المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ذكر من مات في هذه السنة من الأعيان) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض

- ‌فصل

- ‌ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء

- ‌ذكر دولة بني بويه الديلم

- ‌ذكر دولة السلجوقية

- ‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

- ‌سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين)

- ‌(سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة أَربع وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله)

- ‌(تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)

- ‌(تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

الفصل: ‌(ذكر من مات في هذه السنة من الأعيان)

وفيهَا أقطع الْفَارِس أقطاي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَكتب لَهُ بِهِ منشور. وتعدى شَرّ البحرية وَكثر تمردهم وطغيانهم. وَخرجت السّنة وَالْملك الْمعز والعساكر بالسانح وعساكر الشَّام بغزة وَالْملك النَّاصِر مُقيم بِدِمَشْق وَالْملك المغيث عمر بالكرك. وَكَانَ النّيل عَالِيا: بلغ ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَسَبْعَة عشر إصبعاً وسد بَاب الْبَحْر عِنْد المقس. وفيهَا وَقع بِمَدِينَة حلب حريق عَظِيم ظهر أَنه من الفرنج وَتلف فِيهِ أَمْوَال لَا تحصى واحترقت

(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو الْفَضَائِل الْحسن بن مُحَمَّد الْحسن بن حيدر الْعمريّ الْهِنْدِيّ الصَّنْعَانِيّ الْحَنَفِيّ اللّغَوِيّ مَاتَ بِبَغْدَاد وَدفن بِمَكَّة عَن ثَلَاث وَسبعين سنة. وَتُوفِّي فَخر الْقُضَاة أَبُو الْفَتْح نصر الله بن هبة الله بن عبد الْبَاقِي بن هبة الله بن الْحُسَيْنِي بن يحيى بن بصاقة الْكِنَانِي الْكَاتِب الْوَزير للناصر دَاوُد والأديب المنشئ فِي 00000 وَتُوفِّي شمس الدّين أَبُو عبد الله بن سعد الله بن عبد الله بن سعد الْأنْصَارِيّ الْقُدسِي الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحدث الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ الأديب الْكَاتِب المجودة مَاتَ بِدِمَشْق عَن تسع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي مُسْند الْعرَاق المؤتمن أَبُو الْقَاسِم يحيى بن نصر بن أبي الْقَاسِم بن الْحسن بن قميرة التَّمِيمِي التَّاجِر السفار عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة حدث بِمصْر وَغَيرهَا. وَتُوفِّي نقيب الْأَشْرَاف - وقاضي الْعَسْكَر ومدرس الْمدرسَة الشريفية بِمصْر - الشريف شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأرموي على مَا حَدثنَا الْأَشْرَاف فِي ثَالِث عشر شَوَّال خمسين وسِتمِائَة. وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه وَالْأُصُول مناظراً تفقه على الصَّدْر بن حمويه وَشرح الْمَحْصُول وَمَات عَن نَيف وَسبعين سنة.

ص: 478

سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا تقرر الصُّلْح بَين الْملك الْمعز أيبك وَبَين الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق بسفارة نجم الدّين البادرائي. وَقد قدم نجم الدّين إِلَى الْقَاهِرَة وصحبته عز الدّين أزدمر وَكَاتب الْإِنْشَاء بحلب نظام الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْمولى الْحلَبِي لتمهيد الْقَوَاعِد فلي يبرحا إِلَى أَن انفصلت الْقَضِيَّة: على أَن يكون للمصريين إِلَى الْأُرْدُن وللناصر مَا وَرَاء ذَلِك وَأَن يدْخل فِيهَا للمصريين غَزَّة والقدس ونابلس والساحل كُله وَأَن الْمعز يُطلق جَمِيع من أسره من أَصْحَاب الْملك النَّاصِر. وَحلف كل مِنْهُمَا على ذَلِك وكتبت بِهِ العهود وَعَاد الْملك الْمعز وَعَسْكَره إِلَى قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع صفر وَنزل البادرائي بِالْقَاهِرَةِ وَأطلق الْملك الْمعز الْملك الْمُعظم تورانشاه بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وأخاه نصْرَة الدّين وَسَائِر أَوْلَاد الْمُلُوك والأمراء وأحضرهم دَار الوزارة ليشهدوا حلفه للْملك النَّاصِر. ثمَّ قدم الْملك الْمعز أيبك للْملك الْمُعظم تقدمة سنية وَأعْطى نظام الدّين بن الْمولى ورفيقه عز الدّين أزدمر عشره آلَاف دِينَار. وفيهَا قويت البحرية - وَكَبِيرهمْ فَارس الدّين أقطاي - على الْمعز وَكثر قبضتهم واستطالتهم وتوثبهم على الْملك الْمعز وهموا بقتْله. وفيهَا تسلم المصريون قلعة الشوبك فَلم يبْق مَعَ الْملك المغيث سوى الكرك والبلقاء وَبَعض الْغَوْر. وفيهَا قطع الْمعز خبز الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ فَلَزِمَ دَاره ثمَّ خرج إِلَى بِلَاد الشَّام وفيهَا ثارت العربان بِبِلَاد الصَّعِيد وَأَرْض بحري وَقَطعُوا الطَّرِيق برا وبحراً فَامْتنعَ التُّجَّار وَغَيرهم من السّفر. وَقَامَ الشريف حصن الدّين ثَعْلَب بن الْأَمِير الْكَبِير نجم الدّين عَليّ بن الْأَمِير الشريف فَخر الدّين إِسْمَاعِيل بن حصن الدولة مجد الْعَرَب ثَعْلَب بن يَعْقُوب بن مُسلم بن أبي جميل الجمدي وَقَالَ: نَحن أَصْحَاب الْبِلَاد وَمنع الأجناد من ناول الْخراج وَصرح هم وَأَصْحَابه: بِأَنا أَحَق بِالْملكِ من المماليك وَقد كفى أَنا خدمنا بني أَيُّوب وهم خوارج خَرجُوا على الْبِلَاد. وأنفوا من خدمَة التّرْك وَقَالُوا إِنَّمَا هم عبيد للخوارج وَكَتَبُوا إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق يستحثونه على الْقدوم إِلَى مصر.

