الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: شعر الصعاليك
الفصل الأول: ديوان الصعاليك
مصادره
…
الفصل الأول: ديوان الصعاليك
1-
مصادره:
يقف الدارس لشعر الصعاليك أمام مسألة بالغة الخطر، تواجهه منذ البداية، وتوشك أن تنصرف به عن المضي في دراسته، إذ هي عماد هذه الدراسة، المحور الذي تدور حوله، تلك هي مسألة مصادر هذا الشعر: أين هي؟
ومن الحق أن نسجل قبل الإجابة عن هذا السؤال أن مسألة مصادر الشعر الجاهلي من المسائل التي تواجه الباحثين فيه منذ البداية؛ ذلك لأن أكثر مجموعات شعر القبائل التي تزخر بأسمائها كتب التراجم قد فقدت، ولم يصل إلينا منها إلا القليل، أما دواوين الشعراء فقد تركزت عناية الرواة والشراح بدواوين المشهورين منهم، أما أولئك الذين لم يكن لهم خطر في نظرهم فلم يكن حظهم من العناية بهم كبيرا. هذا إلى أن عمل هؤلاء الرواة والشراح قد اتجه اتجاها فنيا أو لغويا خالصا، أما فكرة جمع الوثائق الأدبية التي تمثل الجوانب الاجتماعية أو الاقتصادية أو الدينية أو غير ذلك من جوانب العصر المختلفة فشيء وراء اهتمام هؤلاء الرواة، مع ما له من أهمية للباحث الأدبي والباحث التاريخي على حد سواء. وليس من شك في أن هؤلاء الرواة لو نظروا إلى عملهم على أنه عمل تاريخي يحرص على تسجيل كل جوانب العصر الذي يجمعون وثائقه الأدبية، حتى تلك التي تصور انحطاطه أو ضعفه، لتغير وجه التاريخ الأدبي للعصر القديم تغيرا كبيرا.
أما أولئك المغمورون من الشعراء فقد بُعثرت مجموعاتهم الشعرية بين ثلاثة مصادر: كتب الثقافة العربية المختلفة، كل منها يستغلها لأغراضه الخاصة وفي دائرته الخاصة، ثم مجموعات المختارات من شعر الشعراء، وهذه -بطبيعة الحال- كانت متأثرة بذوق أصحابها، كما أنها كانت محصورة داخل دائرة الاختيار، وهي دائرة مهما تتسع ضيقة، ثم كتب التراجم التي تذكر بعض أخبار من تترجم لهم وبعض نماذجهم الفنية، وحتى هذه -أو على الأقل أكثرها- لم تكن تعنى إلا بالمشهورين. ولنستمع إلى ابن قتيبة في مقدمة "الشعر والشعراء" يحدثنا عن الأساس الذي أقام عليه كتابه، لنرى صورة من ذلك الاهتمام الذي يقف عند المشهورين فحسب، ولا يكاد يفكر فيمن عداهم:"قال أبو محمد: وكان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جل أهل الأدب، والذين يقع الاحتجاج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله عز وجل وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما من خفي اسمه، وقل ذكره، وكسد شعره، وكان لا يعرفه إلا بعض الخواص، فما أقل من ذكرت من هذه الطبقة"1. ومعنى هذا أن رواة الشعر العربي -أو على الأقل أكثرهم- كانوا ينظرون إلى الشعر القديم على أنه وسيلة لأغراض لغوية لا على أنه نتاج عصر متعدد الجوانب.
والأمر في شعر الصعاليك أسوا من هذا. فقد عرفنا أن هؤلاء الصعاليك كانوا يمثلون طائفة خارجة على المجتمع، متمردة على أوضاعه وتقاليده، لا تحرص على قبائلها كما لا تحرص قبائلها عليها، ونتيجة هذا أن القبائل لم تحرص على شعرهم؛ لأنه يمثل ذلك الخروج عليها، وذلك التمرد على أوضاعها وتقاليدها، ولأنه حديث فردي يعني بتصوير شخصيات أصحابه بقدر ما يهمل شخصيات قبائلهم، وما حاجة القبائل إلى ذلك اللون من الشعر الذي لا يهتم بها في شيء، بل على العكس يهتم بتسجيل تمرده عليها والإساءة إليها؟ وماذا يحمل هذه القبائل على الحرص على هذا الشعر بعد أن لم تحرص على أصحابه؟ وقد رأينا إلى جانب
1 ص2، 3.
