المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة أربع وسبعين وخمسمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض

- ‌فصل

- ‌ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء

- ‌ذكر دولة بني بويه الديلم

- ‌ذكر دولة السلجوقية

- ‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

- ‌سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين)

- ‌(سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة أَربع وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله)

- ‌(تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)

- ‌(تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

الفصل: ‌(سنة أربع وسبعين وخمسمائة)

(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

وفى أَوَائِل شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين هجم الْعَدو من الفرنج على مَدِينَة حماة فَنَهَضَ إِلَيْهِم الْمُسلمُونَ وأسروا مقدمهم فِي جمَاعَة وبعثوا بهم إِلَى السُّلْطَان بِدِمَشْق فَضرب أَعْنَاقهم. وفيهَا جهز السُّلْطَان أَخَاهُ شمس الدولة تورانشاه إِلَى محاربة شمس الدّين بن الْمُقدم ببعلبك فِي جَيش كثيف فحاصرها مُدَّة ثمَّ سَار إِلَيْهِ السُّلْطَان وَأقَام على الْحصار حَتَّى دخل الشتَاء فَوَقع الصُّلْح وتسلمها السُّلْطَان وَسلمهَا لِأَخِيهِ تورانشاه فِي شَوَّال فَبنى الفرنج فِي مُدَّة اشْتِغَال السُّلْطَان ببعلبك حصنا على مخاضة بَيت الأحزان وَهُوَ بَيت يَعْقُوب عليه السلام وَبَينه وَبَين دمشق نَحْو يَوْم وَمِنْه إِلَى طبرية وصفد نصف يَوْم. فَعَاد السُّلْطَان إِلَى دمشق وَقدم عَلَيْهِ من الدِّيوَان الْعَزِيز خَادِم اسْمه فَاضل فأصحبه مَعَه للغزو حَيّ وقف على الْحصن وتخطف من حوله من الفرنج ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فتواترت الْأَخْبَار باجتماع الفرنج لغزو بِلَاد الْمُسلمين فَأخْرج السُّلْطَان ابْن أَخِيه الْأَمِير عز الدّين فرخشاه أَمَامه فواقعه الفرنج وقْعَة قتل فِيهَا جمَاعَة من مقدمي الفرنج وَغَيرهم مِنْهُم الهنفرى وَصَاحب الناصرة فَانْهَزَمُوا وَأسر مِنْهُم جمَاعَة. فبرز السُّلْطَان من دمشق إِلَى الْكسْوَة لنجدة عز الدّين فوافته الأسرى والرءوس فسر بدذك وَعَاد إِلَى دمشق. وفيهَا أغار أبرنس مَالك الفرنج بأنطاكية على شيزر وغدر القومص ملك طرابلس بالتركمان. وفيهَا سَار شمس الدولة إِلَى مصر بعدة من الْعَسْكَر لجدب الشَّام فى سادس عشري ذِي الْقعدَة وأغار السُّلْطَان على حصن بَيت الأحزان وَعَاد بالغنائم والأسرى ووالى الْغَارة والبعث إِلَى بِلَاد الفرنج. وفيهَا قوي قراقوش التَّقْوَى وَإِبْرَاهِيم السِّلَاح دَار بِبِلَاد الْمغرب وأخذا عدَّة حصون.

ص: 177

فارغة

ص: 178

سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة دخلت سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مواصل الإغارة على بِلَاد الفرنج وَكَانَ نازلا على بانياس وسرح العساكر ومقدمها عز الدّين فرخشاه بن أَيُّوب فَأكْثر من قَتلهمْ وأسرهم. وَفتح بَيت الأحزان فِي رَابِع عشري ربيع الآخر بعد قتال وحصار فغنم مِنْهُم مائَة ألف قِطْعَة حَدِيد من أَنْوَاع الأسلحة وشيئا كثيرا من الأقوات وَغَيرهَا وَأسر عدَّة نَحْو السبعمائة وَخرب الْحصن حَتَّى سوى بِهِ الأَرْض وسد الْبِئْر الَّتِي كَانَت بِهِ وَعَاد بَعْدَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَأَغَارَ على طبرية وصور وبيروت ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق وَقد مرض كثير من الْعَسْكَر وَمَات عدَّة من الْأُمَرَاء. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن الْمحرم: ركب السُّلْطَان وَمَعَهُ صمصام الدّين أجك وَإِلَى بانياس فِي عسكره فَلَقِيَهُ الفرنج فِي ألف رمح وَعشرَة آلَاف مقَاتل مَا بَين فَارس وراجل فَاقْتَتلُوا قتالا كثيرا انهزم فِيهِ الفرنج وَركب الْمُسلمُونَ أقفيتهم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ حَتَّى حَال بَينهم اللَّيْل وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مخيمه وَقد مض أَكثر اللَّيْل وَعرض الأسرى فَقدم أَوَّلهمْ بادين بن بارزان ثمَّ أود مقدم الداوية وَابْن القومصية وأخو صَاحب جبيل فِي آخَرين فقيدوا بأجمعهم وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَسبعين وحملوا إِلَى دمشق فاعتقلوا بهَا وَعَاد السُّلْطَان إِلَى دمشق ففدى ابْن بارزان بعد سنة بِمِائَة وَخمسين ألف دِينَار وَألف أَسِير من الْمُسلمين وفدى ابْن القومصية بِخَمْسَة وَخمسين ألف دِينَار صورية وَمَات أود فَأخذت جيفته بأسير أفرج عَنهُ. وَقدم الْخَبَر بَان الْملك المظفر تَقِيّ الدّين أوقع بعسكر قلج أرسلان صَاحب الرّوم السلجوقية فَهَزَمَهُمْ وَأسر مِنْهُم جمَاعَة فَكتب السُّلْطَان البشائر بظفره بالفرنج على

