المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السلطان الملك الناصر صلاح الدين - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض

- ‌فصل

- ‌ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء

- ‌ذكر دولة بني بويه الديلم

- ‌ذكر دولة السلجوقية

- ‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

- ‌سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين)

- ‌(سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة أَربع وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله)

- ‌(تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)

- ‌(تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

الفصل: ‌السلطان الملك الناصر صلاح الدين

ربيع الأول سنة تسعين وَخَمْسمِائة، وَحمل رَأسه إِلَى بَغْدَاد فَكَانَ آخر السلجوقية، وَملك بعده خوارزم شاه. فَكَانَت مدتهم، من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة إِلَى سنة تسعين وَخَمْسمِائة، مائَة وَثَمَانِية وَخمسين سنة. وَكَانَ أَسد الدّين شيركوه بن شادي قد تقدم عِنْد نور الدّين مَحْمُود بن زنكي، وَبَعثه أَمِير الْحَاج من دمشق، ثمَّ سيره مَعَ شاور بن مجير السَّعْدِيّ وَزِير الْخَلِيفَة العاضد الفاطمي على عَسْكَر من الغز إِلَى مصر. وَكَانَ شيركوه هَذَا وَأَخُوهُ نجم الدّين من بلد دوين أحد بِلَاد آذربيجان، وأصلهما من الأكراد، فخدما مُجَاهِد الدّين بهروز شحنة بَغْدَاد، فَجعل أَيُّوب مستحفظا لقلعة تكريت، فَسَار إِلَيْهَا وَمَعَهُ أَخُوهُ شيركوه، وَهُوَ أَصْغَر مِنْهُ سنا، فخدم الشَّهِيد زنكي لما انهزم، فَشكر لَهُ ذَلِك. ثمَّ إِن شيركوه قتل رجلا بتكريت، فطرد وَهُوَ وَأَخُوهُ من القلعة، فَسَار إِلَى زنكي فَأحْسن إِلَيْهِمَا، وأقطعهما إقطاعا حسنا، ثمَّ جعل أَيُّوب مستحفظا لقلعة بعلبك، ثمَّ ترقي وَصَارَ من أُمَرَاء دمشق. واتصل شيركوه بِنور الدّين مَحْمُود بن زنكي، وخدمه فِي أَيَّام أَبِيه، فَلَمَّا ملك حلب بعد أَبِيه، كَانَ لنجم الدّين أَيُّوب عمل كَبِير فِي أَخذه دمشق، فزادت مكانتهما عِنْده، وَلم يرد أحد يَلِيق بِهِ أَن يسير مَعَ شاور إِلَى مصر سوى شيركوه، فَبَعثه إِلَيْهَا وَمَعَهُ ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين يُوسُف، فَكَانَ من أمره مَا ذكر فِي أَخْبَار العاضد، فَلَمَّا مَاتَ شيركوه قَامَ من بعد صَلَاح الدّين يُوسُف، كَمَا سنقف عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

يُوسُف بن أَيُّوب بن شادي بن مَرْوَان بن أبي عَليّ بن عنترة الْحسن بن عَليّ بن أَحْمد بن أبي عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن هدبة بن الْحصين بن الْحَارِث ين سِنَان بن عَمْرو بن مرّة ابْن عَوْف. وَمن هُنَا اخْتلف النسابون: فَقيل عَوْف بن أُسَامَة بن نبهش بن الحارثة صَاحب الْحمالَة بن عَوْف بن أبي حَارِثَة بن مرّة بن نشبة بن غيظ بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان. وَيُقَال إِن عَليّ بن أَحْمد يعرف بالخراساني، مدحه المتنبي بقصيد مِنْهَا:

(شَرق الجو بالغبار إِذا

سَار على بن أَحْمد القمقام)

وَقيل إِن مَرْوَان من أَوْلَاد بني أُميَّة، زعم ذَلِك إِسْمَاعِيل بن طغتكين بن أَيُّوب، وَأنكر

