الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في جواب سؤال عن الصبر والحلم هل هما متلازمان أم لا
؟
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققته وعلقت عليه وخرجت أحاديثه
محفوظة بنت علي شرف الدين
أم الحسن
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: بحث في جواب سؤال عن الصبر والحلم هل هما متلازمان أم لا.
2 -
موضوع الرسالة: آداب.
3 -
أول الرسالة: الحمد لله وبعد: فهذا الجواب من العلامة المحقق محمد بن علي الشوكاني كثر الله إفادته لما سألته هل الصبر والحلم متلازمان؟
4 -
آخر الرسالة: حرره كاتبة محمد بن علي الشوكاني غفر الله له ولوالديهما ووالدينا والمؤمنين أجمعين آمين آمين.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 4 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 28 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 10 كلمات.
9 -
الرسالة من المجلد الرابع من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
الحمد لله وبعد:
فهذا الجواب من العلامة المحقق محمد بن علي الشوكاني - كثر الله إفادته - لما سألته: هل الصبر والحلم متلازمان؟ وأيهما أفضل؟ فقال:
الجواب - بمعونة الوهاب - أن معنى الصبر لغة نقيض الجزع (1)، وقال الشريف في التعريفات (2): الصبر هو ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله إلا إلى الله تعالى، لأن الله أثنى على أيوب بالصبر بقوله:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} (3) مع دعائه في دفع الضر عنه بقوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (4) فعلمنا أن العبد إذا دعى الله في كشف الضر عنه لا يقدح في صبره، لئلا يكون كالمقاومة مع الله، ودعوى التحمل لمشاقه، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (5) فإن الرضى بالقضاء لا يقدح فيه الشكوى إلى .............
(1) انظر "لسان العرب"(7/ 276).
وقال الراغب الأصبهاني في "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 474):
الصبر: الإمساك في ضيق يقال: صبرت الدابة حبستها بلا علف.
الصبر: حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه. فالصبر لفظ عام، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فإن كان حبس النفس لمصيبة سمى صبرا لا غير.
ويضاده الجزع. وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن. وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر. ويضاده الضجر. وإن كان إمساك الكلام سمى كتمانا ويضاده المذل.
وقد سمى الله كل ذلك صبرا ونبه عليه بقوله: "وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ"[البقرة:177]. "وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ"[الحج:35].
انظر: "مجاز القرآن"(1/ 64)، "معانى القرآن وإعرابه" للزجاج (1/ 245).
(2)
(ص 136).
(3)
[ص: 44].
(4)
[الأنبياء:83].
(5)
[المؤمنون:76].
قال ابن القيم في "عدة الصابرين"(ص33): " والتحقيق أن في الصبر معاني ثلاثة: المنع والشدة والضم، ويقال صبر إذا أتى بالصبر، وتصبر إذا تكلفه واستدعاه، واصطبر إذا اكتسبه وتعلمه وصابر إذا وقف خصمه في مقام الصبر، وصبر نفسه وغيره بالتشديد إذا حملها على الصبر: واسم فاعل صابر وصبار وصبور ومصابر ومصطبر وأما صبار وصبور فمن أوزان المبالغة
…
".
حقيقة الصبر:
قيل حقيقة الصبر فهو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها.
قال الجنيد بن محمد: الصبر: تجرع المرارة من غير تعبس.
وقال ذو النون: الصبر "التباعد عن المخالفات، والسكوت عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة ".
وقيل: الصبر هو الغنى في البلوى بلا ظهور شكوى.
انظر: "عدة الصابرين"(ص 34 - 35).
الله (1)، ولا إلى غيره، وإنما يقدح في الرضى بالمقتضي ونحو ما خوطبنا بالرضى بالمقضي
(1) وأما إظهار البلاء على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر، قال تعالى في قصة أيوب:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص:44]. مع قوله: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء:83].
فالشكوى نوعان:
1 -
الشكوى إلى الله وهذا لا ينافي الصبر كما قال يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86]. مع قوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:83].
2 -
شكوى المبتلى بلسان الحال والمقال فهذا لا تجامع الصبر بل تضاده وتبطله.
انظر: "الإحياء"(5/ 67 - 70)، "عدة الصابرين"(ص 36).