هذا أن هؤلاء الصعاليك عاشوا حياة متشردة بين أرجاء الصحراء الواسعة الرهيبة، حيث يعيش الحيوان النافر، والوحش الضاري، ونتيجة هذا أن سبل الاتصال بين هؤلاء الصعاليك وبين مجتمعهم لم تكن ميسرة، بل على العكس كانت معقدة أشد التعقيد؛ إذ هي صلة عداوة مستحكمة، لا تجعل أحدهما يطمئن إلى الآخر، وقد قلنا من قبل إن المجتمع فقد اطمئنانه إلى هؤلاء الصعاليك كما فقدوا هم طمأنينتهم فيه. ومعنى هذا أن كثيرا من شعر الشعراء الصعاليك ضاع بين آفاق الصحراء المجهولة، وذهبت أنغامه ما بين حيوانها ووحشها، حيث لا ناطق ولا سميع ولا راوية إلا هؤلاء الصعاليك أنفسهم الذين بعد ما بينهم وبين مجتمعهم، وقد هدد تأبط شرا عاذليه إن لم يتركوا عذله ليتركنهم إلى آفاق الصحراء المجهولة حيث لا أحد -مهما تكن معرفته- بمنبئهم عن موضعه1، وإذن فكيف يصل ما يقوله من شعر في تلك الآفاق المجهولة إلى آذان المجتمع الأدبي؟
ومع ذلك فقد وصلت إلينا مجموعة لا بأس بها -وإن تكن قليلة- من شعر هؤلاء الصعاليك. وقد نتساءل: كيف وصلت إلينا هذه المجموعة برغم كل هذا؟
مصادر هذه المجموعة، عندي، ثلاثة:
فليس من شك في أن هؤلاء الشعراء الصعاليك قد مرت بهم في حياتهم فترات عاشوا فيها من قبائلهم حياة قبلية متوافقة توافقا اجتماعيا، وهي تلك الفترات التي سبقت حياتهم المتصعلكة؛ إذ ليس مما يمكن تصوره أن يبدأ هؤلاء الصعاليك حياتهم المتصعلكة منذ أن ترى أعينهم نور الحياة، وإنما الذي يمكن تصوره أنهم عاشوا فترة من حياتهم -قصرت أو طالت- مع قبائلهم، فليس التصعلك بالظاهرة الوراثية، وإنما هو كما رأينا في الفصول السابقة ظاهرة تعمل فيها عوامل جغرافية واجتماعية واقتصادية. ومن الطبيعي أن يكون بعض هؤلاء الشعراء الصعاليك قد اكتملت ملكاتهم الفنية قبل أن يتصعلكوا،
1 انظر البيتين 23 و24 من قصيدته القافية "ابن الأنباري: شرح المفضليات/ 18".
وأن يكونوا قد شاركوا سائر شعراء قبائلهم في حياتهم الفنية، وقد رأينا مثلا لهذا قيس بن الحدادية الذي شارك قبيلته اجتماعيا وفنيا مشاركة قوية، خاض معها غمار أيامها، بل قادها أحيانا إلى مواطن النصر، وتغنى بهذا كله في شعره. ومن الطبيعي أيضا أن تحرص القبيلة على هذا الشعر وترويه، وتتغنى به، وتتناقله جيلا بعد جيل، حتى يتلقفه من أفواه أبنائها رواة الشعر العربي الذين كانوا يشدون الرحال إلى البادية ليجمعوا شعر قبائلها. ومعنى هذا أن جزءا من شعر الصعاليك، وهو ما يصح أن نطلق عليه "الشعر خارج دائرة الصعلكة"، قد وصل إلينا عن طريق قبائلهم نفسها.
ومن هذه المجموعة أيضا ذلك الشعر الذي خلا من مهاجمة القبيلة أو التعرض لها بما تكره، كوصف الغارات، أو وصف وحش الصحراء، أو قصص تلك الأشباح التي كانت تتراءى للصعاليك في تشردهم في ليالي الصحراء المظلمة، فما على القبيلة ضير من رواية هذا الشعر، أو هذه الأقاصيص العجيبة التي ترضي الذوق الشعبي، في أوقات فراغها أو في ليالي أسمارها. ولعل مما يؤيد هذا قلة ما وصل إلينا من شعر هؤلاء الصعاليك الذي هاجموا فيه قبائلهم، أو تعرضوا فيه لها بما تكره، وليس من شك في أنه كان شعرا كثيرا، فإن هذه المجموعة من الشعر قد أغفلتها القبائل ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. ويشبه هذا ما نلاحظه من ضياع تلك المجموعة من الشعر التي قالها مشركو مكة في أول ظهور الإسلام، عند احتدام الصراع بين شعراء مكة المشركين وشعراء المدينة الذين اعتنقوا الإسلام، ووقفوا يدعون له، ويدافعون عنه.
ومن هذه المجموعة أيضا شعر أولئك الصعاليك الذين فقدوا توافقهم الاجتماعي مع قبائلهم لأسباب اقتصادية في أكثر الأحيان، أو اجتماعية في بعض الأحيان، ولكنهم لم يفارقوها، كما نرى عند طائفة من صعاليك هذيل، أو عند السليك الذي قلنا إن العصبية القبلية عنده قد اتسعت حتى أصبحت "عصبية جنسية"، أو عند تأبط شرا الذي جعل من قبيلته فهم -أو بتعبير
أدق- من موطنها مركزا يعود إليه بعد غاراته1، فهذه الطوائف من الصعاليك لم تجد قبائلهم ضيرا من أن تروي ما وصل إليها من شعرهم، وبخاصة لأنه يصلح مادة للسمر الممتع الشهي.
