المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة سبع وعشرين وستمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض

- ‌فصل

- ‌ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء

- ‌ذكر دولة بني بويه الديلم

- ‌ذكر دولة السلجوقية

- ‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

- ‌سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين)

- ‌(سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة أَربع وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله)

- ‌(تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)

- ‌(تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

الفصل: ‌(سنة سبع وعشرين وستمائة)

(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

أهلت وَالْملك الْكَامِل بحران والخوارزمي على خلاط والأشرف محاصر بعلبك. وفيهَا قدم الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ من بَغْدَاد. وفيهَا ورد رَسُول الإمبراطور ملك الفرنج بكتابه إِلَى الْملك الْكَامِل بحران وَمَعَهُ أَيْضا كتاب للأمير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ. وفيهَا سَار الْكَامِل من حران إِلَى الرقة. وفيهَا استولى الْأَشْرَف بن الْعَادِل على بعلبك بَعْدَمَا أَقَامَ على حصارها عشرَة أشهر وَعوض الأمجد مجد الدّين بهْرَام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب بن شادي عوضا من بعلبك وأعمالها قصير دمشق والزبداني فَكَانَت مُدَّة ملكه بعلبك تسعا وَأَرْبَعين سنة فَبعث الْكَامِل الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان الأستادار إِلَى الْأَشْرَف فِي مهمات تتَعَلَّق بِهِ وَولي كَمَال الدّين بن شيخ نَائِبا بالجزيرة. وفيهَا قدم رَسُول السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد السلجوقي - صَاحب الرّوم - على الْملك الْكَامِل وَأخْبرهُ بِأَنَّهُ جهز خَمْسَة وَعشْرين ألفا إِلَى أرزنجان وَعشرَة آلَاف إِلَى ملطية وَأَنا حَيْثُ تَأمر. فطاب قلب السُّلْطَان الْكَامِل بذلك وَكَانَ مهتماً من أَمر الْخَوَارِزْمِيّ. وفيهَا سَار الْأَشْرَف صَاحب دمشق من الشَّام إِلَى جِهَة الشرق فوصل إِلَى الْكَامِل وَهُوَ بالرقة وَوصل أَيْضا مَانع بن حَدِيثَة أَمِير الْعَرَب. وفيهَا ملك الْخَوَارِزْمِيّ مَدِينَة خلاط بِحَدّ حِصَار طَوِيل وقتال شَدِيد فِي ثامن

ص: 359

عشري جُمَادَى الأولى فَوضع السَّيْف فِي النَّاس وأسرف فِي الْقَتْل والنهب فَرَحل الْملك الْكَامِل يُرِيد مصر لأمور مِنْهَا أَنه بلغه موت وَلَده الْملك المسعود صَاحب الْيمن فكتمه وَكَانَ قد ورد عَلَيْهِ أَيْضا من أم وَلَده الْعَادِل كتاب تَشْكُو فِيهِ من ابْنه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَأَنه قد عزم على التوثب على الْملك وَاشْترى جمَاعَة كَبِيرَة من المماليك الأتراك وَأَنه أَخذ مَالا جزيلاً من التُّجَّار وأتلف جملَة من مَال بَيت المَال وَمَتى لم تتدارك الْبِلَاد وَإِلَّا غلب عَلَيْهَا وأخرجني أَنا وابنك الْملك الْعَادِل مِنْهَا فانزعج الْكَامِل لذَلِك وَغَضب غَضبا شَدِيدا ثمَّ ورد عَلَيْهِ الْخَبَر بَان ابْنه الصَّالح اشْترى ألف مَمْلُوك فعزم على الرحيل إِلَى مصر فرتب الطواشي شمس الدّين صَوَاب العادلي نَائِبا فِي أَعمال الْمشرق وَأَعْطَاهُ إقطاع أَمِير مائَة فَارس زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ من الديار المصرية وَهِي أَعمال أخميم بكمالها وقاي والقايات ودجوة بإمرة مِائَتَيْنِ وَخمسين فَارِسًا فَصَارَ أَمِير ثَلَاثمِائَة وَخمسين فَارِسًا ورتب الْملك الْكَامِل كَمَال الدّين ابْن شيخ الشُّيُوخ وزيرا وَتوجه الْكَامِل إِلَى مصر فَدَخلَهَا فِي رَجَب وَتغَير على ابْنه الْملك الصَّالح تغيراً كثيرا وَقبض على جمَاعَة من أَصْحَابه وسجنهم وألزمهم إِحْضَار الْأَمْوَال الَّتِي فرط فِيهَا الْملك الصَّالح وخلع الصَّالح من ولَايَة الْعَهْد. وفيهَا وَاقع الْملك عَلَاء الدّين كيقباد السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه وكسره وَقتل كثيرا مِمَّن كَانَ مَعَه وخلص جلال الدّين فِي عدَّة من أَصْحَابه إِلَى تبريز وَكَانَ ذَلِك فِي سَابِع عشري رَمَضَان فَملك الْأَشْرَف - صَاحب دمشق - مَدِينَة خلاط.

