المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة ست عشرة وستمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ١

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ الكافة قبل قيام مِلَّة الْإِسْلَام اعْلَم أَن النَّاس كَانُوا بأجمعهم، قبل مبعث نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، مَا بَين عَرَبِيّ وعجمي، سبع أُمَم كبار هم: الصين وهم فِي جنوب مشرق الأَرْض، والهند وهم فِي وسط جنوب الأَرْض، والسودان وَلَهُم جنوب مغرب الأَرْض

- ‌فصل

- ‌ذكر القائمين بالملة الإسلامية من الْخُلَفَاء

- ‌ذكر دولة بني بويه الديلم

- ‌ذكر دولة السلجوقية

- ‌السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين

- ‌سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخسمائة

- ‌(سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنه تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة تسعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(رَبنَا آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين)

- ‌(سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة)

- ‌(سنة أَربع وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(وَفِي سَابِع عشر ربيع الأول)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون)

- ‌(سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله)

- ‌(تَابع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة)

- ‌(ذكر من مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان)

- ‌(سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى)

- ‌(سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة)

- ‌(سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة)

- ‌(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وأسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون)

- ‌(تَابع سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة)

الفصل: ‌(سنة ست عشرة وستمائة)

(سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة)

فِيهَا قدم الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود بن الْمَنْصُور مُحَمَّد بن عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب - صَاحب حماة - إِلَى الْملك الْكَامِل نجدة فِي عَسْكَر كثيف وَمَعَهُ الطواشي مرشد المنصوري فَتَلقاهُ السُّلْطَان وَأعظم قدره وأنزله على مينته وَهِي الْمنزلَة الَّتِي كَانَت لِأَبِيهِ وجده عِنْد السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف وَوصل الفائز إِبْرَاهِيم بن الْعَادِل إِلَى أَخِيه الْأَشْرَف مُوسَى برسالة أخيهما الْكَامِل للاستنجاد على الفرنج فَأكْرمه وأمسكه عِنْده فَإِن الْغَرَض إِنَّمَا كَانَ إِخْرَاجه من أَرض مصر. وفيهَا اشْتَدَّ قتال الفرنج وعظمت نكايتهم لأهل دمياط وَكَانَ فِيهَا نَحْو الْعشْرين ألف مقَاتل فنهكتهم الْأَمْرَاض وغلت عِنْدهم الأسعار حَتَّى أبيعت الْبَيْضَة الْوَاحِدَة من بيض الدَّجَاج بعدة دَنَانِير وامتلأت الطرقات من الْأَمْوَات وعدمت الأقوات وَصَارَ السكر فِي عزة الْيَاقُوت وفقدت اللحوم فَلم يقدر عَلَيْهَا بِوَجْه وآلت بِالنَّاسِ الْحَال إِلَى أَن لم يبْق عِنْدهم غير شَيْء يسير من الْقَمْح وَالشَّجر فَقَط فتسور الفرنج السُّور وملكوا مِنْهُ الْبَلَد يَوْم الثُّلَاثَاء لخمس بَقينَ من شعْبَان فَكَانَت مُدَّة الْحصار سِتَّة عشر شهرا واثنين وَعشْرين يَوْمًا وعندما أخذُوا دمياط وضعُوا السَّيْف فِي النَّاس فَلم يعرف عدد من قتل لكثرتهم ورحل السُّلْطَان بعد ذَلِك بيومين وَنزل قبالة طلخا على رَأس بَحر أكوم وَرَأس بَحر دمياط وخيم بالمنزلة الَّتِي عرفت بالمنصورة وحصن

ص: 319

الفرنج أسوار فِي مياط وَجعلُوا جَامعهَا كَنِيسَة وبثوا سراياهم فِي الْقرى يقتلُون وَيَأْسِرُونَ فَعظم الْخطب وَاشْتَدَّ الْبلَاء وَندب السُّلْطَان النَّاس وفرقهم فِي الأَرْض فَخَرجُوا إِلَى الْآفَاق يستصرخون النَّاس لاستنقاذ أَرض مصر من أَيدي الفرنج وَشرع السُّلْطَان فِي بِنَاء الْحور والفنادق والحمامات والأسواق بِمَنْزِلَة المنصورة وجهز الفرنج من حصل فِي أَيْديهم من أُسَارَى الْمُسلمين فِي الْبَحْر إِلَى عكا وبرزوا من مَدِينَة دمياط يُرِيدُونَ أَخذ مصر والقاهرة فنازلوا السُّلْطَان تجاه المنصورة وَصَارَ بَينهم وَبَين الْعَسْكَر بَحر أشموم وبحر دمياط وَكَانَ الفرنج فِي مِائَتي ألف رجل وَعشرَة آلَاف فَارس فَقدم السُّلْطَان الشواني تجاه المنصورة وَهِي مائَة قِطْعَة وَاجْتمعَ النَّاس من أهل ومصر وَسَائِر النواحي مَا بَين أسوان إِلَى الْقَاهِرَة وَوصل الْأَمِير حسام الدّين يُونُس والفقيه تَقِيّ الدّين طَاهِر الْمحلي فأخرجا النَّاس من الْقَاهِرَة ومصر وَنُودِيَ بالنفير الْعَام وَألا يبْقى أحد وَذكروا أَن ملك الفرنج قد أقطع ديار مصر لأَصْحَابه. فَقَالَ: يهددونا بِأَهْل عكا أَن يملكونا وَأهل يافا وَمن لنا أَن يلوا علينا فالروم خير من الريافا يَعْنِي أهل الرِّيف فَإِنَّهُ كَانَ قد كثر تسلطهم وطمعوا فِي أَمر السُّلْطَان واستخفوا بِهِ لشغله بالفرنج عَنْهُم وَخرج الْأَمِير عَلَاء الدّين جِلْدك والأمير جمال الدّين بن صيرم لجمع النَّاس مِمَّا بَين الْقَاهِرَة إِلَى آخر الحوف الشَّرْقِي فأجمع من الْمُسلمين عَالم لَا يَقع عَلَيْهِ حصر وَأنزل السُّلْطَان على نَاحيَة شار مساح ألفي فَارس فِي آلَاف من العربان ليحولوا بَين الفرنج وَبَين دمياط وسارت الشواني - وَمَعَهَا حراقة كَبِيرَة - إِلَى رَأس بَحر الْمحلة وَعَلَيْهَا الْأَمِير بدر الدّين بن حسون فَانْقَطَعت الْميرَة عَن الفرنج من الْبر وَالْبَحْر وقدمت النجمات للْملك الْكَافِي من بِلَاد الشَّام وَخرجت أُمَم الفرنج من

