الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستباحوا الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَقتلُوا الرِّجَال والأبطال والأطفال وهتكوا حرم الْخَلِيفَة والحريم وأذاقوا من استبقوا الْعَذَاب الْأَلِيم فارتفعت الْأَصْوَات بالبكاء والعويل وعلت الضجات من هول ذَلِك الْيَوْم الطَّوِيل. فكم من شيخ خضبت شيبته بدمائه وَكم طِفْل بكا فَلم يرحم لبكائه. فشمروا عَن سَاق الِاجْتِهَاد فِي أَحيَاء فرض الْجِهَاد
7 -
(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)
فَلم تبْق معذرة عَن أَعدَاء الدّين والمحاماة عَن الْمُسلمين. وَهَذَا السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر السَّيِّد الْأَجَل الْعَالم الْعَادِل الْمُجَاهِد الرابط ركن الدُّنْيَا وَالدّين قد قَامَ بنصر الْإِمَامَة عِنْد قلَّة الْأَنْصَار وشرد جيوش الْكفْر بعد أَن جاسوا خلال الديار. فَأَصْبَحت الْبيعَة باهتمامه منتظمة الْعُقُود والدولة العباسية بِهِ متكاثرة الْجنُود. فبادروا عباد الله إِلَى شكر هَذِه النِّعْمَة وَأَخْلصُوا نياتكم تنتصروا وقاتلوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَان تظفروا وَلَا يروعنكم مَا جرى فالحرب سِجَال وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين والدهر يَوْمَانِ وَالْأُخْرَى للْمُؤْمِنين. جمع الله على التَّقْوَى أَمركُم وأعز بِالْإِيمَان نصركم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لي وَلكم ولسائر الْمُسلمين فاستغفروه إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم. وَجلسَ الْخَلِيفَة جلْسَة الاسْتِرَاحَة ثمَّ قَامَ للخطة الثَّانِيَة وَقَالَ: الْحَمد لله حمداً يقوم بشكر نعمائه وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ عدَّة للقائه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا سيد رسله وأنبيائه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه عدد مَا خلق فِي أرضه وسمائه. أوصيكم عباد الله بتقوى الله إِن أحسن مَا وعظ بِهِ الْإِنْسَان كَلَام الديَّان: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير لكم وَأحسن تَأْوِيلا نفعنا الله وَإِيَّاكُم بكتابه وأجزل لنا وَلكم من ثَوَابه وَغفر لي وَلكم وللمسلمين أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. ثمَّ نزل الْخَلِيفَة. وَصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْجُمُعَة وَانْصَرف. وَفِي هَذَا الْيَوْم خطب على مَنَابِر الْقَاهِرَة ومصر بِالدُّعَاءِ للخليفة الْحَاكِم بِأَمْر الله وَكتب إِلَى الْأَعْمَال بذلك فَخَطب لَهُ بِدِمَشْق فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره. وَقد قيل فِي نسبه أَنه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْأَمِير مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي بكر بن الْحسن بن عَليّ القبي بن الْحسن بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الراشد بن المسترشد وَهُوَ الْخَلِيفَة التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ من
خلفاء بني الْعَبَّاس وَلَيْسَ فيهم بعد السفاح والمنصور من لَيْسَ أَبوهُ وجده خَليفَة غَيره وَأما من لَيْسَ أَبوهُ خَليفَة فكثير. وتجهز الْفَقِيه مجد الدّين والأمير سيف الدّين كش تَكُ وَكتب على يدهما كتب بأحوال الْإِسْلَام ومبايعة الْخَلِيفَة واستمالة الْملك بركَة وحثه على الْجِهَاد وَوصف عَسَاكِر الْمُسلمين وكثرتهم وعدة أجناسهم وَمَا فِيهَا من خيل وتركمان وعشائر وأكراد وَمن وافقها وهاداها وهادنها وَأَنَّهَا كلهَا سامعة مطيعة لإشارته إِلَى غير ذَلِك من الإغراء بهلاون وتهون أمره والإشلاء عَلَيْهِ وتقبيح فعله وَنَحْو ذَلِك. وجهز السُّلْطَان مَعَهُمَا أَيْضا نُسْخَة نِسْبَة الْخَلِيفَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأذهبت وَكتب فِيهَا الإسجال بثبوتها. وجمعت الْأُمَرَاء والمفاردة وَغَيرهم وقرئت عَلَيْهِم الْكتب وسلمت إِلَى الرُّسُل. وسير مَعَهُمَا نفران من التتر أَصْحَاب الْملك بركَة ليعرفاهما بالطرق وَسَارُوا فِي الطرائد وَمَعَهُمْ زوادة أشهر. فوصلوا إِلَى الأشكري فَقَامَ بخدمتهم وَاتفقَ وُصُول رسل الْملك بركَة إِلَيْهِ فسيرهم صحبته وَعَاد الْفَقِيه مجد الدّين لمَرض نزل بِهِ وَمَعَهُ كتاب الأشكري بمسير الْأَمِير سيف الدّين ورفقته. وَسَار الْأَمِير جمال الدّين أقوش النجيبي الصَّالِحِي إِلَى نِيَابَة دمشق وَمَعَهُ الصاحب عز الدّين عبد الْعَزِيز بن ودَاعَة وَزِير دمشق وعَلى يَده تَذَاكر شريفة بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِمَا.
