المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مقاصد الشريعة في النكاح - الزواج بنية الطلاق من خلال أدلة الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة الإسلامية

[صالح آل منصور]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ لفضيلة الشيخ/محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

- ‌تقريظ صاحب الفضيلةرئيس المجلس الأعلى للقضاء وعضو هيئة كبار العلماءالشيخ صالح بن محمد اللحيدان

- ‌تقريظ لفضيلة الشيخ الدكتورصالح بن فوزان الفوزان

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌المراد بالزواج الذي شرعه الله تعالى

- ‌مقاصد الشريعة في الزواج

- ‌نماذج من الأنكحة التي حرمها الله

- ‌لماذا حرمت هذه الأنكحة

- ‌النكاح بنية الطلاق

- ‌القول الأول: ذهب الجمهور إلى الجواز

- ‌ الحنفية:

- ‌ المالكية:

- ‌ الشافعية:

- ‌ الحنابلة:

- ‌رأي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية

- ‌القول الثاني: التحريم

- ‌ الإمام الأوزاعي

- ‌ الحنابلة:

- ‌رأي ابن القيم رحمه اللهفي حكم الزواج بنية الطلاق

- ‌رأي المجمع الفقهي الإسلامي

- ‌رأيي في حكم الزواج بنية الطلاق

- ‌ مقاصد الشريعة في النكاح

- ‌من مفاسد الزواج بنية الطلاق

- ‌الجواب على أدلة المجوزين للزواج بنية الطلاق

- ‌ جوابنا على ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى

- ‌أدلة المجوزين لهذا النكاح من المتأخرين

- ‌زواج المسيار

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ مقاصد الشريعة في النكاح

‌رأيي في حكم الزواج بنية الطلاق

وبعد ما تقدم، فالذي أراه والله أعلم: أن الزواج بنية الطلاق ليس شرعيًا، لذا فهو حرام لا يحل، وإذا كان كذلك، فهو باطل، وإذا علمت نية المتزوج، وجب التفريق بينهما، وإذا كان الزوج يعرف الحكم، وجب تعزيره، أما إذا لم يعلم عن حاله شيء، فالنكاح في الظاهر صحيح، أما في الباطن، فهو باطل.

وإذا كان العلماء قد اختلفوا بينهم في حكم هذا الزواج ما بين مجوز له بدون كراهة أو مجوز له مع الكراهة، وما بين محرم ومبطل له، ولكل دليله، فإن الله تعالى أمر برد النزاع والخلاف إليه وإلى رسوله صلوات الله وسلامه عليه.

{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10].

وإذا أردنا أن نعرف حكم الشريعة في الزواج بنية الطلاق، فإنه يتعين علينا أن نعرف مقاصد الشريعة المطهرة في مشروعية الزواج، فإن كان هذا الزواج موافقًا لها، فهو الزواج الشرعي، وإن كان غير ذلك، فإنا نحكم بعدم مشروعيته، وربما يكون باطلاً.

وإنما حينما رجعنا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لنعرف‌

‌ مقاصد الشريعة في النكاح

، وجدناه شرع لغايات عظيمة ومقاصد سامية شريفة:

ص: 70

1 -

منها السكن: كما في قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، والمراد به السكن الكامل بين الزوجين، بما تحمله هذه الكلمة من معنى، سكن القلب، وسكن الجوارح، وسكن الحواس، والفكر لكل من الزوجين.

وهو الاستقرار الكامل، ولا يكون كذلك إلا إذا كان مصحوبًا بالمودة والرحمة من الطرفين على الدوام، فسكن المسافر في فندق ونحوه لا يكون سكنًا مستقرًا ولذلك لا يتخذ الساكن فيه وسائل الدوام والاستقرار.

وهل الزواج بنية الطلاق أو نكاح المتعة أو التحليل يكون سكنًا لكل من الزوجين؟ وهل يبذل الزوج وسائل الدوام والاستقرار لهذا الزواج؟ وهل توجد نية المودة والرحمة وقد أضمر في قلبه عند بدء عقد النكاح الطلاق، ثم هو ينفذه بعد انتهاء غرضه؟ فأين المودة والرحمة في هذا النكاح.