ص: 148

ذَلِك عَمه الْعَادِل أَبُو بكر. وَذكر أَن القادسي أَن شادي كَانَ مَمْلُوكا لبهروز الْخَادِم، وَالْحق أَنه من الأكراد الروادية أحد بطُون الهذبانية، من بلد دوين فِي آخر أذربيجان من جِهَة أران وبلاد الكرج. وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ، أكبرهما أَيُّوب ثمَّ شيركوه، قدم بهما الْعرَاق فخدما عِنْد بهروز، فَجعل أَيُّوب على قلعة تكريت وَكَانَت فِي إقطاعه، وَقيل جعله بعد أَبِيه شادي، فخدم أَيُّوب وشيركوه عماد الدّين زنكي لما انهزم إِلَيْهَا، ثمَّ أَيُّوب تِلْكَ اللَّيْلَة. فلحقا بزنكي، واتصل أَيُّوب بولده غَازِي بن زنكي، وخدم شيركوه مَحْمُود بن زنكي. فَأَقَامَ عماد الدّين غَازِي أَيُّوب بن شادي على قلعة بعلبك، وَمَا زَالَ يترقي حَتَّى صَار من أُمَرَاء دمشق. ولد صَلَاح الدّين يُوسُف بقلعة تكريت فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة، وَكَانَ أَبوهُ نجم الدّين أَيُّوب واليا بهَا، ثمَّ انْتقل بِابْنِهِ يُوسُف إِلَى الْموصل، وَصَارَ مِنْهَا إِلَى الشَّام، فَأعْطِي بعلبك، فَأَقَامَ بهَا مُدَّة. وَنَشَأ يُوسُف وَعَلِيهِ لوائح السَّعَادَة، وجالس مَشَايِخ أهل الْعلم، فَجمع لَهُ الشَّيْخ الإِمَام قطب الدّين أَبُو الْمَعَالِي مَسْعُود بن مُحَمَّد بن مَسْعُود النَّيْسَابُورِي عقيدة تحوي جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، فَمن شدَّة حرصه عَلَيْهَا كَانَ يعلمهَا صغَار أَوْلَاده ويأخذها عَلَيْهِم. وَكَانَ يواظب الصَّلَاة مَعَ الْجَمَاعَة، حَتَّى قَالَ يَوْمًا:((لي سِنِين مَا صليت إِلَّا فِي جمَاعَة)) . وَكَانَ إِذا مرض استدعي الإِمَام وَحده، وَصلى خَلفه، وَصَارَ فِي خدمَة نور الدّين مَحْمُود بن زنكي، فَخرج مَعَ عَمه أَسد الدّين شيركوه إِلَى مصر، فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة، وقدمها. ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام، وقدمها ثَانِيًا مَعَ عَمه، وَحضر وقْعَة الْبَابَيْنِ، وحصره الفرنجة بالإسكندرية. ثمَّ خرج مَعَ عَمه إِلَى الشَّام، وَسَار مَعَه فِي الكرة الثَّالِثَة على كره مِنْهُ فِي الْمسير إِلَى مصر، فَقَدمهَا فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ. وَلما تقاعد شاور عَن إِجَابَة شيركوه، وإعطائه مَا تقدم بِهِ الْوَعْد لنُور الدّين وللعسكر، تشاوروا على الْإِحَاطَة بِهِ وَالْقَبْض عَلَيْهِ، فَلم يَجْسُر عَلَيْهِ أحد مِنْهُم إِلَّا صَلَاح الدّين، فَإِنَّهُ لما قدم عَلَيْهِم شاور على عَادَته فِي كل يَوْم، وَسَارُوا مَعَه لقصد أَسد، الدّين، سَار صَلَاح الدّين إِلَى جانبة وَأخذ بتلابيبه، وَأمر الْعَسْكَر بِأخذ أَصْحَابه، فَفرُّوا عَن شاور، وَنهب الغز مَا كَانَ مَعَهم، وسيق شاور إِلَى المخيم وَقتل. فاستقر أَسد الدّين شيركوه بعده فِي وزارة.

