة
…
صريع مدام بات يشربها صرفا
كأن السماكين اللذين تظاهرا
…
على لبدتيه ضامنان له الحتفا (1)
- منقطع النظير ولما خرج المعز قاصدا مصر خرج معه ابن هاني مشيعا ثم استأذنه وعاد ليأتي بعائلته. فاغتيل في برقة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. وله ديوان شعر مطبوع. ترجمته في وفيات الاعيان 4/ 49 والتكملة لابن الأبار 1/ 103 والاحاطة 2/ 212 وارشاد الاريب 7/ 126 وشذرات الذهب 3/ 41 والكنى والالقاب 1/ 438 والنجوم الزاهرة 4/ 67، وبغية الملتمس 130 واعيان الشيعة 47/ 122 ودائرة المعارف الاسلامية 1/ 289 والاعلام 7/ 354 وفيه مصادر أخرى. ومعجم المطبوعات العربية ص 270
(1)
في ب: ظامنين
؟ ؟ ؟ لى قطبها فارس له
…
لواءان مركوزان قد كره الزحفا
؟ ؟ ؟ امى النسر والنسر واقع
…
قصصن فلم تسم الخوافي به ضعفا
؟ ؟ ؟ اه حين دوم طائراً
…
أتى دون نصف البدر فاختطف النصفا
؟ ؟ ؟ ب الصبح أجدل مرقب
…
يفتش تحت الليل في ريشه طرفا
؟ ؟ ؟ ود الصبح خاقان عسكر
…
من الترك نادي بالنجاشي فاستخفى (1)
؟ ؟ ؟ الشمس غرة جعفر
…
رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا
؟ ؟ ؟ في الوزن والحسن والقافية قول الخفاجي الأندلسي (2):
؟ ؟ ؟ الدعساء هل فقدت خشفا
…
فأنا لمحنا في مراتعها ظلفا
؟ ؟ ؟ ط البان فلتمسك الصبا
…
علينا فأنا قد عرفنا بها عرفا
(1)؟ ؟ ؟ : فاستخفا
(2)
؟ ؟ ؟ اسحاق ابراهيم ابن ابي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الاندلسي. ولد سنة خمسين؟ ؟ ؟ من اهل جزيرة شقر (السيرا) من اعمال بلنسية شاعر غزل، من الكتاب البلغاء. غلب؟ ؟ ؟ الرياض ومناظر الطبيعة لم يتكسب بشعره. وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وله مؤلفات؟ ؟ ؟ طبوع وفيات الاعيان 1/ 39 وبغية الملتمس 212 وبغية الوعاة 1/ 422 والمغرب في حلى؟ ؟ ؟ 3 وقلائد العقيان 241 والاعلام 1/ 51 وفيه مصادر اخرى ومعجم المطبوعات العربية ص
سرت من هضاب الشام وهي مريضة
…
فما ظهرت إلا وقد كاد أن يخفى
عليلة أنفاس يداوى بها الجوى
…
وضعفا ولكنا رجونا بها ضعفا
وهاتفة في البان تملي غرامها
…
علينا وتتلو من صبابتها صحفا
عجبت لها تشكو الفراق جهالة
…
وقد جاورت من كل ناحية ألفا
ويشجو قلوب العاشقين حنينها
…
وما فهموا مما تغنت به حرفا
ولو صدقت فيما تقول من الأسى
…
لما لبست طوقاً ولا خضبت كفا
أجارتنا أذكرت من كان ناسيا
…
وأضرمت ناراً للصبابة لا تطفا
ومهزوزة للبان فيها شمائل
…
جعلن لها في كل قافية وصفا
لبثنا عليها بالثنية ليلة
…
من الشوق لم يطو الصباح لها سجفا
لعمري لئن طالت علينا فإننا
…
بحكم الثريا قد قطعنا لها كفا
رمينا بها في الغرب وهي ذميمة
…
ولم تبق للجوزاء عقدا ولا شنفا
كأن الدجى لما تولت نجومه
…
بمدبر حرب قد هزمنا له صفا (1)
كأن عليه للمجرة روضة
…
مفتحة الأنوار أو نثرة زغفا (2)
كأنا وقد ألقى إلينا هلاله
…
سلبناه جاماً أو فصمنا له وقفا (3)
كأن السها إنسان عين غريقة
…
من الدمع يبدو كلما ذرفت ذرفا
كأن سهيلا فارس عاين الوغى
…
ففر فلم يشهد طراداً ولا زحفا (4)
كأن سنا المريخ شعلة قابس
…
تخطفها عجلان يقذفها قذفا
(1) في الاصول: الدجا
(2)
النثرة: الدرع والزغف بالفتح الدرع الواسعة
(3)
الوقف سوار من عاج
(4)
في ب: عاين الوغا وفي الاصول فرارا ولا زحفا
كأن نصير الملك سل حسامه
…
على الليل فانصاعت كواكبه كسفا
ولحازم صاحب المقصورة (1) طائية حذا فيها هذا الحذو، وهي بديعة ومطلعها:
أمن بارق أورى بجنح الدجى سقطا
…
تذكرت من حل الأبارق والسقطا
يقول فيها بعد أبيات:
وكم ليلة قاسيتها نابغية
…
إلى أن بدت شيباً ذوائبها شمطا
وبت أظن الشهب مثلي لها هوى
…
وأغبطها في طول الفتها غبطا
على أنها مثلي عزيزة مطلب
…
ومن ذا الذي ما شاء من دهره يعطى
كأن الثريا كاعب أزمعت نوى
…
وأمت بأقصى الغرب منزلة شحطا
كأن نجوم الهقعة الزهر هودج
…
لها عن ذوي الحرف المناخة قد حطا
كأن رشاء الدلو رشوة خاطب
…
لها جعل الاشراط في مهرها شرطا
(1) هو ابو الحسن حازم بن محمد بن الحسن ابن حازم القرطاجني الانصاري. ولد سنة ثمان وستمائة وتوفي بتونس سنة اربع وثمانين وستمائة. قيل انه كان واحد عصره في النظم والنثر والنحو واللغة والعروض والبيان نفح الطيب 3/ 341 وازهار الرياض 3/ 172 وبغية الوعاة 1/ 491 وشذرات الذهب 5/ 387 ومغني اللبيب 1/ 89 وهدية العارفين 1/ 260 وكشف الظنون: 1347 و 1870 والاعلام 2: 163
كأن السها قد دق من فرط شوقه
…
إليها كما قد دقق الكاتب النقطا
كأن سهيلا إذ تناءت وأنجدت
…
غدا يائسا منها لها هَمّ وانحطا
كأن خفوق النجم قلب متيم
…
تعدى عليه الدهر في البين واشتطا
كأن كلا النسرين قد ريع إذ رأى
…
هلال الدجى يهوى له مخلبا سلطا
كأن الذي ضم القوادم منهما
…
هوى واقعا للأرض أو قص أو قطا
كأن أخاه رام توقا أمامه
…
فلم يعد أن مد الجناحين وامتطا
ومثلها في الحسن قول علي بن محمد الكوفي (1):
نجوم أراعي طول ليلي بروقها
…
وهن لبعد السير ذات لغوب
خوافق في جنح الظلام كأنها
…
فؤاد معناه بطول وجيب
يرى حوتها في الشرق ذات سباحة
…
وعقربها في الغرب ذات دبيب
إذا ما هوى الإكليل منا حسبته
…
تهدل غصن في الرياض رطيب
كأن التي حول المجرة أوردت
…
لتكرع في ماء هناك صبيب
(1) هو ابو الحسين علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب المعروف بالعلوي الكوفي. كان من العلماء الاعلام خطيبا، شاعرا توفي في السنة الاولى بعد الثلاثمائة وقيل غير ذلك. له ديوان شعر.
مروج الذهب 4/ 150 وهدية العارفين 1/ 673، الكامل لابن الاثير 5/ 373 ومعجم البلدان 4/ 321 واعيان الشيعة 42/ 50 والموشح: 529، 544
كأن رسول الصبح يخلط في الدجى
…
شجاعة مقدام بجبن هيوب
؟ ؟ ؟ خضرار الفجر صرح ممرد
…
وفيها لآل لم تشن بثقوب
؟ ؟ ؟ واد الليل في ضوء صبحه
…
سواد شباب في بياض مشيب
؟ ؟ ؟ ير الشمس يحكي ببشره
…
علي بن داود أخي ونسيبي
؟ ؟ ؟ قائي عينه قلت سيدي
…
ولكن يراها من أجل ذنوبي
؟ ؟ ؟ إخاء وهو غير مناسب
…
قريب صفاء وهو غير قريب
؟ ؟ ؟ تتمة قصيدة صاحب الترجمة:
؟ ؟ ؟ الوزير يعطي جميلا
…
قلت جاء الربيع يقتل محلا
؟ ؟ ؟ البائس الموسل مثلي
…
من نداه فيملأ القسط عدلا
؟ ؟ ؟ موصل الحديباء مثلي
…
وصله والعراق تزعم وصلا
؟ ؟ ؟ ري مناصب الروم حنت
…
مثلما حنت الحديباء أم لا
؟ ؟ ؟ الأعجام تطلب عقداً
…
ما به قيل جيد قرص تحلى (1)
؟ ؟ ؟ قوى عزما وأقوم حكما
…
أنت أزكى طبعا وقولا وفعلا
؟ ؟ ؟ فلد الوزارة شهم
…
لا يحاكيك كان في الناس كلا (2)
؟ ؟ ؟ اولت أكف أناس
…
في المعالي رأيت كفك أعلى (3)
؟ ؟ ؟ اوجها ولفظا ومعنى
…
وسديدا رأيا وفعلا وقولا
؟ ؟ ؟ الأمر في الأنام عيون
…
باصرات ترى الحقائق تجلى (4)
؟ ؟ ؟ في الوجود للطفاً
…
حيث أمر الإسلام مثلك ولى (5)
(1)؟ ؟ ؟ صول: تحلا
(2)
؟ ؟ ؟ صول لم يحاكيك
(3)
؟ ؟ ؟ صول: اعلا
(4)
؟ ؟ ؟ : تجلا
(5)
؟ ؟ ؟ : ولا
هكذا هكذا فعال حكيم
…
يرتجى خيره فيوجد أهلا
ولكم حزت غاية وأيادي
…
سوف يكفيكها المهيمن جلا
رب يوم منعت حوزة دين ال
…
له إذ كاد ركنه أن يفلا
وحميت الألوف يوماً عبوساً
…
ذكره يوم منشر الصحف يملى (1)
فجزاك الإله خير جزاء
…
عم إنعامه فروعا وأصلا
وله في المشار إليه مبنية على حكاية:
ظفرت براحتي فبرى فؤادي
…
كصلح العامري على فساد
وأعقبني التنقل عن مكاني
…
سروراً كل يوم في ازدياد
ألا يا نسمة الأسحار كوني
…
حجابي من شماتات الأعادي
ويا شعبان روحني لتمحو
…
به ذنبي ربيع مع جماد
ليالي خان فيها الخون حتى
…
أنامتي على شوك القتاد
أقول لصاحبي والليل داج
…
ومن عظمت بليته ينادي
سل البرق اليماني عن فؤادي
…
وعن خفقاته والليل هادي
ليالي لا أرى فيها خليلا
…
يساعدني على حفظ الوداد
ولا كهفا يؤمل غير خل
…
به يروي جوادي عن جواد
أصبت بحط رحلي عند يحيى
…
يذكرني كمال أبي مراد
وزير سله الرحمن سيفا
…
وأرسله إلى حفظ البلاد
أقام عمود دين الله حتى
…
غدا متضعضعاً باب العمادي (2)
أحال نهاره الدخان ليلا
…
وأعقبه سواداً في سواد
نصرت به المهيمن أي نصر
…
وقمت بحمله واري الزناد
(1) في الاصول: يحلا
(2)
في ب: العماد
وله صدر رسالة:
مني السلام احملي يا نسمة السحر
…
وما ألاقيه من وجدي ومن سهري
ثم انزلي حلب الشهباء وارتحلي
…
نحو المدينة مأوى سيد البشر
وبلغي لي خليلا كنت آلفه
…
وكان عندي محل السمع والبصر
لله كم من لويلات لنا سلفت
…
كأنها شامة في وجنة القمر
حيث الزمان لنا عون يساعدنا
…
وقلبنا آمن من سائر الحذر (1)
والشمل مجتمع والضد مندفع
…
والصدر متسع، صاف من الكدر
والدار دانية، والناس ساهية
…
والنفس لاهية، عن كثرة الفكر
والصحب قد جمعت، والورق قد سجعت
…
في روضة أينعت، من رايق الزهر
والورد حيث بدا فيه سقيط ندى
…
والاقحوان غدا في الروض كالدرر (2)
(1) في الاصل: لنا عونا
(2)
في الاصول سقيط ندا
تلك الربى فتحت، غدرانها طفحت
…
أطيارها صدحت، في ذروة الشجر (1)
مرت بنا فحسبت الدهر طوع يدي
…
حينا ولم أقض من لذاتها وطري
مضت وأذكرني تذكارها فصبا
…
فالجسم في نصب والعيش في كدر
فالآن أنسي مرفوع ومنخفض
…
قدري ومنتصب ما بي من الضرر
ماض من الهم فيه القلب منجزم
…
ومبتدا الحزن يغني الناس عن خبري
لما نأى فاراني الشمس كاسفة
…
لا بدع أن كسفتها غرة القمر
ويلاه من بعد إلف كان عضد يدي
…
فزاحمتني عليه محنة السفر
أخلاقه قد حكت ريح الصبا وذكت
…
حتى لقد ازدرت بالمندل العطر
وفي عهد حفي لا تغيره
…
عن الوفاء شفار البيض والسمر
زاكي السجية لو تبدو معارفه
…
للخلق طراً لأغنتهم عن الزبر
(1) في الاصول: تلك الربا
فيا لحا الله من راموا مضرته
…
فلم تعنهم عليه سطوة القدر
كم من شباك مكيدات لقد نصبوا
…
له فما رجعوا إذ ذاك بالظفر (1)
لأنه درة حاشا بها دنس
…
من دونه وقفوا طرا ذو والغير (2)
يا أوحد العصر آدابا ومعرفة
…
ومن غدا شاغلا من ذكره فكري
هذا اعتذاري عن شخص أضربه
…
طويل بعدك فاقبل عذر معتذر
وله صدر رسالة:
يا نسمة الحي عني بلغي كتبا
…
من اشتياقي لأقضي بعض ما وجبا
…
استمطر الجفن بل استوقف النجبا
نعم سوابق دمعي بعد فرقتهم
…
كالتبر منسبكا والخد منسكبا
لفتية فتنة كانت محاسنه
…
إن جولسوا أدبا أو سوجلوا خطبا (3)
(1) في الاصل: في الظفر.