ص: 479

وَاجْتمعَ الْعَرَب - وهم يَوْمئِذٍ فِي كَثْرَة من المَال وَالْخَيْل وَالرِّجَال إِلَى الْأَمِير حصن الدّين ثَعْلَب وَهُوَ بِنَاحِيَة دهروط صربان وأتوه من أقْصَى الصَّعِيد وأطراف بِلَاد الْبحيرَة والجيزة والفيوم وحلفوا لَهُ كلهم. فَبلغ عدَّة الفرسان اثْنَي عشر ألف فَارس وتجاوزت عدَّة الرجالة الإحصاء لكثرتهم. فَجهز إِلَيْهِم الْملك الْمعز أيبك الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي الجمدار والأمير فَارس الدّين أقطاي المستعرب فِي خَمْسَة آلَاف فَارس. فَسَارُوا إِلَى نَاحيَة ذرْوَة وبرز إِلَيْهِم الْأَمِير حصن الدّين ثَعْلَب فاقتتل الْفَرِيقَانِ من بكرَة النَّهَار إِلَى الظّهْر. فَقدر الله أَن الْأَمِير حصن الدّين تقنطر عَن فرسه فأحاط بِهِ أَصْحَابه وَأَتَتْ الأتراك إِلَيْهِ فَقتل حوله من الْعَرَب وَالْعَبِيد أَرْبَعمِائَة رجل حَتَّى أركبوه. فَوجدَ الْعَرَب قد تفَرقُوا عَنهُ فولى مُنْهَزِمًا. وَركب التّرْك أدبارهم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ حَتَّى حَال بَينهم اللَّيْل فحووا من الأسلاب والنسوان وَالْأَوْلَاد والخيول وَالْجمال والمواشي مَا عجزوا عَن ضَبطه وعادوا إِلَى المخيم ببلبيس. ثمَّ عدوا إِلَى عرب الغربية والمنوفية من قبيلتي سِنْبِسٍ ولواتة وَقد تجمعُوا بِنَاحِيَة سخا وسنهور فأوقعوا بهم وَسبوا حريمهم وَقتلُوا الرِّجَال وتبدد كل عرب مصر وحمدت جمرتهم من حِينَئِذٍ. وَلحق الشريف حصن الدّين من بَقِي من أَصْحَابه وَبعث يطْلب من الْملك الْمعز الْأمان فَأَمنهُ ووعده بإقطاعات لَهُ ولأصحابه ليصيروا من حَملَة الْعَسْكَر وعوناً لَهُ على أعدائه. فانخدع الشريف حصن الدّين وَظن أَن التّرْك لَا تَسْتَغْنِي عَنهُ فِي محاربة الْملك النَّاصِر وَقدم فِي أَصْحَابه وَهُوَ مطمئن إِلَى بلبيس. فَلَمَّا قرب من الدهليز نزل عَن فرسه ليحضر مجْلِس السُّلْطَان فَقبض عَلَيْهِ وَعلي سَائِر من حضر مَعَه وَكَانَت عدتهمْ نَحْو ألفي فَارس وسِتمِائَة راجل. وَأمر الْملك الْمعز فَنصبت الأخشاب من بلبيس إِلَى الْقَاهِرَة وشنق الْجَمِيع وَبعث بالشريف حصن إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فحبس بهَا وَسلم لواليها الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن باخل. وَأمر الْمعز بِزِيَادَة القطعية على الْعَرَب وَبِزِيَادَة

