الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(189)
33/ 4
القول الحسن في فضائل أهل اليمن
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: القول الحسن في فضائل أهل اليمن.
2 -
موضوع الرسالة: آداب.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الأكرمين وبعد:
فهذا البحث في الأدلة الواردة في فضائل اليمن أردت ذكر بعضها.
4 -
آخر الرسالة: وقد ذكر جماعة من أهل العلم أحاديث في فضل اليمن وأهله وهو يفضي، عنها ما ثبت في الصحيحين حسبما قدمنا، فلنقتصر على هذا المقدار، والحمد لله أولا وآخرا، كتبه مؤلفه غفر الله له.
5 -
نوع الخط، خط نسخي مقبول.
6 -
عدد الصفحات: 5 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 33 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 14 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الرابع من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الأكرمين، وبعد:
فهذا البحث في الأدلة الواردة في فضل اليمن، أردت ذكر بعضها هاهنا لينشره بذلك صدر كل يماني، وينثلج بها قلبه، ويطمئن بها خاطره، ويعلم أن كونه من أهل هذا القطر من النعم التي أنعم الله بها عليه، لدخوله في عدادهم، وكونه من بلادهم.
لتناول الأدلة التي ستمر بك له على أي صفة كان، ومن أي فريق من أهلها يعد.
أخرج ابن جرير (2) عن شريح بن عبيد قال: لما أنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} الآية، قال عمر: أنا وقومي يا رسول الله، قال:" لا بل هذا وقومه " يعني أبا موسى الأشعري.
وأخرج ابن سعد (3)، وابن أبي شيبة في مسنده (4)، وعبد بن حميد (5)، والحكيم الترمذي (6)، وابن جرير (7)، وابن المنذر (8)، وابن أبي حاتم (9) ...........................................................
(1)[المائدة: 54]
(2)
في "جامع البيان"(4 ج6/ 285) بسند منقطع.
لأن شريح بن عبيد لم يسمع من عمر فالسند منقطع.
(3)
في "الطبقات"(4/ 107)
(4)
في "مصنفه"(12/ 123)
(5)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(6)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(7)
في "جامع البيان"(4 ج6/ 285)
(8)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(9)
في تفسيره (4/ 1160 رقم 6535)
والطبراني (1)، وأبو الشيخ (2)، وابن مردويه (3)، والحاكم (4)، وصححه، والبيهقي في الدلائل (5) عن عياض الأشعري قال: لما نزلت: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "هم قوم هذا" وأشار إلى أبي موس الأشعري.
وأخرج أبو الشيخ (6)، وابن مردويه (7)، والحاكم (8) في جمعه لحديث شعبة، والبيهقي (9)، وابن عساكر (10) عن أبي موسى الأشعري قال: تليت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} الآية، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"قومك يا أبا موسى أهل اليمن". [1ب].
وأخرج ابن أبي حاتم (11)[والحاكم](12) في الكنى، والطبراني في الأوسط (13)، وأبو الشيخ (14) بسند حسن عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} الآية، فقال: "هؤلاء قوم من أهل اليمن [من](15) كندة [من](16) السكون ثم ..............................
(1) في "المعجم الكبير"(17/ 371)
(2)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(3)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(4)
في "المستدرك"(2/ 313) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
(5)
(5/ 351 - 352)
(6)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(7)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(8)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(9)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(10)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102)
(11)
في تفسيره (4/ 1160 رقم 6534)
(12)
زيادة من الدر المنثور (3/ 102)
(13)
(2/ 103 رقم 1392)
(14)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 102).
قال ابن كثير في تفسيره (3/ 135 - 136) وهذا حديث غريب جدا
(15)
في المخطوط ثم والتصويب من الدر المنثور (3/ 103)
(16)
في المخطوط ثم والتصويب من الدر المنثور (3/ 103)
[من](1) تجيب ".
وأخرج البخاري في تاريخه (2)، وابن أبي حاتم (3)، وأبو الشيخ (4) عن ابن عباس - في الآية - قال: هم قوم من أهل البيت، ثم من كندة، ثم من السكون.
وأخرج البخاري في تاريخه (5) عن القاسم بن مخيمرة قال: أتيت ابن عمر فرحب بي، ثم تلا:{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} الآية، ثم ضرب على منكبي وقال: أحلف بالله إنهم لمنكم أهل اليمن.
إذا عرفت أن هذه الآية نازلة فيهم بهذه الأحاديث، فاعلم أنها قد اشتملت على مناقب لأهل اليمن.
