الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحيى العمري
(1)
ومنهم نجله الفاضل يحيى
الشمس تسليك عما حل بالقمر. فتى تعاطى سلافة أقداح الإفتاء، وعرج إلى سماء الفضل وقمة الجوزاء. أفتى وهو في سن الخمسة عشر، وكاد لغيره إن لم يبق ولم يذر. أسفر عن خرد عرائس المسائل اللثام، فانقادت لخدمته العلماء الأعلام. فلا فضل إلا فضل تلك الشمائل، ولا قمر إلا في تلك المنازل. أدبه جامع، وحسام مجده قاطع، أوقد شمع المعارف وسراج الحكم، فظهر ظهور الشمس في حالك الظلم. فرتبته أعلى من الفلك، وفضله تاج بهام كل ملك.
معال تمادت في العلو كأنما
…
تحاول ثأراً عند بعض الكواكب
أما فضله فباهر، وأما ربيع مجده فزاهر. دخل قصور الأدب من أبوابها، وزين بقلائد النظم جيد أصحابها. فله فضائل ومآثر، تلقتها أيدي الكتب والدفاتر. قد انقاد جميع الأنام إليها، وعولت في مهامها عليها. إلا أنه لم يوف معه الزمان، وأغار على حصون عمره ذلك الخوان.
(1) هو يحيي بن مراد بن علي ابي الفضائل لم نعثر له على ترجمة غير ان صاحب منهل الأولياء ذكر في ترجمته لعلي (ابي الفضائل) بن مراد العمري 1/ 226 انه مكث على فتوى الموصل الى أن كبر وعجز عنها، فوجهت لولد ولده يحيى بن مراد بن علي. وكان حفيده هذا حسن المحاضرة والمذاكرة. له طبيعة رائعة، وقريحة فائقة. ومات بعد الستين والمائة والالف.
وكان رحمه الله غواص بحر العربية، وقناص فرائدها السنية.
يستخرج المعارف من لججها، ويقتنص بكر اللطيفة من هودجها.
انتهت آدابه إلى القطب فكان عليه المدار، ووصلت إلى الشهب فحق بها الافتخار. فكل دار به محلال، متوشح بالوقار والإجلال. فكمالاته السارية منشورة، وافضالاته السائرة غير مستورة. وإفاداته الجارية في الأنام مشهورة. قرأت عليه في الصغر واستقصيت منه الأثر، وأحييت بمكارمه ما دثر، فكان كالمطر، في كل ما قطر، وهو كالقمر، في كل السمر، فخذ ما بهر، من كل ما نثر. وذلك أي تحصيلي منه، وأخذي عنه، قبل وقوع الوحشة، وحصول الدهشة. إذ قد جرى بيننا أكدار، واتفق لنا معه بعد ونفار، يحير النظار، وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار أتعبني وكالهدف نصبني. سامحه الله، إذ بعدها صفا، وبحق القرابة وفى، وقد كنت له ظهيرا، وما ذكرت فيه إلا شيئا يسيرا، وما أبهمت تفسيرا. هذا وأنا ساعده، وبعد القطع مساعده.
وكنت يمينه، وفي أسراره أمينه. قسما بسبقه، ومقدم حقه، أني بعد ذلك الكدر، والأمور التي ظهرت بها العبر، لم أتغير عن خلوصه، ولم أزل أزين صحائف آدابي بنصوصه، وبجواهر فصوصه.
فما يخبرك عن تلك الموارد، وينبؤك عن كيفية تلك المعاهد، ما وقع بيننا في تلك الأيام، من محاورات الكلام، وتحريرات رسائل وجواب، على طريق الإصابة ونهج الصواب.
منها قوله:
بنيت أيا عثمان ما هدم الدهر
…
فلا زلت مسعوداً بمقدمك البشر
فأنت سحاب يحيا كل بهطله
…
وقطر يرجى قطره حيث لا قطر
ووجهك بدر قد نفى ظلمة الدجى
…
سناه وأخلاق هي الأنجم الزهر
وقد نال كل من نداك سؤاله
…
وعمهم من فيض إحسانك الغمر
على غفلة شرفتنا فهي زورة
…
تقضى بها العتبى ويغتفر الوزر
فأنت ترجى للشدائد ملجأ
…
وأهلا لمن قد قال في مدحك الشعر
إذا المرء ما لم يشتهر بخصاله
…
فيلفى ولم يبعد بسؤدده ذكر
فدمت بعز لا يشوبك نقصه
…
مدى الدهر لا يخشى الردى ولك الأجر
*** ولما وافاني رسوله بالرقعة، صارت لزهاء مجلسنا كالشمعة، وقد تفتح في حافاتها النرجس والأقحوان، وترصعت صحائفها بفرائد اللآلي وعقود الجمان. وروى بها فضيلته التي رجحت، وآدابه التي زهت ونجحت، أخرت ذلك الرسول إلى أن جعلته لي رسولا، واتخذت بجوابي المرتجل لاقتطاف ثمر آدابه سبيلا، فقلت:
لما رأيت سحب البلاغة هطلت من أكف الكرم، وجادت ببدائع فنون المعارف والحكم، حيث غرد قمري أنامله على قد القلم، نسجت من سدى قصوري هذه الأبيات، وأنا أتمايل بها طربا بين القصور والأبيات. فهي مولود ساعة، من قليل
البضاعة، فالمرجو أن تجعل صداقها حسن القبول، فإنه غاية القصد والمأمول.