وماذا نفهم في قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]؟ هل نفهم أن المراد أنكحوهن ليفرغوا شهواتهم ثم يطلقوهن؟ وإذا كانت نيته في الزواج الطلاق بعد إفراغ الشهوة، فهل يزول بعده تأيمهما؟

وهل هذا مقصود الشارع من مشروعية النكاح؟

وقد قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، ألا يدل ذلك على أن الزواج بنية الطلاق غير مراد للشارع فكيف يكون لباسًا لها، أو تكون لباسًا له إذا تزوجها بنية الطلاق، يتزوجها اليوم وغدًا يطلقها، ويتزوج الأخرى بعدها ثم يطلقها فكيف يحصل بذلك الستر والعفة، فلباس لا يدوم لا يستر، وفي المثل تقول العرب (ثوب العارية لا يستر)؛ لأنه لا يملكه المستعير، فهو غير دائم عليه، فيأخذه

ص: 71

صاحبه فكذلك الزواج بنية الطلاق لا يستر كلاً من الزوجين؛ لأنه لا يحصل به إعفاف بل ربما يعرَّض الزوجة للسقوط متى بقيت بدون زوج.

2 -

ومنها الدوام والاستمرار: يقول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وفي ذلك دلالة على أن المراد بالمعاشرة بالمعروف حصول المودة والرحمة على وجه الدوام والاستمرار، بدليل ترغيبه تعالى الأزواج بإمساك زوجاتهم، وقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} دليل على دوام النكاح؛ لأن المعروف بين الناس جميعًا عربهم وعجمهم، مسلمهم وكافرهم أن من يتزوج إنما يريد بزواجه الدوام؛ بل هذا أمر فطر الله عليه الإنس والجن، لو لم يكن ذلك مما فطر الله عليه الناس لما تحقق ما أراد الله من عمارة الكون كما أراد الله تعالى، ولو عرف بين الناس غير الدوام لكان نكاح متعة، فمعاشرة من يتزوج بنية الطلاق ليست معاشرة بالمعروف.

3 -

ومن مقاصد الشريعة أيضًا: حصول الأولاد وإكثار النسل: قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187].

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم» (1)، فهل من يتزوج بنية الطلاق بعد انتهاء مهمته من هذا البلد، أو بعد قدوم

(1) رواه أبو داود والنسائي وابن حبان، وصححه الحاكم كلهم رووه عن معقل بن يسار وهو جزء من حديث، وتمامه: قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال كلا ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم» . وسبق تخريجه ص17 حاشية (1).

ص: 72

زوجته الغائبة هل يريد المتزوج بهذه النية أولادًا! في الغالب أنه لا يريد بزواجه هذا أولادًا، لذا فإن الكثيرين يستعملون المانع للحمل.

4 -

ومنها: حفظ الأنساب: ومن ثمرات حفظ الأنساب حصول التعارف، والتآلف، والتعاون، والتناصر، والتكافل، والعقل في الديات، ولولا عقد النكاح لضاعت الفروج والأنساب، ولأصبحت الحياة فوضى. وكيف يحصل دوام النكاح؟ وكيف يحصل العقل في الديات؟ وكيف تحفظ الأنساب إذا لم يحصل دوام النكاح.

5 -

ومنها: غض البصر وإحصان الفرج عما حرم الله، ولذلك جعل الله كلاً من الزوجين لباسًا للآخر، فقال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، فهي اللباس الذي يلبسه الرجل فيلصقه بجسمه فيجد فيه الظل، والدفء، والستر، فيستر به جسمه، وعورته كما هو الآخر لباس لها تجد فيه الظل والدفء، والستر، فتستر به جسمها، وعورتها (1).

6 -

ومنها: تكوين الأسرة التي هي نواة المجتمع الصالح: وهل الزواج بنية الطلاق يحصل به تكوين الأسرة؟

كلا؛ بل المتزوج بنية الطلاق قصده وفعله قائم على محاربة هذا المقصد، فلا يريد من هذه الزوجة تكوين الأسرة، وإنما يريد ذلك من زوجته الحقيقية، أما هذه فمجرد إناء يفرغ فيه شهوته ليتخلص منها فحسب، تلك بعض مقاصد الشريعة الإسلامية في مشروعية الزواج، والله أعلم.

فأي مقصد بعد هذا نجده في الزواج بنية الطلاق؟ اللَّهم إلا إشباع تلك الغريزة.

(1) انظر ص31 - 32 من هذا الكتاب، ولابن جرير الطبري كلام نفيس حول هذا. ارجع إلى تفسيره 2/ 161 - 163.

ص: 73

ومن الأدلة على تحريم هذا النكاح - مع ما سبق ذكره من كونه مخالفًا لمقاصد الشريعة - (أن الأصل في الأبضاع التحريم)، ولا يستباح منها شيء إلا ما دلّ الدليل على جوازه، وما سوى ذلك فيبقى على الأصل وهو التحريم وعلى مدعي الجواز الدليل، ولا دليل على جوازه.

ص: 74