المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر دولة السلجوقية - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض

- ‌فصل

- ‌ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء

- ‌ذكر دولة بني بويه الديلم

- ‌ذكر دولة السلجوقية

- ‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

- ‌سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين)

- ‌(سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة أَربع وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله)

- ‌(تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)

- ‌(تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

الفصل: ‌ذكر دولة السلجوقية

من ولَايَته. فَقَامَ من بعده بِبَغْدَاد الْملك الرَّحِيم بمبايعة الْجند لَهُ، وثار فِي أَيَّامه الْأَمِير أرسلان البساسيري وَملك بَغْدَاد، ثمَّ قدم طغرلبك والسلجوقية، وَقبض على الْملك الرَّحِيم وسجنه حَتَّى مَاتَ. فَكَانَت عدَّة من ملك بَغْدَاد من بني بويه أحد عشر، ومدتهم بِبَغْدَاد إِلَى ان انقرضوا على يَد السلجوقية مائَة وَثَلَاث سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا، أَولهَا يَوْم وصل معز الدولة إِلَى بَغْدَاد وَآخِرهَا يَوْم وُصُول طغرلبك إِلَى بَغْدَاد، ومدتهم مُنْذُ ملك عماد الدولة بِلَاد فَارس مائَة وَخمْس عشرَة سنة وَثَلَاث أشهر وَسِتَّة أَيَّام.

‌ذكر دولة السلجوقية

وَكَانَ ابْتِدَاء أَمر السلجوقية أَنهم أخلاط من التّرْك، كانو يصيفون فِي بِلَاد البلغار ويشتون فِي تركستان وينهبون مَا طرقوه. وَكَانَ من مقدميهم رجل يُقَال لَهُ دقاق، فولد لَهُ سلجوق بجموعة مهادر من دَار الْحَرْب إِلَى ديار إلإسلام وَأسلم وَأقَام بنواحي بخاري وَصَارَ يَغْزُو التّرْك، وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد أرسلان وميخائيل ومُوسَى. وَمَات سلجوق بجند وَرَاء بخاري، عَن مائَة وَسَبْعَة أَعْوَام، وَبَقِي وَلَده على مَا كَانَ عَلَيْهِ من غَزْو التّرْك، فَقتل ميخائيل شَهِيدا. وَخلف ميخائيل بيغو وطغرلبك وينال وجغري بك دَاوُد. ثمَّ إِنَّهُم قربوا من بخاري فأساء أميرها جوارهم، فَرَجَعُوا إِلَى بغراخاني ملك تركستان وجاوروه، وتعاهد طغرلبك وَأَخُوهُ دَاوُد أَلا يجتمعا عِنْد بغراخان. وحاول على مجتمعها فَلم يطق، فَقبض على طغرلبك وَأرْسل عسكره إِلَى أَخِيه، دَاوُد، فَانْهَزَمَ الْعَسْكَر وأتبعوه وخلصوا طغرلبك من أسريه، وعادوا إِلَى جند، وَأَقَامُوا بهَا إِلَى انْقِرَاض الدولة السامانية وَملك أيلك خَان بخاري، فَعظم عِنْده مَحل أرسلان بن سلجوق.

ص: 136

وَلما رَجَعَ أيلك خَان عَن بخاري ولي عَلَيْهَا على تكين فَبَقيَ مَعَه أرسلان إِلَى أَن عبر مَحْمُود بن سبكيكين النَّهر إِلَى بخاري، وهرب على تكين فَدخل أرسلان وَقَومه الْمَفَازَة، وكاتبه مَحْمُود ولاطفه حَتَّى قدم عَلَيْهِ، فَقَبضهُ وَنهب أحياءه، وَأَجَازَهُمْ النَّهر وفرقهم فِي نواحي خُرَاسَان، وَوضع عَلَيْهِم الْخراج، فلحقهم جور الْعمَّال، فَسَار مِنْهُم جمَاعَة أرسلان إِلَى أَصْبَهَان، وحاربهم عَلَاء الدّين بن كاكوية حروبا كَثِيرَة، إِلَى أنم سَارُوا إِلَى أذربيجان وَكَانُوا يعْرفُونَ بَين التّرْك بالغز. وَسَار طغرلبك وَأَخُوهُ دَاوُد وبيغو من خُرَاسَان إِلَى بخاري، وَجمع على تكين عسكره وأوقع بهم، فعادوا إِلَى

