الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة [المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نزه العيون في محاسن المعارف، وسرح الجفون في رياض الأدب. رياض تحاكى الروض النضر، وأزاهير تشاكل حسان العصر، قد البت أصناف اللطائف، وجمعت ضروب الأدب. فكم حديقة قد حدقت بصنوف شقائقه فرقت وراقت، وكم جنة تزخرفت بنور أنوار أزهاره فتاقت وفاقت. فيا لله ما ارفع منار الأدب قدرا. وما أوسع أمة الكمال (1) صدرا. يعطي المتعاطي به على أقرانه امتيازا، ويرفعه على أبناء عصره وأوانه حقيقة ومجازا. فيكسب من ورود مناهله العذبة فضلا وكمالا، ويحوز في ارتضاع ثديه الشهدي المذاق مجدا وجلالا. فمورده الصافي الشهي أعذب الموارد، والوصول إلى كنه ذاته الضافي البهي غاية المآرب والمقاصد.
أحمده حمدا على نعم لا تفنى من معادن المعارف دررها، ولا تأفل من جباه وجوه العوارف غررها. واشكره على ما خصنا به من الخوض في بحور بديع البيان والمعاني، وإرسال العنان في حلبة ميدان المكارم ومعجز الألفاظ من غير توقف
(1) في ب: الكلام.
وتواني. حتى جعل ضوامر صافناته العتاق تحت طوعنا فنغير بها على حصون المعال، ونطلق أزمة أعنتها من غير توقف على بطون اليراعة ومتون الكمال. فانقاد أصعبه إلينا انقياد العبد الطائع، واستطعنا له نقبا بعد أن كان كالسد المانع. فكل روضة من رياضه بانبات شقايقنا أنيقة، وكل جريدة من صحف معجزاته بإثبات دقائقنا وثيقة. فما من صك إلا وقد تصدر بختمنا، وما من سجل إلا وقد افتخر برسمنا. فهو الآن بدوننا بلا واسطة، ريشة بمهب الريح ساقطة.
ونهدي من الصلاة ما راق، ومن السلام ما فاق، ومن التحية ما علا، ومن الاثنية ما غلا. إلى السيد الذي رفع رتبة الأدب إلى هام الجوزاء، وشيد بروج حصونه فشاكلت الثريا وشاكهت السماء. أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب، فغرفنا على قدر الطاقة البشرية من ذلك البحر العباب. فهو العلة الغائية في ظهور الوجود وإيجاد الكمالات في عالم الشهادة، وهو الذي حصلت بشرف ذاته إلى أرباب الأدب أنواع المكارم وأصناف السعادة. نور العالم. مادة حياة أبينا (1) آدم، محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى آله الذين تفتحت لهم كمائم زهره الوضاح، وتحلت عقود عهودهم النيرة في كل مصباح. وصحبه الذين (2) اكتسبت منهم أيدي المنى بشاشة الأرواح. ولا زال وبل الرحمة
(1) في الاصل ابونا.
(2)
في الاصلين الذي.
متقاطرا (1) عليهم، ولا برحت ديمة اللطف منساقة إليهم، ما لفظت الأقلام بدائع الحكم، وظهر الأدب ظهور النار على علم.
وبعد، فيقول العبد الفقير إلى لطف ربه الغني، عثمان الملقب بعصام الدين بن علي بن مراد بن عثمان العمري الموصلي:
أني منذ رتعت وعلمت نفسي، وبرعت وميزت بين يومي وأمسي. يعني منذ لفظني المهد وكنت صبيا، إلى أن صرت في مدائن الأدب هاديا والى معالمها مهديا، ارضع من ثديه ما در وحلا، وساغ مذاقه لكل الملأ. فاركب من متونه كل صعب وذلول، وأطرق من مسالكه الوعرة شعاب الأطواد والتلول.
حتى اهتديت إلى ناهج طريقه الأقوم، وعبرت إلى معارج تدقيقه الأجسم. فما عبرت طريقا من طرقه إلا وأنا العابث في وهاده، ولا اجتمع اثنان إلا وأنا الثالث في عقد عداده.
