المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة أربع وأربعين وستمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض

- ‌فصل

- ‌ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء

- ‌ذكر دولة بني بويه الديلم

- ‌ذكر دولة السلجوقية

- ‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

- ‌سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين)

- ‌(سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة أَربع وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله)

- ‌(تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)

- ‌(تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

الفصل: ‌(سنة أربع وأربعين وستمائة)

(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

فِيهَا أرسل الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب القَاضِي نجم الدّين مُحَمَّد بن سَالم النابلسي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي نابلس - وَكَانَ مُتَقَدما عِنْده - إِلَى مَمْلُوكه الْأَمِير ركن الدّين بييرس فَمَا زَالَ يخدعه ويمنيه حَتَّى فَارق الخوارزمية وَقدم مَعَه إِلَى ديار مصر فاعتقل بقلعة الْجَبَل وَكَانَ آخر الْعَهْد وفيهَا عظمت مضرَّة الخوارزمية بِبِلَاد الشَّام وَكثر نهبهم للبلاد وسفكهم للدماء وانتهاكهم للحرمات والتقوا مَعَ الْملك الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم صَاحب حمص وعساكر حلب وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِم عرب كثير وتركمان نصْرَة للْملك الصَّالح نجم الدّين وَذَلِكَ بِظَاهِر حمص أول يَوْم من الْمحرم وَقيل ثَانِيه فَكَانَت بَينهم وقْعَة عَظِيمَة انهزم فِيهَا الخوارزمية هزيمَة قبيحة تبدد مِنْهَا شملهم وَلم يقم لَهُم بعْدهَا قَائِمَة وَقتل مقدمهم بركَة خَان وَهُوَ سَكرَان وَأسر كثير مِنْهُم واتصل من فر مِنْهُم بالتتار وَفِيهِمْ من مضى إِلَى البلقاي وخدم الْملك النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك فَتزَوج النَّاصِر مِنْهُم واختص بهم وقويت شوكته وَسَار بَعضهم إِلَى نابلس فاستولوا عَلَيْهَا وَوصل بعض من كَانَ مَعَهم مِمَّن انهزم إِلَى حران وَلحق أيبك المعظمي بقلعة صرخد وَامْتنع بهَا وَسَار الصَّالح إِسْمَاعِيل إِلَى حلب فِي عدَّة من الخوارزمية فأنزله الْملك النَّاصِر صَاحب حلب وأكرمه وَقبض على من قدم مَعَه من الخوارزمية ووردت الْبُشْرَى بِهَذِهِ الْهَزِيمَة إِلَى السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فِي الْمحرم فزينت الْقَاهِرَة ومصر والقلعتان. وَسَار الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ الهذباني من دمشق وَاسْتولى على بعلبك بِغَيْر حَرْب فِي رَجَب وَحمل مِنْهَا الْملك الْمَنْصُور نور الدّين مَحْمُود بن الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل وَأَخذه الْملك السعيد عبد الْملك إِلَى الديار المصرية تَحت الِاحْتِيَاط فاعتقلوا وزينت الْقَاهِرَة لفتح بعلبك زِينَة عَظِيمَة هِيَ ومصر وَكَانَ أَخذ بعلبك عِنْد السُّلْطَان أحسن موقعاً من أَخذه لدمشق حنقا مِنْهُ على عَمه الصَّالح إِسْمَاعِيل وانصلحت الْحَال بَين السُّلْطَان وَبَين الْمَنْصُور صَاحب حمص والناصر صَاحب حلب واتفقت الْكَلِمَة وَبعث السُّلْطَان إِلَى حلب يطْلب تَسْلِيم الصَّالح إِسْمَاعِيل فَلم يجب إِلَى تَسْلِيمه وَأخرج السُّلْطَان عسكراً كَبِيرا قدم عَلَيْهِ الْأَمِير فَخر الدّين يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ وسيره

