المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة ستين وستمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض

- ‌فصل

- ‌ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء

- ‌ذكر دولة بني بويه الديلم

- ‌ذكر دولة السلجوقية

- ‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

- ‌سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين)

- ‌(سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة أَربع وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله)

- ‌(تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)

- ‌(تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

الفصل: ‌(سنة ستين وستمائة)

(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

فِي ثَانِي الْمحرم: وصل السُّلْطَان من دمشق. وَاشْتَدَّ الغلاء بِدِمَشْق فبلغت الغرارة الْقَمْح أَرْبَعمِائَة وَخمسين درهما فضَّة وَهلك خلق كثير من الْجُوع. وَفِيه سَار قرابغا مقدم التتار من بَغْدَاد - وَكَانَ قد اسْتَخْلَفَهُ هولاكو عَلَيْهَا عِنْد عوده إِلَى بِلَاد الشرق - يُرِيد لِقَاء الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه ومحاربته فنهب الأنبار وَقتل جَمِيع من فِيهَا وتلاحقت بِهِ بَقِيَّة التتار من بَغْدَاد. ولقبهم الْخَلِيفَة وَقد رتب عسكره: فَجعل التركمان وَالْعرب جناحي الْعَسْكَر واختص جمَاعَة جعلهم فِي الْقلب وَحمل بِنَفسِهِ على التتار فَكسر مقدمتهم وخذله الْعَرَب والتركمان فَلم يقاتلوا وَخرج كمين للتتار ففر الْعَرَب والتركمان وأحاط التتار بِمن بَقِي مَعَه فَلم يفلت مِنْهُم سوى الْأَمِير أبي الْعَبَّاس أَحْمد الَّذِي قدم إِلَى مصر وتلقب بالحاكم بِاللَّه والأمير نَاصِر الدّين بن مهنا والأمير نَاصِر الدّين بن صيرم والأمير سَابق الدّين بوزبا الصَّيْرَفِي والأمير أَسد الدّين مَحْمُود فِي نَحْو الْخمسين من الأجناد. وَلم يعرف للخليفة خبر: فَيُقَال قتل بالمعركة فِي ثَالِث الْمحرم وَيُقَال بل نجا مجروحاً فِي طَائِفَة من الْعَرَب فَمَاتَ عِنْدهم. وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة فِي الْعشْر الأول من الْمحرم فَكَانَت خِلَافَته دون السّنة وَبَلغت نَفَقَة الْملك الظَّاهِر على الْخَلِيفَة والملوك المواصلة ألف ألف دِينَار وَسِتِّينَ ألف دِينَار عينا. وَاسْتقر الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن بدر الدّين لُؤْلُؤ فِي مَمْلَكَته بالموصل وَسَار أَخَوَاهُ إِسْحَاق وَعلي إِلَى الشَّام خوفًا من التتار وقدما على السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل فأبر مقدمهما وسألاه فِي تجهيز نجدة لأخيهما فرسم السُّلْطَان بتجريد الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي فِي جمَاعَة من البحرية وَالْحَلقَة وَسَارُوا من الْقَاهِرَة فِي رَابِع جُمَادَى الأولى. وَكتب إِلَى دمشق بِخُرُوج عسكرها صُحْبَة الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج طيبرس فَسَار العسكران من دمشق فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. وفوض السُّلْطَان وزارة دمشق لعز الدّين عبد الْعَزِيز بن ودَاعَة. وتسلم نواب السُّلْطَان قلعة البيرة. وَوَقع الصُّلْح بَين السُّلْطَان وَبَين الْملك المغيث صَاحب الكرك. وباشر السُّلْطَان عرض عَسَاكِر مصر بِنَفسِهِ وحلفهم لوَلِيّ عَهده الْملك السعيد نَاصِر الدّين خاقَان بركَة خَان. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشري صفر: وصل الْأَمِير أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الَّذِي تلقب