(2)
في ب ذوى الغير.
(3)
في ب محاسنها
من كل ذي فتنة فاقت فصاحته
…
من أين جانس هذا الشادن العربا (1)
لو أبصر الأهيف الممتاز قامته
…
ما ماس منعطفا في قرطن وقبا (2)
فقل لمن يبتغي يحكي فصاحتهم
…
لقد حكيت ففات اللفظ والشنبا
أصل هذا الشطر الأخير من قول شهاب الدين المصري المعروف بابن الخيمي (3) من قصيدة مطلعها:
يا طالبا ليس لي في غيره إرب
…
إليك آل التقضي وانتهى الطلب
وما طمحت لمرئي ومستمع
…
إلا لمعنى إلى معناك ينتسب
ولم يزل إلى أن قال منها:
هبت لنا نسمات من ديارهم
…
لم يبق في الركب من لاهزه الطرب
(1) في الاصول الشاذن. وصوابه الشادن وهو الظبي اذا قوي واستغنى عن امه
(2)
القرطق كجندب معرب كرته نوع من اللباس. والقباء نوع من الثياب.
(3)
ترجم له ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة 7/ 369 فقال هو الشيخ شهاب الدين ابو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن محمد الانصاري، الصوفي الفقيه، الشافعي. الشاعر المشهور المعروف بابن الخيمي كان امام عصره في الادب، ونظم الشعر مع مشاركة في كثير من العلوم، ومولده سنة اثنتين وستمائة. وتوفي سنة خمس وثمانين وستمائة بمشهد الحسين بالقاهرة في شهر رجب. وقد اوضحنا امره مع نجم الدين ابن اسرائيل لما تداعيا القصيدة التي اولها:
يا مطلبا ليس لي في غيره ارب
…
اليك آل التقضي وانتهى الطلب
في تاريخنا «المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي» وذكرنا امرهما لما امرهما ابن الفارض بنظم قصيدتين في الروي والقافية وذكرنا القصيدتين بحالهما. ثم حكم ابن الفارض لشهاب الدين هذا. والقصيدة التي نظمها شهاب الدين ابن الخيمي هذا لما امره ابن الفارض بالنظم اولها.
لله قوم بجرعاء الحمى غيب
…
جنوا علي ولما ان جنوا عتبوا
والتي نظمها ابن اسرائيل:
لم يقض من حبكم بعض الذي يجب
…
قلب متى ما جرى تذكاركم يجب
كذا يطير سرورا من تذكرهم
…
حتى لقد رقصت من تحتها النجب
يا بارقاً بأعالي الرقمتين بدا
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
فاتفق أن نجم الدين بن اسرائيل الحريري (1) حج، وهو شاب، فلقي هذه القصيدة ملقاة في الطريق ولم يعلم ناظمها فادعاها لنفسه.
ثم دخل ابن إسرائيل الديار المصرية واجتمع بابن الخيمي مع جماعة من الأدباء، فانشد هذه القصيدة مدعيا. فقال: ابن الخيمي هي نظمي. فأصر ابن إسرائيل بأنها نظمه. ثم اتفقا على ان يحكم بينهما الشيخ عمر بن الفارض (2)، وهو إذ ذاك رئيس الأدباء بمصر، فقال لهما ينبغي أن ينظم كل واحد منكما أبياتا على هذا الوزن والروي ليستدل بها على ناظم هذه القصيدة.
فنظم ابن الخيمي أبياتاً مطلعها:
لله قوم بجرعاء الحمى غيب
…
جنوا على ولما أن جنوا عتبوا
يا قوم هم أخذوا قلبي فلم سخطوا
…
وأنهم غصبوا عيش فلم غضبوا
(1) هو ابو المعالي نجم الدين محمد بن سوار بن اسرائيل بن الخضر بن اسرائيل الشيباني الدمشقي المولد والدار والوفاة. كان اديبا فاضلا قادرا على النظم صوفيا. توفي سنة سبع وسبعين وستمائة. النجوم الزاهرة 7/ 282
(2)
مرت ترجمته في حاشية ص 76
هم العريب بنجم مذ عرفتهم
…
لم يبق لي معهم مال ولا نسب
إلى آخرها.
ثم نظم ابن إسرائيل قصيدة على هذا الوزن ومطلعها:
لم يقض في حبكم بعض الذي يجب
…
قلب متى ما جرى تذكاركم يجب
ولي وفي لرسم الدار بعدكم
…
دمع متى جاد ضنت بالحيا السحب
إلى أن قال منها:
يا بارقاً ببراح الحزن لاح لنا
…
أأنت أم أسبلت أقمارها الثقب
ويا نسيماً سرى والعطر يصحبه
…
أجزت حين مشين الخرد العرب
أقسمت بالمقسمات الزهر يحجبها
…
سمر العوالي والهندية القضب
لكدت تشبه برقاً من ثغورهم
…
يادر دمعي لولا الظلم والشنب
ثم عرضت القصيدتان (1) على ابن الفارض، فأنشد مخاطبا ابن إسرائيل عجز بيت ابن الخيمي السابق: لقد حكيت ولكن فاتك الشنب. وحكم لابن الخيمي. وقال بعض الحاضرين: من يتكلم مثل هذا الكلام ما الحاصل له ان يدعي ما ليس له. فقال ابن الخيمي: هذه سرقة حاجة. وانفض المجلس.
وقال الصفدي في هذه الطريفة قصيدة جيدة، يقول فيها:
إذا ثنى سلب الألباب عطفه
…
البادي التأود لا الخطية السلب
ولو بدا فبدور الأفق في خجل
…
ترخي على وجهها من سحبها نقب
(1) في الاصول: القصيدتين.
يا برق لا تبتسم من ثغره عجبا
…
قد فات معناك منه الظلم والشنب
وضمنه بعضهم فقال:
ويا غزالا حكى معنى جمالهم
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وألم به أبو الثناء محمود (1) فقال:
يا بارق الثغر لو لاحت ثغورهم
…
وشمت بارقها ما فاتك الشنب
ويا قضيب النقا لو لم تجد خبراً
…
عند الصبا منهم ما هزك الطرب
وضمنه ابن تميم (2) فقال:
إن تاه ثغر الأقاحي في تشبهه
…
بثغر حبك واستولى به الطرب
فقل له عند ما يحكيه مبتسما
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وضمنه المسعودي (3) فقال:
وروض أنسي به اللذات تنتهب
…
أزهاره الدر والياقوت والذهب
غنى الهزار على أغصانه طربا
…
حتى تراقصت الأفنان والقضب
وفاح للورد نشر من كمائمه
…
والنهر كالصل في الادواح ينسحب
وقام مبتسماً ثغر الأقاح به
…
يحكي ابتسام مليح هزه الطرب
فقلت والطرف من مرآه مبتهج
…
وله أيضا:
وكأس در بشمس الراح يلتهب
…
جلاه بدر به الأرواح تنتهب
(1) مرت ترجمته في حاشيه ص 217
(2)
مرت ترجمته في حاشية ص 126
(3)
هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مسعود تاج الدين الخراساني المروروذي البندهي. فقيه شافعي، اديب وشاعر. نسبه الى جده مسعود. كانت اقامته على الاكثر بدمشق وبها توفي سنة اربع وثمانين وخمسمائة وكان معلم الملك الافضل ابن السلطان صلاح الدين. له شرح المقامات للحريري وهو غير المسعودي المؤرخ. وفيات الاعيان 1/ 520 وارشاد الاديب 7/ 20 والاعلام 7: 20 والنجوم الزاهرة.
فقل لمن رام يحكي خمر ريقته
…
وضمنه الشيخ عبد الغني (1) فقال:
رام العذار بان يحكى بأكؤسه
…
دور الغلابين لما مدت الغضب
فهب نفح دخان التبغ ينشده
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وضمنه الأديب حسن الحلبي (2) وأبدع فيه:
حكى دخانا سما من فوق وجنة من
…
قد مص غليونه إذ مسه الطرب
غيم على بدر تم قد تقطع من
…
أيدي النسيم فولى وهو ينسحب
فقلت والنار في قلبي لها لهب
…
وضمنه أحمد الاسدي (3) فقال:
دع المدامة يعلو فوقها الحبب
…
رضابه وثناياه لنا إرب
نزه فؤادك عن راح الكؤوس وخذ
…
راحاً من الثغر عنها يعجز العنب
(1) هو الشيخ عبد الغني النابلسي انظر حاشية ص 222
(2)
كذا في الاصول حسن الحلبي: لم نعثر له على ترجمة غير انه جاء في ص 196 وقد ضمنه ايضا حسن حلبي بن مصلى حيث قال.
(3)
الشيخ احمد بن محمد الاسدي الشافعي المكي من فضلاء الزمان وظرفائه. ولد بمكة ونشأ بها وتعلم فيها. وتصدر للاقراء في المسجد الحرام. وكان كثير العبادة محبا للعزلة ونظم شذور الذهب لابن هشام في ارجوزة سماها «قلائد النحور بنظم الشذور.» كانت ولادته سنة خمس وثلاثين والف وتوفي في سنة ست وستين والف بمكة. والأسدي نسبة الى اسد بن عامر احد الفقهاء العامريين. والاسديون كثيرون باليمن مشهورون بالعلم والصلاح. خلاصة الاثر 1/ 325 ونفحة الريحانة 4: 207 - 210
لله در مدام بت ارشفها
…
من في غزال إلى الأتراك ينتسب
مهند اللحظ زنجي السوالف لم
…
تحو الذي قد حواه العجم والعرب
قالت مباسمه للبرق حين سرى
…
«لقد حكيت ولكن فاتك الشنب» (1)
وقمت أشدو على الغصن الرطيب لذا
…
بيني وبينك يا ورق الحمى نسب (2)
يقول لما رأى دمعي جرى ذهبا
…
يا مطلبا ليس لي في غيره أرب
تبت يدا عاذلي عمن أعوذه
…
بالناس ما نافث أو غاسق يقب
إن المحرم سلواني لطاعته
…
فقل لشعبان عني إنني رجب
وهذا الشاعر عارض قصيدة القيراطي (3) التي بهذه الجادة وهي:
رضابه وثناياه لنا أرب
…
يا حبذا الراح أو يا حبذا الحبب
لا تذكر الخمر يوماً عند ريقته
…
فما استوى في المثال الآثم والقرب
يا مسكري برضاب بالمذاق حلا
…
هذا هو الخمر أم هذا هو الضرب
يا حبذا حب ذاك الثغر مبتسما
…
فرط المحبة في منظومه يجب (4)
(1) في ب: حين سرا
(2)
في الاصول: درة الحما
(3)
انظر ترجمته في حاشية ص 213
(4)
في الاصل: فرط المحب وفي
يا ليت شعري أنثر الدمع يعطفه
…
أم ليس يثنيه لا نظم ولا خطب (1)
حدث عن البحر من دمعي ولا حرح
…
وقل عن النار من قلبي ولا عجب
من برد ريقك أشكو حر نار جوى
…
وجنتي نار خد منك تلتهب
مذ زورت لينه هيف الغصون رأى
…
قاضي الهوى حدها أن تقطع العذب
لي من بني الترك من تركي له سنة
…
قاني الخدود غدا للقان ينتسب (2)
لقوسه منه جذب نحو حاجبه
…
والشبه للشيء فيما قيل ينجذب
إن هز وصف سواه طامعا طربا
…
فوصف حبي فيه يطرب الطرب
وإن روى الناس عن أهل الهوى عجبا
…
فمن أحاديث عشقي يعجب العجب
من لي بدينار خد قمت أنشده
…
يا مطلبا ليس لي في غيره أرب
ويا معيد ربوع الصبر دراسة
…
إليك آل التقضي وانتهى الطلب
(1) في الاصل: ام ليس يشنبه وفي ب ام ليس يشينيه
(2)
في ب: غدى للقان. والقان ملك الترك وقد اصبحت اللفظة «خان» ايضا
اشتاق وصف جبين منه يسفر لي
…
كأنني لهلال العيد أرتقب
غصن إليه فؤادي طار ثم شدا
…
بيني وبينك يا ورق الحمى نسب
وضمنت الشطر المذكور في أثناء التحرير:
رام الربيع بان يحكي العذار سنا
…
وقد بدا زهره والروض ملتهب
فقلت والورد قد حاكي لو جنته
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ولصاحب الترجمة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
رجعي فوق بانة يا حمامه
…
واسعفي مغرما تمنى حمامه
ساعديني على الهوى لست مثلي
…
ذات حزن وعبرة مستهامه
لا ولا شاقك منازل قوم
…
خيموا باللوى وأطلال رامه (1)
هم عريب كم فيهم من كريم
…
جعل القلب حين حل مقامه
لم يمروا بفكرة الصب إلا
…
حركوا الوجد واستثاروا غرامه
يا عذولي حدث فديتك عنهم
…
واسقني ذكرهم بكأس المدامه
غنني باسمهم ودعني ممن
…
باع بالجهل والهوى أيامه
خل عني فلست أول من أس
…
كره الحب حين ذاق مدامه
ويك دعني من ذكر سلمى وليلى
…
وسعاد وزينب وأمامه (2)
(1) في الاصل لا ولا شافكم، وفي ب: لا ولا شافكي
(2)
في ب من ذكر سلما
أنا أهوى عرب الحمى لست ممن
…
إن رأوا شادنا أحبوا قوامه (1)
معدن الجود والتقى قوم من قد
…
ظللته من الهجير غمامه
سيد المرسلين خير البرايا
…
شافع المذنبين يوم القيامه
من أتانا والشرك كالليل داج
…
فمحى بالسيوف عنا ظلامه
خمدت نار فارس عند ما حل
…
ل ألم يكفهم بذاك علامه
وضعته كالشمس وقت ضحاها
…
بين كتفيه للنبوة شامه
فأنار الوجود نور محيا
…
هـ وداوى من الضلال سقامه
لم يزل خافضاً لكل عنيد
…
ناصب الدين رافعا أعلامه
ساحبا ذيل بردة الجود والأف
…
ضال مولى كل الورى إنعامه
ما أتاه يوم الملمة راج
…
لنداه الا ونال مرامه
يا شفيعا للمذنبين ويا من
…
زاده الله رفعة وكرامه
كن شفيعي يوماً إلى الله إذ ما
…
خافت الناس هوله وازدحامه
غرني لطفه الخفي فاكثر
…
ت الخطايا وقد خشيت انتقامه
سيدي عبدك الذي بين سيف ال
…
جهل والنفس هل له من ملامه
يرتجي بركم ومن شرف المو
…
لى وإن جل أن يبر غلامه (2)
إن في الناس حاجة يجنح ال
…
قلب اليها وأنت تدري مرامه
سائلا منك دون كل البرايا
…
مطنبا فيك مدحه ونظامه
إن يكن ماطر السحاب لدينا
…
فغرور بأن يزيد جهامه
وجزاك الإله رب البرايا
…
كل يوم صلاته وسلامه
وكذا الآل والصحابة جمعا
…
ما شدا مدنف وأبدى غرامه
(1) في الاصول: شاذنا
(2)
في الاصل: وين جل
ومن مقاطيعه قوله:
يروي إذا رام المقبل صدغه
…
رأي الفقيه وحلة لم ينقل
عجبي له يرضى برأي واحد
…
سنداً ويأبى رأي أهل الموصل
واصل هذا قول ابن منقذ (1):
كتب العذار على صحيفة خده
…
سطراً يحير ناظر المتأمل
بالغت في استخراجه فوجدته
…
لا رأي إلا رأي أهل الموصل
وأكد هذا عز الدين الموصلي (2) بقوله:
ومائس القامة نادمته
…
فيما عهدناه من الأول
فقال ما تنظر خدي وقد
…
ولي بنبت العارض المقبل
فقلت روض قد زها نبته
…
وأنت تدري أنني موصلي
ولصاحب الترجمة:
أهدت لخدك أوقات الحيا تحفا
…
من الورد لها في مضجعي حسك
هلا بعثت وروداً عند مورده
…
إن الهدية فيما قيل تشترك
(1) هو مؤيد الملك ابو المظفر اسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني أمير من اكابر بني منقذ ملوك شيزر قرب حماة. ومن العلماء الشجعان. ولد في شيزر سنة ثمان وثمانين واربعمائة. وسكن دمشق وانتقل الى مصر. وقاد عدة حملات على الصلبيين. توفي في دمشق سنة اربع وثمانين وخمسمائة له تصانيف في الادب والتأريخ منها «لباب الآداب- ط» و «البديع» في البديع و «المنازل والديار» و «النوم والاحلام» «والقلاع والحصون» و «اخبار النساء» و «العصا» طبع منه منتخبات.
