الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(184)
17/ 3
العرف الندي في جواز إطلاق لفظ سيدي
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب
وصف المخطوط: (أ)
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: العرف الندي في جواز إطلاق لفظ سيدي.
2 -
موضوع الرسالة: آداب.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. أحمدك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على رسولك وآل رسولك.
وبعد، فإنه وفد إلي كتاب من بعض الأعلام الأفاضل المشهورين بالزهد والورع. . . .
4 -
آخر الرسالة: فإن هذا غلط على الشريعة، والحمد لله أولى وأخرى، حرر ضحوة يوم الأربعاء لعله ثامن شهر جمادى الأولى سنة 1219 هـ.
5 -
نوع الخط: خط نسخي معتاد.
6 -
عدد الصفحات: 6 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 22 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 12 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الثالث من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
وصف المخطوط: (ب)
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: العرف الندي في جواز إطلاق لفظ سيدي.
2 -
موضوع الرسالة: آداب.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. أحمدك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على رسولك وآل رسولك.
وبعد، فإنه وفد إلى كتاب من بعض الأعلام الأفاضل المشهورين بالزهد. . .
4 -
آخر الرسالة: بقلم المؤلف عافاه الله، ونقلته من خطه ثاني يوم تحريره دامت إفادته، والله حسبي. بلغ قصاصه (ويرد من الحجج قوله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} تمت).
5 -
نوع الخط: خط نسخي مقبول.
6 -
عدد الصفحات: 6 صفحات ما عدا صفحة العنوان.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 28 سطرا. ما عدا الصفحة الأخيرة فعدد أسطرها 12 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 11 - 12 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الثالث من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على رسولك وآل رسولك.
وبعد: فإنه وفد إلي كتاب من بعض الأعلام الأفاضل المشهورين بالزهد والورع والوقوف عند حدود الشرع، وفي عنوانه من فلان بن فلان، ولا شك ولا ريب أن هذا العنوان هو الذي كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم في جميع مكاتباتهم، بل هو العنوان الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعنون به كتبه الشريفة إلى الأقطار، فهو من هذه الحيثية سنة حسنة، وخصلة مستحسنة، ولكنه نشأ قوم يعتقدون أن من عنون كتابه بما جرت عليه عادات المتأخرين من لفظ سيدي فلان، ونحو ذلك فقد ارتكب عظيما، وفعل جسيما، وتلبس بغير شعار الإسلام، وارتطم في أعظم مهاوي الآثام، وليس الأمر كذلك، فالخطب يسير، والخطر في مثل هذا حقير.
وها أنا أذكر ما تمسك به هؤلاء المتشددون، وما يرد به عليهم لقصد الإفادة لذلك الذي كاتبني من نبلاء السادة القادة، فليجعل هذا البحث عنوانا يقيس عليه سائر المسائل التي حدث التشديد فيها، وعظم النكير على من خالفها على أنحاء يتعذر تلافيها.
فأقول: استدلوا على المنع من إطلاق لفظ السيد وسيدي ونحو ذلك بما أخرجه النسائي (1) بإسناد جيد عن عبد الله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا له: أنت سيدنا، فقال:" السيد الله تبارك وتعالى " قلنا: وأفضلنا وأعظمنا طولا، قال:" قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرنكم الشيطان "، وفي رواية (2) " ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله ورسوله،
(1) في " عمل اليوم والليلة " رقم (246).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4806)، وهو حديث صحيح.
(2)
أخرجها النسائي في " عمل اليوم والليلة " رقم (248) وأحمد (3/ 241، 249) من حديث أنس، وهو حديث صحيح.
ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل ".
فهذا هو حجتهم على تشديد النكير على من كاتب أو خاطب بلفظ سيدي، ونحو ذلك، فاسمع ما نملي عليك مما خطر على البال من الحجج الشرعية، وحضر عند تحرير هذه الأحرف من البراهين المرضية، وذلك [أربع] (1) عشرة حجة:
الحجة الأولى [1أ]: ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في دواوين الإسلام المعتبرة أنه قال: " أنا سيد ولد آدم " فهذا الحديث صحيح (2) يفيد أنه سيد الأحياء والأموات من بني آدم [1]،
(1) في (ب): ثلاث.