ص: 360

وفيهَا بلغ قاع النّيل بمقياس مصر ذراعين وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل ثَلَاثَة عشر ذِرَاعا وَثَلَاثَة عشر إصبعا لَا غير فارتفعت الأسعار. وفيهَا قصد الفرنج حماة فأوقع بهم المظفر تَقِيّ الدّين وَقتل عدَّة مِنْهُم وَأسر كثيرا وَذَلِكَ فِي رَمَضَان. وفيهَا مَاتَ الْملك الأمجد مجد الدّين بهْرَام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب - صَاحب بعلبك - لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشر شَوَّال وَكَانَت مُدَّة ملكه تسعا وَأَرْبَعين سنة وَكَانَ أديباً شَاعِرًا. وَمَات الْملك الظافر خضر بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَكَانَ يعرف بالمشمر.

ص: 361

فارغة

ص: 362

سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وفيهَا انْفَرد الْعَزِيز صَاحب حلب بِالْملكِ وَقد بلغ ثَمَانِي عشرَة سنة وتسلم الخزائن من أتابكه شهَاب الدّين طغريل ففام بتدبير الْملك قيَاما مشكوراً وسير القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد إِلَى الْملك الْكَامِل بِسَبَب إِحْضَار صَفِيَّة خاتون ابْنة الْكَامِل - وَهِي زَوْجَة الْعَزِيز - فَأَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة وفيهَا قدم الْأَشْرَف من دمشق على الْملك الْكَامِل وَمَعَهُ الْملك الْمُعظم - صَاحب الجزيرة - فِي عَاشر جُمَادَى الأولى فسر السُّلْطَان بقدومهما. وفيهَا سَار الْملك الْكَامِل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَترك الْأَشْرَف بِالْقَاهِرَةِ واستصحب مَعَه صَاحب الجزيرة بَعْدَمَا أنعم عَلَيْهِ إنعاماً موفوراً. وفيهَا تحرّك التتر. وفيهَا قدم الْملك مجير الدّين بن الْعَادِل إِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَ مأسوراً عِنْد الْخَوَارِزْمِيّ فسر بِهِ الْكَامِل وأكرمه هُوَ وَأَخُوهُ تَقِيّ الدّين عَبَّاس. وفيهَا مَاتَ السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه بَعْدَمَا هَزَمه التتر بِبَعْض قرى ميافارقين قَتله بعض الأكراد. وفيهَا وصل التتر إِلَى إربل وَقتلُوا من الْمُسلمين مَا لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا خالقهم. وفيهَا شرع الْملك الْكَامِل فِي حفر بَحر النّيل الَّذِي فِيمَا بَين المقياس وبر مصر وَعمل فِيهِ بِنَفسِهِ وَاسْتعْمل الْمُلُوك والأمراء والجند فَلَمَّا فرغ من الْحفر صَار فِي أَيَّام احتراق النّيل يمشي من المقياس وَالرَّوْضَة إِلَى بر الجيزة وَاسْتمرّ المَاء فِيمَا بَين مصر وَالرَّوْضَة لَا يَنْقَطِع فِي زمن الاحتراق الْبَتَّةَ وَكَانَ السُّلْطَان قد قسط حفر هَذَا الْبَحْر على الدّور الَّتِي بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَالرَّوْضَة بالمقياس وَاسْتمرّ الْعَمَل فِيهِ - من مستهل شعْبَان إِلَى آخر شَوَّال - مُدَّة ثَلَاثَة أشهر.

ص: 363

وفيهَا قدم رَسُول الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بِالْخلْعِ والتقليد للْملك الْكَامِل وميز بِزِيَادَات كَثِيرَة لم تفعل فِي حق غَيره من السلجوقية وَغَيرهم ووردت خلع للْملك الْأَشْرَف أَيْضا. وفيهَا تسلطن عمر بن عَليّ بن رَسُول بِالْيمن وَنشر دَعوته.