ص: 137

خُرَاسَان وخيموا بِظَاهِر خوارزم فِي سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة، وَاتَّفَقُوا مَعَ خوارزم شاه هَارُون بن التونتاش، ثمَّ عذر بهم وكبسهم، فَسَارُوا إِلَى جِهَة مرو، فَأرْسل إِلَيْهِم مَسْعُود بن مَحْمُود بن سبكتكين جَيْشًا فَهَزَمَهُمْ، واستغل أَصْحَابه بالغنائم فَرجع الغز وهزموهم ونهبوهم، فاستمالهم مَسْعُود بعْدهَا وَكَانَ ببلخ، فطلبوا مِنْهُ إِطْلَاق عمهم أرسلان الَّذِي قَبضه مَحْمُود بن سبكتكين، فَشرط حضورهم فَأَبَوا. وعادت الْحَرْب وهزموا عساكره، وقوى أَمرهم واستولوا على غَالب خُرَاسَان، وَفرقُوا الْعمَّال وخطب لطغرلبك فِي نيسابور. وَسَار دَاوُد إِلَى هرأة، ففرت عَسَاكِر مَسْعُود، وَتركُوا خُرَاسَان حَتَّى أَتَوا غزنة وَسَار مَسْعُود من غزنة إِلَى خُرَاسَان فِي جيوشه، فَفرُّوا أَمَامه وَهُوَ

ص: 138

يتبعهُم، حَتَّى قلت الأزواد وَطَالَ الأمد، ودخلوا الْبَريَّة ومسعود فِي إتباعهم مُدَّة ثَلَاث سِنِين، فَانْتقضَ عَلَيْهِ عسكره، وَرجع السلجوقية وهزموهم أقبح هزيمَة، وَولى مَسْعُود وغنموا مِنْهُ مَا لَا يُحْصى، وعادوا إِلَى خُرَاسَان فملكوها، وَثبتت أَقْدَامهم بهَا، وخطب لَهُم على منابرها، وَوصل مَسْعُود إِلَى غزنة، وَاخْتلف عَلَيْهِ أمراؤه حَتَّى قتل وَملك طغرليك جرجان وطبرستان وَملك بعد ذَلِك خوارزم، ثمَّ سَار إِلَى بلد الْجَبَل وَاسْتولى عَلَيْهَا، فَأسلم من التّرْك خَمْسَة آلَاف خركاه وَتَفَرَّقُوا فِي بِلَاد الْإِسْلَام، وَلم يتَأَخَّر عَن الْإِسْلَام سوى الْخَطَأ والتتار بنواحي الصين. وَبعث طغرلبك أَخَاهُ إِبْرَاهِيم ينَال بن ميخائيل فَملك همذان والدينور، ثمَّ استوحش مِنْهُ وقاتله وَأَخذه، فَبعث ملك الرّوم يطْلب الْهُدْنَة من طغرلبك وهاداه، وَعمر مَسْجِد الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَأقَام فِيهِ الصَّلَاة وَالْخطْبَة لطغرلبك. ثمَّ سَار طغرلبك وحاصر أَصْبَهَان حَتَّى أَخذهَا صلحا، ونزلها وَنقل إِلَيْهَا ذخائره، وَأَتَاهُ ملك الأكراد فأقره على بِلَاده شهرزور وَغَيرهَا، ثمَّ أنفذ رَسُوله إِلَى الْخَلِيفَة الْقَائِم بِأَمْر الله بالهدايا، وَسَار يُرِيد بَغْدَاد، فَدَخلَهَا لخمس بَقينَ من رَمَضَان