ص: 149

العاضد إِلَى أَن مَاتَ، فِي ثَانِي عشرى جُمَادَى الْآخِرَه من سنة أَربع وَسِتِّينَ. ففوض العاضد وزراته إِلَى صَلَاح الدّين، ونعته بِالْملكِ النَّاصِر، فَمشى الْأَحْوَال، وبذل الْأَمْوَال، واستعبد الرِّجَال، وَتَابَ عَن الْخمر فَترك معاقرته، وَأعْرض عَن اللَّهْو ودبر الْأَمر فِي نوبَة نزُول الفرنج على دمياط أحسن تَدْبِير، حَتَّى رحلوا عَنْهَا خائبين، فنهبت الآتهم، وأحرقت مجانيقهم، وَقتل مِنْهُم خلق كثير، وَتمكن صَلَاح الدّين فِي مصر، فَقدم عَلَيْهِ أَبوهُ نجم الدّين أَيُّوب وأخوته وَأَهله ثمَّ إِنَّه دأب فِي إِزَالَة الدولة الفاطمية وَقطع دابرها ومحو آثارها، فأعانه الله على ذَلِك، وَمَات العاضد وَقد قطع صَلَاح الدّين خطبَته، وَأمر الخطباء بِالدُّعَاءِ لمتستضىء بِنور الله الْعَبَّاس فاستولى على الْقصر وَمَا يحويه من عَاشر الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ. وَأخذ يتأهب لغزو الفرنجة، وَقد انْفَرد بسلطنة ديار مصر. وَكتب الْعِمَاد الْأَصْفَهَانِي بِشَارَة تقْرَأ فِي سَائِر بِلَاد الْإِسْلَام بِإِقَامَة الْخطْبَة العباسية بِمصْر، وَبشَارَة ثَانِيَة تقْرَأ بِحَضْرَة الْخَلِيفَة المستضىء بِنور الله فِي بَغْدَاد، على يَد القَاضِي شهَاب الدّين المطهر بن شرف الدّين بن عصرون، فَسَار القَاضِي وَلم يتْرك مَدِينَة وَلَا قَرْيَة إِلَّا وَقَرَأَ فِيهَا المنشور، حَتَّى وصل بَغْدَاد، فَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه، وَدخل يَوْم السبت ثَانِي عشريه، فعلقت أسواق بَغْدَاد بالزينة، وخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرَة: أخرج الْكَامِل شُجَاع بن شاور، من الْمَكَان الَّذِي قتل فِيهِ بِالْقصرِ وَدفن فِيهِ، فَوجدت الجثة متخلطة بجثني عَمه وأخبه، فَجمعُوا فِي تَابُوت حمل إِلَى قبر شاور، فنبش عه وَأخرج مِنْهُ، وَكَانَ فِي مَكَان غامض، وَحمل فِي تَابُوت وَسَارُوا بالتابوتين إِلَى تربة طي بن شاور فدفنوا بهَا. وَفِي تَاسِع عشرَة: رَحل السُّلْطَان الْملك النَّاصِر من الْقَاهِرَة، وَنزل الْبِئْر الْبَيْضَاء يُرِيد بِلَاد الشَّام، فوصل إِلَى الشوبك فواقع الفرنج، وَعَاد على أَيْلَة وَهلك مِنْهُ نَحْو الْخَمْسَة آلَاف رَأس، مَا بَين جمل وَفرس، فِي هَذِه السفرة.

