الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد ألم المرض بالرسول صلى الله عليه وسلم فاشتكى بعد عودته من حجة الوداع بحوالي ثلاثة أشهر (1)، وكان بدء شكواه في بيت ميمونة أم المؤمنين (2)، واستغرق مرضه عشرة أيام (3)، ومات في يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول (4). وهو ابن ثلاث وستين (5) وقد صح أن شكواه ابتدأت منذ العام السابع عقب فتح خيبر بعد أن تناول قطعة من شاة مسمومة قدمتها له زوجة سلاّم بن مشكم اليهودية رغم أنه لفظها ولم يبتلعها لكن السم أثر عليه (6). وقد طلب من زوجاته أن يُمَرَّضَ في بيت عائشة أم المؤمنين (7)، فكانت تمسح بيده عليه لبركتها وتقرأ عليه المعوذتين (8).
ولما حضرته الوفاة واشتد به المرض قال للصحابة: "هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده" فاختلفوا فمنهم من أراد إحضار أدوات الكتابة، ومنهم من خشي أن يشق على الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، ويبدوا أن ثمة قرائن احتفت بذلك أفادت أن الأمر بإحضار أدوات الكتاب ليس على الوجوب بل فيه تخيير، فلما قال عمر (رض): حسبنا كتاب الله، لم يكرر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، ولو كان ما أراد كتابته
(1) قال ابن كثير أن وفاته عليه السلام كانت بعد أحد وثمانين يوماً من يوم الحج الأكبر (البداية والنهاية 5/ 101).
(2)
قال ابن حجر إنه المعتمد، ووردت روايات متعارضة أخرى أنه اشتكى في بيت زينب بنت جحش أو ريحانة (فتح الباري 8/ 129).
(3)
جزم به سليمان التيمي، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح. والأكثر على أنها ثلاثة عشر يوماً (فتح الباري 8/ 129).
(4)
اعتمد الحافظ ابن حجر قول أبي مخنف أنه مات في ثاني شهر ربيع الأول وأن الآخرين زادوا "عشر" بعد "ثاني" غلطاً منهم (فتح الباري 8/ 130).
(5)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 150).
(6)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 131).
(7)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 141) ومسند أحمد (الفتح الرباني 21/ 226) بإسناد صحيح.
(8)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 131).
لازماً لأوصاهم به كما أوصاهم في تلك الحالة مشافهة بإخراج المشركين من جزيرة العرب وبإكرام الوفود (1). وقد أفادت رواية صحيحة أن طلبه الكتابة كان يوم الخميس قبل وفاته بأربعة أيام، "ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ (2) لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر".
وقد دعا إليه فاطمة (رض) فسَارَّها بشيء فبكت، ثم دعاها فسَارَّها بشيء فضحكت، وقد أخبرت بعد وفاته أنه أخبرها أنه يموت فبكت وأخبرها بأنها أول أهله لحاقاً به فضحكت (3) وقد كان ذلك فهو من علامات النبوة.
وقد أثقله المرض ومنعه من الخروج للصلاة بالناس فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس، وقد راجعته عائشة (رض) لئلا يتشاءم الناس بأبيها فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن (4) فأصر على ذلك، فمضى أبو بكر يصلي بهم (5) وخرج النبي مرة يتوكأ على العباس وعلي فصلى بالناس وخطبهم وقد أثنى في خطابه على أبي بكر (رض) وبين فضله وأشار إلى تخيير الله له بين الدنيا والآخرة واختياره الآخرة (6).
وكانت آخر خطبة له قبل موته بخمس ليال وقال فيها: إن عبدا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة، ففطن أبو بكر إلى أنه يقصد نفسه فبكى وتعجب الناس منه إذ لم يدركوا ما فطن له (7).
(1) صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 132).
(2)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 135).
(3)
صحيح البخاري (فتح الباري 1/ 208) وأنظر معاني أخرى في أعلام الحديث للخطابي.
(4)
سيرة ابن هشام 4/ 330 بإسناد صحيح وابن كثير: البداية والنهاية 5/ 233.
(5)
أنظر ابن كثير: البداية والنهاية 5/ 232 - 233.
(6)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 141) وأنظر مسند أحمد (الفتح الرباني 21/ 231). وابن كثير: البداية والنهاية 5/ 229 - 230.
(7)
مسند أحمد (الفتح الرباني 21/ 222 والحاشية رقم 3 منه) وتركة النبي (ق. أ. ب) بإسناد رجاله ثقات لكنه مرسل.
وكشف في صلاة الفجر يوم وفاته ستر حجرة عائشة ونظر إلى المسلمين وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم وضحك وكأنه يودعهم، وهم المسلمون أن يفتتنوا فرحاً بخروجه. وتأخر أبو بكر (رض) حيث ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد الخروج للصلاة فأشار الرسول إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.
ودخلت عليه فاطمة فقالت: واكربَ أباه. فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم (1).
ودخل عليه أسامة بن زيد فدعا له بالإشارة إذ كان صامتاً لا يتكلم لثقل المرض (2).
وكان عندما حضره الموت مستنداً إلى صدر عائشة، وقد أخذت سواكاً من أخيها عبد الرحمن فقضمته وأعدته فاستن به الرسول صلى الله عليه وسلم (3).
وكان يدخل يده في إناء الماء فيمسح وجهه ويقول لا إله إلا الله إن للموت سكرات (4). وأخذته بحة وهو يقول (مع الذين أنعم الله عليهم)(5). ويقول: اللهم في الرفيق الأعلى، فعرفت عائشة أنه يخير وأنه يختار الرفيق الأعلى (6).
وقبض صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجر عائشة (رض) حين اشتد الضحى وقيل عند زوال الشمس، ودخل أبو بكر (رض) وكان غائباً في السنح فكشف عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم ثوباً كان عليه، ثم أكب عليه وقبله وخرج إلى الناس، وهم بين منكر ومصدق من هول الأمر، فرأى عمر (رض) يكلم الناس منكراً موت الرسول صلى الله عليه وسلم فاجتمع الناس على أبي بكر فقال: أما بعد من كان منكم يعبد محمداً فإن
(1) صحيح البخاري (فتح 8/ 149).
(2)
سيرة ابن هشام 4/ 329 بإسناد صحيح.
(3)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 138).
(4)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 144).
(5)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 136).
(6)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 136) وسيرة ابن هشام 4/ 329 بإسناد صحيح.
محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} فسكن الناس وجلس عمر (رض) على الأرض لا تحمله قدماه وكأنهم لم يسمعوا الآية إلا تلك الساعة (1).
وقالت فاطمة (رض):
يا أبتاه أجاب رباً دعاه.
يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه.
يا أبتاه إلى جبريل ننعاه (2).
وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبيه وآله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 145).
(2)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 149).