فكل روض له بنا ازهر، وكل ليل له بضيائنا أقمر. أنسر بمعاطاة أقداحه كل حين، والتقط من فرائد نثاره النفيس والثمين. فأنا نسيم روضها العاطر العليل، وسلسبيل حوضها الماطر البليل. وديمتها الهاطلة الماطرة، وسحابتها المتقاطرة الزاخرة متولعا باكتساب فوائدها التي لا تحصى، ومعتنيا بانتخاب عوائدها التي لا تستقصي. ففي ذلك الوجد الوافر، والشغف الذي ما له آخر. كنت أتضوع بنفيس طيبه، وأتغزل برقيق النظم وتشبيبه. وانظم فيه عقدا وجمانا، واستخرج من قعر
(1) في الاصل متقاطر.
بحاره لؤلؤاً ومرجاناً. فكل يوم بواد، وكل حين بناد.
لنا نفوس لنيل المجد عاشقة
…
ولو تسلت أسلناها على الأسل
لا ينزل المجد الا في منازلنا
…
كالنوم ليس له مأوى سوى المقل
انظم فيها، واستخرج خوافيها، وافتح مقفلاتها، وافض الختم عن معضلاتها. فمضت على ذلك أيام، وانقطع عني (1) ذلك ذلك الشوق اللهام، لعوائق وحوادث عاقت، وموانع ظهرت وظهورات تلاقت. اعتزلت عنه حينا من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، فظن أرباب هذه الصناعة أني لم أجد إلى هذا الباب مدخلا ولا إلى هذا البحر عبورا.
عجب الناس في اعتزالي وفي ال
…
أطراف تلقى منازل الأشراف
وقعودي عن التقلب في الأر
…
ض لمثلي رحيبة الاكناف
ليس عن فايت بلغت مداها
…
غير أني امرؤٌ كفاني كفافي
وقد كنت ادخرت لمثل هذا اليوم، ما هو في العمل المثاب كالصوم. من نفائس المكنوز والمدخر، حتى يكون لأولى النهى كالمنتظر (2). من مسودات مناظرات ورسائل، ومحاورات
(1) في الاصل: عنه.
(2)
يريد: كالمهدي المنتظر.
ومفاخرات ووسائل. شاملة لتلك الفوائد، نفيسة بتلك الخرائد لذيذة بتلك الموائد. من كل رسالة فائقة، ومحاورة رائقة.
ومجالس أنيسة، ومباحث نفيسة. أرق من السحر الحلال، وأعذب من الماء العذب الزلال. ولما غلب عليهم الوهم، وظن بي وإن بعض الظن إثم، أني قد رفضت الأدب، وانتحيت عن سنة فصحاء العرب، أحببت أن أنسخ تلك الأوراق، وأضم أصول تلك الأعراق. وأرتبها ترتيبا يحسن بها الجمع، وتكون للأديب موضع النطق والسمع. لتحصل في الفوائد مطبوعة، وكالفرائد مصبوغة مصنوعة، وكالشهب متفرقة مجموعة.
مضيفا إليها ترجمة المعاصرين، الذين هم لعناقيد كروم الأدب عاصرين، ولأثمار غصون البلاغة هاصرين. معتصما فيها من الخطأ والزلل، والله المعين على القضاء إذا نزل. وقد حذوت فيها حذو الريحانة (1) وصاحب القلائد (2)، وجمعت فيها النادر من النظم والرائق من الفرائد. وإن شط المزار، ولم تتناسب الآثار. لكن الشاعر مشغوف بشعره، والجميل بذوائبه وشعره.
فمن عذر انصف، ومن عذل أسرف (3)، فالجواد قد يكبو، والزناد قد يخبو، والصارم قد ينبو (4)، وقد سميتها الروض
(1) هي: ريحانة الالبا وزهرة (نزهة) الحياة الدنيا لقاضي القضاة احمد بن محمد بن عمر الملقب بشهاب الدين الخفاجي المتوفى عام 1069 هـ.
(2)
يريد به الفنح بن خاقان الاشبيلي المتوفى سنة 535 صاحب كتاب قلائد العقيان في محاسن الاعيان انظر معجم المطبوعات العربية.
(3)
في الاصل: فمن عذل انصف ومن عذر اسرف.
(4)
في الاصلين: يكبوا، يجبوا، ينبوا.
النضر في ترجمة أدباء العصر.