ص: 179

مرج عُيُون وبظفر أَخِيه بعسكر الرّوم وسيرها إِلَى الأقطار فَأَتَتْهُ تهاني الشُّعَرَاء من الْأَمْصَار ثمَّ اهتم السُّلْطَان بِأَمْر بَيت الأحزان وَكتب إِلَى الفرنج يَأْمُرهُم بهدمه فَأَبَوا فراجعهم مرّة ثَانِيَة فطلبوا مِنْهُ مَا غرموا عَلَيْهِ فبذل لَهُم حَتَّى وصلهم إِلَى مائَة ألف دنيار فَلم يقبلُوا. فَكتب حِينَئِذٍ إِلَى التركمان وأجناد الْبِلَاد يستدعيهم وَحمل إِلَيْهِم الْأَمْوَال والخيول والتشاريف فَقدم إِلَيْهِ خلق كثر وَسَار الْملك المظفر من حماة فَقدم دمشق أول شهر ربيع الآخر وَقد تَلقاهُ السُّلْطَان ثمَّ سَار السُّلْطَان من دمشق يَوْم الْخَمِيس خامسه فِي عَسْكَر عَظِيم وَنزل على حصن بَيت الأحزان يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره وَكَانَت قلعة صفد للداوية فَأمر بِقطع كروم ضيَاع صفد وحاصر الْحصن ونقبه من جِهَات وحشاه بالحطب وَأحرقهُ حَتَّى سقط فِي رَابِع عشريه وَأَخذه فَقتل من فِيهِ وأسرهم وَوجد فِيهِ مائَة أَسِير من الْمُسلمين فَقتل عدَّة من أسرى الفرنج وَبعث باقيهم فِي الْحَدِيد إِلَى دمشق وأخرب الْحصن حَتَّى سوى بِهِ الأَرْض فَكَانَت إِقَامَته عَلَيْهِ أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَعَاد إِلَى دمشق فمدحه عدَّة من الْأُمَرَاء وَالشعرَاء وهنأوه بِالْفَتْح. وَفِي صفر: ظهر قُدَّام المقياس بِمصْر وسط النّيل الْحَائِط الَّذِي كَانَ فِي جَوْفه قبر يُوسُف الصّديق وتابوته وَلم ينْكَشف قطّ مُنْذُ نَقله مُوسَى عليه السلام إِلَّا حِينَئِذٍ عِنْد نُقْصَان المَاء فِي قاع المقياس فَإِن الرمل انْكَشَفَ عَنهُ وَظهر للنَّاس وَأكْثر النَّاس مَا علمُوا مَا هُوَ. وفيهَا نَافق جِلْدك الشهابي بالواحات فَأَخذه الْعَادِل بالأمان وسيره إِلَى دمشق. وفيهَا أغار عز الدّين فرخشاه على صفد فَأكْثر من الْقَتْل والسبي وأحرق الربض فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَعَاد إِلَى دمشق. وفيهَا مَاتَ الْخَلِيفَة المستضيء بِأَمْر الله أَبُو المظفر يُوسُف بن المقتفي لأمر الله مُحَمَّد يَوْم الْجُمُعَة لِاثْنَتَيْ عشرَة مَضَت من شَوَّال وَكَانَت خِلَافَته عشر سِنِين غير أَرْبَعَة أشهر. واستخلف من بعده ابْنه النَّاصِر لدين الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد فَخرج الشَّيْخ صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ عبد الرَّحِيم بن إِسْمَاعِيل من بَغْدَاد رَسُولا إِلَى الْمُلُوك وَإِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَسَار مَعَه إِلَى مصر شهَاب الدّين الْخَاص كَمَا يَأْتِي ذكره

