الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة أَربع وسِتمِائَة)
فِيهَا عَاد الْملك الْعَادِل إِلَى دمشق بعد انْعِقَاد الصُّلْح بَينه وبن ملك الفرنج بطرابلس. وفيهَا بعث الْعَادِل أستاداره الْأَمر ألذكر العادلي وقاضي الْعَسْكَر نجم الدّين خَلِيل المصمودي إِلَى الْخَلِيفَة فِي طلب التشريف والتقليد بِولَايَة مصر وَالشَّام والشرق وخلاط فَلَمَّا وصلا إِلَى بَغْدَاد أكرمهما الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَأحسن إِلَيْهِمَا وأجابهما وسير الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبَا عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمويه السهروردي وَمَعَهُ التشريف الخليفتي والتقليد وخلعة للصاحب صفي الدّين بن شكر وخلع لأَوْلَاد الْعَادِل وهم الْملك الْمُعظم وَالْملك الْأَشْرَف وَالْملك الْكَامِل فعندما قَارب بالشيخ أَبُو حَفْص حلب خرج الْملك الظَّاهِر بعساكره إِلَى لِقَائِه وَأكْرم نزله. وفى ثَالِث يَوْم من قدومه أَمر بكرسي فنصب لَهُ وَجلسَ عَلَيْهِ للوعظ وَجلسَ الظَّاهِر وَمَعَهُ الْأَعْيَان فصدع بالوعظ حَتَّى وجلت الْقُلُوب ودمعت الْعُيُون وَأخْبر الشَّيْخ فِي وعظه بِأَن الْخَلِيفَة أطلق - فِي بَغْدَاد وَغَيرهَا - من الْمُؤَن والضرائب مَا مبلغه ثَلَاثَة آلَاف ألف دِينَار ثمَّ سَار من حلب وَمَعَهُ القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد وَقد دفع إِلَيْهِ الظَّاهِر ثَلَاثَة آلَاف دِينَار برسم النثار إِذا لبس عَمه الْعَادِل خلعة الْخَلِيفَة وَبعث الْملك الْمَنْصُور من حماة أَيْضا مبلغا للنثار وَخرج الْعَسْكَر من دمشق إِلَى لِقَائِه ثمَّ خرج الْعَادِل بابنيه الْأَشْرَف مُوسَى والمعظم عِيسَى وبرز سَائِر النَّاس لمشهادة ذَلِك فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَلما دخل الشَّيْخ أَبُو حَفْص دمشق جلس الْعَادِل فى دَار رضوَان وأفيضت عَلَيْهِ الْخلْع وهى جُبَّة أطلس أسود وَاسِعَة الْكمّ بطراز ذهب وعمامة سَوْدَاء بطراز ذهب وطوق ذهب بجوهر ثقيل وقلد الْعَادِل أَيْضا بِسيف محلى جَمِيع قرَابه من ذهب وَركب حصاناً أَشهب بركب ذهب وَنشر على رَأسه علم أسود مَكْتُوب فِيهِ بالبياض ألقاب الْخَلِيفَة مركب فِي قَصَبَة ذهب وَتقدم القَاضِي ابْن شَدَّاد فنثر الذَّهَب وَقدم لَهُ خمسين خلعة وَنَثَرت رسل الْمُلُوك بعده ثمَّ لبس الْأَشْرَف والمعظم خلعتيهما
وهما عِمَامَة سَوْدَاء وثوب أسود وَاسع الْكمّ ثمَّ خلع على الصاحب صفي الدّين بن شكر الْوَزير كَذَلِك وَركب الْعَادِل - وَمَعَهُ ابناه ووزيره - بِالْخلْعِ الخليفتية وَقد زينت الْبَلَد ثمَّ عَادوا إِلَى القلعة واستمرت زِينَة الْبَلَد ثَمَانِيَة أَيَّام وَقَرَأَ التَّقْلِيد الصاحب صفي الدّين على كرْسِي وخوطب الْعَادِل فِيهِ بشاهنشاه ملك الْمُلُوك خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الْوَزير فِي حَال تركض قَائِما على الْكُرْسِيّ والعادل وَسَائِر النَّاس أَيْضا قيَاما إجلالاً للخليفة ثمَّ سَار الشهَاب السهروردي إِلَى مصر فَأَفَاضَ على الْملك الْكَامِل الخلعة الخليفتية وَجرى من الرَّسْم كَمَا وَقع بِدِمَشْق ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد. وفيهَا أَمر الْعَادِل بعمارة قلعة دمشق وَفرق أبراجها على الْمُلُوك فعمروها