المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مراد بن علي العمري - الروض النضر في ترجمة أدباء العصر - جـ ١

[عصام الدين العمري]

الفصل: ‌مراد بن علي العمري

‌مراد بن علي العمري

(1)

ومنهم أخي مراد ذو الطبع النقاد

فارس ميدان الكمال ومنتهى جموعها، ومالك قيود النوال ومليك ربوعها. جال في أطرافها على أغر محجل، والتقط جواهر الكمالات بأطراف الأسنة والأسل. ركب كل صعب وذلول، وتعاطى في أنديتها أقداح سلافة الشمول. واستخدم الأدب فأغنى عن الخدم، وملك الأمر والنهي والقرطاس والقلم. ففم قلمه سحاب هامع، وصحيفة فضله ميدان واسع. في الله ما أحسنه فاها، وما أعلاه جاها. حديثه يورث السرور، وهو الحسنة الباقية مدى الأعوام والدهور.

قيل إنه كان إبان شبابه تفاحة ندمائه، وريحانة أصحابه.

يظهر من أدبه ما يبهر العقول، ويعيي الفحول. من فضل وأدب، وكمال منتخب. وفنون فصاحة، وعيون رجاحة. ونظم رسائل،

(1) هو مراد بن ابي الفضائل علي بن مراد العمري. اخباره قليلة وقد ترجم له صاحب الشمامة باسلوبه المسجوع. واشار الى انه توفي وهو شاب. فقد وقعت بينه وبين والده وحشة اضطرته الى الرحيل الى استانبول. ومات هناك بالطاعون سنة تسع وعشرين ومائة والف وقد ذكره القس صائغ في تاريخ الموصل 2/ 149 وقال عنه اما شعره فجيد يسير بين الضبط والرقة والعذوبة، ولكنا لسوء الحظ لم نجد له الا قصيدة واحدة نذكر منها ما يلي: وقد وهم في ذلك فهذه القصيدة التي نسبها اليه وبنى حكمه على شعره عليها هي لجده مراد بن عثمان بن علي بن قاسم العمري. وقد ذكرها صاحب الروض برمنها منسوبة اليه وترجم له صاحب منهل الاولياء 1/ 230 وقال عنه كان نسيج وحده ادبا وعلما .. وان من شيوخه الشيخ مصطفى البصير

وانه ألف رسائل نافعة، ووقع بينه وبين أبيه وحشة اقتضت رحلته.

فسار الى الروم ومات بالطاعون في حدود ثلاثين او تسع وعشرين ومائة والف وترك عقبا واولادا، منهم يحيى المفتي وقال، له شعر وسط، ولم يذكر منه شيئا.

ص: 177

ومعجزات دلائل. واختراعات دقيقة، ومداعبات رقيقة، ومنظومات رشيقة. ترتاح لها الخواطر، وتنظمها نظم الأساور بالخناصر.

فمن مكنوناته، ورائق مخزوناته: رسائله مع شروحها في الأصول وآداب البحث والعقائد، بألفاظ كاللآلي ومعان كالفرائد.

وقد هذبها ونقحها، وضوعها وفوحها.

وكان رحمه الله مأنوس الربع لكماله، حديد الطبع لجلاله.

يدعي في العلم الوحدة، وموت الفضائل بعده. ولهذا على ما بلغني إذ أني لم أره، وقعت وحشة بينه وبين الوالد، ما كدرت به المشارب وغيرت الموارد. ثم لذلك سافر إلى دار السلطنة، والأجل قد أخذ زمامه وجذب رسنه، فانمحت تلك الحسنة، في تلك الأمكنة.

وهناك اختطفته يد المنية، وسلبته الأمنية. فهو وديعة في تلك الأرض، إلى يوم الجزاء والعرض. وعليه الدهر انشد، في قلب حزين مكمد.

إن أنت أحببت أن تلقى ذوى أسف

على فقيدهم فاحلل بنادينا

لا عين إلا وقد باتت مؤرقة

له ولا قلب إلا بات محزونا

فمن آثاره الزاهرة، التي هي بأنواع المعارف ناظرة قوله:

لم يحظ قلبي من طرفي له لحظاً

إلا على أسهم صيرته حرضا

وجمرة الحسن منذ شبت بوجنته

شبت بمهجتي الحراء نار لظى

يا ويح من بهواه صار مفتتناً

لو كان يعلم ما لاقيت لا تعظا (1)

كم بت ليلي وأجفاني معلقة

بالزهر لا ارتجي إلا بلاغ رضا

(1) في الاصل لا تعضا

ص: 178

هذا المعنى لطيف، وفي بابه ظريف. إلا أنه قد سبقه ابن

قلاقس (1)، وأتى بما هو البديع

الغريب، وأخذ منه النصيب وأي

نصيب، وأورده في قصيدة أولها:

رد الركاب لأمر عن في خلدي

وسمه في بديع الحب ترديدا

وقف أبثك مالان الحديد له

فان صدقت فقل هل صرت داودا

والبيت المطلوب منها قوله:

