المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد أسعد الحسيني نجله محمد أسعد ذلك الأديب الأرشد - الروض النضر في ترجمة أدباء العصر - جـ ١

[عصام الدين العمري]

الفصل: ‌محمد أسعد الحسيني نجله محمد أسعد ذلك الأديب الأرشد

‌محمد أسعد الحسيني نجله محمد أسعد ذلك الأديب الأرشد

لهم أوجه غر وأيد كريمة

ومعرفة عد وألسنة ند

وأردية خضر وملك مطاوع

ومركوزة سمر ومقربة جرد

رأيته وهو في السن في العشرة الأولى، وهو كالقمر لم يعتره أفولا (1). السعود في غرته لائحة، والورود من جبهته فائحة. في طلعته بشائر السعادة منقوشة، وفي جبينه مخايل السيادة مفروشة.

كنت إذا طالعت في سطور وجهه أرى نيشان السمو فيه ظاهر.

وإذا تمثلت معاني حركاته يلوح لي من تلك المعاني عنوان النمو وآثار المفاخر. ثم لما بعدت عن تلك العهاد، وأبعدتني الركائب عن مدينة السلام بغداد. وعدت إليها بعد سنين، والقلب في تلك المعاهد رهين. فوجدت ذلك النسيم قد هب، والطفل الصغير قد شب. وقد بقل خطه وارتاش، ودبت في عروقه مياه الظرافة والانتعاش، وغدا باهر ذكاء وأدب، قد أظهر لأهل الكمال من كماله العجب. قد جمع في الأدب (2) سجلا وفي المعارف صكا، فله عليهما الختم الذي لم يقبل كشطا ولا حكا.

(1) كذا في الاصل وهو خطأ ولكن السجعة لا تتم الا بالخطأ

(2)

في ب في الآداب سجلا

ص: 345

فسجل أدبه أنواع المعارف والفنون، وصك إذعانه يبهر العقول ويحير الظنون، تسابق في مضمار الفضل فكان سبّاق ذلك الميدان، واقتدى بأسلافه الكرام فغدا مشار الأكابر والأعيان.

تصدر لصدارة المجد فكان في ذلك مرجع الصدور. واعتصر كروم البلاغة من عناقيد الرياسة فسقى رحيق النشاط وشراب السرور. خوط بان أزهى من الورد بأنواع الفصاحة مثمر، وهلال كمال أبهى من البدر بصنوف الكمالات مقمر. فهو الأسعد الذي رقي إلى هام المجد والتقط درر المعارف. والأمجد الذي صعد إلى أقصى أعلام الحل والعقد. فغدا حول بيت المحامد واللطائف طائف، خاض في تلك الصبوة بحور المعارف، واستخرج لآلئ الأصداف، فكان غواص بحور المعالي الذي تقف عند ساحله كبار الأشراف. تواخى مع الفخر فرقي إلى ذروة المجد وهامات المعال. وسلك أخيه فخر (1) الدين في سلك الأدب فأقمر بعد أن كان هلال (2). فرأيت أخاه المذكور هذا وهو في الأحضان. ثم لما عاودت كما ذكرت فوجدته قد انتظم في سمط الشبان. وآثار النجابة عليه تلوح وتظهر، وعلامات السعادة من أناقته تبان وتبصر. والشبل في المخبر مثل الأسد.

لهم علي أيادي كرم وإحسان قد طوقت منى الجيد. فلا زال بيتهم مدى الزمان كل يوم من المعارف في مزيد.

(1) كذا في الاصول وهو خطأ وصوابه اخاه

(2)

كذا في الاصول هلال وهو خطأ وصوابه هلالا. ولكنه لجأ الى الخطأ لتستقيم له السجعة.

ص: 346

السيد خليل البصير (1) ومن أبناء عمهم السيد خليل البصير

ضرير ولكن بالفضائل بصير، فهو البصير وأي بصير، لم يقبل في الكمال نظير. أما الفضائل فهو بحرها الطامي. وأما الكمالات فهو فلكها الرفيع السامي. استقل في الأدب بالنقض والإبرام، وأوضح سبل المعارف إلى معالم الافهام. تهادته الأيام تهادي النسيم للروض البليل. وافتقرت إلى جنابه افتقار المحرور للمقيل. فانه ممن عارض الوشل بالمطر، وفاخر الليل بالقمر. وطلع في الحدباء طلوع الشمس وأحيا بأنفاسه الطيبة أموات الأدب في الرمس. فحارت بأدبه الافهام، وبعدت عن درك كماله الأوهام، فإنه شخص الأدب عيانا، وأقام على ذلك بينة وبرهانا.

