المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معجزات الرسول الحسية - السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية - جـ ٢

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالثالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينةالجهاد ضد المشركين

- ‌تشريع الجهاد

- ‌طلائع حركة الجهاد

- ‌تحويل القبلة إلى الكعبة

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌في أعقاب بدر

- ‌غزوة قرقرة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌غزوة ذي أمر:

- ‌غزوة بحران:

- ‌غزوة القردة:

- ‌غزوة أحد

- ‌في أعقاب أحد

- ‌غزوة بدر الموعد:

- ‌من تاريخ التشريع:

- ‌غزوة بني المصطلق (المريسيع)

- ‌غزوة الخندق (الأحزاب)

- ‌في أعقاب غزوة الخندق

- ‌سرية الخبط (سرية سيف البحر)

- ‌غزوة الحديبية

- ‌رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء

- ‌تأديب الأعراب

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة مؤتة

- ‌غزوة ذات السلاسل

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌غزوة الطائف

- ‌غزوة تبوك

- ‌الأحداث الأخيرة

- ‌عام الوفود

- ‌حج أبي بكر بالناس عام 9 ه

- ‌حجة الوداع

- ‌تجهيز جيش أسامة بن زيد بن حارثة

- ‌وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الرابعالرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌عالم الغيب:

- ‌الألوهية والربوبية:

- ‌النبوات

- ‌الإيمان بسائر الأنبياء وأثره:

- ‌بشرية الرسول

- ‌ختم النبوة وعموم الرسالة الإسلامية:

- ‌القرآن معجزة الرسول الخالدة:

- ‌أثر القرآن فى تبصير الإنسان:

- ‌خلو القرآن من التعارض:

- ‌حول ما يزعم من وجود الإعجاز الرياضى فى القرآن:

- ‌معجزات الرسول الحسية

- ‌منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في العبادة

- ‌نبي الرحمة

- ‌محبة الرسول من الإيمان

- ‌أمهات المؤمنين

- ‌جيل عصر السيرةفضل الصحابة ووجوب محبتهم وموالاتهم

- ‌مبادرة الصحابة إلى طاعة الله

- ‌تجرد الصحابة للدعوة إلى الإسلام

- ‌فضل الهجرة

- ‌ثبت المصادر والمراجع للفصل الأول

- ‌ثبت المصادر والمراجع للفصل الثاني

- ‌ثبت المصادر والمراجع للفصل الثالث

- ‌ثبت المصادر والمراجع للفصل الرابع

الفصل: ‌معجزات الرسول الحسية

‌معجزات الرسول الحسية

كان المشركون يطالبون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآيات الحسية التى تخرق سنن الحياة وقوانين الطبيعة، وكانوا يقصدون من وراء طلبهم إظهار عجزه عن ذلك والسخرية منه ولعل المؤمنين-وقد ضاقت بهم السبل-كانوا يتطلعون إلى الاستجابة لطلب المشركين رجاء إيمانهم ،خاصة أن المشركين كانوا يحلفون ويؤكدون بأنهم سيستجيبون للإسلام حال ظهور المعجزات الخارقة. لكن الإسلام لم يعتمد على المعجزات الخارقة فى اجتذاب قلوب الناس إلى الإيمان، بل اعتمد على إقناع عقولهم واجتلاب قلوبهم وملء وجدانهم بمعانى القرآن، الذى يمثل المعجزة الدائمة الباقية، مما يمكن الأجيال المتعاقبة إلى التأثر بهذه المعجزة البيانية ،وما تحمل من معانى الحق والصدق، وما تزخر به من سمو التشريع ،وحسن الإرشاد إلى مكارم الأخلاق ،فضلا عن قوة التأثير الروحى والنفسي فى السامع والقارئ.

وقد أخبر الله تعالى بأن المشركين لن يؤمنوا حتى لو جاءتهم المعجزات الخارقة، لأن الله تعالى يقلب افئدتهم وأبصارهم ،ولا يريد هدايتهم ،فهم أهل عناد واستهزاء وجحود للحق، مثلهم لا يستسلم للحق مهما وضح لهم وسوف يجدون لكل آية تأويلا ،ولكل معجزة تفسيرا ،إذ أنهم طبعوا على الكفر والتمرد على الله تعالى ،ومن كان هذا حاله لا يعدم التأويلات والتفسيرات والظنون والتقولات قريبة وبعيدة. قال تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} (1).