ص: 541

بالحاكم بِأَمْر الله إِلَى دمشق وَخرج يُرِيد مصر يَوْم الْخَمِيس سادس عشريه فوصل إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة فِي سَابِع عشري شهر ربيع الأول فاحتفل السُّلْطَان للقائه وأنزله فِي البرج الْكَبِير دَاخل قلعة الْجَبَل ورتب لَهُ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَفِي نصف رَجَب: قدم جمَاعَة من البغاددة مماليك الْخَلِيفَة المستعصم الَّذين تَأَخَّرُوا بالعراق بعد قتل الْخَلِيفَة ومقدمهم الْأَمِير سيف الدّين سلار. فأكرمهم السُّلْطَان وَأعْطى الْأَمِير سلار إمرة خمسين فِي الشَّام وَنصف مَدِينَة نابلس ثمَّ نَقله إِلَى إمرة طبلخاناه بِمصْر. وفيهَا أطلق السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين قلج الْبَغْدَادِيّ المستنصري من الاعتقال وَكَانَ قد اعتقله فَمن عَلَيْهِ وَأذن لَهُ فِي لعب الكرة مَعَه. وَفِي شعْبَان: قدم الْأَمِير سيف الدّين الكرزي وَالْقَاضِي أصيل الدّين خواجا إِمَام من عِنْد الأنبرو ملك الفرنج بكتابه. ثمَّ قدم رَسُوله بهدية وَمَعَهُ نفران من البحرية فاعتقلا بقلعة الجزيرة تجاه مصر. وَقدم الْأَمِير شرف الدّين الجاكي والشريف عماد الدّين الهاكي من عِنْد صَاحب الرّوم وَهُوَ السُّلْطَان عز الدّين كيكاوس بن كيخسرو ومعهما رسل الْمَذْكُور وهما الْأَمِير نَاصِر الدّين نصر الله بن كوح رسْلَان أَمِير حَاجِب والصدر صدر الدّين الأخلاطي وَكتابه المتضمن أَنه نزل عَن نصف بِلَاده للسُّلْطَان وسير دروجاً فِيهَا علائم بِمَا يقطع من الْبِلَاد لمن يختاره السُّلْطَان ويؤمره وَسَأَلَ أَن يكْتب لَهُ السُّلْطَان منشوراً قرين منشوره. فأكرمهم السُّلْطَان وَشرع فِي تجهيز جَيش نجدة لصَاحب الرّوم وَأمر بِكِتَابَة المناشير. وَعين السُّلْطَان الْأَمِير نَاصِر الدّين أعلمش السِّلَاح دَار الصَّالِحِي لتقديمه الْعَسْكَر وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة فَارس وأقطعه إقطاعاً بِبِلَاد الرّوم مِنْهُ آمد بلادها.

ص: 542

وَفِي شهر رَجَب: قدم الْأَمِير عماد الدّين بن مظفر الدّين صَاحب صهيون رَسُولا من جِهَة أَخِيه الْأَمِير سيف الدّين وصحبته هَدِيَّة. فَأكْرمه السُّلْطَان وَكتب لَهُ منشوراً بإمرة ثَلَاثِينَ فِي حلب ومنشوراً آخر بإمرة مائَة فِي بِلَاد الرّوم. وَفِي هَذَا التَّارِيخ ورد كتاب ملك الرّوم بِأَن الْعَدو هولاكو لما بلغه اتِّفَاق الرّوم مَعَ السُّلْطَان خَافَ من هيبته وَولى هَارِبا وَأَنه سير إِلَى قونية يحاصرها ليأخذها من أَخِيه. وَفِي هَذَا التَّارِيخ قدم كتاب الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وصحبته قصاد من التتار مَعَهم فرمان لَهُ فشكره السُّلْطَان على ذَلِك واعتقل التتار. وَفِي هَذَا التَّارِيخ سَار الْأَمِير عز الدّين الأقرم أَمِير جاندار بعسكر إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وأوقع بالعربان وبدد شملهم وَذَلِكَ أَنهم كثر طمعهم وهموا بتغيير الممالك ووثبوا على الْأَمِير عز الدّين الهواش وَالِي قوص وقتلوه. وَفِي شعْبَان: كثر قدوم العزيزية والناصرية الَّذين كَانُوا صُحْبَة الْأَمِير البرلي. فأكرمهم السُّلْطَان وَعَفا عَنْهُم. وَفِي هَذِه الْمدَّة وصل الْأَمِير فَارس الدّين أقوش المَسْعُودِيّ الَّذِي كَانَ قد توجه رَسُولا إِلَى الأشكري. وَكَانَ الأشكري قد بعث يطْلب من السُّلْطَان بطركا النَّصَارَى الملكية فعين الرشيد الكحال لذَلِك وسيره إِلَيْهِ مَعَ الْأَمِير فَارس الدّين أقوش المَسْعُودِيّ فِي عدَّة من الأساقفة. فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ أكْرمهم وَأَعْطَاهُمْ وواقف الْأَمِير أقوش على جَامع. بناه بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ليَكُون فِي صحيفَة السُّلْطَان ثَوَابه. وَعَاد الْأَمِير قوش وصحبته البطرك الْمَذْكُور فَقدم البطرك مَا ورد على يَده من هَدِيَّة الأشكري للسُّلْطَان وَقدم أَيْضا مَا حصل لَهُ من المَال فَرد السُّلْطَان ذَلِك عَلَيْهِ. وجهز السُّلْطَان برسم جَامع قسطنطينية الْحصْر العبداني والقناديل المذهبة والستور المرقومة والمباخر والسجادات إِلَى غير ذَلِك من الْبسط الرومية وَالْعود والعنبر والمسك وَمَاء الْورْد. وفيهَا أغار الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي على أنطاكية ونازل صَاحبهَا الْبُرْنُس وأحرق الميناء بِمَا فِيهَا من المراكب وَكَانَ مَعَه الْملك الْأَشْرَف مُوسَى صَاحب حمص وَالْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة. ثمَّ حاصر السويداء وَاسْتولى عَلَيْهِمَا وَقتل وَأسر وَعَاد موصل إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس لليلة بقيت من شهر رَمَضَان وصحبته من الأسرى مِائَتَيْنِ وَخمسين أَسِيرًا. فَأكْرمه السُّلْطَان وَأحسن إِلَى الْأُمَرَاء وسير الْخلْع إِلَى الْملكَيْنِ الْمَذْكُورين.