وكل حيا للمجد فهو سحابه

وكل رحى للفضل فهو لها قطب

ألف بأدبه الفنون الشوارد، واستملى الفواضل عن عطارد. فآثاره تفصح عن سعة باعه، وتحريراته تنبئ عن طول ذراعه. فإنها لا تعمى الأبصار وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. مطر واستبرق، وأثمر وأورق، فعلا (2) جنابه، وحمد غمامه وضبابه. وعذبت

(1) لم نعثر له على ترجمة.

(2)

في ب على.

ص: 347

مصادره وموارده، وعلت محاضره ومشاهده. فهو بارق عارض الادب، كريم الجد والحسب. مالك الافضال والمعالي، مستخدم الأحرار والموالي. قد بلغت معاليه السماء، وجلت مكارمه أسرة الظلماء. فطلع للكمال طلوع سهيل، وأشرق بجماله النهار والليل.

فها هو بحر أدب تشعبت أنهاره. وروض فضل تلونت أزهاره.

قد اظهر من أدبه ألوان، زين بها جيد الزمان.

وله نظم أرق من النسيم في الليل. وأروق من تقاطر الغمام والسيل ونثر كالنجوم في ضيائها، والثريا في سمائها. وقد اخذ بها مجامع القلوب وملكها، وفي سلك سمط الخدام سلكها. وقد اثبت منها ما هو كالجواهر، في أعناق الجآذر.

فمن نظمه قوله:

كفى الله أهل الموصل الشر إذ أتى

عدو لهم من جانب الشرق ناهض

أجل ملوك العجم نادر اسمه

ظلوم غشوم للمواثيق ناقض

سبى نسوة السكان في البيد والقرى

بظلم وكل بالمهالك خائض

وساق أناعيم الرساتيق كلها

فما في الضياع اليوم بكر وفارض

ص: 348

فحاصرنا ستين يوما مهيجا

حروباً وفي الجمعات ماتت فرائض (1)

فحاربه الدستور والى ديارنا

حسين بعون الله وهو يناهض

فألقي رعب في قلوب جنوده

فبانوا وكل نحو مثواه راكض

فلما أزال الله عنا شعوبهم

بتوفيقه أرخت زال الروافض

وقوله مخمساً:

نأى الغزال الذي في القلب موضعه

يا ليت شعري أي الروض مرتعه

ناديته بانكساري إذ أودعه

يا راحلا وجميل الصبر يتبعه

هل من سبيل إلى لقياك يتفق

نار المحبة في الأحشاء حامية

والعين كالنهر طول الدهر هامية

يا من به رتبتي في العشق سامية

ما أنصفتك جفوني وهي دامية

ولا وفى لك قلبي وهو يحترق

وله مصدرا ومعجزا لهذين البيتين.

يا مشتكي الهم دعه وانتظر فرجا

ممن يفرج كربات المساكين

(1) في الاصول فات الفرائض وما اثبتناه من سلك الدرر 2/ 102

ص: 349

واصبر على محن الأيام ذا جلد

ودار وقتك من حين إلى حين

ولا تعاند إذا أصبحت في كدر

من النوائب واستقبله في اللين

هيهات هيهات أن تصفو بلا كدر

فإنما أنت من ماء ومن طين

والبيتين لابن نباتة (1) وقد تبعه الصفدي (2) في ذلك فقال:

دع الإخوان إن لم تلق منهم

صفاء واستعن واستغن بالله

أليس المرء من ماء وطين

وأي صفا لهاتيك الجبلّه

وفي معنى بيت ابن نباتة في انتظار الفرج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: افضل أعمال أمتي انتظار الفرج (3).

قال جالينوس (4): الهم فناء القلب (5)، والغم مرضه. ثم قال الغم بما فات، والهم بما هو آت. ومن الغم يعرض النوم، ومن الهم يعرض السهر، لأن في الهم فكرا بما سيكون والغم لا فكر فيه.