ومعنى هذا المصدر الأول من مصادر شعر الصعاليك هو قبائلهم نفسها. وقد رأينا أن الصعاليك الخلعاء الذين تبرأت منهم قبائلهم، وطردتهم من حماها، قد استجاروا ببعض القبائل أو ببعض ساداتها، إما استجارة دائمة وإما استجارة مؤقتة. ومن الطبيعي أن يتحدث شعراء هذه الطائفة من الصعاليك الشذاذ عن هذا الجوار في شعرهم، فيمدحوا من أجاروهم، ويثنوا عليهم بما يرونه ردا لذلك الدين الذي طوقت به أعناقهم. ومن الطبيعي أيضا أن يعرضوا لقبائلهم التي خلعتهم، فيكيلوا لها الهجاء، ويخصوا بالذات أولئك الذين كانوا سببا في خلعهم، ومن الطبيعي أن تحرص هذه القبائل التي أجارتهم، هؤلاء السادة الذين أنزلوهم في حماهم، على هذا الشعر حرصا شديدا، وأن يعملوا على إذاعته بين العرب؛ لأنه تسجيل لبعض مفاخرهم، وإشادة ببعض أمجادهم، وليس ما يمنع من أن تذيع هذه القبائل ما قاله هؤلاء الصعاليك في قبائلهم التي خلعتهم؛ لأنه فرصة للنيل منها.
وإذن فالمصدر الثاني من مصادر شعر الصعاليك هي تلك القبائل التي استجار بها الخلعاء منهم.
والمصدر الثالث من مصادر شعر الصعاليك هم الصعاليك أنفسهم. وأظن أنه ليست هناك غرابة في أن يروي الصعاليك شعر شعرائهم، ويتغنوا به، ويرددوه في كل مناسبة؛ لأنه صورة من حياتهم، وصدى لما يدور في نفوسهم. ومن الطبيعي أن يعمل هؤلاء الصعاليك على أن يذيعوا هذا الشعر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ لأنه تعبير عن مذهبهم في الحياة، وتعليل لذلك الأسلوب الذي سلكوه في حياتهم، لعلهم بهذا يضمون إليه أنصارا جددا،
1
فأبت إلى فهم وما كدت آئبا
…
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
"حماسة أبي تمام 1/ 38".
أو يقنعون مجتمعهم بأنهم على حق في حركتهم. وساعدهم على هذا ما كان يجده هذا الشعر من إعجاب في الأوساط الشعبية التي كانت تفتن بهذا اللون من الشعر، بما فيه من غرابة، وما فيه من بطولة، ولأنه تعبير عن أشياء لعلهم أكثر من يحسونها ويشعرون بها. ولعل شعر عروة بن الورد وصل إلينا أكثره عن طريق هذا المصدر؛ لأن عروة كان يمثل شخصية الزعيم الشعبي صاحب المذهب الذي يحرص على أن يضم إليه أكبر عدد ممكن من الأنصار، ولعل هذا هو السبب في أن شعر عروة هو أكبر مجموعة من شعر الصعاليك وصلت إلينا.
أما تلك المجموعة من الشعر التي نظمها الصعاليك المخضرمون بعد ظهور الإسلام، والتي يصح أن نطلق عليها "شعر ما بعد الصعلكة"، فإن شأنها شأن سائر الشعر في ذلك العصر، رواها الروة كما رووه، وحفظوها كما حفظوه؛ إذ أن الصعاليك المخضرمين قد ودعوا حياة التصعلك بعد ظهور الإسلام وشاركوا في الحياة الجديدة كما شارك غيرهم.
عن طريق هذه المصادر وصل إلينا شعر الصعاليك. ويبدو أن بعض رواة الشعر العربي قد تنبهوا إلى أن هذا الشعر يكون مجموعة متشابهة المقومات الفنية، فعملوا على جمعه في دواوين خاصة به1. ولكن مع الأسف الشديد لم يصل إلينا من هذه الدواوين إلا أسماؤها وأسماء مؤلفيها، أما هي فقد ضاعت مع ما ضاع من التراث العربي القديم، وليس بين أيدينا الآن من هذه الدواوين -فيما أعرف- سوى قطعة من "كتاب أشعار اللصوص" لأبي سعيد السكري الذي أشار إليه البغدادي في مقدمة الخزانة بين الكتب التي اعتمد عليها في تأليفها2، والذي ذكره ابن النديم من بين مؤلفات السكري3، ويذكر بركلمان أن هذه القصة هي ديوان طهمان من العصر الأموي، وأن
1 انظر ما ورد في فهارس معجم الأدباء لياقوت عن كتب أشعار اللصوص والشطار والفتيان والفتاك "جزء 20".
2 خزانة الأدب 1/ 10.
3 الفهرست/ 78.
