المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عروة بن الورد: - الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي

[يوسف خليف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌الباب الأول: الصعاليك

- ‌الفصل الأول: التعريف بالصعلكة

- ‌في اللغة

- ‌الفصل الثاني: التفسير الجغرافي لظاهرة الصعلكة

- ‌ أهمية العامل الجغرافي:

- ‌ جزيرة العرب:

- ‌ التضاد الجغرافي وأثره في نشأة حركة الصعاليك:

- ‌ التضاد الجغرافي وأثره في توجيه حركات الصعاليك:

- ‌الفصل الثالث: التفسير الاجتماعي لظاهرة الصعلكة

- ‌ القبيلة:

- ‌ إيمان القبيلة بوحدتها:

- ‌ إيمان القبيلة بجنسها:

- ‌ الصعاليك والمجتمع القبلي:

- ‌الفصل الرابع: التفسير الاقتصادي لظاهرة الصعلكة

- ‌ العرب والتجارة:

- ‌ الطرق التجارية:

- ‌ الأسواق:

- ‌ الصراع الاقتصادي في المدن التجارية:

- ‌ الصراع الاقتصادي في البادية:

- ‌الباب الثاني: شعر الصعاليك

- ‌الفصل الأول: ديوان الصعاليك

- ‌مصادره

- ‌ مادته:

- ‌الفصل الثاني: موضوعات شعر الصعاليك

- ‌ الشعر داخل دائرة الصعلكة

- ‌ الشعر خارج دائرة الصعلكة:

- ‌الفصل الثالث: الظواهر الفنية في شعر الصعاليك

- ‌ شعر مقطوعات:

- ‌ الوحدة الموضوعية:

- ‌التخلص من المقدمات الطلية

- ‌ عدم الحرص على التصريع:

- ‌ التحلل من الشخصية القبلية:

- ‌ القصصية:

- ‌ الواقعية:

- ‌ السرعة الفنية:

- ‌ آثار من الصنعة المتأنية:

- ‌ الخصائص اللغوية:

- ‌ ظواهر عروضية:

- ‌الفصل الرابع: شخصيتان متميزتان

- ‌ تشابه وتميز:

- ‌ عروة بن الورد:

- ‌الشَّنْرَي

- ‌الخاتمة:

- ‌ الصعاليك:

- ‌ شعر الصعاليك:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ عروة بن الورد:

2-

‌ عروة بن الورد:

ينتهي نسب عروة إلى قبيلة عبس، فهو عروة بن الورد بن زيد1 بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن ليدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس2، فهو من هذه الناحية في شرف من قبيلته، ولكن أباه كانت عبس تتشاءم به؛ لأنه هو الذي أوقع الحرب بينها وبين فزارة بمراهنته حذيفة3.

أما أمه فليس فيما بين أيدينا من أخباره ما يشير إليها، ولكن عروة نفسه قد كفانا مشقة البحث عنها، فهو يذكر في شعره أنها من نهد4 من قضاعة5، ولكن الشيء الذي يلفت النظر في حديث عروة عن أمه أنه دائم السخط على هذه الصلة التي ربطت بين أبيه وأمه6، وبل إنه يهجو أخواله هجاء مرا7، ولعل من أسباب هذا أن قبيلة نهد كانت أقل شرفا من عبس8، أو ربما كانت هناك أسباب أخرى لم تصل إلينا أخبارها.

1 وقيل ابن عمرو بن زيد "الأغاني 3/ 73".

2 المصدر السابق: الصفحة نفسها. وفي شرح التبريزي على حماسة أبي تمام "عروة بن الورد بن حايس بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن سفيان بن هرم بن عوف بن غالب بن قطيعة بن عبس""2/ 8" وفي تاريخ اليعقوبي "عروة بن الورد بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن سفيان بن هرم بن عوف بن غالب بن قطيعة بن عبس""1/ 309".

3 الأغاني 3/ 88.

4 ديوانه/ 157 البيت الأول.

5 المبرد: رسالة عدنان وقحطان / 24.

6 ديوانه/ 157، 158.

7 المصدر نفسه / 157.

8 the ency of islam; art. urwa b. al-ward.

ص: 322

ولعل هذا الإحساس الذي سيطر على نفس عروة بأن أمه أقل شرفا من أبيه هو الذي جعله ينسب كل ما يحسه من عار إلى تلك الصلة التي تربطه بأخواله النهديين1.