وقد خدمت به الساحة العلياء، والدوحة العظماء، والراحة الرحباء. ساحة الحضرة العظمى، والسدة الأسمى، شمس سماء الوزارة، قمر أفلاك الإمارة، أوحد الوزراء، أسعد الوكلاء. المشير الأكرم، والدستور الأعظم، قامع الجبابرة قاصم القياصرة. آدب الأدباء، أعظم الملوك الفضلاء. غيث سماء الجلالة، ليث غاية البسالة. المفضال لمواليه، المغوار على أعاديه. نامي الوجود، سامي السعود. القرم القمقام، الصنديد الصمصام. حامي الغزاة، ما حي الطغاة. قاهر الأعادي، قاسم الأيادي. مجد الإسلام، ملجأ الأنام. غرة أيام الملوك الأعالي، طراز أكمام المكارم والمعالي.
هو الملك الجعد الذي في ظلاله
…
تكف صروف النائبات وتصرف
طلاقة وجه في مضاء كمثلها
…
يروق فرند السيف والحد مرهف
على السيف من تلك الشهامة مبسم
…
وفي الروض من تلك الطلاقة زخرف
صاحب المجد الاثير، والسحاب المطير. والمحامد والميامن، والمآرب والمحاسن. والأنواء والأنوار، والمبار والمسار.
والصباح والصلاح، والسخاء والسماح. والبذل والنوال، والنجح والآمال. والظبا (1) والبواتر، والعلى والمآثر. والسيف
(1) في ب: الضبا.
المصقول، والنصل المسلول. والشهم الكبير، والعادل النحرير والمشار الذي ما له نظير.
وزير لم يزل للمجد باني
…
يؤسس (1) للمكارم في الزمان
الغيث الهاطل (2)، والهمام الباسل، والواحد الذي ماله مماثل.
العظيم الشان، البليغ العنوان، والكثير الإحسان، زبدة وزراء آل عثمان (3)، ونخبة أمراء هذا الزمان. الفريد الكامل، والأسد الباسل. امامة سبحة الفرسان، حضرة محمد أمين باشا، نجل الوزير الغيور، والهزير الجسور حضرة الحاج حسين باشا أبقاهما الله ويسرهما لما يحب ويشا. أنار الله بمصباح آرائه ليل الخطوب وأزهرها، ومحا (4) بنور عزمه ظلم الكروب ونورها.
بمحمد وآله وأصحابه، السالكين لطرقه وشعابه. ما لاح فجر وضاء صباح، وغرد قمري الأنامل على أيك الأقلام وناح.
وهو ولي الإجابة فيما دعوت، وهو العون القوي لي فيما نحوت. فعليه اتكالي، ويه عزيمتي واحتفالي. ومما قلت فيه.
وما زلت سهماً للمصائب كلها
…
رمتني يد الأقدار من كل جانب
(1) في الاصل: يأس.
(2)
في ب: العالم العامل.
(3)
في ب: زبدة وزراء آل عثمان، الذي ما له في الفضائل ثان، ولا في المجد والهمم مدان. سلسبيل ماء الكرم، ونمو اغصان شجرة العطاء والنعم. واحد العلم والادب، ومنتهى الآمال والطلب.
قبلة المطالب، مجمع المناقب، واحد المآرب، صاحب المحامد والمواهب، احد رجال هذا الكتاب الصدر الاعظم محمد راغب. أنار الله بمصباح
…
الخ.
(4)
في الاصلين: محى.
بغيضا لهذا الدهر حتى تعلقت
…
يميني بمن حاز العلا بالقواضب (1)
متين العرى رحب القرى ضيغم الشرى
…
أبو المجد والجود الذي كالسحائب
فلما رآني الدهر إن قد تعلقت
…
يداي بطود في المكارم راسب
رأى جبلا لا يرتقي ومعالما
…
تجود على رفادها بالجنائب
لديها الثريا كالثراء وهامها
…
إلى القطب زهواً بين تلك الكواكب
فتى جبلا في المكرمات وأبحرا
…
إلى البذل بدرا في ظلام الغياهب
فقال إذاً دم بالمسرة والهنا
…
وكن في أمان من سهام المصائب
***
(1) في الاصلين: بغيض.