ص: 320

دَاخل الْبَحْر تُرِيدُ مدد الفرنج على دمياط فَوَافى دمياط مِنْهُم طوائف لَا يحصي لَهُم عدد فَلَمَّا تَكَامل جمعهم بدمياط خَرجُوا مِنْهَا فِي حَدهمْ وحديدهم وَقد زين لَهُم سوء عَمَلهم أَن يملكُوا أَرض مصر ويستولوا مِنْهَا على مماليك البسيطة كلهَا فَلَمَّا قدمت النجدات كَانَ أَولهَا قدومًا الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل وَآخِرهَا على السِّكَّة الْملك الْمُعظم عِيسَى وَفِيمَا بَينهمَا بَقِيَّة الْمُلُوك: وهم الْمَنْصُور صَاحب حماة والناصر صَلَاح الدّين قلج أرسلان والمجاهد صَاحب حمص والأمجد بهْرَام شاه صَاحب بعلبك وَغَيرهم فهال الفرنج مَا رَأَوْا وَكَانَ قدوم هَذِه النجدات فِي ثَالِث عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان عشرَة وتتابع قدوم النجدات حَتَّى بلغ عدد فرسَان الْمُسلمين نَحْو الْأَرْبَعين ألفا فحاربوا الفرنج فِي الْبر وَالْبَحْر وأخفوا مِنْهُم سِتّ شواني وجلاسة وبطسة وأسروا مِنْهُم أَلفَيْنِ ومائتي رجل ثمَّ ظفروا أَيْضا بِثَلَاث قطائع فتضعضع الفرنج لذَلِك وضاق بهم الْمقَام وبعثوا يسْأَلُون فِي الصُّلْح كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله. وفيهَا مَاتَ قطب الدّين مُحَمَّد بن عماد الدّين زنكي بن مودود صَاحب سنجار وَقَامَ من بعده ابْنه عماد الدّين شاهنشاه ثمَّ قَتله أَخُوهُ الأمجد عمر. وَمَات نور الدّين أرسلان شاه صَاحب الْموصل فَقَامَ من بعده الْأَمِير بَحر الدّين لُؤْلُؤ بِأَمْر أَخِيه نَاصِر الدّين مَحْمُود بن القاهر عز الدّين وعمره ثَلَاث سِنِين. وفيهَا أَمر الْملك الْمُعظم عِيسَى بتخريب الْقُدس خوفًا من اسْتِيلَاء الفرنج عَلَيْهَا فخربت أسوار الْمَدِينَة وأبراجها كلهَا إِلَّا برج دَاوُد - وَكَانَ من غربي الْبَلَد - فَإِنَّهُ أبقاه وَخرج مُعظم من كَانَ فِي الْقُدس من النَّاس وَلم يبْق فِيهِ إِلَّا نفر يسير وَنقل الْمُعظم مَا كَانَ فِي الْقُدس من الأسلحة وآلات الْقِتَال فشق على الْمُسلمين تخريب الْقُدس وَأخذ دمياط. وفيهَا هدم الْمُعظم أَيْضا قلعة الطّور الَّتِي بناها أَبوهُ الْعَادِل وَعفى أثارها. وفيهَا خرجت كتب الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله إِلَى سَائِر الممالك بإنجاد الْملك الْكَامِل بدمياط. وفيهَا مَاتَ عز الدّين كيكاوس بن غياث الدّين كيخسرو بن قلج أرسلان بن مَسْعُود بن قلج أرسلان ملك قونية بَعْدَمَا ملك أرزن الرّوم من عَمه طغرل شاه

ص: 321

ابْن قلج شاه بن قلج أرسلان وَملك أنكورية من أَخِيه كيقباد فَصَارَ سُلْطَان الرّوم وَقَامَ من بعده أَخُوهُ عَلَاء الدّين كيقباد. وفيهَا ابْتَدَأَ ظُهُور التتار - ومساكنهم جبال طمغاج من أَرض الصين بَينهَا وَبَين بِلَاد التركستان مَا يزِيد على سِتَّة أشهر - واستولوا على كثير من بِلَاد الْإِسْلَام وَكَانُوا لَا يدينون بدين إِلَّا أَنهم يعْرفُونَ بِاللَّه تَعَالَى من غير اعْتِقَاد شَرِيعَة فملكوا الصين - وَكَانَ ملكهم يُقَال لَهُ جنكزخان - ثمَّ سَارُوا إِلَى تركستان وكاشغر فملكوا تِلْكَ الْبِلَاد وأغاروا على أَطْرَاف بِلَاد السُّلْطَان عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن خوارزم شاه تكش بن ألب أرسلان مُحَمَّد بن جغري بك دَاوُد بن مِيكَائِيل بن سلجوق ثمَّ استولوا على بخاري وَغَيرهَا من بِلَاد الْعَجم.