الأولى منها: اختصاص أهل اليمن بهذه المزية العظيمة، وهي أن الله - سبحانه - يأتي بهم عند ارتداد غيرهم من قبائل العرب التي هي ساكنة في هذه الجزيرة على اختلاف أنواعها، وتباين صفاتها، فإن ذلك لا يكون إلا لمزيد شرفهم، وأنهم حزب الله عز وجل عند خروج غيرهم من هذا الدين، وتمكن الإسلام في قلوبهم، وعدم تزلزل أقدامهم عند تزلزل أقدام غيرهم، وقد نقل الإخباريون والمفسرون أنه ارتد عن الإسلام إحدى عشرة قبيلة من قبائل العرب، وأهل اليمن باقون على الإسلام كلهم متمسكون بشعائره، مقاتلون من خرج عنه.
المنقبة الثانية: قوله عز وجل {يُحِبُّهُمْ} فليس بعد هذه الكرامة والتشريف
(1) زيادة يستلزمها السياق.
(2)
(3/ 2\ 195 رقم 2151).
(3)
في تفسيره (4/ 1160 رقم 6536).
(4)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(3/ 103).
(5)
(4/ 1/ 160 - 161 رقم 718).
قال ابن جرير في "جامع البيان"(4\ج6/ 285): وأولى الأقوال عندنا بالصواب ما روي به الخبر عن رسول الله أنهم أهل اليمن قوم أبي موسى الأشعري.
من الله - سبحانه - شيء؛ فإن من أحبة الله فقد سعد سعدا لا يماثله سعد، وشرف شرفا لا يقاربه شرف، وفاز فوزا لا يعادله فوز، وأكرم كرامة لا تساويها كرامة، فإن أعظم ما يطلبه عباد الله المغفرة للذنوب، والخاصة منهم يطلبون الرضا عليهم منه.
وحاصل الرضا هو التغاضي عن المؤاخذة، والتجاوز عن التفريط، ولا يستلزم المحبة؛ فإنها أمر وراء ذلك.
ومن حصلت له فقد حصلت المغفرة والرضا مع مزيد خصوصية، وهي المحبة، فإنه ينشأ عنها الإكرام بكل ما يهواه المحبوب، وحصول ما يريده ويطلبه، وهذا والله المثل الأعلى كما هو معلوم بالوجدان أن المحب يتقرب إلى محبوبه بكل ما يعلم أن له فيه رغبة كائنا ما كان، وهذه رتبة تستلزم عدم المؤاخذة، ودخول الجنة، كما قال الله عز وجل رادا على اليهود - حيث قال:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} فأفادت هذه الآية أن من يحبه الله لا يعذبه بل يحبوه بأنواع الكرامات، ونفائس التفضلات، وأحاسن العطيات كما يستفاد من معنى المحبة والحب والحبيب والمحبوب.
المنقبة الثانية: قوله: {وَيُحِبُّونَهُ} وهذه كرامة جليلة، ومنقبة جميلة، فإن كون العبد الحقير محبا لربه عز وجل هي الغاية القصوى في الإيمان الذي هو سبب الفوز بالنعيم الدائم، وسبب النجاة من العذاب الأليم، ومن أعظم محبة الله عز وجل ودلائل صحتها اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله وأفعاله، والاقتداء به، والاهتداء بهدية الشريف، [2أ] قال الله عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} الآية (1) فمن أحب الله، وتتبع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فاز بحب الله عز وجل له، وبمحو ذنوبه، وارتفاع درجته
(1)[آل عمران: 31]
بين عباد الله المؤمنين.
المنقبة الرابعة: قوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فإن الذلة لأهل الإيمان من أشرف خصال المؤمنين، وأعظم مناقبهم، وهو التواضع الذي يحمده الله عز وجل، ويرفع لصاحبه الدرجات، وفي ذلك الخلوص من معرة كثير من خصال الشر التي من جملتها الكبر والعجب (1).
المنقبة الخامسة: قوله عز وجل: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} فإن ذلك هو أثر الصلابة في الدين، والتشدد في القيام به، والكراهة لأعدائه، والغلظة على الخارجين عنه.
المنقبة السادسة: قوله - سبحانه -: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فإن الجهاد هو رأس الواجبات الشرعية، وبه يقوم عماد الدين، ويرتفع شأنه، وتتسع دائرة الإسلام، وتتقاصر جوانب الكفر ويهدم أركانه.
المنقبة السابعة: قوله - سبحانه -: {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} وهذا هو شأن الإخلاص، والقيام لله عز وجل، وعدم المبالاة يخالف الحق، ويباين الدين.