ص: 364

سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة فيهمَا تكمل اسْتِيلَاء التتر على إقليم أرمينية وخلاط وَسَائِر مَا كَانَ بيد الْخَوَارِزْمِيّ. فاهتم الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه غَايَة الاهتمام وسير عدَّة رسل يستنجد الْأَشْرَف من مصر ويستنجد العربان وَغَيرهم وَأخرج الْخَلِيفَة الْأَمْوَال فَوَقع الِاسْتِخْدَام فِي جَمِيع الْبِلَاد لحركة التتر. وفيهَا خرج الْملك الْكَامِل من الْقَاهِرَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة واستخلف على مصر ابْنه الْملك الْعَادِل أَبَا بكر وَأَسْكَنَهُ قلعة الْجَبَل مَعَ أمه واخرج الصَّالح أَيُّوب مَعَه وَقدم الْأَشْرَف - والمعظم صَاحب الجزيرة - بالعساكر وَمضى الْكَامِل جَرِيدَة إِلَى الشوبك والكرك وَسَار إِلَى دمشق وَمَعَهُ النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك بعساكره وَقد زوجه بابنته عَاشُورَاء خاتون وَعقد عقده عَلَيْهَا بِمَنْزِلَة اللجون وَأقَام الْكَامِل بِدِمَشْق يسرح العساكر وَجعل فِي مقدمتها ابْنه الْملك الصَّالح أَيُّوب وَورد الْخَبَر بِدُخُول التتر بِلَاد خلاط فأسرع الْكَامِل فِي الْحَرَكَة وَخرج من دمشق فَنزل سليمَة - وَقد اجْتمع فِيهَا بعساكر يضيق بهَا الفضاء - وَسَار مِنْهَا فِي أخريات رَمَضَان على الْبَريَّة وَتَفَرَّقَتْ العساكر فِي عدَّة طرق لكثرتها فَهَلَك مِنْهَا عدَّة كَثِيرَة من النَّاس وَالدَّوَاب لقلَّة المَاء وأتته رسل مُلُوك الْأَطْرَاف وهم عز الدّين بيقرا وفخر الدّين بن الدَّامغَانِي رسل الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وألبسوه خلعة السلطنة فاستدعي الْكَامِل عِنْد ذَلِك رسل الْخَوَارِزْمِيّ وَرَسُول الكرج ورسل حماة وحمص وَرَسُول الْهِنْد ورسل الفرنج ورسل أتابك سعد صَاحب شيراز ورسل صَاحب الأندلس وَلم تَجْتَمِع هَذِه الرُّسُل عِنْد ملك فِي يَوْم وَاحِد قطّ غَيره وَقدم عَلَيْهِ بهاء اللين اليزدي - شيخ رِبَاط الخلاطية - من بَغْدَاد وَجَمَاعَة من النخاس يحثونه على الْغُزَاة. فَرَحل التتر عَن خلاط بعد منازلتها عدَّة أَيَّام وَجَاء الْخَبَر برحيلهم والكامل بحران فَجهز عماد الدّين بن شيخ الشُّيُوخ رَسُولا إِلَى الْخَلِيفَة وَسَار إِلَى الرها وَقدم العساكر إِلَى آمد وَسَار بعدهمْ فَنزل على آمد وَنصب عَلَيْهَا عدَّة مجانيق فَبعث إِلَيْهِ صَاحبهَا يستعطفه ويبذل لَهُ مائَة ألف وللأشرف عشْرين ألف دِينَار فَلم يقبل ومازال عَلَيْهَا حَتَّى أَخذهَا فِي سادس عشري ذِي الْحجَّة وَحضر صَاحبهَا إِلَيْهِ بِأَمَان فَوكل بِهِ حَتَّى سلم جَمِيع حصونها فاعطى السُّلْطَان حصن كيفا لِابْنِهِ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب - وفيهَا وَردت هَدِيَّة من ماردين.

ص: 365

وفيهَا سَار ابْن شَدَّاد من الْقَاهِرَة بالستر العالي الصاحبة غَازِيَة خاتون ابْنة الْكَامِل وَزَوْجَة الْملك المظفر صَاحب حماة والستر العالي الصاحبة فَاطِمَة ابْنة الْكَامِل وَزَوْجَة الْملك الْعَزِيز صَاحب حلب وَخرج مَعهَا أَيْضا الْأَمِير فَخر الدّين البانياسي والشمريف شمس الدّين قَاضِي الْعَسْكَر. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن قزل أستادار الْملك الْكَامِل وَصَاحب المدوسة الفخرية بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن عشر ذِي الْحجَّة بحران. وفيهَا بعث الْملك الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول صَاحب الْيمن عسكراً إِلَى مَكَّة فِيهِ الشريف رَاجِح بن قَتَادَة فملكها من الْأَمِير شُجَاع الدّين طغتكين نَائِب الْملك الْكَامِل فِي ربيع الآخر. وفر شُجَاع الدّين إِلَى نَخْلَة ثمَّ إِلَى يَنْبع وَكتب يعلم الْملك الْكَامِل بذلك فَبعث إِلَيْهِ الْكَامِل عسكراً سَار هم إِلَى مَكَّة فقدموها فِي شهر رَمَضَان وملكوها بَعْدَمَا قتلوا جمَاعَة، (وَكَانَ مقدم الْعَسْكَر الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن الشَّيْخ.)