من أَمْوَالهم وفيهَا اتسعت مملكه الْعَادِل فَلَمَّا تمهدت لَهُ الْأُمُور قسم مَمْلَكَته بَين أَوْلَاده فاعطى ابْنه الْملك الْكَامِل نَاصِر الدّين مُحَمَّدًا مملكة مصر ورتب عِنْده القَاضِي الْأَعَز فَخر الدّين مِقْدَام بن شكر وَأعْطى ابْنه الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى من الْعَريش إِلَى حمص وَأدْخل فى ولَايَته بِلَاد السَّاحِل الإسلامية وبلاد الْغَوْر وَأَرْض فلسطين والقدس والكرك والشوفي وصرخد وَأعْطى ابْنه الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى الْبِلَاد الشرقية وهى الرها وَمَا مَعهَا من حران وَغَيرهَا وَأعْطى ابْنه الْملك الأوحد نجم الدّين أَيُّوب خلاط وميافارقن وَتلك النواحي وَكَانَ الأوحد قد بعث إِلَيْهِ أهل خلاط ليملكها فَسَار من ميافارقن وملكها. وفيهَا كمل الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بِنَاء قلعة الْجَبَل وتحول إِلَيْهَا من دَار الوزارة بِالْقَاهِرَةِ فَكَانَ أول من سكنها من مُلُوك مصر وَنقل إِلَيْهَا أَوْلَاد الْخَلِيفَة العاضد
الفاطمي وأقاربه فى بَيت على صُورَة حبس، فأقاموا بِهِ إِلَى أَن حولوا مِنْهُ فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة. وفيهَا توفى الْأَمِير دَاوُد بن العاضد فى محبسه. وَكَانَت الإسماعيلية تزْعم أَن العاضد عهد إِلَيْهِ وَأَنه الإِمَام من بعده فَاسْتَأْذن أَصْحَابه من الْكَامِل أَن ينوحوا عَلَيْهِ ويندبوه فَأذن لَهُم فبرزت النِّسَاء حاسرات وَالرِّجَال فى ثِيَاب الصُّوف وَالشعر وَأخذُوا فى نَدبه والنياحة عَلَيْهِ وَاجْتمعَ مَعَهم من كَانَ فى الاستتار من دعاتهم فَلَمَّا تَكَامل جمعهم أرسل الْكَامِل إِلَيْهِم طَائِفَة من الأجناد نهبوا مَا عَلَيْهِم وقبضوا على المعروفين مِنْهُم فَمَلَأ بهم السجون واستصفى أَمْوَال ذوى الْيَسَار مِنْهُم ففر من بَقِي وَزَالَ من حِينَئِذٍ أَمر الإسماعيلية من ديار مصر وَلم يَجْسُر أحد بعْدهَا أَن يتظاهر بمذهبهم.
فارغة
سنة خمس وسِتمِائَة فِيهَا سَار الكرج ونهبوا أَعمال خلاط وأسروا وغنموا فَلم يَجْسُر الأوحد أَن يخرج إِلَيْهِم من مَدِينَة خلاط فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْملك الْعَادِل أَخذ فِي التَّجْهِيز لِحَرْب الكرج وَسَار الْأَشْرَف من دمشق يُرِيد بِلَاده بالشرق. وفيهَا قتل الْملك معز الدّين سنجر شاه بن غَازِي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر الأتابكي صَاحب الجزيزة قَتله ابْنه مَحْمُود وَقَامَ فى الْملك من بعده. وفيهَا بعث الْأَمِير سيف الدّين سنقر أتابك الْيمن عشرَة آلَاف دِينَار مصرية إِلَى الْملك الْعَادِل عَلَيْهَا اسْمه. وفيهَا مَاتَ القَاضِي مكين الدّين مطهر بن حمدَان بقلعة بصرى فِي شهر رَجَب وَمَات هِلَال الدولة وشاب بن رزين وَالِي الْقَاهِرَة وعزل الْأَمر سيف الدّين على بن كهدان عَن ولَايَة مصر وعزل الأسعد بن حمدَان عَن الشرقية وباشرها خشخاش الْوراق. وفيهَا توفى قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الْملك بن عِيسَى بن درباس الماراني يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس رَجَب وَكَانَ قد قدم مصر فِي رَابِع رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ خَمْسمِائَة فَتكون مُدَّة مقَامه بديار مصر أَرْبَعِينَ سنة.