حلت عرى النوم عن أجفان ساهرة

رد الهوى هدبها في النجم معقودا

وهذه القصيدة غريبة في بابها، منها في حسن التخلص إلى مديح ابي منصور محمود:

مالي ومال القوافي لا أسيرها

إلا وأقعد محروماً ومحسودا

أسكرتهم بكؤوس المدح مترعة

ولم أنل منهم إلا العرابيدا

سمعت بالجود مفقوداً فهل أحد

يقول لي قد وجدت الجود موجودا

الحمد لله لا والله ما نظرت

عيناي بعد أبي المنصور محمودا

*** ورأيت للصفدي قصيدة على هذه القافية وقد التزم فيها التجنيس وأتى ببعض أنواعه وهي قوله:

حرص العذول على السلو وحرضا

فغضضت عنه وفي الحشا جمر الغضا

(1) نصر الله بن عبد الله بن عبد القوي اللخمي ابو الفتوح الاعز المعروف بابن قلاقس الاسكندري الازهري، شاعر نبيل من كبار الكتاب المترسلين ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وتوفي سنة سبع وستين وخمسمائة ترجمته في خريدة القصر قسم شعراء مصر 1/ 145 وكتاب الروضتين 1/ 205، ابن خلكان 4/ 152، ارشاد الاريب 7/ 211 ودائرة المعارف الاسلامية 1/ 224، والبداية والنهاية 12/ 269 وبركلمان التكملة 1/ 461 والاعلام 8/ 344.

ص: 179

يا جيرة جاروا وقد عدلوا إلى

بعدي وما عندي لهم إلا الرضا

أنسيتم أنسي وحاشا ودكم

أو عهدكم أن ينقضي أو ينقضا

يا موقف التوديع إن مدامعي

نضبت وفاضت أن ترى ذاك الفضا

*** وتتمة القصيدة لصاحب الترجمة:

وكم إلى نحوه قد سرت مجتهدا

مؤدياً كل ما قد سن وافترضا

هذا ولم يرضه مني فيا أسفي

إذ لم أنل قربه والغير فيه حضا (كذا)

وليس ينفعني إذ لم يساعدني

جدي فيا حسرتي إذ لم أنل غرضا

فدع عذولي لومي واتخذ سكنا

غيري فإني لا أرضى به عوضا

لو كان عاشقه يبغي به بدلا

حين اللقاء ولو بدر الدجى اعترضا

لما تجشم ما قاساه من ألم

يسقيه في كل يوم دهره مضضا

أنى يكون سلو عن محاسنه

وبعضها منه بدر التم اقترضا

من خصره ليس للعشاق غير ضنى

وطرفه إنما يهدي له مرضا

أقسمت حقاً بديني وهو لي عشقي

إذ لو رأى ثغره الوضاح ما رفضا

بالأمس قد كان وصل منك عاجله

سخط فيا حبذا أن يعتريه رضا

فإن تسل حاجتي يا بغيتي فكما

عهدت فالطف فعمري في هواك مضى

*** ومن نفثات بابلياته قوله في المديح:

أدامك ربي بالسعود مؤيدا

وأولاك مجداً لا يزال مجددا

ص: 180

أيا مالك الدنيا ومالك رقها

لانت لدين الله قد جئت مسعدا

حميت حمى الإسلام من كل ملة

فأضحى بك الدين الحنيف مشيدا

بك الملة الغراء نارت وأزهرت

وقد عاد دين الشرك بالكفر أسودا

بك اعتزت الإسلام بعد خمولها

وصار بك الشرع الشريف مؤيدا

بك انتصرت أهل الشريعة والهدى

وحازت فخاراً لا يبارى وسؤددا

فيا ملكا نار الوجود بجوده

وأحيا موات المكرمات وأنجدا

أيا ملكا حاز السعادة مرضعا

ونال من الإقبال ما لن يحددا

أيا ملكا قد حاز كل جلالة

وكل وقار كاد أن يتجسدا

لقد أذعنت كل الملوك مهابة

لحضرتك العلياء إذ كنت مقتدى

سبقت الالى جداً وعزماً وهمة

وفضلا وعلماً جل أن يتعددا

وإن كنت من حيث الزمان مؤخرا

تقدمتهم ملكا ومجداً ومحتدا

*** رأيت للمحبي صاحب النفحة (1) أبياتاً في هذا المعنى وهي قوله من قصيدة:

ولئن تأخر عمره عنهم فما

هو في سبيل المجد بالمتأخر

ليس الزمان بموجب تفضيلهم

فسميه المختار آخر منذر

والطل قبل الوبل والأسفار من

قبل الضحى والخلد بعد المحشر

وتجيء فذلكة الحساب أخيرة

لتكون جامعة العديد الاوفر

***

(1) المحبي: محمد أمين بن فضل الله بن محب الله بن محمد محب الدين بن ابي بكر تقي الدين ابن داود المحبي الدمشقي والمتوفي سنة 1111 هـ وكتابه «نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة» تذييل كتاب الشهاب الخفاجي «ريحانة الالبا» طبعت بتحقيق عبد الفتاح محمد الحلو. انظر ترجمته في الكتاب المذكور.