ص: 480

الْقود الْمَأْخُوذ مِنْهُم ومعاملتهم بالعنف والقهر. فذلوا وقلوا حَتَّى صَار أَمرهم على مَا هُوَ عَلَيْهِ الْحَال فِي وقتنا. وَفِيه صاهر الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي الْملك المظفر صَاحب حماة وَشر إِلَيْهِ فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين عَليّ بن حنا - قبل أَن يتقلد أَبوهُ الوزارة وَإِنَّمَا كَانَ قد ترشح لَهَا - لإحضار ابْنة المظفر من حماة فحملها إِلَى دمشق فِي تجمل عَظِيم. فَطلب أقطاي من الْملك الْمعز أَن يسكن قلعة الْجَبَل بالعروس فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَأخذ يتحيل فِي قَتله وَكَانَ قد ثقل عَلَيْهِ وَصَارَ لَيْسَ لَهُ مَعَ البحرية أَمر وَلَا نهي وَلَا حل وَلَا عقد وَلَا يسمع أحد مِنْهُم لَهُ قولا فَإِن رسم لأحد بِشَيْء لَا يُمكن من إعداده وَإِن أَمر لأحد مِنْهُم بِشَيْء أَخذ أَضْعَاف مَا رسم لَهُ بِهِ. وَاجْتمعَ الْكل على بَاب الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي وَقد استولى على الْأُمُور كلهَا. وَبقيت الْكتب إِنَّمَا ترد من الْملك النَّاصِر وَغَيره إِلَيْهِ وَلَا يقدر أحد يفتح كتابا وَلَا يتَكَلَّم بِشَيْء وَلَا يبرم أمرا إِلَّا بِحُضُور أقطاي لِكَثْرَة خشداشيته. وَفِي هَذِه السّنة: حج من الْبر وَالْبَحْر عَالم كَبِير فَإِنَّهَا كَانَت وَقْفَة الْجُمُعَة وفيهَا أَخذ الشريف جماز بن حسن مَكَّة وَأقَام بهَا إِلَى آخر ذِي الْحجَّة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الشريف أَبُو سعد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة بن إِدْرِيس الحسني أَمِير مَكَّة وَاسْتقر بعده فِي وَمَات الصَّالح أَحْمد بن الظَّاهِر غَازِي بن النَّاصِر يُوسُف بن أَيُّوب بن شادي بن مَرْوَان صَاحب عينتاب عَن إِحْدَى وَخمسين سنة. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم بن خلف بن نَبهَان الْأنْصَارِيّ الزملكاني الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مكي بن عبد الرَّحْمَن الإسكندري سبط الْحَافِظ أبي الطَّاهِر السلَفِي وَقد انْتهى إِلَيْهِ علو الْإِسْنَاد.