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى "(10/ 666 - 667): " وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في صلاة الفجر: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86]، ويبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف بخلاف الشكوى إلى المخلوق. قرئ على الإمام أحمد في مرض موته أن طاوسا كره أنين المريض، وقال: إنه شكوى، فما أن حتى مات.
وذلك أن المشتكي طالب بلسان الحال، إما إزالة ما يضره أو حصول ما ينفعه والعبد مأمور أن يسأل ربه دون خلقه، كما قال تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7 - 8] وقال ابن عباس: " إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
أخرجه أحمد (1/ 293) والترمذي رقم (2516) وقد تقدم.
ولا بد للإنسان من شيئين. طاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، وصبره على ما يصيبه من القضاء المقدور، فالأول: هو التقوى، والثاني: هو الصبر.
والصبر هو المقضي به إلى آخر كلامه (1).
وأما الحلم فهو الأناة والعقل عند أهل اللغة (2)، وقال الشريف في التعريفات (3) هو الطمأنينة عند سورة الغضب. وقيل: تأخير مكافأة الظالم انتهى.
وأما الصبور (4) الذي هو من أسماء الله (5) سبحانه وتعالى فقد قال في ...................
(1) أي الجرحاني في التعريفات".
(2)
انظر "لسان العرب"(3/ 304)"مختار الصحاح"(ص 64).
قال الراغب الأصبهاني في "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 253): الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه أحلام قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} [الطور:32]، قيل معناه عقولهم وليس الحلم في الحقيقة العقل، لكن فسره بذلك لكونه من مسببات العقل، وقد حلم وحلمه العقل وتحلم، وأحلمت المرأة: ولدت أولادا حلماء قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:75] وقال سبحانه: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:101] أي: وجدت فيه قوة الحلم.
وقوله عز وجل: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور:59] أي: زمان البلوغ وسمي الحلم لكون صاحبه جديرا بالحلم.
(3)
(ص 98).
(4)
الصبور لم يرد به التنزيل وإنما ورد في الصحيح - أخرجه البخاري رقم (7378) ومسلم رقم (2804) من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله. يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم".
وفي رواية ما لفظه: " لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم".
قال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى "(1/ 138): واختلفوا في تأويله - الصبور - على ثلاثة أقوال:
1 -
إنه من صفات الذات ولكن يرجع إلى إرادة تأخير العقوبة والحليم يرجع إلى إسقاطها.
2 -
إنه من صفات ذاته، وإنه بمعنى حليم. قاله ابن فورك والقشيري.
3 -
إنه من صفات الفعل، ويرجع إلى تأخير العقوبة وإليه ذهب أبو حامد.
والصحيح من هذا أن الصبور يرجع إلى الصبر إرادة تأخير العقوبة وهو المختار وذلك معنى قوله: "لا أحد أصبر من الله" فإنه يعافيهم ويرزقهم وهم يدعون له الصاحبة والولد فأشار إلى تأخير العقوبة عن الكبائر في الدنيا. وهذا المعنى موجود في قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل:61]، وقوله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42].
وقال المازري في "المعلم بفوائد مسلم "(3/ 197): حقيقة الصبر منع النفس من الانتقام أو غيره فالصبر نتيجة الامتناع فأطلق اسم الصبر على الامتناع في حق الله تعالى لذلك قال القاضي عياض في " إكمال المعلم بفوائد مسلم "(8/ 336) والصبور من أسماء الله تعالى وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو بمعنى الحليم في أسمائه سبحانه وتعالى إلا أن الفرق بينهما أن الصبور يخشى عاقبة أخذه، والحليم هو العفو الصفوح مع القدرة على الانتقام وهذا الفرق بين الصبر والحلم.
(5)
الصبور لم يرد به التنزيل وإنما ورد في الصحيح - أخرجه البخاري رقم (7378) ومسلم رقم (2804) من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله. يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم".
وفي رواية ما لفظه: " لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم".
قال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى "(1/ 138): واختلفوا في تأويله - الصبور - على ثلاثة أقوال:
1 -
إنه من صفات الذات ولكن يرجع إلى إرادة تأخير العقوبة والحليم يرجع إلى إسقاطها.
2 -
إنه من صفات ذاته، وإنه بمعنى حليم. قاله ابن فورك والقشيري.
3 -
إنه من صفات الفعل، ويرجع إلى تأخير العقوبة وإليه ذهب أبو حامد.
