المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ما وقع بينه وبين عصريه السيوطي: - السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ المال وأحكامه:

- ‌ متى يذم المال

- ‌ متى يمدح المال

- ‌ المال كغيره من الشهوات:

- ‌ فصل النزاع:

- ‌الفصل في المسألة:

- ‌ الصحابة والمال:

- ‌ مراتب الناس في حظوظهم في المال:

- ‌ أهمية التفصيل في التفضيل وثمرته:

- ‌ رسالة السَّخاوي «السِّر المكتوم» :

- ‌ تعريف عام

- ‌ صحة نسبة الرسالة للمصنف:

- ‌ وصف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق:

- ‌ ترجمة الناسخ:

- ‌ ترجمة المصنِّف

- ‌ اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته:

- ‌ مولده، ونشأته:

- ‌ رحلاته، وشيوخه، وتلاميذه، وعلمه:

- ‌ ملازمته للحافظ ابن حجر، واستفادته منه، ومدحه له:

- ‌ مدحه، والثناء عليه:

- ‌ مؤلفاتهُ

- ‌ المطبوع منها

- ‌ ما وقع بينه وبين عصريه السيوطي:

- ‌ وفاته:

- ‌السِّرُ المكتومُ

- ‌جواز الحرص على الاستكثار من المال الحلال لمن وثق من نفسه بالشكر عليه

- ‌قصة الأبرص والأقرع والأعمى

- ‌«الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه

- ‌جواب في الجمع بين حديثين

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ نسخة أخرى لهذا الجواب:

- ‌ عملي في التحقيق:

الفصل: ‌ ما وقع بينه وبين عصريه السيوطي:

•‌

‌ ما وقع بينه وبين عصريه السيوطي:

كان بين المصنّف الحافظ السَّخاوي من جهة، والبرهان البقاعي؛ والجلال السيوطي؛ والدِّيمي من جهة أخرى، ما بين الأقران، حتى اشتهر أن السيوطيَّ قال فيه مُضمِّناً:

قل للسَّخاوي إِنْ تَعْروك نائبةٌ

عِلْمي كبحر من الأمواج مُلْتَطمِ

والحافظ الدِّيَميُّ (1) غَيثُ السحاب فَخُذْ

غَرْفاً من البحر أو رشفاً من الدِّيَمِ

وقال السيوطي في «نظم العقيان» (ص 152) أثناء ترجمة السَّخاوي:

«وسمع الكثير جدّاً على المسندين بمصر والشام والحجاز، وانتقى، وخرَّج لنفسه وغيره، مع كثرة لحنه، وعُريِّه من كل علم، بحيث إنه لا يحسن من غير الفنّ الحديثيّ شيئاً أصلاً، ثم أكبَّ على التاريخ، فأفنى فيه عمره، وأغرق فيه عمله، وسلَق فيه أعراض الناس (2) ،

وملأه بمساوىء الخلق، وكل ما رموه به إن

(1) ترجمته في «الضوء اللامع» (5/140) ، وفيها انتقاد السَّخاوي له.

(2)

وتجد هذا عند السيوطي في أكثر من كتاب، ولا سيما «مقاماته» ، انظر منها -على سبيل

المثال-: «الدوران الفلكي» (1/394- «شرح المقامات» ) ، و «طرز العمامة» (2/766- «شرح المقامات» ) .

وكذلك فعل ابن إياس في «بدائع الزهور» (2/616) ، والشوكاني في غير ترجمة من «البدر الطالع» مثل ترجمة (الرملي)(2/169) ، وترجمة (سبط ابن حجر)(2/355) ، فضلاً عن ترجمة السيوطي نفسه (1/333) ، فإنهم جميعاً ذكروا أن السخاوي بالغ في «الضوء اللامع» من الانتقاص من معاصريه!

وأورد عبد الحي اللكنوي في «تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد» (ص 159- ضمن «مجموعة رسائله» )(المجلد السادس) ، نماذج كثيرةً من ذلك.

وكذلك فعل عنان في «مصر الإسلامية» (ص 263-275) ، وتجاوز في عباراته إلى حدِّ التطاول عليه، وسيأتيك قريباً -إن شاء الله تعالى- نتف من كلامه، وكأني بالسخاوي يدفع عن نفسه هذه التهمة، لما قال في «الجواهر والدرر» (2/685-686) -وقد ذكر من كتب ابن حجر:«معجم شيوخه» ، و «قضاة مصر» - قال:

«وقد نزه كثير من الناس صاحب الترجمة عن هذا الكتاب، وكذا عن «معجم شيوخه» و «قضاة =

ص: 53

صدقاً، وإن كذباً، وزعم أنه قام في ذلك بواجب وهو الجرح والتعديل، وهذا جهل مبين، وضلال وافتراء على الله

» .