ص: 543

وَفِي ثَالِث شهر رَمَضَان: عزل السُّلْطَان قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين السنجاري عَن قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي وَأعَاد قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز فَصَارَ بِيَدِهِ قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر كلهَا. وَكَانَ متشدداً فِي أَحْكَامه فرسم لَهُ فِي ذِي الْقعدَة أَن يَسْتَنِيب عَنهُ مدرسي الْمدرسَة الصالحية من الْحَنَفِيَّة والمالكية والحنابلة فاستنابهم فِي الحكم عَنهُ وَلم يعرف ذَلِك عصر قبل هَذَا الْوَقْت: فَجَلَسَ القَاضِي صدر الدّين سُلَيْمَان الْحَنَفِيّ وَالْقَاضِي شرف الدّين عمر السُّبْكِيّ الْمَالِكِي وَالْقَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحَنْبَلِيّ فِي أول ذِي الْقعدَة وحكموا بَين النَّاس بمذاهبهم. وَفِي رابعه: قبض على الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج طيبرس الوزيري نَائِب الشَّام وَحمل إِلَى مصر فاعتقل بقلعة الْجَبَل وَكَانَت مُدَّة نيابته سنة وشهراً. وَحكم فِي دمشق بعده الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْحَاج الركني إِلَى أَن يحضر نَائِب. وفيهَا كثر الإرجاف فِي دمشق بحركة التتار فَكتب السُّلْطَان برحيل أهل الشَّام بأهليهم إِلَى مصر. فَحَضَرَ من تِلْكَ الْبِلَاد خلق كثير بَعْدَمَا كتب السُّلْطَان إِلَى الْوُلَاة بتخميرهم وَألا يُؤْخَذ مِنْهُم مكس وَلَا زَكَاة وَلَا يتَعَرَّض لما مَعَهم من متجر وَلَا غَيره وَلَا تغش تِجَارَة فاعتمد ذَلِك. وَكتب السُّلْطَان إِلَى حلب بتحريق الأعشاب فسيرت جمَاعَة إِلَى بِلَاد آمد وَغَيرهَا وَحرقت الأعشاب الَّتِي كَانَت بالمروج الَّتِي جرت عَادَة هولاكو أَن ينزلها. فعمت النَّار مسيرَة عشرَة أَيَّام حَتَّى صَارَت كلهَا رَمَادا وهم الْحَرِيق بِلَاد خلاط وَقطع السنبل وَهُوَ أَخْضَر. وفيهَا خرجت الكشافة من دمشق وَغَيرهَا فظفروا بِكَثِير من التتار يُرِيدُونَ الْقدوم إِلَى مصر مستأمنين. وَقد كَانَ الْملك بركَة بَعثهمْ نجدة إِلَى هولاكو فَلَمَّا وَقع بَينهمَا كتب يستدعيهم إِلَيْهِ وَيَأْمُرهُمْ أَن تعذر عَلَيْهِم اللحاق بِهِ أَن يصيروا إِلَى عَسَاكِر مصر. وَكَانَ سَبَب عَدَاوَة بركَة وهولاكو أَن وقعه كَانَت بَينهمَا قتل فِيهَا ولد هولاكو وَكسر عسكره وتمزقوا فِي الْبِلَاد وَصَارَ هولاكو إِلَى قلعة بوسط بحيرة أذربيجان محصورا بهَا. فَلَمَّا بلغ ذَلِك السُّلْطَان سر بِهِ وَفَرح النَّاس باشتغال هولاكو عَن قصد بِلَاد الشَّام. وَكتب السُّلْطَان إِلَى النواب بإكرام الوافدية من التتار وَالْإِقَامَة لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من العليق وَالْغنم وَغَيره وسيرت إِلَيْهِم الْخلْع والإنعامات وَالسكر وَنَحْوه. وَسَارُوا إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج السُّلْطَان إِلَى لقائهم فِي سادس عشري ذِي الْحجَّة وَلم يتَأَخَّر أحد عَن مشاهدتهم فَتَلقاهُمْ وأنزلهم فِي دور بنت لَهُم فِي اللوق ظَاهر