الأستاذ رايت نشرها1، وفي خزانة الأدب للبغدادي قطعة أخرى منه2، هي مجموعة من أخبار عبيد الله بن الحر وأشعاره، وهو أيضا من صعاليك العصر الأموي، وينقل عنه ياقوت في معجم البلدان في كثير من المواضع3، وكذلك ينقل عنه صاحب الأغاني4، ويذكر بركلمان أن في شرح الحماسة للتبريزي مقتطفات منه5. ويبدو أن هذا الكتاب من الكتب التي كانت لها قيمتها، والقطع التي وصلت إلينا منه تدل على هذا دلالة قوية، وصاحب الخزانة يثني عليه6، وحسب هذا الكتاب أنه من عمل السكري الذي يقول عنه ابن النديم "الذي عمل من علماء أشعار الشعراء فجود فأحسن أبو سعيد السكري"7. وللسكري أيضا كتابان آخران يذكرهما ابن النديم، هما أشعار فهم وأشعار الأزد8. وليس من شك في أن هذين الكتابين كانا يضمان شعر تأبط شرا وغيره من صعاليك فهم، والشنفرى وحاجز وغيرهما من صعاليك الأزد. ومما يؤسف له حقا أن تضيع هذه المجموعة من كتب السكري التي لو قد وصلت إلينا لأفادتنا كثيرا كما أفادنا ديوان الهذليين له.
وتشير مصادر الأدب العربي إلى دواوين لبعض الشعراء الصعاليك، فيشير الآمدي في ترجمته لأبي الطمحان القيني إلى "ديوانه المفرد"9، وينقل ذلك عنه البغدادي في خزانته10، ويذكره أيضا ابن النديم، ويذكر
1 brocjelmann; geschichte der arabischer literatur، i، p. 21.
2 1/ 297-299.
3 انظر على سبيل المثال مادة "شعفان" 5/ 274، ومادة "شعفين" ص275 في أخبار عن عروة بن الورد.
4 انظر 20/ 159.
5 brocjelmann; geschichte der arabischer literatur، i، p. 108.
6 1/ 299.
7 الفهرست/ 157.
8 المصدر السابق/ 159.
9 المؤتلف والمختلف/ 149.
10 3/ 426.
أن الذي عمله الأصمعي وأبو عمرو1، ومما يؤسف له أن يفقد هذا الديوان أيضا. ويشير صاحب الخزانة أيضا إلى ديوان تأبط شرا في نص ينقله عن ابن جني في تصحيحه رواية بيت له يقول فيه "وكذلك وجدتها في شعر هذا الرجل بالخط القديم، وهو عتيد عندي إلى الآن"2، ويذكر بركلمان في حديثه عن تأبط شرا أن "بعض مختارات من ديوانه جمعها ابن جني مخطوطة في الإسكوريال المجلد الثاني/ 778"3.
وقد وصل إلينا من دواوين الشعراء الصعاليك ديوانان: ديوان عروة بن الورد، وديوان الشنفرى.
ويذكر ابن النديم أن شعر عروة قد جمعه اثنان من الرواة: الأصمعي وابن السكيت4، ولكن لم يصل إلينا إلا الثاني. وقد طبع هذا الديوان عدة مرات، طبعة نولدكه في جوتنجن سنة 1863 مع مقدمة وتعليقات وترجمة ألمانيا، ثم طبع مرة أخرى في المطبعة الوهبية بمصر سنة 1293هـ في مجموع مشتمل على أربعة دواوين أخرى هي دواوين النابغة الذبياني، وحاتم الطائي، وعلقمة الفحل، والفرزذق، تحت اسم "مجموع مشتمل على خمسة دواوين من أشعار العرب"، وديوان عروة فيه مختلف في ترتيبه عن طبعة نولدكه، وفي أول ترجمة عروة نقلا عن الأغاني دون إشارة إلى ذلك، ثم طبع هذا المجموع مرة أخرى في بيروت بالمطبعة الأهلية بدون ذكر لتاريخ الطبع، ويبدو أن هذه الطبعة منقولة عن الطبعة المصرية، وإن يكن صاحبها يذكر في أولها أنها "طبعة جديدة مصححة منقحة، مقابلة على عدة نسخ، مرتبة على الحروف، مضافا عليها كثير من شعره مما تفرق في دواوين الأدب".
وأدرج لويس شيخو ديوان عروة مع شرح ابن السكيت في شعراء
1 الفهرست/ 158.
2 3/ 540.
3 geschichte der arabischer literatur، i، p. 25
4 الفهرست/ 158.
النصرانية1، وأضاف إليه ما ورد في شرح التبريزي على حماسة أبي تمام مع بعض أخبار منقولة عن الأغاني.
ثم طبعه مرة أخرى الشيخ ابن أبي شنب الأستاذ بكلية الأدب بالجزائر، بمطبعة جول كربونل بالجزائر سنة 1926، وأضاف إليه جملة من شعره مما لم يذكر فيه، وشرحا على الأبيات يكمل به شرح ابن السكيت.