ص: 180

وفيهَا ختن السطان ابْنه الْملك الْعَزِيز عُثْمَان وَسلمهُ إِلَى صدر الدّين بن المجاور معلما لَهُ. وفيهَا فَشَا الْمَوْت بِمصْر والقاهرة وَعَامة أَعمال مصر وتغيرت رَائِحَة الْهَوَاء وَمَات بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي أَيَّام يسيرَة سَبْعَة عشر ألف إِنْسَان.

ص: 181

فارغة

ص: 182

سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وَدخلت سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا سَار السُّلْطَان إِلَى حَرْب عز الدّين قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان السلجوقي صَاحب قونية وَعَاد بِغَيْر قتال فَدخل دمشق أول شهر رَجَب. وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان سيف الدّين غَازِي بن السُّلْطَان قطب الدّين مودود بن عماد الدّين زنكي بن أقسنقر صَاحب الْموصل فِي ثَالِث صفر وَجلسَ أَخُوهُ عز الدّين مَسْعُود مَكَانَهُ فَكتب السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر يسْأَل أَن يُفَوض إِلَيْهِ فوصل شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن وشهاب الدّين بشير الْخَاص بالتفويض والتقليد والتشريف فِي رَجَب فَتَلقاهُمْ السُّلْطَان وترجل لَهُم ونزلوا لَهُ وبلغوه سَلام الْخَلِيفَة فَقبل الأَرْض وَدخل دمشق بِالْخلْعِ وَأعَاد الْجَواب مَعَ بشير وصحبته ضِيَاء الدّين الشهرزورى. وَسَار السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الأرمن لقمع ملكهم فأوغل فِيهَا وأطاعه ملكهم ثمَّ عَاد بَعْدَمَا وصل إِلَى بهسنا وأحرق حصنا وَخَرَّبَهُ وَخرج من دمشق يُرِيد مصر فِي ثامن عشر رَجَب وَمَعَهُ شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين فوصل إِلَى الْقَاهِرَة ثَالِث عشر شعْبَان وَخرج شيخ الشُّيُوخ إِلَى مَكَّة فِي الْبَحْر وَعَاد مِنْهَا إِلَى بَغْدَاد. وفيهَا مَاتَ الْحَافِظ أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سلفة السلَفِي فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس ربيع الآخر بالإسكندرية عَن نَحْو مائَة سنة. وَمَات الْملك الْمُعظم شمس الدولة تورانشاه بن أَيُّوب بن شادي فِي خَامِس صفر بالإسكندرية وَحمل إِلَى دمشق فَدفن بهَا. وفيهَا ولدت امْرَأَة غرابا. وفيهَا كَانَ قاع النّيل ثَلَاثَة أَذْرع وَعشْرين إصبعا وَبَلغت الزِّيَادَة سِتَّة عشرَة ذِرَاعا وثلثي ذِرَاع.