ص: 366

سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا أنعم الْكَامِل على ابْنه الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بحصن كيفا وسيره إِلَيْهَا وَعَاد هُوَ إِلَى الديار المصرية وَمَعَهُ الْملك المسعود صَاحب آمد فَلَمَّا وصل قلعة الْجَبَل أفرج عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إمرة بديار مصر. وفيهَا قبض الْكَامِل على جمَاعَة من الْأُمَرَاء المصرية. وفيهَا استولى الْملك المظفر صَاحب حماة على حصن بارين وانتزعه من أَخِيه النَّاصِر قلج أرسلان فَسَار قلج أرسلان إِلَى خَاله الْكَامِل فَقبض عَلَيْهِ واعتقله فِي قلعة الْجَبَل حَتَّى مَاتَ. وفيهَا جهز الْملك الْكَامِل عسكراً من الغز والعربان إِلَى يَنْبع من أَرض الْحجاز - عَلَيْهِم عَلَاء الدّين آق سنقر الزَّاهدِيّ - فِي شَوَّال وعدتهم سَبْعمِائة وَسبب ذَلِك وُرُود الْخَبَر بمسير الشريف رَاجِح من الْيمن بعسكر إِلَى مَكَّة وَأَنه قدمهَا فِي صفر وَأخرج من بهَا من المصريين بِغَيْر قتال فَقدم الزَّاهدِيّ فِي الْمَوْسِم وتسلم مَكَّة وَحج بِالنَّاسِ وَترك بِمَكَّة ابْن محلي وَمَعَهُ خَمْسُونَ فَارِسًا وَرجع إِلَى مصر. وفيهَا توفّي الْفَخر سُلَيْمَان بن مَحْمُود بن أبي غَالب الدِّمَشْقِي كَاتب الْإِنْشَاء. فَاسْتَحْضر الْملك الْكَامِل نَاسِخا يُقَال لَهُ الْأمين الْحلَبِي كَانَ عِنْد الْأَمِير عز الدّين أيبك - أستادار الْملك الْمُعظم - فِي خدمته يكْتب لَهُ فَلَمَّا حضر الْأمين ليكتب بَين يَدَيْهِ خلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى صَاحبه فتزهد استحياء من النَّاس وَبعث الْكَامِل إِلَى ميافارقين فأحضر الْجلَال بن نباتة ليستكنبه فَلَمَّا حضر خلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ وَلم يستكتبه الْأَشْرَف صَاحب دمشق. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر رَمَضَان: سلطن الْملك الْكَامِل وَلَده الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبَا بكر وأركبه بشعار السلطنة وشق بِهِ الْقَاهِرَة وعمره يَوْمئِذٍ إِحْدَى عشرَة سنة وَكَانَ الْكَامِل يُحِبهُ وَيُحب أمه حبا زَائِدا.

ص: 367

وَفِي ذِي الْقعدَة: وصل محيي الدّين يُوسُف بن الْجَوْزِيّ من بَغْدَاد بالتقليد من الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه للْملك الْكَامِل. وفيهَا أبطل السُّلْطَان الْمُعَامَلَة بالفلوس فِي الْقَاهِرَة ومصر فَتلف مَال كثير للنَّاس. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير حسام الدّين مَانع بن حَدِيثَة أَمِير العربان من آل فضل فَأمر الْأَشْرَف بعده ابْنه مهنا. وفيهَا قدم النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك إِلَى مصر فَنزل بدار الوزارة من الْقَاهِرَة وَركب فِي خدمَة عَمه الْملك الْكَامِل. وفيهَا مَاتَ الْعَزِيز فَخر الدّين عُثْمَان بن الْعَادِل بِدِمَشْق يَوْم الِاثْنَيْنِ عَاشر رَمَضَان. فِيهَا مَاتَ الْملك الْمُعظم مظفر الدّين كوكبري بن زين الدّين عَليّ كوجك ملك إربل فِي تَاسِع عشري شعْبَان عَن أَربع وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ يهتم بِعَمَل المولد النَّبَوِيّ فِي كل سنة اهتماماً زَائِدا فتسلم إربل من بعده نواب الْخَلِيفَة وَصَارَت مُضَافَة إِلَى مملكة بَغْدَاد.