(1) الأنعام:108 - 110.

ص: 611

وما دامت الهداية بيد الله وحده، فمن لم يشأ أن يهديه لا يهتدى حتى ولو رأى الملائكة عياناً وكلمه الموتى جهارا وعاين كل شئ معاينة فانجلى له الأمر تماما ،وهذا فيمن كتب الله عليهم الشقاء ،وأما من كتب لهم السعادة والإيمان فهم الذين استثناهم الله تعالى بقوله:{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقد أكد القرآن على هذه الحقيقة فى آيات كثيرة .. فقال تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ} (1).

وهنا يكشف الله تعالى عن حقيقة أخرى هى سنته فى الكافرين إذا جحدوا المعجزة الحسية ،فهو يعجل لهم العقاب ولا يفسح لهم الوقت للتوبة ،فكان عدم إجابة طلب المشركين رحمة بهم وإنظارا لهم ليثوب إلى الحق من كتبت له السعادة والإيمان ،وأما أهل الشقاء فلن تغير المعجزات مصيرهم مهما بلغت عظمتها واتسع خرقها لقوانين الحياة والطبيعة، وكما قال تعالى فى آية أخرى:{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} (2).

وهكذا حتى لو استجاب الحق لطلب المشركين المعجزات الحسية ،فإنهم سيتأولونها بأعمال السحرة، ويبطلون حجيتها عنادا واستكبارا ،تحقيقا لما كتبه الله عليهم من الشقاء.

وهكذا فإن المعجزة القرآنية انفردت بالظهور والتأثير الكبير ،لما تتسم به من خلود يتسق مع خلود الرسالة الإسلامية وعمومها، أما بقية المعجزات الحسية فقد ظهرت غالبا للصحابة رضوان الله عليهم، وكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بينا، وقد استجابوا لدعوته قبل ظهورها ،فلم تكن سببا فى إيمانهم ،وإنما كان إطلاعهم على أحواله عليه الصلاة واسلام وكرامته على الله تعالى مما يزيد فى انشراح صدورهم وطمأنينة قلوبهم، بل كثيرا ما وقعت المعجزات الحسية لإزالة الكرب

(1) الأنعام:7 - 8.

(2)

الحجر:14.

ص: 612

عنهم أو سد جوعهم أو إلحاق الهزيمة بعدوهم. أما المعجزة القرآنية فكانت تحديا مباشرا للكفار وسببا فى إسلام من أسلم منهم بالإضافة إلى تأثير شخص النبي-صلى لله عليه وسلم- فى حسن خلقه الجم ،ولطف حديثه ،وكمال معانيه وسدادها.

قال ابن تيمية رحمه الله فى كتاب النبوات: "والقرآن مما يعلم الناس -عربهم وعجمهم - أنه لم يوجد له نظير له مع حرص العرب وغير العرب على معارضته، فلفظه آية، وأخباره آية، وأمره ونهيه، ووعده ووعيده آية، وجلالته وعظمته وسلطانه على القلوب آية، وإذا ما ترجم بغير العربي كانت معانيه آية، كل ذلك لا يوجد له نظير فى العالم"(1).

وهذا تفصيل جميل لأوجه الإعجاز القرآنى لفظا ومعنى، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم مكانة المعجزة القرآنية فى دعوته ،وأنها الغالبة على سائر معجزاته فقال:"ما من الأنبياء إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ،فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"(2).

ورجاؤه صلى الله عليه وسلم أن يكون أكثر اتباعا ممن سبقه من الأنبياء لخلود رسالته ،وخلود معجزاته القرآنية التى تكفل انضواء اتباع جدد تحت رايته حتى قيام الساعة.

قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (3) وقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (4). وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (5).

(1) ابن تيمية: النبوات 164.