ص: 544

الْقَاهِرَة وَعمل لَهُم دَعْوَة عَظِيمَة هُنَاكَ وَبعث إِلَيْهِم الْخلْع والخيول وَالْأَمْوَال. وَأمر السُّلْطَان أكابرهم وَنزل باقيهم فِي جملَة البحرية وَكَانُوا مِائَتي فَارس بِأَهَالِيِهِمْ فحسنت حَالهم ودخلوا فِي الْإِسْلَام. وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْملك بركَة كتابا وسيره مَعَ الْفَقِيه مجد الدّين والأمير سيف الدّين كسريك. وفيهَا سَار صندغون مقدم التتار إِلَى الْموصل وَنصب عَلَيْهَا خَمْسَة وَعشْرين منجنيقاً وَلم يكن بهَا سلَاح وَلَا قوت فَاشْتَدَّ الغلاء. وحاصرها صندغون حَتَّى خرج إِلَيْهِ الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن الْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ الأتابكي فِي يَوْم الْجُمُعَة النّصْف من شعْبَان فَقبض عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه. وَوَقع التخريب فِي سور الْمَدِينَة وَقد اطْمَأَن أَهلهَا ثمَّ اقتحموها وَوَضَعُوا السَّيْف فِي النَّاس تِسْعَة أَيَّام ووسطوا عَلَاء الدّين ابْن الْملك الصَّالح ونهبوا الْمَدِينَة وَقتلُوا الرِّجَال وأسروا النِّسَاء والذرية وهدموا المباني وتركوها بَلَاقِع ورحلوا بِالْملكِ الصَّالح إِسْمَاعِيل ثمَّ قَتَلُوهُ وهم فِي طريقهم إِلَى هولاكو. وفيهَا خرج الْأَمِير شمس الدّين أقوش البرلي من حلب نجدة للْملك الصَّالح فأدركه التتار بسنجار وواقعوه فَانْهَزَمَ مِنْهُم إِلَى البيرة فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. ثمَّ اسْتَأْذن الْأَمِير شمس الدّين السُّلْطَان فِي العبور إِلَى مصر فَأذن لَهُ وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة فَدَخلَهَا أول ذِي الْقعدَة فأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان وأقطعه إمرة سبعين فَارِسًا. وَولى السُّلْطَان بعده نِيَابَة حلب الْأَمِير عز الدّين أيدمر الشهابي فواقع أهل سيس وَأخذ مِنْهُم جمَاعَة وبعثهم إِلَى مصر فوسطوا. وفيهَا وَفد على السُّلْطَان بعيد كسرة الْمُسْتَنْصر شُيُوخ عبَادَة وخفاجة من هيت والأنبار إِلَى الْحلَّة والكوفة وَكَبِيرهمْ خضر بن بدران بن مقلد بن سُلَيْمَان بن مهارش الْعَبَّادِيّ وشهري بن أَحْمد الخفاجي ومقبل بن سَالم وَعَيَّاش بن حَدِيثَة ووشاح وَغَيرهم. فأنعم السُّلْطَان عَلَيْهِم وَكَانُوا لَهُ عينا على التتار. الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن الظَّاهِر بِاللَّه أبي نصر مُحَمَّد ابْن النَّاصِر لدين الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد العباسي قَتِيلا فِي المعركة قَرِيبا من هيت. وَتُوفِّي شيخ الْإِسْلَام عز الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بن أبي الْقَاسِم ابْن الْحسن الْمُهَذّب السلبي الشَّافِعِي عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة فِي.