ص: 481

فارغة

ص: 482

سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا استفحل أَمر الْفَارِس أقطاي الجمدار وانحازت إِلَيْهِ البحرية بِحَيْثُ كَانَ أقطاي إِذا ركب من دَاره إِلَى القلعة شعل بَين يَدَيْهِ جمَاعَة بأَمْره وَلَا يُنكر هُوَ ذَلِك مِنْهُم وَكَانَت أَصْحَابه تَأْخُذ أَمْوَال النَّاس ونساءهم وَأَوْلَادهمْ بِأَيْدِيهِم فَلَا يقدر أحد على مَنعهم وَكَانُوا يدْخلُونَ الحمامات وَيَأْخُذُونَ النِّسَاء مِنْهَا غصبا وَكثر ضررهم. هَذَا والمعز يحصل الْأَمْوَال وَقد ثقل عَلَيْهِ أقطاي فواعد طَائِفَة من مماليكه على قَتله: وَبعث الْمعز إِلَيْهِ وَقت القائلة من يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث شعْبَان ليحضر إِلَيْهِ بقلعة الْجَبَل فِي مشور يَأْخُذ رَأْيه فِيهِ. فَركب أقطاي على غير أهبة وَلَا اكتراث فعندما دخل من بَاب القلعة وَصَارَ فِي قاعة العواميد أغلق بَاب القلعة وَمنع مماليكه من العبور مَعَه. فَخرج عَلَيْهِ جمَاعَة بالدهليز قد أعدُّوا لقَتله: وهم قطز وبهادر وسنجر الغنمي فهبروه بِالسُّيُوفِ حَتَّى مَاتَ. فَوَقع الصَّرِيخ فِي القلعة والقاهرة بقتْله فَركب فِي الْحَال من أَصْحَابه نَحْو السبعمائة فَارس ووقفوا تَحت القلعة وَفِي ظنهم أَنه لم يقتل وَإِنَّمَا قبض عَلَيْهِ وَأَنَّهُمْ يأخذونه من الْمعز وَكَانَ أعيانهم بيبرس البندقداري وقلاوون والألفي وسنقر الْأَشْقَر وبيسرى وسكز وبرامق. فَلم يشعروا إِلَّا وَرَأس أقطاي قد رمي بهَا الْمعز إِلَيْهِم فَسقط فِي أَيْديهم وَتَفَرَّقُوا بأجمعهم. وَخَرجُوا فِي اللَّيْل من الْقَاهِرَة وحرقوا بَاب القراطين فَعرف بعد ذَلِك بِالْبَابِ المحروق إِلَى الْيَوْم فَمنهمْ من قصد الْملك المغيث بالكرك وَمِنْهُم من سَار إِلَى الْملك النَّاصِر بِدِمَشْق وَمِنْهُم من أَقَامَ بِبِلَاد الْغَوْر والبلقاء والكرك والشوبك والقدس يقطع الطَّرِيق وَيَأْكُل بقائم سَيْفه. وَاتفقَ أَن اثْنَي عشر من البحرية مروا فِي تيه بني إِسْرَائِيل فَأَقَامَ بِهِ خَمْسَة أَيَّام حائرين فلاح لَهُم فِي الْيَوْم السَّادِس سَواد على بعد فقصدوه فَإِذا مَدِينَة عَظِيمَة ذَات أسور وأبواب حَصِينَة كلهَا من رُخَام أَخْضَر. فطافوا بداخل الْمَدِينَة وَقد غلب عَلَيْهَا الرمل فِي أسواقها ودورها وَصَارَت أوانيهم وملابسهم إِذا أخذت تتفتت وَتبقى هباء. فوجدوا فِي صواني بعض البزارين تِسْعَة دَنَانِير قد نقش عَلَيْهَا صُورَة غزال حوله كِتَابَة

ص: 483

عبرانية. وحفروا مَكَانا فَإِذا بلاطة فَلَمَّا رفعوها وجدوا صهريجاً فِيهِ مَاء أبرد من الثَّلج فَضربُوا وَسَارُوا ليلتهم. فَإِذا بفريق عرب فحملوهم إِلَى الكرج فعرضوا تِلْكَ الدَّنَانِير على الصيارف فَقَالَ بَعضهم هَذِه ضربت فِي أَيَّام مُوسَى عليه السلام. وسألوا عَن الْمَدِينَة فَقيل هَذِه الْمَدِينَة الخضراء بنيت لما كَانَ بَنو إِسْرَائِيل فِي التيه وَلها طوفان من رمل يزِيد تَارَة وَينْقص أُخْرَى وَلَا يَقع عَلَيْهَا إِلَّا تائه. وصرفوا كل دِينَار بِمِائَة دِرْهَم. وَسَار مِنْهُم قشتمر العجمي وشارباش العجمي وسنجر الحاووك والركن الفارقاني وسنقر الجبيلي وسنقر المجيشي الْكَبِير والحبيشي الصَّغِير الْحَاجِب والصقلي والغتمي وبلبان النجمي وبكمش المَسْعُودِيّ وَأَبُو عبِّيَّة والنميسي وفخر الدّين ماما وأيدمر الجمدار الرُّومِي وسنقر الركني والحسام قريب سكز وإيدغدي الْفَارِسِي وبلبان الزهيري وسنجر البحري وإزدمر السيفي وإزدمر البواشقي مَمْلُوك الرَّشِيدِيّ الْكَبِير والعنتابي والمستعربي وسنقر البديوي وأيبك الشقاري وإيدغدي فتْنَة وَسيف الدّين الأشل والخولاني وسنجر الشكاري والمطروحي وأيبك الْفَارِسِي وأياس الْمقري فِي جمَاعَة كَبِيرَة من المماليك الصغار الجمدارية الصالحية. وَكَانَ الْحَاكِم الْمُقدم على هَؤُلَاءِ الْأَمِير علم الدّين سنجر الباشقردي - وَهُوَ أعقلهم وأعرفهم - والأمير شمس الدّين سنقر الْجبلي - وَهُوَ أفرسهم وأشهرهم بالشطارة. فمضي هَؤُلَاءِ إِلَى السُّلْطَان عَلَاء الدّين ملك السلاجقة الرّوم. فَلَمَّا أصبح الْملك الْمعز أيبك وَعلم بِخُرُوج الْجَمَاعَة من الْقَاهِرَة قبض على من بَقِي مِنْهُم وَقتل بَعضهم وَحبس باقيهم وأوقع الحوطة على أملاكهم وَأَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وأتباعهم واستصفى أَمْوَالهم وذخائرهم وشونهم. وظفر للفارس أقطاي بأموال عَظِيمَة. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بتهديد من أخْفى أحد من البحرية وَتمكن عِنْد ذَلِك الْملك الْمعز وارتجع الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْخَاص السلطاني وخفف بعض مَا أحدث من المصادرات والجبايات. فَلَمَّا وصل البحرية إِلَى غَزَّة وَفِيهِمْ ركن الدّين بيبرس البندقداري وَسيف الدّين بلبان الرَّشِيدِيّ وَعز الدّين إزدمر السيفي وشمس الدّين سنقر الْأَشْقَر وَسيف الدّين سكز وَسيف الدّين قلاوون وَبدر الدّين بيبرس - كتبُوا إِلَى الْملك النَّاصِر بِأَنَّهُم قد وصلوا إِلَى خدمته فَأذن لَهُم وعروا على بِلَاد الفرنج بالسَّاحل فَقتلُوا ونهبوا حَتَّى قاربوا دمشق. فَخرج إِلَى لقائهم الْملك النَّاصِر وخلع عَلَيْهِم وَأَعْطَاهُمْ. هَذَا وهم يحثونه على قصد مصر وَهُوَ يدافعهم.