و«الاعتبار» ط وديوان شعر ترجمته في وفيات الاعيان 1/ 175 ومعجم الادباء 5/ 188، وابن عساكر 2/ 400 والبداية والنهاية 12/ 331 والنجوم الزاهرة 6/ 107 والخريدة- قسم الشام 1/ 498 1/ 282 وفيه مصادر اخرى. ومعجم المطبوعات العربية 256
(2)
ترجمته في حاشية ص 88
وله تورية في انتسابه ونسبته:
وذي حور حكاه الظبي لحظا
…
يسارقني فيسرقني منامي
غلام زادني ولها وحزنا
…
فأعذر إن بكيت على الغلامي
وله:
سبحت مع شادن فنادى
…
واللثم في ورده يفتح (1)
اذكر إلهي لوثت خدي
…
فقلت إني له مسبح
وله:
أهدى لنا تحفة من در مبسمه
…
در له صفد المرجان كالصدف
كمل هديتك الحسناء واهد لنا
…
ظرف الهدية معدود من الظرف
وله:
ولما زففناها على الريق قهوة
…
بذلت وقاري شرط مهر معجل
فخاطبني تفاح نقل خدوده
…
المصرع الأخير لأبي عبد الله محمد بن أبي الفضل الرستمي السلمي (2) من أبيات هي:
تنقل فلذات الهوى بالتنقل
…
ورد كل صاف لا تقف عند منهل
وإن سار من تهوى فسر عن رجائه
…
ولا تسكبن دمعاً على منزل خلي
(1) في الاصول: شاذن
(2)
هو ابو سعيد محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن رستم. من ابناء اصفهان، اتصل بالصاحب بن عباد، وله فيه مدائح كثيرة وشعره جيد وترجم له الثعالبي في اليتيمة وذكر طائفة من شعره.
ولا تعتبر قول امرئ القيس إنه
…
ضليل ومن ذا يقتدي بالمضلل
ففي الأرض أحباب وفيها منازل
…
فلا تبك من ذكرى حبيب ومنزل (1)
وضمنه القاضي محي الدين بن عبد الظاهر (2):
لقد قال لي إذ رحت من خمر ريقه
…
أحث كئوسا من ألذ مقبل
بلثم شفاهي بعد تقبيل مبسمي
…
وقلت في أثناء التحرير:
شغفت بشهدي اللمى وهو أمرد
…
إلى أن بدا آس العذار المسلسل
فنادى سناء الوجه وهو مهرول
…
تنقل فلذات الهوى بالتنقل
ولصاحب الترجمة:
بدا من صبح ذاك الوجه آي
…
فحاول محوها ليل العذار
فيا من عد ليل الصدغ عيبا
…
أآمنتم به وجه النهار
وله أيضا:
لي صاحب إن شربنا صار ذا بله
…
وآخر يتجرا مثل ذي لبد
تبدو كواكب أفراحي فتنعشني
…
لما أرى الشمس بين الثور والأسد
(1) في الاصول: فلا تبكي
(2)
مرت ترجمته في حاشية ص 43
وله في الجناس الملفق:
كم من سهام رماني فوق حاجبه
…
من قاب قوسين ألقى السهم وقت رنا
ما للمشوق خلاص يرتجيه وقد
…
تقوسا لهلاك الصب واقترنا
وما الطف قول القاضي أبو يعلى عبد الباقي (1) في هذا النوع، وقد ولى قضاء المعرة (2) وهو ابن خمس وعشرين سنة (3)، وأقام في الحكم خمس سنين:
وليت الحكم خمسا وهي خمس
…
لعمري والصبا في العنفوان
فلم تضع الأعادي قدر شاني
…
ولا قالوا فلان قد رشاني
وقول شرف الدين بن عنين (4):
خبروها بأنه ما تصدى
…
لسلو عنها ولو مات صدا
واسألوها في زورة من خيال
…
إن تكن لم تجد من الهجر بدا
ومن اللطائف قول القاضي الفخري في التورية التي سموها جناسا ملفقاً:
إن الهوائين يا معشوق قد عبثا
…
بالروح والجسم في سر وفي علن
(1) في الاصول ابن علي بن عبد الباقي وصوابه ما اثبتناه. وهو ابو يعلى عبد الباقي بن ابي حصين التنوخي كان شاعرا متفننا قرأ على ابي العلاء المعري المتوفي سنة 449. انظر الخريدة، قسم الشام 2/ 57
(2)
في الاصل المعري.
(3)
في انوار الربيع (1/ 129) وهو ابن عشرين وهو الصواب
(4)
شريف الدين ابو المحاسن محمد بن نصر المشهور بابن عنين الانصاري الدمشقي المتوفى سنة 630 هـ له ديوان شعر مطبوع.
فالروح تفديك بالممدود قد تلفت
…
والجسم حوشيت بالمقصور في كفني
فيك فني وللبدر الدماميني (1) في هذا النوع:
تدري لماذا أتاك قلبي
…
في عسكر الوجد وهو ذائب
أذنب ثم اختشى فوافى
…
من ذلك الذنب في كتائب
فيك تائب وللقاضي مجد الدين بن مكانس (2) فيه:
كمال إنصاتك يا منيتي
…
في حبه أصبحت مثل الخلال
ونلت من سكر الهوى نشوة
…
فارحم معنى مغرما فيك مال
في كمال ولابن حجة (3) فيه:
رأت حياة شبابي قد قضت أجلا
…
والسقم قد زاد لما قل مصطبري
قالت سرقت نحول الخصر قلت لها
…
ما يحمل الشيخ هذا وهو في كبر
فيك بري وفيه لبدر الدين الدماميني:
روحي الفداء لظبي قد دنا ورنا
…
الحاظه فنفت عن جفني الوسنا
(1) هو بدر الدين محمد بن ابي بكر بن عمر المخزومى الدماميني، عالم مصري اديب، توفي سنة سبع وعشرين وثمانمائة، ولد بالاسكندرية واستوطن القاهرة، ولازم ابن خلدون وتصدر لاقراء العربية بالازهر ثم تحول الى دمشق وعاد الى مصر وتولى فيها قضاء الشافعية ثم ترك القضاء ورحل الى اليمن فدرس بجامع زبيد نحو سنة وانتقل الى الهند فمات بها في مدينة «كليرجا» . له كتب كثيرة وله شعر.
ترجمته في الضوء اللامع 7/ 184 وبغية الوعاة 1/ 66 وشذرات الذهب 7/ 181 وحسن المحاضرة 1/ 258 ومعجم المطبوعات 897، والاعلام 6/ 282 وفيه مصادر اخرى.
(2)
مرت ترجمته في حاشية ص 213
(3)
مرت ترجمته في حاشية ص 41
وحاجباه إلى الأحشاء قد بعثا
…
سهم المنون بذاك اللحظ واقترنا
وقت رنا ولابن حجة (1) مثله:
سألت من لحظه وحاجبه
…
كالقوس والسهم موعد حسنا
ففوق السهم من لواحظه
…
وانقوس الحاجبان واقترنا
وقت رنا ولصاحب الترجمة فيمن اسمه إبراهيم:
من قال بالظلم فإني امرؤ
…
لا أتخطى سبل أهل النهى (2)
والحمد لله على إنني
…
قبلة إبراهيم أرضى بها
وله صدر رسالة إلى صديق له:
أمال غصن الروض خفق الرياح
…
فاغنم لذيذ العيش قبل المراح
مع كل من لبى منادي التقى
…
لطاعة الله وداعي الصلاح
من كل شيخ ومريد له
…
كأنه البدر إذا البدر لاح
يسقيك من نغمته قرقفا
…
لا أثم طنبور ولا شرب راح
وألثغ من بين أقرانه
…
بلفظه أثخن قلبي جراح
لما رأى ميل فؤادي له
…
بات نديماً لي حتى الصباح
ومال عني جانبا قائلا
…
ثل ثلاة الثبج فالديك ثاح (3)
قلت اسقني بين رياض الربى
…
خمرة عينيك بكأس السماح
من قبل أن ترشف شمس الضحى
…
ريق الغوادي من ثغور الاقاح
قال خذ الفرصة واغنم فها
…
دونك ثغري فحماه مباح
(1) مرت ترجمته في حاشية ص 41
(2)
في الاصول النها.
(3)
يريد صل صلاة الصبح فالديك صاح
بالخبز بالملح بحقي وبالسلام
…
أقسمت به والصباح
لذلك العرس الذي صار لي
…
لا بد ان تحضر عقد النكاح
فقد غدا الكذاب في حكمه
…
بدولتي يقضي وتفتي سجاح
وله وقد أهداها إلي مع حسن الظن بي:
أدرها لنا كالشمس تشرق بالظهر
…
قد اعتصرتها كف علامة العصر
مداما بدا بالدر يضحك ثغرها
…
ولكنها كالليث تضحك عن جمر
كئوس بها جر السرور كأنها
…
وقد كسرت أحزاننا أحرف الجر
يطوف بها وردي خد تقابلت
…
له وجنة بالكأس فانصبغت خمري
فتى نرجسي اللحظ فاقت عيونه
…
«عيون المها بين الرصافة والجسر»
تداويت من سحر العيون بثغره
…
«كما يتداوى شارب الخمر بالخمر»
وقد ضمن هذا الشطر ابن نباتة (1) في قصيدة فقال:
وأغيد في فيه المدام ولحظه
…
وفّي؟ ؟ ؟ وفي أعطافه نشوة السكر
تداويت من ألحاظه برضابه
…
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
ذكر الحريري (2) في درة الغواص. أن حامد بن
(1) انظر حاشية ص 114
(2)
ابو القاسم الحريري صاحب المقامات المشهورة. وكتابه درة الغواص في اوهام الخواص مطبوع.
العباس (1) سأل علي بن عيسى (2) في ديوان الوزارة. ما دواء الخمار؟
وكان قد علق به، فاعرض عن كلامه، وقال: ما أنا وهذه المسالة.
فخجل حامد منه، والتفت إلى قاضي القضاة أبي عمر (3)، فسأله عن ذلك. فتنحنح ثم قال: قال الله تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على كل صنعة بصالح أهلها، والأعشى هو المشهور بهذه الصناعة في الجاهلية حيث قال:
وكأس شربت على لذة
…
وأخرى تداويت منها بها
ثم تلا قول أبي نؤاس في الإسلام:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
…
وداوني بالتي كانت هي الداء
فأسفر حينئذ وجه حامد، وقال لعلي بن عيسى: ما ضرك، يا بارد، أن تجيب ببعض ما أجاب به مولانا قاضي القضاة، وقد استظهر في جواب المسالة بقول الله تعالى أولا، ثم بقول النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا، وأدى المعنى، وتقضى عن العهد. فكان خجل ابن عيسى أكثر من خجل حامد.
(1) حامد بن العباس ابو محمد تولى الوزارة للمقتدر العباسي سنة ست وثلاثمائة وتوفي سنة احدى عشرة وثلاثمائة.
(2)
علي بن عيسى بن داود ابو الحسن البغدادي نشأ كاتبا كأبيه تولى الوزارة للمقتدر سنة ثلاثمائة ثم عزله عنها ثم اعاده الى الوزارة سنة اربع عشرة وثلاثمائة ثم عزله وتوفي سنة اربع وثلاثين وثلاثمائة.