ومعنى هذا أن عروة قد وضع منذ نشأته الأولى بين شقي الرحى، فأبوه تتشاءم منه قبيلته، وأمه من قبيلة أقل شرفا.

وليس لدينا عن نشأة عروة الأولى سوى خبر واحد، ولكنه قوي الدلالة على تلك الظروف الأولى التي جعلته يشعر بالظلم شعورا قويا سيطر عليه في كل مراحل حياته بعد ذلك، كما أنه قوي الدلالة على قوة نفسه التي بدأت براعمها في الظهور منذ وقت مبكر. ففي الأخبار أنه كان له أخ أكبر منه وكان أبوه يؤثره عليه فيما يعطيه ويقربه، "فقيل له: أتؤثر الأكبر مع غناه عنك على الأصغر مع ضغفه؟ قال: أترون هذا الأصغر؟ لئن بقي مع ما أرى من شدة نفسه ليصبرن الأكبر عيالا عليه"2.

ومعنى هذا أن عروة تفتحت عيناه في الحياة على صورة مختلة التوازن من صورها: صورة الأخ الأكبر الذي يؤثره أبوه مع غناه عنه، وإلى جانبها صورة الأخ الأصغر الذي يهمله أبوه مع ضعفه وحاجته إليه. أليست هذه الصورة هي التي شاهدها عروة بعد ذلك في المجتمع الذي يعيش فيه في مجال أوسع: الأغنياء الذين تؤثرهم الحياة بكل شيء مع غناهم، وإلى جانبهم الفقراء الذين تحرمهم الحياة من كل شيء مع شدة حاجتهم وضعفهم؟

وهكذا بدأت براعم فلسفة عروة الاجتماعية والاقتصادية في الظهور في هذه السن المبكرة.

وما إن تتقدم الأيام بعروة حتى تتفتح هذه البراعم عن فلسفة ناضجة، يؤمن بها كل الإيمان، ثم يأخذ في تنفيذها والدعوة إليها بكل قوة وحماسة.

1

وما بي من عار إخال علمته

سوى أن أخوالي إذا نسبوا نهد

"ديوانه/ 157".

2 الأغاني 3/ 88.

ص: 323

ومن الطبيعي أن تجد دعوته آذانا صاغية، وقلوبا مؤمنة، وأنصارا مخلصين بين أولئك الفقراء المستضعفين الذين أجهدهم الفقر وأهزلهم الجوع، وأذلتهم الأوضاع الاجتماعية، وسدت الحياة في وجوههم سبل العيش الحر الكريم، فالتفت حوله طوائف من الصعاليك، يخرج بأقويائهم فيغير، ثم يوزع الغنائم على من أغار بهم، وعلى من تخلف عنه من المرضى والضعفاء أيضا، فربما عاد كل منهم إلى أهله وقد استغنى1.

وقد عرف الصعاليك في عروة هذه النفس الإنسانية القوية فكانوا إذا أصابتهم السنة أتوه "فجلسوا أمام بيته حتى إذا بصروا به صرخوا وقالوا: يا أبا الصعاليك، أغثنا" فيخرج ليغزو بهم2.

وقد عرف عروة لهذه "الأبوة" على حد تعبير هؤلاء الصعاليك الذين كان يسميهم "عياله"3 أو لهذه "الزعامة" -كما يصح أن نطلق عليها- حقوقها. فلم يكن يؤثر نفسه بشيء على صعاليكه، وإنما "كان صعلوكا فقيرا مثلهم"4، وفي بعض غارته، وهو مع قوم من هلاك عشيرته في شتاء شديد، قيض الله له رجلا "صاحب مائة من الإبل قد فر بها من حقوق قومه" فقتله وأخذ إبله ثم أقبل بالإبل يقسمها بين صعاليكه، وأخذ مثل نصيب أحدهم5.

وعرف هذا "الزعيم الشعبي""نفسية جماهيره" فكان يقبل منهم أحيانا التواءهم عليه إذا ما تحسنت حالتهم؛ لأنه يعرف أنهم "كما الناس" على حد تعبيره6، ولأنه يدرك أنهم "صنيعته"، ولو أنه عاملهم كما يعاملونه لأفسد

1 انظر الأغاني 3/ 78، 79، والتبريزي: شرح حماسة أبي تمام 2/ 9.

2 الأغاني 3/ 81.

3 ديوانه/ 99، وحماسة أبي تمام 2/ 7 البيت الأخير.

4 التبريزي: شرح حماسة أبي تمام 2/ 9.

