الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجة الوداع
يمثل الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وقد فرض في العام العاشر أو التاسع أو السادس على اختلاف الروايات (1)، وفي العام العاشر أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على الحج وهي المرة الوحيدة التي حج فيها بعد الهجرة إلى المدينة، فتقاطر الناس من أرجاء الجزيرة للحج معه، وخرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة (2). ولما وقف في عرفة نزلت عليه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (3).
وقد تعلم المسلمون مناسك الحج من النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لهم (خذوا عني مناسككم)، فجاءت حجته حافلة بالأحكام الشرعية وخاصة ما يتعلق بالحج وبالوصايا والأحكام العامة التي ورد في خطبة عرفات، لذلك اهتم العلماء بحجة الوداع اهتماما كبيرا واستنبطوا منها الكثير من أحكام المناسك وغيرها مما تحفل به كتب الفقه وكتب شروح الحديث وخصص بعضهم مؤلفات مستقلة في حجة الوداع (4).
وقد شهد الموسم معه جمع غفير من المسلمين (5). استمعوا إلى خطبة الوداع التي ألقاها في عرفات في وسط أيام التشريق وجاء فيها: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلا أن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي هاتين موضع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث، وربا الجاهلية موضوع
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 5/ 109.
(2)
فتح الباري 8/ 104 وابن إسحق بإسناد حسن (سيرة ابن هشام 4/ 272) وابن كثير: البداية والنهاية 5/ 111 وهي رواية ابن إسحق نفسها وقال: إسناده جيد.
(3)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 108).
(4)
أفردها ابن حزم في مجلده (البداية والنهاية 5/ 109) ومن المعاصرين الشيخ ناصر الدين الألباني في مؤلفه حجة النبي والشيخ محمد زكريا الكاند هلوي في مؤلفه حجة الوداع.
(5)
قدرهم أبو زرعة بأربعين ألفا، (ابن كثير: اختصار علوم الحديث 185).
وأول ربا أضع ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فأنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعد إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، وأديت ونصحت لأمتك، قضيت الذي عليك، فقال: بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد) (1).
وقد ألقى خطبا أخرى في منى وذكر في إحداها: (لا ترجعوا من بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)(2)
وفي طريق العودة من حجة الوداع خطب الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في غدير خم قريبا من الجحفة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وأمسك بيد علي بن أبي طالب فقال:(من كنت مولاه فعلي مولاه) وكان علي قد أقبل من اليمن وشهد
(1) الرواية في صحيح مسلم 4/ 38 - 43 من حديث جابر بن عبد الله وقد أضاف إليها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني زيادات يسيرة من كتب الحديث الأخرى التي أوردت حديث جابر بزيادة صحيحة (حجة النبي ص 71 - 73) وأنظر تخريج حديث جابر في (حجة النبي 38 - 41) وأنظر بعض الخطبة في صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 108) وقد ساق ابن إسحق نصا طويلا لخطبة الوداع بدون إسناد، وساق الإمام أحمد نصا طويلا لخطبة حجة الوداع التي ألقيت في أوسط أيام التشريق وفي سنده علي بن زيد بن جدعان قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب "ضعيف" قال البنا:"وروى البزار نحوه بمعناه عن ابن عمر من وجه آخر، ورواه أئمة الحديث في كتبهم مقطعا في أبواب متفرقة من طرق صحيحة والله أعلم"(الفتح الرباني 279 - 281).
(2)
صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 107) وصحيح مسلم 1/ 82.
حجة الوداع (1) وقد اشتكى بعض الجند عليا وأنه اشتد في معاملتهم وكان قد استرجع منهم حللا وزعها عليهم نائبه، فأوضح لهم النبي صلى الله عليه وسلم في غدير خم مكانة علي ونبه على فضله لينتهوا عن الشكوى (2).
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 5/ 209 وقال عن الحديث إسناده جيد قوي وذكره بأسانيد أخرى صحح الذهبي إحداها. وذكر 5/ 212 زيادة له وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) وقال عن سندها: "إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثا".
(2)
المصدر السابق 5/ 106.