ص: 484

فخاف الْمعز غائلتهم وَكتب إِلَى النَّاصِر يُوهِمهُ مِنْهُم ويخوفه عَاقِبَة شرهم وَطلب مِنْهُ النَّاصِر الْبِلَاد الَّتِي كَانَ قد أَخذهَا بالسَّاحل لأجل البحرية وَأَنَّهَا فِي إقطاعتهم. فَأَعَادَهَا الْمعز إِلَى الْملك وَكتب الْملك الْمعز إِلَى سُلْطَان الرّوم بِأَن البحرية قوم مناحيس أَطْرَاف لَا يقفون عِنْد الْأَيْمَان وَلَا يرجعُونَ إِلَى كَلَام من هُوَ أكبر مِنْهُم وَإِن استأمنتهم خانوا وَإِن استحلفتهم كذبُوا وَإِن وثقت بهم غدروا. فَتحَرَّر مِنْهُم على نَفسك فَإِنَّهُم غدارون مكارون خوانون وَلَا أَمن أَن يَمْكُرُوا عَلَيْك. فخاف سُلْطَان الرّوم مِنْهُم وَكَانُوا مائَة وَثَلَاثِينَ فَارِسًا فاستدعاهم وَقَالَ: يَا أُمَرَاء مَا لكم ولأستاذكم فَتقدم الْأَمِير علم الدّين سنجر الباشقردي وَقَالَ: يَا مَوْلَانَا من هُوَ أستاذنا قَالَ: الْملك الْمعز صَاحب مصر فَقَالَ الباشقردي: يحفظ الله مَوْلَانَا السُّلْطَان إِن كَانَ الْملك الْمعز قَالَ فِي كِتَابه أَنه أستاذنا فقد أَخطَأ إِنَّمَا هُوَ خوشداشنا وَنحن وليناه علينا وَكَانَ فِينَا من هُوَ أكبر مِنْهُ سنا وَقدرا وأفرس وأحق بالمملكة فَقتل بَعْضنَا وَحبس بَعْضنَا وغرق بَعْضنَا فَمر بِنَا مِنْهُ وتشتتنا فِي الْبِلَاد وَنحن التجأنا إِلَيْك فأعجب سُلْطَان الرّوم بهم واستخدمهم عِنْده. وفيهَا وَقع الصُّلْح بَين الْملك النَّاصِر وَبَين الفرنج أَصْحَاب عكا لمُدَّة عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَأَرْبَعين يَوْمًا أَولهَا مستهل الْحرم على أَن يكون للفرنج من نهر الشَّرِيعَة مغرباً وَحلف الْفَرِيقَانِ على ذَلِك. وفيهَا أقطع الْملك الْمعز أيبك الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي العزيزي دمياط زِيَادَة على إقطاعه وارتفاعها يَوْمئِذٍ ثَلَاثُونَ ألف دِينَار وفيهَا خرج الْملك الْمعز من قلعة الْجَبَل بالعساكر وخيم وفيهَا سفر الْملك الْمعز أيبك الْأَشْرَف مُوسَى بن النَّاصِر يُوسُف بن الْملك المسعود إِلَى بِلَاد الأشكري منفياً وفيهَا درس الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بَين القصرين. وفيهَا وصل الشريف عز الدّين أَبُو الْفتُوح مرتضى ابْن أبي طَالب أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْحُسَيْنِي إِلَى دمشق وَمَعَهُ الخونده ملكة خاتون بنت السُّلْطَان عَلَاء الدّين كيقباد ملك السلاجقة الرّوم وَزَوْجَة الْملك النَّاصِر يُوسُف. فزفت إِلَيْهِ وَقد احتفل بقدومها وَبَالغ فِي عمل الْوَلِيمَة لَهَا.