ص: 322

سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة أهلت وَانْقَضَت وَالْحَرب قَائِمَة بَين الْمُسلمين وَبَين الفرنج على دمياط فِي منزلَة المنصورة. وفيهَا استولى التتر على سَمَرْقَنْد وهزموا السُّلْطَان عَلَاء الدّين وملكوا الرّيّ وهمذان وقزوين وحاربوا الكرج وملكوا فرغانة والترمذ وخوارزم وخراسان

ص: 323

ومرو ونيسابور وطوس وهراة وغزنة. وفيهَا ملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل ماردين وسنجار. وفيهَا مَاتَ الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب بن شادي صَاحب حماة - وَكَانَ إِمَامًا مفتياً فِي عدَّة عُلُوم وَله شعر جيد - فِي ذِي الْقعدَة عَن خمسين سنة مِنْهَا مُدَّة ملكه ثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ ابْنه الْأَكْبَر الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مَحْمُود فِي معسكر خَاله الْملك الْكَامِل بالمنصورة على مقاتلة الفرنج فَقَامَ بمملكة حماة الْملك النَّاصِر قلج أرسلان بن الْمَنْصُور وَكَانَ عمره سبع عشرَة سنة فشق بذلك على أَخِيه المظفر وَاسْتَأْذَنَ الْملك الْكَامِل فِي الْعود إِلَى حماة ظنا مِنْهُ أَنه يملكهَا فَإِنَّهُ كَانَ ولي عهد أَبِيه فَأذن لَهُ الْملك الْكَامِل وَسَار فلقى الْملك الْمُعظم فِي الْغَوْر فخوفه من التَّعَرُّض إِلَى أَخِيه فَأَقَامَ بِدِمَشْق ثمَّ رَجَعَ المظفر إِلَى الْملك الْكَامِل فأقطعه إقطاعاً وَأقَام فِي خدمته. وفيهَا كثرت مصادرة الصاحب صفي الدّين بن شكر أَرْبَاب الْأَمْوَال بِمصْر والقاهرة من التُّجَّار وَالْكتاب: وَقرر التَّبَرُّع على الْأَمْلَاك وَهُوَ مَال جبي من النَّاس وأحدث ابْن شكر حوادث كَثِيرَة وَحصل مَالا جماً. وفيهَا قوي طمع الفرنج فِي ملك ديار مصر وعزموا على التَّقَدُّم إِلَى الْمُسلمين

ص: 324

ليدفعوهم عَن مَنْزِلَتهمْ ويستولوا على الْبِلَاد فانقضت السّنة وهم تجاه الْمُسلمين على رَأس بَحر أشموم ودمياط. وفيهَا غلت الأسعار بِأَرْض مصر فَبلغ الْقَمْح ثَلَاثَة دَنَانِير كل أردب فَكَانَت من أشق السنين وأشدها على أهل مصر. وفيهَا مَاتَ الشريف أَبُو عَزِيز قَتَادَة بن أبي مَالك إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم ابْن عِيسَى بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن على بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله ابْن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن على بن أبي طَالب رضي الله عنه سُلْطَان مَكَّة فِي أخر جُمَادَى الْآخِرَة بِمَكَّة عَن تسعين سنة وَله شعر جيد وَقدم مصر غير مرّة وَمَعَهُ أَخُوهُ أَبُو مُوسَى عِيسَى وَكَانَت وِلَادَته ومرباه بالينبع. وَملك مَكَّة بعده ابْنه حسن بن قَتَادَة فَسَار رَاجِح بن قَتَادَة مغاضباً لَهُ وَقطع الطَّرِيق فِي الْمَوْسِم بَين مَكَّة وعرفة فَقبض عَلَيْهِ أقباش أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ فَبعث الشريف حسن لأقباش يعده بِمَال ليسلمه راجحاً فوعده رَاجِح بِأَكْثَرَ من ذَلِك فعزم أقباش على أَن يُسلمهُ مَكَّة وَتقدم لمقاتلة أميرها فَقتل أقباش وفر رَاجِح إِلَى الْملك المسعود بِالْيمن.

ص: 325

فارغة

ص: 326

سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة فِيهَا اشتدت قُوَّة الفرنج بِكَثْرَة من قدم إِلَيْهِم فِي الْبَحْر فتابع الْملك الْكَامِل الرُّسُل فِي طلب النجدات فَقدمت عَلَيْهِ الْمُلُوك كَمَا تقدم وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ برا وبحراً وَقد اجْتمع من الفرنج وَالْمُسْلِمين مَا لَا يعلم عَددهمْ إِلَّا الله وَكَانَت الْعَامَّة تكر على الفرنج أَكثر مَا يكر عَلَيْهِم الْعَسْكَر وَتقدم جمَاعَة من الْعَسْكَر إِلَى خليج من النّيل فِي الْبر الغربي يعرف ببحر الْمحلة وقاتلوا الفرنج مِنْهُ وَتَقَدَّمت الشواني الإسلامية فِي بَحر النّيل لتقاتل شواني الفرنج فأخفوا مِنْهَا ثَلَاث قطع برحالها وأسلحتها. هَذَا وَالرسل تَزْدَدْ من عِنْد الفرنج فِي طلب الصُّلْح بِشُرُوط: مِنْهَا أَخذ الْقُدس وعسقلان وطبرية وجبلة واللاذقية وَسَائِر مَا فَتحه السُّلْطَان صَلَاح الدّين من بِلَاد السَّاحِل فأجابهم الْمُلُوك إِلَى ذَلِك ماخلا الكرك والشوبك فَأبى الفرنج وَقَالُوا: لَا نسلم دمياط حَتَّى تسلموا ذَلِك كُله فَرضِي الْكَامِل فَامْتنعَ الفرنج وَقَالُوا: لَا بُد أَن تعطونا خَمْسمِائَة ألف دِينَار لنعمر بهَا مَا خربتم من أسوار الْقُدس مَعَ أَخذ مَا ذكر من الْبِلَاد وَأخذ الكرك والشوبك أَيْضا فاضطر الْمُسلمُونَ إِلَى قِتَالهمْ ومصابرتهم وَعبر جمَاعَة من الْمُسلمين فِي بَحر الْمحلة إِلَى الأَرْض الَّتِي عَلَيْهَا معسكر الفرنج وفتحوا مَكَانا عَظِيما فِي النّيل وَكَانَ الْوَقْت فِي قُوَّة الزِّيَادَة فَإِنَّهُ كَانَ أول لَيْلَة من توت والفرنج لَا معرفَة لَهُم بِحَال أَرض مصر وَلَا بِأَمْر النّيل فَلم يشْعر الفرنج إِلَّا وَالْمَاء قد غرق أَكثر الأَرْض الَّتِي هم عَلَيْهَا وَصَارَ حَائِلا بَينهم وَبَين دمياط وَأَصْبحُوا وَلَيْسَ لَهُم جِهَة يسلكونها سوي جِهَة وَاحِدَة ضيقَة فَأمر السُّلْطَان فِي الْحَال بِنصب الجسور عِنْد بَحر أشموم طناح فتهيأ الْفَرَاغ مِنْهَا وعبرت العساكر الإسلامية عَلَيْهَا وملكت الطَّرِيق الَّتِي تسلكها الفرنج إِلَى دمياط فانحصروا من سَائِر الْجِهَات وَقدر الله سُبْحَانَهُ بوصول فرقة عَظِيمَة فِي الْبَحْر للفرنج وحولها عدَّة حراقات تحميها وسائرها مشحونة بالميرة وَالسِّلَاح وَسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فأوقع بهَا شواني الْإِسْلَام وَكَانَت بَينهمَا حَرْب أنزل الله فِيهَا نَصره على الْمُسلمين فظفروا بهَا وَبِمَا مَعهَا من الحراقات ففت ذَلِك فِي أعضاد الفرنج وَأُلْقِي فِي قُلُوبهم الرعب والذلة بَعْدَمَا كَانُوا فِي غَايَة الِاسْتِظْهَار والعنت على الْمُسلمين وَعَلمُوا أَنهم مأخوذون لَا محَالة وعظمت نكاية الْمُسلمين بهم