ومن ديوان عروة نسخة خطية في دار الكتب المصرية تحت رقم 5084 "أدب"، وهي أيضا من جمع ابن السكيت وشرحه، وهي صورة من ديوانه المطبوع.
ولديوان عروة ترجمة فرنسية قام بها الأستاذ r. basset ونشرها في المجلة الإفريقية التي تصدرها كلية الأدب بالجزائر بالعدد 62 سنة 1928.
أما ديوان الشنفرى فقد كان حظه من العناية دون حظ ديوان عروة، فبين أيدينا منه نسختان: نسخة مطبوعة صنعها الأستاذ عبد العزيز الميمني، ونشرها في مجموعة "الطرائف الأدبية" بلجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1937 يذكر في مقدمتها أنها عن نسخة خطية من الديوان عثر عليها بكتبخانة خسرو باشا في إستنبول تحت رقم 149، وعن مجموعة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1864 "أدب" يظن أنها نسخة أخرى من الديوان متبورة، وقد أضاف إلى ما ورد في هاتين المخطوطتين بعض أبيات وجدها في مصادر الأدب العربي الأخرى، ولكنه أسقط من الديوان التائية المفضلية، ولامية العرب، ورثاء تأبط شرا "لأن الأوليين وإن كانتا توجدان في النسختين إلا أن ما عند غيرهما أوفى وأتم، والثالثة خلتا عنها مرة، فما لي ولإثباتها، وهي في عامة الكتب، على أنها لا يُوثق بعزوها إليه" -كما يقول في مقدمته2.
والنسخة الأخرى التي بين أيدينا من هذا الديوان نسخة مأخوذة بالتصوير الشمسي عن نسخة خطية بخط محاسن بن إسماعيل بن علي من شعراء حلب،
1 من ص880 إلى ص916.
2 ص30.
فرغ من كتابتها بدمشق في منتصف شهر جمادى الآخر سنة 835هـ. وهذه النسخة المصورة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت اسم "شعر الشنفرى" تحت رقم 6676 "أدب"، وهي نسخة من الراجح أن الميمني لم يطلع عليها لأنه لم يشر إليها في ديوانه الذي طبعه.
وإلى جانب هذين الديوانين هناك مجموعة أشعار هذيل التي عملها السكري أيضا1، وبين أيدينا منها الجزء الأول الذي نشره الأستاذ كوسجارتن john godfirey lewis kosegarten تحت اسم "كتاب شرح أشعار الهذليين" في لندن سنة 1854، والجزء الذي نشره الأستاذ يوسف هل في ليبزج، سنة 1933 تحت اسم "مجموعة أشعار الهذليين الجزء الثاني"، والقسم الذي نشرته دار الكتب المصرية تحت اسم "ديوان الهذليين القسم الثاني" في سنة 1948. ففي هذه المجموعات من أشعار الهذليين طائفة من دواوين صعاليك هذيل: أبي خراش2، والأعلم3، وصخر الغي4، وعمرو ذي الكلب5، كما أن فيها طائفة متناثرة من شعر تأبط شرا6، والذي كانت بينه وبين هذيل عداوة مشبوبة الأوار.
فإذا ما تركنا هذه المجموعة من دواوين الشعراء الصعاليك وجدنا أنفسنا أمام مشكلة صعبة، هي مشكلة شعر سائر الصعاليك: أين نجده؟
لا مفر لنا -من أجل هذا- من الرجوع إلى كل مصادر الأدب العربي، سواء منها المطبوعة أو المخطوطة، لننقب -بعد استئذان علماء الآثار- عن أبياته ومقطوعاته وقصائده. والواقع أن شعر الصعاليك مفرق تفريقا شديدا بين
1 ابن النديم: الفهرست/ 78.
2 مجموعة أشعار الهذليين 2/ 47-78، وديوان الهذليين القسم الثاني/ 116-172.
3 شرح أشعار الهذليين 1/ 54-69، وديوان الهذليين القسم الثاني/ 77-87.
4 شرح أشعار الهذليين 1/ 6-49، وديوان الهذليين القسم الثاني/ 51-76، 223-240.
5 شرح أشعار الهذليين 1/ 232-241، ولم تصل طبعة دار الكتب إلى ديوانه.
6 انظر شرح أشعار الهذليين 1/ 4، 238، 252، وهناك طائفة من أخباره وحديث شعراء هذيل عنه متناثرة في 46، 245، 248، 249، 253، 257.
هذه المصادر، حتى ليصح أن نقول -في شيء من الحذر- إن كل هذه المصادر تضم أبياتا من شعر الصعاليك. وأظن أن ليس في هذا غرابة، فما دام شعر الصعاليك يمثل البادية العربية في كثير من جوانبها اللغوية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية تمثيلا صادقا صحيحا، فمن الطبيعي أن يتخذه اللغويون والرواة والجغرافيون والمؤرخون مصدرا من مصادرهم الأساسية؛ لأنهم يجدون فيه شواهد لكثير مما يقررون.