والصحيح من هذا أن الصبور يرجع إلى الصبر إرادة تأخير العقوبة وهو المختار وذلك معنى قوله: "لا أحد أصبر من الله" فإنه يعافيهم ويرزقهم وهم يدعون له الصاحبة والولد فأشار إلى تأخير العقوبة عن الكبائر في الدنيا. وهذا المعنى موجود في قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل:61]، وقوله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42].
وقال المازري في "المعلم بفوائد مسلم "(3/ 197): حقيقة الصبر منع النفس من الانتقام أو غيره فالصبر نتيجة الامتناع فأطلق اسم الصبر على الامتناع في حق الله تعالى لذلك قال القاضي عياض في " إكمال المعلم بفوائد مسلم "(8/ 336) والصبور من أسماء الله تعالى وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو بمعنى الحليم في أسمائه سبحانه وتعالى إلا أن الفرق بينهما أن الصبور يخشى عاقبة أخذه، والحليم هو العفو الصفوح مع القدرة على الانتقام وهذا الفرق بين الصبر والحلم.
القاموس (1) والنهاية (2): هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام، قال في النهاية (3) وهو من أبنية المبالغة، ومعناه قريب من معنى الحليم، والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة كما لا يأمنها في صفة الحليم. وفيه: " لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل (4) أي أشد حلما من فاعل ذلك، وترك العقوبة. انتهى.
والحاصل أن الصبر والحلم باعتبار المعنى اللغوي يمكن أن يقال أن بينهما عموما وخصوصا من وجه، لأن الصبر الذي هو ترك الجزع قد يكون اختيارا وقد يكون اضطرارا، فإن الصبر الاضطراري (5) صبر عند أهل اللغة، لأن صاحبه قد ترك الجزع.
(1)(ص 541).
(2)
(3/ 7).
(3)
(3/ 7).
(4)
تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(5)
قال ابن القيم في " عدة الصابرين"(ص 43): الصبر ضربان: ضرب بدني وضرب نفساني وكل منهما نوعان: اختياري واضطراري فهذه أربعة أقسام:
1 -
البدني الاختياري كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختيارا وإرادة.
2 -
البدني الاضطراري كالصبر على ألم الضرب والمرض والجراحات والبرد والحر وغير ذلك.
3 -
النفساني الاختياري: كصبر النفس عن فعل ما لا يحسن فعله شرعا ولا عقلا.
4 -
النفساني الاضطراري: كصبر النفس عن محبوبها قهرا إذا حيل بينها وبينه.
وقد شاع ذلك في لسان أهل اللغة وذاع. قال الشاعر:
ليس لمن له حيلة
…
موجود أولى من الصبر
وقال آخر:
أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب
…
فكيف إذا ما لم يكن عنه مذهب
هناك بحق الصبر والصبر واجب
…
وما كان منه للضرورة أوجب
وهكذا يطلق الصبر على من صبر عند سورة الغضب (1)، وعلى من صبر لنزول ما
(1) قيل: إذا كان الصبر عند إجابة داعي الغضب سمي (حلما) وضده تسرعا.
- وإن كان صبرا عن شهوة الفرج المحرمة سمي (عفة) وضدها الفجور والزنا.
- وإن كان عن شهوة البطن وعدم التسرع إلى الطعام سمي (شرف النفس وشبع النفس). وضده الشراهة. ووضاعة النفس.
- وإن كان صبر عن إظهار ما لا يحسن إظهاره من الكلام سمي (كتمان السر) وضده إفشاء السر.
- وإن كان صبر عن فضول العيش سمي (زهدا) وضده حرصا.
- وإن كان على قدر يكفي من الدنيا سمي (قناعة) وضدها الحرص.
- وإن كان عن إجابة داعي العجلة سمي (وقاربا وثباتا) وضده طيشا وخفة.
- وإن كان عن إجابة داعي الفرار والهرب سمي (شجاعة) وضده جبنا وخورا.
- وإن كان عن إجابة داعي الانتقام سمي (عفوا) وصفحا وضده انتقاما وعقوبة.
- وإن كان عن إجابة الداعي الإمساك والبخل سمي (جودا) وضده بخلا.
- وإن كان عن إجابة داعي الطعام والشراب في وقت مخصوص سمي (صوما).
وإن كان عن إجابة داعي العجز والكسل سمي (كيسا).
وإن كان عن إجابة داعي إلقاء الكل على الناس وعدم حملهم كلهم سمي (مروءة).