ص: 485

وفيهَا ظَهرت نَار بعدن روعت الْقُلُوب. وفيهَا ولى الْمَنْصُور قَضَاء حماه شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن هبة الله الْبَارِزِيّ بعد المحبي حَمْزَة بن مُحَمَّد. وفيهَا مَاتَ ملك التتر طرطق خَان بن دوشي خَان بن جنكز خَان فَكَانَت مدَّته سنة وشهوراً. فَقَامَ بعده بركَة خَان بن جوشي خَان بن جنكز خَان وَأسلم وَأظْهر شَعَائِر الْإِسْلَام فِي مَمْلَكَته وَاتخذ المحارس وَأكْرم الْفُقَهَاء. وَأسْلمت زَوجته ججك واتخذت لَهَا مَسْجِدا من الخيم وَذَلِكَ على يَد الشَّيْخ نجم الدّين كبرا. وفيهَا توفّي مجد الدّين أَبُو البركات عبد السَّلَام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد ابْن تَيْمِية الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو سَالم مُحَمَّد بن أَحْمد بن هبة الله بن طَلْحَة النصيبيني الشَّافِعِي خطب دمشق بحلب وَقد قدم الْقَاهِرَة. وفيهَا أَخذ مَكَّة الشريف رَاجِح بن قَتَادَة من الشريف جماز بن حسن بِغَيْر قتال ثمَّ أَخذهَا ابْنه غَانِم بن رَاجِح فِي ربيع الأول بِغَيْر قتال فَقَامَ عَلَيْهِ الشريف أَبُو نمى بن أبي سعيد بن عَليّ بن قَتَادَة فِي شَوَّال وَمَعَهُ الشريف إِدْرِيس وحارباه وملكا مَكَّة. فَقدم فِي خَامِس عشري ذِي الْقعدَة مبارز الدّين الْحُسَيْن بن عَليّ بن برطاس من الْيمن وقاتلهما وغلبهما وَحج بِالنَّاسِ.

ص: 486

سنة ثَالِث وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا سَار الْأَمِير عز الدّين أيبك الأفرم الصَّالِحِي إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَأظْهر الْخُرُوج عَن طَاعَة الْملك الْمعز وَجمع العربان. فسير إِلَيْهِ الْملك الْمعز الْوَزير الصاحب الأسعد شرف الدّين الفائزي وَمَعَهُ طَائِفَة من الْعَسْكَر حَتَّى سكن الْأُمُور. وَأخرج الْملك النَّاصِر عسكراً إِلَى جِهَة ديار مصر وَمَعَهُمْ البحرية: وهم الْأَمِير سيف الدّين بلبان الرشيد وَعز الدّين أزدمر وشمس الدّين سنقر الرُّومِي وشمس الدّين سنقر الْأَشْقَر وَبدر الدّين بيسري وَسيف الدّين قلاوون وَسيف الدّين بلبان المَسْعُودِيّ وركن الدّين بيبرس البندقداري وعدة من مماليك الْفَارِس أقطاي. وفيهَا قتل الْملك الْمعز الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي العزيزي بَعْدَمَا قبض عَلَيْهِ وَكَانَ قد قبض أَيْضا على الْفَارِس أقطاي العزيزي والفارسي أقطاي الأتابك وهرب مِنْهُ أقش الركني وَأمر الْملك الْمعز أَلا تخرج امْرَأَة من بَيتهَا وَلَا يمشي رجل بِلَا سَرَاوِيل. فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن الجزار فِي ذَلِك: حنا الْملك الْمعز على الرعايا وألزمهم قوانين الْمَرْوَة وصان حريمهم من كل عَار وألبسهم سروايل الفتوة وفيهَا توجه النَّاصِر دَاوُد بن الْمُعظم عِيسَى إِلَى بَغْدَاد يطْلب مَا أودعهُ عِنْد الْخَلِيفَة من الْجَوْهَر وَقِيمَته مائَة ألف دِينَار. فمطل مُدَّة فَتوجه إِلَى الْحجاز واستشفع إِلَى الْخَلِيفَة فِي رد وداعته وَعَاد إِلَى الْعرَاق. فعوض عَن جوهره بِمَا لَا يذكر ورد إِلَى الشَّام وفيهَا قدم مَكَّة أَبُو نمى وَإِدْرِيس ومعهما جماز بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة فَقَاتلُوا المبارز بن برطاس وَأخذُوا مَكَّة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير شرف الدّين يُوسُف بن أبي الفوارس بن موسك القيمري بنابلس وَدفن بِدِمَشْق. وَتُوفِّي نقيب الْأَشْرَاف بحلب وَهُوَ الشريف عز الدّين أَبُو الْفتُوح مرتضى بن أبي طَالب أَحْمد بن أَحْمد بن أبي الْحسن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن زيد بن جَعْفَر بن إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن ممدوح أبي الْعَلَاء عَن أربعوسبعين سنة بحلب.