ص: 183

فارغة

ص: 184

سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة فِي محرم خرج الْأَمر بالحوطة على مستغلات العربان بالشرقية وَأمرُوا بالتعدية إِلَى الْبحيرَة وَوَقعت الحوطة على إقطاع جذام وثعلبة لِكَثْرَة حملهمْ الغلال إِلَى بِلَاد الفرنج وَكثر الفار بالمقاثي والغلال بعد حصادها فأتلف شَيْئا كثيرا وَاحْتَرَقَ النّيل حَتَّى صَار يخاض وتشمر المَاء عَن سَاحل المقس ومصر وربى جزائر رَملَة خيف مِنْهَا على المقياس أَن يَتَقَلَّص المَاء عَنهُ وَيحْتَاج إِلَى عمل غَيره وَبعد المَاء عَن السُّور بالمقس وَصَارَت قوته من بر الغرب وخيم السُّلْطَان فِي بركَة الْجب للصَّيْد وَلعب الأكرة وَعَاد بعد سِتَّة أَيَّام وَورد الْخَبَر بِأَن الأبرنس أرناط ملك الفرنج بالكرك جمع وعزم على الْمسير إِلَى تيماء وَدخُول الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فَخرج عز الدّين فرخشاه من دمشق بعساكره إِلَى الكرك وَنهب وَحرق وَعَاد إِلَى أَطْرَاف بِلَاد الْإِسْلَام فَأَقَامَ بِهِ وَورد الْخَبَر من نَائِب قلعة أَيْلَة بِشدَّة الْخَوْف من الفرنج. وَفِي صفر: قدم رَسُول ملك الْقُسْطَنْطِينِيَّة إِلَى الْقَاهِرَة فَوَقع الصُّلْح مَعَ صَاحبهَا وَأطلق فِي جُمَادَى الْآخِرَة مائَة وَثَمَانِينَ أَسِيرًا من الْمُسلمين وَسَار صارم الدّين خطلبا إِلَى الفيوم وَقد أضيفت إِلَيْهِ ولايتها وأفردت برسمه الْخَاص وَنقل عَنْهَا مقطوعها ثمَّ صرف عَن ولَايَة الفيوم بِابْن شمس الْخلَافَة وأحضر خطلبا ليسير إِلَى الْيمن وَكتب إِلَى دمياط بترتيب الْمُقَاتلَة على البرجين وسد مراكب السلسلة وتسييرها لِيُقَاتل عَلَيْهَا ويدافع عَن الدُّخُول من بَين البرجين بهَا. وَفِي ربيع الأول: طرق الفرنج سَاحل تنيس وَأخذُوا مركبا للتجار ووصلت مراكب من دمياط كَانَت استدعيت من خمسين مركبا لتَكون فِي سَاحل مصر وكمل بِنَاء برج بالسويس يسع عشْرين فَارِسًا ورتب فِيهِ الفرسان لحفظ طَرِيق الصَّعِيد الَّتِي يجلب مِنْهَا الشب إِلَى بِلَاد الفرنج وَأمر بعمارة قلعة تنيس وَورد تجار الكارم من عدن فَطلب مِنْهُم زَكَاة أَربع سِنِين. وَكَثُرت بيُوت المزر بالإسكندرية فهدم مِنْهَا مائَة وَعِشْرُونَ بَيْتا. وَوصل الْمُفْرد فِي حادي عشْرين ربيع الأول بِالْوَفَاءِ فِي سَابِع عشره فأوفى النّيل بِمصْر فِي سادس عشريه الْمُوَافق يَوْم السَّادِس عشر من مسرى وَلَا يعرف وفاؤه بِهَذَا

ص: 185