ص: 139

سنة سبع وَأَرْبَعين وأربعمائه. ونعت بالسلطان ركن الدّين أبي طَالب مُحَمَّد طغرليك بن مِيكَائِيل بن سلجوق بن قنق بن جِبْرِيل بن دَاوُد بن أَيُّوب بن دقاق بن إلْيَاس بن بهْرَام ابْن يُوسُف بن عَزِيز بن أَحْمد بن دهقان، وَقبض على الْملك الرَّحِيم أبي نصر وعَلى قواده، وأزال دولة بني بويه. ثمَّ توجه إِلَى نَصِيبين وديار بكر وَاسْتولى على الموسل، وَترك عَلَيْهَا أَخَاهُ ينَال إِبْرَاهِيم، فَخَالف على طغرليك، وَتوجه إِلَى همذان، فَسَار إِلَيْهِ طغرلبك وَقَتله، ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَقد ملكهَا أَبُو الْحَارِث أرسلان البساسيري، فَأَعَادَ الْقَائِم إِلَى الْخلَافَة وَقتل البساسيري، ثمَّ سَار إِلَى بِلَاد الْجَبَل فَمَاتَ بِالريِّ فِي ثامن شهر رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة، فَكَانَت مُدَّة ملكة ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ سنة تنقص عشْرين يَوْمًا، وَلم يخلف ولدا، فَملك بعده ابْن أَخِيه عضد الدولة أَبُو شُجَاع مُحَمَّد ألب أرسلان بن جغري بك بن دَاوُد ميخائيل بن سلجوق، وَسَار إِلَى

ص: 140

حلب وَأقر صَاحبهَا مَحْمُود بن نصر بن صَالح بن مرداس عَلَيْهَا، وَلَقي ملك الرّوم وهزمه، وَبعث جيوشة فَأخذت الْقُدس والرملة من خلفاء مصر الفاطمين وحصرت دمشق. وَمَات ألب أرسلان بَعْدَمَا رَجَعَ من حلب إِلَى مَا وَرَاء النَّهر، فِي ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ. وَملك بعده ابْنه السُّلْطَان جلال الدولة أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد ملك شاه بن عضد الدولة أبي شُجَاع ألب أرسلان بن دَاوُد بن ميخائيل بن سلجوق تسع عشرَة سنة وشهرا، وَمَات فِي نصف شَوَّال سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة، وَعمرَة سبع ثَلَاثُونَ سنة وَخَمْسَة أشهر، وَكَانَ يخْطب لَهُ من أقْصَى بِلَاد التّرْك إِلَى بِلَاد الْيمن، وَفِي أَيَّامه ملك دمشق أتسز، ثمَّ أَخذهَا مِنْهُ تتش بن ألب أرسلان، فاستمرت بأيدي التّرْك، وَبعث ملك شاه أَيْضا آقسنقر قسيم الدولة فَملك الْموصل، وآقسنقر هَذَا هُوَ وَالِد عماد الدّين زنكي. ثمَّ قدم ملك شاه إِلَى حلب وَسلمهَا إِلَى آقسنقر، وَعَاد إِلَى بَغْدَاد. وَملك بعد ملك شاه ابْنه مَحْمُود وعمره أَربع سِنِين، فَقَامَتْ أمه ترْكَان خاتون بتدبيره، فثار عَلَيْهِ أَخُوهُ بركياروق بن ملكشاه واستبد بِالْأَمر، وَكَانَت لَهُ أَيْضا حروب مَعَ أَخَوَيْهِ مُحَمَّد وسنجر إِلَى أَن مَاتَ ثَانِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين، عَن خمس وَعشْرين سنة،