ص: 427

لمحاربة الكرك فَسَار إِلَى غَزَّة وأوقع بالخوارزمية وَمَعَهُمْ النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك فِي نَاحيَة الصَّلْت وكسرهم وبدد شمالهم وفر النَّاصِر إِلَى الكرك فِي عدَّة. وَكَانَت الكسرة على الصَّلْت فِي سَابِع عشري ربيع الآخر وَسَار فَخر الدّين عَنْهَا بعد مَا حرقها واحتاط على سَائِر بِلَاد النَّاصِر وَولي عَلَيْهَا النواب ونازل فَخر الدّين الكرك وَخرب مَا حولهَا وَاسْتولى على البلقاء وأضعف النَّاصِر حَتَّى سَأَلَهُ الْأمان فَبعث فَخر الدّين يطْلب مِنْهُ من عِنْده من الخوارزمية فسيرهم النَّاصِر إِلَيْهِ فَسَار عَن الكرك وهم فِي خدمته ثمَّ نَازل فَخر الدّين بصرى حَتَّى أشرد على أَخذهَا فَنزل بِهِ مرض أشفى مِنْهُ على الْمَوْت وَحمل فِي محفة إِلَى الْقَاهِرَة وَبَقِي الْعَسْكَر حَتَّى استولوا عَلَيْهَا وَقدم الْمَنْصُور إِبْرَاهِيم صَاحب حمص إِلَى دمشق منتمياً إِلَى السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فَنزل بِهِ مرض مَاتَ بِهِ فِي صفر فخزن عَلَيْهِ السُّلْطَان حزنا كثيرا لِأَنَّهُ كَانَ يتَوَقَّع وُصُوله إِلَيْهِ فَقَامَ من بعده بحمص ابْنه الْأَشْرَف مظفر الدّين وفيهَا تسلم الْملك الصَّالح نجم الدّين عجلون بِوَصِيَّة صَاحبهَا سيف الدّين بن قلج عِنْد مَوته. وفيهَا سير الصاحب جمال الدّين أَبُو الْحسن يحيى بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن مطروح إِلَى دمشق وزيراً وأميراً وأنعم عَلَيْهِ بسبعين فَارِسًا بِدِمَشْق وَصرف الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ الهذباني عَن نِيَابَة دمشق وَولى مَكَانَهُ الْأَمِير مُجَاهِد الدّين إِبْرَاهِيم وَأقر الطواشي شهَاب الدّين بالقلعة على حَاله فَلَمَّا دخل ابْن مطروح إِلَى دمشق خرج مِنْهَا الْأَمِير حسام الدّين وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا قدم على السُّلْطَان وَهُوَ بقلعة الْجَبَل أقره فِي نِيَابَة السلطنة بديار مصر وأنزله بدار الوزارة من الْقَاهِرَة. وَخرج السُّلْطَان بالعساكر فِي شَوَّال يُرِيد دمشق من قلعة الْجَبَل واستناب بديار مصر الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ فَدخل إِلَى دمشق فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَكَانَ دُخُوله يَوْمًا مشهوداً فَأحْسن إِلَى النَّاس وخلع على الْأَعْيَان وَتصدق على أهل الْمدَارِس والربط وأرباب الْبيُوت بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وَسَار بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا إِلَى بعلبك فرتب أحوالها وَأعْطى لأهل الْمدَارِس والربط وأرباب الْبيُوت عشْرين ألف دِرْهَم وَسَار إِلَى بصرى وَقد تسلمها نواب السُّلْطَان من الْأَمِير شهَاب الدّين غَازِي تائب الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل فَتصدق على مدارس بصرى وربطها وأرباب الْبيُوت بِعشْرين ألف دِرْهَم وجهز السُّلْطَان الْأَمِير نَاصِر الدّين القيمري والصاحب

ص: 428

الدّين بن مطروح إِلَى صلخد وَبهَا الْأَمِير عز الدّين أيبك المعظمي فمازالا بِهِ حَتَّى سلم صلخد وَسَار إِلَى مصر وَتصدق السُّلْطَان فِي الْقُدس بألفي دِينَار مصرية وَأمر بذرع سور الْقُدس فكاد ذراعه سِتَّة آلَاف ذِرَاع بالهاشمي فَأمر بِصَرْف مغل الْقُدس فِي عِمَارَته وَإِن احْتَاجَ إِلَى زِيَادَة حملت من مصر. وفيهَا سَار الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ بعسكر إِلَى طبرية فنازلها حَتَّى أَخذهَا من يَد الفرنج وَهدم الْحُصُون. وفيهَا مَاتَ الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن الْكَامِل مُحَمَّد خنقا بقلعة الْجَبَل. وَقيل كَانَ خنقه قبل هَذِه السّنة وَقيل بل كَانَ فِي سِتَّة خمس وَأَرْبَعين وَالْقَوْل الثَّانِي أثبت. وَسبب قَتله أَنه كَانَ معتقلاً فِي برج الْعَافِيَة من قلعة الْجَبَل فَلَمَّا عزم السُّلْطَان على الْمسير إِلَى الشَّام بعث يَأْمُرهُ أَن يتَوَجَّه إِلَى قلعة الشوبك ليعتقل بهَا فَامْتنعَ من ذَلِك فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ من خنقه وأشاع أَنه مَاتَ ثمَّ ظهر أمره وَأخرج ابْنه المغيث عمر إِلَى الشوبك فاعتقل بهَا وَلما مَاتَ الْعَادِل دفن خَارج بَاب النَّصْر وَلم يَجْسُر أحد يبكي عَلَيْهِ وَلَا يذكرهُ وَترك الْعَادِل ولدا يُقَال لَهُ الْملك المغيث عمر أنزل إِلَى الْقَاهِرَة عِنْد عماته ثمَّ أخرج إِلَى الشوبك. وَكَانَ عمر الْعَادِل يَوْم مَاتَ نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَأقَام مسجوناً نَحْو ثَمَانِي سِنِين. وفيهَا وَقع الِاخْتِلَاف بَين الفرنج.