فارغة
سنة سِتّ وسِتمِائَة فِيهَا خرج الْعَادِل من دمشق يُرِيد محاربة الكرج وَمَعَهُ الْمُلُوك من بني أَيُّوب. وهم الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وَالْملك الْمُجَاهِد صَاحب حمص وَالْملك الأمجد صَاحب بعلبك وَأرْسل إِلَيْهِ الْملك الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب جَيْشًا فَنزل الْعَادِل حران وأتته النجدات مَعَ ولديه الْملك الأوحد صَاحب خلاط وميافارقين وَالْملك الْأَشْرَف مُوسَى وَغَيرهمَا فاستولى على نَصِيبين ونازل سنجار وَبهَا الْملك قطب الدّين مُحَمَّد بن زنكي فَكَانَت بَينهمَا عدَّة وقائع بعث فِي أَثْنَائِهَا صَاحب سنجار إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَإِلَى الْملك الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب وَإِلَى كيخسرو بن قلج أرسلان صَاحب الرّوم وَغَيرهم يستنجد بهم على الْعَادِل فَمَال إِلَيْهِ عدَّة من الْمُلُوك عونا على الْعَادِل ففارقه عدَّة مِمَّن كَانَ مَعَه على حِصَار سنجار ودسوا إِلَى جمَاعَة من أَصْحَابه الدسائس ففسدت أَحْوَاله وَقدم عَلَيْهِ رَسُول الْخَلِيفَة وَهُوَ هبة الله بن الْمُبَارك بن الضَّحَّاك يَأْمُرهُ بالرحيل فَقَالَ لَهُ عَم الإِمَام الْخَلِيفَة النَّاصِر: قَالَ لَك بحياتي ياخليلي ارحل. فَعَاد الْعَادِل إِلَى حران وَتَفَرَّقَتْ العساكر عَنهُ. وفيهَا حصلت بَين الْعَادِل وبن وزيره الصاحب ابْن شكر منافرة أوجبت غَضَبه وسفره فِي الْبَريَّة فَركب الْمَنْصُور صَاحب حماة وفخر الدّين جهاركس صَاحب بانياس حَتَّى لحقاه فِي رَأس عين وقدما بِهِ على الْعَادِل فَرضِي عَنهُ وَمن حِينَئِذٍ انحطت مَنْزِلَته. وفيهَا مَاتَ الْملك الْمُؤَيد نجم الدّين مَسْعُود بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بِرَأْس عين وَقيل إِنَّه سم فَحمل إِلَى حلب ليدفن بهَا. وفيهَا عَاد الْملك الْعَادِل إِلَى دمشق. وفيهَا ولي الْأَمِير المكرم بن اللمطي قوص فِي ذِي الْقعدَة.
فارغة
سنة سبع وسِتمِائَة فِيهَا ظفر الْملك الأوحد بن الْعَادِل بِملك الكرج ففدى نَفسه مِنْهُ بِمِائَة ألف دِينَار وَخَمْسَة آلَاف أَسِير من الْمُسلمين وَأَن يلْتَزم الصُّلْح ثَلَاثِينَ سنة وَأَن يُزَوجهُ ابْنَته بِشَرْط أَلا تفارق دينهَا فَأَطْلقهُ الأوحد وَردت على الْمُسلمين عدَّة قلاع. وفيهَا مَاتَ الأوحد وَملك خلاط بعده أَخُوهُ الْأَشْرَف. وفيهَا تحرّك الفرنج إِلَى السَّاحِل واجتمعوا فِي عكا فَخرج الْملك الْعَادِل من دمشق فَوَقع بَينه وَبينهمْ صلح وَأخذ الْعَادِل فِي عمَارَة قلعة الطّور بِالْقربِ من عكا وَسَار إِلَى الكرك فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ رَحل إِلَى مصر فَدخل الْقَاهِرَة وَنزل بدار الوزارة. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس. وفيهَا تحرّك الفرنج ثَانِيًا فتجهز الْعَادِل للسَّفر إِلَى الشَّام. وفيهَا كفت يَد الصاحب صفي الدّين بن شكر عَن الْعَمَل. وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان نور الدّين أرسلان شاه بن السُّلْطَان مَسْعُود الأتابكي صَاحب الْموصل فِي شهر رَجَب وَكَانَت مُدَّة ملكه سبع عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا وَقَامَ من بعده ابْنه الْملك القاهر عز الدّين مَسْعُود وَقَامَ بتدبيره الْأَمِير بدر الدّين لُؤْلُؤ الأتابك مَمْلُوك ابيه. وفيهَا شرب مُلُوك الْأَطْرَاف كأس الفتوة للخليفة النَّاصِر ولبسوا سَرَاوِيل الفتوة أَيْضا فوردت عَلَيْهِم الرُّسُل بذلك ليَكُون انتماؤهم لَهُ وَأمر كل ملك أَن يسْقِي رَعيته ويلبسهم لتنتمي كل رعية إِلَى ملكهَا فَفَعَلُوا ذَلِك وأحضر كل ملك قُضَاة مَمْلَكَته وفقهاءها وأمراءها وأكابرها وألبس كلا مِنْهُم لَهُ وسقاه كأس الفتوة وَكَانَ الْخَلِيفَة النَّاصِر مغرما بِهَذَا الْأَمر وَأمر الْمُلُوك أَيْضا ان تنتسب إِلَيْهِ فِي رمي البندق وتجعله قدوتها فِيهِ. وفيهَا قدم إِلَى الْقَاهِرَة كليام الفرنجى الجنوي تَاجِرًا فاتصل بِالْملكِ الْعَادِل وَأهْدى إِلَيْهِ نفائس فاعجب الْعَادِل بِهِ وَأمره بملازمته وَكَانَ كليام فِي بَاطِن الْأَمر عينا للفرنج يطالعهم بالأحوال فَقيل هَذَا للعادل فَلم يلْتَفت إِلَى مَا قيل عَنهُ.