حكى بزر جمهر، وهو من أجل حكماء الفرس، إنه لما حبسه انوشروان عند غضبه عليه في بيت ذي ظلمة وضيق،

(1) انظر حاشية ص 114

(2)

انظر حاشية ص 105

(3)

وفي الترمذي، عبادات، 115 افضل الاعمال انتظار الفرج

(4)

جالينوس طبيب يوناني ولد في سمرنا. وكان موطنه فرغامس بالقرب من قره. وكان جالينوس في دولة نيرون قيصر وهو السادس من القياصرة الذين ملكوا رومية. وطاف بالبلاد ودخل ومات بالفرما من اعمال مصر وهو راجع الى بلده عيون الانباء: 118.

(5)

في الاصول: قباء القلوب وما أثبتناه من عيون الانباء 1/ 133 وفيه والغم مرض القلب ثم بين ذلك فقال الغم بما كان والهم بما يكون وفي موضع آخر الغم بما فات والهم بما هو آت

ص: 350

وصفده بالحديد وألبسه الخشن من الصوف، وأمر أن لا يزاد على قرصين في كل يوم خبز من شعير، وكف ملح، ودورق ماء، وأن تحصى ألفاظه فتنقل إليه. فأقام بزر جمهر شهورا لا يسمع منه لفظ. فقال انوشروان: ادخلوا عليه بعض أصحابه، ليستأنس بهم، ويفاتحوه بالكلام، واسمعوا ما يجري بينهم، وعرفونيه.

فدخل عليه جماعة من المحتفين به، وقالوا: أيها الحكيم نراك في هذا الضيق والحديد والصوف والشدة التي دفعت إليها، ومع ذلك فان سجية وجهك، وصحة جسمك على حالهما لم يتغيرا. ما السبب في ذلك؟ قال: لأني عملت جوارشا من ستة أخلاط اخذ منه كل يوم شيئا، فهو الذي أبقاني على ما ترون. قالوا صفه لنا فيوشك أن نبتلى بمثل بلواك فنستعمله.

قال: الخلط الأول الثقة بالله عز وجل. والخلط الثاني ان كل مقدر كائن. والخلط الثالث الصبر خير ما استعمله الممتحن.

والخلط الرابع إذا لم اصبر فأي شيء أعمل. والخلط الخامس يمكن أن أكون في شر مما أنا فيه. والخلط السادس من ساعة إلى ساعة فرج.

وعلى هذا قول بعضهم:

اصبر على حلو الزمان ومره

واعلم بأن الله بالغ أمره

فالصدر من يلقى الخطوب بصدره

وبصبره وبحمده وبشكره

والحر سيف والذنوب بصفوه

صدأ وصيقله نوائب دهره

ليس الحوادث غير أعمال امرى

يجزى به من خيره أو شره

فلئن أصبت بما أصبت فلا تقل

أوذيت من زيد الزمان وعمره

ص: 351

واثبت فكم أمر امضك عسره

ليلا فبشرك الصباح بيسره

ولكم على يأس أتى فرج الفتى

من غيب سر لا يمر بفكره

فاضرع إلى الله الكريم ولا تسل

بشراً فليس سواه كاشف ضره

واعجب لنظمي والهموم شواغل

يلهين عن نظم الكلام ونثره

وتبعه ابن نباتة (1) فقال:

لا تخش من غم كغيم عارض

فلسوف يسفر عن إضاءة بدره

إن تمس عن عباس حالك راوياً

فكأنني بك راوياً عن بشره

ولقد تمر الحادثات على الفتى

وتزول حتى ما تمر بفكره

هون عليك فرب أمر هائل

دفعت قواه بدافع لم تدره

ولرب ليل بالهموم كدمل

صابرته حتى ظفرت بفجره

ولصاحب الترجمة مخمسا:

قد بان قلبي الذي الأشواق ديدنه

بحيث لم ير بل لم يدر موطنه

لما جهلت مكانا صار يسكنه

سألتها عن فؤادي أين مسكنه

لأنه ضاع مني يوم مسراها

فوجهت وجهها نحوي وقد سمعت

ما قلته وعلى ما رمته اطلعت

وفي جواب سؤالي رأفة شرعت

قالت لدينا قلوب جمة جمعت

فأيها أنت تعني قلت أشقاها

ويقرب من معنى هذه الأبيات قول الباخرزي (2):