(2)
أخرج مسلم في صحيحه رقم (3/ 2278) وأبو داود رقم (4763) والترمذي رقم (3615) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع ".
وأخرج مسلم في صحيحه رقم (1/ 2176) والترمذي رقم (3605) و (3606) وأحمد (4/ 107) والطبراني في " الكبير "(22/ 161) وابن حبان رقم (6242) من حديث واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم، فأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع ".
قال القرطبي في " المفهم "(6/ 48): السيد: اسم فاعل من ساد قومه، إذا تقدمهم بما فيه من خصال الكمال وبما يوليهم من الإحسان والإفضال.
وأصله: سَيْوِد؛ لأن ألف ساد منقلبة عن واو، بدليل أن مضارعه يسود، فقلبوا الواو ياء وأدغموها في الياء فقالوا: سيد، وهكذا كما فعلوا في ميت.
وقد تبين للعقل والعيان ما به كان محمد صلى الله عليه وسلم سيد نوع الإنسان، وقد ثبت بصحيح الأخبار ماله من السؤدد في تلك الدار، فمنها أنه قال:" أنا سيد ولد آدم " قال: " وتدرون بما ذاك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:" إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد " أخرجه مسلم (194) حديث الشفاعة، تقدم.
ومضمونه: أن الناس كلهم إذا جمعهم موقف القيامة وطال عليهم وعظم كربهم، طلبوا من يشفع لهم إلى الله تعالى في إراحتهم من موقفهم، فيبدؤون بآدم عليه السلام، فيسألونه الشفاعة فيقول: نفسي، نفسي، لست لها، وهكذا يقول من سألها من الأنبياء، حتى ينتهي الأمر إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول:" أنا لها "، فيقوم أرفع مقام ويخص بما لا يحصى من المعارف والإلهام، وينادي بألطف خطاب وأعظم إكرام:" يا محمد، قل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع " وهذا مقام لم ينله أحد من الأنام ولا سمع بمثله لأحد من الملائكة الكرام ".
فمن قال منهم مخاطبا له صلى الله عليه وسلم أنت سيدنا أو سيد بني آدم، فما قال إلا ما أثبته صلى الله عليه وسلم لنفسه، فقوله صلى الله عليه وسلم لوفد بني عامر:" السيد الله " يريد أن الفرد المطلق في السيادة هو الله - تعالى - كما تدل على ذلك آلة التعريف في السيد، فإنها في مثل هذا المقام تفيد الحصر (1) كما صرح بذلك علماء المعاني والبيان والأصول، كما يقول القائل: أنت الرجل علما أو شجاعة أو نحو ذلك، أي: الفرد الكامل في العلم [أو](2) الشجاعة، فالحصر في مثل هذا هو باعتبار الكمال [لا](3) أنه حصر حقيقي، بل حصر ادعائي لقصد المبالغة في وصفه بالكمال.
وأهل علم المعاني والبيان هم القائمون ببيان دقائق العربية وأسرارها، وأهل الأصول هم المبينون لقواعد لغة العرب الكلية، ولا شك ولا ريب أن هذه الشريعة المطهرة هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهما على لسان العرب، فالفهم لهما إنما يكون [بفهم](4) لغة العرب، وقد تغيرت لغة العرب من قديم الزمن، بل من عصر الصحابة؛ ولهذا كان وضع علم النحو في أيامهم لما سمعوا التخليط من أهل ذلك العصر، وكان أول من أرشد إلى علم النحو هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولغة العرب الآن أشد تغيرا، بل قد التحقت في كثير من المساكن التي كان تسكنها العرب بلغة العجم، فمن أراد الآن أن
(1) انظر " معترك الأقران في إعجاز القرآن "(1/ 136).
(2)
في (ب): و.
(3)
في (ب): إلا وما أثبتناه من (أ).
(4)
في (ب): لفهم.
يفهم كتاب الله وسنة رسوله [صلى الله عليه وسلم](1) على مقتضى لغة العرب فلا يتم له معرفة أصل معنى اللفظ إلا بمعرفة علم اللغة، ولا يتم له معرفة أصل أبنية الألفاظ العربية إلا بمعرفة علم الصرف، ولا يمكنه معرفة الحركات الإعرابية إلا بعلم النحو، ولا يمكنه معرفة دقائق العربية وأسرارها إلا بعلم المعاني والبيان، ولا معرفة قواعد اللغة الكلية إلا بعلم الأصول.