وَمَات فِيهَا يُوسُف بن الأسعد بن مماتي فِي الرَّابِع من جُمَادَى الأولى بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمر سياروخ فِي خَامِس عشر رَجَب. وفيهَا قتل غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب قونية وَقد حدث ذَلِك فِي أَوَائِل السّنة وَهُوَ يواقع الأرمن حلفاء الرّوم عِنْد بَلَده خونا من أَعمال أذربيجان وَكَانَ قد غَلبه أَخُوهُ ركن الدّين سُلَيْمَان بن قلج أرسلان على قونية وألجأه إِلَى الْفِرَار مِنْهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ثمَّ مَاتَ ركن الدّين سُلَيْمَان سنه سِتّمائَة وَقَامَ بعده فِي قونية ابْنه قلج أرسلان بن ركن الدّين وَعند ذَلِك عَاد كيخسرو إِلَى بِلَاده بعد فراره إِلَى حلب وَغَيرهَا وَملك كيخسرو قونية ثَانِيًا بعد خطوب جرت لَهُ وَقد قبض أَهلهَا على قلج أرسلان بن ركن الدّين ثمَّ قتل كيخسرو بَعْدَمَا استفحل أمره وَولى ابْنه عز الدّين كيكاوس بن غياث الدّين. وفيهَا كَانَت وقْعَة بَين حَاج الْعرَاق وَبَين أهل مَكَّة بمنى قتل فِيهَا عبد للشريف قَتَادَة اسْمه بِلَال فَقيل لَهَا سنة بِلَال.
سنة ثَمَان وسِتمِائَة فِيهَا قبض الْملك الْعَادِل على الْأَمِير عز الدّين أُسَامَة الصلاحي نَائِب كَوْكَب وعجلون واعتقله وَأخذ مَاله وسيره إِلَى الكرك فاعتقل فِيهَا هُوَ وَولده وتسلم الْمُعظم قلعة كَوْكَب وعجلون وَهدم قلعة كَوْكَب وَعفى أَثَرهَا. وفيهَا توجه الْملك الْعَادِل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة لكشف أحوالها. وفيهَا قدم بهاء الدّين بن شَدَّاد من حلب إِلَى الْقَاهِرَة يخْطب صَفِيَّة خاتون ابْنة الْعَادِل شَقِيقَة الْكَامِل لِابْنِ عَمها الظَّاهِر فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَعَاد مكرما. وفيهَا مَاتَت أم الْملك الْكَامِل يَوْم الْأَحَد خَامِس عشري صفر فدفنت عِنْد قبر الإِمَام الشَّافِعِي ورتب ابْنهَا عِنْد قبرها الْقُرَّاء وَالصَّدقَات وأجرى المَاء من بركَة الْحَبَش إِلَى قبَّة الشَّافِعِي وَلم يكن قبل ذَلِك فَنقل النَّاس أبنية القرافة الْكُبْرَى إِلَى هَذِه القرافة من حِينَئِذٍ وعمروها. وفيهَا خرج الْعَادِل من الْقَاهِرَة فَسَار إِلَى دمشق وبرز مِنْهَا يُرِيد الجزيرة فوصل إِلَيْهَا ورتب أحوالها وَعَاد إِلَى دمشق وَمَعَهُ كليام الفرنجي. وفيهَا انْقَضى أَمر الطَّائِفَة الصلاحية بِانْقِضَاء الْأَمِير قراجا والأمير عز الدّين أُسَامَة والأمير فَخر الدّين جهاركس وصفت حصونهم للعادل وَابْنه الْمُعظم. وفيهَا نقل أَوْلَاد العاضد الفاطمي وأقاربه إِلَى قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري رَمَضَان وَتَوَلَّى وضع الْقُيُود فِي أَرجُلهم الْأَمِير فَخر الدّين ألطونبا أَبُو شَعْرَة بن الدويك وَإِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَت عدتهمْ ثَلَاثَة وَسِتُّونَ نفسا. وفيهَا كَانَت بِمصْر زَلْزَلَة شَدِيدَة هدمت عدَّة دور بِالْقَاهِرَةِ ومصر وزلزت الكرك
والشوبك فَمَاتَ تَحت الْهدم خلق كثير وَسقط عدَّة من أبراج قلعتها ورؤي بِدِمَشْق دُخان نَازل من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فِيمَا بِي الْمغرب وَالْعشَاء عِنْد أَرض قصر عَاتِكَة. وفيهَا مَاتَ الْمُوفق بن أَبى الْكَرم التنيسِي فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ربيع الأول. وَمَات ظافر بن الأرسوفي بِمصْر فِي سلخ رَجَب. وفيهَا اجْتمع بالإسكندرية ثَلَاثَة آلَاف تَاجر وملكان من الفرنج فَسَار الْعَادِل وَقبض على التُّجَّار وَأخذ أَمْوَالهم وسجن الْملكَيْنِ. وفيهَا أَعنِي سنة ثَمَان وسِتمِائَة كَانَت فتْنَة بَين حَاج الْعرَاق وَبَين أهل مَكَّة سَببهَا ان حشيشيا جَاءَ لقتل الشريف قَتَادَة فَقتل شريفا اسْمه أَبُو هَارُون عَزِيز ظنا مِنْهُ أَنه قَتَادَة فثارت الْفِتْنَة وَانْهَزَمَ أَمِير الْحَاج وَنهب الْحَاج عَن أَخّرهُ وفر من مَكَّة من بِمَكَّة من نواب الْخَلِيفَة وَمن المجاورين فَبعث الشريف قَتَادَة وَلَده رَاجِح بن قَتَادَة إِلَى الْخَلِيفَة يعْتَذر لَهُ عَمَّا جرى فَقبل عذره وعفي عَنهُ.
