الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْعشَاء فِي آخر حَيَاته فَلَمَّا سلم قَامَ فَقَالَ: أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه فَإِن رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى مِمَّن هُوَ على ظهر الأَرْض أحد. وَلَا يشكل هَذَا فِي حَيَاة الدَّجَّال لآخر الْوَقْت كَمَا صحت الْأَخْبَار بذلك؛ لِأَن الدَّجَّال أحد أَبَوَيْهِ جني فَهُوَ تَابع للجن فِي طول الْحَيَاة وينضم لهَذِهِ الدَّلَائِل قَوْله صلى الله عليه وسلم يَوْم بدر: " اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد فِي الأَرْض، وَلَو كَانَ الْخضر حَيا لَكَانَ يعبده - سُبْحَانَهُ تَعَالَى -. أما مَا ورد من أَنه اجْتمع بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فخبر بَاطِل وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْحَاكِم أَنه حضر موت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ مَوْضُوع وَكَذَا مَا ورد فِي مَوته كَحَدِيث لَو كَانَ الْخضر حَيا لزارني فَإِنَّهُ مَوْضُوع أَيْضا وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مَا ورد فِي حَيَاته أَو مَوته غير صَحِيح. وَأما اجتماعه بالأولياء رضي الله عنهم فَيحمل على روحه وَأَنَّهَا تتشكل بصورته فالأرواح لَهَا تصرف بعد الْمَوْت كالحياة، وَيدل لهَذَا أَن من يرَاهُ من النَّاس يرَاهُ هُوَ وَحده لَا غَيره وَلَو كَانَ جسما لرآه كل حَيّ مر بِهِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيّ لَا ملك وَلَا جني فرؤيته ورؤية النَّبِي صلى الله عليه وسلم جهاراً لبَعض الْأَوْلِيَاء رُؤْيَة نورانية وَهِي من رُؤْيَة الْمِثَال لَا فِي عَالم الشُّهُود؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي عَالم شُهُود الشَّخْص كَانَ فِي جملَة الخيال والهدس أَو حَدِيث النَّفس وللأولياء أَحْوَال لَا يقدرُونَ أَن يعبروا عَنْهَا كَيفَ يعبر عَنْهَا غَيرهم وَلَا نظن بهم إِلَّا خيرا - رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ -.
(فَائِدَة:)
حَيَاة الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - برزخية لَا تشبه الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا تشبه النّوم وَلَا هِيَ كموت بَقِيَّة الْخلق، بل يحفظ الله أجسامهم الْكَرِيمَة عَن البلى والفناء، وَيُعِيد عَلَيْهِم من نور الْأَرْوَاح سرا فِي بعض الْأَوْقَات بِأَمْر مَا وَقد وَردت أَحَادِيث تدل على ذَلِك مِنْهَا: أَن الصَّلَاة من أمته تعرض عَلَيْهِ وَفِي بَعْضهَا أَن الله تَعَالَى يرد عَلَيْهِ روحه ليرد على من سلم عَلَيْهِ وَفِي بَعْضهَا: أَن من سلم غَائِبا يبلغهُ بِوَاسِطَة الْملك وَأَن من سلم عَلَيْهِ قَرِيبا يسمعهُ وَفِي بَعْضهَا: أَن قيل لَهُ: كَيفَ تعرض عَلَيْك الْأَخْبَار بمجموعها تدل على حَيَاته وحياة جَمِيع الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَلكنهَا على نَحْو مَا وصف لَا كحياتنا؛ لِأَنَّهُ لما قبض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ كَبَقِيَّة الْمَوْتَى من حَيْثُ فقد الرّوح وخروجها من الْجِسْم الْكَرِيم وَلَو كَانَت حَيَاته كحياتنا لخاطبهم حِين اخْتلفُوا فِي أَمر الْخلَافَة وَفِي مَحل دَفنه وَفِي أَمر مِيرَاثه حِين اخْتلفت فَاطِمَة وَأَبُو بكر رضي الله عنهما على ذَلِك وعَلى الأَرْض الَّتِي ادعتها من أَرض فدك بنواحي خَيْبَر وَأَنه أَعْطَاهَا لَهَا وكالخلاف بَين عَليّ وَعَائِشَة وَبَين عَليّ وَمُعَاوِيَة رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - فظهوره صلى الله عليه وسلم للصحابة لنزع الخلافات الْمَذْكُورَة وهم أولى النَّاس بِهَذِهِ الْكَرَامَة، بل هم أكْرم الْخلق بعده أولى وأهم من ظُهُوره لغَيرهم وَهَذَا بَين جلي فَعلم أَن حَيَاة الْأَنْبِيَاء لَا تدْرك
حَقِيقَتهَا، وَإِنَّمَا نعتقد أَن لَهُم مزية على غَيرهم من الْمَوْتَى. ثمَّ أَن كثيرا من الصَّالِحين يَقُول: إِنَّه يرى النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقظة وَلَا يُنكر هَذَا مِنْهُم وَإِنَّمَا هِيَ رُؤْيَة روحانية لَا جسمانية وَلذَلِك يرَاهُ الْبَعْض دون الْبَعْض فِي الْمَكَان الْوَاحِد وَلَو كَانَ بجسمه لرآه كل أحد؛ لِأَن رُؤْيَة الْجِسْم لَا تتَوَقَّف على صَلَاح التَّقْوَى، بل رَآهُ الْكفَّار فِي حيلته صلى الله عليه وسلم وشرار الْخلق وخيارهم. وَاعْلَم أَن الشَّيْطَان لَا يُمكنهُ أَن يتَمَثَّل بِصُورَة الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَهَذَا لطف وكرامة من الله - تَعَالَى - زِيَادَة فِي حفظهم وعصمتهم مِنْهُ حَتَّى لَا يقدر على التشكل بشكلهم فَإِذا أكْرم الله عبدا بِرُؤْيَة رَسُوله صلى الله عليه وسلم يقظة يمثل لَهُ نوره الشريف بِصُورَة جِسْمه الْكَرِيم، وَرُبمَا ظَنّه الرَّائِي أَنه الْجِسْم الشريف لغَلَبَة الْحَال. وَمن ذَلِك مَا وَقع لسيدنا الرِّفَاعِي رضي الله عنه حِين زار النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأنْشد عِنْد الْحُجْرَة الشَّرِيفَة الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين وهما:
(فِي حَالَة الْبعد روحي كنت أرسلها
…
تقبل الأَرْض عني وَهِي نائبتي)
(وَهَذِه دولة الأشباح قد حضرت
…
فامدد يَمِينك كي تحظى بهَا شفتي)
فمثلت لَهُ الْيَد الشَّرِيفَة وَقبلهَا وَالْخَبَر الْمَذْكُور مَشْهُور من قبل الإِمَام الْمَذْكُور صلوَات الله وَسَلَامه وتحياته الطَّيِّبَات وَبَرَكَاته على سيدنَا مُحَمَّد وَجَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وعَلى آل كل وَصَحبه وعَلى الْأَوْلِيَاء الْكِرَام وَأعَاد علينا وعَلى الْمُسلمين من بركاتهم ونفحاتهم وأمدنا بمددهم وأدام علينا فَضله الْجَمِيل إِلَى يَوْم الدّين حَتَّى نَلْقَاهُ على أحسن حَال وأنعم بَال. وَهَذَا آخر مَا تيَسّر جمعه من كَلَام الْعلمَاء العاملين الَّذين نصروا الشَّرِيعَة الغراء وبينوا الغث من السمين. وَكَانَت الْفَرَاغ من ذَلِك فِي الْيَوْم الثَّالِث من جُمَادَى الأولى سنة 1265 من هِجْرَة خَاتم النَّبِيين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.