أمبسم غيد أم سنا من سنا البدر
…
أم الغادة الهيفاء بانت بلا خدر
وقد كست الصدر الصقيل جواهراً
…
فبان لنا ذاك السناء من الصدر
أم اقترنت بالبدر فاكتست الضيا
…
أم الصبح أم ضوء النهار مع الفجر
أم الشمس أم نظم الأديب الذي غدا
…
يفوق سنا في نظمه عقد الدر
هو الواحد الفرد الذي باسمه غدت
…
منابر أهل الفضل تحيا إلى الحشر
أديب لبيب كامل متكمل
…
رضيع لدر الفضل من محكم الذكر
هو الحبر بل والبحر والغيث والندى
…
أنامله بحر تحل عرى القطر
فلا زال يرقى للمعالي بمجده
…
ويقطف أثمار العلوم بلا عذر
فينمو ويسمو ثم يرفع رتبة
…
إلى نحوها هام السماكين لم يطر
أمولاي قد اتحفتني بقصيدة
…
سقتني كئوس الفضل من رقة السحر
فيا من غدا بالفضل يسحب ذيله
…
ومن فاق أهل العصر بالنظم والنثر
نفثت لسحر معجز مفرد بها
…
فهبت لنا النفحات طيبة النشر
فخذ نحوها بالوزن لا بفصاحة
…
فكيف تباهى وهي واحدة العصر
وإن كان قد أوجزت بالمدح سيدي
…
فلم أك ممن قد يقصر بالشكر
فعذراً وعذري واضح ومبين
…
فإن عداد الفضل يربو على الفكر
فلا زلت تسمو بالمعالي وتنتمي
…
إليها وأبواب البلاغة بالصدر
متى صاغ دراً شاعر بتفكر
…
لنظم قواف سمطها من سنا الزهر
*** ولما اشتهر هذا القيل، ووصل أيدي المتطاولين، وتناولته أنامل المتأدبين، وجنت منه كل نفيس وثمين، واكتسبت منها مكارم (1) وفخرا، وادخرتها للمسامرة والمفاكهة أحسن ذخرا. وتناولها كل
(1) في المخطوطتين: مكارما.
ذكي وتعاطاها، وتراسلها كل ألمعي وتهاداها، كتب الي في الجواب ما اعجز الإبداع منها والإغراب بقوله:
أتانا كتاب يوجب الحمد والشكرا
…
برقة ألفاظ حكى صوغها درا
فبكر معانيه بديع بيانه
…
إذا نفحت فاحت مجالسنا عطرا
كتاب هو السحر الحلال بنظمه
…
ولكنه في نثره الآية الكبرى (1)
حوى كل معنى معجز في حروفه
…
فصيرنا نشوى فصاحته سكرا
فنزهت طرفي في محاسن روضه
…
وسرحت لحظي أجتني النور والزهرا
فلو سامه قس لأحصر نطقه
…
وأقسم حقاً أنه ينفث السحرا
فأوليته حسن القبول معظما
…
لمقدمه إذ قد كسيت به فخرا
شمخنا به أنفا على رغم كاشح
…
وقلنا كذا من قال فليقل الشعرا
وحق لنا أن نفتخر بوروده
…
لمصدره ممن فواضله تترى
أديب لبيب في المكارم ماجد
…
حسيب نسيب كامل واسع صدرا
(1) في الاصل: الكبرا.
كريم السجايا ليس حد لمجده
…
وفيض نداه أغمر البر والبحرا
شهاب مضيء في الفضائل ثاقب
…
وزند ذكاء في البلاغة قد أورى (1)
هو العلم الفرد الذي شاع ذكره
…
فأوصافه لا نستطيع لها حصرا
فهاك عروساً في مديحك تجتلى
…
قبولك إياها يكون لها مهرا
وإن أو جزت بالمدح فهي جديرة
…
بأن تتلقى بالقبول وأن تقرا
فلا زلت في عز منيع وسؤدد
…
تنال به فخرا وتعلو به قدرا
ورد الكتاب من الأخ فتلقيناه بالقبول، وانتشقنا به شذا فصاحة بهرت العقول. وكيف لا وقد كشف القناع عن أبكار الافكار، واستخرج مخدرات المعاني من تلك الأستار. فيا له من أديب إذا اخذ القرطاس خلت يمينه تنقط نورا، وتنظم لؤلؤاً منثورا. غرة جبين الكمال، ومنتهى القصد والآمال. الخائض بحور المعاني، والمستخرج درر المثالث والمثاني. لا زالت شموس أدبه مشرقة، ونواصي البلغاء بين يديه مطرقة. ما همل ركام، وسجع حمام.
(1) في المخطوطتين: فداورا.
هذا وقد أرسلت له ما جال في الخاطر الفاتر، مع اعترافي باني قليل البضاعة، وكاسد في هذه الصناعة. فالمرجو القبول، فانه القصد والمأمول.
*** فوصلتني الرسالة الثانية، وأنا عن العزم إلى طريق الجواب ثانيا، إذ الأولى لم اصح من خمارها، ولم افق من سكر سبقها في مضمارها وهذه المنحة الأخرى، والآية الكبرى، والصباح الذي أرسل أمامه فجرا. وقد نثر في هذه الصحيفة لآل (1)، وأثبت معارفا وكمال.