التَّارِيخ فِي زمن مُتَقَدم فَركب السُّلْطَان لتخليق المقياس فِي غده وخلع على ابْن أَبى الرداد فِي سلخه وَفتح الخليج فِي رَابِع ربيع الآخر وَالْمَاء على خَمْسَة عشر إصبعا من سَبْعَة عشر ذِرَاعا بِمحضر وَالِي الْقَاهِرَة. وَفِيه أنْفق السُّلْطَان فِي الأجناد البطالين وجردهم إِلَى الثغور وَأنْفق فِي رجال الشواني وجردهم للغزو وَورد الْخَبَر بِكَثْرَة ولادَة الْحَيَوَان النَّاطِق والصامت للتوأم وَأَن ذَلِك خرج عَن الْحَد فِي الزِّيَادَة على الْمَعْهُود وَأَن الغزال فِي الْبَريَّة كُله أتأم وَكَذَلِكَ النسوان أتأمن أَكثر من الْإِفْرَاد وَكَذَلِكَ الطير فَإِنَّهُ كثر ظُهُوره كَثْرَة ظَهرت. وَفِيه مَاتَت امْرَأَة الصَّالح بن رزيك عَن سنّ كَبِيرَة وَضعف حَال وعمى بعد الدُّنْيَا وَالْملك الَّذِي كَانَت فِيهِ. وَركب السُّلْطَان فِي أول جُمَادَى الأولى لفتح بَحر أبي المنجا وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل وَركب مِنْهَا إِلَى المخيم بِالْبركَةِ. وَسَار متسلم الْأَمِير صارم الدّين خطلبا إِلَى الْيمن وانتصب السُّلْطَان لَيْلًا وَنَهَارًا فِي تَرْتِيب أَحْوَال الأجناد واقتطع من إقطاعات العربان الثُّلثَيْنِ وَعوض بِهِ مقطعو الفيوم وَصَارَت أَعمال الفيوم كلهَا للسُّلْطَان. وَفِيه قرر ديوَان الأسطول وَفِيه الفيوم وَالْحَبْس الجيوشي والخراجي والنطرون وَضمن الْخراج بِثمَانِيَة آلَاف دِينَار. وَفِي هَذِه السّنة: رتبت الْمُقَاتلَة على البرجين بدمياط وجهزت خَمْسمِائَة دِينَار لعمارة سورها وَالنَّظَر فِي السلسلة الَّتِي بَين البرجين وَعمل تَقْدِير برسم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ سور تنيس وإعادته كَمَا كَانَ فِي الْقَدِيم فجَاء ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَكتب إِلَى قوص بِإِبْطَال المكوس الَّتِي تستأدي من الْحجَّاج وتجار الْيمن. وَورد كتاب إِبْرَاهِيم السِّلَاح دَار من الْمغرب أَنه فتح بِلَاد هوارة وزواوة ولواتة وجبل نفوسة وغدامس وأعمالا طولهَا وعرضها خَمْسَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَأَنه خطب على منابرها للسُّلْطَان وَضربت السِّكَّة باسمه وانه إِذا أنعم عَلَيْهِ بتقوية بلغ أغراضا بعيدَة وسير أَمْوَالًا عتيدة. وأنشئت أَربع حراريق بصناعة مصر برسم من تجرد إِلَى بِلَاد الْيمن وجردت أُمَرَاء الْعَسْكَر السائرين إِلَى الْيمن وَكبر فِي بَحر تنيس تعدِي العربان على المراكب وعمرت عَلَيْهِم حراريق فِيهَا فَلم يظفر بهم لإيوائهم إِلَى الهيش.