ص: 368

سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا قصد السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد بن كيخسرو السلجوقي صَاحب بِلَاد الرّوم مَدِينَة خلاط فَخرج الْملك الْكَامِل من الْقَاهِرَة بعسكره لَيْلَة السبت خَامِس شعْبَان واستناب ابْنه الْملك الْعَادِل فوصل إِلَى دمشق وَكتب إِلَى مُلُوك بني أَيُّوب يَأْمُرهُم بالتجصز للمس! ر بعساكرهم إِلَى بِلَاد الرّوم وَخرج الْكَامِل من دمشق فَنزل على سليمَة فِي شهر رَمَضَان ورتب عساكره وَسَار إِلَى منبج فَقدم عَلَيْهِ عَسْكَر حلب وَغَيره من العساكر فَسَار وَقد صَار مَعَه سِتَّة عشر دهليزاً لسِتَّة عشر ملكا - وَقيل بل كَانُوا ثَمَانِيَة عشر ملكا فعرضهم الْكَامِل على إلبيرة أطلابا بأسلحتهم فلكثرة مَا أعجب بِنَفسِهِ قَالَ: هَذِه العساكر لم تَجْتَمِع لأحد من مُلُوك الْإِسْلَام. وَأمر بهَا فسارت شَيْئا بعد شَيْء نَحْو الدربند وَقد جد السُّلْطَان عَلَاء الدّين فِي حفظ طرقاته بالمقاتله وَنزل الْكَامِل على النَّهر الْأَزْرَق وَهُوَ بِأول بلد الرّوم وَنزل عَسَاكِر الرّوم فِيمَا بَينه وَبَين الدربند وأخفوا عَلَيْهِ رَأس الدربند وبنوا علمه سوراً يمْنَع العساكر من الطُّلُوع وقاتلوا من اعلاه فَقلت الأقوات عِنْد عَسْكَر الْكَامِل وَاتفقَ - مَعَ قلَّة الأقوات وَامْتِنَاع الدربند - نفور مُلُوك بني أَيُّوب من الْملك الْكَامِل بِسَبَب أَنه حفظ عَنهُ أَنه لما أَعْجَبته كَثْرَة عساكره بالبيرة قَالَ لخواصه: إِن صَار لنا ملك الرّوم فَإنَّا نعوض مُلُوك الشَّام والشرق مملكة الرّوم بدل مَا بِأَيْدِيهِم ونجعل الشَّام والشرق مُضَافا إِلَى ملك مصر. فحذر من ذَلِك الْمُجَاهِد صَاحب حمص وَأعلم بِهِ الْأَشْرَف مُوسَى صَاحب دمشق فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى وأحضر بني عَمه وأقاربه من الْمُلُوك وأعلمهم ذَلِك فاتفقوا على الْملك الْكَامِل وَكَتَبُوا إِلَى السُّلْطَان عَلَاء الدّين بالميل مَعَه وخذلان الْكَامِل وسيروا الْكتب بذلك فاتفق وُقُوعهَا فِي يَد الْملك الْكَامِل فكتمها ورحل رَاجعا فَأخذ السُّلْطَان عَلَاء الدّين طيقباد - ملك الرّوم - قلعة خرتبرت وست قلاع أخر كَانَت مَعَ الْمُلُوك الأرتقية فِي ذِي الْقعدَة فَاشْتَدَّ حنق الْملك الْكَامِل لما حصل على أمرائه وعساكره من صَاحب الرّوم فِي قلاع خرتبرت وَنسب ذَلِك إِلَى أَهله من الْمُلُوك فتنكر مَا بَينه وَبينهمْ.

ص: 369

وفيهَا مَاتَ الْملك الْمفضل قطب الدّين مُوسَى بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فِي ذِي وفيهَا بعث الْمَنْصُور عمر بن على بن رَسُول - ملك الْيمن - عسكراً وخزانة مَال إِلَى الشريف رَاجِح بن قَتَادَة فَأخْرج من بِمَكَّة من المصريين. وفيهَا حضر الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر الْقُرْطُبِيّ جماعاً بزقاق الطباخ بِمَدِينَة مصر فِي أول يَوْم من شهر رَجَب وَكَانَ هُنَاكَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْقرشِي وَأَبُو عَبَّاس الْقُسْطَلَانِيّ وَجَمَاعَة غَيرهمَا فَلَمَّا أنْشد القوال صفق أَبُو يُوسُف الدهماني بيدَيْهِ وارتفع عَن الأَرْض متربعا إِلَى أَن بلغ إِلَى أنبدارية الْمجْلس وَدَار ثَلَاث دورات ثمَّ نزل إِلَى مَكَانَهُ فَقَامَ الشَّيْخ الْقُرْطُبِيّ وَقدر ارْتِفَاع الأنبدارية فَكَانَ أطول من قامته رَافعا يَدَيْهِ.