ومن هنا كانت المجموعة اللغوية من أهم مصادر شعر الصعاليك، وأخص بالذكر منها لسان العرب وتاج العروس وجمهرة اللغة لابن دريد، وأهمية هذه المصادر -إلى جانب ما تقدمه لدارس شعر الصعاليك من شرح لألفاظه ومعانيه، وإلى جانب ما تتيحه له من فرصة الموازنة بين الروايات المختلفة- ترجع أيضا إلى ما انفردت به من أبيات لم ترو في مصادر هذا الشعر الأخرى1، بل إن الأمر ليصل أحيانا إلى انفرادها بمجموعة كبيرة من الأبيات لشاعر واحد من بحر واحد وقافية واحدة مما يرجح أنها من قصيدة واحدة2، أو انفرادها بأبيات تصلح أن تكون تكملة لما روته المصادر الأخرى3.
فإذا تركنا هذه المجموعة اللغوية وجدنا أن المجموعة الجغرافية، وأخص بالذكر منها معجم البلدان لياقوت، ومعجم ما استعجم للبكري، من المصادر
1 انظر على سبيل المثال في لسان العرب المواد: قطر. وجر. بأس. سكن. نوم "تأبط شرا" - جوش. شهق. قها "أبو الطمحان" - رمل. صرى "السليك" - ولغ "حاجز" - وانظر أيضا ابن دريد: جمهرة اللغة 1/ 140 "حاجز".
2 انظر الأبيات اللامية من بحر الطويل لتأبط شرا في المواد: جلب. خعب. ركب. شحب. كلب. صوف. ثمل. ختل. رسل. رعل. سلل. كدل. هبل. هدمل. جثم. رعى. غزا. وهي أبيات نرجح -لاتحاد وزنها وقافيتها وموضوعها- أنها من قصيدة واحدة لم تصل إلينا، كما نرجح أن الأبيات التي تروى في معلقة امرئ القيس، والتي يشك الرواة في صحة نسبتها إليه، ويرجحون أنها لتأبط شرا، وهي التي يتحدث فيها عن حمله قوية الماء وقطعه الوادي المقفر حيث تعوي الذئاب، من هذه القصيدة أيضا.
3 انظر على سبيل المثال لسان العرب: مادة "جذمر" حيث يروي بيت لتأبط شرا لعله من قصيدته الرائية التي يرويها له الأصمعي في الأصمعيات/ 35.
الأساسية أيضا لشعر الصعاليك. ويرجع ذلك إلى أن هذا الشعر -لكثرة ما يرد فيه من أسماء الأماكن في الجزيرة العربية- يعد مادة صالحة يستشهد بها هؤلاء الجغرافيون في دراستهم. وقيمة هذه المجموعة من المصادر -إلى جانب ما تقدمه لنا من هذا الشعر- ترجع إلى أنها تعيننا على ضبط نصوصه، وتصحيح روايته، بما تقدمه لنا من ضبط لألفاظ الأماكن التي ترد فيه، والتي قد تكون واردة في المصارد الأخرى محرفة أو مصحفة1.
فإذا ما تركنا هاتين المجموعتين اللتين تعنيان بشعر الصعاليك من حيث هو وسيلة لأغراضهما اللغوية والجغرافية، نصل إلى مجموعة تُعنى بهذا الشعر من حيث هو غاية فنية تقصد لذاتها، وهي مجموعة المختارات من شعر الشعراء، وعلى رأس هذه المجموعة نضع المفضليات للضبي، لا لكثرة ما فيها من شعر الصعاليك، فليس فيها منه سوى قصيدتين: إحداهما قافية تأبط شرا2، والأخرى تائية الشنفرى3، ولكن لأنها روت هاتين القصيدتين كاملتين، مما أتاح لنا فرصة الوقوف أمام نصين كاملين من ديوان الصعاليك. هذا إلى جانب أن ابن الأنباري في شرحه عليها قدم لنا مجموعة أخرى من شعر الصعاليك، لم ترو في المصادر الأخرى4.
ومن الطبيعي أن نذكر مع المفضليات الأصمعيات؛ لأنها بمثابة التكملة لها، أو الجزء الثاني منها، وقد قدمت لنا أيضا قطعتين من ديوان الصعاليك،
1 انظر على سبيل المثال ما ورد في لسان العرب، مادة "مرج"، للسليك:
وأذعر كلابا يقود كلابه
…
ومرجة لما أقتبسها بمقنب
فإننا حين نمضي إلى المجموعة الجغرافية لا نجد "مرجة" بالجيم، وإنما هي "مرخة" بالخاء وهي "بلد باليمن ومن نواحيه واد كثير النخل" "ياقوت: معجم البلدان 8/ 19"، فإذا أضفنا إلى هذا ما قررناه في التفسير الجغرافي لظاهرة الصعلكة من أن السليك قد تخصص في الإغارة على اليمن، وأن حركات الصعاليك كانت تتجه إلى المناطق الخصبة، تأكد لنا أن صحة هذا الاسم بالخاء، وأن موضعه في لسان العرب يجب أن يكون في "مرخ" لا في "مرج".