يوجب الحزن والجزع، ويطلق الصبر أيضًا على من صبر أناة وسكوتا، وعلى من صبر وهو على غير هذه الصفة.
والحلم يقال على من سكن عند سورة، وتلقاها بالسكون والطمأنينة والأناة [1أ]، ويطلق أيضًا على من كان متأنيا في أموره غير مستعجل، وإن لم يكن هناك ما يقتضي الجزع والغضب، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي وفد مع قومه على رسول الله، فلما رأوا رسول الله أقبلوا إليه مسرعين، وتأخر الرجل حتى لبس حلته ثم أقبل في سكون وتؤده، فقال رسول الله:" إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة"(1) أو كما قال: والقصة مشهورة (2).
(1) وهو حديث صحيح.
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (26/ 18) والبيهقي في "السنن الكبرى "(10/ 104، 194) وفي "دلائل النبوة "(5/ 325 - 326) من حديث أبي سعيد الخدري.
وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (25/ 17) والبخاري في "الأدب" رقم (586) والترمذي رقم (2011) والطبراني في "الكبير" رقم (12969) والبيهقي في "السنن الكبرى "(10/ 104) من حديث ابن عباس.
(2)
أخرجها ابن حبان في صحيحه رقم (7203) وأبو يعلى (12/ 243 - 244) رقم (2/ 6849) عن الأشج العصري أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في رفقة من عبد القيس ليزوره فأقبلوا، فلما قدموا. رفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم فأناخوا ركابهم، فابتدر القوم ولم يلبسوا إلا ثياب سفرهم، وأقام العصري فعقل ركائب أصحابه وبعيره ثم أخرج ثيابه من عيبته وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله. قال: ما هما؟ قال: الأناة والحلم" قال: شيء جبلت عليه أو شيء أتخلقه؟ قال: " لا بل جبلت عليه " قال: الحمد لله.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: " معشر عبد القيس، ما لي أرى وجوهكم قد تغيرت" قالوا: يا نبي الله نحن بأرض وحمة، كنا نتخذ من هذه الأنبذة ما يقطع اللحمان في بطوننا، فلما نهينا عن الظروف، فذلك الذي ترى في وجوهنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الظروف لا تحل ولا تحرم، ولكن كل مسكر حرام، وليس أن تحبسوا فتشربوا، حتى إذا إمتلأت العروق تناحرتم، فوثب الرجل على ابن عمه فضربه بالسيف فتركه أعرج". قال: وهو يومئذ في القوم الأعرج الذي أصابه ذلك.
قلت: فيه المثنى بن ماوي العبدي أبو المنال أحد بني غنيم ذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 444) وأورده البخاري في صحيحه - في "التاريخ الكبير" - (7/ 420) وابن أبي حاتم - في "الجرح والتعديل " - (8/ 326) فلم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وباقي رجاله ثقات.
وأورده في "المجمع"(5/ 63 - 64) وقال: " رواه أبو يعلى وفيه المثنى بن ماوي أبو المنازل ذكره ابن أبي حاتم، ولم يضعفه ولم يوثقه، وبقية رجالة ثقات".
ويطلق الحلم أيضًا على ترك الطيش، وتجنب أسباب الحمق على اختلاف أنواعها، وإن لم يكن هناك سبب من الأسباب المقتضية للجزع، فمادة اجتماع الصبر والحلم هي حيث يكون سبب من أسباب الجزع، فيتلقاه الإنسان بالصبر اختيارا، ويكون ذلك على هيئة فيها سكون وأناة وطمأنينة، فإنه يقال لهذا صابر حليم (1).
(1) قال الخطابي: الحليم: هو ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب، ولا جهل جاهل، ولا عصيان عاص، ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحليم إنما الحليم هو الصفوح مع القدرة، المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة
…
فإن قيل: فكيف يتضمن الحلم الأناة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس:" إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة" فعددهما، فاعلم أن الأناة قد تكون مع عدم الحلم، ولا يصح الحلم أبدا إلا مع الأناة، والأناة ترك العجلة، فقد تكون لعارض يعرض، ولا يكون الحلم أبدا إلا مشتملا على الأناة متأملة، وكذلك لا يكون الحليم إلا حكيما واضعا للأمور مواضعها، عالما قادرا فإن لم يكن قادرا كان حلمه ملتبسا بالعجز والوهن والضعيف، وإن لم يكن عالما كان تركه الانتقام للجهل، وإن لم يكن حكيما فربما كان حلمه من السفه وتتبع أمثال هذا، فإذا علمت أن هذا الاسم يدل على صفات وأحوال وأفعال وترك وتوقيت فقد يظهر من ذلك على المسمى به وصف جملي وقال أصحاب النقل: اختلف الناس في وجه وصف الباري بالحلم على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه عبارة عن نفي الطيش والسفه وكل ما يضاد الخلق المحمود الذي هو الصبر والثبات في الأمور، وعلى هذا يكون وصفا للذات، سلبيا لتقدس ذاته عن النقائض واستبدادها بالكمال الخالص.