وَفِي سَابِع ربيع الآخر: سَار السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى بِلَاد الشَّام وَنزل خَارج الْقَاهِرَة. ورحل فِي حادي عشره ودام الصَّيْد إِلَى أَن دخل غَزَّة بَعْدَمَا ضرب حَلقَة بِثَلَاث آلَاف فَارس فِي الْعَريش فَوَقع فِيهَا صيد كثير جدا وتقنطر الْأَمِير شمس الدّين سنقر الرُّومِي عَن فرسه فَسَار السُّلْطَان إِلَيْهِ وَنزل عِنْده وَجعل رَأسه على ركبته وَأخرج من خريطته الموميا وسقاه وَأَخذه مَعَه إِلَى خيمته. وتقنطر الْأَمِير سيف الدّين قلاوون فاعتمد السُّلْطَان مَعَه مثل ذَلِك. وَقدم عَلَيْهِ فِي غَزَّة جمَاعَة مِنْهُم أم الْملك المغيث عمر بن الْعَادِل أبي بكر بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب الكرك فأنعم عَلَيْهَا إنعاماً كثيرا وَأعْطى سَائِر من كَانَ مَعهَا وَحصل الحَدِيث فِي حُضُور وَلَدهَا إِلَى السُّلْطَان وعادت إِلَى ابْنهَا بالكرك. من جملَة مَا زودها بِهِ السُّلْطَان من صَيْده خَمْسَة عشر حملا وَسَار مَعهَا الْأَمِير شرف الدّين الجاكي المهمندار برسم تجهيز الإقامات للْملك المغيث إِذا حضر. وَنظر السُّلْطَان فِي أَمر التركمان وخلع على أمرائهم وعَلى أُمَرَاء العربان من العابد وجرم وثعلبة وضمنهم الْبِلَاد وألزمهم الْقيام بالعداد وَشرط عَلَيْهِم خدمَة الْبَرِيد وإحضار الْخَيل برسمه وَكتب إِلَى ملك شيراز وَأهل تِلْكَ الديار وَإِلَى عرب خفاجة يستحثهم على قتال هولاكو ملك التتار وَأَن الْأَخْبَار قد وَردت من الْبَحْر بِكَسْر الْملك بركَة لَهُ غير مرّة. ثمَّ رَحل السُّلْطَان من غَزَّة إِلَى جِهَة السَّاحِل وَنزل الطّور فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى وَقدم إِلَيْهِ هُنَاكَ الْملك الْأَشْرَف صَاحب حمص فِي خَامِس عشره بِإِذن مِنْهُ فَتَلقاهُ السُّلْطَان وأكرمه وَبعث إِلَيْهِ سبعين غزالاً فِي دفْعَة وَاحِدَة وَقَالَ: هَذَا صيد يَوْمنَا هَذَا جعلته لَك. وَخرج إِلَيْهِ المغيث من الكرك بَعْدَمَا كَاتبه الْملك الظَّاهِر يستدعيه وَهُوَ يسوف بِهِ. فأظهر السُّلْطَان من الاحتفال لَهُ شَيْئا كثيرا وخدعه أعظم خديعة وكتم أمره عَن كل أحد. فَلَمَّا وصل المغيث بيسان ركب السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه فِي سادس عشري جُمَادَى الأولى وافاه فِي أحسن زِيّ. فعندما التقيا سَاق الْملك المغيث إِلَى جَانب السُّلْطَان فَسَار بِهِ إِلَى الدهليز السلطاني ودخلا إِلَى خركاه وللوقت قبض عَلَيْهِ. وأحضر السُّلْطَان الْمُلُوك والأمراء وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن خلكان وَكَانَ قد استدعاه من دمشق وَالشُّهُود والأجناد ورسل الفرنج. وَأخرج السُّلْطَان إِلَيْهِم كتب الْملك المغيث إِلَى التتار وَكتب التتار إِلَيْهِ وَأخرج أَيْضا فَتَاوَى الْفُقَهَاء بقتاله وأحضر أَيْضا القصاد الَّذين كَانُوا يسفرون بَينه بَين هولاكو. ثمَّ قَالَ الْأَمِير الأتابك لمن حضر:
السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر يسلم عَلَيْكُم وَيَقُول مَا أخذت الْملك المغيث إِلَّا بهَا السَّبَب وقرئت الْكتب الْمَذْكُورَة عَلَيْهِم. فَكتب بِصُورَة الْحَال وَأثبت الْقُضَاة خطوطهم فِي الْمَكْتُوب وانفض الْجمع. وَجلسَ السُّلْطَان وَأمر فَكتب إِلَى من بالكرك يعدهم ويحذرهم وسير الْأَمِير بدر الدّين بيسري والأمير عز الدّين الأستادار بالكتب وَالْخلْع وَالْأَمْوَال إِلَى الكرك. وَأرْسل الْملك المغيث عشَاء إِلَى مصر مَعَ الْأَمِير شمس الدّين أقسنقر الفارقاني السِّلَاح دَار فَسَار بِهِ إِلَى قلعة الْجَبَل وسجنه بهَا وَأطلق السُّلْطَان حَوَاشِيه وَبعث بحريمه إِلَى مصر وَأطلق لَهُم الرَّوَاتِب. وَلما خلا بَال السُّلْطَان من هم الْملك المغيث توجه بكليته إِلَى الفرنج: فَإِنَّهُم كَانُوا قد شرعوا