وأظهر فنون، تعجز الظنون، وتبهر العيون. وزف عروسا تهزأ بالشموس، وترتاح بسماعها الآذان والنفوس. فهي بكر عربية، وعذراء بدوية، كالشمعة المضية. أعربت عن إعجازها بإيجازها، وقد أنجدت وأغارت، ولم تسر شمس حيث سارت.
ولكن المودة هي التي دعتني، وفي هذه الورطة اوقعتني، فأجبته في الحال، على طريق الارتجال، مع علمي بأنه فارس المجال، بقولي:
وافي كتابك يا مولاي في الظلم
…
فافتر مبتسماً عن رايق الحكم
فصرت مفتكراً في نظمه أمداً
…
رأيته بين منهل ومنسجم
فجوهر اللفظ قد صيغت محاسنه
…
في سمط عقد سما كالدر في الكلم
آيات تهذيبه لو كان يبصرها
…
قس بن ساعدة في غمضة الحلم
أو أحمد ابصرا من صنعها عجبا
…
أما السجود فما قولي بمتهم (2)
راقت ورقت وكانت بنت ليلتها
…
وشاحها النجم عقد غير منفصم
أما المعاني لا تحكي محاسنها
…
لطافة قسما بالنون والقلم
(1) في المخطوطتين: لئال.
(2)
يريد باحمد: ابا الطيب المتنبي.
وكيف تحكى وكادت أن تكون لنا
…
بدراً من الأفق أو ناراً على علم
وحق أن تتلقى بالقبول وأن
…
تكون فخراً لأهل الفضل كلهم
وقد أتت بمراء من شمائلها
…
مشحونة بوداد من أخي كرم
مهذب القول لولا أنه أذن
…
يصغي إلى قول واش بالنفاق سمي
فريد عصر روينا من فضائله
…
آيات فضل سمت في سائر الأمم
هو الأديب اللبيب البارع السند الصافي
…
السريرة والأخلاق والشيم
ألقيت مذ سبكت تلك القوافي في
…
أعجاز لفظك في در من الحكم
عصا التفنن والتسليم ليس رضا
…
لكن لئلا يجازي النور بالسخم
فان ألفاظك اللائي نثرن لنا
…
تلك الدراري سمت بالفضل من قدم
يحق للحور أن تنظم جواهرها
…
في جيدها عوضا عن كل منتظم (1)
لا زال بابك باباً للوصول إلى
…
نيل العلا مقصداً للجود والكرم
ما رنحت عذبات البان ريح صبا
…
واطرب العيس حادي العيس بالنغم (2)
مولاي، أما القرطاس فكاد أن يشتعل ضراما، وأن يكون عذابه غراما، حتى قال فم القلم يا نار كوني بردا وسلاما، فإني ألقي إلي كتاب كريم، واجب الترحيب والتكريم. فمتعت النظر في تلك الرياض والنعم، حيث هبت من نحوه نفحات طيب وكرم. فلم أدر منام، أم طيف أحلام. أم قرب بعد النوى، أم حبيب أتى وما ارعوى. فإذا هو كتاب كريم، أشرق بدر فضله في سماء الكمال، فخلع علي برود المسرة من أوج السعادة والإجلال، حيث غاص في قعر بحار المعارف فخرج أخضر (3)
(1) جزم الفعل تنظم وحقه أن ينصب ليستقيم له الوزن
(2)
هذا البيت لم يذكر في ب
(3)
في المخطوطتين: احضرا.
يانعاً وسابق قصب السبق في مضمار البلاغة فغدا فضله ساطعاً.
فيا لوارد من كعبة جود وكرم، ومعدن فضل وحكم. اخذ بمقاليد البلاغة من كل جانب، ورماني من الفصاحة بهذا السهم الصائب، فحركت البنان، مع معاونة اللسان، فغرد قمري الأنامل على أيك القلم، ولفظ من فمه البرء بعد السقم. ونفث من سحر آياته الباهرة، وهو متمايل بين رياضه الزاهرة. كما هو مسطور، من منظوم ومنثور. وكنت ممن زجر الطبيعة، عن اكتساب هذه الصنيعة. ولان لسان التقصير، كما هو مشهور قصير. ولا سيما والفضل روض أنت سناه، والكمال شيء أنت مناه. والفصاحة قد أخذت بمقاليدها، وعلمت طارفها وتليدها. فالمرجو العفو عن التقصير العميم، فإني قد أشرت إلى إلقاء عصا التسليم.
*** ولما أصبحت المعالي وقد أزهر به ربعها، واتسق بادبه شاردها، وانتظم بفضله جمعها، وهو إذا في بلدنا مفتي الامة، والملاذ المغيث في كل مدلهمة. وقد همى منه للمعارف انسجام. وأصبح بأدبه لأرباب البلاغة إعجام (1). وأوضح إشكالا، وفتح أقفالا.
وسهل صعاب، وسلك في القريض شعاب. وسئل عن كل شكل فأجاب، وأغرب في كل ما أملى وأصاب.