(2)

متفق عليه (صحيح البخارى9/ 3 وصحيح مسلم1/ 134).

(3)

الإسراء:88.

(4)

هود:14.

(5)

يونس:38.

ص: 613

وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (1) وقال: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} (2).

وهكذا تحدى القرآن الأجيال البشرية عبر القرون بأن يأتوا بمثل هذا القرآن ،أو بعشر سور مثله أو بسورة مثله ،أو بحديث مثله، فلم يجب أحد على تحديه، فبان أنه أنزل بعلم الله.

إن إنكار البعض للمعجزات الحسية غير القرآن لا وجه له ،فقد ثبتت بالأحاديث الصحيحة المستفيضة، فمعناها متواتر من حيث الدلالة على وقوع معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم فيها خرق للناموس الطبيعى، كما فى حادثة شق الصدر فى العام الخامس من عمره صلى الله عليه وسلم.ثم تكرر ذلك قبل الإسراء والمعراج وهو فى الثانية والخمسين من عمره، وكلتا الحادثتين فى الصحيحين. فعن أنس بن مالك -رضى الله عنه-:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان ،فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده فى مكانه ،وجاء الغلمان يسعون -يعنى ظئره- فقالوا: إن محمدا قد قتل فاستقبوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط فى صدره"(3).

وفى الصحيحين عن أنس قال: "كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرج سقف بيتى وأنا بمكة ، فنزل جبريل ،ففرج صدرى ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه فى صدرى، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء الدنيا"(4).

ولا شك أن خبر شق الصدر لا تتقبله عقول الماديين ،أما المؤمنون بالغيب فهم يسلمون به تبعا لتسليمهم بالوحى والنبوة ،وهما خرق للقانون المادى ،لا

(1) البقرة:23.

(2)

الطور:33.

(3)

رواه الإمام مسلم فى صحيحه1/ 147.

(4)

رواه البخارى فى صحيحه كما فى فتح البارى1/ 458 ومسلم فى صحيحه1/ 148.

ص: 614

تقبله الفلسفات الحسية لأنه ظاهرة لا يمكن إخضاعها لتجاريب المختبرات ، ولكن الإيمان بالغيب شرط الإسلام:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} (1).

كان المشركون إذا يطالبون النبي صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الحسية ،واعدين بالإيمان إذا رأوا وسمعوا ،ولم يعتمد منهج الدعوة المحمدية أسلوب المعجزات الحسية فى هداية الناس إلى الله ونبيه ورسالته اعتمادا كبيرا، ولكن السيرة المحمدية لم تخل من خرق للسنن الطبيعية ،لكن الخرق كان يحدث أمام المؤمنين غالبا ولم يكن سببا فى إيمانهم ،لكنه كان يطمئن قلوبهم ويزيدهم إيمانا ،فضلا عن رفع الشدائد وحل الأزمات وتيسير الصعاب عليهم.

ومن الأحداث النادرة التى استجاب الله تعالى فيها لتحدى المشركين ما رواه البخارى فى صحيحه من "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم إنشقاق القمر فقال عليه الصلاة والسلام: اشهدوا"(2).

وقد فصل حديث صحيح حادثة انشقاق القمر فى المرحلة المكية من حديث الصحابى جبير بن مطعم -رضى الله عنه- قال: (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت فرقتين، فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد وقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم)(3).ولم يكن قولهم سحرنا محمد تعبيرا عن اقتناعهم ، وإنما كان ذريعة للتخلص من وعدهم بالإيمان عند رؤية المعجزة ،فالفرق بين معجزة النبى وعمل الساحر ظاهر ،فهم لم يألفوا من رسول الله تعلم السحر وتعاطيه، ولذلك لم يجر على لسان المشكرين بيان اكتسابه ومن علمه إياه. ثم إن النبى يريد هدايتهم إلى الحق وليس جرَّ نفع لنفسه كما هو شأن الساحر.

وإذا كان انشقاق القمر استجابة لطلب المشركين وكشفاً لعنادهم وكذبهم فإنَّ حادثة الإسراء والمعراج وما رافقها من وصف دقيق لبيت المقدس قدَّمه الرسول

(1) البقرة:3.