فِي التعلل وطلبوا زرعين فأجابهم السُّلْطَان بأنكم تعوضتم عَنْهَا فِي الْأَيَّام الناصرية ضيَاعًا من مرج عُيُون وهم لَا يزدادون إِلَّا شكوى. وَآخر الْحَال طلب الفرنج من وَالِي غَزَّة كتابا بتمكين رسلهم إِذا حَضَرُوا فَكتب لَهُم الْكتاب وتواصلت بعد ذَلِك كتبهمْ. ووردت كتب النواب بشكواهم وَأَنَّهُمْ اعتمدوا أموراً تفسخ الْهُدْنَة فَلَمَّا صَار السُّلْطَان فِي وسط بِلَادهمْ وَردت عَلَيْهِ كتبهمْ وفيهَا: مَا عرفنَا بوصول السُّلْطَان. فَكتب إِلَيْهِم: من يُرِيد أَن يتَوَلَّى أمرا يَنْبَغِي أَن يكون فِيهِ يقظة وَمن خَفِي عَنهُ خُرُوج هَذِه العساكر وَجَهل مَا عَلمته الوحوش فِي الفلاة وَالْحِيتَان فِي الْمِيَاه من كثرتها الَّتِي لَعَلَّ بُيُوتكُمْ مَا فِيهَا مَوضِع إِلَّا ويكنس مِنْهُ التُّرَاب الَّذِي أثارته خيل هَذِه العساكر وَلَعَلَّ وَقع سنابكها قد أَصمّ أسماع من وَرَاء الْبَحْر من الفرنج وَمن فِي موتان من التتار. فَإِذا كَانَت هَذِه العساكر تصل جَمِيعهَا إِلَى أَبْوَاب بُيُوتكُمْ وَلَا تَدْرُونَ فَأَي شَيْء تعلمُونَ. وماذا تحطون بِهِ علما وَلم لَا أعطيتم لوالي غَزَّة الْكتاب الَّذِي كُنَّا سيرناه لكم بتمكين رَسُولكُم إِذا حضر قَالَ الرَّسُول: نَسِينَا وَمَا علمنَا كَيفَ عدم. فَكَانَ الْجَواب: إِذا نسيتم هَذَا فَأَي شَيْء تذكرُونَ. وَإِذا ضيعتموه فَأَي شَيْء تحفظون. وانفعل الْحَال على هَذَا. ووصلت نواب يافا ونواب أرسوف بهدية فَأخذت مِنْهُم تطميناً لقُلُوبِهِمْ وتسكينا لَهُم. هَذَا وَقد أَمر السُّلْطَان أَلا ينزل أحد فِي زرع الفرنج وَلَا يسيب فرسا وَلَا يُؤْذِي لَهُم ورقة خضراء وَلَا يتَعَرَّض إِلَى شَيْء من مَوَاشِيهمْ وَلَا إِلَى أحد من فلاحيهم. وَكَانَت كتبهمْ أَولا ترد بندمهم على الْهُدْنَة وطلبهم مسخها فَلَمَّا قرب السُّلْطَان مِنْهُم صَارَت ترد بِأَنَّهُم باقون على الْعَهْد متمسكون بأذيال المواثيق. وَفِي الْيَوْم الَّذِي قبض فِيهِ على الْملك المغيث أَمر السُّلْطَان بإحضار بيُوت الفرنجية وَقَالَ: مَا تَقولُونَ قَالُوا: نتمسك بالهدنة الَّتِي بَيْننَا. فَقَالَ السُّلْطَان: لم لَا كَانَ هَذَا
قبل حضورنا إِلَى هَذَا الْمَكَان وإنفاق الْأَمْوَال الَّتِي لَو جرت لكَانَتْ بحاراً وَنحن لما حَضَرنَا إِلَى هَا هُنَا مَا آذيناكم زرعا وَلَا غَيره وَلَا نهب لكم مَال وَلَا مَاشِيَة وَلَا أسر لكم أَسِير. وَأَنْتُم منعتم الجلب والميرة عَن الْعَسْكَر وحرمتم خُرُوج شَيْء من الغلات والأغنام وَغير ذَلِك وَمن انْفَرد من غلْمَان الْعَسْكَر أسرتموه. إِلَيْنَا بِدِمَشْق نُسْخَة يَمِين حلفنا عَلَيْهَا وسيرنا نُسْخَة يَمِين من عندنَا لم تحلفُوا عَلَيْهَا وعلمتم أَنْتُم نُسْخَة عفتم عَلَيْهَا وَشرط الْيَمين الأولى تتَعَلَّق بِالثَّانِيَةِ. وسيرنا الْأُسَارَى إِلَى نابلس وَمِنْهَا إِلَى دمشق وَمَا سيرتم أَنْتُم أحد وكل بَيت يحِيل على الآخر وَمَا سيرنا الْأُسَارَى إِلَّا وَفَاء بالعهد وَإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْكُم وسيرنا كَمَال الدّين بن شِيث رَسُولا يعلمكم بوصول الأسرى فَلم تبعثوا أحدا وَلم ترحموا أهل ملتكم الأسرى وَقد وصلوا إِلَى أَبْوَاب بُيُوتكُمْ كل ذَلِك حَتَّى لَا تبطل أشغالكم من أسرى الْمُسلمين عنْدكُمْ. وأموال التُّجَّار شرطتم الْقيام بِمَا أخذتموه مِنْهَا ثمَّ قُلْتُمْ مَا أخذت من بِلَادنَا وَإِنَّمَا أخذت فِي أنطرسوس وَحمل المَال إِلَى خزانَة بَيت الديوية والأسرى فِي بَيت الديوية فَإِن كَانَت أنطرسوس مَا هِيَ لكم فَالله يُحَقّق ذَلِك. ثمَّ إِنَّا شَرنَا رسلًا إِلَى بِلَاد السلاجقة الرّوم وكتبنا إِلَيْكُم بتسفيرهم فِي الْبَحْر فأشرتم عَلَيْهِم بِالسَّفرِ إِلَى قبرص فسافروا بِكِتَابِكُمْ وأمانكم فَأخذُوا وقيدوا وضيق عَلَيْهِم