ولهذا كانت هذه العموم هي المقدمة في العلوم الاجتهادية، وإن خالف في [اعتبار](2) البعض منها في الاجتهاد بعض أهل العلم، فالحق اعتبار الجميع (3)؛ لأن فهم لغة العرب على الوجه المطابق لما كانت عليه اللغة لا يتم [1ب] إلا بذلك، ولا ريب أن دقائق اللغة يستفاد من العلم بها العلم بدقائق الكتاب والسنة، والدقائق [2] تستخرج منها الأحكام الشرعية كما تستخرج من الظواهر.
إذا تقرر لك هذا فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم[إنما](4) قال لوفد بني عامر لما قالوا: أنت
(1) زيادة من (ب).
(2)
في (ب) اختيار.
(3)
تقدم ذكر ذلك مرارا.
انظر الرسالة رقم (60)، (64).
(4)
في (ب): أنه.
قال الخطابي في " معالم السنن "(5/ 155): قوله: " السيد الله " يريد أن السؤدد حقيقة الله عز وجل، وأن الخلق كلهم عبيد له.
وإنما منعهم - فيما ترى - أن يدعوه سيدا مع قوله: " أنا سيد ولد آدم "، وقوله لبني قريظة:" قوموا إلى سيدكم " - يريد سعد بن معاذ، تقدم - من أجل أنهم قوم حديثو عهد بالإسلام، وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كما هي بأسباب الدنيا، وكان لهم رؤساء يعظمونهم، وينقادون لأمرهم ويسمونهم السادات، فعلمهم الثناء عليه وأرشدهم إلى أدب ذلك، فقال:" قولوا بقولكم " يريد: قولوا بقول أهل دينكم وملتكم، وادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله عز وجل في كتابه فقال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} ، ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم، ولا تجعلوني مثلهم، فإني لست كأحدهم، إذ كانوا يسودونكم بأسباب الدنيا، وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة، فسموني نبيا ورسولا.
سيدنا [قال](1)" السيد الله "؛ لأنه قد فهم من مقصدهم أنهم أرادوا بالسيد المعنى الذي لا يصح إطلاقه على البشر، ولم يريدوا به المعنى الذي يطلقه البشر على الأنبياء وغيرهم، ويويد هذا ما قاله لهم من بعد:" ولا يستجرنكم الشيطان "" ولا يستهوينكم الشيطان " فإن مخاطبته لهم بهذا الخطاب تدل أبلغ دلالة على أنه قد فهم منهم الغلو (2)، فكان ذلك سببا لقوله لهم:" السيد الله "، وهذا في غاية الوضوح والجلاء، فعرفت بهذا أن ذلك الحديث لا يدل على مطلوب المستدل.
وذكر في النهاية (3) ما يفيد أن في هذا الحدث زيادة لفظ يدل على جواز إطلاق لفظ السيد على بني آدم، فقال ما لفظه: ومنه الحديث لما قالوا له: أنت سيدنا فقال: " قولوا بقولكم، ادعوني نبيا أو رسولا كما سماني الله، ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم؛ فإني لست كأحدكم ممن يسودكم في أسباب الدنيا
…
" انتهى.
فهذا يدل على جواز إطلاقه على البشر لا على منعه، فالدليل حجة عليهم لا لهم.
الحجة الثانية: ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين (4) وغيرهما (5) أنه قال في الحسن بن
(1) زيادة من (ب).
(2)
تقدم الكلام على الغلو.
(3)
لابن الأثير (2/ 417).
قال الحافظ في " الفتح "(5/ 179): ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك والإذن بإطلاقه على المالك، وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدا أو كنايته بالسيد، ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي، فعند أبي داود والمصنف في " الأدب " من حديث بريدة مرفوعا:" لا تقولوا للمنافق سيدا ".
(4)
بل أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2704) وأطرافه (3629، 3746، 7109).
(5)
كأحمد في " المسند "(5/ 37 - 38) والنسائي في " المجتبى "(3/ 107) و" عمل اليوم والليلة " رقم (252)، وقد تقدم.