وجاء بالنكرة في سياق النفي فشمل كل لائمة تصدر من لائم، أي لائم كان، سواء كان جليلا أو حقيرا، قريبا أو بعيدا، وما أدل هذه المنقبة على قيامهم في كل أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، القيام الذي لا تطاوله الجبال، ولا تروعه الأهوال، ولما جمع الله عز وجل لهم هذه المناقب في هذه الآية الشريفة نبههم على عظيم العطية، وجليل الإحسان فقال {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (2) ففيه
(1) قال القرطبي "الجامع لأحكام القرآن "(6/ 220) قال ابن عباس: هم للمؤمنين كالوالد للولد والسيد للعبد، وهم في الغلظة على الكفار كالسبع على فريسته قال تعالى:(أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).
(2)
[المائدة: 54].
تلميح إلى أنه قد جمع لهم من فضله ما لم يتفضل به على غيرهم من عباده، وكأن ذلك كالجواب على من رام أن يحصل له ما حصل لهم من هذه المناقب العظيمة، أو نافسهم فيها، أو حسدهم عليها.
وقد ذكر جماعة من المفسرين في مناقب أهل اليمن آيات قرآنية منها ما ورد في فضل مكة والمدينة، وهما من اليمن، ومنها ما ورد في فضل المقدس، والحرم الشريف وهما من اليمن، ومنها قوله تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (1) فمدحهم الله - سبحانه - بقوة اليقين، ومنها قوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (2)، ومنها قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أنا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} (3) فإنها في اليمن.
(1)[البقرة: 197].
أخرج البخاري في صحيحه رقم (1523) وأبو داود رقم (1730) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى:(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
وهو حديث صحيح.
(2)
[الحج: 27].
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2487 رقم 13878) عن ابن عباس قال لما أمر الله إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس فوضع أصبعيه في أذنيه ثم نادى: إن الله كتب عليكم الحج فأجيبوا ربكم، فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن".
وانظر: "الدر المنثور"(6/ 32)
(3)
[السجدة: 27].
أخرجه ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(11\ج21/ 115) وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 3111 رقم 17861).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 556) وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) قال: أرض اليمن
ومنها قوله: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (1) فإنها في اليمن (2).
ومنها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} (3) فقد قيل: إن المراد بالناس هنا أهل اليمن (4).
وأما ما ورد في فضلهم من السنة:
فما أخرجه البخاري (5) ومسلم (6) وغيرهما (7) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أتاكم أهل اليمن، أرق أفئدة، وألين قلوبا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية"، وفي لفظ للبخاري (8) " أتاكم أهل اليمن، أضعف
(1)[سبأ: 15]
(2)
أخرج ابن جرير في "جامع البيان"(12/ 22\ 76) عن عروة المرادي عن رجل منهم يقال له، فروة بن مسيك، قال: " قلت: يا رسول الله أخبرني عن سبأ ما كان؟ رجلا كان أو امرأة أو جبلا، أو دواب؟ فقال: لا، كان رجلا من العرب وله عشرة أولاد، فتيمن منهم ستة، وتشاءم أربعة، فأما الذين تيمنوا، منهم قلندة، وحمير، والأزد والأشعريون، ومذحج، وأنمار الذين منهم خثعم وبجيلة، وأما الذين تشاءموا فعاملة، وجذام، ولخم، وغسان.
وانظر "الدر المنثور"(6/ 682)
(3)
[النصر: 1 - 2]
(4)
ذكره السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 664) عن أبي هريرة قال لما نزلت (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جاء أهل اليمن هم أرق قلوبا الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية".
وعزاه لابن مردويه.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم وطباعهم سجية قلوبهم عظيمة حسنتهم دخلوا في دين الله أفواجاً".
(5)
في صحيحه رقم (4388)
(6)
في صحيحه رقم (82/ 52)
(7)
كأحمد في "المسند"(2/ 480، 488) والترمذي رقم (3935)
(8)
في صحيحه رقم (4390)
قلوبا، وأرق أفئدة "، وفي لفظ لمسلم (1) " جاء أهل اليمن، هم أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية ".
وأخرج البخاري (2) ومسلم (3) وغيرهما (4) من حديث [2ب] ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " الإيمان هاهنا " وأشار بيده إلى اليمن. . - الحديث -.
وهذه الألفاظ الثابتة في الصحيحين وغيرهما قد اشتملت على مناقب عظيمة، وفضائل كريمة.
الأولى منها: أنه أثبت لهم صلى الله عليه وآله وسلم رقة الأفئدة، ولين القلوب، وهذه منقبة عظيمة، لأن هذا الوصف هو شأن أهل الإيمان، ولهذا جعل صلى الله عليه وآله وسلم القسوة، وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر، هكذا في الصحيحين (5)، ولفظ (6) لهما أنه قال بعد قوله:" الإيمان يمان، والحكمة يمانية، ورأس الكفر قبل المشرق"، فرقة الفؤاد، ولين القلب، وصفان ملازمان للإيمان القوي والدين السوي (7).