2 من ص1-20.
3 من ص194-207.
4 انظر بيتي الشنفرى الداليين في ص197، وأبياته الثلاثة الدالية أيضا في ص198، وقد نقلها الميمني عنه في ديوانه الذي نشره في الطرائف الأدبية "ص34، 35".
إحداهما رائية عروة المشهورة1، والأخرى رائية لتأبط شرا2، وهذه الأخيرة قد انفردت بها الأصمعيات دون المصادر الأخرى، وقد قلنا منذ قليل أن في لسان العرب بيتا نرجح أن يكون منها.
وهناك "جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، وفيها قطعة كبيرة من رائية عروة المشهورة3 يضعها في مجموعة "المنتقيات".
ثم هناك "منتهى الطلب من أشعار العرب" لمحمد بن المبارك، وهي مخطوطة بدار الكتب المصرية "تحت رقم 53 ش أدب"، الموجود منها جزءان، في الأول منهما طائفة من قصائد عروة بن الورد، وفي الثاني بعض مقطوعات للشنفرى وتأبط شرا.
وهناك مخطوطة أخرى مجهولة المؤلف في الخزانة التيمورية "تحت رقم 1275 تيمورية شعر" فيها قصائد للشنفرى ولعمرو بن براقة الهمذاني.
ثم هناك مجموعات الحماسة، وعلى رأسها حماسة أبي تمام التي تمدنا بمجموعة كبيرة من شعر الصعاليك متنوعة الأغراض، كما يمدنا التبريزي في شرحه عليها بمجموعة أخرى كبيرة، تجعل من هذا المصدر مصدرا أساسيا لشعر الصعاليك.
وتقف إلى جانب حماسة أبي تمام في مستوى واحد حماسة الخالديين، وهي مخطوطة بالخزانة التيمورية بدار الكتب المصرية "تحت رقم 262 تيمورية شعر"، فإنها تمدنا بمجموعة كبيرة من شعر الصعاليك، بل إنها تنفرد أحيانا برواية قطع منه4.
ثم هناك حماسة البحتري، وهي أيضا تمدنا بمجموعة لا بأس بها من شعر الصعاليك موزعة على أغراضها.
1 ص29، 30.
2 ص35.
3 ص114، 115.
4 انظر على سبيل المثال: أبيات عمرو بن براقة "ورقة رقم 443"، وبيتي السليك "ورقة رقم 370 ورقم 371" وبيتي تأبط شرا "ورقة رقم 291".
ثم هناك الحماسة الصغرى لأبي تمام، وهي المعروفة بالوحشيات، ومنها نسخة مصورة بدار الكتب المصرية "تحت رقم 2297 أدب" وفيها أيضا مجموعة لا بأس بها من شعر الصعاليك.
وهناك أيضا الحماسة البصرية لعلي بن أبي الفرج البصري، ومنها نسختان في دار الكتب المصرية، إحداهما مخطوطة "تحت رقم 520 أدب"، والأخرى مصورة "تحت رقم 6300" أدب، وفيها أيضا مجموعة لا بأس بها من شعر الصعاليك.
وهناك حماسة ابن الشجري، وهي مطبوعة، وفيها قصيدة لتأبط شرا، هي لامية له1، وقطعة لعمرو بن براقة من قصيدته الميمية المشهورة2.
فإذا ما تركنا هذه المجموعة من المختارات التي تُعنى بشعر الصعاليك من حيث هو غاية فنية تُقصد لذاتها، فإننا نقف عند مجموعة أخرى من مصادر هذا الشعر تُعنى به من حيث هو جانب من جوانب حياتهم، ونعني بها كتب التراجم، وما أحسبني في حاجة إلى القول بأن كتاب الأغاني لأبي الفرج على رأس هذه المجموعة بدون استثناء، ففيه أكبر مجموعة من شعر الصعاليك يرويها صاحبه في أثناء تراجمه لأصحابها3.
وكذلك الشعر والشعراء لابن قتيبة، ولكننا نلاحظ أنه أغفل ترجمة الشنفرى، وإن يكن قد روى له بضعة أبيات في مقدمته4، وربما كانت ترجمة الشنفرى قد سقطت من مخطوطات الكتاب.
1 ص47.
2 ص55.
3 عروة بن الورد "3/ 73-88 دار الكتب"، وفضالة بن شريك "10/ 171-173 بولاق" وأبو الطمحان "11/ 130-134 بولاق"، وحاجز "12/ 49-53 بولاق". وقيس بن الحدادية "13/ 2-8 بولاق"، والسليك "18/ 133-138 بولاق". وتأبط شرا "18/ 209-218 بولاق"، وصخر الغي "20/ 20-22 بولاق" وعمرو ذو الكلب "20/ 22، 23 بولاق"، وأبو خراش "21/ 54-70 ليدن"، والشنفرى "21/ 134-143 ليدن"، وعمرو بن براق "21/ 175، 176 ليدن".