(1) انظر حاشية ص 114

(2)

هو ابو الحسن علي بن الحسن بن علي بن ابي الطيب الباخرزي. اشتغل في شبابه بالفقه ثم غلب عليه الادب. عمل في الكناب مع الوزير الكندري مدة. واختلف الى ديوان الرسائل قتل بباخرز في مجلس انس سنة سبع وستين واربعمائة، وذهب دمه هدرا.

وهو صاحب كتاب «دمية القصر وعصرة اهل العصر» وقد طبع وهو ذيل ليتيمة الدهر للثعالبي. وله ديوان شعر في مجلد كبير ترجمته في معجم الأدباء 13/ 33 ووفيات الاعيان 3/ 66 وشذرات الذهب 3/ 327.*

ص: 352

قالت وقد فتشت عنها كل من

لاقيته من حاضر أو بادي

أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه

ترني فقلت لها وأين فؤادي

ويقرب منه قول ابن سبسب (1):

هوى صاحبي ريح الشمال إذا جرت

وأهوى لنفسي أن تهب جنوب

يقولون لو عربت قلبك لا رعوى

فقلت وهل للعاشقين قلوب

وقريب منه أيضا قول الشهاب الخفاجي (2):

يقولون لي لم تبق للصلح موضعا

وقد هجروا من غير ذنب فمن لحا

صدقتم وأنتم للفؤاد سليتم

ومالي قلب غيره يطلب الصلحا

وفيه أيضا قوله:

قد ودعوا قلبي سر الهوى

خافوا من الواشي على حبي

فانتهبوا لبي ولم يقنعوا

باللب حتى أخذوا قلبي

ولصاحب الترجمة في الاقتباس:

ونسوة لمنني في حب ذي كحل

رشا يفوح شميم المسك من فيه

فقلت منهن للائي فتن به

«فذلكن الذي لمتنني فيه» (3)

وقوله فيه:

لست أهوى سواكم اليوم حتى

أطلب الموت في هواكم حثيثا

(*) والكنى والالقاب 2/ 56 والنجوم الزاهرة 5/ 99 وهدية العارفين 1/ 692. ودائرة المعارف الاسلامية 3/ 262 والاعلام 5/ 81. ومعجم المطبوعات العربية

(1)

كذا في الاصل ولم يتبين لنا وجه الصواب فيه.

(2)

هو أحمد بن محمد بن عمر. شهاب الدين الخفاجي المصري، قاضي القضاة وصاحب التصانيف في الادب واللغة. نسبته الى قبيلة خفاجة. ولد بمصر سنة سبع وسبعين وتسعمائة ونشأ بها. ورحل الى بلاد الروم واتصل بالسلطان مراد العثماني فولاه قضاء سلانيك ثم قضاء مصر توفي سنة تسع وستين بعد الالف ومن اشهر كتبه ريحانة الالبا ترجم به معاصريه على نسق اليتيمة. وكتب اخرى وله شعر رقيق جمع في ديوان. انظر خلاصة الاثر 1/ 331 والاعلام 1/ 227 وفيه مصادر اخرى. ومعجم المطبوعات العربية ص 38. وريحانة الالبا للمؤلف.

(3)

سورة يوسف آية 32 والبيتان في شمامة العنبر ورقة 82.

ص: 353

ما لقومي الذين قد عنفوني

«لا يكادون يفقهون حديثا» (1)

ومن نظمه قوله:

زار فؤادي عائداً طرفه

كلاهما في الدهر مضنى قديم

فقلت إذ أبصرت حاليهما

مستعجبا عاد السقيم السقيم (2)

وقد أرسل إليه الحاج خليل خداده (3) هذين البيتين:

لا تحسبوا أن البعاد مكدر

صفو الخليل عن الخليل وأنسه

لكن حوادث في الزمان تراكمت

فالمرء فيها قد سها عن نفسه

فأجابه بقوله:

إنا نسلم أنه يسهو الفتى

في حادثات زماننا عن نفسه

لكن نقول بدفع شر عدونا

ذا اليوم خير عندنا من أمسه

وله مصدراً ومعجزاً:

قيل لا تنظرن لوجه جميل

فهو في الحشر يورث الحسرات

وامنع العين أن ترى ما اشتهته

إنما ذاك يذهب الحسنات

قلت ذاك الجمال لما تبدى

كثرت دهشتي وقل ثباتي

وبدت حالة هنالك حتى

غفل الكاتبان عن سيئاتي

وكنت قد صدرته وعجزته في زمن الصبا:

قيل لا تنظرن لوجه جميل

ذي سناء مطرز بالنبات

لا ولا ترقبن لوجه صقيل

إنما ذاك يذهب الحسنات

قلت ذاك الجمال لما تبدى

وغدا مشرقاً بكل الجهات

وعلا حسنه على كل حسن

شغل الكاتبان عن سيئاتي

(1) سورة النساء: الآية 78 وتمام الآية (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا)

(2)

البيتان في شمامة العنبر ورقة 88.

(3)

سيترجم له المؤلف برقم 272

ص: 354

وأتم منه معنى وربطا تصدير كاتب الديوان لوالي الموصل أمين باشا يونس (1):

قيل لا تنظرن لوجه جميل

واستمع قول ناصح بثبات

وتجنب وقوع ذلك واعلم

إنما ذاك يذهب الحسنات

قلت ذاك الجمال لما تبدى

ومحا الذات باتحاد الصفات (2)

وتجلى بوحدة الحسن حتى

غفل الكاتبان عن سيئاتي

ولصاحب الترجمة مخمساً:

لي سادات اصطفيت هواهم

جعلت مهجتي فدا مصطفاهم

لا يخيب الذي يروم لقاهم

يتلقون من يؤم حماهم

بوجوه من التقى نيرات

تاه في عشقها ذوو العقل تيها

إنما الفوز والفلاح لديها

سابقوا أيها العفاة إليها

يا لها أوجه يلوح عليها

كل يوم دلائل الخيرات (3)

وقد أرسل إليه الحاج خليل عند انقطاع الامطار وتواليها بعد ما قنطت الناس هذه الأبيات:

يا خافضا رفع الظنون وناصبا

علم اليقين ولا يكون مشككا

من بعد ما قنط الورى من رحمة

فانظر إلى آثار رحمة ربكا (4)

فأجاب وأجاد:

يا من يذكر خله

كرم الكريم ونعمته

هذا قديما دأبه

يعفو وينشر رحمته (5)

(1) في ب: حضرت امين باشا سلمه الله يونس هو يونس افندي كاتب الانشاء وقد ترجم له المؤلف.

(2)

في الاصول: لما تبدا، ومحى.

(3)

ذكر هذا التخميس في شمامة العنبر ايضا ورقة 86.

(4)

هذا تضمين لجزء من الآية (فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها). سورة الروم آية 50

(5)

هذا تضمين لآخر الآية 28 من سورة الشورى، (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته)

ص: 355

السيد حسن النقيب (1) الأديب البليغ اللسن السيد النجيب حسن

قوم إذا حضروا النداء تميزوا

بعلو مرتبة ونور جبين

الوارثين المجد عن آبائهم

والحاملين العلم عن سحنون

شيخ الأدب، الراقي لأعلى الرتب. ذو الكلام الرائق، والكمال المتناسق، والمجد الراسب، والهطل المتعاقب. والحسن المطوي للحسب، والطراز المذهب للأدب. الذي تستفيد منه العيون بهجة، والألسن فصاحة ولهجة. قد رتبه الكمال أحسن ترتيب، وذهبه الشرف أروق تذهيب، وبوبه الفضل أغرب تبويب. فلله دره ما أحقه بصدر الكمال. وأسبقه إلى مراتب الفضل والمعال.