5 الأغاني 3/ 79، وانظر التبريزي: شرح حماسة أبي تمام 2/ 9 وابن السكيت: شرح ديوان عروة/ 112.

6 ديوانه/ 113 البيت الأول، وشرح التبريزي على حماسة أبي تمام 2/ 9.

ص: 324

مع يصنع، ولانفضت الجماهير من حوله، وهو حريص عليهم لأنه حريص على تنفيذ مذهبه في الحياة. ففي أخباره أنه غنم في بعض غزواته إبلا وامرأة، فلما أخذ في قسمة الإبل بين صعاليكه أخذ مثل نصيب أحدهم واستخلص المرأة لنفسه، "فقالوا: لا واللات والعزة لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيبا، فمن شاء أخذها، فجعل يهم بأن يحمل عليهم فيقتهلم وينتزع الإبل منهم، ثم يذكر أنهم صنيعته، وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان يصنع، فأفكر طويلا، ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله، فأبوا ذلك عليه، حتى انتدب رجل منهم فجعل له راحلة من نصيبه"1.

وهو إلى جانب هذه "الزعامة" الحكيمة "قائد" موفق يخرج "بجنوده" ويرسم لهم الخطط الدقيقة التي تضمن لهم الفوز. ففي أخباره أنه خرج بصعاليكه إلى أرض بني القين، فهبط أرضا ذات حجارة كبيرة فيها ماء، فرأى عليه آثارا "فقال: هذه آثار من يرد هذا الماء فاكمنوا، فأحر أن يكون قد جاءكم رزق"، فأقاموا يوما "ثم ورد عليهم فصيل، فقالوا: دعنا فلنأخذه فلنأكل منه يوما أو يومين، فقال: إنكم إذن تنفرون أهله، وإن بعده إبلا، فتركوه فندموا وجعلوا يلومون عروة من الجوع الذي جهدهم، ووردت إبل بعده بخمس فيها ظعينة ورجل مع السيف والرمح، والإبل مائة متال، فخرج إليه عروة، فرماه في ظهره بسهم أخرج من صدره فخر ميتا، واستاق عروة الإبل والظعينة حتى أتى قومه"2. أرأيت إلى هذه القيادة الموفقة كيف تتخير المكان والزمان، وكيف تحكم الخطة ولا تتعجل تنفيذها حتى تحين الفرصة المناسبة؟

ومن مظاهر هذه القيادة الموفقة الحذر، فقد كان عروة إذا نزل بصعاليكه

1 الأغاني 3/ 79، 80. وانظر أيضا شرح ابن السكيت على ديوانه/ 112. وشرح التبريزي على حماسة أبي تمام 2/ 9.

2 شرح ابن السكيت على ديوانه/ 103، 104. وشرح التبريزي على حماسة أبي تمام 2/ 8.

ص: 325

في موطن من مواطن الخوف أخذ للأمر عدته فبعث أحد صعاليكه فوق مرقبة عالية يرقب لهم الطريق، بينما يشتغل الباقون في تهيئة طعام الجماعة أو في غير ذلك من الأعمال1.

وقد رأينا في تفسيرنا الجغرافي لظاهرة الصعلكة أن حركات عروة وصعاليكه قد تركزت في شمالي الجزيرة العربية حول منطقة يثرب، وأنها كانت تمتد إلى منطقة نجد أحيانا، ومن هنا نشأت طائفة من الصلات الاقتصادية بينه وبين بني النضير الذين كانوا ينزلون في تلك المنطقة فكانوا "يقرضونه" إن احتاج ويبايعهم إذا غنم"2.

هكذا سلك عروة سبيله في الحياة، يسلب الأغنياء أموالهم ليوزعها على الفقراء، وفقا لفلسفة معينة عبر عنها في شعره أصدق تعبير، حتى أصبح شعره نبراسا يهتدي به قومه، أو يأتمون به -على حد تعبير الحطيئة في حديثه مع عمر بن الخطاب3.

وأساس فلسفة عروة أن "الغزو والإغارة للسلب والنهب" السبيل الوحيد للغنى لمن هو في مثل حالته:

ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا

من المال يطرح نفسه كل مطرح4

وما صاحب الحاجات من كل وجهة

من الناس إلا من أجد وشمرا5

وليس وراء ذلك سوى إحدى نتائج ثلاث: نجاح الغزوة أو إخفاقها أو الموت في سبيلها، أما إن كانت الأولى فقد حقق أهدافه وجاء الغنى معها، وأما إن كانت الثانية فقد أبلغ نفسه عذرها، "ومبلغ نفس عذرها مثل منجح"، وأما إن كانت الثالثة فالموت خير من حياة الفقر والجوع والذل والهوان:

1 انظر أبياته التي يرسم فيها هذه الصورة في ديوانه/ 111، 112.