(3)
في الاصول ابو عمرو وهو خطأ وصوابه ابو عمر وهو قاضى القضاة محمد بن يوسف بن يعقوب بن اسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم ابو عمر الازدي مولى جرير بن حازم. ولد بالبصرة سنة ثلاث واربعين ومائتين. وتولى قضاء مدينة المنصور سنة اربع وثمانين ومائتين ثم صرف عن القضاء سنة ست وتسعين ومائتين ثم عاد الى القضاء حين تولى علي بن عيسى الوزارة. ومات ابو عمر القاضي سنة عشرين وثلاثمائة تاريخ بغداد 3/ 401
ومن القصيدة المترجمة:
وحانة خمار سبقت لبابها
…
على غفلة الأصحاب من أول الفجر
باخوة صدق قد كتمت ودادهم
…
كما كتمت عن أهلها ليلة القدر
طرقنا عليه الباب بين ملثم
…
على وجه بدر التم أو كوكب دري
فقال من الطراق قلنا عصابة
…
من الموصل الحدباء يبغون ما تدري
فقام إلينا والغلام يجره
…
وقد رعشت رجلاه من أثر السكر
وفي يده مصباح راح تشعشعت
…
تنوب عن الإصباح أو غرة البدر
فقال لنا أهلا وللسر مكتم
…
فان عطايا التبر أعراضكم تبري
فبدلته بالكأس كيسي فأحدقوا
…
عليه الندامى كلهم يقتفي أثري (1)
فاقبل بالإبريق حتى رأيته
…
يخر بكأسي ساجداً سجدة الشكر
(1) في الاصول النداما
هذا يعني تبدل (1) الكأس بالكيس من قول عبد الرحمن المهدوي:
دعوني فإني قد خلعت عذارا
…
وصيرت سرى في المجون جهارا
أفرغ كيسي في الكؤوس واغتدى
…
أبيع على شرب العقار عقارا
ومنه قول شمس الدين النواجي (2):
ومذ قيل إني أديب أحب ال
…
طباق وأهوى بديع الجناس
شربت العقار وبعت العقار
…
وفرغت كيسي في ملء كاسي
ومنه قول بعض الأدباء:
يا من يحاول شرب الراح مغتنما
…
ولا يفك لما يلقاه قرطاسا
الكأس والكيس لم يقض اجتماعهما
…
ففرغ الكيس كيما تملأ الكاسا
ومنه قول ابن نباتة (3):
سقياً لدهر إذ أعصى المرام وإذ
…
أبغي الملام بتنكير وتغليس
وأبذل التبر في صفراء صافية
…
كأن في الكأس ما قد كان في كيسي
(1) في الاصل: تبدد.
(2)
هو شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي اديب، نقادة شاعر ولد في القاهرة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة وهو صاحب «حلية الكميت» (مطبوع) في الخمر والندماء وما يتعلق بهما وله كتب اخرى كثيرة. الضوء اللامع 7/ 229 وحوادث الدهور 2/ 365 وابن اياس 2/ 49 وبروكلمان التكملة 2/ 56 والاعلام 6/ 320 وفيه مصادر اخرى ومعجم المطبوعات العربية 1872
(3)
انظر حاشية ص. 114
ومنه قول ابن أبي الوفاء (1):
يسعى علي بكاسات قد استبقت
…
لمهجتي من فمي تسعى على الروس
وللكئوس ابتسام حال قهقهة
…
وللغمام بكاء حال تعبيس
قد استحال طلا تبرى المصون وقد
…
أذبت في الكأس ما جمدت في الكيس
قول صاحب الترجمة في ابياته، فاقبل بالإبريق، إلى آخره، أخذه من معنى قول القاضي فتح الدين:
وكلما رام لطفا من معاتبتي
…
سددت فاه بطيب اللثم والقبل
وبات بدر تمام الحسن مقتنعاً
…
والشمس في تلكم الكاسات لم تفل
وبت منها أرى النار التي سجدت
…
لها المجوس من الإبريق تسجد لي
وقول ابن مكنسة (2) في معناه:
(1) لعل الصواب ابي الوفاء. وهو ابو الوفاء بن عمر بن عبد الوهاب الشافعي العرضي. ولد سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة واشتغل بالتدريس، والتصنيف، والافتاء وكان مفتي الشافعية بجلب، واحد اعيان العلماء توفي سنة احدى وسبعين والف خلاصة الأثر 1/ 148 وريحانة الالبا 1/ 269.
(2)
هو ابو طاهر اسماعيل بن محمد المعروف بابن مكنسة، شاعر مصري. كان منقطعا الى عامل من النصارى يعرف بابن مليح. فلما انتقل الامر الى الافضل هجره. فكفله عز الدولة ابن فائق وقام بنفقته الى ان مات في حدود الخمسمائة وقيل سنة عشر وخمسمائة. خريدة القصر القسم المصري 2/ 203 وفوات الوفيات 1/ 36
إبريقنا عاكف على قدح
…
كأنه الأم ترضع الولدا
أو عابد من بنى المجوس إذا
…
توهم الكأس شعلة سجدا
وفي هذين البيتين أورد صاحب الحلبة (1) مناقشة أعرضنا عنها.
وتتمة القصيدة المترجمة:
وناولني كأساً إذا مسها الهوى
…
به انعقدت من ظاهر حبك الشذر
إذا ما انفرى عنها الحباب حسبتها
…
هباء به كادت تطير من القعر
وإن فنيت فيها الفواقع خلتها
…
هلالا ضئيلا لاح في أول الشهر
سماء عقيق بالثريا تطرزت
…
وروض شقيق خالطت نفحة الزهر
مذاقة هيل مع شميم سفرجل
…
وملمس ورد ملتقى باسم الثغر
فمذ سمع الندمان حسن صفاتها
…
لها لبسوا في مزجها خلعة التبر
ولما احتسيناها ودب دبيبها
…
تمشى فحصنّا له موضع السر
والسابق إلى هذا المعنى أبو نواس حيث قال:
ولما شربناها ودب دبيبها
…
إلى موضع الأسرار قلت لها قفي
مخافة أن يسطو على شعاعها
…
فتطلع ندماني على سري الخفي (2)
ومن تتمة القصيدة أيضا:
وأقبل فينا أغيد الحان ينثني
…
يقبلنا بالكف والجيد والنحر
فيغلب صبري ذلك الثغر برده
…
ولا بد للمغلوب من بارد العذر
(1) هو شمس الدين محمد بن حسن النواجي القاهري المتوفي سنة تسع وخمسين وثمانمائة. وكتابه «حلبة الكميت» في الادب والنوادر المتعلقة بالخمريات، رتبه على 25 بابا في اوصاف الخمر والنديم والساقي والمجلس وآدابه، والاغاني، والملاهي، والخلاعة، والازهار، والفواكه، والخاتمة في التوبة وذم الخمر طبع في بولاق سنة 1276 هـ.
(2)
والبيتان ليسا في ديوان ابي نواس وقد نسبهما ابن حجة في خزانته ص 284 وكذلك ابن معصوم في انوار الربيع 4/ 241 الى ابي نواس.
جرى اسوداً خط العذار بخده
…
فعوذته بالله من كل ما يجري
أعوذه في أول السطر قائلا
…
بدأت باسم الله في أول السطر
وقلت لصحبي عند خلع وقارهم
…
أقلوا علي اللوم أو فاقبلوا عذري
فإني لمن قوم يبان بعقلهم
…
وقد جربوا الأيام ما في غد يجري
إذا استودعوا الأسرار ماتت فوسعوا
…
لها بين جنبي صدرهم حفرة القبر
إذا جولسوا أو نوزلوا أو توادوا
…
فمنزلهم بالصدر والصدر والصدر
ومستنقص بالحال قلت له اتئد
…
فقد أغلت الأيام قدري على قدري
إذا ما الفتى ضاقت عليه أموره
…
أتاه صنيع الله من حيث لا يدري
فكم قد منحت النفس من لذة العلى
…
كما قد ملأت الكتب سطراً على سطر
بريحانة الآداب كم لي نفحة
…
يتيمتها فاقت على دمية القصر (1)
فقال فها عثمان فينا مؤمل
…
لدينا فهلا زرته يا بنة الفكر
(1) يشير الى كتاب نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة تأليف محمد بن امين بن فضل الله المحبي المتوفى سنة إحدى عشرة ومائة والف وتعتبر ذيلا لكتاب ريحانة الالبا وزهرة الحياة الدنيا لشهاب الدين احمد بن محمد الخفاجي المتوفى سنة تسع وستين والف. كما يشير الى يتيمة الدهر للثعالبي المتوفى سنة تسع وعشرين واربعمائة. والى دمية القصر وعصرة اهل العصر لابي الحسن علي بن الحسن الباخرزي المتوفى سنة سبع وستين واربعمائة.
غدا عنده سوق الفضائل نافقاً
…
فقلت استمع ما قال لي بعض ذا العصر
وكم رضت فكري مرة بعد مرة
…
فلم أر أن يلقاه نظمي ولا نثري
فإن لم يكن دراً فتلك نقيصة
…
وإن كان دراً كيف يهدى إلى البحر
فقلت له لي في عصام فرائد
…
إذا قوبلت بالدر فاقت على الدر
نعم لي في وصف الأديب بدائع
…
لها بفمي من ذكره شمة العطر
إذا ما قرأناها ضيوفاً وقصرت
…
فصاحة قاري مدها همة المقري
أقول لمن قد رام حصر خصاله
…
إلا فاستمع ما قيل بيتاً من الشعر
له همم لا منتهى لكبارها
…
وهمته الصغرى أجل من الدهر
إليك أبا نعمان خذها أديبة
…
معرضة أن لا تقصر في أمري
وله قصيدة في المديح أيضا ومطلعها:
سل الرسم عن ذات الخباء المعمد
…
وهل يخبر الركبان أطلال معهد
هى الدار دار المالكية فاسقها
…
من الدمع أمثال الجمان المبدد
سقى الله أهليها العهاد وإن هم
…
مدى الدهر لم يرعوا عهودي ومعهدي
وعذراء أمسى الغصن يحسد قدها
…
هضيم الحشا حسانة المتجرد
ممنعة تفتر عن صبح مبسم
…
شتيت كنظم اللؤلؤ المتسرد
نعمت بها والعيش إذ ذاك ريق
…
بدارة أنسى لا ببرقة ثهمد
ومن مديحها:
أبا حسن ليث الشرى ذلك الذي
…
متى يتوعد مقلة الدهر تسهد
هو السهم إلا أنه غير طائش
…
هو السيف إلا أنه غير مغمد
هو القطر إلا أنه غير ناضب
…
هو البحر إلا أنه غير مزبد
هو الغيث إلا أنه إن تأججت
…
لظى الحرب في يوم الوغى غير مرعد
ومن اللطائف في هذا الباب قول التنوخي (1) في الغزل:
غصن تأود فوق دعص من نقا
…
ليل تبلج عن جناح مسفر (2)
كالشمس إلا أنه متنفس
…
عن مسكة متبسم عن جوهر
(1) هو ابو القاسم علي بن محمد التنوخي الانطاكي المعروف بالقاضي التنوخي. من اعيان اهل العلم والادب ولد بانطاكية سنة ثمان وسبعين ومائتين. دخل بغداد وتفقه على مذهب ابي حنيفة. تقلد القضاء واعمالا اخرى في البصرة والاهواز وواسط والكوفة وسابو وأرجان وتوفي بالبصرة سنة اثنتين واربعين وثلاثمائة. وله مؤلفات. وديوان شعر ومقصورة عارض بها مقصورة ابن دريد.
وفيات الاعيان 3/ 48 ومعجم الادباء 14/ 162 ويتيمة الدهر 2/ 336 والفوائد البهية 137 ومرآة الجنان 2/ 335، والنجوم الزاهرة 3/ 310 وشذرات الذهب 2/ 362 والاعلام 5/ 142 ومعاهد التنصيص 2/ 12.
(2)
وفي انوار الربيع 4/ 98 ليل تبلج عن نهار مسفر ولعل الصواب عن صباح مسفر.
وقوله في هذا الباب أيضا:
وراح من الشمس مخلوقة
…
بدت لك في قدح من نضار
هواء ولكنه ساكن
…
وماء ولكنه غير جاري
ولابن جابر الأندلسي (1):
ولم تر عيني مثل جنة خدها
…
ولكن حماها اللحظ بالصارم العضب
موردة الخدين معسولة اللمى
…
سوى أنها تفتر عن لؤلؤ رطب
ومن العجائب في هذا الباب قول البديع الهمداني (2):
هو البدر إلا أنه البحر زاخر
…
سوى أنه الضرغام لكنه الوبل
وهذا البيت من قصيدة كلها درر، وأضواء وغرر، أبدع فيها غاية الإبداع وقد أحببت أن أنظم فرائدها في هذا السلك وقد مدح بها خلف بن أحمد السجستاني (3). واولها:
(1) هو ابو عبد الله شمس الدين محمد بن احمد بن علي بن جابر الاندلسي المالكي الضرير شاعر عالم بالعربية صحبه الى مصر احمد بن يوسف الغرناطي الرعيني فكان ابن جابر يؤلف وينظم والرعيني يكتب، واشتهرا بالاعمى والبصير. ثم دخلا الشام فاقاما بدمشق وتحولا الى حلب وتزوج ابن جابر فافترقا وتوفي ابن جابر سنة ثمانين وسبعمائة. ومن كتبه «شرح الفية ابن مالك» و «شرح الفية ابن معطى وبديعية تسمى «بديعيه العميان» طبعت غير مرة. ترجمته في بغية الوعاة 1/ 24 وشذرات الذهب 6/ 268 ومفتاح السعادة 1/ 156 والنجوم الزاهرة 11/ 192 والدرر الكامنة 3/ 339 ونكت الهيمان 244 وكشف الظنون 152، 155 وبروكلمان 2/ 14 وتكملته 2/ 6 ونفح الطيب 3/ 418 والاعلام 6/ 225 ومعجم المطبوعات العربية ص 60.
(2)
انظر حاشية ص. 152
(3)
هو خلف بن احمد من بني يعقوب بن الليث الصفار امير سجستان وينسب اليها فيقال السجزي والسجستاني. نشأ بها في بيت الامارة. وتولى سجستان مستقلا سنة خمسين وثلاثمائة ونزل عن الامارة مكرها الى ابنه طاهر سنة تسعين وثلاثمائة وتوفي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة انظر الكامل لابن الاثير 8/ 9 والاعلام 2/ 357 وفيه مصادر اخرى.