ص: 327

برميهم إيَّاهُم بِالسِّهَامِ وَحَملهمْ على أَطْرَافهم فاجمعوا أَمرهم على مناهضة الْمُسلمين ظنا مِنْهُم أَنهم يصلونَ إِلَى دمياط فخربوا خيامهم ومجانيقهم وعزموا على أَن يحطموا حطمة وَاحِدَة. فَلم يَجدوا إِلَى ذَلِك سَبِيلا لِكَثْرَة الوحل والمياه الَّتِي قد ركبت الأَرْض من حَولهمْ فعجزوا عَن الْإِقَامَة لقلَّة الأزواد عِنْدهم ولاذوا إِلَى طلب الصُّلْح وبعثوا يسْأَلُون الْملك الْكَامِل - وَإِخْوَته الْأَشْرَف والمعظم - الْأمان لأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّهُمْ يسلمُونَ دمياط بِغَيْر عوض فَاقْتضى رَأْي الْملك الْكَامِل إجابتهم وَاقْتضى رَأْي غَيره من إخْوَته مناهضتهم واجتثاث أصلهم الْبَتَّةَ فخاف الْملك الْكَامِل إِن فعل ذَلِك أَن يمْتَنع من بَقِي مِنْهُم بدمياط أَن يُسَلِّمهَا وَيحْتَاج الْحَال إِلَى منازلتها مُدَّة فَإِنَّهَا كَانَت ذَات أسوار منيعة وَزَاد الفرنج عِنْدَمَا استولوا عَلَيْهَا فِي تحصينها وَلَا يُؤمن فِي طول محاصرتها أَن يفد مُلُوك الفرنج نجدة لمن فِيهَا وطلباً لثأر من قتل من أكابرهم هَذَا وَقد ضجرت عَسَاكِر الْمُسلمين وملت من طول الْحَرْب فَإِنَّهَا مُقِيمَة فِي محاربة الفرنج ثَلَاث سِنِين وأشهراً وَمَا زَالَ الْكَامِل قَائِما فِي تَأْمِين الفرنج إِلَى أَن وَافقه بَقِيَّة الْمُلُوك على أَن يبْعَث الفرنج برهائن من مُلُوكهمْ - لَا من أمرائهم - إِلَى أَن يسلمُوا دمياط فَطلب الفرنج أَن يكون ابْن الْملك الْكَامِل عِنْدهم رهينة إِلَى أَن تعود إِلَيْهِم رهائنهم فتقرر الْأَمر على ذَلِك وَحلف كل من مُلُوك الْمُسلمين والفرنج فِي سَابِع شهر رَجَب وَبعث الفرنج بِعشْرين ملكا من مُلُوكهمْ رهنا مِنْهُم يوحنا صَاحب عكا ونائب البابا وَبعث الْملك الْكَامِل إِلَيْهِم بِابْنِهِ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَله من الْعُمر يَوْمئِذٍ خمس عشرَة سنة وَمَعَهُ جمَاعَة من خواصه وعندما قدم مُلُوك الفرنج جلس لَهُم الْملك الْكَامِل مَجْلِسا عَظِيما ووقف الْمُلُوك من اخوته وَأهل بَيته بَين يَدَيْهِ بِظَاهِر البرمون فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع عشر من شهر رَجَب فهال الفرنج مَا شاهدوا من تِلْكَ العظمة وبهاء ذَلِك الناموس وقدمت قسوس الفرنج وَرُهْبَانهمْ إِلَى دمياط ليسلموها إِلَى الْمُسلمين فتسلمها الْمُسلمُونَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع عشر من شهر رَجَب فَلَمَّا تسلمها الْمُسلمُونَ قدم فِي ذَلِك الْيَوْم من الفرنج نجدة عَظِيمَة يُقَال أَنَّهَا ألف مركب فعد تأخرهم إِلَى مَا بعد تَسْلِيمهَا من الفرنج صنعا جميلاً من الله سُبْحَانَهُ وَشَاهد الْمُسلمُونَ عِنْدَمَا تسلموا دمياط من تحصين الفرنج لَهَا مَا لَا يُمكن أَخذهَا بِقُوَّة الْبَتَّةَ وَبعث السُّلْطَان بِمن كَانَ عِنْده فِي الرَّهْن من الفرنج وَقدم الْملك الصَّالح وَمن كَانَ مَعَه