ص: 370

سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا عَاد الْملك الْكَامِل إِلَى قلعة الْجَبَل من بِلَاد الشرق - فِي جُمَادَى الأولى - وَقد توحش مَا بَينه وَبَين أَخِيه الْأَشْرَف - صَاحب دمشق - وَغَيره من الْمُلُوك. فَقبض الْكَامِل على المسعود صَاحب آمد واعتقله فِي برج هُوَ وَأَهله يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر جُمَادَى الأولى لممالأته لَهُم فَملك صَاحب الرّوم وحران بِالسَّيْفِ وَعَاد إِلَى بِلَاده بعد مَا استولى على مَا كَانَ بهما من الْأَمْوَال فَلَمَّا بلغ الْكَامِل ذَلِك أَمر العساكر أَن تتجهز للمسير إِلَى الشرق وأقطع ابْن الْأَمِير صَلَاح الدّين الإربلي صنافير بالقليوبية وَجعل أقَارِب وَالِده ومماليكه مَعَه وعدتهم سَبْعَة عشر رجلا. وفيهَا بعث ابْن رَسُول إِلَى الشريف رَاجِح بن قَتَادَة بخزانة مَال ليستخدم عسكراً فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك لِأَنَّهُ بلغه أَن السُّلْطَان الْملك الْكَامِل بعث الْأَمِير أَسد الدّين جغريل أحد المماليك الكاملية إِلَى مَكَّة بسبعمائة فَارس وَحضر جغريل إِلَى مَكَّة ففر مِنْهُ الشريف رَاجِح بن قَتَادَة إِلَى الْيمن وَملك جغريل مَكَّة فِي شهر رَمَضَان وَأقَام الْعَسْكَر بهَا. وفيهَا مَاتَ الْملك الزَّاهِر أَبُو سُلَيْمَان مجير الدّين دَاوُد بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب - صَاحب البيرة - فِي سَابِع صفر فاستولى الْعَزِيز - صَاحب حلب - عَلَيْهَا من بعده. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير شمس الدّين صَوَاب - الطواشي الكاملي - بحران فِي أَوَاخِر شهر رَمَضَان.

ص: 371

فارغة

ص: 372

سنة ثَالِث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا اسْتمرّ وباء كثير بِمصْر مُدَّة ثَلَاثَة أشهر فَمَاتَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر خلق كثر بلغت عدتهمْ زِيَادَة على اثْنَي عشر ألفا سوى من مَاتَ بالريف. وفيهَا سَار التتر إِلَى جِهَة الْموصل فَقتلُوا ونهبوا وَسبوا. وفيهَا سَار النَّاصِر دَاوُد - صَاحب الكرك - إِلَى الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه خوفًا من عَمه الْملك الْكَامِل فَإِنَّهُ كَانَ قد ألزمهُ حَتَّى طلق ابْنة الْكَامِل فخشي أَن ينتزع مِنْهُ الكرك فوصل إِلَى بَغْدَاد فَأكْرمه الْخَلِيفَة وَمنعه من الِاجْتِمَاع بِهِ رِعَايَة للْملك الْكَامِل ثمَّ اجْتمع بِهِ سرا وخلع عَلَيْهِ وَبعث مَعَه رَسُولا مشربشاً من خواصه إِلَى الْكَامِل يشفع فِيهِ فَلَمَّا وصل الرَّسُول إِلَى الْكَامِل تَلقاهُ وَقبل الشَّفَاعَة. وفيهَا سَار الْملك الْكَامِل من الْقَاهِرَة بعساكره يُرِيد بِلَاد الشرق فنازل الرها حَتَّى أَخذهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى وَأسر مِنْهَا زِيَادَة على ثَمَانمِائَة من الْأُمَرَاء وَهدم قلعتها ونازل حران وَأَخذهَا بعد حِصَار وقتال فِي رَابِع عشر جُمَادَى الآخر وَأسر من كَانَ بهَا من أجناد السُّلْطَان عَلَاء الدّين وأمرائه ومقدميه الصوباشية وَكَانُوا سَبْعمِائة وَخَمْسَة وَعشْرين رجلا فَمَاتَ كثير مِنْهُم فِي الطرقات ثمَّ نزل الْكَامِل على دنيسر وخربها. فورد عَلَيْهِ الْخَبَر بِأَن التتر قد وصلوا إِلَى سنجار فِي مائَة طلب كل طلب خَمْسمِائَة فَارس وَأخذ الْكَامِل قلعة السويداء عنْوَة وَأسر من بهَا فِي سَابِع عشر جُمَادَى الآخر وهدمها وَأخذ قطينا وَأسر من بهَا فِي رَجَب. وَفِي تَاسِع عشره: بعث الْكَامِل جَمِيع الأسرى إِلَى ديار مصر وعدتهم تزيد على الثَّلَاثَة آلَاف وفيهَا هدمت دنيسر وعدة بِلَاد كَثِيرَة من بِلَاد صَاحب ماردين. وفيهَا خرج عَسْكَر الرّوم بعد عود الْكَامِل وحاصر آمد وأخرب