سماء الدجى ما هذه الحدق النجل
…
أصدر الدجى حال وجيد الضحى عطل
لك الله من عزم أجوب جيوبه
…
كأني في أجفان عين الردى كحل (1)
كأن السرى كأس كأن الكرى طلا
…
كانا لها شرب كانا لها نقل (2)
كأنا جياع والمطي لنا فم
…
كأن الفلا زاد كأن السرى أكل
كأن ينابيع الثرى ثدي مرضع
…
وفي حجرها مني ومن ناقتي طفل
كأنا على أرجوحة في مسيرنا
…
لغور بنا تهوي ونجد بنا تعلو
كأن فمي قوس لساني له يد
…
مديحي له نزع به أملي نبل
كأن دواتي مطفل حبشية
…
بناني لها بعل ونفسي لها نسل
كأن يدي في الطرس غواص لجة
…
به كلمي در به قيمتي تعلو
وبعدها يذكر أباه بهمدان، واستقباله الحجيج للسؤال عن خبره والبحث عن وطنه ووطره:
يذكرني قرب العراق وديعة
…
لدى الله لا يسليه مال ولا أهل
(1) في اليتيمة: عين الدجى.
(2)
في اليتيمة كان السرى ساق
…
كأن المنى نقل.
إذا ورد الحجاج وافى رفاقهم
…
بفوارتي دمع هما النجل والسجل
يسائلهم كيف ابنه أين داره
…
إلى ما انتهى لم لم يعد أله شغل
أضاقت به حال أطالت له يد
…
أأخره نقص أقدمه فضل
يقولون وافى حضرة الملك الذي
…
له الكنف المأمول والنائل الجزل
فعيل له طرف وحلت له حباً
…
وخير له قصر ودر له نزل
وفاضت عليه مطرة خلفية
…
بها للغوادي عن ولايتها عزل
يذكرهم بالله إلا صدقتم
…
لدي أجد ما تقولون أم هزل
ندى لك من أبناء دهرك من غدا
…
ولا قوله علم ولا فعله عدل
طوينا للقياك الملوك وإنما
…
بمثلك عن أمثالهم مثلنا يسلو
ولما بلوناكم تلونا مديحكم
…
فيا طيب ما نبلو ويا صدق ما نتلو
فيا ملكا أدنى مناقبه العلى
…
وأيسر ما فيه السماحة والبذل
هو البدر إلا أنه البحر زاخر
…
سوى أنه الضرغام لكنه الوبل
محاسن يبديها العيان كما ترى
…
وإن نحن حدثنا به دفع العقل
فقولا لو سام المكارم باسمه
…
ليهنك أن لم تبق مكرمة غفل
وجاراك أفراد الملوك إلى الندى
…
وحقا لقد أعجزتهم ولك الخصل (1)
سما بك من عمرو بن يعقوب محتد
…
كذا الأصل مفخورا به وكذا النسل
ولصاحب الترجمة في مدح أمين باشا على منوال الحلي (2) قصايد على حروف المعجم محبوكة الطرفين إحداها قوله:
(1) في الاصل الندا والخصل الاصابة في الرمى.
(2)
الحلي يريد صفي الدين الحلي وقد مرت ترجمته في حاشية ص. 148
ببارق الراح إن ضوء الصباح أبى
…
علل لتنسى حبيبا غائبا وأبا (1)
بليلة الهجر خذها تلك ليلتنا
…
إذا أغابت حبيبا أطلعت شهبا
بالسيمياء لها سيما فأنشدها
…
عشنا إلى أن رأينا في الهوى عجبا
بدل بها قصة واستجل رائقها
…
وانظر بكفك تلقى بعدها ذهبا
باشربا كسيرها ماء السحاب يعد
…
كالتبر منسبكا في الكأس منسكبا
بادرت أصبغ همي فانجلى فرحا
…
فظلت انشد كأس الشرب مختضبا
بنت الكروم إذا صبت على حجر
…
لأثرت فيه روحا واكتسى عجبا
بالله كرر أحاديثا لنا سلفت
…
على الحميا ووقتا بالهنا ذهبا
بليلة ما بدت للصب فكرتها
…
من عظم حسرتها إلا بكى وكبا
بتنا تزف علينا بكر حانتها
…
وبات ستر الدجى والشهب منتقبا
بشادن لو رآه الغصن معتدلا
…
ما ماس منعطفاً في قرطق وقبا (2)
بل مال في حلل الأوراق مستتراً
…
بالدل مكتسياً للحسن مكتسبا
به تظل غصون الروض خاضعة
…
عند الأمين لإجلال به وجبا
بدر إذا بان تلقى العجم معربة
…
عن وصفه أو أبان استعجم العربا
بهالة البدر قد حالت نجوم دجى
…
فروع أصل جليلي إذا انتسبا
بفتية فتنة للقلب مجلسهم
…
إن شاعروا أدبا أو عاشروا نجبا
بكل منتدب للروح مستلب
…
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا
بهمة علموا الأولاد خوض وغى
…
كما تعود صبيان الورى لعبا (3)
بالرمح يوماً ويوماً بالسهام وبال
…
حراب يوما ويوما يجذب القضبا
(1) ابي الشىء: كرهه، وأبا: لغة في الأب.
(2)
في الاصول: بشاذن
(3)
في ب وغا.
بنى عليهم رواق العز سيدهم
…
لولا أمين لقلنا خيرهم رتبا
باهت بعلياه أهل الشرق موصلنا
…
وفاخرت بمباهي عزها حلبا
بحر طمى غصة بالفكر مجتلبا
…
جواهراً وهي لي من بعض ما وهبا (1)
بعيد عزم شديد الحزم رأفته
…
عمت فما أحوجت أمثالنا طلبا
باق على كرم الآباء عادته
…
من فضلة الكأس يسقينا إذا شربا
بيض الأيادي إذا اسودت شدائدنا
…
بأحمر العين يلقاها وقد غضبا
بروض أوصافه شحرور منطقنا
…
مدى الليالي على دوح الثنا خطبا
بلابل صدحت في ظله وغدت
…
تمرغ الريش في قطر الندى طربا (2)
وله أيضا من القصائد المذكورة على نمط البديعيات، وزنا وقافية وأنواعا، ومطلعها في براعة الاستهلال:
ما بين معترك الأشعار والنغم
…
هذا البديع حلا تكراره بفمي
ويسمونه حسن الابتداء وهو أن يكون مطلع القصيدة واضح المعنى، صحيح السبك، خليا عن الحشو والتعقيد، سهل الالفاظ، غير متعلق بما بعده. كقول المتنبي:
أتراها لكثرة العشاق
…
تحسب الدمع خلقه بالاماق
ومنها الجناس المطرف:
مدارس العلم يثني حسن منطقها
…
على الذي جاء يحيى دارس العلم
وهو أن يزيد أحد ركنيه بحرف في أوله مثل قول الشيخ
(1) في الاصول طما
(2)
في الاصول الندا
عبد القاهر الجرجاني (1):
وكم سبقت منه إلي عوارف
…
ثنائي على تلك العوارف وارف
وكم غرر من بره ولطائف
…
فشكري على تلك اللطائف طائف
ومنه تجاهل العارف والتضمين:
مالي أرى النظم يبدي لي جواهره
…
أما التضمين فمعلوم وأما تجاهل العارف فهو سؤال المتكلم عما يعلم ليخرج كلامه مخرج المدح أو الذم أو ليدل به على شدة المحبة، أو القصر والتغرير، منه قول بعضهم:
أيا بدر الدجى بالله قل لي
…
أوجهك أم محياه رأينا
ويا غصن الأراك يميل عجبا
…
أأنت أم الحبيب يميس لينا
ويا ظبي الأراك ببان سلع
…
ألحظك أم لواحظه سبينا
ومنها الإبداع:
مل اليراع ولف الطرس قلت له
…
فانشر شذا المدح وانشر طيب الكلم
هذا اصطلاح المتأخرين، وسماه المتقدمون التضمين ومنع المتأخرون (2) تسميته بذلك. وهو أن يودع المتكلم ناظما أو ناثرا
(1) هو ابو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني واضع اصول البلاغة كان من ائمة اللغة وهو من اهل جرجان (بين طبرستان وخراسان) له شعر رقيق. ومن مؤلفاته «اسرار البلاغة- ط» و «دلائل الاعجاز- ط» و «العوامل المائة- ط» إعجاز القرآن- ط «والجمل» في النحو، و «المغني» في شرح الايضاح ثلاثون جزء اقتصره في شرح آخر سماه «المقتصد» و «تصريف الافعال»
فوات الوفيات 1/ 612 وبغية الوعاة 2/ 106 ومفتاح السعادة 1/ 143 وهدية العارفين 1/ 606 ومرآة الجنان 3/ 101 وطبقات الشافعية 3/ 242 وانباه الرواة 2/ 188 والنجوم الزاهرة 5/ 108 ونزهة الالبا 434 وشذرات الذهب 3/ 340 وبروكلمان 1/ 341 وتكملته 1/ 502
(2)
في ب ومنعوا المتأخرين
نصف بيت أو بيتا أو اقل أو اكثر من كلام غيره في كلامه، بعد أن يوطئ له توطئة مناسبة ملايمة له، بحيث يظن السامع أن الكلام كله لمتكلم واحد، وإنه من نوع واحد. وأحسنه ما صرف معناه عن غرض الناظم الأول أو زاد على الأصل نكتة كالتورية والتشبيه. ومن محاسن ما جاء من ذلك قول ابن نباتة (1):
أتاني على البادي يأسي منشداً
…
فيا لك من شعر ثقيل مطول
«مكر مفر مقبل مدبر معا
…
كجلمود صخر حطه السيل من عل»
ومنها التوشيع:
مهد لهم عذر مشتاق وصف ولهاً
…
مجانب الأفخرين النوم والحلم (2)
وهو أن يأتي الناظم في مصراع من بيته بمثنى أو معطوف أو معطوف عليه ويفسره بمعطوف ومعطوف عليه. وهو مشتق من الوشيعة، وهي الطريقة في الرد المطلق. فكأن الشاعر أهمل البيت كله إلى آخره، وأتى فيه بطريقة في آخره تعد من المحاسن. منه قول ابن الرومي (3):
إذا أبو قاسم جادت لنا يده
…
لم يحمد الأجودان البحر والمطر
وإن أضاءت لنا أنوار غرته
…
تظالم النيران الشمس والقمر
من لم يبت حذرا من خوف سطوته
…
لم يدر ما المزعجان الخوف والحذر
ينال بالظن ما يغني العيان به
…
والشاهدان عليه العين والأثر
(1) انظر حاشية ص 114
(2)
في ب والعلم.
(3)
انظر حاشية ص 112
ومنها الجناس الملفق:
متيم ما تصدى بالسلو لهم
…
نعم ولو مات صداً يوم هجرهم
ومثله للحلي من قصيدة:
كم أفضنا من دموع ودم
…
على رسوم للديار ودمن (1)
وكم قضينا للبكاء منسكا
…
لما تذكرت بهن من سكن
ومنها توارد الخاطر:
من الصبابات قد أهدى رسائله
…
إذا الصبا بات يسري نحو حيهم
وهذا النوع معلوم.
ومنها التكميل:
مع النسيم لمن راقت محاسنهم
…
وصار شوقي لهم ناراً على علم
وهو أن يأتي المتكلم أو الشاعر بمعنى، من مدح أو غيره، من فنون الكلم، أو أغراضه ثم يرى مدحه بالاقتصار (2) على ذلك المعنى فقط غير كامل (3). كمن (4) أراد مدح إنسان بالشجاعة ثم رأى الاقتصار عليها دون مدحه بالكرم مثلا غير كامل أو بالبأس دون الحلم (5) منه قول أبي الطيب:
أشد من الرياح الهوج بطشا
…
وأسرع في الندى منهم هبوبا (6)
ومنها الاستعانة:
(1) في الاصول من دموع ودما
(2)
في الاصل بالتي يصار.
(3)
في الاصول: عن
(4)
في الاصل: تمكن في ب يكن
(5)
في الاصل: الحكم
(6)
في الاصل: في الندا.
ما رنحت عذبات البان ريح صبا
…
إلا وأهدى لقلبي طيب ذكرهم
وهذا ظاهر. ومنها اللف والنشر:
مدحي ووقتي ووصفي في محبتهم
…
قد رق قد راق قد أربى على الكلم (1)
وهو أن يذكر شينين فصاعدا فيقبض على كل واحد منهما أما تفصيلا وإما إجمالا فيأتي بلفظ واحد مشتمل على مقدار (2) ويفوض (3) إلى العقل رد كل واحد إلى ما يليق به، هذا ملخصه فمنه قول ابن حيوس (4):
فعل المدام ولونها ومذاقها
…
في مقلتيه ووجنتيه وريقه
ومنها الاستعارة:
مسك الثناء بدا يوم اللقاء ومن
…
زجاجة الطبع أهدى خمرة الحكم
وهي كما قال الفخر الرازي (5) جعل الشيء للشيء للمبالغة في
(1) في الاصل عن الكلم.
(2)
في ب متعذد وفي الاصل معذر
(3)
في ب وتفوخي.
(4)
هو محمد بن سلطان بن حيوس الغنوي، الامير ابو الفتيان، مصطفى الدولة شاعر الشام في عصره يلقب بالامير لان اباه كان من امراء العرب. ولد ونشأ بدمشق. وتقرب من الولاة والوزراء يمدحهم وضاعت امواله حين عمت الفتن بلاد الشام فرحل الى حلب وانقطع الى بني مرداس وعاش في ظلهم الى ان توفي سنة ثلاث وسبعين واربعمائة. وله ديوان شعر مطبوع في مجلدين صدره المرحوم خليل مردم بمقدمة استوى فيها سيرته واخباره.
وفيات الاعيان 3/ 64 والوافي بالوفيات 3/ 118 ومعاهد التنصيص 1/ 234 والنجوم الزاهرة 5/ 473 وشذرات الذهب 3/ 343 والاعلام 7/ 18 وبروكلمان 1/ 297 وتكملته 1/ 456.
(5)
محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري ابو عبد الله، فخر الدين الرازي، الامام المفسر أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الاوائل وهو قرشي النسب اصله من طبرستان، ومولده في الري واليها نسبته. وتوفي في هراة سنة ست وستمائة. كان يحسن الفارسية. واقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها.
من تصانيفه «مفاتيح الغيب» ثماني مجلدات في تفسير القرآن الكريم، مطبوع، وغيره. وفيات الاعيان 1/ 474 وطبقات الاطباء 2/ 23 ومفتاح السعادة 1/ 445 وطبقات الشافعية 5/ 33 وبروكلمان 1/ 666 وتكملته 1/ 920 ومعجم المطبوعات العربية 915 والاعلام 7/ 204 وفيه مصادر اخرى.