ص: 150

وفيهَا فرقت الزكوات فِي ثَالِث ربيع الأول على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، وَأَبْنَاء السَّبِيل والغارمين، وَرفع إِلَى بَيت المَال سهم العاملين والمؤلفة وَفِي سَبِيل الله وَفِي الرّقاب. وَأخذت الزَّكَاة من البضائع، وعَلى مَا اقتدر عَلَيْهِ من الْمَوَاشِي وَالنَّخْل والخضراوات، وقررت السِّكَّة باسم المستضىء بِأَمْر الله، وباسم الْملك الْعَادِل نور الدّين، فنقش اسْم كل مِنْهُمَا فِي وَجه، وَذَلِكَ فِي سَابِع شهر ربيع الآخر. وَفِيه قلعت المناطق القضة الَّتِي كَانَت بمحاريب جَوَامِع الْقَاهِرَة الَّتِي فِيهَا أَسمَاء الْخُلَفَاء الفاطمين، وَكَانَ وَزنهَا خَمْسَة آلالف دِرْهَم فضَّة نقرة. وَفِيه أنزل الغز بِالْقصرِ الغربي، وَأخرج من كَانَ سَاكِنا فِيهِ، وَورد الْخَبَر بِأَن الْخُمُور - بعد تعطيلها، وغلق حاناتها وَقطع ذكرهَا، بالإسكندرية - أُعِيدَت ببذل مَال لديوان نجم الدّين أَيُّوب، ففتحت موَاضعهَا وَظَهَرت مناكرها. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: قرر دِينَار الأسطول بِنصْف وَربع دِينَار، بعد أَن كَانَ بِنصْف وَثمن دِينَار. وَفِي سابعة: ولد عُثْمَان الْملك الْعَزِيز. وَفِي ثَالِث عشرِيَّة: كشف حَاصِل الْقصر بالخزائن الخاصرة، فَوجدَ فِيهَا مائَة صندوق كسْوَة فاخرة، مَا بَين موشح ومرصع، وعقود ثمينة، وذخائر فخمة، وجواهر نفيسة. وَغير ذَلِك من ذخائر عَظِيمَة. وَكَانَ الَّذِي تولى كشفها بهاء الدّين قراقوش. وفيهَا كثرت عَادِية الفار فِي أكل ثمار النّخل والأقصاب وَالْأَشْجَار، وانْتهى الْحَال إِلَى أَن اعتصر من مائَة فدان مزروعة قصبا سِتُّونَ أبلوجا. وَمَعَ هَذَا بالأسعار رخيصة، وَالْغلَّة كل ثَلَاثَة أرادب من الْقَمْح بِدِينَار، وَالشعِير كل ثَمَانِيَة أرادب بِدِينَار، والفول كل أَرْبَعَة عشر أردبا بِدِينَار، وَالسكر كل قِنْطَار بِثَلَاثَة دَنَانِير. وَفِي تَاسِع: وصلت الْخلْع الَّتِي نفذت إِلَى نور الدّين من الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد، وَهِي فرجية سَوْدَاء وطوق من ذهب، فلبسها نور الدّين، وسيرها إِلَى الْملك النَّاصِر ليلبسها، وَكَانَت نفذت لَهُ خلعة ذكر أَنه استقصرها واستصغرها دون قدره. فَبَاتَ الْوَاصِل بِالْخلْعِ بِرَأْس الطابية، فَلَمَّا كَانَ الْعَاشِر مِنْهُ خرج قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين بن درباس وَالشُّهُود والمقرئون والخطباء إِلَى خيمة الْوَاصِل بالخلعة، وَهُوَ من الْأَصْحَاب النجمية، وَزَيْنَب الْبَلَد. وَفِيه ضربت نوب الطبلخاناه بِالْبَابِ الناصري ثَلَاث مَرَّات فِي كل يَوْم، وَضربت بِدِمَشْق خمس مَرَّات كل يَوْم بِالْبَابِ النوري.