علي رضي الله عنه: " إن هذا ابني سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين " فإن في هذا الحديث أبلغ دلالة وأكمل تصريح على جواز إطلاق لفظ سيد على أفراد بني آدم.
الحجة الثالثة: ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في دواوين الإسلام أنه قال: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "(1)، " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة "(2).
الحجة الرابعة: ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله للأنصار يوم بني قريظة لما وصل سعد بن معاذ بعد التحكيم له من بني قريظة، وكان مريضا شديد المرض من ذلك السهم الذي
(1) أخرجه الترمذي رقم (3768) وأحمد (3/ 3) وفي " الفضائل " رقم (1384) والطبراني في " الكبير " رقم (2611، 2612) وأبو يعلى رقم (1169) وابن أبي شيبة (12/ 96)، وابن حبان رقم (6959) من حديث أبي سعيد الخدري، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
وأخرج النسائي في " الفضائل (260) وزاد في آخره: " وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة " من حديث حذيفة.
وأخرجه أحمد (5/ 391 - 392) والنسائي في " الفضائل "(194) والترمذي رقم (3781) وابن حبان رقم (6960) والحاكم (3/ 381) من حديث حذيفة من طرق وفيه: ". . . إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلم علي، ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ".
وهو حديث صحيح، انظر:" الصحيحة " رقم (2785).
(2)
أخرجه ابن ماجه رقم (100) عن أبي جحيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين ".
وهو حديث صحيح.
وأخرجه الترمذي في " السنن " رقم (3665) و (3666) وابن ماجه رقم (95)، من حديث علي رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.
وأخرجه الترمذي في " السنن " رقم (3664) من حديث أنس، وهو حديث صحيح.
أصابه يوم الخندق، فقال صلى الله عليه وسلم:" قوموا إلى سيدكم يا معشر الأنصار "(1).
الحجة الخامسة: ما قاله صلى الله عليه وسلم لقيس بن عاصم المنقري سيد بني تميم لما وفد [2أ] إليه فقال: " هذا سيد أهل الوبر "(2) وهو إذ ذاك مشرك.
الحجة السادسة: أنه سأل صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 3⦘
بعض قبائل العرب فقال: " من سيدكم؟ "[قالوا](3) فلان على بخل فيه فقال: " وأي داء أدوأ من البخل! "(4) وهذه الأحاديث كلها مذكورة في كتب الحديث المعتبرة، والسير المشتهرة، لا يشك أحد من أهل العلم في شيء منها.
الحجة السابعة: أنه كان صلى الله عليه وسلم يسأل الوفود الذين يفدون عليه من الجهات عن سيدهم من هو؟ فيدلون عليه بعبارة أو إشارة.
الحجة الثامنة: قوله صلى الله عليه وسلم: " كل بني آدم سيد، فالرجل سيد أهل بيته، والمرأة سيدة أهل بيتها "(5).
الحجة التاسعة: حديث أنه سئل هل في أمته سيد؟ فقال: " من آتاه الله مالا، ورزق
(1) تقدم، انظر الرسالة رقم (181).
(2)
أخرجه الحاكم في " المستدرك "(3/ 611) من حديث قيس بن عاصم، والبخاري في " الأدب المفرد "(730) والطبراني في " الكبير "(18/ 870) والبزار في مسنده رقم (2744 - كشف) وأحمد (5/ 61) والنسائي (1/ 262) مختصرا.
وهو حديث صحيح لغيره.
(3)
في (ب): فقالوا.
(4)
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " رقم (227) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سيدكم يا بني سلمة؟ " قلنا: جد بن قيس، على أنا نبخله، قال:" وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح ". وكان عمرو على أصنامهم في الجاهلية، وكان يولم عن رسول الله إذا تزوج.
وهو حديث صحيح.
(5)
ذكره السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى "(2/ 26).
وقال: هذا حديث صحيح غريب.
سماحة، فأدى شكره، وقلت شكايته في الناس [يعني](1) فهو سيد (2).
الحجة العاشرة: ما ثبت في الصحيح (3) أنه صلى الله عليه وسلم قال للأوس: " انظروا إلى سيدكم ما يقول " وذلك في قصة اللعان.