التشبيه وحسن البيان. وعبارة غيره: هي ان تريد تشبيه الشيء بالشيء، فتدع أن تفصح به وتظهره وتجيء إلى الاسم المشبه به فتعمد إلى تناسي التشبيه لتجريه عليه مع طرح ذكره لفظا وتقديرا.
مثاله: تريد أن تقول رأيت رجلا هو كالأسد في شجاعته وشدة بطشه سواء. فتدع ذلك فتقول رأيت أسداً.
فمنه قول ابن العميد:
قامت تظللني من الشمس
…
نفس أعز على من نفسي
قامت تظللني ومن عجب
…
شمس تظللني من الشمس
ومنها الاستطراد والجناس المحرف:
مباسم قد أبانت لي سلاف هدى
…
كما أبان عصير الكرم عن كرم
وهو أي الاستطراد: أن ينتقل المتكلم من غرض هو فيه، إلى غرض آخر متصل به، بشرط أن لا يقصد بذكر الغرض الأول التوصل إلى الثاني. فإذا قصد بذلك التوصل إلى الثاني لم يكن استطراداً. وأكثر ما يقع في الهجاء.
وهذا النوع تنافست فيه الفحول، وما كل فارس في ميدانه يجول. وهو قريب من معنى الافتتان. إذ الاستطراد الانتقال من غرض إلى غرض ما. والافتتان الجمع بين غرضين من الأغراض الشعرية حماسة وغزل وتشبيب أو ما أشبه ذلك.
والفرق بين الاستطراد والتخلص: هو أن الاستطراد مشروط فيه
الرجوع إلى الغرض الأول بعد الغرض المنتقل إليه. والتخلص بخلاف ذلك فانه مشروط بعدم العود إلى الغرض الأول أو شرط الاستمرار إلى الغرض المنتقل إليه.
ومن شواهد الاستطراد قول الفرزدق:
علام تلفتين وأنت تحتي
…
وخير الناس كلهم أمامي
متى تردى الرصافة تستريحي
…
من الانساع والدبر الدوامي (1)
استطرد ورجع إلى ما كان فيه من مخاطبة الناقة.
والجناس المحرف هو أن يتفق ركنا التجنيس بالحروف دون الحركات نحو قوله تعالى «والجار الجُنب والصاحب بالجَنب» (2) ومنه قول سيدي الشيخ عمر بن الفارض (3):
هلا نَهاك نُهاك عن لوم امرئ
…
لم يلف غير منعم بشقاء
ومنها إرسال المثل:
مطامعي فيهم أرسلتها مثلا
…
والمفلسون التمني رأس مالهم
وهو أن يأتي الشاعر في بعض بيت بما يجري مجرى المثل من حكمة أو نعت أو غير ذلك مما يحسن التمثيل به، ومنه قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ربية
…
وليس وراء الله للمرء مذهب (4)
ومنها الجناس المعنوي:
(1) في الاصول الروامي.
(2)
آية: 36 سورة النساء.
(3)
انظر حاشية ص 76
(4)
في الاصول حلنت ولم
ما كان رأي أبي المأمون إذ حكموا
…
إلا وكنت برأيي ابن معتصم
وهو صنفان تجنيس إشارة، وتجنيس إضمار. فتجنيس الإشارة هو أن يقصد الشاعر المجاراة (1) في بيته بين الركنين من الجناس، فلا يطيعه الوزن على إيرادهما، فيضم واحدا منهما، ويعدل بقوله إلى مرادف فيه كناية تدل على الركن المضمر. فإن لم يتفق له مرادف اللفظ أتى بلفظة فيها كناية لطيفة تدل عليه. وهذا خاص بالشعر، ولا مدخل له في النثر لسعته وضيق الشعر.
فمما حصلت فيه الدلالة بالمرادف على المضمر، قول امرأة من عقيل، وقد أراد قومها الرحيل عن بني ثهلان، وتوجه منهم جماعة يحضرون الإبل وهو قولها:
فما مكثنا دام الجمال عليكما
…
بثهلان إلا أن تشد الأباعر
أرادت أن تجانس بين الجمال والجمال فلم يساعدها الوزن ولا القافية فعمدت إلى مرادف الجمال الاباعر كما رايته.
ومنها مراعاة النظير:
من خالد الشوق كم يحيى الغرام ولا
…
أرى فؤادي مسروراً بقربهم
وهو أن يأتي المتكلم في كلامه بالشيء وما يناسبه لا على وجه التضاد، كقوله تعالى الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان (2) حصلت الملاءمة بين الشمس والقمر والنجم والنبت.
(1) في الاصل: المجارات.
(2)
الآيتان: 5 و 6 سورة الرحمن.
ومنه قول ابن رشيق (1):
أصح وأقوى ما روينا في الندى
…
من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا
…
عن البحر عن جود الأمير تميم
ومنها حسن التخلص:
مالي أرى مخلصا من حبهم أبداً
…
إلا بمدحي أمينا زاكي الشيم
وهو أن يكون التشبب أو التشبيب ممتزجا بما بعده من مدح أو هجاء أو اعتذار أو غرض من الأغراض، وهو من أقوى الدلالات على حسن تصرف الشاعر وكمال اقتداره وجودة فكره. وهو قليل في أشعار المتقدمين، كثير في أشعار المتأخرين.
وحقيقة الخلوص من كلام إلى كلام بلطيفة تلائم ما بين الكلامين، حتى يكون آخر الكلام الأول وأول الكلام الثاني كأنما افرغا في قالب واحد. وكلما تكرر كان دالا على قوة الناظم وقدرته على التصرف، وأحسنه ما كان بلفظه. وشاهده من كلام المتقدمين قول الأعشى يخاطب ناقته:
لا تشكي إلي وانتجعي الأس
…
ود أهل الندى وأهل المعالي
ومن التخلصات المختارة للمتأخرين، قول أبي تمام (2):
(1) هو ابو الحسن بن رشيق القيرواني. شاعر، اديب، نحوي، مؤرخ. ولد بالمهدية وقيل بالمسيلة وتعلم الصياغة، ثم مال الى الادب، وقال الشعر. ورحل الى القيروان سنة ست واربعمائة ومدح ملكها وحدثت فتنة فانتقل الى صقلية، واقام بمازر الى ان توفي سنة ثلاث وستين واربعمائة من تصانيفه «العمدة في صناعة الشعر ونقده- ط «وقراضة الذهب- ط» في النقد و «ديوان شعره- ط» وغيرها.
وفيات الاعيان 1/ 366 ومعجم الادباء 7/ 110 وبغية الوعاة 1/ 501 وانباه الرواة 1/ 298 وشذرات الذهب 3/ 297 والمكتبة الصقلية 644 والاعلام 2/ 204 ومعجم المطبوعات العربية 110.
(2)
انظر حاشية ص. 337
يقول في قومس صحبي وقد أخذت
…
منا السرى وخطى المهدية القود
أمطلع الشمس تبغي إذ تؤم بنا
…
فقلت كلا ولكن مطلع الجود
ومنها التكرار أيضا:
مدحي أكرره في الوافر الكرم ابن ال
…
وافر الكرم ابن الوافر الكرم
وهو عبارة عن إعادة اللفظ الواحد لتقرير المعني المقصود وتأكيده من مدح وذم، أو استبعاد أو وعيد أو تهويل. فمما جاء منه في المدح قوله تعالى: والسابقون السابقون أولئك المقربون (1). ومن التهويل قوله تعالى: الحاقة، ما الحاقة، وما أدراك ما الحاقة. (2) والاستبعاد: قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون (3) ومنه شعرا قول أبي تمام:
بالصريح الصريح والأروع الأر
…
وع وباللباب اللباب
ومنها الترديد:
مولى جليل يرى الله الجليل له
…
عبد الجليل أباً باهى الورى بهم (4)
وهو أن يعلق المتكلم لفظة بمعنى، ثم يرددها بعينها وبعلتها بمعنى آخر. وتارة يكون التردد في الصدر، وتارة في العجز، وتارة فيهما.
(1) الآية؛ 10 سورة الواقعة.
(2)
الآيات 1، 2، 3، سورة الحاقة
(3)
الآية 36 سورة المؤمنون.
(4)
في الاصل: باها الورى
من الترديد في الصدر قول بعضهم:
هويتني وهويت الغانيات إلى
…
أن شئت فانصرفت عنهن آمالي
وفي ترديد العجز قول أبي نواس:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
…
لو مسها حجر مسته سراء
ومنها ما لا يستحيل بالانعكاس:
مدع أخا عدم إذ فيضه ذهب
…
بهذه ضيف ذا مدع أخا عدم
وهو ضربان مقلوب كل ومقلوب بعض، فمقلوب البعض كثير. ومقلوب الكل قول الارجاني (1):
مودته تدوم لكل هول
…
وهل كل مودته تدوم
ومنها رد العجز على الصدر:
من كل مغتنم للمدح مكتسب
…
للمدح مكتسب من كل مغتنم
وهو أن يأتي المتكلم في أول كلامه نظما أو نثرا بكلمة ثم يعيدها في آخره بلفظها أو معناها أو ما تصرف منها. وهو في النظم أربعة أنواع:
الأول: أن يقعا طرفين متفقين صورة ومعنى كقول الشاعر:
سريع إلى ابن العم يشتم عرضه
…
وليس إلى داعي الندى بسريع
أو متفقين صورة لا معنى كقول السري: (2)
(1) انظر حاشية ص 68
(2)
هو ابو الحسن، السري بن احمد بن السري الكندي، شاعر اديب من اهل الموصل كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل فعرف بالرفاء ولما جاد شعره قصد سيف الدولة بحلب، فمدحه واقام عنده، ثم انتقل بعد وفاته الى بغداد ومدح جماعة من الوزراء والاعيان، ونفق شعره الى ان تصدى له الخالديان فكانت بينه وبينهما مهاجاة فآذياه، وابعداه عن مجالس الكبراء. فضاقت دنياه واضطر الى العمل في الوراقة فجلس يورق شعره ويبيعه. ثم نسخ لغيره بالأجرة، وركبه الدين ومات ببغداد سنة ست وستين وثلاثمائة له «ديوان شعر- ط» «والمحب والمحبوب والمشموم والمشروب» .-
يسار من سجيتها المنايا
…
ويمنى من سجيتها اليسار
أو متفقين في متشابه الاشتقاق لا في الصورة والمعنى كقول الحريري (1):
ولاح يلحى على جري العنان إلى
…
ملهى فسحقاً له من لائح ملحي
فإن الاتفاق بين الصدر والعجز من حيث الاشتقاق لا من حيث الصورة والمعنى، إذ الصدر من ذوات الثلاثة والعجز من ذوات الأربعة:
الثاني: أن يقع في حشو المصراع الأول وعجز الثاني في متفقين صورة ومعنى منه قول أبي تمام:
ولم يحفظ مضاع المجد شيء
…
من الأشياء كالمال المضاع
أو متفقين صورة لا معنى كقول الزمخشري (2):
وأخرني دهري وقدم معشرا
…
لأنهم لا يعلمون وأعلم
ومذ أفلح الجهال أعلم أنني
…
أن الميم والأيام أفلح واعلم
أو متفقين معنى لا صورة كقول أبي تمام:
دمن ألم بها فقال سلام
…
كم حل عقدة صبره الآلام
- وفيات الاعيان 2/ 104 ومعجم الادباء 11/ 182 ويتيمة الدهر 2/ 117 وتاريخ بغداد/ 9/ 194 والنجوم الزاهرة 4/ 67 وشذرات الذهب 3/ 73 والفهرست 247 ومعاهد التنصيص 3/ 280 والكنى والالقاب 2/ 253 وروضات الجنات 307 واعيان الشيعة 304/ 146 والاعلام 3/ 128.
(1)
انظر حاشية ص 88
(2)
هو محمود بن عمر بن محمد بن احمد الخوارزمي الزمخشري، جار الله، ابو القاسم ولد في زمخشر من قرى خوارزم سنة سبع واربعمائة. وقصد مكة فجاور بها زمنا، فلقب بجار الله. فلقب بجار الله. وتنقل في البلدان ثم عاد الى الجرجانية من قرى خوارزم فتوفي فيها سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. كان معتزلي المذهب.
شديد الانكار على المتصوفة.
اشهر كتبه «الكشاف- ط» في تفسير القرآن و «اساس البلاغة- ط» و «المفصل- ط» و «المقامات- ط» و «الفائق- ط» وكتب اخرى كثيرة لا تزال مخطوطة.
وفيات الاعيان 2/ 81 وارشاد الاريب 7/ 147 وبروكلمان 1/ 344 وتكملته 1/ 507 ومعجم المطبوعات العربية 973 والاعلام 8/ 55 وفيه مصادر أخرى.
أو مختلفين معنى وصورة متفقين في الاشتقاق كقول ابى فراس (1):
منحناها الحرائب غير أنا
…
إذا جارت منحناها الحرابا
الثالث: أن يقع في عجز المصراع الأول وعجز الثاني في متفقين صوة ومعنى كقول أبي تمام:
ومن كان بالبيض الكواعب مغرما
…
فما زلت بالبيض القواضب مغرما
أو صورة لا معنى كقول الحريري (2):
فمشفوق بآيات المثاني
…
ومفتون بربات المثاني
أو معنى لا صورة كقول البحتري (3):
وفعلك إن سئلت لنا فطبع
…
وقولك إن سالت لنا مطلع
أو مختلفين صورة ومعنى متفقين في الاشتقاق كقول الحريري:
ومضطلع بتلخص المعاني
…
ومطلع إلى تخليص عاني
الرابع: ان يتعافا اول المصراع وعجزه متفقين صورة ومعنى كقول
فالا يكن إلا تعلل ساعة
…
قليلا فإني نافع لي قليلها
أو صورة لا معنى كقول أبي ذرارة:
(1) هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الربعي، ابو فراس الحمداني، امير، شاعر فارس. وهو ابن عم سيف الدولة، وكان يصحب سيف الدولة في غزواته. وقلده منبج وحمص وحران واعمالها.