2 الأغاني 3/ 76.

3 المصدر السابق/ 74.

4 ديوانه/ 99. وحماسة أبي تمام 2/ 7.

5 ديوانه/ 191.

ص: 326

ذريني أطوف في البلاد لعلني

أخليك أو أغنيك عن سوء محضر

فإن فاز سهم للمنية لم أكن

جزوعا وهل عن ذاك من متأخر

وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعد

لكم خلف أدبار البيوت ومنظر1

أقيموا بني لبني صدور ركابكم

فإن منايا القوم خير من الهزل2

فقلت له ألا احي وأنت حر

ستشبع في حياتك أو تموت3

فسر في بلاد الله والتمس الغنى

تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا4

وهو يتمنى أن يصادف في أثناء انطلاقه هو وصعاليكه في البلاد غازين مغيرين بعض أولئك الأغنياء أصحاب الإبل الكثيرة الذين يحرصون على مالهم بالبخل والعقوق، عقوق أفراد مجتمعهم الفقراء، حتى يستردوا منهم بعض حقوقهم عليهم:

لعل انطلاقي في البلاد ورحلتي

وشدي حيازيم المطية بالرحل

سيدفعني يوما إلى رب هجمة

يدافع عنها بالعقوق وبالبخل5

ويعلل عروة لمغامراته بكثرة أضيافه وقلة ماله، فماذا يفعل سوى أن يغامر في سبل الغنى حتى يهيئ لنفسه شيئا يقدمه لهم، فيحقق حسن ظنهم فيه، ويرضي نفسه الطموح إلى حسن الأحدوثة وطيب الذكر؟

يريح على الليل أضياف ماجد

كريم، ومالي سارحا مال مقتر6

ويتساءل: أيهلك أفراد من المجتمع لفقرهم وجوعهم في حين يعيش إخوان لهم مترفين متخمين، وهو قاعد لا يفعل شيئا، وهو الذي باع روحه للموت في مخاطراته ومغامراته؟

أيهلك معتم وزيد ولم أقم

على ندب يوما ولى نفس مخطر7

1 ديوانه/ 66، 67. وجمهرة أشعار العرب / 114. والأصمعيات / 29.

2 ديوانه/ 106.

3 ديوانه/ 166.

4 ديوانه/ 191.

5 ديوانه/ 108، 109. وحماسة أبي تمام / 92.

6 ديوانه/ 85. والأصمعيات / 30.

7 ديوانه/ 83. والأصمعيات / 30.

ص: 327

والغاية التي يريد أن يصل إليها -بطبيعة الحال- الغنى، ولكنه لا يريد الغنى من حيث هو غاية يقف عندها، وإنما يريده ليكون وسيلته للارتفاع بمنزلته الاجتماعية بين أفراد مجتمعه، من حيث إنه يهيئ له الفرصة التي يشارك فيها السادة الأغنياء في البذل والكرم واكتساب المحامد والمفاخر:

دعيني أطوف في البلاد لعلني

أفيد غنى فيه لذي الحق محمل

أليس عظيما أن تلم ملمة

وليس علينا في الحقوق معول

فإن نحن لم نملك دفاعا بحادث

تلم به الأيام فالموت أجمل1

والفقير في رأيه شر الناس، وأحقرهم عندهم، وأهونهم عليهم مهما يكن له من فضل، يجافيه أهله، وتزدريه امرأته، حتى الصغير يستطيع أن يذله، أما الغني فمهما يفعل يقبل منه، ومهما يخطئ يغفر له، فللغني رب يغفر الذنوب جميعا:

ذريني للغنى أسعى، فإني

رأيت الناس شرهم الفقير

وأدنأهم، وأهونهم عليهم

وإن أمسى له حسب وخير

يباعده القريب، وتزدريه

حليلته، ويفهره الصغير

ويُلقى ذو الغنى، وله جلال

يكاد فؤاد لاقيه يطير

قليل ذنبه، والذنب جم

ولكن للغنى رب غفور2

هكذا يسجل أبو الصعاليك فلسفته في هذه المشكلة الاجتماعية الخطرة، مشكلة الفقر والغنى، في هذا الأسلوب الممتاز الذي يستمد امتيازه من عنصرين أساسيين هما السخرية والبساطة: السخرية من ذلك المجتمع العجيب الذي يحتقر الفقير لا لشيء إلا لأنه فقير، ويقدر الغني لا لشيء إلا لأنه غني، والذي لا يهتم بغير المظاهر المادية، أما جوهر النفس الكامن خلف هذه المظاهر فأمر وراء اهتمامه، ثم البساطة التي نلمسها في عرض الشاعر لمعانيه ذلك العرض

1 ديوانه/ 206.