فمن جملة ما وصله على طريق السؤال من ابن عمنا عمر (2)، هذا السؤال الادبي المبتكر. وهو:
(1) في ب: من اعجام
(2)
هو عمر بن ابي بكر العمري. ذكره صاحب منهل الأولياء 1/ 232 وقال عنه: كان رجلا صالحا منقطعا في بيته، مشغولا بمطالعة الكتب ومذاكرة الطلاب، ينظم المدائح النبوية، وشعره متوسط. وكان قد عرض له آخر عمره مرض الوسواس فتحاشى عن مجالسة الناس. ومات سنة نيف وستين بعد المائة والف
يا سيداً في الورى شاعت فضائله
…
وكم جلت مشكلا عنا مسائله
بحر العلوم محل المعضلات ومن
…
في الشرق والغرب قد سارت رسائله
قامت بصحتها عنه الدلائل في
…
أفضاله فسرت فضلا دلائله
كنز لقد نظمت منه جواهره
…
بحر لقد عذبت منه مناهله
إن أشبكت في طروس العلم مسألة
…
في معرك البحث حلتها أنامله
أو جال فوق جواد الفضل مقتفلا
…
درع الكمال فمن فيه يجادله
فإنما العلم في كل الأمور له
…
بحر مديد ولكن أنت كامله
فاكشف لنا عن رموز ليس نعرفها
…
واصنع جميلا وكن للخير نائله
جئناك نستفتي فاسمح بالجواب لنا
…
أعزك الله ماذا أنت قائله
فيمن بلي بكحيل الطرف ذي هيف
…
إذا قسا قلبه رقت شمائله
إذا انثنى معجبا أو ماس محتجبا
…
وهز ريح الصبا منه غلائله
أمست بدور السما بالحسن تحسده
…
كذا غصون النقا تهوى تمايله
تفقهت بعلوم السحر مقلته
…
انسانها ساحر واللحظ بابله
وكنز وجنته ألحاظه رسمت
…
طلاسماً رصدت فيها مباطله
لكنه باخل في وصل عاشقه
…
وإنما هجره والصد باذله
صب يبيت وجنح الليل منسدل
…
يحدي الظلام إذا سارت قوافله
فإن شكى حاله يوما لقاتله
…
عسى يجود له أمسى يماطله
قاسى به كل هول في تصدده
…
ما لا يكد جبل في الأرض حامله (1)
والآن رق له من بعد جفوته
…
وقد رأى صبره أضحى مواصله
فان تمنع عن تقبيل وجنته
…
واستعمل الصبر كان الصد قاتله
(1) جزم يكاد بلا جازم ليستقيم له الوزن وهو لا يراعى قواعد الشعر في كثير من قوافي هذه القصيدة.
والصد تهلكة إن رامه دنف
…
عاص تقولون لم تقبل نوافله
وإن أطاع الذي يهوى وقبله
…
حين الوصال فليس الشرع قابله
فكيف يصنع مقتول الغرام فهل
…
من فتوة عندكم تنفي مشاكله
لا زلتم سنداً للسائلين لكم
…
كي يستفيد قليل العرف جاهله
فأفت الكئيب عسى من فيض نائلكم
…
يستيقظ العزم عما كان غافله
لو شاعر رام أمراً منك سائله
…
كانت إليكم قوافيه وسائله
لا زلت تسمو بهام الفضل مرتبة
…
في طيب عيش وحفتكم خمائله
*** ولما وصلته الصحيفة بيد الرسول، وهبت على أرجائها من فضله نسمة القبول. وظهرت إمارات الرضا، وجرد سيف الفضل وانتضى انتهض تحت صبا أعنة، وقبض شبا أسنة. وركب جواد النظر وجال، وأرسل عنان النظم فقال:
يا سائلا عن مرام عز سائله
…
قد بان من لفظه عندي وسائله
إن رق من في هواه القلب مفتتن
…
فكيف يمنع عن أثم يحاوله
فالصد إن كان عن دل فآخره
…
وصل وان كان قد مجت أوائله
إن أمه دنف تهدى فرائضه
…
وليس ما قيل لم تقبل نوافله
فان تكن زاهداً عن كل فاحشة
…
حقاً فقبل وخذ ما أنت آمله
فقد يباح حرام عند حاجته
…
ويأكل الميت مضطر يحاوله (1)
خذ فتوتي موقناً في صدق قائلها
…
والقول أصدق منه كان قائله
فهمت أنك تصبو في الأنام كما
…
أصبو وبحر الهوى ماجت سواحله
(1) في الاصل: مضطرا.
فاعلم كلانا بحال لم يشبه سدى
…
تحدي الظلام إذا سارت قوافله
*** وهذا الباب، أي السؤال والجواب، باب نادر، تنتعش بسماعه النفوس والخواطر. وقد سلكه الكثير من أهل هذا الفن.
وأتوا فيه بالنادر الغريب الحسن. ولما فتح لنا (1) إلى الدخول فيه بابا ووجدنا إلى الوصول إليه انسيابا فلنورد منه ما يروق، ويسمو ويفوق.