الثاني: أنه من صفات الأفعال يجري مجرى الإحسان والإفضال.
الثالث: أنه إرادة تأخير العقوبة، قال تعالى:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس:11].
وانظر: " الأسني في شرح أسماء الله الحسنى"(1/ 95 - 96).
ومادة افتراق الصبر هي فيما عدا هذه الصورة من صور الصبر التي قدمنا بها، ومادة افتراق الحلم هي أيضًا فيما عدا هذه الصورة من صور الحلم التي قدمنا بها، ولا ينافى هذا التقرير ما قدمنا عن أهل اللغة في تفسير صبور الذي هو من أسماء الله - سبحانه -، فإن الموجب لتخصيصه بذلك المعنى الخاص هو عدم جواز إطلاقه على الله - سبحانه - بمعنى يخالف هذا المعنى.
فإن قلت: إذا كانت النسبة بين الصبر والحلم هي العموم والخصوص من وجه، فهل تصح هذه النسبة بينهما على ما نقله صاحب التعريفات في كلامه السابق من أن الصبر ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله، والحلم الطمأنينة عند سورة الغضب (1)؟
قلت: النسبة التي ذكرناها هي باعتبار المفهوم اللغوي المنقول في كتب اللغة، وكلام التعريفات لا يبعد أن يمكن فيه مثل هذه النسبة، فإن ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله قد يكون الترك مع وجود سبب في البلوى يوجب الغضب، فيكون حلما، وقد يكون مع وجود سبب للشكوى لا يوجب الغضب كالمرض ونحوه فلا يكون حلما، وقد يكون الحلم عند الغضب بترك الشكوى إلى الغير مع وجود سبب يقتضي الجزع، فيكون ذلك صبرا. وقد يكون الحلم بحصول الطمأنينة عند سورة الغضب مع حصول الشكوى على الغير فلا يكون ذلك صبرا، فكان بينهما من هذه الحيثية عموم وخصوص من وجه، فقد كانت هذه النسبة [1ب] بين المعنيين الاصطلاحيين كما كانت بين المعنيين اللغويين (2).
فإن قلت: فما النسبة بين معنى الصبر عند أهل اللغة، وبين معناه على كلام صاحب التعريفات؟
قلت: العموم والخصوص المطلق، فإن الصبر عند أهل اللغة بترك الجزع، سواء كان
(1) انظر بداية الرسالة.
(2)
قال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى "(1/ 94): " والصبر داخل تحت الحلم، إذ كل حليم صابر".
ذلك بترك الشكوى عند ألم البلوى لغير الله أو بترك نوع من أنواع الجزع غير ذلك.
فإن قلت: فما النسبة بين معنى الحلم عند أهل اللغة، وبين معناه على كلام صاحب التعريفات؟
قلت: العموم والخصوص المطلق أيضا، فإن الحلم وهو الأناة والعقل قد يكون عند سورة الغضب، وقد يكون عند غيرها، فإن كان المفهوم الذي ذكره صاحب التعريفات للحلم والصبر هو باعتبار الاصطلاح فلا مشاحة فيه، وإن كان باعتبار اللغة فهو غير صحيح ولا مقبول.
إذا تقرر هذا فالصور التي يقال لها صبر (1)، ويقال لها حلم لا سؤال عنها، لأنها تتناولها أدلة الثناء على الصبر، وأدلة الثناء على الحلم، كما يصدق عليها أنها حلم، ويصدق عليها أنها صبر.