سنة تسع وسِتمِائَة فِيهَا نزل الْعَادِل بعساكره حول قلعة الطّور وأحضر الصناع من كل بلد اسْتعْمل جَمِيع أُمَرَاء الْعَسْكَر فِي الْبناء وَنقل الْحِجَارَة فَكَانَ فِي الْبناء خَمْسمِائَة بِنَاء سوى الفعلة والنحاتين ومازال مُقيما حَتَّى كملت. وفيهَا قدم ابْن شَدَّاد من حلب إِلَى دمشق بِمَال كثير وخلع برسم عقد نِكَاح صَفِيَّة خاتون ابْنة الْعَادِل على ابْن عَمها الظَّاهِر صَاحب حلب فَخرج إِلَى لِقَائِه عَامَّة الْأُمَرَاء والأعيان وَعقد النِّكَاح فِي الْمحرم على مبلغ خمسين ألف دِينَار ونثر النثار على من حضر بقلعة دمشق وَذَلِكَ فِي الْمحرم ثمَّ جهزت إِلَيْهِ بحلب فِي تجمل عَظِيم من جملَة قماش وآلات ومصاغ يحملهُ خَمْسُونَ بغلا وَمِائَة بخْتِي وثلاثمائة جمل وجواري فِي المحامل على مائَة جمل مِنْهُنَّ مائَة مغنية يلعبن بأنواع الملهى وَمِائَة جَارِيَة يعملن أَنْوَاع الصَّنَائِع البديعة فَكَانَ دُخُولهَا إِلَى حلب يَوْمًا عَظِيما وَقدم لَهَا الظَّاهِر تقادم: مِنْهَا خَمْسَة عُقُود جَوْهَر بِمِائَة وَخمسين ألف دِرْهَم وعصابة جَوْهَر لَا نَظِير لَهَا وَعشر قلأئد عنبر مَذْهَب وَخمْس قلائد بِغَيْر ذهب وَمِائَة وَسَبْعُونَ قِطْعَة من ذهب وَفِضة وَعِشْرُونَ تختا من ثِيَاب وَعِشْرُونَ جَارِيَة وَعشرَة خدام. وفيهَا عزل الْهمام بن هِلَال الدولة من ولَايَة الْقَاهِرَة وَولى فَخر الدّين ألطونبا أبوشعرة مَمْلُوك المهراني فِي. فِيهَا تغير الْملك الْعَادِل على الْوَزير صفي الدّين بن شكر وَرفع يَده من الوزارة وَأبقى عَلَيْهِ مَاله وَأخرجه إِلَى آمد فَلم يزل بهَا حَتَّى مَاتَ الْعَادِل. وفيهَا فوض الْعَادِل تَدْبِير مصر وَالنَّظَر فِي أموالها ومصالحها إِلَى وَلَده الْملك الْكَامِل فرتب الْكَامِل القَاضِي الْأَعَز فَخر الدّين مِقْدَام بن شكر نَاظر الدولتين. وفيهَا خرج الْعَادِل من الشَّام يُرِيد خلاط فَسَار إِلَيْهَا ودخلها وفيهَا ابْنه الْأَشْرَف وَقد استولى على مَا بهَا من الْأَمْوَال
فارغة
سنة عشر وسِتمِائَة فِيهَا تخوف الظَّاهِر صَاحب حلب من عَمه الْعَادِل وَأخذ فِي الاستعداد ثمَّ تراسلا حَتَّى سكن الْحَال. وفيهَا ولدت صَفِيَّة ابْنة الْعَادِل لِابْنِ عَمها الظَّاهِر مولودا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا ولقبه بِالْملكِ الْعَزِيز غياث الدّين وَذَلِكَ فِي خَامِس ذِي الْحجَّة فزينت حلب واحتفل الظَّاهِر احتفالا زَائِدا وَأمر فصيغ لَهُ من الذَّهَب وَالْفِضَّة جَمِيع الصُّور والأشكال مَا وزن بالقناطير وصاغ لَهُ عشرَة مهود من ذهب وَفِضة سوى مَا عمل من الأبنوس والصندل وَالْعود وَغَيره ونسج للصَّبِيّ ثَلَاث فرجيات من لُؤْلُؤ فِي كل فرجية أَرْبَعُونَ حَبَّة ياقوت وَلَعَلَّ وزمرد ودرعان وخوذتان وبركستوان كل ذَلِك من لُؤْلُؤ وَثَلَاثَة سروج مجوهرة فِي كل سرج عدَّة قطع من جَوْهَر رائع وَيَاقُوت وزمرد وَثَلَاثَة سيوف علائقها وقبضاتها من ذهب مرصع بأنواع الْجَوَاهِر وعدة رماح من ذهب أسنتها جَوْهَر. وفيهَا حج الظَّاهِر خضر بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب من حلب فَلَمَّا قَارب مَكَّة صده قصاد الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل عَن الْحَج وَقَالُوا: إِنَّمَا جِئْت لأخذ بِلَاد الْيمن فَقَالَ الظَّاهِر خضر: ياقوم! قيدوني ودعوني أَقْْضِي مَنَاسِك الْحَج. فَقَالُوا: لَيْسَ مَعنا مرسوم إِلَّا بردك. فَرد إِلَى الشَّام من غير أَن يحجّ فتألم النَّاس لذَلِك. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير فَخر الدّين إِسْمَاعِيل والى مصر بهَا. وفيهَا دخل بَنو مرين إِحْدَى قبائل زناتة من القفر ونهبوا أَعمال الْمغرب وحاربوا الْمُوَحِّدين وهزموهم وَكَانَ أَمِير بني مرين إِذْ ذَاك عبد الْحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن مُحَمَّد بن ورصيص بن فكوس بن كوماط بن مرين. سنة عشر وسِتمِائَة تَتِمَّة سنة عشر وسِتمِائَة فِيهَا حفر خَنْدَق مَدِينَة حلب فَوجدَ فِيهِ بلاطة صوان عَلَيْهَا أحرف مَكْتُوبَة بالقلم
السرياني فترجموه بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِذا هُوَ: لما كَانَ الْعَالم مُحدثا دلّ أَن لَهُ مُحدثا لَا كَهُوَ وَكتب تَحت هَذِه الأحرف: لخمسة آلَاف من السنين خلون من الأسطوان الصَّغِير. فَقلعت البلاطة فَوجدَ تحتهَا تسع عشرَة قِطْعَة من ذهب وَفِضة وصورى على هَيْئَة اللَّبن فاعتبرت فَكَانَ الْحَاصِل مِنْهَا ذَهَبا ثَلَاثَة وَسِتِّينَ رطلا بالحلبي وَكَانَ مِنْهَا فضَّة أَرْبَعَة وَعشْرين رطلا وحلقة ذهب وَزنهَا رطلان وَنصف رَطْل وصورى عشرَة أَرْطَال وَنصف فَكَانَ الْجمع زنته قِنْطَار وَاحِد بالحلبي.
سنة إِحْدَى عشر وسِتمِائَة فِيهَا فر الْملك الْمَنْصُور بن الْعَزِيز عُثْمَان بن صَلَاح الدّين يُوسُف من اعتقال عَم أَبِيه الْملك الْعَادِل وَلحق بِالظَّاهِرِ صَاحب حلب ولاذ بِهِ هُوَ وَإِخْوَته فأكرمهم الظَّاهِر. وفيهَا تجمع فرنج قبرس وعكا وطرابلس وأنطاكية وانضم إِلَيْهِم عَسْكَر ابْن ملك الأرمن لقصد بِلَاد الْمُسلمين فخافهم الْمُسلمُونَ وَكَانَ أول مَا بدأوا بِهِ بِلَاد الإسماعيلية فنازلوا قلعة الخوابي ثمَّ سَارُوا عَنْهَا إِلَى أنطاكية. وفيهَا ظفر السُّلْطَان عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب بِلَاد الرّوم بالأشكري ملك الرّوم. وفيهَا خرج الْملك الْعَادِل من الشَّام يُرِيد مصر فَنزل فِي الْقَاهِرَة بدار الوزارة وَاسْتمرّ ابْنه الْكَامِل بقلعة الْجَبَل وَأمر الْعَادِل أَن يُقيم مَعَه كليام الفرنجي الجنوي بدار الوزارة. وفيهَا ورد الْخَبَر بِمَوْت سنقر أتابك الْيمن وَاسْتقر بعده الْملك النَّاصِر أَيُّوب صَاحب الْيمن فِي ملكه وَقَامَ بأتابكيته غَازِي. وفيهَا شرع الْملك الْعَادِل فِي تبليط جَامع بني أُميَّة بِدِمَشْق وَكَانَت أرضه حفرا وجورا وَتَوَلَّى الْعَمَل الْوَزير صفي الدّين بن شكر. وفيهَا تعامل أهل دمشق وَغَيرهَا بالقراطيس السود العادلية ثمَّ بطلت بعد ذَلِك وفنيت. وفيهَا تولى سهم الدّين عِيسَى الْقَاهِرَة فِي شَوَّال وَتَوَلَّى جمال الدّين بن أبي الْمَنْصُور وكَالَة