فمن ذلك القبيل، والنادر الذي ماله مثيل. قول بعضهم على هذا الروي والقافية، ما هو أعذب من المدامة الصافية. وهو:
متيم لم يزل في الحب ذا شجن
…
والقلب من شغف عزت وسائله (2)
إن رام من حبه وصلا يكون له
…
عونا على الحب كان الصد حائله
أو رام من خده لثما يقول له
…
ورد الخدود عزيز عز نائله
فهل ترى العارفي ذا الحب يا أملي
…
أم تركه العار إن لحت عواذله
فهذه قصة المشتاق يا سندي
…
روحي فدى لك ماذا أنت قائله
فالجواب الذي هو على نهج الصواب:
إذا الفتى من أليم الوجد كان شجى
…
وظل عن طرق ما أضحى يحاوله
أو إن أتى زائراً محبوبه لينل
…
منه التواصل كان الصد حائله (3)
يستعمل الصبر في هجر الحبيب نعم
…
فالصبر يا صاح لا شيء يعادله
فليس في الحب عار تختشيه بلى
…
في تركه العار إن لحت عواذله
هذا جوابي فلا تركن إلى أحد
…
فتارك العشق لم تقبل قوائله
***
(1) في الاصلين: نفتح واثبتنا فتح لتصح الجملة.
(2)
في الاصل: ذو شجن.
(3)
جزم الفعل ينال وصوابه النصب ليستقيم له الوزن.
ومثله من الرحيق الشافي ما حكي عن الشيخ محمد اليافي، أنه دخل عليه غلام، ودموعه في انسجام. وهو في سن الحداثة، وقد طلب من الشيخ المذكور الإغاثة. فناوله صحيفة، وفيها هذه اللطيفة. وهي:
عاشق خاطر حتى
…
استلب المعشوق قبله (1)
افتنا لا زلت تفتى
…
هل يبيح الشرع قتله (2)
فأجابه الشيخ في الحال، من غير اضطراب وملال.
أيها السائل عما
…
لا يبيح الشرع فعله
قبلة العاشق للمع
…
شوق لا توجب قتله
وذكر الخزرجي (3) في تاريخه في ترجمة أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي: إن رجلا كتب إليه أبياتا كالعسل، حاوية لهذا المدعى والجدل، يقول فيها:
أبا جعفر ماذا تقول فانه
…
إذا نابنا أمر عليك المعول
ولا تنكرن قولي وأبشر برحمة
…
من الله في الأمر الذي عنه نسأل
أفي الحب عار أو ترى العار تركه
…
وهل من لحا أهل المحبة يجهل
(1) في الاصل قلبه.
(2)
في المخطوطتين قبله والصواب ما اثبتناه ويؤيد ذلك الجواب.
(3)
هو علي بن الحسن بن ابي بكر بن الحسن بن وهاس الخزرجي الزبيدي، ابو الحسن موفق الدين، مؤرخ، بحاثة من اهل زبيد في اليمن، عاش نيفا وسبعين سنة وتوفي سنة اثنتي عشرة وثمانمائة.
من كتبه «الكفاية والاعلام فيمن ولي اليمن وسكنها من الاعلام- خ» و «طراز اعلام الزمن في طبقات اعيان الزمن- خ» و «العسجد المسبوك في تاريخ الاسلام وطبقات الملوك- خ» و «العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية- ط جزآن» و «العقد الفاخر الحسن في طبقات اكابر اليمن» و «مرآة الزمن في تاريخ زبيد وعدن» . وديوان شعره. ترجمته في الضوء اللامع 5/ 210 وشذرات الذهب 7/ 97 والاعلان بالتوبيخ 134 والاعلام للزركلي 5/ 83 وفيه مصادر اخرى حديثة.
وهل ذا مباح فيه قتل متيم
…
وأحبابه عنه تصد وتقبل
فرأيك في رد الجواب فانه
…
بما فيه يفتى أيها الشيخ أفعل
فأجابه الشيخ المذكور، بما هو كالدر المنثور:
سأقضي قضاء بالذي عنه تسأل
…
وأحكم بين العاشقين وأعدل
فديتك ما في الحب عار على الفتى
…
ولا العار ترك الحب إن كنت تعقل
ولكنه إن مات في الحب لم يكن
…
له قود عندي فلا عنه تغفل
ووصلك من تهوى وتعشق جائز
…
عليك كذا حكم المتيم يفعل
فهذا جواب فيه عندي مقنع
…
لما جئت عنه أيها الشيخ تسأل
ومثله ما سئل الفاضل الذي ما له ثاني، والواحد الذي بغير مداني أبو الفضل ابن حجر العسقلاني (1):
ماذا يقول فقيه الوقت في رجل
…
أضحى قتيل الهوى من أسهم المقل
فهل يجوز له إحياء مهجته
…
من ثغر محبوبه بالرشف والقبل
وهل يجوز له يوماً يعانقه
…
ويشفي القلب في قول وفي عمل
فهذه قصتي في شرحها عجب
…
فأسرع برد جواب يا منى أملي
فأجابه الفاضل المذكور، بما هو كالدر المنثور، بقوله:
إن صح دعواه في إتلاف مهجته
…
بان رشف اللمى تشفي من العلل
فليلثمن رضاب الثغر مرتشفا
…
وليقطفن بفيه وردة الخجل
فذاك في ملة الإسلام أيسر من
…
قتل امرئ مسلم لله في الازل
(1) هو قاضي القضاة شهاب الدين ابو الفضل احمد بن علي بن محمد بن علي بن حجر الكناني العسقلاني الاصل المصري المعروف بابن حجر. توفي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. التبر المسبوك 280 وحسن المحاضرة 1/ 170 والضوء اللامع 2/ 36 وطبقات الشافعية للاسدي 108 ومعجم المطبوعات العربية وقد ذكر فيه اكثر كتبه المطبوعة.