ص: 487

وَتُوفِّي نظام الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الْبَلْخِي الْحَنَفِيّ الْبَغْدَادِيّ بحلب عَن تسع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي ضِيَاء الدّين أَبُو مُحَمَّد جَعْفَر بن يحيى بن سَالم بن يحيى بن عِيسَى بن صقر الْمحلي الشَّافِعِي عَن نَيف وَتِسْعين سنة بحلب قدم مصر وَحدث بهَا.

ص: 488

سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة فِيهَا ورد الشَّيْخ نجم الدّين علم عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحسن البادرائي من قبل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه ليجدد الصُّلْح بَين الأول وَبَين الْملك النَّاصِر وَالْملك الْمعز فَبعث السُّلْطَان إِلَى الْقَائِد برهَان الدّين خضر السنجاري فَسَار إِلَى قطبا وَمَعَهُ جمَاعَة من أَعْيَان الْفُقَهَاء حَتَّى قدم بِهِ. فقرر الصُّلْح على أَن يكون للْملك الْمعز مَا كَانَ للْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب من السَّاحِل بِبِلَاد الشَّام مَعَ ملك مصر وَأَن الْملك النَّاصِر لَا يأوي عِنْده أحدا من البحرية فَمَضَوْا إِلَى المغيث بالكرك. وَتَوَلَّى الصُّلْح قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين السنجاري فَلَمَّا تمّ الصُّلْح عَاد البادرائي ورحل الْملك النَّاصِر عَن تل العجول إِلَى دمشق وَعَاد الْمعز من العباسية - بعد إِقَامَته عَلَيْهَا ثَلَاث سِنِين - إِلَى قلعة الْجَبَل. وَسَار الْأَمِير شمس الدّين سنقر الْأَقْرَع رَسُولا إِلَى الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد وَصَحبه الشَّيْخ نجم الدّين البادرائي يلْتَمس تشرفه بالتقلد وَالْخلْع والأولوية للْملك الْمعز أُسْوَة من تقدمه من مُلُوك مصرة فَسَار إِلَى بَغْدَاد. وَبعث الْملك الْمعز إِلَى الْملك الْمَنْصُور بن المظفر صَاحب حماة وَإِلَى الْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل يخْطب ابنتيهما لنَفسِهِ. فشق ذَلِك على زَوجته شجر الدّرّ وتغيرت عَلَيْهِ فتنكر لَهَا وَفَسَد مَا بَينهمَا فَأخذت تدبر فِي قَتله. وَفِي خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة: ظَهرت نَار بِأَرْض الْحجاز واستمرت شهرا فِي شَرْقي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بِنَاحِيَة وَادي شظا تِلْقَاء جبل أحد حَتَّى امْتَلَأت تِلْكَ الأودية مِنْهَا وَصَارَ يخرج مِنْهَا شرر يَأْكُل الْحِجَارَة وزلزلت الْمَدِينَة بِسَبَبِهَا. وَسمع النَّاس أصواتاً مزعجة قبل ظُهُورهَا بِخَمْسَة أَيَّام أَولهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ أول الشَّهْر فَلم تزل الْأَصْوَات لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى ظَهرت النَّار يَوْم الْجُمُعَة. وَقد انبجست الأَرْض عَن نَار عَظِيمَة عِنْد وَادي شظا وامتدت أَرْبَعَة فراسخ فِي عرض أَرْبَعَة أَمْيَال وعمق قامة وَنصف وسال الصخر