ص: 186

وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: قطع الفرنج أَكثر نخل الْعَريش وَحَمَلُوهُ إِلَى بِلَادهمْ وسيرت مراكب بالزاد والعلوفات والأسلحة إِلَى الْيمن وَأسْندَ أَمر الجسور إِلَى وَالِي الغربية ووالي الشرقية ليتوفرا على عمارتها وَكتب إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين نشر الْملك بن فَرِحُونَ وَالِي الْبحيرَة ومشارفها بذلك. وَفِي رَجَب: اسْتَقَرَّتْ عدَّة الأجناد ثَمَانِيَة آلَاف وسِتمِائَة وَأَرْبَعين وأمراء مائَة أحد عشر وطواشية سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَسِتَّة وَسبعين وقرا غلامية ألف وَخَمْسمِائة وَثَلَاثَة وَخمسين. والمستقر لَهُم من المَال ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة ألف وَسَبْعُونَ ألفا وَخَمْسمِائة دِينَار خَارج عَن المحلولين وَعَن العربان المقطعين بالشرقية والبحيرة والكنانيين والمضريين وَالْفُقَهَاء والقضاة والصوفية والدواوين وَلَا يقصر مَا مَعَهم عَن ألف ألف دِينَار. وَوصل الإبرنس أرناط إِلَى أَيْلَة وَسَار عسكره إِلَى تَبُوك. وَفِي شعْبَان: كثر الْمَطَر بأيلة حَتَّى تهدمت قلعتها وَشرع فِي بِنَاء سور دمياط وذرعه أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَشرع أَيْضا فِي بِنَاء برج بهَا. وَفِي شَوَّال: مَاتَ منكورس الْأَسدي أحد الْأُمَرَاء المماليك وَأخذ إقطاعه يازكج الْأَسدي وَقبض على سيف الدولة مبارك بن منقذ بن كَامِل الْكِنَانِي نَائِب شمس الدولة بِبِلَاد الْيمن وَأخذ مِنْهُ ثَمَانُون ألف دِينَار وَأَفْرج عَنهُ. وَسَار خطلبا وَالِي مصر واليا على زبيد وصحبته خَمْسمِائَة رجل وَمَعَهُمْ الْأَمِير باخل وَقد بلغت النَّفَقَة فيهم عشْرين ألف دِينَار وَكتب للطواشية بِنَفَقَة عشرَة دَنَانِير لكل مِنْهُم على الْيمن إِن كَانَ من الإقطاعية وللبطالين والمترجلة فِي الشَّهْر ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا وسيرت الحراريق وهى خمس وَقد شحنت بالرماة. وَفِي سَابِع عشره: سَار السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَدخل خَامِس عشري شَوَّال وَشرع فِي قِرَاءَة الْمُوَطَّأ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي يَوْم دُخُوله على الْفَقِيه أبي الطَّاهِر بن عَوْف وَأَنْشَأَ بهَا مارستانا ودارا للمغاربة ومدرسة على ضريح الْمُعظم توران شاه وَشرع فِي عمَارَة الخليج وَنقل فوهته إِلَى مَكَان أخر وَسَار مِنْهَا أول ذِي الْقعدَة إِلَى دمياط وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة فِي سابعه. وَفِي تاسعه: أَمر بِفَتْح المارستان الصلاحي وأفرد برسمه من أُجْرَة الرباع الديوانية مشاهرة مبلغها مِائَتَا دِينَار وغلات جِهَتهَا الفيوم واستخدم لَهُ أطباء وَغَيرهم. (تكْرَار: وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: قطع الفرنج أَكثر نخل الْعَريش وَحَمَلُوهُ إِلَى بِلَادهمْ وسيرت مراكب بالزاد والعلوفات والأسلحة إِلَى الْيمن وَأسْندَ أَمر الجسور إِلَى وَالِي الغربية ووالي الشرقية ليتوفرا على وَفِي رَجَب: اسْتَقَرَّتْ عدَّة الأجناد ثَمَانِيَة آلَاف وسِتمِائَة وَأَرْبَعين وأمراء مائَة أحد عشر وطواشية سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَسِتَّة وَسبعين وقرا غلامية ألف وَخَمْسمِائة وَثَلَاثَة وَخمسين. والمستقر لَهُم من المَال ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة ألف وَسَبْعُونَ ألفا وَخَمْسمِائة دِينَار خَارج عَن المحلولين وَعَن العربان المقطعين بالشرقية والبحيرة والكنانيين والمضريين وَالْفُقَهَاء والقضاة والصوفية والدواوين وَلَا يقصر مَا مَعَهم عَن ألف ألف دِينَار. وَوصل الإبرنس أرناط إِلَى أَيْلَة وَسَار عسكره إِلَى تَبُوك. وَفِي شعْبَان: كثر الْمَطَر بأيلة حَتَّى تهدمت قلعتها وَشرع فِي بِنَاء سور دمياط وذرعه أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَشرع أَيْضا فِي بِنَاء برج بهَا. وَفِي شَوَّال: مَاتَ منكورس الْأَسدي أحد الْأُمَرَاء المماليك وَأخذ إقطاعه يازكج الْأَسدي وَقبض على سيف الدولة مبارك بن منقذ بن كَامِل الْكِنَانِي نَائِب شمس الدولة بِبِلَاد الْيمن وَأخذ مِنْهُ ثَمَانُون ألف دِينَار وَأَفْرج عَنهُ. وَسَار خطلبا وَالِي مصر واليا على زبيد وصحبته خَمْسمِائَة رجل وَمَعَهُمْ الْأَمِير باخل وَقد بلغت النَّفَقَة فيهم عشْرين ألف دِينَار وَكتب للطواشية بِنَفَقَة عشرَة دَنَانِير لكل مِنْهُم على الْيمن إِن كَانَ من الإقطاعية وللبطالين والمترجلة فِي الشَّهْر ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ دِينَارا وسيرت الحراريق وهى خمس وَقد شحنت بالرماة. وَفِي سَابِع عشره: سَار السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَدخل خَامِس عشري شَوَّال وَشرع فِي قِرَاءَة الْمُوَطَّأ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي يَوْم دُخُوله على الْفَقِيه أبي الطَّاهِر بن عَوْف وَأَنْشَأَ بهَا مارستانا ودارا للمغاربة ومدرسة على ضريح الْمُعظم توران شاه وَشرع فِي عمَارَة الخليج وَنقل فوهته إِلَى مَكَان أخر وَسَار مِنْهَا أول ذِي الْقعدَة إِلَى دمياط وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة فِي سابعه. وَفِي تاسعه: أَمر بِفَتْح المارستان الصلاحي وأفرد برسمه من أُجْرَة الرباع الديوانية مشاهرة مبلغها مِائَتَا دِينَار وغلات جِهَتهَا الفيوم واستخدم لَهُ أطباء وَغَيرهم.)