بَيت المَال بهَا. وَمَات سعد بن سعد الدّين بن كوجيا فِي عشر ربيع الآخر. وفيهَا حج الْملك الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل من دمشق وَحج مَعَه الشريف سَالم بن قَاسم بن مهنا الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فعزم الشريف قَتَادَة أَمِير مَكَّة على مسكه فَلم يتَمَكَّن مِنْهُ فَعَاد الشريف سَالم صُحْبَة الْملك الْمُعظم إِلَى دمشق فَبَعثه الْمُعظم على
عَسْكَر إِلَى مَكَّة فَمَاتَ فِي الطَّرِيق قبل وُصُوله مَكَّة فَقَامَ جماز بن قَاسم وَهُوَ ابْن أَخِيه بتدبير الْجَيْش فَجمع قَتَادَة وَسَار إِلَى يَنْبع ولقيه فَهزمَ قَتَادَة.
سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة فِيهَا نَازل الفرنج قلعة الخوابي وحاربوا الباطنية ثمَّ صالحوهم. وفيهَا سير الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله كِتَابه الَّذِي أَلفه وَسَماهُ روح العارفين إِلَى الشَّام ومصر وَغَيرهَا ليسمع. وفيهَا ملك الفرنج أنطالية وَقتلُوا من بهَا من الْمُسلمين وَكَانَت بيد الْملك غياث الدّين كيخسرو مُنْذُ فتحهَا سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة إِلَى أَن أجلاه الفرنج عَنْهَا سنة سبع وسِتمِائَة ثمَّ استردها مِنْهُم الْملك الْغَالِب عز الدّين كيكاوس سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة بعد أَن بقيت بأيدي الفرنج تِلْكَ الْمدَّة. وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا: سَار عز الدّين إِلَى بِلَاد الأرمن وحاصر قلعة جَابَان وَهزمَ عِنْدهَا جيوش الأرمن وَرجع إِلَى قيصرية قبل أَن يستولي على قلعة جَابَان ثمَّ طلب الأرمن الصُّلْح وأجابهم إِلَيْهِ عز الدّين فَأخذ فِي مُقَابل الصُّلْح من بِلَاد الأرمن قلعة لؤلؤة ولوزاد. وفيهَا مَاتَ الْملك الْمُعظم أَبُو الْحسن عَليّ ابْن الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَهُوَ أَصْغَر أَوْلَاده فَلَمَّا قدم نعيه على مُلُوك الْأَطْرَاف جَلَسُوا فِي العزاء لابسين شعار الْحزن خدمَة للخليفة. وفيهَا سير الْملك الْكَامِل ابْنه الْملك المسعود صَلَاح الدّين يُوسُف إِلَى الْيمن فَخرج فِي جَيش كثيف من مصر وَسَار إِلَى بِلَاد الْيمن فاستولى على معاقلها وظفر بصاحبها الْملك سُلَيْمَان شاه بن سعد الدّين شاهنشاه ابْن الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب فسيره تَحت الحوطة إِلَى مصر فَأَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ إِلَى سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَخرج إِلَى المنصورة غازيا فَقتل شَهِيدا ودانت بِلَاد الْيمن للْملك المسعود. وفيهَا عَاد الْملك الْعَادِل من الشَّام إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا قرىء عَلَيْهِ مَا أنْفق على الْملك المسعود فِي خُرُوجه إِلَى الْيمن استكثره وَأنكر الْعَادِل خُرُوجه فَإِنَّهُ كَانَ بِغَيْر أمره وَأمر الْعَادِل بِالْقَاضِي الْأَعَز فَضرب وَقيد واعتقل بقلعة الجزيزة ثمَّ حمله إِلَى قلعة بصرى فسجنه بهَا.