وأتلف أحدهم على مَا ذكر. فَإِن كَانَ هَذَا برضاكم فقبيح أَن يعتمدوا هَذَا الِاعْتِمَاد. هَذَا مَعَ إحساننا إِلَى رسلكُمْ وتجاركم وَالْوَفَاء أحد أَرْكَان الْملك. وَجَرت عَادَة الرُّسُل أَنَّهَا لَا تؤذي وَمَا زَالَت الْحَرْب قَائِمَة وَالرسل تَتَرَدَّد وَمَا الْقُدْرَة على الرَّسُول بِشَيْء يسكن غيظاً. فَإِن كَانَ هَذَا بِغَيْر رضاكم فَإِنَّهُ نقص فِي حرمتكم وَإِذا كَانَ صَاحب جَزِيرَة قبرص من أهل ملتكم يخرق حرمتكم وَلَا يَفِي بعهدكم وَلَا يحفظ ذمامكم وَلَا يقبل شفاعتكم فَأَي حُرْمَة تبقى لكم وَأي ذمام يوثق بِهِ مِنْكُم وَأي شَفَاعَة تقبل عِنْد الْمُسلمين والفرنجية وَهل كَانَت الْمُلُوك الْمَاضِيَة تَقِيّ النُّفُوس وَالرِّجَال وَالْأَمْوَال إِلَّا بِحِفْظ الْحُرْمَة. وَمَا صَاحب جَزِيرَة قبرص ملك عَظِيم وَلَا صَاحب حصن منيع وَلَا قَائِد جَيش كثير وَلَا هُوَ خَارج عَنْكُم. بل أَكثر تعلقاته فِي عكا والساحل وَله عنْدكُمْ المراكب والتجار وَالْأَمْوَال وَالرسل وَلَيْسَ هُوَ مُنْفَرد بِنَفسِهِ وَعِنْده الديوية وَجَمِيع الْبيُوت والنواب مقيمون عِنْده وَعِنْده كند يافا وَغَيره. فَلَو كُنْتُم لَا تؤثرون ذَلِك كُنْتُم قُمْتُم جميعكم عَلَيْهِ وأحطتم على كل مَا يتَعَلَّق بِهِ وَأَصْحَابه وَاسْتَرَحْتُمْ من هَذِه
الفضيحة وكتبتم إِلَى مُلُوك الفرنجية وَإِلَى البابا بِمَا فعله. وَإِذا قُلْتُمْ صَاحب قبرص لَا يسمع مِنْكُم وَلَا يعطكم فَإِذا لم يسمع مِنْكُم صَاحب قبرص وَهُوَ من أهل ملتكم فَمن يسمع مِنْكُم وَهل لهَذِهِ التقدمة إِلَى الْأَمر وَالنَّهْي ولاسيما أَنْتُم تَقولُونَ أَن أُمُوركُم دينية وَمن ردهَا عصى المعبود ويغضب عَلَيْهِ الْمَسِيح. فَكيف لَا يَعْصِي المعبود ويغضب الْمَسِيح على صَاحب قبرص وَقد رد أَمركُم وأغرى بكم وقبح قَوْلكُم. وَكُنَّا لَو اشتهينا أَخذنَا حَقنا مِنْهُ وَإِنَّمَا الْحق عنْدكُمْ نَحن نطلب مِنْكُم وَأَنْتُم تطلبون مِنْهُ. وَأَنْتُم فِي أَيَّام الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل أَخَذْتُم صفد والشقيف على أَنكُمْ تنجدونه على السُّلْطَان الشَّهِيد الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب. وخرجتم جميعكم فِي خدمته ونجدته وَجرى مَا جرى من خذلانه وقتلكم وأسركم وَأسر ملوككم وَأسر مقدميكم وكل أحد يتَحَقَّق مَا جرى عَلَيْكُم من ذهَاب الْأَرْوَاح وَالْأَمْوَال. وَقد انتقضت تِلْكَ الدولة وَلم يُؤَاخِذكُم السُّلْطَان الشَّهِيد عَن فتوحه الْبِلَاد وَأحسن إِلَيْكُم فقابلتم ذَلِك بِأَن رحتم إِلَى الريدافرنس وساعدتموه وأتيتم صحبته إِلَى مصر حَتَّى جرى مَا جرى من الْقَتْل والأسر. فَأَي مرّة وفيتم فِيهَا لمملكة مصر أم أَي حَرَكَة أفلحتم فِيهَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَأنْتم أَخَذْتُم هَذِه الْبِلَاد من الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل لإعانة مملكة الشَّام وَطَاعَة ملكهَا ونصرته وَالْخُرُوج فِي خدمته وإنفاق الْأَمْوَال فِي نجدته. وَقد صَارَت بِحَمْد الله مملكة الشَّام وَغَيرهَا لي وَمَا أَنا مُحْتَاج إِلَى نصرتكم وَلَا إِلَى نجدتكم وَلم يبْق لي عَدو أخافه. فَردُّوا مَا أخذتموه من الْبِلَاد وفكوا أسرى الْمُسلمين جَمِيعهم فَإِنِّي لَا أقبل غير ذَلِك. فَلَمَّا سمع رسل الفرنج هَذِه الْمقَالة بهتُوا وَقَالُوا: نَحن لَا ننقض الْهُدْنَة وَإِنَّمَا نطلب مراحم السُّلْطَان فِي استدامتها وَنحن نزيل شكوى النواب وَنخرج من جَمِيع الدَّعَاوَى ونفك الأسرى ونستأنف الْخدمَة. فَقَالَ السُّلْطَان: كَانَ هَذَا قبل خروجي من مصر فِي هَذَا الشتَاء وَهَذِه الأمطار ووصول العساكر إِلَى هُنَا. وانفصلوا على هَذِه الْأُمُور فَأمر السُّلْطَان بإخراجهم وَألا يبيتوا فِي الوطاق. وَوجه الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبرس إِلَى كَنِيسَة الناصرة وَكَانَت أجل مَوَاطِن عباداتهم ويزعمون أَن دين النَّصْرَانِيَّة ظهر مِنْهَا فَسَار إِلَيْهَا وهدمها فَلم يتجاسر أحد من الفرنج أَن يَتَحَرَّك. ثمَّ وَجه السُّلْطَان الْأَمِير بدر الدّين الأيدمري فِي عَسْكَر إِلَى عكا فَسَارُوا إِلَيْهَا واقتحموا أَبْوَابهَا وعادوا. ثمَّ سَارُوا ثَانِيًا وأغاروا على مواشي الفرنج وأحضروا مِنْهَا شَيْئا كثيرا إِلَى المخيم. وَاسْتمرّ جُلُوس السُّلْطَان كل يَوْم على بَاب الدهليز بِصفة عمرها من غير
احتجاب عَن أحد فَمن وقف لَهُ أحضرهُ وَأخذ قصَّته وأنصفه وَهُوَ فِي أَمر وَنهي وَعَطَاء وتدبير واستجلاب قُلُوب أهل الكرك. وقدمت رسل دَار الدعْوَة بالهدايا فَأحْسن إِلَيْهِم وعادوا. وَأمر جمَاعَة فِي الشَّام والساحل وَأعْطِي الْأَمِير عَلَاء الدّين أَيْدِيكُنَّ البندقدار إقطاعا جيدا بِمصْر. وَطلب أهل بِلَاد السَّاحِل من الفلاحين وَقرر عَلَيْهِم أَمْوَالًا سَمَّاهَا جنايات وألزمهم بحملها إِلَى بَيت المَال عَن ديات من قتل وَلَيْسَ لَهُ وَارِث وهم مَا نهبوه من مَال جهل مَالِكه. فَحملت من ذَلِك أَمْوَال كَثِيرَة جدا من بِلَاد نابلس وبلاد السَّاحِل وانكسرت شَوْكَة أهل العيث وَالْفساد بذلك بَعْدَمَا كَانَ الضَّرَر عَظِيما بهم من تسلطهم على الرّعية ونقلهم الْأَخْبَار للفرنج. فَرَأى السُّلْطَان عقوبتهم بِهَذَا الْفِعْل أولى من قَتلهمْ فَإِنَّهُم أَصْحَاب زرع وضرع. ركب السُّلْطَان وجرد من كل عشرَة فَارِسًا واستناب الْأَمِير شُجَاع الدّين الشبلي المهمندار فِي الدهليز السلطاني وسَاق من منزلَة الطّور نصف اللَّيْل. فَصبح عكا وأطاف بهَا من جِهَة الْبر وَندب جمَاعَة لحصار برج كَانَ قَرِيبا مِنْهُ فشرعوا فِي نقبه وَأقَام لسلطان على ذَلِك إِلَى قريب الْمغرب وَعَاد. وَكَانَ قَصده بذلك كشف مَدِينَة عكا فَإِن الفرنج كَانُوا يَزْعمُونَ أَن أحدا لَا يَجْسُر أَن يقرب مِنْهَا فصاروا ينظرُونَ من أَبْوَاب الْمَدِينَة وَلَا يَسْتَطِيعُونَ حَرَكَة. وَلما عَاد السُّلْطَان إِلَى الدهليز ركب لما أصبح وأركب نَاس مَعَه وسَاق إِلَى عكا. فَإِذا الفرنج قد حفروا خَنْدَقًا حول تل الفضول وَجعلُوا معاثر فِي الطَّرِيق ووقفوا صُفُوفا على التل فَلَمَّا أشرف السُّلْطَان عَلَيْهِم رتب الْعَسْكَر بِنَفسِهِ وَشرع الْجَمِيع فِي ذكر الله وتهليله وتكبيره وَالسُّلْطَان يحثهم على ذَلِك حَتَّى ارْتَفَعت أَصْوَاتهم. وللوقت ردمت الْخَنَادِق بأيدي غلْمَان العساكر وبمن حضر من الْفُقَرَاء الْمُجَاهدين وَصعد الْمُسلمُونَ فَوق تل الفضول وَقد انهزم الفرنج إِلَى الْمَدِينَة. وامتدت الْأَيْدِي إِلَى مَا حول عكا من الأبراج فهدمت وَحرقت الْأَشْجَار حَتَّى انْعَقَد الجو من دخانها. وسَاق الْعَسْكَر إِلَى أَبْوَاب عكا وَقتلُوا وأسروا عدَّة من الفرنج سَاعَة وَاحِدَة وَالسُّلْطَان قَائِم على رَأس التل يعْمل فِي أَخذ رَأْي الْمَدِينَة والأمراء تحمل على الْأَبْوَاب وَاحِدًا بعد وَاحِد. ثمَّ حملُوا حَملَة وَاحِدَة ألقوا فِيهَا الفرنج فِي
الْخَنَادِق وَهلك مِنْهُم جمَاعَة فِي الْأَبْوَاب. فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار سَاق السُّلْطَان إِلَى البرج الَّذِي نقب وَقد تعلق حَتَّى رمي بَين يَدَيْهِ وَأخذ مِنْهُ أَرْبَعَة من الفرسان ونيف وَثَلَاثُونَ رَاجِلا وَبَات السُّلْطَان على ذَلِك. فَلَمَّا أصبح عَاد على بِلَاد الفرنج وكشفها مَكَانا مَكَانا وَعبر على الناصرة حَتَّى شَاهد خراب كنيستها وَقد سوى بهَا الأَرْض وَصَارَ إِلَى الصّفة الَّتِي بناها قبالة الطّور فوافاها لَيْلًا وَجلسَ عَلَيْهَا. وأحضر الشموع الَّتِي بالمنجنيقات وَنصب عَلَيْهَا خَمْسَة وأحضر الصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن حنا وَزِير الصُّحْبَة. وَجَمَاعَة كتاب الدرج وهم سَبْعَة: الصاحب فَخر الدّين بن لُقْمَان والصدر بدر الدّين حسن الْموصِلِي والصدر كَمَال الدّين أَحْمد بن العجمي والصدر فتح الدّين ابْن القيسراني والصدر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبيد الله والصدر برهَان الدّين. واحضر كتاب الْجَيْش وَأمر الْأَمِير سيف الدّين الزيني أَمِير علم أَن يجلس مَعَ كتاب الْجَيْش لأجل كِتَابَة المناشير وتجهيز الطبلخانا وَأَن يكون الأتابك بَين يَدي السُّلْطَان. واستدعى من الجشارات بِخَمْسِمِائَة فرس لأجل الطبلخاناه وخيول الْأُمَرَاء وأحضرت خلع كَثِيرَة وَأمر السِّلَاح دارية أَن يستريحوا بالنوبة ويحضروا. فَلم تزل المثالات والمناشير تكْتب وَهُوَ يعلم فَكتب بَين يَدَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَة سِتَّة وَخَمْسُونَ منشوراً كبارًا يخْطب لأمراء كبار. وظل الصاحب فَخر الدّين يعلم وَفتح الدّين بن سناء الْملك صَاحب ديوَان الْجَيْش وَصَاحب ديوَان الخزائن يعلم والأمير بدر الدّين الخازندار وَاقِف والمستوفي ينزل حَتَّى كملت بَين يَدَيْهِ. وَأصْبح السُّلْطَان فَخَلا بِنَفسِهِ وجهز الطبلخاناه والسناجق وَالْخَيْل وَالْخلْع إِلَى الْأُمَرَاء وَجعل الْأَمِير نَاصِر الدّين القيمري نَائِب السلطة بالفتوحات الساحلية.
ورحل السُّلْطَان من الطّور يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَسَار إِلَى الْقُدس فوافاه يَوْم الْجُمُعَة عشره وكشف أَحْوَال الْبَلَد وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمَسْجِد من الْعِمَارَة وَنظر فِي الْأَوْقَاف وَكتب بحمايتها ورتب برسم مصَالح الْمَسْجِد فِي كل سنة خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَأمر بِبِنَاء خَان خَارج الْبَلَد وَنقل إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة بَاب الْقصر الْمَعْرُوف بِبَاب الْعِيد ونادى بالقدس أَلا ينزل أحد فِي زرع. لم سَار السُّلْطَان إِلَى الكرك فنزله يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشريه بعساكره وأحضر السلالم الْخشب من الصَّلْت وَغَيره والحجارين والبنائين والنجارين والصناع من مصر ودمشق. وَكتب إِلَى من فِي الكرك فخافوا وترددت الرُّسُل بَينهم وَبَينه حَتَّى اسْتَقر الْحَال على أَنه يعْطى الْملك الْعَزِيز عُثْمَان بن الْملك المغيث إمرة مائَة فَارس فأنعم بذلك. وَنزل أَوْلَاد المغيث وقاضي الْمَدِينَة وخطبها وعدة من أَهلهَا وَمَعَهُمْ مَفَاتِيح الْمَدِينَة والقلعة فَحلف لَهُم السُّلْطَان وأرضاهم وسير الْأَمِير عز الدّين أيدمر الأستادار والصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بهاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم بن حنا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشريه فتسلما القلعة. وَفِي بكرَة الْجُمُعَة دعِي للسُّلْطَان على الأسوار ونصبت سناجقه على الأبراج وَركب فِي السَّاعَة الثَّالِثَة وطلع إِلَى القلعة ورتب أَمر جَيش الكرك وَأنْفق فيهم ثَلَاثَة أشهر من خزائنه واهتم السُّلْطَان ببلادها وَعين لَهَا خَاصّا وَزَاد جمَاعَة وأنعم على أَوْلَاد الْملك المغيث بِجَمِيعِ مَا كَانَ فِي القلعة من مَال وقماش وأثاث. وَصلى بهَا صَلَاة الْجُمُعَة وَنزل قريب الْمغرب وَلم يتَعَرَّض أحد من الْعَسْكَر لأَهْلهَا بِسوء. وَأصْبح السُّلْطَان فَبعث إِلَى الْعَزِيز بن المغيث الْخلْع والقماش وَإِلَى الطواشي بهاء الدّين صندل والأمير شهَاب الدّين صعلوك أتابكة. كتب بالبشارة إِلَى مصر وَالشَّام بِأخذ الكرك وَأَن تحمل إِلَيْهِ الغلات والأصناف طلع السُّلْطَان إِلَيْهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ وأحضر الدَّوَاوِين ورتب الإقطاعات للعربان الأجناد فَكتب بَين يَدَيْهِ زِيَادَة على ثَلَاثمِائَة منشور وسلمت لأربابها بَعْدَمَا حلفوا بَين يَدي السُّلْطَان وكتبت أَيْضا تواقيع لأهل الكرك بمناصب دينية وديوانية. وجرد سُلْطَان بهَا عدَّة من البحرية والظاهرية وَحلف مقدمي الكرك وأنصارها وَقَالَ لأهل كرك: اعلموا أَنكُمْ قد أسأتم إِلَى فِي الْأَيَّام الْمَاضِيَة وَقد اغتفرت لكم ذَلِك لكونكم