ص: 489

مِنْهَا ثمَّ صَار فحماً أسود. وأضاءت بيُوت الْمَدِينَة مِنْهَا فِي اللَّيْل حَتَّى كَانَ فِي كل بَيت مصباحاً وَرَأى النَّاس سناها بِمَكَّة فالتجأ أهل الْمَدِينَة إِلَى قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا وَاسْتَغْفرُوا الله تَعَالَى وأعتقوا عبيدهم وتصدقوا وَقَالَ بَعضهم: نشكو إِلَيْك خطوباً لَا نطق لَهَا حملا وَنحن لَهَا حَقًا أحقاء زلازلاً تخشع الصم الصلاب لَهَا وَكَيف لقوي على الزلزال شماء بحراً من النَّار تجْرِي فَوْقه سفن من الهضاب لَهَا فِي الأَرْض إرساء ترى لَهَا شرراً كالقصر طائشة كَأَنَّهُمَا دِيمَة تنصب هطلاء تحدث النيرات السَّبع ألسنها بِمَا تلاقي بِهِ تَحت الثرى المَاء مِنْهَا تكاثف فِي الجو الدُّخان إِلَى أَن عَادَتْ الشَّمْس مِنْهَا وَهِي دهماء فيالها أَيَّة من معجزات رَسُول الله يَعْقِلهَا الْقَوْم الألباء فاسمح وهب ولفضل وامح واعف وجد وَاصْفَحْ فَكل لفرط الْحلم خطاء وَذكر غير وَاحِد من الْأَعْرَاب الَّذين كَانُوا بحاضرة بَلْدَة بصرى من أَرض الشَّام أَنهم رَأَوْا صفحات أَعْنَاق إبلهم فِي ضوء هَذِه النَّار. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة مستهل شهر رَمَضَان احْتَرَقَ مَسْجِد مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مسرجه الْقيم وَذَهَبت سَائِر صفوفه وَبَعض عمده وَاحْتَرَقَ سقف الْحُجْرَة الشَّرِيفَة. وفيهَا غرقت بَغْدَاد وَهلك بهَا عَالم عَظِيم وسارت السفن فِي أزقتها. وفيهَا قوي أَمر هولاكو بن طولو خَان بن جنكز خَان وَظهر اسْمه وَفتح عمق قلاع بالشرق وفيهَا دخل مقدم من التتار إِلَى أَرض الرّوم السلاجقة ففر مِنْهُ السُّلْطَان غياث الدّين كيخسرو وَمَات فِي فراره فَقَامَ من بعده أَوْلَاده الثَّلَاثَة وَأخذ التتار قيسارية وَمَا حولهَا فَصَارَ لَهُم من بِلَاد الرّوم مَسَافَة شهر. وفيهَا وصلت جواسيس هولاكو إِلَى الْوَزير مؤيد الدّين مُحَمَّد بن العلقمي بِبَغْدَاد

ص: 490

وتحدثوا مَعَه ووعدوا جمَاعَة من أُمَرَاء بَغْدَاد مواعيد والخليفة فِي لهوه لَا يعبأ بِشَيْء من ذَلِك. وفيهَا ولي تَاج الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن خلف بن أبي الْقَاسِم ابْن بنت الْأَعَز قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن بدر الدّين يُوسُف السنجاري. وفيهَا سَار إِدْرِيس إِلَى رَاجِح وَأخذ مَكَّة أَبُو نمى فجَاء رَاجِح مَعَ إِدْرِيس وَأصْلح بَينه وَبَين أبي نمى. وفيهَا قدم مَكَّة ركب الْحَاج من الْعرَاق وَلم يحجّ بعْدهَا ركب من الْعرَاق. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شمس الدّين يُوسُف بن قزغلي بن عبد الله أَبُو المظفر - هُوَ سبط الْحَافِظ أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ - الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْوَاعِظ. وَتُوفِّي شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن هبة الله بن قرناص الْخُزَاعِيّ الْحَمَوِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الأديب. وَتُوفِّي زكي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الوحد بن ظافر بن أبي الإصبع الْفَقِيه الشَّافِعِي النَّحْوِيّ الأديب عَن خمس وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو الرّوح عِيسَى بن أَحْمد بن الياس البونيني ببعلبك. وَمَات ملك الرّوم غياث الدّين كيخسرو بن عَلَاء الدّين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان بن سُلَيْمَان بن قتلمش وَقد ملك التتر قيصرية وميسرة مَعهَا فَقَامَ بعده ابْنه عز الدّين كيقباد بن كيخسرو.

ص: 491

فارغة

ص: 492