4 ص19.
ثم المؤتلف والمختلف للآمدي، ومعجم الشعراء للمرزباني، وتراجم الشعراء فيهما -وإن تكن موجزة جدا- تمدنا بمجموعة لا بأس بها من شعرهم.
ثم كتاب "المغتالين" لابن حبيب، ومنه نسختان في دار الكتب المصرية: نسخة خطية "تحت رقم 57 ش أدب" ونسخة مصورة "تحت رقم 2606 تاريخ". وطرافة هذا الكتاب تأتي من أنه يهتم بتلك اللحظات الأخيرة في حياة من يترجم لهم، فإذا لاحظنا أن أكثر الشعراء الصعاليك قد قتلوا، أدركنا أهمية هذا الكتاب للباحث في شعر الصعاليك، وإن كنا نلاحظ أن تراجم الشعراء فيه موجزة.
ثم كتاب "من نسب إلى أمه من الشعراء" لابن حبيب أيضا، وقد كنا ننتظر أن نجد في هذا الكتاب شيئا كثيرا عن الشعراء الصعاليك ما دام كثير منهم كانوا أغربة ينسبون إلا أمهاتهم، ولكن ابن حبيب، أو لعل النسخة التي وصلت إلينا من كتابه، قد خيبت ظننا، فليس فيها من الشعراء الصعاليك سوى قيس بن الحدادية، وليس فيه من شعره سوى قطعة من أرجوزته التي أنشدها قبيل مقتله1.
ثم كتاب "المعمرين" للسجستاني، وفيه البيتان اللذان أنشدهما أبو الطمحان في شيخوخته2.
فإذا ما تركنا مجموعة كتب التراجم التي تُعنى بشعر الصعاليك من حيث هو جانب من جوانب حياتهم، وصلنا إلى مجموعة أخرى تُعنى به من حيث هو مادة للدراسة الأدبية أو اللغوية، ونعني بها كتب الأمالي والمحاضرات والأحاديث، ونخص بالذكر منها الكامل للمبرد، والأمالي للقالي، والنوادر له أيضا، والتنبيه لأبي عبيد البكري، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والبيان والتبيين للجاحظ، والمحبر لابن حبيب، ومحاضرات الأدباء للراغب، ولباب الآداب لأسامة بن منقذ، ونقد الشعر لقدامة، وعيون الأخبار لابن قتيبة،
1 ص6.
2 ص63.
والوساطة بين المتنبي وخصومه، وغيرها من كتب تلك المجموعة الضخمة من التراث العربي.
ثم هناك مجموعة كتب الشواهد، ونخص بالذكر منها خزانة الأدب للبغدادي، وشرح الشواهد الكبرى للعيني، ففيهما مقدار كبير جدا من شعر الصعاليك. ومرد ذلك إلى اهتمام النحاة بهذا الشعر في شواهدهم. وميزة الخزانة -فوق هذا- أنها ترد كل ما ترويه إلى مصادره التي تنقله عنها، وما أكثر المصادر التي اعتمد عليها صاحب الخزانة في تأليفها، والتي أشار إليها في مقدمته لها1، حتى لتعد الخزانة من المصادر الأولى لشعر الصعاليك.
وقد قلنا إن الشعراء الصعاليك -نتيجة لتشردهم- ذكروا طائفة كبيرة من حيوان الصحراء في شعرهم، ومعنى هذا أن الكتب العربية التي تُعنى بدارسة الحيوان تضم مجموعة لا بأس بها من شعر الصعاليك، ونخص بالذكر من بين هذه الكتب كتاب الحيوان للجاحظ.
ومن بين الشعراء الصعاليك جماعة أدركوا الإسلام، وأسلموا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، كأبي خراش وأبي الطمحان، فهؤلاء نجد تراجمهم وطائفة من شعرهم في كتب الصحابة، كالإصابة لابن حجر، وأسد الغابة لابن الأثير. ومن هذا القبيل أيضا ما ترويه كتب السيرة من شعر عروة بن الورد وأخباره؛ نظرا لأن إحدى سبياته كانت في بني النضير عندما أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر2.
هذه أهم المجموعات التي تكون مصادر "ديوان الصعاليك"، وهذه أهم كتبها، ولم نقصد من ذكرها إلى الحصر، فإنه ليس باليسير، وقد قلنا في أول حديثنا عنها إننا نستطيع أن نقول، في شيء من الحذر، إن كل مصادر الأدب العربي تضم أبياتا من شعر الصعاليك، وإنما كل ما قصدنا إليه من هذا الحديث هو أن نهيئ "المفاتيح" التي نتوصل بها إلى "كنوز" ديوان الصعاليك.
1 انظر 1/ 8-12.
2 انظر على سبيل المثال: السهيلي: الروض الأنف 2/ 178-181.