مَا خامرتم على صَاحبكُم. وَقد ازددت فِيكُم محبَّة فتناسوا الحقود. وأحضر الْأَمِير عبِّيَّة وَغَيره عَن هرب من بني مهْدي وألزمهم أَدْرَاك الْبِلَاد وخفرهم إِلَى أَرض الْحجاز وَأمر بعمارة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السُّور وحصنه وحفر الخَنْدَق وأحاطه بالحصن وَلم يكن قبل ذَلِك كَذَلِك. وأشحن الْحصن بالأسلحة والغلال وآلات الْحَرْب والأقوات وَوضع فِيهِ مبلغ سبعين ألف دِينَار عينا وَمِائَة وَخمسين دِرْهَم نقرة. واستناب بالكرك الْأَمِير عز الدّين أيدمر من مماليكه وأضاف إِلَيْهِ الشوبك وَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَكَثِيرًا من ورحل السُّلْطَان إِلَى مصر وَمَعَهُ أَوْلَاد الْملك المغيث وحريمه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشريه. فَدخل الْقَاهِرَة فِي سَابِع عشر رَجَب وَقد زينت أحسن زِينَة فشق القصبة إِلَى قلعة الْجَبَل على شقق الْحَرِير الأطلس والعتابي وخلع على الْأُمَرَاء والمفاردة والمقدمين وَجَمِيع حَاشِيَته وغلمانه ومباشريه وَأعْطى الْعَزِيز بن الْملك المغيث إمرة مائَة فَارس وخلع عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ طبلخاناه وَأطلق لأخويه وَحرم أَبِيه سَائِر مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ هم وغلمانمهم وأنزلهم بدار القطبية بَين القصرين من الْقَاهِرَة. وَأصْبح السُّلْطَان فَقبض على الْأَمِير سيف الدّين الرَّشِيدِيّ واعتقله. وَفِي تَاسِع عشره قبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك الدمياطي والأمير شمس الدّين أقوش البرلي واعتقلهما فَكَانَ آخر الْعَهْد بأقوش البرلي. وَلما قبض السُّلْطَان عَلَيْهِمَا أحسن إِلَى مماليكهما وحواشيهما وَلم يغر على أحد مِنْهُم وَلَا تعرض إِلَى بيُوت الْأُمَرَاء. وَكَانَ سَبَب تنكره على هَذِه الْأُمَرَاء أَنه كَانَ قد فوض إِلَى الرَّشِيدِيّ أَمر المملكة حَتَّى تصرفت يَده فِي كل شَيْء وَأطلق لَهُ فِي كل جُمُعَة خوانين من عِنْده يمدان لَهُ حَتَّى مَاء الْورْد ورتب لَهُ كل شهر كلونتين زركش قيمَة كل مِنْهُمَا مبلغ خمسين دِينَارا عينا وَقِيمَة كلبندها مبلغ أَرْبَعِينَ دِينَارا ورتب لَهُ برسم مشروبه اثْنَي عشر ألف دِينَار فِي كل سنة. هَذَا سوى مَا لَهُ من الاقطاعات الجليلة والمرتبات الْكَثِيرَة وَسوى الإنعامات وجوامك البزدارية والفهادة وعليق الْخَيل. فَأقبل الرَّشِيدِيّ على اللَّهْو وَشرب الْخمر وحمت حَوَاشِيه عدَّة بِلَاد وَحدثت مِنْهُ أُمُور لَا تسر فأغضى عَنهُ السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ بِالطورِ بلغه أَن الرَّشِيدِيّ قد فَسدتْ نِيَّته فَأَقَامَ عَلَيْهِ عيُونا تحفظ كل مَا يجْرِي مِنْهُ: فَبَلغهُ عَنهُ
أَنه كَانَ يُكَاتب المغيث بالكرك ويحذره من الْقدوم على السُّلْطَان وَيُشِير عَلَيْهِ أَلا يسلم نَفسه وَأَنه كتب إِلَى أهل الكرك أَيْضا بعد الْقَبْض على المغيث يَأْمُرهُم بألا يسلمُوا الكرك فَأسر السُّلْطَان ذَلِك فِي نَفسه إِلَى أَن سَار إِلَى الكرك فَبَلغهُ عَنهُ أَنه يُرِيد الْمُبَادرَة إِلَى أَخذ الكرك فسارع إِلَيْهِ ولاطفه وَركب مَعَه إِلَى الكرك وَأَخذهَا. وَبلغ السُّلْطَان عَنهُ أَيْضا عدَّة أُمُور من هَذَا النَّحْو. وقدمت رسل الْملك بركَة تطلب النجدة على هولاكو - وهم الْأَمِير جلال الدّين ابْن القَاضِي وَالشَّيْخ نور الدّين عَليّ فِي عدَّة - ويخبرون بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام قومه وعَلى يدهم كتاب مؤرخ بِأول رَجَب سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَقدم أَيْضا رَسُول الأشكري وَرَسُول مقدم الجنوية وَرَسُول صَاحب الرّوم السلاجقة فَأحْسن السُّلْطَان إِلَى الرُّسُل وَعمل لَهُم دَعْوَة بأراضي اللوق وواصل الإنعام عَلَيْهِم فِي يومي الثُّلَاثَاء والسبت عِنْد اللّعب فِي الميدان. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشري شعْبَان: خطب الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله بِحُضُور رسل الْملك بركَة ودعا للسُّلْطَان وللملك بركَة فِي الْخطْبَة وَصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْجُمُعَة وَاجْتمعَ بالسلطان وبالرسل وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث شهر رَمَضَان: سَأَلَ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر الْخَلِيفَة الْحَاكِم بِأَمْر الله: هَل لبس الفتوة من أحد من أهل بَيته الطاهرين أَو من أَوْلِيَائِهِمْ الْمُتَّقِينَ فَقَالَ: لَا وَالْتمس من السُّلْطَان أَن يصل سَببه بِهَذَا الْمَقْصُود. فَلم يُمكن السُّلْطَان إِلَّا طَاعَته المفترضة وَأَن يمنحه مَا كَانَ ابْن عَمه رضي الله عنه قد افترضه. وَلبس الْخَلِيفَة فِي اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة بِحُضُور من يعْتَبر حُضُوره فِي مثل ذَلِك وباشر اللّبْس الأتابك فَارس الدّين أقطاي بطرِيق الْوكَالَة عَن السُّلْطَان بِحَق لبسه عَن الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ ولد الإِمَام الظَّاهِر - وَأَبوهُ لجده النَّاصِر لدين الله - والناصر لعبد الْجَبَّار لعَلي ابْن دغيم لعبد الله بن القير لعمر بن الرصاص لأبي بكر بن الجحيش لحسن بن الساريار لبَقَاء بن الطباخ لنفيس الْعلوِي لأبي هَاشم بن أبي حَيَّة لعمر بن ألبس لأبي عَليّ الصُّوفِي لمهنا الْعلوِي للقائد عِيسَى لأمير وهران لرؤية الْفَارِسِي للْملك أبي كاليجار لأبي الْحسن النجار لفضل القرقاشي للقائد شبْل بن المكدم لأبي الْفضل الْقرشِي للأمير حسان لجوشن الْفَزارِيّ للأمير هِلَال النبهاني لأبي مُسلم الْخُرَاسَانِي لأبي الْعِزّ النَّقِيب لعوف الغساني لحافظ الْكِنْدِيّ لأبي عَليّ النوبي
لسلمان الْفَارِسِي للْإِمَام الطَّاهِر النقي التقي عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَحمل السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة من الملابس لأجل ذَلِك مَا يَلِيق بجلاله. وَفِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة: حضر رسل الْملك بركَة إِلَى قلعة الْجَبَل وألبسهم الْخَلِيفَة بتفويض الْوكَالَة للأتابك وَحمل إِلَيْهِم من الملابس مَا يَلِيق بمثلهم. وجهز السُّلْطَان هَدِيَّة جليلة للْملك بركَة وَكتب جَوَاب كِتَابه فِي قطع النّصْف فِي سبعين ورقة بغداية بِخَط محيى الدّين بن عبد الظَّاهِر وَهُوَ الَّذِي قَرَأَهُ على السُّلْطَان بِحُضُور الْأُمَرَاء. وسلمت الْهَدِيَّة للأمير فَارس الدّين أقوش المَسْعُودِيّ والشريف عماد الدّين الْهَاشِمِي فسارا فِي يَده طريدة فِيهَا عدَّة رُمَاة وجرخية وزراقين وأشحنت الأزودة لمُدَّة سنة وسارا سَابِع عشره. وَخرجت النجابة إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة بِأَن يدعى للْملك بركَة ويعتمو عَنهُ وَأمر الخطاء أَن يدعوا لَهُ على المنابر بِمَكَّة وَالْمَدينَة والقدس وبمصر والقاهرة وَبعد الدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر. وَفِي سادس شَوَّال: توجه السُّلْطَان إِلَى جِهَة الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بتروجة أَيَّام وَدخل الْبَريَّة وَضرب حَلقَة فَوَقع فِيهَا كثير من الصَّيْد. واهتم السُّلْطَان بِأَمْر الْمِيَاه وَولى