ص: 141

مِنْهَا مُدَّة وُقُوع اسْم السلطنة عَلَيْهِ اثْنَتَا عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر، قاسي فِيهَا من الحروب وَاخْتِلَاف الْأُمُور مَا لم يقاسه غَيره. وأقيم بعده ابْنه ملكشاه بن بركياروق، وعمره أَربع سِنِين وَثَمَانِية أشهر، ولقبه جلال الدولة، وَقَامَ بأَمْره الْأَمِير أياز الأتابك إِلَى أَن قتل فِي ثَالِث عشر جمادي الْآخِرَة، بَعْدَمَا سلم أَمر الدولة إِلَى السُّلْطَان مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان. فَقَامَ مُحَمَّد بِأَمْر المملكة إِلَى أَن مَاتَ، فِي رَابِع عشري ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى عشرَة وَخَمْسمِائة، عَن سِتّ وَثَلَاثِينَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر، مِنْهَا مُدَّة اجْتِمَاع النَّاس عَلَيْهِ اثْنَتَا عشرَة سنة وشتة أشهر، وَلَقي مشاق وأخطار كَثِيرَة فأقيم بعده ابْنه مَحْمُود بن الْحَارِث سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان وقاتله، فَانْهَزَمَ مِنْهُ مَحْمُود، خطب لنسجر بِبَغْدَاد فِي سادس عشرى جمادي الأول سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة، وَقطعت خطْبَة مَحْمُود، ثمَّ اصطلحا وَجعل سنجر ابْن أَخِيه مَحْمُودًا ولي الْعَهْد بعده، وَكتب إِلَى جَمِيع الْأَعْمَال الَّتِي بيدهك بِأَن يخْطب للسُّلْطَان مَحْمُود بعده، وَأعَاد جَمِيع مَا أَخذ من الْبِلَاد، فَخَطب لَهما بِبَغْدَاد وَغَيرهَا. وَعَاد سنجر إِلَى ولاتيه، وَاسْتمرّ مَحْمُود فِي السلطنة، فتنكر الْحَال بَينه وَبَين الْخَلِيفَة المسترشد بِاللَّه واقتتلا، ثمَّ اصطلحا فِي عَاشر شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَار مَحْمُود عَن بَغْدَاد، وَولى عماد الدّين زنكي بن آقسنقر شحنكيتها، ثمَّ نَقله إِلَى الْموصل، وأضاف إِلَيْهِ الجزيرة، فاشتدت وطأته بهَا حَتَّى ملك حلب أول الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين، ثمَّ ملك حماة وعدة حصون بِالشَّام. وَمَات السُّلْطَان مَحْمُود فِي شَوَّال سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة بهمذان عَن سبع وَعشْرين سنة، مِنْهَا ولَايَته السلطنة اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَتِسْعَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا، فَأقْعدَ بعده فِي

ص: 142

السلطنة ابْنه دَاوُد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه، فنازعه عَمه السُّلْطَان مَسْعُود، وقاتله ثمَّ اصطلحا، وَطلب مَسْعُود من الْخَلِيفَة المسترشد أَن يخْطب لَهُ بِبَغْدَاد، فَأجَاب بِأَن الحكم فِي الْخطْبَة يَنْبَغِي أَن تكون لَهُ وَحده، فَوَافَقَ ذَلِك غَرَض سنجر، فَاشْتَدَّ ذَلِك على مَسْعُود، وعزم على أَخذ السلطنة، فسبقه أَخُوهُ السُّلْطَان سلجوق شاه بن السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى بَغْدَاد، وَكَانَت أُمُور آلت إِلَى ان يكون مَسْعُود بن مُحَمَّد بن السُّلْطَان ملكشاه سُلْطَانا، وسلجوق شاه ولي عَهده، وَقطعت خطْبَة سنجر من الْعرَاق جميعة. وَكَانَ عماد الدّين زنكي قد قدم نصْرَة لمسعود، فَهَزَمَهُ أَصْحَاب سلجوق شاه هزيمَة قبيحة، فَلَمَّا وصل تكريت أَقَامَ لَهُ نجم الدّين أَيُّوب بن شادي الدزدار بهَا المعابر حَتَّى خلص إِلَى بِلَاده، فَشكر ذَلِك لنجم الدّين وقربه، فَكَانَ ذَلِك سَببا لاتصال نجم الدّين بِهِ والمصير فِي جملَته، حَتَّى آل بهم الْأَمر إِلَى ملك مصر وَالشَّام وَغَيرهمَا. واقتتل مَسْعُود وسنجر، فَانْهَزَمَ مَسْعُود وَقتل أَصْحَابه، ثمَّ أحضر إِلَى سنجر فَعَاتَبَهُ، وَأَعَادَهُ إِلَى كنجة وأجلس ابْن أَخِيه الْملك طغرل بن السُّلْطَان مُحَمَّد فِي السلطنة، وخطب لَهُ فِي جَمِيع الْبِلَاد، وَذَلِكَ فِي ثامن رَجَب وَعشْرين فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَان اقتتل الْملك طغرك بن مُحَمَّد هُوَ وَابْن أَخِيه الْملك دَاوُد بن مَحْمُود، فَانْهَزَمَ دَاوُد، فَلَمَّا سمع ذَلِك السُّلْطَان مَسْعُود بن مُحَمَّد سَار

