الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أعقاب أحد
وكان من نتائج غزوة أحد أن تجرأ الأعراب حول المدينة على المسلمين، وظهر ذلك في التجمعات التي قام بها بنو أسد بقيادة طليحة الأسدي وأخيه سليمة في نجد، وبنو هذيل بقيادة خالد بن سفيان الهذلي في عرفات، مستهدفين غزو المدينة طمعا في خيراتها وانتصارا لشركهم ومظاهرة لقريش وتقربا إليها، وكان ذلك في شهر محرم من السنة الرابعة للهجرة (1).
وتحرك المسلمون قبل أن يستفحل الأمر، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سلمة بن عبد الأسد بمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار إلى طليحة الأسدي الذي تفرق عنه أتباعه تاركين إبلهم وماشيتهم بيد المسلمين من هو المفاجأة (2).
وأرسل عبد الله بن أنيس الجهني إلى خالد بن سفيان الهذلي فقتله وهو يرتاد بماشيته في بطن عرنة (3) - واد معروف قرب عرفات -.
وسعت هذي للثأر لسفيان الهذلي ولجأت إلى الغدر والخديعة، ففي صفر (4) سنة أربع قدم وفد من قبيلتي عضل والقارة المضريتين إلى المدينة، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرسل جمعا من أصحابه ليفقهوهم في الدين، فبعث عشرة من الصحابة - وقال ابن إسحق إنهم ستة، وقال موسى بن عقبة إنهم سبعة وذكرا أسماءهم - وجعل عليهم عاصم بن ثابت الأقلح أميرا، فلما وصل الوفد بين عسفان ومكة، أغار عليهم بنو لحيان (من هذيل) وهم قريب من مائتي
(1) طبقات ابن سعد 2/ 50 وزاد المعاد 2/ 121.
(2)
طبقات ابن سعد 2/ 50.
(3)
مسند أحمد 3/ 496 بإسناد حسن، وقد صرح ابن إسحق بالسماع، وسنن أبي داؤد 1/ 287 وقال ابن حجر: إسناده حسن (فتح الباري 2/ 437).
(4)
قال ابن حزم في نصف صفر (جوامع السيرة 176).
مقاتل، فأحاطوا بهم وقد لجأ الوفد إلى مكان مرتفع، وأعطى الأعراب الأمان من القتل للوفد، لكن عاصم بن ثابت قال:"أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر" فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما وستة من أصحابه، وبقي ثلاثة فأعطاهم الأعراب الأمان من جديد فقبلوا، فلما نزلوا إليهم ربطوهم وغدروا بهم، فقاومهم عبد الله بن طارق فقتلوه واقتادوا الاثنين إلى مكة فباعوهما لقريش وهما خبيب وزيد.
فأما خبيب فقد اشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل ليقتلوه بالحارث الذي كان خبيب قد قتله يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث، استحد بها فأعارته، وغفلت عن صبي لها فجلس على فخذه، ففزعت المرأة لئلا يقتله انتقاماً منهم. فقال خبيب: أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى. فكانت تقول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سَنَّ الركعتين عند القتل هو. ثم قال اللهم أحصهم.
ثم قال:
ما أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
فقتل (1)
(1) صحيح البخاري 5/ 40 - 41 (ط. استانبول) ومسند أحمد 2/ 310 - 311. وسيرة ابن هشام 3/ 165 - 167 من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة.
وأما زيد بن الدثنة فاشتراه صفوان بن أمية وقتله بأبيه (أمية بن خلف الذي قتل ببدر)، وقد سأله أبو سفيان قبل قتله: أنشدك الله يا زيد أتحب محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي.
فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً (1).
ويرى الواقدي أن هذيلاً على اتفاق مع عضل والقارة في الترتيب لهذا الحادث (2) الذي عرف بحادثة الرجيع نسبة إلى الماء الذي جرت عنده. ورغم ما حدث في الرجيع فإن وفود المسلمين لدعوة الأعراب لم تنقطع إذ لا بد من تبليغ دعوة الإسلام مهما غلت التضحيات.
فلما قدم أبو براء عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنَّة على المدينة دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد ووعد بإجارة وفد يرسله النبي صلى الله عليه وسلم لدعوة الأعراب في نجد، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم وفدا برئاسة المنذر بن عمرو الخزرجي (3) في شهر صفر من سنة أربع (4) ومعه سبعون من القراء - وقال ابن إسحق أنهم أربعون فقط - فلما وصلوا بئر معونة من نجد على بعد 160 كيلاً عن
(1) رواه ابن إسحق من مرسل شيخه عاصم بن عمر بن قتادة وقد صرح بالسماع منه فتبقى علة الإرسال (سيرة ابن هشام 3/ 160).
(2)
ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 50.
(3)
ابن إسحق من مرسل عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم والمغيرة بن عبد الرحمن
المخزومي وهما ثقتان (تاريخ خليفة بن خياط 76 وسيرة ابن هشام 2/ 174 وأخرجه موسى بن عقبة من مرسل عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، ورواها الطبري من حديث كعب بن مالك (تاريخ الأمم والملوك 2/ 30 - 31).
(4)
أرخ بن حزم حادثة بئر معونة لعشرين بقين من صفر (جوامع السيرة 180) فيكون قد أرخ لها قبل الرجيع لأنه ذكر أن الرجيع في نصف صفر - مع أنه سرد حادثة الرجيع قبل بئر معونة متابعاً ابن إسحق.