كما أن السيوطيَّ صنَّف أكثر من كتاب في الرد على السَّخاوي وانتقاده، منها «الكاوي في تاريخ السَّخاوي» ، المطبوع ضمن «مقاماته» (1) ، و «القول المجمل في الردّ على المهمل» (2) .

= مصر» ونحوهما، من أجل بيانه لكثيرٍ من الأحوال، بل كان ذلك سبباً لحقد كثيرين عليه. وسمعت بعض المعتبرين يقول عنه: إنه لم يكن يغتابُ أحداً بلفظه، فكتب بخطه ما يكونُ مضبوطاً عنه، محفوظاً له، والأعمالُ بالنيات.

فأرجو أن يكون مقصده في ذلك جميلاً، لا كبعض من قام في حظّ نفسه، وجعل التعرّض له أو عدم وصفه بالمرتبة التي أنزل نفسه إياها من الشجاعة والشهامة والفصاحة والديانة، والتفرّد عن جميع أهل عصره بسائر العلوم، وكذا من لم يضِفه إذا ورد عليه، أو تعقّب كلامه، وأشباه ذلك من الخرافات، سبباً للطعن، ولو بالقذف الصريح نظماً ونثراً، وعندي من صنيعه من ذلك ما يفوق الوصف، ويتعجب من صدور مثله ممن له أدنى عقل، بحيث فاق فيه بعض من انتدب للتاريخ من المقادسة، وتفرَّقت أوراقه بعد موته، ولم يرفع الله له رأساً، ولا عوّل أحدٌ على كلامه، وحين استشعر مقت النّاس له بمجرّد ظهور هذه الطامات بعد موته، أوصى بعض خواصه ممن أسند وصيته إليه أن يُخفي أوراقه إلى بعد عشرين سنة من مماته، فأجرى الله عز وجل عليه سُنَّته في عباده، وألبسه ممَّا أضمره رداءً بين الناس عُرف به، بحيث لا أعلم -والله- أحداً من خلق الله -تعالى- معه ظاهراً وباطناً، بل صرح هو غير مرة بقوله: ما صحبت أحداً وفارقته وأنا طيبُ الخاطر منه سوى اثنين، قلت: وأحدهما غايةٌ في الإهمال. ولمّا كثرت وقائع هذا الرجل، حَسُنَ التصدي لسيرته، وإفراد ذلك في تأليف، فالجزاء من جنس العمل. ألهمنا الله رشدنا، وأعاذنا من شرور أنفسنا، بمنّه وكرمه» .

وانظر دفاعاً آخر للسخاوي في: «الضوء اللامع» (1/5) ، «فتح المغيث» (4/363) .

(1)

(2/ 933-957- تحقيق. سمير الدروبي) .

(2)

منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، ضمن (118 - مجاميع) .

وعنه نسخة في مكتبة الجامعة الإسلامية (462 ف/2) .

انظر: «مكتبة الجلال السيوطي» لأحمد شرقاوي إقبال (ص 281 رقم 523) ، و «معجم مؤلفات السيوطي المخطوطة بمكتبات المملكة العربية السعودية العامة» (ص 123 رقم 380) ، «دليل مخطوطات السيوطي» (ص 114 رقم 506) .

ص: 54

والحافظ السَّخاوي بدوره ترجم للسيوطي في «الضوء اللامع» (1) ترجمة انتقده فيها بشدة؛ بل اتهمه فيها بالاختلاس، ووصفه بالحمق والهوى، وختم ترجمته بقوله:«فسبحان واهب العقول» !، إضافة إلى مصنفه «انتقاد مدعي الاجتهاد» ؛ حيث كان السيوطي يزعم أنه مجدد المئة العاشرة، ثم مصنَّف السَّخاوي الآخر «الاعتبار والموعظة لزاعم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة» ، الذي يردّ فيه على فتوى للسيوطي بجواز بذلك (2) .

وقد استمرّت هذه المعركة حتى بعد وفاة الحافظ السَّخاوي، حيث نجد أحد تلاميذ السَّخاوي، وهو أحمد بن الحسين بن محمد الشهاب المكي المتوفى سنة (926 هـ) ، قد ألف رسالتين في الرد على السيوطي والدفاع عن أستاذه، الأولى بعنوان:«الشهاب الهاوي على قِلال الكاوي» ، والثانية بعنوان:«المنتقد اللوذَعي على المجتهد المدَّعي» (3) .

وعلى كُلٍّ؛ فإن كلام بعضهم في بعض لا يُقبل، لأن المقرَّر عند علماء الجرح والتعديل: أن كلام الأقران في بعضهم غير مقبول؛ مع ظهور أدنى منافسة، فكيف بمثل المنافسة بين هذين الرجلين، التي أفضت إلى التأليف في بعضهم البعض.