ص: 429

فارغة

ص: 430

سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا عَاد السُّلْطَان الْملك الصَّالح من دمشق إِلَى ديار مصر بعد مَا أَخذ عسقلان وخربها فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَبعد أَن تسلم أَيْضا قلعة بارزين من عمل حماة فِي رَمَضَان وَفِي عوده إِلَى مصر عرض لَهُ - وَهُوَ بالرمل - وجع فِي حلقه أشفى مِنْهُ على الْمَوْت ثمَّ عوفي وَدخل إِلَى قلعته سالما وزينت الْبلدَانِ والقلعتان فَرحا بِهِ وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ أَن يشر من بِلَاد الفرنج بالسَّاحل إِلَى دمشق فَسَار إِلَيْهِمَا بِمن مَعَه من الْعَسْكَر وأنعم على من بهَا من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وخلع عَلَيْهِم وَأخذت عسقلان يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة بعساكر السُّلْطَان. وفيهَا تسلم نواب السُّلْطَان قلعة الصبيبة وَحضر إِلَى حلب من حماة الطواشي شُجَاع الدّين مرشد المنصوري والأمير مُجَاهِد الدّين أَمِير جاندار لإحضار سيدة الخواتين عصمَة الدُّنْيَا وَالدّين عَائِشَة خاتون ابْنة الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فسارت وَمَعَهَا أمهَا السّتْر الرفيع فَاطِمَة خاتون ابْنة الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب فِي رَمَضَان وَهِي فِي تجمل زَائِد ومحفتها ملبسة ثوب حَرِير بِذَهَب مكلل بالجواهر فتلقاها زَوجهَا الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة. وفيهَا حكر النَّاس الْبُسْتَان الكافوري بِالْقَاهِرَةِ وعمروا فِيهِ الدّور. وفيهَا قبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك المعظمي بِدِمَشْق وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة تَحت الحوطة فاعتقل بهَا فِي دَار صَوَاب ورافعه وَلَده أَن الَّذِي حمله من صلخد كَانَ مبلغ ثَمَانِينَ خرجا أودعها فَلَمَّا بلغه ذَلِك سقط إِلَى الأَرْض وَقَالَ: هَذَا آخر الْعَهْد بالدنيا وَلم يتَكَلَّم بعْدهَا حَتَّى مَاتَ. وفيهَا سَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَنزل بقصره فِي أشموم طناح. وفيهَا خنق الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن مُحَمَّد الْكَامِل فِي ثَانِي عشر شَوَّال.

ص: 431

فارغة

ص: 432

سنة سِتَّة وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا كتب السُّلْطَان من أشموم طناح إِلَى نَائِبه بديار مصر الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ أَن يرحل بالحلقة السُّلْطَانِيَّة والدهليز السلطاني إِلَى دمشق وَأقَام السُّلْطَان بدله فِي نِيَابَة السلطنة بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير الْجواد جمال الدّين وَأَبا الْفَتْح مُوسَى بن يغمور بن جِلْدك. فَسَار الْأَمِير حسام الدّين وَنزل بالقصور الَّتِي أَنْشَأَهَا السُّلْطَان الْملك الصَّالح أَيُّوب وَجعلهَا مَدِينَة بالسانح فِي أول الرمل وَجعل فِيهَا سوقاً جَامعا ليَكُون مَرْكَز العساكر عِنْد خُرُوجهمْ من الرمل وسماها الصالحية. وَأقَام حسام الدّين بالصالحية مقَام السُّلْطَان وَطَالَ مقَامه بهَا نَحْو أَرْبَعَة أشهر ثمَّ سَار ليحرك الْملك الْأَشْرَف صَاحب حمص فَإِن الْأَخْبَار وَردت بمسير عَسَاكِر حلب مَعَ الْأَمِير شمس الدّين لُؤْلُؤ الأسيفي وَالْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل لأخذ حمص. فَلم يُدْرِكهُ حسام الدّين وَسلم الْأَشْرَف حمص وَصَارَت للناصر صَاحب حلب وتعوض الْأَشْرَف عَن حمص تل بَاشر.