ص: 143

إِلَى بَغْدَاد، فَلَقِيَهُ دَاوُد وَدخل مَعَه إِلَيْهَا، فِي صفر سنة سبع وَعشْرين، وأعيدت لَهُ الْخطْبَة بهَا ولداود مَعَه، وخلع عَلَيْهِمَا الْخَلِيفَة. ثمَّ سَار لمحاربة طغرل، فحارباه وهزماه فِي شعْبَان، فامتدت الْحَرْب بَينهم إِلَى شَوَّال. ثمَّ عَاد طغرل بن مُحَمَّد، وَأجلى أَخَاهُ مسعودا عَن بِلَاده فِي رَمَضَان سنة ثَمَان وَعشْرين، فَقدم بمسعود بَغْدَاد فِي نصف شَوَّال، فَأكْرمه الْخَلِيفَة المسترشد وأنزله وأنعم عَلَيْهِ. ثمَّ قدم الْخَبَر بوفاة طغرل بن مُحَمَّد، فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين، فَسَار مَسْعُود إِلَى همذان وَاسْتولى عَلَيْهَا، وَكَانَ قبل ذَلِك قد نافر الْخَلِيفَة، فَقطع المسترشد خطبَته من بَغْدَاد وَسَار لقتاله، فبرز إِلَيْهِ مَسْعُود وقاتله فِي عَاشر رَمَضَان وَأَخذه أَسِيرًا، وَبعث إِلَى بَغْدَاد فَقبض على أَمْلَاك الْخَلِيفَة، وَكسر ميبره وشباكه. ثمَّ قتل الْخَلِيفَة بيد الباطنية، وأقيم بعده الراشد خَليفَة، فَسَار الْملك دَاوُد بن السُّلْطَان مَحْمُود فِي عَسْكَر أذربيجان إِلَى بَغْدَاد، ققدمها رَابِع صفر سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة، وَأقَام برنقش على شحنكيتها. وَقطعت خطْبَة السُّلْطَان مَسْعُود وخطب لداود، فَسَار مَسْعُود إِلَى بَغْدَاد وحصرها نيفا وَخمسين يَوْمًا، فَكَانَت أُمُور آلت إِلَى عود الْملك دَاوُد إِلَى بِلَاده فِي ذِي الْقعدَة، وَإِلَى تفرق الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا مَعَه، وَسَار الْخَلِيفَة الراشد من بَغْدَاد إِلَى الْموصل فِي نفر يسير مَعَ عماد الدّين زنكي فَلَمَّا سمع السُّلْطَان مَسْعُود بمفارقة الْخَلِيفَة وزنكي بَغْدَاد سَار إِلَيْهَا ودخلها فِي نصف ذِي الْقعدَة، وخلع الراشد وَأقَام المقتفي لأمر الله أباع عبد الله مُحَمَّد بن المستظهر فِي الْخلَافَة، وزوجه أُخْته فَاطِمَة على مائَة ألف دِينَار صَدَاقا. فَسَار الراشد بِاللَّه من الْموصل إِلَى مراغة فَأَتَاهُ الْملك دَاوُد فِي جمَاعَة ليَرُدهُ