ومثله أيضا ما كتب القاضي أبو الطيب (1) المفضال، على هذا الطريق والمنوال. وهو:
يا أيها العالم ماذا ترى
…
في عاشق مات من الوجد
من حب ظبي أهيف أغيد
…
سهل المحيا حسن القد
فهل ترى تقبيله جائزاً
…
في الفم والعينين والخد
من غير ما فحش ولا ريبة
…
بل بعناق جائز الحد
إن أنت لم تفت فإني إذا
…
أصبح من وجدي استعدي
فأجابه القاضي، على المنوال الماضي، بقوله:
يا أيها السائل إني أرى
…
تقبيلك المعشوق في الخد
يفضي إلى ما بعده فاجتنب
…
قبلته بالجد والجهد
فان من يرتع حول الحمى
…
لا بد أن يجني من الورد
تغنيك عنه كاعب ناهد
…
تحضر بالملك أو العقد
تنال منها كلما تشتهي
…
من غير ما فحش ولا صد
هذا جوابي لقتيل الهوى
…
فلا تكن في ذاك تستعدي
*** ومثله ما كتب إلى الوركاني (2)، حاوية لهذه الأمور والمعاني.
ماذا يقول إمام الناس قاطبة
…
في عاشق لثم المحبوب هل أثما
متيم في هواه قد أناف به
…
على ردى الحب والمعشوق قد سلما
(1) هو طاهر بن عبد الله بن طاهر، أبو الطيب الطبري ولد سنة 348 هـ، استوطن بغداد وحدث ودرس ثم ولى القضاء وتوفي سنة 450 هـ. (تاريخ بغداد للخطيب 4/ 360).
(2)
هو محمد بن الحسن ابو الحسين الوركاني، كان اديب اصبهان، ولقي نظام الملك ومدحه وصنف له كتبا في الادب، وهو والد فخر الدين الحسن ابي المعالي مفتي الفريقين، ووالد ابي المحاسن الحسين محمد بن محمد. الوافي بالوفيات 2/ 346
قد عف في حبه عن كل معصية
…
وكف مستعصماً عن كل ما حرما
هل يأثمان بلثم يعبثان به
…
ليطفيا لهبا في القلب مضطرما
فأجابه ذلك الأديب، ولله دره من مجيب:
شريعة العشق تأبى لثم من لثما
…
معشوقه وتريه ذاك مغتنما
والصب سمي صباً من بليته
…
وصب من توقه بالشوق منه دما
ومن تعاطى حراماً في هواه أتى
…
بالفسق لا العشق لكن صحف الكلما
وما أخال لهيب الوجد يطفئه
…
تقبيله بل إذا التقبيل عز نما
هذا جواب الذي استفتيت فيه فخذ
…
فقد أتاك كسمط الدر مبتسما
*** وإن لم يكن من هذا القبيل، ولكنه في السؤال والجواب مثيل.
ما كتبه بعض الفضلاء لأحد الأدباء:
يا أيها المولى الذي
…
صيغت له العليا غلط
بعد الفروق الممتلي
…
اخترت تبتاع البوط (1)
فأجابه الأديب الثاني، بما يعد من المثالث والمثاني:
قل للوجيه مخبرا
…
ممن له العذر بسط
للصر كنت كاتبا
…
فمن على الصاد نقط
وللكمال كاسبا
…
فالكاف من لها كشط
لكن أفعال الزما
…
ن ربما جاءت غلط
والتبر لا يشينه
…
يوماً إذا احتاج البوط
فراجعه المذكور، بما هو كالآس والمنثور، بقوله:
(1) الفروق جمع فرق وهو مكيال يسع ثلاثة آصع، والبوط جمع بوطة بالضم الذي يذيب فيه الصائغ الذهب (القاموس) والبيت في الاصول مضطرب فاصلحناه.
يا من أجاد إذ أجا
…
ب بالصواب لا الغلط
وقاس إذ قاس وقد
…
قسا الزمان وقسط (1)
فالله ما أخطأت في ال
…
قياس أو رمت شطط
لكنني راض بما
…
قضى به الله وخط
فارض بما قدره
…
ولا تجاهر بالسخط
واستشعر الصبر فما
…
خاب رفيق الصبر قط
وللهموم غمرة
…
وتنجلي عمن قنط
وعادة الله جرت
…
بحل ما قد ارتبط
ونقطة الصاد من ال
…
صر لمن خاف وشط
والمال لا يبقي الكما
…
ل بل لديهم يشترط
فخذ جواباً شافيا
…
كالتبر صفته البوط
واعذر أخا شغل فإ
…
ن العذر يمحو ما فرط
ومثله ما نقل عن محمد الكواكبي الحلبي (2) وقد أرسلها إلى عبد الله الحلبي ابن الحجازي (3) وهو:
حتام في ليل الهمو
…
م زناد فكرك ينقدح
قلب تحرق بالأسى
…
ودموع عين تنسفح
ارفق بنفسك والتجى
…
لحمى المهيمن تنشرح
(1) في الاصل: فلسا الزمان. وفي ب وقاسا اذ قاسا.
(2)
هو الشيخ محمد بن حسن بن احمد بن ابي يحيي الكواكبي الحلبي الحنفي مفتي حلب ورئيسها، كانت ولادته في سنة ثمان عشرة والف، وتوفي سنة ست وتسعين والف. خلاصة الاثر 3/ 437.