(1) في صحيحه رقم (84/ 52)
(2)
في صحيحه رقم (3302)
(3)
في صحيحه رقم (51)
(4)
كأحمد (2/ 541)
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3302) ومسلم رقم (81/ 51)
(6)
البخاري في صحيحه رقم (3301) ومسلم في صحيحه رقم (90/ 52)
(7)
قال الخطابي: قوله " هم أرق أفئدة وألين قلوبا " أي لأن الفؤاد غشاء القلب، فإذا رق نفذ القول وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل، وإذا كان القلب لينا علق كل ما يصادفه "فتح الباري"(8/ 100)، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (2/ 33 - 34): قال الشيخ وقوله صلى الله عليه وسلم ألين قلوبا وأرق أفئدة المشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا يكون كرر لفظ القلب وهو أولى من تكريره بلفظ واحد وقيل الفؤاد غير القلب وهو عين القلب وقيل باطن القلب وقيل غشاء، وأما وصفها باللين والرقة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وصف بها قلوب الآخرين.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(1/ 301): وقد يكون الإشارة بلين القلب إلى خفض الجناح، ولين الجانب، والانقياد والاستسلام وترك الغلو، وهذه صفة الظاهر، والإشارة برقة الأفئدة إلى الشفقة على الخلق والعطف عليهم والنصح لهم، وهذه صفة الباطن وكأنه أشار إلى أنهم أحسن أخلاقا ظاهرا وباطنا.
* الفدادين: الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، واحدهم: فداد يقال: فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته.
وقيل: هم المكثرون من الإبل.
وقيل: هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان.
"النهاية"(3/ 419)
الثانية منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الإيمان يمان" فإن هذا اللفظ يشعر بقصر الإيمان عليهم، بحيث لا يتجاوزهم إلى غيرهم، لكن لما كان الإيمان قد وجد في غيرهم من القبائل وسكان الأرض كان هذا الحصر محمولا على المبالغة في إثبات الإيمان لهم (1)، وأن إيمانهم هو الفرد الكامل من أفراد الإيمان لا يساويه غيره، ولا يدانيه سواه، وهذا هو الحصر الذي يسميه أهل البيان ادعائيا (2) ولا شك ولا ريب أن الإيمان
(1) قال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(1/ 302).
قيل معناه: أهل اليمن أكمل الناس إيمانا
(2)
يشير إلى القصر الحقيقي الادعائي ويكون على سبيل المبالغة بفرض أن ما عدا المقصور عليه لا يعتد به.
والقصد الحقيقي هو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقة والواقع بألا يتعداه إلى غيره أصلا.
"معترك الأقران "(1/ 1360 - 137)، انظر:" جواهر البلاغة "(ص 149)
يتفاوت، فمن الناس من يكون إيمانه كالجبال الرواسي التي لا يحركها شيء، ولا يتزلزل بالشبه وإن بلغت أي مبلغ، ومن الناس من يكون إيمانه دون ذلك، وقد جاءت الأدلة الصحيحة قاضية بأن الإيمان يزيد وينقص، فلله هذه المنقبة التي تتقاصر الأذهان عن تصور كنهها، وبلوغ غايتها.
وبالجملة فالإيمان هو رأس مال كل من يدين بهذا الدين، فإذا فاقوا فيه غيرهم فقد ظفروا بالخير أجمع، ونالوا الغاية التي ليس وراءها غاية، والمنقبة التي تتقاصر عندها كل منقبة.
الثالثة منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "والحكمة يمانية" ففي هذا إثبات الحكمة (1) لهم على طريقة المبالغة، وأن لهم فيها الحظ الذي لا يدانيه حظ، والنصيب الذي لا يساويه نصيب.
والحكمة هي: العلم بالله وبشرائعه، والفهم لحججه، وكل ما يتعلق بذلك من العلوم العقلية والنقلية، فقد أثبت لهم صلى الله عليه وآله وسلم العلم على وجه لا يلحق بهم غيرهم فيه، ومن جمع الله له بين الإيمان على الوجه الأكمل، والعلم على الوصف الأتم فقد ظفر بالسعادة العاجلة والآجلة، ونال الخير السابق واللاحق على أبلغ
(1) الحكمة عند العرب: ما منع من الجهل والجفاء، والحكيم: من منعه عقله وحلمه من الجهل، حكاه ابن عرفة، وهو مأخوذ من حكمة الدابة، وهي الحديدة التي في اللجام، سحبت بذلك لأنها تمنعها، وهذه الأحرف: ح ك م حيثما تصرفت، فيها معنى المنع قال الشاعر - جرير -:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
…
إني خشيت عليكم أن أغضبا
وقيل: في قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ)[البقرة: 269]: أنها الإصابة في القول والفهم، قال مالك: الحكمة: الفقه في الدين.