الحجة الحادية عشرة: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث قيس بن عاصم: " اتقوا الله، وسودوا أكبركم "(4).
الحجة الثانية عشرة: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا للمنافق سيد "(5).
الحجة الثالثة عشرة: قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: من السيد؟ فقال: " يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم "(6)، وهذه الأحاديث المتأخرة ذكرها صاحب .................................
(1) زيادة من (أ).
(2)
أخرجه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد "(8/ 202) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه نافع أبو هرمز وهو متروك، وهو حديث ضعيف.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله، من السيد؟ قال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " قالوا: فما من أمتك سيد؟ قال: " بلى رجل أعطي مالا، ورزق سماحة، وأدنى الفقير، وقلت شكايته في الناس ".
(3)
أخرج مسلم في صحيحه رقم (16/ 1498) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: " اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني ".
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
أخرجه أحمد في " مسنده "(5/ 347) وأبو داود رقم (4977) والبخاري في " الأدب المفرد "(760) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " رقم (244) والبيهقي في " الشعب " رقم (4883) وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (364) والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " رقم (5987) وابن السني في " عمل اليوم والليلة "(391).
من حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيدا، فقد أسخطتم ربكم عز وجل ". اللفظ لأبي داود، وهو حديث صحيح.
(6)
تقدم تخريجه وهو حديث ضعيف.
النهاية (1).
[الحجة الرابعة عشرة: ذكر السبكي في طبقاته (2) في ترجمة أحمد بن عمرو بن السرح (3) شيخ مسلم وغيره ما لفظه: وتفرد عن ابن وهب بحديث فقال: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل بني آدم سيد، الرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها " قال السبكي (4) هذا حديث صحيح غريب. انتهى](5).
فهذا ما خطر من الحجج عند جري القلم بهذه الأحرف، والمجال [واسع جدا](6) ومن تتبع وجد أضعاف أضعاف ذلك، بل قد صرح بذلك الكتاب العزيز، قال الله تعالى:{وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (7)، فهذا [فيه](8) إطلاق لفظ السيد على البشر، وهذه الآية الكريمة ينبغي أن تجعل من الحجج المتقدمة، فتكون الحجة الرابعة عشرة.
وقد جرى على ألسن الصحابة والتابعين وتابعيهم من إطلاق ذلك على البشر نظما ونثرا ما لا يأتي عليه الحصر، ومن ذلك قول عائشة [رضي الله عنها] (9) لما سألتها امرأة عن الخضاب فقالت:" كان سيدي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (10) يكره ريحه "(11).
(1)(2/ 417).
(2)
في " طبقات الشافعية الكبرى "(2/ 26).
(3)
(2/ 26).
(4)
في " طبقات الشافعية الكبرى "(2/ 26).
(5)
زيادة من (أ).
(6)
في (أ) واسعا جدا. وما أثبتناه من (ب).
(7)
[آل عمران: 39].
(8)
زيادة من (ب).
(9)
زيادة من (ب).
(10)
زيادة من (ب).
(11)
أخرجه أبو داود رقم (4164) والنسائي رقم (5093).
أن امرأة أتت عائشة رضي الله عنها فسألتها عن خضاب الحناء فقالت: لا بأس به، ولكني أكرهه، كان حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره ريحه "، وهو حديث ضعيف.
وقول أم الدرداء: " حدثني سيدي أبو الدرداء "، وقول عمر:" تفقهوا قبل أن تسودوا "(1)، وقول ابن عمر:" ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من فلان "(2).
فقد ثبت مما قدمنا عدم دلالة ذلك الدليل على المطلوب؛ لاقترانه بما يدل على أنهم أرادوا بالسيد معنى يتضمن بعض الغلو الذي لا تريده العرب وأهل الإسلام [2ب] عند إطلاقه على البشر؛ ولهذا جعله [4] صلى الله عليه وسلم من استجرار [الشيطان](3) واستهوائه.