ص: 144

إِلَى الْخلَافَة، فَسَار السُّلْطَان مَسْعُود من بَغْدَاد فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وحاربهم وَهَزَمَهُمْ، فَحمل عَلَيْهِ بعض من انحاز مِنْهُم إِلَى تل فَلم يثبت لَهُم وَانْهَزَمَ، وَمَا زَالَ حَتَّى صَار إِلَى أذبيجان، وَقصد دَاوُد همذان زمعه الراشد، وَسَار سلجوق شاه بن مُحَمَّد إِلَى بَغْدَاد ليملكها فَمنع مِنْهَا، وَسَار مَسْعُود ليمنع دَاوُد من أَخذ الراشد ومسيره بِهِ إِلَى الْعرَاق، فَترك دَاوُد الراشد، وَعَاد إِلَى فَارس، فَقتل الراشد بيد الباطنية أَيْضا. وَضَاقَتْ الْأُمُور على السُّلْطَان مَسْعُود، وَكَثُرت الْخَوَارِج عَلَيْهِ وَسَار عماد الدّين زنكي إِلَى دمشق، وحصرها مرَّتَيْنِ وَملك بعلبك، وَحَارب السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه خوارزم شاه أتسز بن قطب الدّين مُحَمَّد أنوشتكين، فَقتل ابْن خوارزم شاه، فَبعث خوارزم شاه إِلَى الْخَطَأ وهم بِمَا وَرَاء النَّهر فأطعمهم فِي الْبِلَاد وتزود مِنْهُم، فَسَارُوا فِي ثَلَاثمِائَة ألف فَارس، فحاربهم سنجر، فَقتلُوا مِنْهُ نَحْو مائَة ألف، وهزموه فِي صفر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، فَأخذ خوارزم شاه مَدِينَة مرو. فَسَار السُّلْطَان مَسْعُود إِلَى الرّيّ، وَقد اسْتَقَرَّتْ دولة الْخَطَأ وَالتّرْك الْكفَّار بِمَا وَرَاء النَّهر، وَأخذ خوارزم شاه نيسابور أَيْضا. وَقطع خطْبَة السُّلْطَان سنجر أول ذِي الْقعدَة، وخطب باسمه، وعاث أَصْحَابه فِي خُرَاسَان وَعَلمُوا أعمالاً قبيحة. ثمَّ آل أَمر أتسز خوارزم شاه إِلَى مصالحة السُّلْطَان سنجر، فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ. وَأقَام بخزارزم على مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَأقَام سنجدر بمرو.

ص: 145

وَمَات أتابك عماد الدّين زنكي آقسنقر صَاحب الْموصل وَالشَّام، قَتله بعض مماليكه فِي خَامِس ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، فَسَار ابْنه نور الدّين مَحْمُود بن زنكي إِلَى حلب فملكها، وَملك سيف الدّين غَازِي بن زنكي الْموصل. وَمَات السُّلْطَان مَسْعُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه بهمذان، أول رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، وَمَاتَتْ مَعَه سَعَادَة بني سلجوق، فَلم يقم بعده لَهُم راية يعْتد بهَا. فَقَامَ بعده ملكشاه بن السُّلْطَان مَحْمُود، وخطب لَهُ، فَلَمَّا بلغ الْخَلِيفَة المقتفي لأمر الله موت السُّلْطَان مَسْعُود أحَاط بداره ودور أَصْحَابه، وَأخذ كل مَا لَهُم، وَجمع الرِّجَال والعساكر وَأكْثر من الأجناد، وجهز إِلَى الْحلَّة والكوفة وواسط العساكر فَأَخَذُوهَا. ثمَّ إِن الْأَمِير خَاص بك قبض على ملكشاه وَبَعثه إِلَى خوزستان واستدعي أَخَاهُ مُحَمَّد بن مَحْمُود بن خوزستان، وَأَجْلسهُ على تخت السلطنة، فِي أَوَائِل صفر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين، فَقتل مُحَمَّد خَاص بك ثَانِي يَوْم قدومه، وَملك نور الدّين مَحْمُود بن زنكي دمشق فِي صفر سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، واستولي شملة التركماني على خوزستان فِي سنة خمسين وَخَمْسمِائة، وأزاح عَنْهَا ملكشاه بن السُّلْطَان مَحْمُود بن مُحَمَّد.