ص: 181

ومنها قوله في ذم الدهر ومعاملته بالهجر والقهر:

ولقد عرفت بنيه معرفتي به

فعجبت من حظ اللبيب المدبر

والناس أميل ما رأيت إلى الفتى

فيكاد يعدو كل حر موسر

ولرب ذي فضل يواصل ليله

طياً وجهداً في النعيم الأوفر

لا سامح الله الزمان فانه

من شأنه تقديم كل مؤخر

والنذل أضعف ما يرى متقدما

كتقدم المعمول قبل المصدر

والمرء أجمل ما يكون مجردا

كالعضب ليس يقد ما لم يشهر

وإذا الضمائر في المراتب قدمت

وتظاهرت حسن اختفاء المضمر

*** ومن تتمة القصيدة المترجمة:

فكيف وقد أفنيت كل طليعة

من الكفر حتى كاد أن ليس يوجدا

فللت جيوش الكافرين فقد غدت

لوحش الفلا قتلاهم اليوم موردا

وكيف وقد أبليتهم بعساكر

تمور كبحر حفه السيل مزبدا

حوى كل مقدام شديد كأنه

هزبر إذا ما قامت الحرب أرعدا

إذا طفئت نار العريكة شبها

وإن همدت بالنبل والرمح أوقدا

فلم تر إلا سمهريا بكفه

يشرعه أولا حساما مهندا (1)

ففي رمحهم تزري ثعالب رمحه

ومن نبله خلت الفوارس شردا

فتحسب هاتيك الجيوش سحائباً

مدافعها كالرعد ما زال مرعدا

وتوهم هاتيك السيوف بوارقاً

لقد غشيت من لمعها أعين العدى

وخلت نبال النصر فوق خيولهم

كوبل يسح الغيث منه معربدا

(1) في الاصل فلا ترى الا، وما اثبتناه من ب

ص: 182

فوارسهم كادت تموت إذا رأت

من البعد شبحاً قد تطاول أو بدا

فولوا ولكن لات حين تخلص

وفروا ولكن أين يلقون مغتدى (1)

فأمسى ببيلغراد معقل حزبهم

كمثل هشيم بالرياح مبددا

فهنيت يا مولى الملوك جميعها

ومالك أرقاب الأنام على المدى (2)

فما ذاك إلا من سعودك سيدي

ففي وجهك الإقبال والفتح قد بدا

وبشراك بالفتح المبين ولم تزل

من الله منصوراً وشانيك أربدا

ولما توالى البشر قلت مؤرخاً

لقد جاء نصر الله والفتح أحمدا

*** ومن نظمه:

بأي ثناء تكتسي حلل الحمد

وقد نطقت في شكره ألسن المجد

رئيس لقد أضحى لسان يراعه

إذا ما جرى أمضى من الصارم الهندي

أنيس جليل يحمد الحلم نفسه

بصحبته إذ ضمه فاضل البرد

بليغ فلو باراه سحبان منطقا

على رغمه لم يفتد بسوى الرد

ولو أن قساً قاس حسن بيانه

بجوهره لم يرتد بسوى النقد

ولو نظم النظام بعض صفاته

لشبهه بالفضل في الجوهر الفرد

فتى جعل المعروف وقفا على الورى

وبلغ أرباب المقاصد للقصد (3)

فما بريت أقلامه لسوى الندى

ولا وشحت أوراقه بسوى الرفد (4)

إليك أبا بكر تناجي حشاشتي

وقد ذكرت من أهلها سالف العهد

حشاشة نفس هاضها غارب النوى

وحرك منها لوعة زائد الوجد

وما هاجها إلا حمامة أيكة

تنوح على أفنانها القضب الملد

(1) في ب ان يلفون وفي الاصل مغتدا وفي ب مفتدا.

(2)

في المخطوطتين المدا:

(3)

في ب الورا.

(4)

في المخطوطتين: الندا.

ص: 183

انتدب إلفا جارها غير نازح

ويندب إلفا مغرم الربع بالصد

لشتان ما بين الشجيين في الهوى

وسيان ما تخفي من الشوق أو تبدي

وما راعها إلا مطاوى حنينها

«على أن قرب الدار خير من البعد (1)»

أأطوي مرامي القفر والهم صاحبي

وأقلى صحارى البيد وكدا على وكد

وأرجع صفر الكف والكنز هاهنا

وأظما وهذا المنهل العذب للورد

وفي النفس آمال وهذا يردها

حيائي وأخشى من مجاوزة الحد

ولي في الوزير الألمعي خريدة

أودعها فيها محسنة العقد

فان تولين منك الجميل عرضتها

وإلا فدم في دولة زائد المجد

فأنت الذي أحسنت بي فرددتني

لأهلي فأنت المنعم المحسن المجدي

لك الهمم اللاتي تناهت وقد سمت

فلو عددت لم يحصها متقن العد

ولا برحت أوقاتك الغر تجتنى

بعز واقبال مجددة السعد

***

(1) في الشطر الثاني تضمين لشطر من قصيدة ابن الدمينة التي مطلعها:

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد

لقد زادني مسراك وجدا على وجد

ص: 184