ص: 545

وَتُوفِّي الصاحب كَمَال الدّين أَبُو الْقَاسِم عمر بن نجم الدّين أبي الْحسن أَحْمد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن العديم الْحَنَفِيّ بِالْقَاهِرَةِ. عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الأديب محيى الدّين أَبُو الْعِزّ يُوسُف بن يُوسُف بن يُوسُف بن شبْرمَة بن زبلاق الْهَاشِمِي الْموصِلِي الأديب الشَّاعِر الْكَاتِب قَتِيلا بالموصل عَن سبع وَخمسين سنة.

ص: 546

سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فِي الْخَمِيس ثامن الْمحرم: جلس الْملك الظَّاهِر مَجْلِسا عَاما جمع فِيهِ النَّاس. وحضره التتار الَّذين وفدوا من الْعرَاق وَالرسل المتوجهون إِلَى الْملك بركَة. وَجَاء الْأَمِير أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر عَليّ بن أبي بكر بن أَحْمد بن المسترشد بِاللَّه العباسي وَهُوَ رَاكب إِلَى الإيوان الْكَبِير بقلعة الْجَبَل وَجلسَ إِلَى جَانب السُّلْطَان وَقُرِئَ نسبه على النَّاس بَعْدَمَا ثَبت على قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز ولقب بِالْإِمَامِ الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وَتَوَلَّى قِرَاءَة نسبه القَاضِي محيى الدّين بن عبد الظَّاهِر كَاتب السِّرّ. فَلَمَّا ثَبت ذَلِك مد السُّلْطَان يَده وَبَايَعَهُ على الْعَمَل بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَجِهَاد أَعدَاء الله وَأخذ أَمْوَال الله بِحَقِّهَا وصرفها فِي مستحقها وَالْوَفَاء بالعهود وَإِقَامَة الْحُدُود وَمَا يجب على الْأَمِير فعله فِي أُمُور الدّين وحراسة الْمُسلمين. فَلَمَّا تمت الْبيعَة أقبل الْخَلِيفَة على السُّلْطَان وقلده أُمُور الْبِلَاد والعباد وَجعل إِلَيْهِ تَدْبِير الْخلق وإقامه قسيمه فِي الْقيام بِالْحَقِّ وفوض إِلَيْهِ سَائِر الْأُمُور وعلق بِهِ صَلَاح الْجُمْهُور. ثمَّ أَخذ النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم فِي مبايعته فَلم يبْق ملك وَلَا أَمِير وَلَا وَزِير وَلَا قَاض وَلَا مشير وَلَا جندي وَلَا فَقِيه إِلَّا وَبَايَعَهُ. فَلَمَّا تمت الْبيعَة تحدث السُّلْطَان مَعَه فِي إِنْفَاذ الرُّسُل إِلَى الْملك بركَة وانفض النَّاس. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي هَذَا الْيَوْم: اجْتمع النَّاس وَحضر الرُّسُل المذكورون وبرز الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله وَعَلِيهِ سوَاده وَصعد الْمِنْبَر لخطة الْجُمُعَة فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أَقَامَ لكل الْعَبَّاس ركنا وظهيراً وَجعل لَهُم من لَدَيْهِ سُلْطَانا ونصيراً. أَحْمَده على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَأَسْتَنْصِرهُ على دفع الْأَعْدَاء وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وعَلى آله وَصَحبه نُجُوم الاهتداء وأئمة الِاقْتِدَاء الْأَرْبَعَة الْخُلَفَاء وعَلى الْعَبَّاس عَمه وَكَاشف غمه أبي السَّادة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَئِمَّة المهتدين وعَلى بَقِيَّة الصَّحَابَة التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين. أَيهَا النَّاس اعلموا أَن الْإِمَامَة فرض من فروض الْإِسْلَام وَالْجهَاد محتوم على جَمِيع الْأَنَام وَلَا يقوم علم الْجِهَاد إِلَّا باجتماع كلمة الْعباد وَلَا سببت الْحرم إِلَّا بإنتهاك الْمَحَارِم وَلَا سفكت الدِّمَاء إِلَّا بارتكاب المآثم. فَلَو شاهدتم أَعدَاء الْإِسْلَام حِين دخلُوا دَار السَّلَام

ص: 547