(2)

رواه البخارى فى صحيحه6/ 631.

(3)

رواه الإمام أحمد فى مسنده 4/ 81 وروى ابن حبان طرفه (موارد الظمآن 519).

ص: 615

عليه الصلاة والسلام أمام المشركين ولم يكن قد رآه، وما رأى من آيات ربه الكبرى فى المعراج كل ذلك كان معجزة دون أن يطالبه بها أحد ،بل كانت فتنة وامتحانا ميزت بين المؤمنين والكافرين.

وقد وقعت معجزات حسية أخرى للرسول صلى الله عليه وسلم أمام بعض المشركين فى أوقات متابينة من المرحلة المدنية، لكنها لم تؤد إلى إيمان أحد منهم بصورة مباشرة استجابة لقهر المعجزة، بل تأخر إيمانهم بعدها حين شاء الله لهم الهداية، فقد حدث فى أحد أسفار الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة أن نفد الماء ،فأرسل اثنين من الصحابة يرتادان المياه، فلم يجدا ماء بل وجدا امرأة تحمل مزداتين من ماء على بعير لها، فقدما بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-ففرغ من مائها فى إناء ثم سقى الناس منه، ثم أعاد إليها المزداتين كاملتين مع هدايا من الطعام ،وقال لها: تعلمين ما رزئنا من مائك شيئا ولكن الله هو الذى اسقانا، فلما رجعت المرأة إلى أهلها قالت عنه فعل كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر الناس، أو إنه لرسول الله حقا ولم تسلم وقومها إلا بعد حين (1). فرغم ما لاحظته المرأة من المعجزة الحسية الظاهرة، فإنها لم تسلم نتيجة ذلك لأن العقل الكافر قد يخلط ما بين معجزة النبي والسحر عند شيوع الجهل وضعف الوعى وانعدام التمييز بين الحق والباطل.

ومثل هذا تكرر مع رجل من بنى عامر-فيما يرويه الإمام أحمد بسند صحيح قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بنى عامر فقال: يا رسول الله أرنى الخاتم الذي بين كتفيك فإنى من أطب الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك آية؟ قال: بلى. قال فنظر إلى نخلة فقال: ادعى ذلك العَذْقَ. قال: فدعاه فجاء ينقر حتى قام بين يديه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:ارجع فرجع مكانه. فقال العامرى: يا آل عامر ما رأيت كاليوم رجلا أسحر)(2).

(1) أخرجه البخاري فى صحيحه1/ 447.

(2)

المسند: 1/ 223.

ص: 616

ولكن أمر المرأة صاحبة المزادة والرجل العامرى يختلف عن موقف قريش، لأن المرأة والعامرى لم يكونا يعرفان الرسول-صلى الله عليه وسلم،كما كانت قريش تعرف من صدقه وحسن سيرته وجوانب دعوته، وأنه رفض عروضها الدنيوية ،وهى مطلب الساحر ومراده من السحر.

والحق أن اطلاع المشركين على المعجزات الحسية للرسول صلى الله عليه وسلم كان قليلا إلى جانب المعجزات الحسية الكثيرة التى شهدها المؤمنون فازدادوا إيمانا واستبشاراً ..

قال عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه-: (كنا نعد الآيات بركة ،وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فقلَّ الماء فقالوا: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بآناء فيه ماء قليل ،فأدخل يده فى الإناء ثم قال: حىَّ على الطهور المبارك، والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)(1).

وقد استفاضت الأخبار الصحيحة فى تكثير الماء والطعام بين يديه فى السفر والحضر، فقد توضأ سبعون صحابياً فى قدح فيه ماء يسير مدّ النبي فيه أصابعه الأربع، ومرة أخرى توضأ زهاء ثلثمائة من إناء وضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده فيه ،فجعل الماء ينبع من بين أصابعه (2).

