الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على النكاح الذي هو سُنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وإذا كان هذا كلام ابن القيم في غناء أهل عصره، فكيف بغناء هذا العصر الذي يُذاع ويسمع الرجال والنساء، والخاص والعام فيما شاء اللَّه من البلاد، فتعمّ مضرته، وتنتشر الفتنة به، لا شك أن هذا أشدَّ إثماً، وأَعظم مضرة.
وأما الأحاديث
، فمنها ما رواه الترمذي وحسنه، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّمَا نُهيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْت عِنْدَ نِغْمَةٍ: لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ: خَمْشِ وُجُوهٍ، وشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةٍ» (1).
قال ابن القيم رحمه الله بعد هذا الحديث: «فانظر إلى هذا النَّهي المؤكد بتسمية صوت الغناء صوتاً أحمق، ولم يقتصر على ذلك
حتى وصفه بالفجور، ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على تسميته (الغناء) مزْمُور الشيطانِ في الحديث الصحيح، فإن لم نستفد التحريم من هذا لم نستفده من نَهْيٍ أبداً». ثم قال:«فكيف يستجيز العارف إباحة ما نهى عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسماه «صوتاً أحمق فاجراً ومزمور الشيطان» وجعله والنياحة التي لعن فاعلها أخوين، وأخرج النهي عنهما
(1) الترمذي، برقم 1005، والحاكم، 4/ 40، وتقدم تخريجه.
مخرجاً واحداً، ووصفهما بالحمق والفجور وصفاً واحداً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:«الغناء يُنبت النفاق في القلب كما يُنبت الماءُ البقل» .
وفي صحيح البخاري، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) (1).
وأخرج ابن ماجه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُؤُوسِهِمُ بالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ)) (2)، قال ابن القيم رحمه الله في هذا الحديث: «إسناده صحيح. قال: وقد توعّد مستحلّ المعازف فيه بأن يخسف اللَّه بهم الأرض، ويمسخهم قردة وخنازير» . قال: و (المعازف) هي آلات اللَّهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك». قال: «ولو كانت حلالاً لما ذمّهم على استحلالها، ولما قرن
استحلالها باستحلال الخمر والحِرَ». اهـ.
ولقد وقع مصداق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من استحلال بعض أمته
(1) البخاري معلقاً مجزوماً به، برقم 5590، وأبو داود، برقم 4039، وتقدم تخريجه.
(2)
.. ابن ماجة، برقم 4020، وتقدم تخريجه.
المعازف، وصوت المغنيات؛ ولا شك أن هذا من تزيين الشيطان، وخداعه للناس حتى يفعلوا هذه المعاصي، وفيما ذكرناه من الآيات، والأحاديث، وكلام أهل العلم، الدلالة الصريحة، والبرهان القاطع على تحريم الأغاني، وآلات الملاهي من الرجال والنساء؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة التي تقدّم بيان بعضها.
ومما يؤكد تحريم ذلك، ويوجب مضاعفة الإثم، كون ذلك يُلقى في مهبط الوحي، ومطلع شمس الرسالة؛ لما يترتب على ذلك من إضلال الناس، وفتنتهم، ولَبْسِ الأمور عليهم، حتى يعتقدوا أن ذلك من الحق، كونه صدر من مهبط الوحي، وحماة الحرمين الشريفين الذين هم محطّ أنظار العالم، وأمل المسلمين.
ومما يزيد الإثم أيضاً، ويضاعف الفتنة، أن يشارك في ذلك النساءُ بأصواتهنّ الفاتنة المثيرة للغرائز، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» . رواه البخاري (1)، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء:«ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهبَ لِلُبِّ الرجل الحازم منكن» (2). هذا
(1) .. البخاري، كتاب النكاح، باب ما يُتّقَى من شؤم المرأة، برقم 5096.
(2)
.. البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، برقم 303، بلفظ:((مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ))، ومسلم بلفظه، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق، برقم 79.