ص: 433

فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك عَاد من أكوم طناح إِلَى الْقَاهِرَة وَخرج مِنْهَا إِلَى عسكره بالصالحية وَسَار فِي محفة لما بِهِ من الْمَرَض بِسَبَب ورم مأبضه وَكَانَ قد اشْتَدَّ بِهِ حَتَّى حصل مِنْهُ ناصور. وَحدث قرحَة فِي الصَّدْر إِلَّا أَن همته كَانَت قَوِيَّة فَلم يلق نَفسه وَسَار السُّلْطَان إِلَى دمشق وَنزل بقلعتها. وَبعث السُّلْطَان بالأمير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ وَمَعَهُ الْأُمَرَاء والعساكر وَفِيهِمْ الْأَمِير ابْن أبي عَليّ الهذباني إِلَى حمص فنازلها وَرمى عَلَيْهَا بمنجنيق زنة حجره مائَة وَأَرْبَعُونَ رطلا وَمَعَهُ ثَلَاثَة عشر منجنيقاً آخر وسخر النَّاس فِي حمل هَذِه المجانيق من دمشق حَتَّى كَانَ يحمل كل عود ثمنه نَحْو عشْرين درهما بِأَلف دِرْهَم فَإِن الْوَقْت كَانَ شتاء صعباً. وألح الْأَمِير فَخر الدّين فِي الْحصار إِلَى أَن قدم من بَغْدَاد الشَّيْخ نجم الدّين البادرائي رَسُولا من الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه بِالصُّلْحِ بَين الحلبيين وَبَين السُّلْطَان فتقرر الصُّلْح ورحل العساكر عَن حمص بَعْدَمَا أشرف على أَخذهَا. وَقدم من حلب الشَّيْخ شمس الدّين الخسروشاهي فَسَأَلَ السُّلْطَان على لِسَان الْملك النَّاصِر دَاوُد صَاحب الكرك أَن يسلم الكرك إِلَى السُّلْطَان ويعتاض عَنْهَا بالشوبك فَأُجِيب النَّاصِر دَاوُد إِلَى ذَلِك وَتوجه من يتسلم مِنْهُ الكرك ثمَّ رَجَعَ النَّاصِر عَن ذَلِك لما بلغه من شدَّة مرض السُّلْطَان وتحرك الفرنج لأخذ ديار مصر فَخرج السُّلْطَان من

ص: 434

دمشق فِي محفة وَسَار إِلَى الْغَوْر وَقدم الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ إِلَى الْقَاهِرَة لينوب عَنهُ بهَا واستدعي بالأمير جمال الدّين بن يغمور من الْقَاهِرَة لينوب بِدِمَشْق وعزل الصاحب جمال الدّين بن مطروح عَن دمشق وعزل الطواشي شهَاب الدّين رشيد عَن قلعة دمشق وفوض مَا كَانَ بيدهما للأمير جمال الدّين بن يغمور. وفيهَا احْتَرَقَ المشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ واحترقت المنارة الشرقية بِجَامِع دمشق. وفيهَا مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة أفضل الدّين الخونجي فِي شهر رَمَضَان فولي من بعده ابْنه قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يحيى. وفيهَا مَاتَ الْملك المظفر شهَاب الدّين غَازِي بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب الرها وَقَامَ من بعده ابْنه الْكَامِل مُحَمَّد فِي سلطة الرها وميافارقين. وفيهَا عزل الْملك الْمَنْصُور نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول صَاحب الْيمن الْأَمِير فَخر الدّين بن الشلاح عَن مَكَّة وأعمالها وَولي عوضه مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمسيب على مَال يقوم بِهِ وقود عدده مائَة فرس كل سنة فَقدم ابْن الْمسيب مَكَّة وَخرج الْأَمِير فَخر الدّين فَسَار بِنَفسِهِ ابْن الْمسيب وَأعَاد الجبايات والمكوس بِمَكَّة وَأخذ الصَّدَقَة الْوَارِدَة من الْيمن عَن مَال السُّلْطَان وَبنى حصناً بنخلة يُسمى العطشان وَحلف هذيلا لنَفسِهِ وَمنع الْجند النَّفَقَة فَوَثَبَ عَلَيْهِ الشريف أَبُو سعد بن عَليّ بن قَتَادَة وَقَيده وَأخذ مَاله وَقَالَ لأهل الْحرم: إِنَّمَا فعلت بِهِ هَذَا لِأَنِّي تحققت أَنه يُرِيد الْفِرَار بِالْمَالِ إِلَى الْعرَاق وَأَنا غُلَام مَوْلَانَا السُّلْطَان وَالْمَال عِنْدِي مَحْفُوظ