وثبت أيضًا بما ذكرناه من الحجج أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت لنفسه أن سيد بني آدم على العموم (4){وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (5). وأثبت لبعض أفراد البشر أنه سيد مطلق من غير تقييد (6)، وأثبت لبعض آخر أنه سيد شباب الجنة، ولبعض آخر أنه سيد كهول أهل الجنة [ولبعض أنه سيد قبيلة من القبائل](7) ولبعض
(1) أخرجه الدارمي في سننه (1/ 79) بسند صحيح، قلت: وأخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " رقم (508، 509) وأبو خيثمة في " العلم " رقم (9) ووكيع في " الزهد " رقم (102) والخطيب في " الفقيه والمتفقه "(2/ 78) وغيرهم من طرق.
(2)
أخرجه الطبراني في " الأوسط " رقم (6759) وفي " الكبير "(12/ 387 رقم 13432).
وقال الهيثمي في " المجمع "(9/ 357) رواه الطبراني في " الأوسط " و" الكبير " وفي رجاله خلاف.
وأورده ابن الأثير في " النهاية "(2/ 418) ولفظه: " ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية قيل: ولا عمر! قال: كان عمر خيرا منه، وكان هو أسود من عمر " قيل: أراد أسخى وأعطى للمال، وقيل: أحلم منه.
(3)
زيادة من (أ).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
[النجم: 3 - 4].
(6)
انظر " فتح الباري "(5/ 177) باب رقم 17، كراهية التطاول على الرقيق وقوله: عبدي أو أمتي. وقوله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإمائكم} ، وقال:{عَبْدًا مَمْلُوكًا} ، {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ} ، وقال:{مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" قوموا إلى سيدكم "، {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} سيدك، و" من سيدكم ".
(7)
" زيادة من (ب).
أنه سيد قبائل متعددة.
فدل مجموع ذلك إلى أنه يجوز أن يقال لفرد من أفراد بني آدم أنه سيد ذلك [القائل](1)، أو سيد قوم معينين كأن يقول: يا سيدي أو يا سيد القبيلة الفلانية، أو سيد أهل القرية الفلانية، أو نحو ذلك من التخصيص والتعميم الجائزين الخاليين عن الغلو الممنوع.
ولا فرق بين أن يكون ذلك في مخاطبة أو مكاتبة، فالكل جائز، والأمر واسع، فإن السيد في لغة العرب يرد [لمعان](2) منها [من ثبتت](3) له رئاسة عامة أو خاصة، وأهل الشرع إلى عصرنا هذا إذا أطلقوه على فرد من الأفراد لا يريدون إلا هذا المعنى، أما حقيقة، أو ادعاء [وتأدبا](4). وما في إطلاق مثل هذا من ضير، فقد أذن به الشرع، ولم يرد فيه ما يمنعه لا بتصريح ولا بتلويح، بل كما يجوز أن يقال: الرئيس أو رئيس بني فلان، أو رئيسي، كذلك يجوز أن يقال: السيد أو سيد بني فلان أو سيدي (5).
قال في النهاية (6) والسيد يطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم، [ومتحمل أذى قومه](7) والزوج والرئيس والمقدم، وأصله من ساد يسود فهو سؤدد، فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها، ثم أدغمت. . . انتهى بلفظه.
ومن علم أن هذه المعاني ثابتة للفظ السيد في لغة العرب (8)، ولسان أهل الشرع،
(1) في (ب): القبائل.
(2)
في (ب): لغتان.
(3)
في (ب): ما ثبت.
(4)
زيادة من (أ).
(5)
تقدم في تعليقة سابقة.
(6)
(2/ 418).
(7)
زيادة في (ب).
(8)
قال الراغب الأصفهاني في " مفردات ألفاظ القرآن "(ص 432): السيد المتولي للسواد: أي الجماعة الكثيرة، وينسب إلى ذلك فيقال: سيد القوم، ولا يقال: سيد الثوب، وسيد الفرس، ويقال: ساد القوم يسودهم، ولما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس، قيل: لكل من كان فاضلا في نفسه: سيد. وعلى ذلك قوله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39]، وقوله:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} [يوسف: 25] فسمي الزوج سيدا لسياسة زوجته. وقوله: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} [الأحزاب: 64]، أي: ولاتنا وسائسينا.
فكيف ينكر إطلاق لفظ السيد أو سيدي على واحد منها! فمن قال للرئيس أو الشريف أو الفاضل أو الكريم أو الحليم السيد أو سيدي، فقط أطلق ذلك اللفظ العربي على المعنى الذي وضعته [له](1) العرب، ولم يرد المنع منه في الشرع.