(3)
هو السيد عبد الله بن محمد حجازي بن عبد القادر بن محمد ابي الفيض الشهير بابن قضيب البان الحلبي الحنفي، الاديب، الشاعر، المنشى البليغ. تصدر للتدريس ثم تولى ديار بكر قتله غوغاء حلب سنة ست وتسعين والف وذهب دمه هدرا خلاصة الاثر 3/ 70.
واضرع له إن ضاق عن
…
ك خناق حالك ينفسح
ما أم ساحة جوده
…
ذو محنة إلا منح
أو جاءه ذو المعضلا
…
ت بمغلق إلا فتح
فدع السوي وانهج على
…
نهج السوي المتضح (1)
واسمع مقالة ناصح
…
إن كنت ممن ينتصح
ما تم إلا ما يريد
…
فاخلع مرادك واطرح
واترك وساوسك التي
…
شغلت فؤادك تسترح
فأجابه المذكور من هذا الباب، بما هو كالشهد المذاب.
يا أيهذا المصطلح
…
قل لي بماذا تصطلح
أفسدت عيشك بالمنى
…
وزعمت أنك تنصلح
وأضأت حتى كدت في
…
نار العذابة تلتفح
حتام تهنا بالذي
…
تكفى به أنت الملح
وإلام تركن للحيا
…
ة ومن دواها تجترح
أو ما ترى الدنيا ويج
…
معها الشتيت المنكسح
والله ما افتخر العز
…
يز بعزها إلا طرح
كلا ولا مرح الجوا
…
د برحبها إلا كسح
فاقنع بلحتاها القلي
…
ل ولا تمار فتنفضح (2)
واجعل مؤونتك التقى
…
فهو الطريق المتضح
وإذا الحقوب تزاوجت
…
فالصبر أنجح ما لقح
لا تيأسن من ان تدا
…
ويك الأمور وتنشرح
(1) السوى بالكسر والضم من الجبل ذروته (القاموس).
(2)
كذا في الاصول ولعله بمعطاها القليل.
فلربما سر الحزي
…
ن ولربما غم الفرح
ولربما سقط القعو
…
د وقام بالغي الطلح
والله أكرم ما يرجى
…
في الهموم المفتتح
فكل الأمور للطفه
…
والزم حماه المنفسح
واعمل بنصح مسدد
…
من في تجارته ربح (1)
ما تم إلا ما يريد
…
فاترك مرادك واطرح
واترك وساوسك التي
…
شغلت فؤادك تسترح
*** ومن الغريب النادر، والنثار العجيب الفاخر، ما يقرب من هذا الباب، ويدور في هذا الدولاب، ما كتبه السلطان محمد بن قلاوون (2) حاكم مصر إلى شريف مكة قتادة (3) وهو:
يعلم السيد أنك بدلت أرض (4) الله بعد الأمن بالخيفة، وفعلت ما يحمي الوجوه (5) ويسود الصحيفة. آويت المجرم، وقتلت المحرم. فو الله لئن لم تنته عن حدك، لأغمدن فيك سيف جدك.
فأجابه الشريف:
(1) في الاصول ينصح مسادد.
(2)
الملك الناصر محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي من كبار ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام ولد سنة 684 هـ وتوفي سنة 741 هـ النجوم الزاهرة 8/ 41، السلوك للمقريزي القسمان الاول والثاني ابن الوردى 2/ 340، فوات الوفيات 2/ 263، ابن اياس 1/ 129 الدرر الكامنة 4/ 144. الاعلام 7/ 232 وفيه مصادر اخرى.
(3)
هو قتادة بن ادريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى ابو عزيز الحسني العلوي جد الاشراف بني قتادة بمكة ولد سنة 527 هـ وتوفي سنة 617 هـ استولى على مكة سنة 598 واتسع ملكه الى المدينة واليمن خنقه ابنه الحسن بمكة وهو مريض.
ولا يستقيم ما ذكره المؤلف فان قتادة هذا قد توفي قبل ان يولد الملك محمد بن قلاوون ابن الاثير 12/ 154 ذيل الروضتين 123، السلوك للمقريزي 1/ 106 الاعلام 6/ 26 وفيه مصادر أخرى.
(4)
في الاصل: رضاء الله.
(5)
في ب: الوجه.
العبد معترف بذنبه، تائب إلى ربه. يسألك الرضا (1)، والعفو عما مضى. فإن عفوتم فأنتم لذلك أهل (2) وهو اقرب للتقوى.
وإن عاقبتم فأنتم بنا أولى، ويدكم أطول وأقوى، وأياديكم تكافيه، وكل إناء ينضح بما فيه.
فأرسل السلطان يطلب حضوره فأرسل الشريف إليه:
بلادي وان جارت علي عزيزة
…
ولو أنني أعرى بها وأجوع
ولي كف ضرغام إذا ما بسطتها
…
بسوق الورى أشري بها وأبيع
معودة لثم الملوك لظهرها
…
وفي بطنها للمجتدين ربيع (3)
أأتركها تحت الرجاء وابتغي
…
خلاصاً لها إني إذا لرقيع
وأما أنا كالمسك في كل بلدة
…
أضوع وأما عندكم فأضيع
فكتب إليه الملك:
إذا نزع الشتاء جلبابه، ولبس الربيع أثوابه، أتيناكم بجنود لا قبل لكم بها ولنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون.