وفيهَا نقل الْعَادِل أَمْوَاله وذخائره وَأَوْلَاده إِلَى الكرك. وفيهَا أبطل الْملك الْعَادِل ضَمَان الْخمر والقيان. وفيهَا مَاتَ تَقِيّ الدّين اللر شيخ الخانقاه الصلاحية دَار سعيد السُّعَدَاء فِي الْمحرم. وفيهَا مَاتَ ابْن سوروس بن أبي غَالب بطرِيق اليعاقبة فِي يَوْم الْخَمِيس عيد الغطاس سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة للشهداء وَهُوَ الرَّابِع عشر من رَمَضَان وَله فِي البطركية مُدَّة سِتّ وَعشْرين سنة وَأحد عشر شهرا وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَكَانَ أَولا يتجر إِلَى بِلَاد الْيمن فغرق مرّة وَجَاء الْخَبَر بِأَن لم يسلم سوى بحشاشته وَكَانَ لأَوْلَاد الْجبَاب مَعَه مَال فأيسوا مِنْهُ فَلَمَّا اجْتمع بهم أعلمهم أَن مَالهم سلم فَإِنَّهُ كَانَ قد عمله فِي مَقَابِر من خشب وسمرها فِي المراكب وأحضره إِلَيْهِم فتميز عِنْدهم بذلك حَتَّى مَاتَ البترك مرقص بن زرْعَة فَتحدث ابْن سوروس فِي البتركية للقس أبي يَاسر وَكَانَ مُقيما بالعدوية فَحسن لَهُ بَنو الْجبَاب أَن يقوم هُوَ بِأَمْر البتركية فَتحدث فِي ذَلِك وزكوه فَتَوَلّى وَكَانَ مَعَه يَوْمئِذٍ سَبْعَة عشر ألف دِينَار مصرية فرقها فِي مُدَّة بطركيته على الْفُقَرَاء وأبطل الديارية وَمنع الشرطونية وَلم يَأْكُل فِي ولَايَته كلهَا لأحد من النَّصَارَى خبْزًا وَلَا قبل لصغير وَلَا لكبير مِنْهُم هَدِيَّة وَكَانَ القس دَاوُد بن يوحنا الْمَعْرُوف بِابْن لقلق من أهل الفيوم ملازما للشَّيْخ نشىء الْخلَافَة أبي الْفتُوح بن الميقاط كَاتب الجيوش العادلية وَكَانَ يُسَافر مَعَه وَيصلى بِهِ فَلَمَّا مَاتَ ابْن سوروس سَأَلَ أَبُو الْفتُوح الْملك الْعَادِل أَن يولي القس دَاوُد البتركية فَأَجَابَهُ وَكتب لَهُ توقيعا بذلك من غير أَن يعلم الْملك الْكَامِل فَلم يعجب بعض النَّصَارَى ولَايَة دَاوُد وَقَامَ مِنْهُم رجل يعرف بالأسعد بن صَدَقَة كَاتب دَار التفاح بِمصْر وَجمع كثيرا من النَّصَارَى العصارين بِمصْر وطلع فِي اللَّيْلَة الَّتِي وَقع الِاتِّفَاق على تقدمة القس دَاوُد فِي صبيحتها وَمَعَهُ الْجمع إِلَى تَحت قلعة الْجَبَل واستغاثوا بِالْملكِ الْكَامِل وَقَالُوا: إِن هَذَا الَّذِي يُرِيد أَبُو الْفتُوح يعمله بطركا بِغَيْر أَمرك مَا يصلح وَنحن فِي شريعتنا لَا يقدم البطرك إِلَّا بِاتِّفَاق الْجُمْهُور عَلَيْهِ. فَخرج إِلَيْهِم الْأَمر من عِنْد الْكَامِل بتطييب قُلُوبهم وَفِي سحر النَّهَار ركب القس دَاوُد وَمَعَهُ الأساقفة وعالم كَبِير من النَّصَارَى ليقدموه بكنيسة الْمُعَلقَة بِمصْر وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْأَحَد عيد الزيتونة. فَركب الْملك الْكَامِل إِلَى أَبِيه وعرفه أَن النَّصَارَى لم يتفقوا على بطركية دَاوُد وَلَا يجوز عِنْدهم تقدمته إِلَّا بِاتِّفَاق جمهورهم. فسير الْملك الْعَادِل إِلَى الأساقفة ليحضرهم حَتَّى يتَحَقَّق
الْأَمر فوافاهم الرُّسُل مَعَ القس دَاوُد عِنْد زقاق كَنِيسَة الْحَمْرَاء فأحضرت الأساقفة إِلَى الْملك الْعَادِل وَدخل دَاوُد إِلَى كَنِيسَة الْحَمْرَاء وانحل أمره وَفِي جُمَادَى الأولى: صرف الْملك الْعَادِل زكي الدّين الطَّاهِر بن محيي الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْقرشِي عَن قَضَاء دمشق وألزم جال الدّين عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل الحرستاني بِولَايَة الْقَضَاء بهَا وَله من الْعُمر اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ سنة. وفيهَا قدم إِلَى الْقَاهِرَة من الشرق رجل مَعَه حمَار لَهُ سَنَام كسنام الْجمل يرقص ويدور ويستجيب لَهُ إِذا دَعَاهُ.
فارغة