انظر: "المفهم"(1/ 238)
وجه، وأكمل طريقة.
الرابعة منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " والفقه يمان "(1) فإن في هذا إثبات الفقاهة لهم على الوجه الأتم، وأنهم قد ظفروا منها بالفرد الكامل الذي لا يلحق به غيرهم - ومن أعطاه الله - سبحانه - الفهم الكامل لكتاب الله - سبحانه -، ولسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولاستخراج الوجوه منهما التي هي الفقه في الدين فقد ضم إلى علمه صحة فهمه، وقوة إدراكه، وحسن تصرفه في الشرعيات والعقليات فكان الفرد الكامل في طوائف أهل العلم.
ومن مناقبهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا لهم [3أ] فقال: [اللهم أقبل بقلوبهم] كما أخرجه الترمذي (2) من حديث أنس.
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " هم مني وإلي " كما أخرجه الطبراني (3) من حديث عبد الله بن عمرو.
(1) قال النووي في شرحه " لصحيح مسلم "(2/ 33) فالفقه هنا عبارة عن الفهم في الدين واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها، وأما الحكمة ففيها أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائليها على بعض صفات الحكمة، وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتملة على المعرفة بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك. وقال أبو بكر بن دريد كل كلمة وعظتك وزجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة.
(2)
في " السنن " رقم (3934) بإسناد حسن.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث زيد بن ثابت إلا من حديث عمران القطان.
عن أنس، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن رسول الله نظر قبل اليمن، فقال:" اللهم أقبل بقلوبهم وبارك لنا في صاعنا ومدنا ".
(3)
في " الكبير "(19/ 707) مختصراً.
وأخرجه الترمذي في " السنن " رقم (4947) وأحمد في " المسند "(4/ 129) وأبو يعلى رقم (7386) والدولابي في " الكنى "(1/ 41) والحاكم (2/ 138).
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث وهيب بن جرير.
وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
عن عامر بن أبي عامر الأشعري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم الحي الأسد والأشعريون لا يفرون في القتال، ولا يغلون، هم مني وأنا منهم ".
قال عامر: فحدثت به معاوية فقال: ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه قال: " هم مني وإلي " فقال: ليس هكذا حدثني أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه قال: " هم مني وأنا منهم " قال: فأنت إذا أعلم بحديث أبيك قال عبد الله. هذا أجود الحديث ما رواه إلا جرير.
وهو حديث ضعيف.
انظر: " الضعيفة "(4692).
* قيل الأٍسد: الأزد.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن " كما أخرجه الإمام أحمد (1) من حديث أبي هريرة.
(1) لم أجده من حديث أبي هريرة.
أخرجه الطبراني في " الكبير "(7/ 52 رقم 6358) من حديث سلمة بن نفيل السكوتي قال: دنوت من رسول اله حتى كادت ركبتاي تمسان فخذه، فقلت: يا رسول الله تركت الخيل وألقي السلاح، وزعم أقوام أن لا قتال. فقال:" كذبوا! الآن جاء القتال، لا تزال من أمتي أمة قائمة على الحق ظاهرة على الناس يزيغ الله قلوب قوم قاتلوهم لينالوا منهم " وقال وقد حول ظهره إلى اليمن: " إني أجد نفس الرحمن من هاهنا، ولقد أوحي إلي مكفوت غير ملبث وتتبعوني أفناداً. والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها ".
قلت: وأخرجه أحمد (4/ 104) والدارمي (1/ 29) وأبو يعلى رقم (6861) والحاكم (4/ 447 - 448) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: لم يخرجاه لأرطأة وهو ثبت، والخبر من غرائب الصحاح.
بنحوه: دون قوله: " إني أجد نفس الرحمن من هاهنا ".
وأورده الهيثمي في " المجمع "(7/ 306) وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار وأبو يعلى ورجاله ثقات.
وقد ذكر جماعة من أهل العلم أحاديث في فضل اليمن وأهله، وهو يغني عنها ما ثبت في الصحيحين حسبما قدمنا، فلنقتصر على هذا المقدار، والحمد لله أولاً وآخراً.
كتبه مؤلفه - غفر الله له -.