يورث الخلب نوراً، والفؤاد بهجة وسرورا. ملك أزمة القريض،

(1) ترجم له صاحب منهل الاولياء 1/ 243 فقال عنه: السيد حسن ابن اخي السيد خليل البصير النقيب سابقا، والمفتي الان، عالم ماهر أخذ العلم عن الشيخ عبد الله ورحل الى بغداد، والى القسطنطينية وجمع علوما جمة، وفضائل شتى، وناظر وباحث، وقرأ على شيخ الوقت صبغة الله الحيدري. وتضلع بانواع الفنون، وولي منصب الفتوى بعد ابن عمه عبيد ابن فخر الدين، فانتفع به الخاص والعام وما احقه بقوله

ما فيه لولا ولا لوما فتنقصه

وانما ادركته حرفة الأدب

وله اليد الطولى في علم النقطة. ومحاضراته ولطائفه ومداعباته اكثر من ان تذكر، واشهر من ان تبين. ونظمه في غاية اللطف والظرف فمن شعر البديع قوله من قصيدة طويلة (وذكر ابياتا ستة من القصيدة الدالية التي سيذكرها المؤلف).

وتوفي رحمه الله في غرة محرم الحرام من شهور سنة اثنتين ومائتين بعد الالف. وكان عمره اثنتين وسبعين سنة.

ص: 356

فكان للنظم بحره الطويل العريض. ظهرت في طلعته مخايل السعادة الموروثة القديمة، فنبتت في ساحته المكارم الأنيقة الكريمة. قد انقض على جنود الأدب، انقضاض النجوم الثواقب فملك أكرم المحامد واستملك أفخم المناقب. فكان له في الأدب الربع العامر، والسبب الوافي الغامر. قد تقنع بالفضل قناع الشمس بالغمام. وأسكر أرباب الأدب بشراب فصاحته، سكر العقول بالمدام. وأدار في البلاغة كئوس، تخجل الشموس، فكأنه العبير في منافحة الأنوار، والهلال في مصافحة الأقمار، له من النظم ما هو كالأسمار، لجميع الأمصار، يغنى عن اللجين والنضار. قد أتيت منه بالرائق الأنيق، الذي يغني عن الشراب والرحيق.

منه ما مدح به حضرة المرحوم والي بغداد أحمد باشا (1):

باينت زينب والأهلين والولدا

وشوقهم ليس عني زائلا أبدا

أمست تودعني والدمع منسجم

والقلب مضطرم والصبر قد بعدا

تقول يا صاح أين العزم فاحصة

وأي أمر بذا أضحاك منشردا

أهانك الدهر أيضا وهو ديدنه

بأبناء حيدر من حين الزمان بدا

(1) الوزير احمد باشا بن حسن باشا فاتح همدان تولى وزارة بغداد بعد وفاة ابيه سنة 1140 هـ وتوفي سنة 1160 هو دفن بجوار الامام الاعظم.

ص: 357

أم سامك العصر فقرا لو يسام به

أبناؤه لأضاعوا الرأي والرشدا

أم ليس هذا ولا ذا بل شغفت بمن

ينسيك إحسانه الأوطان والبلدا

أبن السفارة والأهلون في محن

وسوء حال وعيش أورث النكدا

هل جائز أن تدعنا في ضرورتنا

وما لنا كافل نرجوه مستندا

إن كان عزمك يا هذا لنحو فتى

نرجو بساحته الافلاح والصفدا

فلتسر حملتنا مستسعدين به

مستبشرين بحال يوجب الرغدا (1)

أجبتها ولسان الحال معتقل

والدمع منهطل والذهن قد فقدا

لا زال ممتحناً دهري فيوقعني

في كل رزء يزيح الصبر والجلدا

إني أريد لأسري شاكيا زمني

وما اعتلاني بؤس الدور مطردا

لدى المشير الذي لا زال مؤتمناً

من في حماه عن اللوام والحسدا (2)

لو رام ذا الدهر بطشاً في توابعه

لا يستطيع حياء منه ما قصدا

(1) في ب فلنسري

(2)

كذا والحسدا وهو خطأ

ص: 358

من بحر أعطافه لو سال جدولها

نحو امرئ غاض عنه السوء طول مدى (1)

أصحابه بلغوا كل السعود به

يا ليتني تابعاً في سنة السعدا

أعتاب دولته نيل المرام بها

من رام آرامه في تربها وجدا

كأنها في أديم الأرض افتتحت

بوب السماء فنبغي نحوها المددا (2)