ص: 187

وَفِي حادي عشره: خرج السُّلْطَان إِلَى بركَة الْجب لتجريد العساكر والمسير إِلَى الشَّام وَخرج الْملك الْعَادِل فِي ثَالِث عشره إِلَى المخيم وَنزل نَاحيَة بركَة الْجب وسومح برسوم للولاة بِمصْر والقاهرة ورسوم الفيوم ورسوم الصَّيْد الْأَعْلَى وأخرجت منجنيقات إِلَى الْخيام برسم الْغُزَاة. وَفِي حادي عشره: سَار سيف الْإِسْلَام طغتكين أَخُو السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى أخميم لجباية الجوالي وَالنَّظَر فِي أَمر الشب. وظفر وَالِي قوص برجلَيْن من أهل إسنا يدعوان الى مَذْهَب الباطنية. وَفِي ثَالِث عشريه: عقد نِكَاح بَنَات الْعَادِل على أَبنَاء السُّلْطَان صَلَاح الدّين وهم: غياث الدّين غَازِي ومظفر الدّين خضر وَنجم الدّين مَسْعُود وَشرف الدّين يَعْقُوب وَالصَّدَاق فِي كل كتاب عشرُون ألف دِينَار. وَعقد السُّلْطَان الْهُدْنَة مَعَ رَسُول القومص ملك الفرنج بطرابلس وَنُودِيَ بِمَنْع أهل الذِّمَّة من ركُوب الْخَيل وَالْبِغَال من غير اسْتثِْنَاء طَبِيب وَلَا كَاتب. وَمَات الْملك الصَّالح مجير الدّين إِسْمَاعِيل بن الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي بن آقسنقر الأتابكي صَاحب حلب فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشري رَجَب فَقَامَ من بعده ابْن عَمه السُّلْطَان عز الدّين مَسْعُود بن مودود بن زنكي. وَكَانَ موت الصَّالح هُوَ المحرك للسُّلْطَان صَلَاح الدّين على السّفر وَكتب لِابْنِ أَخِيه المظفر تَقِيّ الدّين عمر صَاحب حماة وَغَيره من النواب بالتأهب وَكَاتب الْخَلِيفَة النَّاصِر يسْأَل ولَايَة حلب.

ص: 188

سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وأهلت سنة ثَمَان وَسبعين وَالسُّلْطَان مبرز بِظَاهِر الْقَاهِرَة فَلَمَّا خرج النَّاس لوداعه وَقد اجْتمع عِنْده من الْعلمَاء والفضلاء كثير وهم يتناشدون مَا قيل فِي الْوَدَاع فَأخْرج بعض مؤدبي أَوْلَاد السُّلْطَان رَأسه من الْخَيْمَة وَقَالَ: تمتّع من شميم عرار نجد فَمَا بعد العشية من عرار فتطير الْحَاضِرُونَ من ذَلِك وَصحت الطَّيرَة فَإِن السُّلْطَان رَحل من ظَاهر الْقَاهِرَة فِي خَامِس الْمحرم من هَذِه السّنة وَلم يعد بعد ذَلِك إِلَى الْقَاهِرَة فسلك فِي طَرِيقه على أَيْلَة فَأَغَارَ على بِلَاد الفرنج وَسَار على سمت الكرك وَبعث أَخَاهُ تَاج الْمُلُوك بالعسكر على الدَّرْب وَخرج عز الدّين فرخشاه من دمشق فَأَغَارَ على طبرية وعكا وَأخذ الشقيف أرنون وَعَاد بِأَلف أَسِير وَعشْرين ألف رَأس غنم وَأنزل فِيهِ طَائِفَة من الْمُسلمين وألفى الرّيح بطسة للفرنج إِلَى بر دمياط فَأسر مِنْهَا ألف وسِتمِائَة وَتسْعُونَ نفسا سوى من غرق فَدخل السُّلْطَان إِلَى دمشق يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثلاث عشرَة بقيت من صفر فَأَقَامَ بهَا يَسِيرا ثمَّ أغار على طبرية وَاشْتَدَّ الْقِتَال مَعَ الفرنج تَحت قلعة كَوْكَب وَاسْتشْهدَ جمَاعَة من الْمُسلمين وَعَاد إِلَى دمشق فِي رَابِع عشر ربيع الأول وخيم بالفوار من عمل حوران وَأقَام بِهِ حَتَّى رَحل إِلَى حلب. وَخرج سيف الْإِسْلَام ظهير الدّين طغتكين بن أَيُّوب بن شادي من الْقَاهِرَة إِلَى الْيمن بعد مسير السُّلْطَان وَوصل إِلَى زبيد فملكها وَأخذ مِنْهَا مَا قِيمَته ألف ألف دِينَار واحتوى على عدن أَيْضا. وَخرج السُّلْطَان من دمشق يُرِيد حلب فَنزل عَلَيْهَا يَوْم الْأَحَد ثامن عشر جُمَادَى الأولى ونازلها ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رَحل إِلَى الْفُرَات فخيم على غربي البيرة وَمد الجسر وَكَاتب مُلُوك الْأَطْرَاف ورحل إِلَى الرها فتسلمها وَسَار عَنْهَا إِلَى حران فرتبها