ص: 146

وضعفت يَد السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان، حَتَّى لم يبْق لَهُ إِلَّا اسْم السلطنة، وَأخذ الغز نيسابور بِالسَّيْفِ، ففر مِنْهُم سنجر فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَخمسين إِلَى ترم ثمَّ إِلَى جيحون يُرِيد خُرَاسَان، ثمَّ عَاد إِلَى دَار ملكه بمرو. وَسَار السُّلْطَان مُحَمَّد شاه بن مَحْمُود بن همذان، وَحصر بَغْدَاد فِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا، لِامْتِنَاع الْخَلِيفَة من الْخطْبَة لَهُ، إِلَى أَن عَاد إِلَى همذان فِي أخريان ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين، وَلم ينل طائلا من بَغْدَاد. وَمَات السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين، وَقد خطب لَهُ على أَكثر مَنَابِر الْإِسْلَام أرسلان نَحْو أَرْبَعِينَ سنة، وَكَانَ قبلهَا يُخَاطب بِالْملكِ عشْرين سنة. واستخلف بعده على خُرَاسَان الْملك مَحْمُود بن مُحَمَّد بن بغراخان وَهُوَ ابْن أُخْته. وَمَات السُّلْطَان مُحَمَّد شاه ابْن مَحْمُود بن مُحَمَّد فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَخمسين بهمذان، عَن اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة، وَترك ولدا صَغِيرا، فَاخْتلف الْأُمَرَاء بعده، فَمنهمْ من أَرَادَ أَن يملك ملكشاه بن مَحْمُود، وَمِنْهُم من طلب سُلَيْمَان شاه بن مُحَمَّد وَطلب قوم أرسلان شاه بن طغرل. فَسَار ملكشاه من خوزستان إِلَى أصفهان وملكها، فَخَالف عَلَيْهِ أهل همذان وطلبوا سُلَيْمَان شاه، فَسَار من الْموصل أول سنة خمس وَخمسين يُرِيد همذان، فَقبض عَلَيْهِ بهَا فِي شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين، وخطب لأرسلان شاه بن الْملك طغرل بن مُحَمَّد. وَمَات ملشكاه بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بأصبهان فِي أثْنَاء السّنة، وخطب بعد لأرسلان شاه بن طغرل بن مُحَمَّد بن ملكشاه بن ألب أرسلان شاه بن جغري بك دَاوُد بن ميخائيل بن سلجوق بهمذان وأعمالها. وَطلب أرسلان شاه من الْخَلِيفَة المستنجد بِاللَّه أَن يخط لَهُ بِبَغْدَاد، كَمَا كَانَت الْعَادة فِي أَيَّام السُّلْطَان مَسْعُود، فأهين رَسُوله وأعيد إِلَيْهِ على أقبح حَالَة، فكير الْخلاف والقتال بَين عَسَاكِر السلجوقية، فَمَاتَ أرسلان فِي سنة ثلا ث وسيعين وخسمائة. وأقيم من بعده ابْنه طغرل بن أرسلان آخر السلاطين السلجوقية، وَكَانَ تَحت أَمر قزل أرسلان إيلدكز، ثمَّ استبد بسلطنته، وَفَارق قزل أرسلان، فَأَقَامَ عوضه معز الدّين سنجر بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن ملكشاه، وطرده ثمَّ ظفر بِهِ وسجنه، ثمَّ خلص وَقتل فِي محاربه خوارزم شاه قَرِيبا من الرّيّ، فِي رَابِع عشري

ص: 147