ص: 151

وَفِي حادى عشرَة: ركب السُّلْطَان بِالْخلْعِ، وشق بَين القصرين والقاهرة، فَلَمَّا بلغ بَاب زويلة نَزعهَا وأعادها إِلَى دَاره، وبرز للعب الكرة. وفيهَا عَمت بلوى الضائقة بِأَهْل مصر، لِأَن الذَّهَب وَالْفِضَّة خرجا مِنْهَا وَمَا رجعا، وَعدم فَلم يوجدا، ولهج النَّاس بِمَا عمهم من ذَلِك، وصاروا إِذا قيل دِينَار أَحْمَر فَكَأَنَّمَا ذكرت حُرْمَة الغيور لَهُ، وَإِن حصل فِي يَده فَكَأَنَّمَا جَاءَت بِشَارَة الْجنَّة لَهُ. وَمِقْدَار مَا يحدس أَنه خرج من الْقصر مَا بَين دِينَار وَدِرْهَم ومصاغ وجوهر ونحاس وطبوس وأثاث وقماش وَسلَاح مَا لَا يَفِي بِهِ ملك الأكاسرة، وَلَا تتصوره الخواطر، وَلَا تشْتَمل على نيله الممالك، وَلَا يقد على حسابه إِلَّا من يقدر على حِسَاب الْخلق فِي الْآخِرَة وفيهَا عرض السطان العربان الجذاميين، وَكَانَت عدتهمْ سَبْعَة آلَاف فَارس، فاستقرت على ألف وثلاثمائة فَارس لَا غير، وَأخذ بِهَذَا الحكم عشر الْوَاجِب، وَكَانَ أَصله ألف ألف دِينَار، وكلف الثعالبة مثل ذَلِك فامتعضوا، ولوحوا بالتحيز إِلَى الفرنج. وَفِي ثَانِي عشرى رَجَب: أُقِيمَت الْخطْبَة فِي صَلَاة الْجُمُعَة بِمصْر والقاهرة، وَقد نصبت على المنابر الْأَعْلَام السود، وَلبس الخطباء ثيابًا سُودًا أرسل بهَا من بَغْدَاد. وجرس فِي الْبَلَد بألا يتَأَخَّر أحد عَن الْجُمُعَة وحضورها، وَالْفَرِيضَة وأدائها، وَمن عثر عَلَيْهِ عومل بِالْحَبْسِ وَالتَّقْيِيد واللوم والتنفيذ، فَحَضَرَ من لَا يُرِيد الْحُضُور. وَفِي ثَالِث عشرِيَّة: خلع على الْوَفْد الشَّامي خلع مذهبات من بقايا مَا أَخذ من الْقصر، وأقيمت ضيافاتهم وأدرت أنزلاتهم. وَفِي شعْبَان: وَقع برد فِي الدقهلية والمرتاحية كَأَنَّهُ الْأَحْجَار المدورة، فاستهلك، الغلات، وَأصَاب مِنْهَا وَاحِد رَأس نور فَمَاتَ من سَاعَته. وَبلغ وَزنهَا مَا بَين رَطْل كل بردة إِلَى رطلين.