ص: 328

وتقررت الْهُدْنَة بَين الفرنج وَبَين الْمُسلمين مُدَّة ثَمَانِي سِنِين على أَن كلا من الْفَرِيقَيْنِ يُطلق مَا عِنْده من الأسرى وَحلف السُّلْطَان وَإِخْوَته وَحلف مُلُوك الفرنج على ذَلِك وتفرق من كَانَ قد حضر لِلْقِتَالِ فَكَانَت مُدَّة اسْتِيلَاء الفرنج على دمياط سنة وَاحِدَة وَعشرَة أشهر وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ دخل الْملك الْكَامِل إِلَى دمياط بعساكره وَأَهله وَكَانَ لدُخُوله مَسَرَّة عَظِيمَة وابتهاج زَائِد ثمَّ سَار الفرنج إِلَى بِلَادهمْ وَعَاد السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر شهر ومضان وَدخل الْوَزير الصاحب صفي الدّين عبد الله بن عَليّ بن شكر فِي الْبَحْر وَأطلق من كَانَ بِمصْر من الأسرى وَكَانَ فيهم من أسر من الْأَيَّام الصلاحية وَأطلق الفرنج من كَانَ فِي بِلَادهمْ من أسرى الْمُسلمين وَاتفقَ أَنه لما رَحل الفرنج اجْتمع فِي لَيْلَة عِنْد الْملك الْكَامِل أَخَوَاهُ الْمُعظم عِيسَى والأشرف مُوسَى على حَالَة أنس فَأمر الْأَشْرَف جَارِيَته سِتّ الْفَخر فغنت على عودهَا: وَلما طَغى فِرْعَوْن عكا ببغيه وَجَاء إِلَى مصر ليفسد فِي الأَرْض أَتَى نحوهم مُوسَى وَفِي يَده الْعَصَا فأغرقهم فِي اليم بَعْضًا على بعض فطرب الْأَشْرَف وَقَالَ لَهَا: كرري فشق ذَلِك على الْملك الْكَامِل وأمرها فَسَكَتَتْ وَقَالَ لجاريته: غن أَنْت فغنت على الْعود: أيا أهل دين الْكفْر قومُوا لتنظروا لما قد جرى فِي وقتنا وتجددا أعباد عِيسَى إِن عِيسَى وَقَومه ومُوسَى جَمِيعًا ينْصرُونَ مُحَمَّدًا فأعجب الْكَامِل بهَا وَأمر لَهَا بِخَمْسِمِائَة دِينَار ولجارية أَخِيه الْأَشْرَف بِخَمْسِمِائَة دِينَار فَنَهَضَ القَاضِي الْأَجَل هبة الله بن محَاسِن قَاضِي غَزَّة وَكَانَ فِي جُمْلَتهمْ وانشد: حبانا إِلَه الْخلق فتحنا لنا بدا مُبينًا وإنعاماً وَعزا مجددا وَلما طَغى الْبَحْر الْخصم بأَهْله ال - طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا أَقَامَ لهَذَا الدّين من سل عزمه صقيلاً كَمَا سل الحسام المجردا فَلم تَرَ إِلَّا كل شلو مجدل ثوى مِنْهُم أَو من ترَاهُ مُقَيّدا

ص: 329

ونادى لِسَان الْكَوْن فِي الأَرْض رَافعا عقيرته فِي الْخَافِقين ومنشدا أعباد عِيسَى إِن عِيسَى وَحزبه ومُوسَى جَمِيعًا ينصران مُحَمَّدًا وَيُقَال إِن هَذَا الْمجْلس كَانَ بالمنصورة وَلما اسْتَقر الْملك الْكَامِل على تخت ملكه سَارَتْ الْمُلُوك إِلَى ممالكها وعمت بِشَارَة أَخذ الْمُسلمين دمياط أَفَاق الأَرْض فَإِن التتار كَانُوا قد دمروا ممالك الشرق وكادت مصر مَعَ الشَّام يستأصل شأفة أَهلهَا الفرنج حَتَّى من الله بجميل صنعه وخفي لطفه وَنصر عباده الْمُؤمنِينَ وأيدهم بجنده بَعْدَمَا ابتلى الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالاً شَدِيدا وقدمت على الْملك الْكَامِل تهاني الشُّعَرَاء بهَا الْفَتْح فَكَانَ أَوَّلهمْ إرْسَالًا شرف الدّين بن عنين بكلمته الَّتِي أَولهَا: سلوا صهوات الْخَيل يَوْم الوغى عَنَّا إِذا جهلت آيَاتنَا والقنا اللدنا غَدَاة الْتَقَيْنَا دون دمياط جحفلاً من الرّوم لَا يُحْصى يَقِينا وَلَا ظنا قد اجْتَمعُوا رَأيا وديناً وهمة وعزماً وَإِن كَانُوا قد اخْتلفُوا سنا وأطمعهم فِينَا غرور فأرقلوا إِلَيْنَا سرَاعًا بِالْجِهَادِ وأرقلنا فَمَا بَرحت سمر الرماح تنوشهم بأطرافها حَتَّى استجاروا بِنَا منا سقيناهم كأساً نفت عَنْهُم الْكرَى وَكَيف ينَام اللَّيْل من عدم الأمنا لقد صَبَرُوا صبرا جميلاً ودافعوا طَويلا فَمَا أجدى دفاع وَلَا أغْنى بِمَا الْمَوْت من زرق الأسنة أحمرا فَألْقوا بِأَيْدِيهِم إِلَيْنَا فأحسنا وَمَا برح الْإِحْسَان منا سجية نورثها من صيد آبَائِنَا الإبنا وَقد جربونا قبلهَا فِي وقائع تعلم غمر الْقَوْم منا بهَا الطعنا أسود وغى لَوْلَا وقائع سمرنا لما لبسوا فِيمَا وَلَا سكنوا سجنا وَكم يَوْم حر مَا وقينا هجيره وَكم يَوْم قر مَا طلبنا لَهُ كُنَّا فَإِن نعيم الْملك فِي وَسطه الشقا ينَال وحلو الْعَيْش من مره يجنى يسير بِنَا من آل أَيُّوب ماجد أبي عزمه أَن يسْتَقرّ بِنَا مغنى كريم الثنا عَار عَن الْعَار باسل جميل الْمحيا كَامِل الْحسن وَالْحُسْنَى منحناهم منا حَيَاة جَدِيدَة فعاشوا بأعناق مقلدة منا وَلَو ملكونا لاستباحوا دمائنا ولوغا وَلَكنَّا ملكنا فأسجحنا