ص: 189

وانفصل عَنْهَا إِلَى الرقة فملكها وَمَا حولهَا ونازل نَصِيبين حَتَّى ملكهَا وقلعتها فورد الْخَبَر بِقصد الفرنج دمشق ونهبهم الْقرى فَسَار ونازل الْموصل فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر رَجَب وألح فِي الْقِتَال فَلم ينل غَرضا ورحل يُرِيد سنجار فنازلها وضايقها من يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشري شعْبَان. وَدخل رَمَضَان: فَكف عَن الْقِتَال ثمَّ تسلمها بالأمان يَوْم الْخَمِيس ثَانِيه وَأَعْطَاهَا ابْن أَخِيه الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر ورحل إِلَى نَصِيبين فَأَقَامَ بهَا لشدَّة الْبرد وَسَار عَنْهَا إِلَى حران ثمَّ رَحل وَنزل على آمد لثلاث عشرَة بقيت من ذِي الْحجَّة. وفيهَا قصد الفرنج بِلَاد الْحجاز وَأَنْشَأَ الْبُرْنُس أرناط صَاحب الكرك سفنا وَحملهَا على الْبر إِلَى بَحر القلزم وأركب فِيهَا الرِّجَال وأوقف مِنْهَا مركبين على حرزة قلعة القلزم لمنع أَهلهَا من استقاء المَاء. وسارت الْبَقِيَّة نَحْو عيذاب فَقتلُوا وأسروا وأحرقوا فِي بَحر القلزم نَحْو سِتّ عشرَة مركبا وَأخذُوا بعيذاب مركبا ياتي بالحجاج من جدة وَأخذُوا فِي الْأسر قافلة كَبِيرَة من الْحجَّاج فِيمَا بَين قوص وعيذاب وَقتلُوا الْجَمِيع وَأخذُوا مركبين فيهمَا بضائع جَاءَت من الْيمن وَأخذُوا أَطْعِمَة كَثِيرَة من السَّاحِل كَانَت معدة لميرة الْحَرَمَيْنِ وأحدثوا حوادث لم يسمع فِي الْإِسْلَام بِمِثْلِهَا وَلَا وصل قبلهم رومي إِلَى ذَلِك الْموضع فَإِنَّهُ لم يبْق بَينهم وَبَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة سوى مسيرَة يَوْم وَاحِد ومضوا إِلَى الْحجاز يُرِيدُونَ الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. فَجهز الْملك الْعَادِل وَهُوَ يخلف السُّلْطَان بِالْقَاهِرَةِ الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ إِلَى القلزم فعمر مراكب بِمصْر والإسكندرية وَسَار إِلَى أَيْلَة وظفر بمراكب للفرنج فحرقها وَأسر من فِيهَا وَسَار إِلَى عيذاب وَتبع مراكب الفرنج فَوَقع بهَا بعد أَيَّام وَاسْتولى عَلَيْهَا وَأطلق من فِيهَا من التُّجَّار المأسورين ورد عَلَيْهِم مَا أَخذ لَهُم وَصعد الْبر موكب خيل الْعَرَب حَتَّى أدْرك من فر من الفرنج وَأَخذهم فساق مِنْهُم اثْنَيْنِ إِلَى منى ونحرهما بهَا كَمَا تنحر الْبدن وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة بالأسرى فِي ذِي الْحجَّة فَضربت أَعْنَاقهم كلهم. وَعَاد الأسطول من بَحر الرّوم بعد نكاية أهل الجزائر وَمَعَهُ بطسة للفرنج كَانَت تُرِيدُ وَمَات عز الدّين فرخشاه الملقب بِالْملكِ الْمَنْصُور فِي دمشق فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الشَّيْخ الزَّاهِد روزبهار بن أبي بكر بن مُحَمَّد أبي الْقَاسِم الْفَارِسِي الصُّوفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْخَامِس من ذِي الْقعدَة وَدفن بقرافة مصر.

ص: 190

وفيهَا انقرضت دولة آل سبكتكين وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة فملكوا مِائَتي سنة وَثَلَاث عشرَة سنة. وأولهم مَحْمُود بن سبكتكين وَآخرهمْ خسروشاه بن بهْرَام بن شاه بن مَسْعُود بن مَسْعُود بن إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود بن سبكتكين. وَقَامَ بعدهمْ الغورية وأولهم عز الدّين حسن صَاحب بِلَاد الْغَوْر. وفيهَا ورد الْخَبَر بِأَن المَاء الَّذِي فِي زقاق سبتة قل حَتَّى ظَهرت القنطرة الَّتِي كَانَ يعبر النَّاس عَلَيْهَا فِي قديم الدَّهْر إِلَى أَن غلب عَلَيْهَا الْبَحْر وطمها فَلَمَّا قل المَاء فِي هَذِه السّنة عَنْهَا لم يبْق عَلَيْهَا مِنْهُ سوى قامتين وَرَأى النَّاس آثَار بنيانها وَأَن مركبا انْكَسَرَ عَلَيْهَا.

ص: 191

فارغة

ص: 192