ص: 373

دَارا فِي خَامِس ذِي الْقعدَة. وفيهَا استولى الفرنج على مَدِينَة قرطبة بالأندلس. وفيهَا قدم أنبا كيرلس دَاوُد بن لقلق بطركا على الْإسْكَنْدَريَّة لليعاقبة فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشري بؤونة سنة إِحْدَى وَخمسين وَتِسْعمِائَة للشهداء الْمُوَافق لتاسع عشري رَمَضَان فَأَقَامَ فِي البطركية سبع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وَكَانَ عَالما محباً للرياسة وَجمع المَال وَأخذ الشرطونية وَكَانَت أَرض مصر قد خلت من الأساقفة قبل اعتلائه كرْسِي البطركية فَقدم جمَاعَة من الأساقفة بِمَال كَبِير وَمَرَّتْ بِهِ شَدَائِد كَثِيرَة فَإِن الراهب عماد المرشار كَانَ قد سعى فِي ولَايَته البطركية وَشرط عَلَيْهِ أَلا يقدم أسقفا إِلَّا بِرَأْيهِ فَلم يَفِ لَهُ وَلَا الْتفت إِلَيْهِ فانحرف عَنهُ ورافعه فَوكل عَلَيْهِ وعَلى عدَّة من أَقَاربه وألزامه وَقَامَ أَيْضا عَلَيْهِ الشَّيْخ السّني بن التعبان الراهب وعانده وَذكر مثالبه وَأَنه إِنَّمَا تقدم بالشوة وَأَنه أَخذ الشرطونية فَلَا تصح لَهُ كهنوتية على حكم القوانين وَمَال مَعَه جمَاعَة وعقدوا لَهُ مَجْلِسا بِحُضُور الصاحب - معِين الدّين بن شيخ الشُّيُوخ فِي أَيَّام الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وأثبتوا عَلَيْهِ أموراً شنعة وعزموا على خلعه فَقَامَ مَعَه الْكتاب المستوفون بديار مصر وتحدثوا مَعَ الصاحب معِين الدّين فقرر مَالا حمله البطريك إِلَى السُّلْطَان وَاسْتمرّ أنبا كيرلس على

ص: 374

بطركيته حَتَّى مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر برمهات سنة تِسْعمائَة وتسع وَخمسين للشهداء الْمُوَافق لسابع رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وخلا الْكُرْسِيّ بعده سبع سِنِين وَسِتَّة أشهر وَسِتَّة وَعشْرين يَوْمًا. وفيهَا بعث الْملك الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول - ملك الْيمن - عسكراً إِلَى مَكَّة مَعَ الشهَاب بن عبد الله وَمَعَهُ خزانَة مَال فقاتله المصريون وأسروه وَحَمَلُوهُ إِلَى الْقَاهِرَة مُقَيّدا.

ص: 375

فارغة

ص: 376

سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِيهَا سَار الْملك الْكَامِل من دمشق يُرِيد الْقَاهِرَة فوصل إِلَيْهَا وَصعد قلعة الْجَبَل فِي ثمَّ خرج إِلَى دمياط فَقدم عَلَيْهِ محيي الدّين يُوسُف بن الْجَوْزِيّ رَسُولا من الْخَلِيفَة وَهُوَ بهَا وسافر محيي الدّين إِلَى السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان - صَاحب الرّوم - وَمَعَهُ الْحَافِظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم المنفري رَسُولا من جِهَة الْملك الْكَامِل. وفيهَا مَاتَ الْملك الْعَزِيز غياث الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب - صَاحب حلب - يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشري شهر ربيع الأول عَن ثَلَاث وَعشْرين سنة وَأشهر وَقَامَ من بعده ابْنه النَّاصِر صَلَاح الدّين أَبُو المظفر يُوسُف وعمره نَحْو السَّبع سِنِين وَقَامَ بتدبير أمره الأميران لُؤْلُؤ الأميني وَعز الدّين عمر بن محلي وَبَينهمَا وَزِير الدولة جمال الدّين الأكرم يُرَاجع السّتْر الرفيع صَفِيَّة خاتون ابْنة الْملك الْعَادِل على لِسَان جمال الدولة إقبال وَحضر الْأَمِير بدر الدّين بدر بن أبي الهيجاء وزين الدّين قَاضِي حلب إِلَى الْملك الْكَامِل بزردية الْعَزِيز وكزا غنده وخوذته ومركوبه فأظهر الْكَامِل الْأَلَم لمَوْته وَقصر فِي إكرامهما وَحلف للناصر وَشرط أَشْيَاء وَأعَاد الرسولين ثمَّ أرسل خلعة للناصر بِغَيْر مركوب وَمَعَهَا عدَّة خلع لِلْأُمَرَاءِ الحلبيين وخلعة للصالح صَلَاح الدّين أَحْمد بن الظَّاهِر غَازِي صَاحب عينتاب فاستوحشت أم الظَّاهِر من أَخِيهَا الْكَامِل وَلم توَافق على لبس أحد من الْأُمَرَاء الْخلْع فَلبس النَّاصِر وَحده خلعة الْكَامِل ورد الرَّسُول الْوَارِد إِلَى الصَّالح صَلَاح الدّين بخلعته. وفيهَا تنكر الْأَشْرَف - صَاحب دمشق - على الْملك الْكَامِل وراسل أهل حلب فوافقوه على منع الْكَامِل من بِلَاد الشَّام ومكاتبة السُّلْطَان عَلَاء الدّين صَاحب الرّوم ليَكُون مَعَهم فانتظمت كلمة مُلُوك الشَّام على مُخَالفَة الْملك الْكَامِل فانزعج الْملك الْكَامِل وَعز ذَلِك عَلَيْهِ وَكَانَ حييّ بلغه الْخَبَر بالإسكندرية فَخرج مِنْهَا لَيْلًا وَسَار إِلَى قلعة الْجَبَل وَشرع فِي تَدْبِير أمره فاتفق موت السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان - ملك الرّوم - وَقيام وَلَده غياث الدّين كيخسرو بن عَلَاء الدّين كيقباد من بعده فِي سَابِع شَوَّال قبل اجتماعه بِالْحَافِظِ زكي الدّين عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ رَسُول السُّلْطَان فَبعث مُلُوك الشَّام رسلهم إِلَى السُّلْطَان