ص: 330

وَقَالَ: قسما بِمَا ضمت أباطح مَكَّة وبمن حواه من الحجيج الْموقف لَو لم يقم مُوسَى بنصر مُحَمَّد لرقى على درج الْخطب الأسقف لولاه مَا ذل الصَّلِيب وَأَهله فِي ثغر دمياط وَعز الْمُصحف ووردت أَيْضا قصيدة القَاضِي الْأَجَل بهاء الدّين زُهَيْر بن مُحَمَّد بن عَليّ القَاضِي وَغَيره من الشُّعَرَاء. وفيهَا ملك التتر مراغة وهمذان وأفربيجان وتبريز. وفيهَا مَاتَ الْملك الصَّالح نَاصِر الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق الأرتقي صَاحب حصن كيفا وَقَامَ من بعده ابْنه الْملك المسعود دَاوُد. وفيهَا ركب الْملك الْكَامِل من قلعة الْجَبَل إِلَى منظرة الصاحب صفي الدّين بن شكر - الَّتِي على الخليج بِمصْر - فِي ذِي الْقعدَة وتحدث مَعَه فِي نفي الْأُمَرَاء الَّذين وافقوا الفائز وَكَانُوا فِي جيزة دمياط لعمارتها فَكتب لَهُم بالتوجه من أَرض مصر إِلَى حَيْثُ شَاءُوا فَمَضَوْا بأجمعهم من الجيزة إِلَى الشَّام وَلم يتَعَرَّض الْملك الْكَامِل لشَيْء من موجودهم وَفرق أخبازهم على مماليكه. وفيهَا مَاتَ أَمِين الدّين مُرْتَفع بن الشعار وَالِي مصر فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث محرم. وَمَات مُتَوَلِّي تونس وبلاد إفريقية الْأَمِير أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص عمر بن يحيى بن أبي حَفْص عمر بن ونودين الهنتاتي فِي يَوْم الْخَمِيس أول الْمحرم وَكَانَ قد

ص: 331

ولي تونس من قبل النَّاصِر أبي عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْمَنْصُور بن يُوسُف العسري بن عبد الْمُؤمن ملك الْمُوَحِّدين فِي سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة وَكَانَ أَبُو مُحَمَّد قد قدم أكبر بنيه الشَّيْخ أَبَا زيد عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد فَقَامَ بِأَمْر تونس حَتَّى قدم أَخُوهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الْوَاحِد مُتَوَلِّيًا إفريقية من قبل الْعَادِل عبد الله بن الْمَنْصُور يَعْقُوب ملك الْمُوَحِّدين فِي خَامِس رَمَضَان مِنْهَا فاستمر أَبُو مُحَمَّد عبد الله حَتَّى قَامَ أَخُوهُ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد. هَذَا والأمير أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص هُوَ أول من قَامَ من الحفصيين بإمرة تونس وَهُوَ جد مُلُوك تونس الحفصيين.

ص: 332

سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة فِيهَا قدم الْأَشْرَف مُوسَى إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا عِنْد أَخِيه السُّلْطَان الْملك الْكَامِل مُدَّة ثمَّ عَاد فِي رَمَضَان. وفيهَا أوقع التتر بالكرج. وفيهَا قدم الْملك المسعود يُوسُف بن الْكَامِل من الْيمن إِلَى مَكَّة فِي ربيع الأول وَقد وَحل عَنْهَا الشريف حسن بن قَتَادَة وَقدم مَعَه رَاجِح بن قَتَادَة إِلَى مَكَّة فَرد الْملك المسعود على أهل الْحجاز أَمْوَالهم ونخلهم وَمَا أَخذ لَهُم من الْحور بِمَكَّة والوادي ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن بَعْدَمَا حج وَمنع أَعْلَام الْخَلِيفَة من التَّقَدُّم وَقدم أَعْلَام أَبِيه على أَعْلَام الْخَلِيفَة وبدا مِنْهُ بِمَكَّة مَا لَا يحمد من رمي حمام الْحرم بالبندق من فَوق زَمْزَم وَنَحْو ذَلِك فهم أهل الْعرَاق بقتاله فَلم يقدروا على ذَلِك عَجزا عَنهُ واستناب الْملك المسعود بِمَكَّة الْأَمِير نور الدّين عمر بن عَليّ بن رَسُول ورتب مَعَه ثَلَاثمِائَة فَارس وَكَانَ الشريف حسن بن قَتَادَة قد نزل يَنْبع وَولي الْملك المسعود أَيْضا راحج بن قَتَادَة السرين وحلى وَنصف المخلاف فَجمع الشريف حسن وَسَار إِلَى مَكَّة وَكسر ابْن رَسُول وَملك مِنْهُ مَكَّة. وفيهَا مَاتَ الْأَمِير عماد الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْأَمِير سيف الدّين أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الهكاري الْمَعْرُوف بِابْن المشطوب أحد الْأُمَرَاء الصلاحية فِي الاعتقال بحران فِي ربيع الآخر.

ص: 333

فارغة

ص: 334

سنة عشْرين وسِتمِائَة فِيهَا أَخذ الْمُعظم عِيسَى المعرة وسليمة ونازل حماة فشق ذَلِك على أَخِيه الْأَشْرَف - وَكَانَ بِمصْر - وتحدث مَعَ الْكَامِل فِي إِنْكَار ذَلِك فَبعث السُّلْطَان الْكَامِل إِلَى الْمُعظم يسْأَله فِي الرحيل عَن حماة فَتَركهَا وَهُوَ حنق. وفيهَا حج الْملك الْجواد وَالْملك الفائز من الْقَاهِرَة وقدما علم الْخَلِيفَة على علم السُّلْطَان الْملك الْكَامِل فِي طُلُوع عَرَفَة. وفيهَا خرج الْأَشْرَف من مصر إِلَى بِلَاده وَمَعَهُ خلع الْملك الْكَامِل والتقليد بسلطة حلب للعزيز نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي فوصل إِلَى حلب فِي شَوَّال وتلقاه الْعَزِيز - وعمره عشر سِنِين - فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْخلْع الكاملية وَحمل الغاشية بَين يَدَيْهِ وَأقَام عِنْده أَيَّامًا ثمَّ سَار إِلَى حران. وفيهَا عَم الْجَرَاد بِلَاد الْعرَاق والجزيرة وديار بكر وَالشَّام. وفيهَا أوقع التتر بالروس. وفيهَا شنق سهم الدّين عِيسَى وَالِي الْقَاهِرَة نَفسه - وَهُوَ معتقل بدار الوزارة - لَيْلَة الْخَمِيس سادس شَوَّال.