ص: 152

وَفِيه سَارَتْ الرُّسُل من الْقَاهِرَة إِلَى نور الدّين يلبس الْخلْع، وبتقرير مَا أَمر بِهِ صَلَاح لدين من المَال فِي كل سنة. وَفِيه أَمر السُّلْطَان بِصَرْف أهل الذِّمَّة وَالْمَنْع من استخدامهم فِي أَمر سلطاني وَلَا شغل ديواني، فصرف جمَاعَة، وَلم ينْصَرف وَاحِد مِنْهُم من كِتَابَة الغز، وأرجف بإخراجهم من الْبَلَد وَأخذ مساكنهم. فَلَمَّا كَانَ الْخَاص عشر مِنْهُ صرفت جمَاعَة من وُجُوه أهل الذِّمَّة من الاشغال السُّلْطَانِيَّة، وَبَقِي بَعضهم، وَكتاب الغز على حَالهم، وامتنعوا من صرفهم بِأَنَّهُم قد دبروا أَمرهم، ويخشون بإخراجهم ضيَاع أُمُورهم. وَفِي حادي عشرِيَّة: خرج السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة، وَسبب خُرُوجه إِلَيْهَا كَثْرَة رِجَاله وَقلة أَمْوَاله بِحَيْثُ ضَاقَ بِهِ التَّدْبِير، فَقيل بِهِ إِن فِي بِلَاد برقة أَمْوَالًا متسعة، وَلَيْسَ بهَا إِلَّا عربان غير مَانِعَة، فَخرج لذَلِك. وَعقد بالإسكندرية منشورا، حشره أَبوهُ نجم الدّين أَيُّوب وشهاب الدّين الحارمي وتقى الدّين عمر بِسَبَب الْمسير إِلَى بِلَاد الغرب، ومبادرة زَرعهَا قبل حَصَاده. وكوتب من بِمصْر والقاهرة من الْجند بالحضور، وتجهيز. الْأَسْوَاق من السقطين والبياطرة وَغَيرهم، وكوتب العربان بِطَلَب الزكوات وَالْإِنْكَار عَلَيْهِم فِي قطع الطَّرِيق على الجلابين. واتضح أَنه عدم فِي هَذِه السّنة مائَة ألف رَأس من الْغنم. وَاسْتقر الرأى على أَن تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن نجم الدّين أَيُّوب يتَوَجَّه بعسكره وَمَعَهُ خَمْسمِائَة فَارس آخر، وتقرت حوالتهم فِي النَّفَقَة عَلَيْهِم على كورة الْبحيرَة. وَفِي ذِي الْقعدَة: كثرت المناسر، وهجموا على الدروب بِالسِّلَاحِ والشموع، وحاربوا النَّاس، وَأخذُوا الْمنَازل، وأحرقوا الدّور بِمصْر. وَفِي ذِي الْحجَّة: وصل رَسُول متملك الْحَبَشَة بهدية وَكتاب إِلَى الْخَلِيفَة العاضد، فقرئ كِتَابه وَأخذت هديته. وَوصل عَسْكَر ملك النّوبَة إِلَى الْقرى المتاخمة لثغر أسوان وفيهَا ابتدأت الوحشة والنفرة بَين الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود وَبَين السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف وَذَلِكَ لِأَن نور الدّين بعث إِلَى صَلَاح الدّين يَأْمُرهُ بِجمع العساكر المصرية، والمسير بهَا إِلَى بِلَاد الفرنجة ومحاصرة الكرك، ليجتمع هُوَ وإياه على ذَلِك. فبروز صَلَاح الدّين وَكتب إِلَى نور الدّين بذلك، فخوفه أَصْحَابه من الِاجْتِمَاع