ص: 435

وَالْخَيْل وَالْعدَد إِلَى أَن يصل مرسومه فَلم يكن غير أَيَّام وَورد الْخَبَر بِمَوْت السُّلْطَان نور الدّين عمر بن رَسُول.

ص: 436

سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا قدم السُّلْطَان من دمشق وَهُوَ مَرِيض فِي محفة لما بلغه من حَرَكَة الفرنج. فَنزل بأشموم طناح فِي الْمحرم وَجمع فِي دمياط من الأقوات والأسلحة شَيْئا كثيرا وَبعث إِلَى الْأَمِير حسام الدّين بن أبي على نَائِبه بِالْقَاهِرَةِ أَن يُجهز الشواني من صناعَة مصر فشرع فِي تجهيزها وسيرها شَيْئا بعد شَيْء. وَأمر السُّلْطَان الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ أَن ينزل على جيزة دمياط بالعساكر ليصير فِي مُقَابلَة الفرنج إِذا قدمُوا فتحول الْأَمِير فَخر الدّين بالعساكر فَنزل بالجيزة تجاه دمياط وَصَارَ النّيل بَينه وَبَينهَا وَلم يقدر السُّلْطَان على الْحَرَكَة لمرضه وَنُودِيَ فِي مصر: من كَانَ لَهُ على وَفِي السَّاعَة الثَّانِيَة من يَوْم الْجُمُعَة لتسْع بَقينَ من صفر: وصلت مراكب الفرنج البحرية وفيهَا جموعهم الْعَظِيمَة صُحْبَة ريدافرنس - وَيُقَال لَهُ الفرنسيس واسْمه لويس ابْن لويس. وريدافرنس لقب بلغَة الفرنج مَعْنَاهُ ملك أفرنس - وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِم فرنج السَّاحِل كُله فأرسوا فِي الْبَحْر بازاء الْمُسلمين. وسير ملك الفرنج إِلَى السُّلْطَان كتابا نَصه بعد كلمة كفرهم: أما بعد فَإِنَّهُ لم يخف عَنْك أَنِّي أَمِين الْأمة العيسوية كَمَا أَنِّي أَقُول أَنَّك أَمِين الْأمة المحمدية. وَإنَّهُ غير خَافَ عَنْك أَن أهل جزائر الأندلس يحملون إِلَيْنَا الْأَمْوَال والهدايا وَنحن نسوقهم سوق الْبَقر ولقتل مِنْهُم الرجل ونرمل النِّسَاء ونستأسر الْبَنَات وَالصبيان ونخلي مِنْهُم الديار وَقد أبديت لَك مَا فِيهِ الْكِفَايَة ونجلت لَك النصح إِلَى النِّهَايَة فَلَو حَلَفت لي بِكُل الْأَيْمَان وَدخلت على القسوس والرهبان وحملت قدامي الشمع طَاعَة للصلبان مَا ردني ذَلِك عَن الْوُصُول إِلَيْك وقتلك فِي أعز الْبِقَاع عَلَيْك فَإِن كَانَت الْبِلَاد لي فيا هَدِيَّة حصلت فِي يَدي وَإِن كَانَت الْبِلَاد لَك وَالْغَلَبَة عَليّ فيدك الْعليا ممتدة إِلَيّ. وَقد عرفتك وحذرتك من عَسَاكِر قد حضرت فِي طَاعَتي تملأ السهل والجبل وعددهم كعدد الْحَصَى وهم مرسلون إِلَيْك بأسياف القضا. فَلَمَّا وصل الْكتاب إِلَى السُّلْطَان وَقُرِئَ عَلَيْهِ اغرورقت عَيناهُ بالدموع واسترجع. فَكتب الْجَواب بِخَط القَاضِي بهاء الدّين زُهَيْر بن مُحَمَّد كَاتب الْإِنْشَاء ونسخته بعد الْبَسْمَلَة وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ: أما بعد فَإِنَّهُ وصل كتابك وَأَنت تهدد فِيهِ بِكَثْرَة جيوشك وَعدد أبطالك. فَنحْن أَرْبَاب السيوف

ص: 437