ص: 335

فارغة

ص: 336

سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة فِيهَا ملك التتر قُم وقاشان وهمذان. وفيهَا اخْتلف الْحَال بَين المظفر غَازِي صَاحب إربل وَبَين أَخِيه الْأَشْرَف فَخرج الْمُعظم من دمشق يُرِيد محاربة الْأَشْرَف فَبعث إِلَيْهِ الْكَامِل يَقُول لَهُ: إِن تحركت من بلدك سرت وأخذته مِنْك. فخاف وَعَاد إِلَى دمشق. وفيهَا مَاتَ الْوَزير الْأَعَز أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْمَعْرُوف بفخر الدّين مِقْدَام بن شكر فِي آخر شعْبَان بِالْقَاهِرَةِ. وفيهَا أَخذ عَسْكَر مصر يَنْبع من بني حسن وَكَانُوا قد اشتروها بأَرْبعَة آلَاف مِثْقَال فَلم تزل بيد المصريين إِلَى سنة ثَلَاثِينَ.

ص: 337

فارغة

ص: 338

سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة فِيهَا فر الْملك الْجواد مظفر الدّين يُونُس بن مودود من مصر فِي الْبَحْر خوفًا من عَمه الْملك الْكَامِل وَلحق بعده الْمُعظم. وفيهَا تخوف الْكَامِل من أمرائه لميلهم إِلَى أَخِيه الْملك الْمُعظم فَقبض على جمَاعَة وَبعث إِلَى الطرقات من يحفظها وَبعث عدَّة رسل إِلَى الْمُلُوك الَّذين فِي خدمَة أَخِيه الْأَشْرَف يَأْمُرهُم بالِاتِّفَاقِ وَألا يخالفوه. وفيهَا عَاد السُّلْطَان جلال الدّين بن خورازم شاه عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن تكش إِلَى بِلَاده وَقَوي أمره على التتر وَاسْتولى على عراق الْعَجم وَسَار إِلَى ماردين وَأَخذهَا وَسَار إِلَى خوزستان وشاقق جلال الدّين الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله وَسَار حَتَّى وصل بعقوبا وَبَينهَا وَبَين بَغْدَاد سَبْعَة فراسخ فاستعد الْخَلِيفَة للحصار وَنهب جلال الدّين الْبِلَاد وَأخذ مِنْهَا مَا لَا يَقع عَلَيْهِ حصر وَفعل أشنع مَا يَفْعَله التتر فكاتبه الْملك الْمُعظم وأتفق مَعَه معاندة لِأَخِيهِ الْكَامِل ولأخيه الْملك الْأَشْرَف صَاحب الْبِلَاد الشرقية فسير السُّلْطَان جلال الدّين بن القَاضِي مجد الدّين - قَاضِي الممالك - فِي الرسَالَة إِلَى الْملك الْأَشْرَف ثمَّ إِلَى الْملك الْمُعظم ثمَّ إِلَى الْملك الْكَامِل فَظَاهر بأنواع الفسوق وَسَار جلال الدّين إِلَى عراق الْعَجم فَملك همذان وتيريز وأوقع بالكرج. وفيهَا مَاتَ الْملك الْأَفْضَل عَليّ بن صَلَاح الدّين يُوسُف صَاحب سميساط فَجْأَة بسميساط فِي صفر ومولده بِمصْر يَوْم عيد الْفطر سنة خمس - وَقيل سِتّ - وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَهُوَ أكبر أَوْلَاد أَبِيه وَإِلَيْهِ كَانَت ولَايَة عَهده وَسمع الْأَفْضَل من ابْن عَوْف وَابْن بري واستقل بمملكة دمشق بعد موت أَبِيه فَلم يَنْتَظِم لَهُ أَمر لقلَّة حَظه وَأَخذهَا مِنْهُ أَخُوهُ الْعَزِيز عُثْمَان صَاحب مصر ثمَّ صَار الْأَفْضَل أتابكاً للمنصور بن الْعَزِيز بِمصْر وَحصر دمشق وَبهَا عَمه الْعَادِل وأشرف على أَخذهَا مِنْهُ فَقطع عَلَيْهِ سوء الْحَظ وَعَاد إِلَى مصر وَفِي أَثَره عَمه الْعَادِل فَانْتزع مِنْهُ مصر وَلم يبْق مَعَه سوى صرخد ثمَّ قصد الْأَفْضَل دمشق ثَانِيًا مَعَ أَخِيه الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب فَلم يتم أَمرهمَا لاختلافهما وَصَارَ بِيَدِهِ سميساط لَا غير. فَلَمَّا مَاتَ أَخُوهُ الظَّاهِر طمع فِي حلب وَخرج إِلَيْهَا مَعَ السُّلْطَان عز الدّين كيكاوس السلجوقي ملك الرّوم فَلم يتم