كم سائل فاز فيها كل مطلبه

وعاد مشروح صدر قد شفى كبدا

لعل يعطف في حالي وينجدني

من غمرة أزهقت روحي كذا الجسدا

يا آصف العصر دستور الأوان ويا

صدر الزمان ويا نعم الفتى عضدا

فهو الوزير الذي إن أمه أحد

مستصغرا في حضيض الهون قد صفدا

أقامه بأيادي العز ممتطيا

أوج السما وذرى الأفلاك ممتهدا

لو شاهد الحاتم الطائي سماحته

ونال من فضله الطامي الأنام يدا

ودام يبذل ذاك الفضل مبتغيا

نشور جدواه لاستوفى وما نفدا (3)

(1) في الاصول: طول مدا

(2)

بوب: يقصد ابواب. وهي من لغة العامة بالعراق

(3)

في ب لاستوفا

ص: 359

من نال إحسانه لا يشتكي ألما

إلا تزايد حساداً وقهر عدا

يا اكرم الناس يا من ليس سائله

مخيباً زادك المولى غنى وندى (1)

عمت مواهبه الأقطار قاطبة

ساهمتها للورى عدلا ومقتصدا

وظل في ذمة الإحسان مطلبنا

أسرعت مسترجياً للعطف مصطفدا (2)

عطفا على هالك جار الزمان به

وقد أتى مستجيراً فيك معتمدا

يا أحمد الخلفا يا نخبة السلفا

يا مرجع الشرفا يا خير ملتحدا (كذا)

أوصافكم وأياديكم إذا أحد

أطرى بها ليس يستقصي وان جهدا

فالحتم في ذمتي تعقيب مدحكم

أزكى الدعاء بجد القلب ينتشدا (كذا)

استودع الله صدراً لو يماثله

في حسنه البدر فوق الشمس لاستندا

أشبه الشمس بالإشراق طلعته

لو لم يكن لفظها أثنى كما وردا

لا تزعمن هلالا ما يبين على

ذيل السماء جديداً نحو ما عهدا

(1) في الاصل غنا وندا

(2)

في الاصل: والصفدا

ص: 360

أيضاً هو البدر لكن في تقابله

وجه الخليفة أمس ذا بلا حسدا

ندعو آله البرايا أن يمكنكم

في مسند العز والإجلال منفردا

نطع الخلافة لا زالت مشرفة

من لثم أرجلكم مغبوطة أبدا

أمدك الله إجلالا بلا أمد

دامت صل الكاشح اللاحي وتب يدا

أدامك الله طول الدهر قاطبة

وما يلي بعده مستغرق الأمدا (كذا)

ومن شعره مصدرا ومعجزا لخمرية أبي نواس:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء

واترك فآخره بغض وشحناء

وذر دواء التي أمر الشفاء بها

وداوني بالتي كانت هي الداء

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها

ولا يلم بها بأس وضراء

ان سر منها خمود الطبع لا عجب

إن مسها حجر مسته سراء (1)

من كف ذات حرفي زي ذي ذكر

تغنيك عن أمرد عن بكر حسناء (كذا)

يميل في حبها صنفان يا عجبا

لها محبان لوطي وزناء

قامت بإبريقها والليل معتكر

بحيث لو كان بيض قيل سوداء

كأنها كوكب أنواره سطعت

فظل من وجهها في البيت لألاء (2)

فأرسلت من فم الإبريق صافية

تروي صفا وجهها من كف خضباء (كذا)

(1) في الديوان لومسها حجر

(2)

في الديوان: فلاح من وجهها

ص: 361

تسبى الهموم بجهر والحجا بخفا

كأنما أخذها للعقل إغفاء (1)

رقت عن الماء حتى ما يلائمها

ماء العذيب صفاء بل خليطاء

ان قلت روح فما أخطى تماثله

لطافة وخفي عن شكلها الماء (2)

فلو مزجت بها نوراً لمازجها

وصار منها بتلك الحال إجراء

وها على الفور تغدو جلب حابلة

حتى تولد أنوار وأضواء

دارت على فتية دار الزمان لهم

والدهر طاع لهم في الشان كسراء (3)

وما يخافون من بأس ومن خطر

فما يصيبهم إلا بما شاءوا

لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة

وقاعة ثويت فيها الاخلاء

أجري دموعي عليهم لا على بقع

كانت تحل بها هند وأسماء

وقل لمن يدعي في الحب توسعة

كلا فدعواك تزوير واغراء (4)