وجرح في معركة مع الروم فاسروه سنة احدى وخمسين وثلاثمائة. وبقي بالقسطنطينية اعواما ثم فداه سيف الدولة. ومات قتيلا سنة سبع وخمسين وثلاثمائة على اثر الخصومة بينه وبين ابن اخته سعد الدولة ابن سيف الدولة. له ديوان شعر مطبوع.
وفيات الاعيان 1/ 349 ويتيمة الدهر 1/ 35 وتهذيب ابن عساكر 3/ 439 والمنتظم 7/ 68 وشذرات الذهب 3/ 24 وزبدة الحلب 1/ 157 الكامل في التأريخ 7/ 28 والنجوم الزاهرة 4/ 19 واعيان الشيعة 18/ 289 والذريعة 7/ 114 ودائرة المعارف الاسلامية 1/ 387. والاعلام: 2/ 156 ومعجم المطبوعات العربية 336.
(2)
انظر حاشية ص 88
(3)
الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي شاعر مشهور ولد سنة 206 وتوفي سنة 284 وله (ديوان شعر- ط) وكتاب (الحماسة- ط).
عهدت لنا منزلا داثرا
…
وإلا على الماء تحملنا
أو معنى لا صورة كقول أبي تمام:
وقد كانت البيض البواتر في الوغى
…
بواتر فهي الآن من بعده بتر
وليس من هذا الباب ما جاء منه في غير العجز كقول بعضهم:
ونبأتهم يستنصرون بكاهل
…
وللوم فيهم كاهل وسنام
ومنها المراجعة والاستدراك والتفريق:
مدله قبل ذاك البحر قلت نعم
…
لكن به نرتوي من سائغ شبم
المراجعة هي أن يحكى المتكلم مراجعة في القول، ومحاورة في الحديث بينه وبين غيره، بأوجز عبارة، وأرشق سبك، والطف معنى، واسهل لفظ، في بيت واحد أو أكثر. كقول عمر بن أبي ربيعة:
بينما ينعتنني أبصرنني
…
مثل قد الرمح يعدو بي الأغر
قالت الكبرى ترى من ذا الفتى
…
قالت الوسطى لها هذا عمر
قالت الصغرى وقد سميتها
…
قد عرفناه وهل يخفى القمر
ومن جيد أمثلة هذا الباب قول أبي نواس:
قال لي يوما سليما
…
ن وبعض القول أشنع
قال صفني وعليا
…
أينا اتقى وأورع
قلت أني أن أقل ما
…
فيكما بالحق أجزع
قال كلا قلت مهلا
…
قال قل لي قلت فاسمع
قال صفه قلت يعطي
…
قال صفني قلت تمنع
والاستدراك معلوم وظاهر، وأما التفريق فهو أن يفرق المتكلم بين نوع أو أنواع مما يحصل به التباين. أو يفيد زيادة فيما هو بصدده من مدح أو ذم أو غير ذلك.
فمما جاء من الأول قول الشاعر:
ما نوال الغمام يوم ربيع
…
كنوال الأمير يوم سخاء
فنوال الأمير بدرة تبر
…
ونوال الغمام قطرة ماء
ومما جاء منه في غير المدح قول بعضهم وقد مر:
قاسوك بالغصن في التثني
…
قياس جهل بلا انتصاف
هذاك غصن الخلاف يدعى
…
وأنت غصن بلا خلاف
ومنها الاستثناء والقول بالموجب:
محامد من علاه قط ما نسخت
…
إلا بخطية في صدر كل كمي
أما الاستثناء فمعلوم. وأما القول بالموجب فهو ضربان:
أحدهما: أن يجد المتكلم صفة لآخر كنى لها بكناية يعني بها نفسه أو غيره فيثبت المتكلم تلك الصفة لغير من أراده الآخر من غير تعرض لإثباتها لمن أراد الآخر ولا نفيها عنه كقوله تعالى:
«يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ولله العزة ولرسوله» (1). فإنهم كنوا بالأعز عن فريقهم وبالأذل عن فريق المؤمنين. فاثبت الله صفة العزة لله ولرسوله وللمؤمنين من غير تعرض لإثبات العزة للقائلين ولا لنفيها عنهم.
الثاني: حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما
(1) الآية: 8 سورة المنافقين.
يحتمله اللفظ بذكر متعلقه فيعمد إلى كلمة من مفردات كلمات المخاطب ويبني عليها في كلامه ما يوجب عكس مراد المتكلم وبذلك عين القول بالموجب. لأن حقيقة رد الخصم كلام خصمه من فحوى لفظه.
كقول ابن الاويدة المغربي (1) من جملة أبيات يخاطب بها رجلا أودع بعض القضاة مالا فادعى القاضي ضياعه:
إن قال قد ضاعت فيصدق إنها
…
ضاعت ولكن منك يعني لو تعي
أو قال قد وقعت فيصدق إنها
…
وقعت ولكن منه أحسن موقع
ومنها ائتلاف المعنى مع المعنى:
مالت على خيلها الأبطال قد سكرت
…
من بأسه بصليل السيف في نغم
وهو نوعان: أحدهما أن يشتمل الكلام على معنى معه أمران أحدهما ملائم والآخر مخالف فيقرئه بالملائم دون المخالف. كقول المتنبي:
فالعرب منه مع الكدري طائرة
…
والروم طائرة منه مع الحجل
قرن العرب بمناسبهم وهو الكدري لمناسبته لهم بنزوله في السهل ونفوره عن العمران وأنسه بالمهامة والقفار، فلا يأتي العمران
(1) في الاصول ابن رويدة المغربي. وجاء اسمه في انوار الربيع 1/ 389 ابو دويدة المغربي وهو في تحرير التحبير «ابن الدويدة المغربي. وبنو الدويدة من معرة النعمان ولذلك رجحنا ان يكون ابن الدويدة المعري. ومن بني الدويدة المعريين من الشعراء محمد وولده أحمد، واحفاده على ومحمد وعبد الله اولاد أحمد. واشهرهم ابو الحسن علي بن احمد بن محمد كان شاعرا مجيدا. مدح سنة اربعمائة للهجرة الحسن ابن العباس بن ابي الجن بقصيدة هنأه فيها على تولية قضاء دمشق.
تحرير التحبير 331 وقضاة دمشق 38. ومستدرك الجزء الثاني من خريدة القصر قسم الشام- 690 وتقريب المعاهد 443 والايضاح 6/ 89 وانواره الربيع 1/ 389.
الاضطرار، لظمأ شديد بسبب فقد الماء في القفار، والعرب كذلك. وقرن الروم بالحجل لأنها تسكن الجبال والمواضع الكثيرة الأشجار، والروم كذلك. فالمعنى هنا وصفه بالشجاعة وقوة البأس. والأمران هما الكدري والحجل، وكل منهما مخالف للآخر في الاستيطان كما تقدم، فلو قرن بالحجل العرب لقرن بالمخالف، ولو قرن الروم بالكدري لكان كذلك. فمعدل عن ذلك وقرن كل واحد بملائمة ليأتلف المعنى بالمعنى.
ثانيهما: أن يشتمل الكلام على معنيين ملائمين له، فيقرن بهما ماله مزية على غيره، لتحصل الألفة بين المعنيين كقول المتنبي:
وقفت وما في الموت شك لواقف
…
كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
…
ووجهك وضاح وثغرك باسم
فكل من عجز البيتين ملائم لكل من صدريهما. غير أنه اختار هذا الترتيب لأمرين:
أحدهما: أن نسبته إلى الوقوف والبقاء في موضع يقطع للواقف فيه بالهلاك انسب من نسبته للثبات في حال هزيمة الأبطال.
فقوله في عجزه، كأنك في جفن الردى وهو نائم. أشد ملائمة من اقترانه بقوله: ووجهك وضاح وثغرك باسم. وإن كان في هذا وصفه بالثبات وعدم الجزع في مواطن الهلاك. والثاني: إن في تأخيره قوله ووجهك وضاح وثغرك باسم، مبالغة في وصف الممدوح بشدة ثباته، وملازمته لذلك، وعدم جزعه بابتسام الثغر ووضاحة الوجه حتى تمر الأبطال بين يديه جرحى منهزمين. وتلك
نعوت بالتقديم.
ومنها التلميح والتمكين:
مولاي كم لأبيكم من يد عظمت
…
على الحديباء صانتها من العجم
هذه الأنواع ظاهرة ما تحتاج (1) إلى التعريف والبيان. السلب والإيجاب أيضا:
معاهد لا يفي بالشكر ساكنها
…
نعم وفى بدعاء الخير في الظلم
وهو أن يبني المتكلم كلامه على نفي شيء من جمعه وإثباته من جهة أخرى. أو لأمر شيء من جهة، والنهي عنه من جهة أخرى.
سواء كان كل من النهي أو النفي متقدما على المنهي أو المنفي عنه.
أو متأخرا. منه قول الشماخ (2):
هضيم الحشى لا يملأ الكف خصرها
…
ويملأ منها كل حجل ودملج
محيتم عن عباد الله كل شقا
…
شقا يحكم فيه السيف بالقمم
وهو أن يجعل الناظم أو الناثر قافية بيته الأول أول بيته التاني ليحصل التشابه من الطرفين أو يفعل الناثر كذلك في فقرات كلامه. منه قول ليلى الاخيلية، تمدح الحجاج:
إذا نزل الحجاج أرضاً مريضة
…
تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها
…
همام إذا هز القناة سقاها
سقاها فرواها بشرب سجالها
…
دماء رجال يحلبون طراها
والتعطف: هو أن يأتي المتكلم بكلمة يقطعها بمعنى في أحد
(1) في ب لم تحتاج.
(2)
هو معقل بن ضرار بن حرملة بن سنان. والشماخ لقبه شاعر مخضرم له (ديوان شعر- ط) شهد القادسية وتوفي في معركة موقان سنة 22 هـ.
مصارعي البيت من نظمه، ثم يعيدها أو ما تصرف منها في المصراع الثاني. وهذا هو الفارق بينه وبين الترديد. فان الترديد لا بد فيه من إعادة اللفظ بعينه مردوداً، ولم يشترط ذلك هنا. وإنما سمي هذا النوع تعطفا لأن كلا من مصراعي البيت منعطف على الآخر باللفظة الموجودة في كل منهما.
فمما جاء من ذلك قول المتنبي:
فساق إلي العرف غير مكدر
…
وسقت إليه المدح غير مذمم
ومنها السميط:
مواطر مطرت بالفضل قد قطرت
…
الدهر قد سطرت منها الفخار سمى
وهو جعل البيت على أربع سجعات، ثلاث منها متجددة والرابعة موافقة للقافية. منه قول الحريري:
لزمت السفار وجبت القفار
…
وعفت النفار لاجنى الفرج
ومنها الاستخدام:
معادن الجود في يوم العطاء وكم
…
ملوه للضيف إذ حر الهجير حمى
هو أن يأتي المتكلم بلفظ مشترك بين معنيين أو معان فيستعمل ظاهر اللفظ في أحد معنييه أو معانيه ويعيد عليه ضميرا واكثر بغير ذلك المعنى الذي استعمل الظاهر فيه. وهذا هو الفارق بينه وبين التورية. فان المشترك إذا لزم استعماله في مفهومية معا فهو الاستخدام. وإذا لزم أحد مفهومية في الظاهر، ولمح الآخر في الباطن فهو التورية، كما صرح به الصلاح الصفدي في فض
الختام (1). ومن ذلك قول ابن نباته:
حويت ريقاً نباتياً حلا فغدا
…
ينظم الدر عقداً في ثناياك
فإن لفظ نباتي مشترك في السكر وابن نباتة الشاعر، وقد وقع متوسطا بين الريق وحلاوته وبين النظم والدر والعقد، فأخذ أحد مفهومه وهو السكر بلفظ الريق والحلاوة واستخدم المفهوم الثاني بالقرينة في النظم والدر والعقد.
ومنها التورية:
منهم لنا حكم نرضى به أبداً
…
إذا غدت تلعب الأنذال بالحكم
وهو أن يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان: أحدهما قريب والأخر بعيد، ويوري عندها بمعنى القريب فيتوهم السامع إرادة المعنى القريب. كقول علي رضي الله عنه في الأشعث بن قيس:
وهذا كان أبوه ينسج الشمال باليمين. لأن قيسا كان يحوك الشمال التي واحدتها شملة، وأراد سيدنا علي رضي الله عنه انه كان يحوك الشمال وروى عنه ذلك بما أوهم إنها مقابل اليمين بذكر عقبها.
وقول عمرو بن كلثوم في معلقته وقيل أنه أول من كشف غطاء هذا النوع، وهو:
مشعشعة كان الخمر فيها
…
إذا ما الماء خالطها سخينا
كانت العرب تسخن الماء في الشتاء لشدة برده، ثم يمزجونه بالخمرة. والتورية في قوله سخينا، لأن الظاهر في قوله انه صفة لموصوف محذوف تقديره اصطبحنا شرابا سخينا، والمراد المعنى
(1) انظر ترجمة الصفدي في حاشية ص 105. واسم الكتاب فض الختام عن التورية والاستخدام.
البعيد منه وهو سخينا أي جدنا.
ومنها الالتفات:
مداحهم مذ ذوت أفكارها مللا
…
مددتها يا أبا سلمان بالديم
وهو انصراف المتكلم عن الأخبار بالمخاطبة أو عكسه. وشاهده من القرآن العظيم قوله تعالى، بعد قوله الحمد لله رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين. ومنه قول جرير شعراً:
متى كان الخيام بذي طلوع
…
سقيت الغيث أيتها الخيام
ومنها التاريخ:
مذ طاب فيك بديعي أرخوه زكا
…
أمين قد تم مدحي رايق الكلم
في سنة 1168 هـ.
حسين الغلامي (1) ومن أبناء عمهم الشاب الأرشد حسين بن محمد
اللذان هما في مجرة سماء المعالي كالفرقد. فهو كأبيه، ذلك الماجد النبيه، الذي تنثر الدراري من فيه. وأما الحسين فهو قسيم الإبريز ونفس اللجين، له أدب حسن، ومجموعهم حسن، وهم في الحقيقة شامة الزمن. وهو نادرة شرق البلاد وغربها، ووحيد عجم هذا الإقليم وعربها. القابض على شوارد البلاغة من أزمتها،
(1) ترجم له صاحب منهل الاولياء 1/ 257 فقال عنه الاديب الكامل حسين بن محمد الغلامي: أديب ماهر، وناظم ناثر. وعالم شاعر. له باع طويل في الفنون الادبية، والعلوم العربية مع مشاركة في المعقول وعلمي الفروع والأصول.