فكتب الشريف إلى جميع الأشراف الحسني والحسيني ومن يليهم من العربان يستنصرهم شعراً:
بنى عمنا من نسل موسى وجعفر
…
وآل علي كيف صبركم عنا
بنى عمنا إنا كأفنان دوحة
…
فلا تتركونا يتخذنا القنا فنا
إذا ما أخ خلى أخاه لآكل
…
بدا بأخيه الأكل ثم به ثنى
فأرسل إليه سرية فقتلها قتادة وهزمها. فلما رأى الملك شجاعته وحميته ونهضته، بعث إليه خلعاً سنية، وأقطعه الأماكن من
(1) في الاصل: الرضى.
(2)
كذا في المخطوطتين أهلا وهو خطأ وصوابه أهل.
(3)
في ب للمجدبين
الوقف. فانشد الشريف شعرا:
لا يكسر الله متن الرمح إن به
…
نيل العلا وأتاح الكسر للقلم
*** ومن شعر صاحب الترجمة:
كم ذا التحمل في الهوى
…
والقلب مني قد كوى
ظبي سبى عقلي وقد
…
أضنى فؤادي في الجوى
وأضل قلبي شعره
…
والرشد مني قد غوى
قاسيت من لفتاته
…
للجيد مني إذ لوى
الشعر منه مرسل
…
والثغر دراً قد روى
ما الواشي فيه مصدق
…
ما ذاك إلا قد عوى
لم أنس أوقاتاً لنا
…
مرت بمنعرج اللوى
يا طرفه الظامي لقد
…
أوهنت جسمي والقوى
مهلا فإني مولع
…
والقلب مغرى بالنوى
ما مخلصي من عشقه
…
دعني فمالي والجوى
إلا أبو الخير الذي
…
للفضل جمعاً قد حوى
مفتي الأنام بعهده
…
ذكر الأوائل قد طوى
ربي يطيل بقاءه
…
ولكل عبد ما نوى
قوله: ولكل عبد ما نوى، هذا الاقتباس من حديث رواه من الأئمة الحفاظ ما فوق ثلاثمائة نفس، وقيل سبعمائة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
وهذا الحديث قد تواتر النقل عن الائمة، بتعظيم موقعه وكثرة فوائده، وإنه أصل عظيم من أصول الدين. ومن ثمة خطب به صلى الله عليه وسلم كما في رواية البخاري فقال: يا أيها الناس إنما الأعمال بالنيات. وخطب به عمر رضي الله تعالى عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك قال أبو عبيد (1): ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه. ومن ثم قال أبو داود (2) أنه نصف العلم. وقال الشافعي إنه ثلثا العلم.
قال البيهقي (3): لأن كسب العبد أما بقلبه أو لسانه أو جوارحه فالنية أحدها وأرجحها، لأنهما تابعان لها، صحة وفسادا، وثوابا وحرمانا، ولا يتطرق إليها رياء ونحوه بخلافهما.
وهذا تلخيص ما ذكره ابن حجر في «الفتح المبين في شرح الأربعين» (4).
***
(1) ابو عبيد القاسم بن سلام الهروي البغدادي من كبار العلماء بالحديث والادب والفقه توفي سنة 224 هـ.
(2)
ابو داود: الشيخ الامام سليمان بن الاشعث بن اسحاق الازدى السجستاني احد حفاظ الحديث وهو صاحب كتاب «سنن ابي داود» توفي سنة 275 هـ.
(3)
البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الحافظ الكبير المشهور، توفي سنة 458 هـ شذرات الذهب 2/ 304 وطبقات الشافعية 303 والمنتظم 8/ 242 ابن خلكان 1/ 20 والاعلام 1/ 113 وفيه مصادر اخرى.
(4)
في الاصل ابن حجة وهو خطأ وصوابه ابن حجر وهو ابو العباس شهاب الدين احمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي توفي سنة 974 هـ وكتابه «الفتح المبين في شرح الاربعين» اي الاربعين النووية طبع في مصر: شذرات الذهب 4/ 806 انظر الاعلام 1/ 233 وفيه مصادر أخرى ومعجم المطبوعات العربية ص 81 وفيه كتبه المطبوعة.
وقد نسج صاحب الترجمة أبياته على منوال ابن نباتة بقوله:
نقل الصبا عن مهجتي
…
خبر الصبابة والجوى
وحياتكم ما ضل في
…
نقل الحديث ولا غوى
آه على العيش الذي
…
بيد الغرام قد انطوى
ما كان أسرع ما انقضى
…
وحصلت منه على النوى
عجبا لمثلي ما على
…
نار الملاح له قوى
*** وللشاب الظريف شمس الدين بن العفيف (1) نظيرها:
ما بين هجرك والنوى
…
قد ذبت من ألم الجوى
يا فاتني بمعاطف
…
سجدت لها قضب اللوى
وحياة وجدك ما سلا
…
عنك المحب ولا ارعوى
يا من حكى بقوامه
…
قد القضيب إذا التوى
ما أنت عندي والقضي
…
ب السلب في حال سوا
ها ذاك حركه الهوا
…
وأنت حركت النوى
***
(1) مرت ترجمته (انظر فهرست الاعلام).