2 ديوانه/ 198، 199. وابن قتيبة: عيون الأخبار 1/ 241، 242. وابن عبد ربه: العقد الفريد 3/ 29.

ص: 328

السهل الذي لا يقبل معارضة، أو يثير جدلا، والذي ينفذ إلى النفس من أقرب السبل، ذلك العرض الذي يصح أن نطلق عليه "عرضا شعبيا"، حتى لنسمع أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يطلب إلى معلم أولاده ألا يرويهم هذه القصيدة، ويقول له:"إن هذا يدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم"1.

وأسوأ طوائف الصعاليك عند عروة هم أولئك الصعاليك الذين يقضون حياتهم في خمول وهوان وتخاذل، وقعود عن طلب الغنى، وخدمة لنساء الحي المترفات:

لحا الله صعلوكا إذا جن ليله

مصافي المشاش آلفاكل مجزر

يعد الغنى من دهره كل ليلة

أصاب قراها من صديق ميسر

ينام عشاء ثم يصبح طاويا

يحت الحصى عن جنبه المتعفر

قليل التماس الزاد إلا لنفسه

إذا هو أمسى كالعريش المجور

يعين نساء الحي ما يستعنه

فيمسي طليحا كالبعير المحسر2

أما أولئك الصعاليك العاملون الذين يقضون حياتهم في العمل والكفاح والمغامرة فإن عروة معجب بهم إعجابا شديدا؛ لأنهم الذين آمنوا بمذهبه في الحياة، وسلكوا سبيله فيها، فهو لهذا يكيل لهم مدحه ويضفي عليهم ثناءه:

ولكن صعلوكا صحيفة وجهه

كضوء شهاب القابس المتنور

مطلا على أعدائه يزجرونه

بساحتهم زجر المنيح المشهر

فإن يعدوا لا يأمنون اقترابه

تشوف أهل الغائب المتنظر

فذلك إن يلق المنية يلقها

حميدا وإن يستغن يوما فأجدر3

هكذا كان أبو الصعاليك ينادي بمذهبه في أرجاء المجتمع الجاهلي. وليس

1 الأغاني 3/ 75.

2 ديوانه/ 73-77.

3 ديوانه/ 78-82.

ص: 329

من شك في أن دعوة عروة هذه قد لقيت إعجابا من هذا المجتمع ظلت أصداؤه مدوية حتى بعد ظهور الإسلام في البلاط الأموي نفسه، حتى لنسمع معاوية يقول "لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم"1، وحتى ليستأذن بعض الناس عليه ويقول لآذنه: استأذن لي على أمير المؤمنين وقل ابن مانع الضيم، فيقول معاوية: ويحك لا يكون هذا إلا ابن عروة بن الورد العبسي أو الحصين بن الحمام المري2، وحتى ليقول عبد الملك: من زعم أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد3.

وأخص ما يتميز به أسلوب عروة في شعره أنه "أسلوب شعبي"، فهو سهل اللفظ بالقياس إلى شعر سائر الصعاليك، واضح المعنى، قريب التعبير، لا تكلف فيه ولا تصنع. وقد يكون هذا طبيعيا بعد أن قررنا أن عروة كان يقوم في حركة الصعلكة بالداعية المذهبي أو الزعيم الشعبي الذي يحرص على استمالة الجماهير إليه.

ولعل عروة أكثر الشعراء الصعاليك استخداما لتلك المقدمات النسائية التي اصطلحنا على تسميتها "مقدمات الفروسية في شعر الصعاليك". وهذا أيضا طبيعي فإن أخبار عروة مع نسائه السبايا تدل على احترام متغلغل في نفسه للمرأة، ورواة الأدب العربي يصفونه بأنه كان لا يمس النساء4.

1 الأغاني 3/ 73.

2 الأغاني 12/ 123 "بولاق".

3 الأغاني 3/ 74.

4 الأغاني 3/ 75.

ص: 330