وقد تكرر منه ذلك فى الحديبية مرارا ،فقد نزل المسلمون على ثمد قليل الماء فنزحوه، واشتكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-العطش "فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ،فوالله ما زال يجيش لهم بالرى حتى صدروا عنه"(3). ومرة أخرى فى الحديبية عطش الناس وبين يدى النبي ركوة فتوضأ منها ،واشتكى الناس إليه أن ليس عندهم ماء للشرب وللوضوء غير ما فى الرَّكوة ،فوضع يده فى الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون ،فشرب ألف وخمسمائة من الصحابة وتوضأوا. وهذا الخبر يرويه جابر بن عبد الله فى صحيح البخارى ،وقد شهده العيان من الصحابة وهم جمع غفير ،وما أنكره أحد (4).

(1) أخرجه البخارى فى صحيحه 6/ 587.

(2)

أخرجه البخارى فى صحيحه 6/ 580 - 581.

(3)

أخرجه البخارى فى صحيحه 5/ 329.

(4)

صحيح البخارى 6/ 581.

ص: 617

ومن ذلك ما حدث فى غزوة تبوك حيث أخبر معاذ بن جبل بأن عين ماء تبوك كانت تبضُّ بشئ من ماء، وأن المقاتلين وقفوا عليها ،ومعروف أن جيش تبوك هو أكبر جيش قاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا يجدى معهم ماء لا يكفى للرجل الواحد إلا بعد جمعه فى إناء! فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يديه ووجهه بماء جمع له من العين في إناء، ثم أعاده فى العين فجرت بماء منهمر، فقال لمعاذ:"يوشك يا معاذ أن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا"(1).

وكذلك فقد استفاضت الأخبار الصحيحة فى تكثير الطعام بين يديه عليه الصلاة والسلام، منها حديث جابر بن عبد الله -رضى الله عنه-فى الخندق، حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم

يعصب بطنه بحجر من الجوع، فقد لبث المسلمون ثلاثة أياما لا يذوقون طعاما ،فطلب جابر من امرأته أن تصنع طعاما فذبحت ماعزا وطحنت شعيرا، فصنعت من اللحم والشعير برمة ،وذهب جابر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه قائلا: طعيم لى فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان ،فصاح النبي بأهل الخندق ودعاهم إلى طعام جابر وهم ألف ،فأسقط فى يد جابر واشفق من قلة الطعام ،فبارك النبي فى الطعام قال جابر: فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هى، وإن عجيننا ليخبز كما هو (2).

وقد تكرر تكثير الطعام فى وليمة زواجه-صلى الله عليه وسلم من زينب رضى الله عنها ،فقد أهدت له أم سليم حَيْسةً فى برمة صنعتها من تمر وسمن وأقط، فدعا النبى-صلى الله عليه وسلم رجالا غصَّ بهم البيت ودعا بما شاء الله له من الدعاء ثم أكلوا منها جميعاً (3).

وفى غزوة تبوك نفدت أزواد المسلمين حتى هموا بنحر بعض إبلهم التى تحملهم ،فقال عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-:يا رسول الله لو جمعت ما بقى من أزواد القوم فدعوت الله عليها ففعل، فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره

(1) رواه مسلم فى صحيحه3/ 1784.

(2)

رواه البخارى ومسلم (صحيح البخارى7/ 395 وصحيح مسلم 3/ 1610).

(3)

رواه البخارى فى صحيحه 9/ 226.

ص: 618

فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهم فقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة (1).

وقال أبو هريرة-رضى الله عنه-: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم-بتمرات ،فقلت أدع الله لى فيهن بالبركة. قال: فصفَّهنَّ بين يديه ثم دعا. فقال لي: اجعلهن فى مزود وأدخل يدك ولا تنثره، قال فحملت منه كذا وكذا وسقا فى سبيل الله ونأكل ونطعم ،وكان لا يفارق حقوى فلما قتل عثمان -رضى الله عنه -انقطع عن حقوى فسقط (2).

ومن هذه المعجزات الحسية الطبيَّة أن عبد الله بن عتيك عندما ذهب لقتل اليهودى أبى رافع لما كان يفعل من أذى الرسول والإعانة عليه، سقط عبد الله من درجة فى بيت أبى رافع، فانكسرت ساقه ،فلما رجع فأخبر رسول الله بقتل أبي رافع وأن رجله انكسرت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:ابسط رجلك. قال: فبسطت رجلى فمسحها فكأنَّها لم اشتكها قط (3).