ص: 377

غياث الدّين كيخسرو بن عَلَاء الدّين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي - صَاحب الرّوم - يعزونه فِي أَبِيه ويحلفونه على مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ من مُخَالفَة الْملك الْكَامِل وَشر الْكَامِل أفضل الدّين مُحَمَّد الخونجي يعزي غياث الدّين بِأَبِيهِ وَمَعَهُ ذهب برسم الصَّدَقَة عَنهُ وَثيَاب أطلس برسم أغشية الْقَبْر. وفيهَا كَانَ الوباء أَشد من السّنة الْمَاضِيَة. وفيهَا ضرب الْملك الْكَامِل الْفُلُوس. وفيهَا بعث الْملك الْكَامِل القَاضِي الْأَشْرَف بن القَاضِي الْفَاضِل إِلَى الْملك النَّاصِر دَاوُد - صَاحب الكرك - يَدعُوهُ إِلَى مُوَافَقَته. فَرَحل الْملك النَّاصِر إِلَى الْقَاهِرَة مَعَ القَاضِي الْأَشْرَف فسر الْكَامِل بقدومه وَركب إِلَى لِقَائِه وأنزله بحار الوزارة وَقدم لَهُ أَشْيَاء كَثِيرَة وخلع عَلَيْهِ وقلده الْكَامِل دمشق وَأمر من عِنْده من الْأُمَرَاء والملوك الأيوبية فحملوا الغاشية بَين يَدَيْهِ بالنوبة فَكَانَ أول من حملهَا الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن الْكَامِل ثمَّ الْبَقِيَّة وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن صعد قلعة الْجَبَل وجدد النَّاصِر عقده على مطلقته عَاشُورَاء خاتون ابْنة الْكَامِل فِي تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة فَلَمَّا بلغ الْأَشْرَف ذَلِك أوقع الحوطة على نابلس وَأخذ مَا كَاد فِيهَا للناصر دَاوُد. وفيهَا سير الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل صَاحب حصن كيفا يسْتَأْذن أَبَاهُ فِي اسْتِخْدَام من خَالف السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو - صَاحب الرّوم - من الخوارزمية فَأذن لَهُ فِي ذَلِك واستخدمهم عِنْده بالبلاد الجزرية فتقوى بهم. وفيهَا استولى التتار على إربل وَقتلُوا كل من فِيهَا وَسبوا ونهبوا حَتَّى نتنت من كَثْرَة الْقَتْلَى ثمَّ رحلوا عَنْهَا. وفيهَا قدم من جِهَة مُلُوك الشَّام إِلَى الْملك الْكَامِل رَسُول فَبَلغهُ عَنْهُم أَنهم قَالُوا: إِنَّا اتّفقت كلمتنا عَلَيْك فَلَا تخرج من مصر إِلَى الشَّام واحلف لنا على ذَلِك. فاتفق مرض الْأَشْرَف بِالْقربِ فَكَانَ لَا يسْتَقرّ بباطنه طَعَام الْبَتَّةَ حَتَّى انْقَضتْ السّنة وَهُوَ مَرِيض من شهر رَجَب. وفيهَا قدم عَسْكَر من الْيمن إِلَى مَكَّة فحاربهم الْأَمِير أَسد الدّين جغريل وكسرهم فَقدم الْملك الْمَنْصُور عمر بن رَسُول وَملك مَكَّة بِغَيْر قتال وَتصدق بِمَال وَترك بهَا جمَاعَة فَقدم الشريف شيحة بن قَاسم - أَمِير الْمَدِينَة - وَملك مَكَّة مِنْهُم ونهبهم وَلم يقتل أحدا.

ص: 378