(1) في الديوان كانما اخذها بالعين اغفاء

(2)

في الديوان وجفا عن شكلها الماء

(3)

لعله يريد كسرى

(4)

في الديوان: لمن يدعي في العلم فلسفة

ص: 362

لو كنت صبا لما أصبحت مكتئباً

حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء

وممن صدر وعجز هذه الأبيات أحد المترجمين فيما بعد الحاج قاسم الجليلي رحمة الله عليه وهو:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء

واترك فديتك ما طب الأطباء

تنفس الصبح قم للكأس مبتدراً

وداوني بالتي كانت هي الداء

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها

ولا يمازجها هم ولا داء

كالروح تجري بمجرى الدم نشأتها

إن مسها حجر مسته سراء (1)

من كف ذات حر في زي ذي ذكر

إسقفة من بنات الروم عذراء

إن أقبلت ملكت أو أدبرت فتكت

لها محبان لوطي وزناء

قامت بإبريقها والليل معتكر

والكأس في يدها نجلاء حوراء

وأسفرت عن محياها ذوائبها

فظل من وجهها في البيت لألاء (2)

وأرسلت من فم الإبريق صافية

من عكس وجنتها في الكأس حمراء (3)

(1) في ديوان ابي نواس: لومسها حجر

(2)

في الديوان: فلاح من وجهها

(3)

في الديوان: فارسلت

ص: 363

لها دبيب بلطف غير مزعجة

كأنما أخذها للعقل إخفاء (1)

فقل لمن يدعي في الحب توسعة

ظللت عما به فاز الأحباء (2)

ظننت علمك يغني عن مداركها

حسبت شيئاً وغابت عنك أشياء (3)

وكنت قد صدرته وعجزته وهو:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء

واترك فذلك تنكيد واغواء

أدر كئوس الطلا يا صاح في عجل

وداوني بالتي كانت هي الداء

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها

ولا يرى الهم من في فيه صفراء

عتيقة الدن للأفراح جالبة

إن مسها حجر مسته سراء (4)

من كف ذات حرفي زي ذي ذكر

كالسمر إن خطرت حسناء سمراء

وردية الخد تسبي قلب عاشقها

لها محبان لوطي وزناء

قامت بإبريقها والليل معتكر

فما شعرنا بها هيفاء عذراء

فأسفرت شعرها عن ليل طرتها

فظل من وجهها في البيت لألاء (5)

فأرسلت من فم الإبريق صافية

تحكي بريق الثنايا الغر شمطاء

(1) في الديوان كانما اخذها للعين اغفاء

(2)

في الديوان يدعي في العلم فلسفة

(3)

في الديوان حفظت شيئا

(4)

في الديوان: لومسها حجر

(5)

في الديوان: فلاح من وجهها

ص: 364

ولو دعت خمرة من خدها عصرت

كأنما أخذها للعقل إخفاء (1)

رقت عن الماء حتى ما يلائمها

طبعا فحاكت لذا غيث وأنواء

رقت وراقت فلم تحك محاسنها

لطافة وخفي عن شكلها الماء (2)

فلو مزجت بها نوراً لمازجها

ولم تر في جوار الحان صهباء

دارت على فتية ذل الزمان لهم

فهم بذلك أموات وأحياء (3)

فما يغرنك ما يبدون من سكر

فما تصيبهم إلا بما شاءوا (4)

لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة

ترقى إليها بنو الآمال علياء (كذا)

ولا على بقعة خضراء زاهية

كانت تحل بها هند وأسماء

فقل لمن يدعي في الحب توسعة

عين المحب عن المحبوب عمياء (5)

رجوت وصلا ولم تخش الفراق إذا

حسبت شيئاً وغابت عنك اشياء (6)

(1) في الديوان: كانما اخذها بالعين اغفاء

(2)

في الديوان: وجفا عن شكلها الماء

(3)

في الديوان: دان الزمان لهم

(4)

في الديوان: فما يصيبهم

(5)

في الديوان: لمن يدعي في العلم فلسفة.

(6)

في الديوان: حفظت شيئا

ص: 365