ص: 153

بِنور الدّين. وَكَانَ نور الدّين قد جمع عساكره، وَأقَام ينْتَظر الْخَبَر، فَلَمَّا أَتَاهُ الْخَبَر بِأَنَّهُ قد برز رَحل عَن دمشق، ونازل الكرك وَهُوَ ينْتَظر قدوم صَلَاح الدّين، فَأَتَاهُ كِتَابه يعْتَذر عَن الْوُصُول باختلال بِلَاد مصر وَالْخَوْف عَلَيْهَا، ويعلمه أَنه عَاد إِلَى الْقَاهِرَة، فَعظم ذَلِك على نور الدّين، وعزم على دُخُول مصر وَقلع صَلَاح الدّين مِنْهَا. فَبلغ ذَلِك صَلَاح الدّين، فخاف وَجمع أَهله وخواصه واستشارهم، فَقَالَ تَقِيّ الدّين عمر بن أَخِيه:((إِذا جَاءَ قابلناه كلنا، وصددناه عَن الْبِلَاد)) ، وَوَافَقَهُ جمَاعَة من أَهله على ذَلِك. فسبهم نجم الدّين أَيُّوب، وَأنكر عَلَيْهِم، وَكَانَ ذَا رَأْي ومكر، وَقَالَ لِابْنِ ابْنه تَقِيّ الدّين:((اقعد)) ، وسبه. والتفت إِلَى وَلَده السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَقَالَ:((أَنا أَبوك)) ، وَهَذَا شهَاب الدّين الحارمي خَالك! أتظن فِي هَؤُلَاءِ من يحبك وَيُرِيد لَك الْخَيْر أَكثر منا؟)) قَالَ:((لَا)) . فَقَالَ نجم الدّين: ((وَالله لَو رَأَيْت أَنا وخالك هَذَا السُّلْطَان نور الدّين لم يمكنا إِلَّا أَن نترجل لَهُ، ونقبل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، وَلَو أمرنَا بِضَرْب عُنُقك بِالسَّيْفِ لفعلنَا. فَإِذا كُنَّا نَحن هَكَذَا فَكيف يكون غَيرنَا؟ وكل من ترَاهُ من الْأُمَرَاء والعساكر، وَلَو رأى السُّلْطَان نور الدّين وَحده لم يتجاسر على الثَّبَات فِي سَرْجه، وَمَا يَسعهُ إِلَّا النُّزُول وتقبيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، هَذِه الْبِلَاد لَهُ، وَقد أقامك فِيهَا ثائبا عَنهُ، فَإِن أَرَادَ عزلك فَأَي حَاجَة إِلَى الْمَجِيء؟ يَأْمُرك بِكِتَاب مَعَ نجاب حَتَّى تقصد خدمته، ويوفي الْبِلَاد من يُرِيد)) . وَقَالَ للْجَمَاعَة كلهم: ((قومُوا عَنَّا، فَنحْن مماليك السُّلْطَان نور الدّين وعبيده، يفعل بِنَا مَا يُرِيد)) . فَتَفَرَّقُوا على هَذَا، وَكتب أَكْثَرهم إِلَى نور الدّين بِهَذَا الْخَبَر. ثمَّ إِن نجم الدّين خلا بِابْنِهِ صَلَاح الدّين وَقَالَ لَهُ:((أَنْت جَاهِل قَلِيل الْمعرفَة، تتجمع هَذَا الْجمع الْكثير وتطلعهم على مَا فِي نَفسك، فَإِذا سمع نور الدّين أَنَّك عازم على مَنعه عَن الْبِلَاد، جعلك أهم أُمُوره وأولاها بِالْقَصْدِ، وَلَو قصدك لم تَرَ مَعَك أحدا من هَذَا لعسكر، وأسلموك إِلَيْهِ. وَأما بعد هَذَا الْمجْلس فَإِنَّهُم سيكتبون إِلَيْهِ بِقَوْلِي، فَاكْتُبْ أَنْت إِلَيْهِ أَيْضا فِي الْمَعْنى وَقل لَهُ: أَي حَاجَة إِلَى قصدي؟ نجاب يجىء فيأخذني بِحَبل يَضَعهُ فِي عنقِي، فَإِنَّهُ إِذا سمع هَذَا عدل عَن قصدك، واشتغل بِمَا هُوَ أهم عِنْده، وَالْأَيَّام تندرج، وَالله عز وجل كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن)) ، فَفعل صَلَاح الدينى مَا أَشَارَ بِهِ أَبوهُ، فانخدع نور الدّين وَعدل عَن قَصده، واندرحت الْأَيَّام كَمَا قَالَ نجم الدّين، وَمَات نور الدّين

ص: 154

وفيهَا اتخذ نور الدّين مَحْمُود بِالشَّام الْحمام الهوادي لنقل البطائق. وفيهَا ولي أَمِير الينبع خطابة الْجَامِع الْعَتِيق، بعد موت الشريف تَاج الشّرف حسن ابْن أبي الْفتُوح نَاصِر فِي الْمحرم.

ص: 155

تُوجد صفحة فارغة

ص: 156