ص: 339

لَهما أَمر وَعَاد الْأَفْضَل إِلَى سميساط فَلم يزل بهَا يتجرع الْغصَص حَتَّى مَاتَ كمداً وَكَانَ فَاضلا أديباً حَلِيمًا حسن السِّيرَة متجاوزاً يكْتب الْخط الْمليح جَامعا لعدة مَنَاقِب إِلَّا أَنه كَانَ قَلِيل الْحَظ وشعره جيلط كتب إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله - لما انتزع مِنْهُ دمشق أَخُوهُ عُثْمَان وَعَمه الْعَادِل أَبُو بكر - فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة كتابا يشكو إِلَيْهِ اغتصابهما مِيرَاثه من أَبِيه وأوله. مولَايَ إِن أَبَا بكر وَصَاحبه عُثْمَان قد أَخذ بِالسَّيْفِ إِرْث عَليّ فَانْظُر إِلَى حَظّ ههذا اقْسمْ كَيفَ لقى من الْأَوَاخِر مَا لاقي من الأول وَله أَيْضا فِي مَعْنَاهُ: أما آن للسعد الَّذِي أَنا طَالب لإدراكه يَوْمًا يرى وَهُوَ طالبي ترى هَل يريني الدَّهْر أَيدي شيعتي تمكن يَوْمًا من نواصي النواصب فَأَجَابَهُ الْخَلِيفَة بقوله. غصبوا عليا حَقه إِذْ لم يكن بعد النَّبِي لَهُ بِيَثْرِب نَاصِر فابشر فَإِن غَدا يكون حسابهم واصبر فناصرك الإِمَام النَّاصِر وَمن شعره: أيا من يسود شعره بخضابه لعساه من أهل الشبيبة يحصل هَا فاختضب بسواد حظي مرّة وَلَك اللمان بِأَنَّهُ لَا ينصل وَقَامَ من بعده بسميساط أَخُوهُ الْملك الْمفضل قطب الدّين مُوسَى شقيقه فَاخْتلف عَلَيْهِ أَوْلَاد الْأَفْضَل. وفيهَا مَاتَ الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن المستضيئ بِأَمْر الله الْحسن بن المستنجد بِاللَّه يُوسُف فِي ثَانِي شَوَّال ومولده فِي الْعَاشِر من شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَخمسين وخمسائة وَله فِي الحلافة سبع وَأَرْبَعُونَ سنة غير سِتَّة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَانَت أمه أم ولد يُقَال لَهَا زمرد وَقيل نرجس وَكَانَ شهماً أبي النَّفس حازماً متيقظاً صَاحب فكر صائب ودهاء ومكر وَكَانَ مهيباً وَله أَصْحَاب أَخْبَار - بالعراق وَفِي الْأَطْرَاف - يطالعونه بجزئيات الْأُمُور وكلياتها فَكَانَ لَا يخفى عَلَيْهِ أَكثر أَحْوَال رَعيته حَتَّى أَن أهل الْعرَاق يخَاف الرجل مِنْهُم أَن يتحدث مَعَ امْرَأَته لما يظنّ أَن ذَلِك يطلع عَلَيْهِ

ص: 340

الخليقة فيعاقب عَلَيْهِ وَعمل شخص دَعْوَة بِبَغْدَاد وَغسل يَده قبل أضيافه فَعلم الْخَلِيفَة بذلك من أَصْحَاب أخباره فَكتب فِي الْجَواب: سوء أدب من صَاحب الْبَلَد وفضول من كَاتب المطالعة. وَكَانَ رَدِيء السِّيرَة فِي رَعيته ظَالِما عسوفاً خرب الْعرَاق فِي أَيَّامه وتفرق أَهله فِي الْبِلَاد فَأخذ أملاكهم وَأَمْوَالهمْ وَكَانَ يحب جمع المَال ويباشر الْأُمُور بِنَفسِهِ ويركب بَين النَّاس ويجتمع بهم مَعَ سفكه للدماء وَفعله للأشياء المتضادة: فيغتصب الْأَمْوَال وَيتَصَدَّق وشغف برمي الطير بالبندق وَلبس سراويلات الفتوة وَحمل أهل الْأَمْصَار على ذَلِك وَعمل سَالم بن نصر الله بن وَاصل الْحَمَوِيّ فِي ذَلِك رِسَالَة بديعة وصنف النَّاصِر لدين الله كتابا فِي مروياته سَمَّاهُ روح العارفين وأعده للفقهاء بِمصْر وَالشَّام وَله شعر وَفِي خِلَافَته خرب التتر بِلَاد الْمشرق حَتَّى وصلوا إِلَى همذان وَكَانَ هُوَ السَّبَب فِي ذَلِك فَإِنَّهُ كتب إِلَيْهِم بالعبور إِلَى الْبِلَاد خوفًا من السُّلْطَان عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن خوارزم شاه لما هم بِالِاسْتِيلَاءِ على بَغْدَاد وَأَن يَجْعَلهَا دَار ملكه كَمَا كَانَت السلجوقية وَلم يمت الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله حَتَّى عمي وَقيل كَانَ يبصر بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقَامَ من بعده فِي الْخلَافَة ابْنه الظَّاهِر بِأَمْر الله أَبُو نصر مُحَمَّد - بِعَهْد من أَبِيه - يَوْم مَاتَ أَبوهُ وعمره مَا ينيف على خمسين سنة وَكَانَ يَقُول من يفتح دكانه الْعَصْر مَتى يستفتح. وَلما ولي أظهر الْعدْل وأزال عدَّة مظالم وَأطلق أهل السجون وَظهر للنَّاس وَكَانَ من قبله من الْخُلَفَاء لَا يظهرون إِلَّا نَادرا. وفيهَا وصل الْملك المسعود من الْيمن إِلَى مَكَّة وَمضى إِلَى الْقَاهِرَة من طَرِيق عيذاب فَقدم على أَبِيه الْكَامِل بقلعة الْجَبَل وَمَعَهُ هَدَايَا جليلة. وفيهَا مَاتَ الْوَزير الصاحب صفي الدّين عبد الله بن أبي الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عبد الْخَالِق بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن مَنْصُور بن إِبْرَاهِيم بن عمار بن مَنْصُور بن عَليّ الشيبي أَبُو مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن شكر الْفَقِيه الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن شعْبَان - وَقيل شَوَّال - بِالْقَاهِرَةِ وَدفن برباطه مِنْهَا وَكَانَ مولده بدميرة إِحْدَى قرى مصر البحرية فِي تَاسِع صفر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَجمع من ابْن عَوْف وَغَيره وَحدث وَكَانَ جباراً جباها عاتياً عانيا بتقدمة الأراذل وَتَأَخر الأماثل أفقر علقاً كثيرا. وفيهَا قدم الشريف قَاسم الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة بعسكر إِلَى مَكَّة وحصرها نَحْو شهر وَبهَا نواب الْملك الْكَامِل فَلم يتَمَكَّن مِنْهَا بل قتل.

ص: 341

فارغة

ص: 342