قرأ على شيخنا موسى الحدادي وغيره، وتخرج به ومهر. ولكنه لم يتوفق له التدريس والتفرقة لاشتغاله بالموانع ومنادمة الملوك. وحفظه للتواريخ والشواهد والمناسبات لا ينكر وفضله في ذلك اشهر من ان يذكر
ثم ذكر عشرة ابيات مختارة من القصيدة البائية في مدح امين باشا الجليلي وهى التي اوردها المؤلف كاملة. وقال بعدها: ما احسن هذا الديباج الا اني لا ارى لقوله «ما غادرت مكرمة الا وقد حزتها الى آخره» كثير طائل. لان من جملة المكارم التقوى والحلم والعفة، واللين، والرحمة، ومثلها لا يتصور حوزه بالسمر والقضب. وكذلك قوله «من هام كل لبيب» الأولى «من هام كل لئيم» ونحوه، اذ لا معنى لقتل الالباء وأصحاب العقول.
وترجم له صاحب كتاب «قرة العين» فقال عنه شيخ الأدب، وشاعر باهر، واريحي ماهر. توفي سنة الف ومائتين وسنة ومن شعره:
«هذا المرام وهذا غاية الطلب» وذكر القصيدة التي ذكرها اخوه في منهل الاولياء.
وترجم له أبوه في شمامة العنبر (ص 125 - 130) فاثنى عليه ثناء كثيرا ثم ذكر له القصيدة البائية التي أوردها المؤلف ثم قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم مطلعها:
اورقاء تلك الأيك بالله رجعي
…
عسى تسعديني في اراقة مدمعي
وقصيدة دالية مطلعها:
أأحبابنا مهلا فهذي المعاهد
…
قفوا ساعة رفقا لعلي أناشد
والحاوي لمنتخبات نوادر الفصاحة بكمالها ورقتها. الذي مهد له الأدب في قبابه موضعا، واحله من سماء المعارف مطلعا. ملك الأدب بجملته، وسلمه زمام أعيانه وجلته. فأعطته الكمالات أسرارها، وأصعدته المعالي أسوارها.
معارف أدهشت من ليس ذا نظر
…
وسار سيرتها في السهل والجبل
فهو في الأدب الماء العذب النمير، الذي ماله في نظم القريض نظير. وقد أوردت من شعر النادر النظام، الفريد الذي ما عليه كلام.
فمن شعره قوله في مدح حضرة أمين باشا سلمه الله تعالى (1):
هذا المرام وهذا غاية الطلب
…
وهذه ساحة العلياء والطرب
وذي المكارم قد وافى الزمان لها
…
وقد سعت خببا تهدى بلا طلب
زفت إليك أمين الله مكرمة
…
إذ كنت كفؤاً لهايا كامل الأدب
أمهرتها سؤدداً زادت به شرفا
…
لان مجدك مجد غير مكتسب (2)
هنيت فيها ودام السعد مرتقيا
…
يعلو على قمة الجوزاء والحجب
أبا سليمان ما غادرت مكرمة
…
إلا وقد حزتها بالسمر والقضب
أنقذتنا يا أمين الأمن من زمن
…
قد بات فيه ذو والالباب في رعب
(1) لم تذكر هذه الجملة في الاصل.
(2)
في الاصل: أمهدتها وصوابه أمهرتها. وفي منهل الاولياء مهرتها وأمهرها جعل لها مهرا، أو مهرها اعطاها مهرا وأمهرها زوجها من غيره على مهر (القاموس)
غذيت صارم عدل بات مختضبا
…
من هام كل لبيب بالضلال ربي (1)
شددت أزر العلا بالحكم فاندحرت
…
جل الطغاة بما لاقوا من العطب
تبارك الله إذ ولاه نعمته
…
وقد حباه بما أعطاه من رتب
فهو الكريم الذي يعطيك نائله
…
من غير من ولا سؤل ولا سبب
ما حاتم حين أعطى من نفائحه
…
إلا كبعض الذي يعطيه من نشب
هذا الهمام أبو العلياء منذ نشا
…
أحيا موات الندى من سيبه العبب (2)
له فصاحة لو سحبان أدركها
…
لجاء معتذراً في زي منتسب
وكم شؤون له يوم النزال بدت
…
فأوقعت عطبا في الجحفل اللجب
فهو الزبر مع الأشبال في أجم
…
توقه في الوغى واحذر من الغضب
ودانه عند ما يسخر تجد ملكا
…
يحييك فوق الذي ترجوه في طرب
(1) في منهل الاولياء «كل لئيم» وهو لا يستقيم مع النقد الذي ذكره صاحب المنهل للبيت.
(2)
في الاصول. احيا. والعبب مفكوك العب بالتشديد وهو تتابع الكرع.
يمم مطالع جود من سماحته
…
فان نجم العطايا غير محتجب
وغص بساحل نيل منه منسكبا
…
وحز لآلي الندى من فضله العذب
قد جاء ذو أدب بالغيث شبهه
…
الغيث قطر وهذا ماطر الذهب
لا زال في نعم والله كالئه
…
من الحوادث والأكدار والنصب
ومن شعره قوله مخمساً:
ظننت أهيل الود عني تدفعوا
…
نزول خطوب للزمان وتردعوا (1)
فيا خلة راموا هلاكي وأزمعوا
…
تخذتكم درعاً حصينا لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها
…
حبوتكم عزا بأصغى سريرة
وواصلتكم دهراً بعين قريرة
…
وأخلصتكم ودي على غير ريبة
وكنت أرجيكم ليوم كريهة
…
إذا فارقت كف اليمين شمالها
علام غدرتم بالوفي وخنتم
…
زمام خليل برهة ما وفيتم
(1) حذف النون من الفعلين تدفعون وتردعون من غير عامل يقتضي ذلك.
فما ضر لو صافيتم ووصلتم
…
تعالوا إلى الإنصاف نحن وأنتم
وخلوا العدى ترمي علي نبالها
…
فإن لم تكونوا كاشفين لشدة
ولا بان منكم غير سوء طوية
…
فلم لا حفظتم عقد ود وذمة
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة
…
فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
ولما كان تخميس هذه الأبيات مبنيا (1) على حكاية، وكان التخميس بأمر حضرة أمين باشا خمسه الكثير من الناس فمنهم أحد رجالنا السيد موسى الحدادي (2):
حسبتكم عند الحوادث تنفعوا
…
فأودعتكم سرى وللسر موضع (3)
فيامن على قتلي سعوا وتجمعوا
…
تخذتكم درعا حصيناً لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها
…
جعلتكم عندي بأرفع رتبة
وكان اعتمادي فيكم خير عصبة
(1) في الاصول مبغي.
(2)
هو موسى الحدادي بن السيد جعفر قرأ على شيوخ الموصل مثل ملا حسن بن غيدا، وحيدر بن قره بك، وملا اسماعيل بن ابي جحش، والشيخ عبد الله المدرس والعلامة صبغة الله، وملا سليم الواعظ وغيرهم وتخرج بهم. وتولى التدريس وتخرج به رجال تصدروا للتدريس وولاه محمد امين باشا الجليلي مدرسة جامعه الجديد. سنة سبعين ومائة والف بعد وفاة الملا أحمد الجميلي.
له حواشي وتعليقات وبديعيات لطيفة واشعاره كلها حسنة. مات في الطاعون سنة ست وثمانين ومائة والف.
ترجمته في منهل الاولياء 1/ 269 والدر المكنون، جوامع الموصل: 185 والعلم السامي: ش: 278 وشمامة العنبر 224 وتاريخ الموصل 2/ 174.
(3)
حذف النون من تنفعون من غير عامل يقتضي ذلك
وسامرتكم ليلي على صفونية
…
وكنت أرجيكم ليوم كريهة (1)
إذا فارقت كف اليمين شمالها
…
فماذا الذي مني بدا إذ قطعتم
ودادي وأحللتم دمي وغدرتم
…
أقول لكم بين الورى لو سمعتم
تعالوا إلى الإنصاف نحن وأنتم
…
وخلوا العدى ترمي علي نبالها (2)
رجوتكم لي مسندا عند محنتي
…
وقلت حماتي عند دفع مضرتي
فخنتم وصافيتم عدوي لنكبتي
…
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة
فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
ومما ألبسه حلل الفخار بتخميسه يونس كاتب ديوان الإنشاء بالموصل (3):
ألفتكم مذ كنت في المهد أرضع
…
وكنت لكم من نسمة البرد أفزع
فيا من لا تلا في استمدوا وفزعوا
…
تخذتكم درعاً حصينا لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها
…
وآثرتكم نفسي بأعظم غيرة
وأيقنتكم لي خير صحب وجيرة
…
وأملتكم عونا لسرب مثيرة
وكنت أرجيكم ليوم كريهة
…
إذا فارقت كف اليمين شمالها
عزمتم على الإسراف حتماً وهنتم
…
وملتم إلى الإرجاف إذ ما وهنتم
فبالله هل تدرون ما قد سننتم
…
تعالوا الى الانصاف نحن وأنتم
(1) في الاصول نينى.
(2)
في الاصول وخلوا العدا.
(3)
سيترجم له المؤلف وترجمته في منهل الاولياء 1/ 299 وشمامة العنبر 232 والعلم السامى 291.
وغاية المرام. توفي سنة سبع ومائتين والف.
وخلوا العدى ترمي علي نبالها
…
ولا زلتم بالنقض والنكث كالتي
واني بكم لا زلت أدفع بالتي (1)
…
فبعد اللتيا آخر القول والتي
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة
…
فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
وقلت أنا:
فيا من على قتلي أصروا وأجمعوا
…
وحفظ عهودي للخيانة ضيعوا
لما كنت منكم زخرف القول اسمع
…
تخذتكم درعاً حصينا لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها
…
ظننت بكم نفعاً لدى عظم رهبة
وأملتكم أعوان ضنك وكربة
…
وكنت لكم خلا بحسن طوية
وكنت أرجيكم ليوم كريهة
…
إذا فارقت كف اليمين شمالها
لما قد جفيتم بعد ذاك وبنتم
…
وفي زعمكم ودي عن الغير صنتم
صفوت فكدرتم حفظت فخنتم
…
تعالوا إلى الإنصاف نحن وأنتم
وخلوا العدى ترمي علي نبالها
…
حسبتكم ملجا بكل مهمة
وذخرا لدى الجلي بأرفع همة
…
فخنتم ولم ترعوا لعهد وذمة
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة
…
فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
وممن كللها ريحانة الأدباء محمد الغلامي (2):
على نقض عهدي سل صحاباً تجمعوا
…
وقل هل بقى في القلب للصلح موضع
(1) يريد كالتي نقضت غزلها. وادفع بالتي هي أحسن. وهو نوع من انواع البديع.
(2)
مرت ترجمته في ص 430.
فيا من حفظت العهد فيهم وضيعوا
…
تخذتكم درعا حصينا لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها
…
رعيت الوفا فيكم بعين نبيهة
وكم صنتكم عن كل ذات سفيهة
…
بنفس لنا عن كل غش نزيهة
وكنت أرجيكم ليوم كريهة
…
إذا فارقت كف اليمين شمالها
أأصحابنا عنا الجميل أبنتم
…
رعيت لكم عهداً قديماً وخنتم
فيا مدعين العدل فيما سننتم
…
تعالوا إلى الإنصاف نحن وأنتم
وخلوا العدى ترمي علي نبالها
…
خصائلكم أملتها برد نسمة
على كبدي جاءت عواصف نقمة
…
فيا من رجوناهم لكل مهمة
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة
…
فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
ولما شاعت معاطاة أولي النفوس الأبيات، تخميس هذه الأبيات، أرسلت إلى الغلامي محمد (1) هذا الأديب المذكور بأن ينظم أبياتا في مدح حضرة أمين باشا المشار إليه فنسج على منوالها واستهزأ بعقود على لآلئها وهي:
صحبت أناساً فاختبرت رجالها
…
أتحسن بالصنع الجميل فعالها
فكانوا علينا ليلة ذات حندس
…
أبى الله إلا أن أكون هلالها
أأصحابنا لا كنتم الشمس بهجة
…
وعارضكم بدري أحال كمالها
وأظهر في عين الكمال كسوفها
…
وقاربها ظهري فأبدى زوالها
تخذتكم روحاً لتسكين فتنة
…
من الدهر تغشاها فكنتم جدالها
(1) مرت ترجمته في حاشية ص 430
وأعددتكم ترساً يقيني سيوفها
…
إذا نسفت دهم الحروب جبالها
فجرتم واتهمتم سواكم بجوره
…
كشوهاء عابت في المرأة خيالها
فخلوا سبيلي التقي الخطب مفرداً
…
إذا ما موداتي قطعتم حبالها
فلي صدر حر في المعامع واسع
…
إذا كسرت فوق الدروع نصالها
إذا غضبوا قومي وكانوا بمعزل
…
بصد أموري لا أخاف اختلالها
وإن نحن أعرضنا عن الصحب ساعة
…
وإن قربت منا أملنا اعتدالها
ومن سد فك الأفعوان بكفه
…
وأهلك نفساً لا يلوم نكالها
ومن عارض السلطان في عز ملكه
…
فقد سام منه محنة لا دوالها
بني معشري أولاكم الدهر رفعة
…
وينبوعها مني ومني اشتمالها
فلي في نحور الناس أطواق نعمة
…
ظننتم بأن الناس ليست عيالها
ظلمتم فقد أوردتكم أي رفعة
…
ولم أر إلا بالأمين انفصالها
هو الرجل الحامي العشيرة دأبه
…
يغض حليماً إن أخلت كمالها
أحب العلا طفلا فامهرها الندى
…
وكان لها كفؤا فأدنت وصالها
وميل في يوم الجلاد ببأسه
…
جبابرة سحب العطا ما أمالها
فودت أهلات الشهور بخيله
…
لما حاز من عليا تكون فعالها
وسال بيوم الجود فيض يمينه
…
فقل للغوادي أن تحاكي شمالها
جميل حباه الله أحسن طلعة
…
فقامت بدور التم تحكي خيالها
وكم عبقت في الناس أنفاس ذكره
…
فرق نسيم الروض يروي خصالها
إليك أبا سلمان خذ بنت ساعة
…
لدى السدة العلياء حطت رحالها