الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جيل عصر السيرة
فضل الصحابة ووجوب محبتهم وموالاتهم
ما هي خصائص الجيل الذي رباه محمد صلى الله عليه وسلم فأقام دولة الإسلام، وخاض غمرات الجهاد ونشر دعوة الإسلام في الآفاق، وصار من أعظم الأدلة على نجاح التربية المحمدية، فإنه لم يسبق لنبي أن ربَّى جيلاً بكامله، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلنتعرف على هذا الجيل من خلال الكتاب والسنة والواقع التاريخي.
صفة الصحابة في القرآن والسنة:
هكذا يصف القرآن محمداً وصحبه، ذلك الجيل المثالي الذي حقق مستوى سامقاً في الارتقاء الروحي والخلقي، فصقلته العبادة وكساه الركوع والسجود نوراً وبهاءا، وحددت العقيدة مفاهيمه وقيمه وولاءه وبراءه {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} يوالون بعضهم ويحادون من سواهم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} . ذلك الجيل الذي خلدته كتبُ السماء فوصفته التوراة والإنجيل والقرآن بهذا الوصف الرائع، ممثلةً امتداد قيمه وانتشار عقيدته وكثرة أنصاره وقوة وجوده واستمساك أمره بالزرع الذي يتفرع وينتشر ويزداد ويشتد ساقه، يعجب أهله الذين غرسوه ويغيظ الأعداء، وقد ذُكر عند الإمام مالك بن أنس رجل
(1) الفتح:29.
ينتقص الصحابة رضوان الله عليهم فقرأ الإمام مالك هذه الآيات حتى بلغ {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية.
ذلك الجيل الذي بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، وحفظ القرآن والسنة، ولو فرط فيهما ما وصلا إلينا سالمين محفوظين بحفظ الله تعالى، لذلك ذهب كثير من العلماء إلى أن الطعن في جيل الصحابة إنما هو طعن في مصادر تلقينا للقرآن والسنة. وبالتالي فهو طعن بالدين.
ذلك الجيل الموصوف بالخيرية والأفضلية المطلقة على سائر الأجيال كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني. ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. إنَّ بعدكم قوم يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يُسْتَشهدون، وينذرون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السِّمَنُ"(1).
وهذه الخيرية تجعل من جيل الصحابة مُثُلا عليا للمسلمين في كل زمان ومكان، فهم يتطلعون إليهم ويعتذرون بهم، ويقتدون بأعمالهم، ويسترشدون بسيرهم، تلك السير المتنوعة في الحرب والسلم والعبادة والمجاهدة والمعاملة مما يكفل للمسلمين في مختلف العصور نماذج متنوعة صالحة للاقتداء.
ففي الحرب تجد الصحابة مؤمنين محتسبين مجاهدين ثابتين وصفهم القرآن في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}
(2)
.
وهم في السلم هداة معلمون، ومصلحون عاملون، وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم أَمَنةٌ لأمته، ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النجومُ أَمَنَةُ السماء، فإذا ذهبت النجومُ أتى السماءَ ما تُوعد، وأنا أَمَنةٌ لأصحابي، فإذا
(1) رواه البخاري (الصحيح 3/ 151).
(2)
آل عمران: 172.
ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أَمَنَة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون"
(1)
.
ومعنى أَمنةُ أمتي: أي حَفَظَتهم كما أن الملائكة حفظة السماء، وهذا الحفظ للأمة بحفظهم لدينها، وقيامهم بطاعة الله والتزام أوامره، ودعائهم للمسلمين، وذودهم عن الدين بالجهاد بالنفس والمال واللسان، لذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في كل زمان ومكان بتوقير الصحابة واحترامهم ومحبتهم، ونهى عن أذاهم وتناولهم بالكلام الجارح والجرأة عليهم، ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تسبُّوا أصحابي، فلو أن أحداً أنفق مثل أُحُد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصِيفَه (2) "، أي ما بلغ القدر اليسير من فضلهم.
وقد بشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم العديد من الصحابة بالجنة فقال ونعم "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة"(3). فهؤلاء هم المبشرون بالجنة. ولم يحظَ بذلك جيل سوى جيل الصحابة رضوان الله عليهم ولم يكن الصحابة - رضوان الله عليهم - متساوين في الفضل والدرجة، بل كانوا يتفاضلون في السابقة والجهاد وكثرة البذل في سبيل الإسلام، قال تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (4) وقد فصلت الأحاديث الشريفة مقامات الصحابة وتفاضلهم ودرجاتهم.
روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(1) رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 2531.
(2)
رواه البخاري ومسلم (صحيح البخاري 7/ 27 و 28 وصحيح مسلم حديث رقم 541).
(3)
الترمذي: سنن 5/ 647 - 648 وأنظر: صحيح البخاري 4/ 196، 8/ 97، 136 وصحيح مسلم 4/ 1868.
(4)
الحديد:10.
"أهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"(1) وهذا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم فقد استشهد الخمسة الآخرون رضوان الله عليهم أجمعين.
ودل الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على خصائص بعض الصحابة العلمية أو الخلقية أو الجهادية، إرشاداً للأمة للأخذ عنهم والاقتداء بهم فقال:"خذوا القرآن من أربعة، من عبد الله وسالم ومعاذ وأبي بن كعب"(2) وهم عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب.
وأشاد مرة بأبي بكر الصديق رضي الله عنه وسماحته بماله ونفسه في سبيل الإسلام، روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال إنَّه ليس من الناس أحدا أمنَّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر ابن أبي قحافة ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خُلَّة الإسلام أفضل، سُدَّوا عني كلّ خَوخَة في هذا المسجد غيرَ خوخة أبي بكر"(3).
وأشاد صلى الله عليه وسلم بعمر بن الخطاب فقال: "إن الله تعالى جعل الحقَّ على لسان عمر وقلبه"(4).
وقال: "لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناسُ مُحَدَّثون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي أحدٌ فإنه عمر"(5).
وهكذا بين خصائص عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث صار رمزاً للعدل في الإسلام، وبقيت سيرته الطافحة بالعدل الشامخ، والزهد في الدنيا، والجهر
(1) صحيح مسلم حديث رقم 2417 وقارن برواية البخاري في الصحيح 4/ 204.
(2)
رواه البخاري ومسلم (صحيح البخاري 6/ 102 وصحيح مسلم 4/ 1913 حديث رقم 2464).
(3)
صحيح البخاري: 1/ 120.
(4)
رواه الترمذي وقال: حسن غريب (سنن 5/ 617 حديث رقم 3682).
(5)
رواه البخاري ومسلم (صحيح البخاري 4/ 200 وصحيح مسلم 4/ 1864 حديث رقم 2398).
بالحق، والقيام بمصالح الأمة من تنظيم الدواوين، ووضع الخراج، وتجهيز الجيوش، وتحرير المجتمعات من ظلمات الجاهلية، والأخذ بيد الشعوب نحو نور الإسلام، وكرامة الإيمان، وعدل الرحمن، فكان ملهماً محدثاً ذا فراسة. كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمق في الدين والعلم، والعبقرية في العقل والاجتهاد والعمل.
وأشاد صلى الله عليه وسلم بعثمان ذي النورين، الذي ما جمع أحد بين بنتي نبي سواه حيث زوَّجَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنته رقية، فلما ماتت زوجه بنته الثانية أم كلثوم، لذلك لقب بذي النورين، وقد بشَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة والشهادة. فافتدى الأمةَ وحقن دماءها بدمه، ورفض الانصياع للأعراب بالتنازل عن الخلافة بمشورة عبد الله بن عمر لئلا تصبح سنة كلما كره قوم أمامهم خلعوه أو قتلوه (1).
مما يدل على بصيرة سياسية، ووعي بالسنن الاجتماعية، وقدرة على اتخاذ الموقف في أحرج الظروف ومع أشد التضحيات.
وأشاد صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، وزوَّجه بنتَه فاطمة الزهراء البتول، وشهد له بالجنة والشهادة، وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلَّف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تخلِّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي؟ (2).
وروى الإمام مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .. فدعا علياً فأعطاه الراية (3).
فهذه نبذة عن مكانة الصحابة الكرام مما يوجب موالاتهم ومحبتهم والاستغفار لهم وحفظ حقهم ومكانتهم.
(1) خليفة بن خياط: التاريخ 170 بإسناد حسن.
(2)
صحيح البخاري 4/ 208 وصحيح مسلم 4/ 1870 حديث رقم 2404.
(3)
صحيح البخاري 4/ 207 وصحيح مسلم 4/ 1871.