وأصيبت ساق سلمة بن الأكوع فى غزوة خيبر فأتى النبى صلى الله عليه وسلم قال سلمة: فنفث فيها ثلاث نفثات فما اشتكيت حتى الساعة (4).

وذهبت خالة السائب بن يزيد به وهو صغير إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-فقالت: إن ابن أختى شاك فادع الله له، فدعا له. فمات السائب وهو ابن أربع وتسعين وكان جلدا معتدلا، فكان يقول: لقد علمت ما متعت به سمعى وبصرى إلا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم (5).

ومسح رسول الله على وجه قتادة بن ملحان، فصار كأن على وجهه الدهان ،أو كالمرآة تنعكس عليه الأشياء (6).

(1) صحيح مسلم1/ 55.

(2)

رواه الإمام أحمد فى مسنده 2/ 352،والترمذى فى جامعه وقال: حسن غريب من هذا الوجه وقد روى من غير هذا الوجه عن أبى هريرة (سنن الترمذي 5/ 685 حديث رقم 3839).

(3)

رواه البخارى فى الصحيح 7/ 34.

(4)

المصدر السابق 7/ 475.

(5)

رواه البخارى فى صحيحه 4/ 163.

(6)

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح (المسند5/ 28و81).

ص: 619

وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بالأمور المغيَّبة ،فهو لا يدل بالطبع على معرفة الغيب إذ ليس ذلك إلا لله وحده، ولكنه يخبر بما يعلمه الله بواسطة الوحى، فعن أبي هريرة-رضى الله عنه-:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي فى اليوم الذى مات فيه، خرج إلى المصلى فصفَّ وكبَّر أربعا (1).

ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم عن استشهاد القادة الثلاثة فى غزوة مؤتة ،قبل وصول الخبر إلى المدينة ،فقال صلى الله عليه وسلم:"أخذ الراية زيد فأصيب ،ثم أخذها جعفر فأصيب ،ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ،وإن عينى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان ،ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له"(2).

ومن ذلك ما رواه أبو حميد الساعدى فى سياق غزوة تبوك: "وانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستهبُّ عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى القته بجبلي طيئ" (3).

وعندما قدَّمت له امرأة طعاماً مع جمع من أصحابه فلاك لقمة فى فمه ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير أذن أهلها؟ فقالت المرأة: يا رسول الله إنى أرسلت إلى البقيع يشترى لى شاة. فلم أجد، فأرسلت إلى جار لى قد اشترى شاة أن أرسل إلى بها بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلى بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعميه الأساري" (4).

وأما عصمة الله تعالى له فقد روى الصحابي جابر بن عبد الله (أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم-قفل معه، فأدركته القائلة فى واد كثير العضاه، فنزل رسول الله-صلى الله عليه وسلم،وتفرق الناس يستظلون بالشجر،

(1) رواه البخارى فى صحيحه 3/ 116.

(2)

رواه البخارى فى صحيحه 3/ 116 من حديث أنس بن مالك.

(3)

رواه مسلم فى صحيحه 4/ 1785.

(4)

أخرجه أبو داؤد بإسناد حسن (سنن3/ 627 حديث رقم 3332،ومسند أحمد 5/ 294.

ص: 620

فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعلق سيفه، ونمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا وإذ عنده أعرابي فقال: إن هذا اخترط عليَّ سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله - ثلاثا -، ولم يعاقبه وجلس" (1).

ومما يدل على عصمة الله له ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: "قال أبو جهل: هل يعفِّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرنَّ وجهه في التراب. قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجئتهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتَّقي بيديه. قال: فقيل له: مالك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا"(2).

وأما إحساس النبات والجماد به ومخاطبته لهما فمن ذلك حديث جابر بن عبد الله قال: "إن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لي غلاما نجارا؟ قال: إن شئت. فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكَّت حتى استقرَّت"(3).