والحاصل أن لفظ السيد مشترك في لسان العرب بين تلك المعاني، موضوع لكل واحد منها [5]، ومن جملتها أنه موضوع للرب سبحانه فيجوز إطلاقه عليه عز وجل (2) - ويجوز إطلاقه على سائر تلك المسميات، وليس بمختص بالرب سبحانه [3أ] حتى لا يجوز إطلاقه على غيره (3). ومن زعم هذا فقد ادعى على لغة العرب، بل
(1) في (ب): لها.
(2)
قال القرطبي: إنما فرق بين الرب والسيد؛ لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا، واختلف في السيد، ولم يرد في القرآن أنه من أسماء الله تعالى.
فإن قلنا: إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق واضح؛ إذ لا التباس، وإن قلنا: إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب، فيحصل الفرق بذلك.
" فتح الباري "(5/ 180).
وقال الأصبهاني في " الحجة في بيان المحجة "(1/ 155 - 156): ومن أسمائه " السيد "، وهذا اسم لم يأت به الكتاب، وإنما ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الخبر.
قال ابن القيم في " النونية "(2/ 231 - 232):
وهو الإله السيد الصمد الذي
…
صمدت إليه الخلق بالإذعان
الكامل الأوصاف من كل الوجو
…
ه كماله ما فيه من نقصان
وقال: السيد إذا أطلق عليه - تعالى - فهو بمعنى: المالك والمولى والرب، لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
" الفوائد "(3/ 213).
(3)
قال القرطبي: إنما فرق بين الرب والسيد؛ لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا، واختلف في السيد، ولم يرد في القرآن أنه من أسماء الله تعالى.
فإن قلنا: إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق واضح؛ إذ لا التباس، وإن قلنا: إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب، فيحصل الفرق بذلك.
" فتح الباري "(5/ 180).
وقال الأصبهاني في " الحجة في بيان المحجة "(1/ 155 - 156): ومن أسمائه " السيد "، وهذا اسم لم يأت به الكتاب، وإنما ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الخبر.
قال ابن القيم في " النونية "(2/ 231 - 232):
وهو الإله السيد الصمد الذي
…
صمدت إليه الخلق بالإذعان
الكامل الأوصاف من كل الوجو
…
ه كماله ما فيه من نقصان
وقال: السيد إذا أطلق عليه - تعالى - فهو بمعنى: المالك والمولى والرب، لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
" الفوائد "(3/ 213).
على الشرع ما ليس فيهما، وهذه كتب اللغة، وكتب الشريعة المطهرة إلى ظهر البسيطة، وقد نقلنا في هذا ما فيه كفاية لمن كانت له هداية، والله ولي التوفيق (1).
وظهر [بهذا [(2) النقل الذي نقلناه عن صاحب النهاية صحة ما قدمنا من تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: " السيد الله " كما تقدم بيانه وإيضاحه، وحسبي الله ونعم الوكيل. . . ولنقتصر على هذا القدر وإن كان المقام [محتملا](3) للتطويل والبسط، فليس المراد إلا التنبيه على دفع ما يظن أن من قال لفرد من أفراد البشر السيد أو سيدي [قد](4) خالف الشريعة، وفعل محرما من محرماتها، فإن هذا غلط على الشريعة، والحمد لله أولى وأخرى. . .
[حرر](5) ضحوة يوم الأربعاء لعله ثامن شهر جمادى الأولى سنة 1219.
[بقلم المؤلف - عافاه الله - ونقلته من خطة ثاني يوم تحريره - دامت إفادته - والله حسبي بلغ قصاصه، ويرد من الحجج قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} تمت](6).
(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (2546) وطرفه (2550) ومسلم رقم (1664) من حديث ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العبد إذا نصح سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين ".
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (2549) ومسلم رقم (1667) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم ما لأحدهما، يحسن عبادة ربه وينصح سيده ".
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (3754) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالا ".
وانظر: " فتح الباري "(7/ 99).
(2)
في (ب): هذا.
(3)
في (ب): متحمل.
(4)
في (ب): فقد.
(5)
زيادة من (أ).
(6)
زيادة من (ب).