ومع ذلك فإن الحافظ السَّخاوي كان الأكثر التزاماً وموضوعية، ففي حين نجد الغريب العجيب من العبارات والاتهامات التي انتقد بها السيوطي السَّخاوي

(1)(4/65-70) .

(2)

علماً بأن كلاًّ منهم كان يذكر صاحبه بخير قبل أن تحصل بينهم الوقيعة وبعد ذلك -أيضاً-، انظر -على سبيل المثال-:«مقامات السيوطي» (1/614 و2/780، 966) .

ومن الفوائد المهمة جدّاً: أن السيوطي في مقاماته «الفارق بين المصنف والسارق» لم يقصد السخاوي البتة، بل فيها (2/228- «المقامات» ) ما يشير إلى أن المردود عليه سرق كتب السخاوي -أيضاً-، خلافاً لما هو شائع أنه ردّ عليه!.

(3)

انظر: «التحفة اللطيفة» (1/177- 178) .

ص: 55

-كما في «الكاوي» مثلاً- فإنَّا لا نجد عُشْرَ ذلك عند الحافظ السَّخاوي -رحمهما الله تعالى- (1) .

(1) عجبي لا ينتهي من حطِّ محمد عبد الله عنان في كتابه «مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية» (ص 263-275) على السَّخاوي، ووصفه بأقذع وأبشع الأوصاف، والانتصار بقوة لخصومه! دون جمع للأقوال، والموازنة بينها، وإنما بمجرد اختيار عباراتٍ للسَّخاوي والتعليق عليها بعبارات جارحة، كقوله (ص 265) على إثر عبارة:«يعتبر في عصرنا غلوّاً وإنحرافاً؛ بل يعتبر غروراً مذموماً وسفاهة مرذولة» !! و «يضطرم بعوامل التنافس والحقد والغيرة والجدل الملتهب» ، وقوله (ص 267) : «يغدو صارماً شديد الوطأة، كثير الخبث، شغوفاً بالهدم، ينقب عن مواضع الضعف بمثابرة مدهشة، حتى أنك تلمس في أحيان كثيرة أثر هذا الشغف في تتبع السقطات والهنات مما يرغم على إيراده من المآخذ التافهة السخيفة أحياناً، كلما أعوزته مادة الهجوم والانتقاص، وأحياناً يجد السَّخاوي في الخلال والظروف الشخصية منفذاً للطعن، وهنا يلجأ بخبث إلى النقل عن آخرين

» .

إلى غير ذلك من العبارات التي فيها مثل هذه الطعون!

نعم؛ في «الضوء» شيء من ذلك، ولذا امتنع بعض أهل العلم من إعارته، وكان ذلك سبباً لاختصار المؤرخ عمر بن أحمد الشماع له، ذكر ذلك في ديباجة «القبس الحاوي» (1/28)، قال:

«وسبب جمعي له وتلخيصه وتحريره وتهذيبه وتنقيحه، هو أنه أوقفني صاحبنا المحدّث جار الله ابن شيخنا الحافظ عز الدين عبد العزيز بن فهد المكي بها، في المحرم سنة (سبع وعشرين وتسع مئة) على تأريخ الحافظ شمس الدين محمد السَّخاوي ولي منه إجازة، ويسمى: «الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع» .

فأعجبني جملةٌ من تراجمه الفائقة، وقد كنت طلبت من والده المذكور أن يوقفني عليه في أثناء مجاورتي الأولى، سنة (ستَّ عشرة وتسع مئة) ، فامتنع من ذلك؛ واعتذر بأنّ في بعض تراجمه ما ينبغي إخفاؤه وستر ما هنالك.

ولما يسر الله -تعالى- بوقوفي عليه شاهدت ما قصده شيخنا، وأشار إليه من التنكيت والتَّبْكيت على أقوام في تراجم كثيرة، ونشر محاسن آخرين بعبارة حسنة فائقة مفيدة، فعزمت على تلخيص محاسن تراجمه، والإعراض عما لا فائدة في نقله، فتوجهت إلى مطالعته، وسرّحت النظر في أزهاره ونوّاره، وولجت بين ملتفّ أشجاره، وميّزت بين عشبه ورياضه، فرأيته قد اشتمل على أقسام أربعة، لم أقف على من نبَّه عليها.

وها أنا بحمد الله وتوفيقه أُفصِّلها لك بعبارة واضحة محرَّرة:

القسم الأول: يصف أهله بالجمع بين العلم والعمل.

القسم الثاني: يصف أهله بالقليل من العلم فقط. =

ص: 56