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن"(4).

ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: "كان لآل رسول الله وحش، فكان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتدَّ ولعب في البيت، فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن ولم يتحرك كراهية أن يؤذيه"(5).

(1) صحيح البخاري 3/ 229.

(2)

رواه مسلم في صحيحه 2/ 2154.

(3)

رواه البخاري في صحيحه 4/ 319.

(4)

رواه مسلم في صحيحه 4/ 1782.

(5)

رواه أحمد بإسناد حسن (المسند 6/ 209).

ص: 621

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار عن أذى جمل قائلا: "ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكاك إليَّ وزعم إنك تجيعه وتُدئبُهُ"(1).

وقد رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين بالتراب في وجوههم في عدة مواقف من السيرة، فكان للتراب أثر في هزيمتهم. كما أخبر شهود عيان من الصحابة رضوان الله عليهم، فأخبر العباس بن عبد المطلب وسلمة بن الأكوع أنه صلى الله عليه وسلم لما غشيه المشركون في غزوة حنين، نزل عن بغلته فأخذ ترابا أو حصيات من الأرض، ثم استقبل به وجوهم فقال:"شاهت الوجوه. فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين"(2).

وقد أخبر عبد الله بن عباس (أن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاهدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأينا محمدا قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله.

قال: فأقبلت فاطمة تبكي حتى دخلت على أبيها فقالت له: ما علمت .... " قال: يا بنية أدني وضوءا فتوضأ، ثم دخل المسجد فلما رأوه قالوا هو هذا. منهم رجل، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رءوسهم فأخذ قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه. قال: فما أصابت منهم حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا"(3).

إذا شهد المسلمون معجزات كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تزيدهم إيمانا واستبشارا، وكانت متنوعة في جنسها، متكررة في أوقات عديدة، ما بين تكثير الماء والطعام حتى ليكفي ماء وطعام الاثنين والثلاثة عددا كبيرا يبلغ الألف أو يزيد، وما بين تطبيب المرضى بالدعاء والمسح على موضع الأذى، وما بين

(1) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح (المسند 1/ 250 و 269).

(2)

رواه مسلم واللفظ لسلمة بن الأكوع (الصحيح 3/ 1398 و 1402).

(3)

رواه الإمام أحمد بإسناد حسن (المسند 1/ 368).

ص: 622

الأخبار عن أمور مغيبة فتقع كما أخبر، وما بين انصياع الحيوان والنبات والجماد له وهي لا تعقل، وما بين عصمة الله له من القتل، واستجابة الله لدعائه. وقد مال بعض الباحثين إلى إنكار المعجزات الحسية بحجة أنها لا تتمشى مع نمط التفكير العقلي الحديث. ولا تتقبلها الفلسفات الحديثة، ولا مناهج البحث المعاصرة. وقد اعترف هؤلاء بالمعجزة القرآنية وحدها، لأنها محسوسة لأهل هذا العصر يمكنهم دراستها والحكم على أوجه الإعجاز فيها، أما المعجزات الحسية التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يمكن إخضاعها للدراسة، ولا تتقبلها الأعراف العلمية السائدة. ونظرا لأن المصادر الإسلامية الصحيحة نقلت أخبار المعجزات الحسية، فإن إنكارها فيه اتهام لشهود العيان من الصحابة رضوان الله عليهم بالكذب أو بضعف العقل وخلل التصور، بحث نقلوا أخبارا تصوروها صحيحة وليست كذلك، ولا يخفى ما في الإتهامين من إجحاف وتناقض فقد قبلنا من نفس شهود العيان ما يتعلق بالعقيدة والشريعة، وتعرفنا على أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فلماذا قبلنا منهم رواياتهم في هذا كله، وأنكرناها عندما تعرضت لأخبار المعجزات الحسية، وإن كانت العلة أن العقل المادي يرفض المعجزات، فإنه يرفض الوحي كله ويرفض الإيمان بالله وبرسالاته، فلا مناص للمؤمن بالغيب من قبول الروايات الصحيحة المتعلقة بالمعجزات الحسية.

ص: 623