وأما الصور التي هي صبر وليست بحلم، والصور التي هي حلم وليست بصبر فكلها خصال فاضلة قد ورد الثناء عليها وعلى صاحبها في الكتاب (2) والسنة (3). وورد الترغيب فيها، وكثرة الثواب لفاعلها. لكن الأدلة الواردة في الترغيب في الصبر أكثر، لا سيما في الكتاب العزيز، فإن الآيات في ذلك كثيرة جدا لو لم يكن منها إلا قوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (4) فإنه لم يرد في جزاء الحلم وأجره ما يدل
(1) تقدم ذكرها.
(2)
منها: قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].
قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
وقال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43].
(3)
منها: ما أخرجه البخاري رقم (6024، 6356) ومسلم رقم (10/ 2165) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله".
(4)
[الزمر:10].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران:200].
وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
وقال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43].
وقال صلى الله عليه وسلم: "
…
ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر".
أخرجه البخاري رقم (1469، 6470) ومسلم رقم (124/ 1053) من حديث أبي سعيد الخدري.
هذه الدلالة، ويفيد هذه الفائدة، بل يرد في غالب القرب التي هي أركان الإسلام، وما هو من الواجبات المؤكدة ما يفيد هذه الفائدة، فإن الله - سبحانه - قد جعل جزاء الطاعة محدودا بحدود سماها وبينها كقوله في أجر الحسنة عشر (1) أمثالها إلى سبعمائة
(1) يشير إلى قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].
قال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى"(1/ 141): فيجب على كل مسلم أن يعلم أن الصبور على الإطلاق إنما هو الله عز وجل. ويجب على العبد أن يصبر ويتصبر ويصابر وقد أمره الله بذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] فأمر سبحانه بالصبر على ما يخصه وعلى مصابرة الأعداء والمداومة على الصبر حتى يتخذه إلفا وصاحبا وخلا ومؤانسا وقد أخبر أنه يحب الصابرين وأنه معهم. والصابرون جمع صابر.
والصابر أعلى مقاما من المتصبر. مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال لها: " اتقي الله واصبري" الحديث وفيه فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى" - أخرجه البخاري رقم (1283 و7154) ومسلم رقم (15/ 926) من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا - وقل ما يكون الصبر عند الصدمة الأولى من المتصبر، وإنما يكون من الصابر أو الصبار أو الصبور، هي مقامات بعضها فوق بعض، فالمتصبر المتكلف ليكتسب الصبر المرة بعد المرة وذلك بحسب مغالبة الهوى، والصابر هو الدائم على قهر هواه وملكه وشهواته.
فقل ما يتكلف الصبر لأنه قهر سلطان الهوى، وملك النفس بزمام التقى، والصبار هو المتمرن في الصبر لتكرره مع الاختيار منه، حتى لا يفكر فيما يترقبه من ذلك، وفيهم قال الله تعالى:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 156 - 157].
قال الأقليشي: واتصاف العبد بالصبر عن الميل إلى دواعي الهوى ليس من صفات الملائكة. إذ هو حبس النفس على الهوى الداعي إلى العصيان، وبهذا فضل العلماء الإنسان على الملك. إذ الملك خلق مبرأ عن الهوى والشهوة فثبت على الطاعة والإنسان سلطت عليه دواعي الهوى، فلما قمعها الصبر وثبت على طاعة الله كان أشرف من الملك، وأعلى. الحديث.
قال بعض العلماء: ذكر الله الصبر في القرآن في خمسة وسبعين موضعا فلا بد من الصبر عاجلا أو آجلا فمن لم يصبر كما أمره الله عز وجل في الدنيا حيث ينفعه صبره صبر لا محالة في الآخرة حيث لا يجدي عليه الصبر شيئا.
قال تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور:16].
ويقولون: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21].
إن قوما صبروا في الدنيا فلم ينفعهم بل ضرهم ذلك قال الكافرون: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا} [الفرقان: 42].
إنما الصبر الحق ما وافق الحق وخالف الهوى، ووافق طاعة المولى. ونقول ألهمنا الله الصبر ورزقناه بمنه قال صلى الله عليه وسلم:" من يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر". تقدم خريجه.
ضعف كما تفيد ذلك نصوص الكتاب (1) والسنة (2)، وأما كون الأجر بغير حساب فهذا جزء لا يقادر قدره، وتفخيم لا يساويه غيره. فإنا لو فرضنا أنه قد ورد النص بان أجر الطاعة الفلانية ألف ألف ألف ضعف، أو أكثر من ذلك لكان قوله: بغير حساب أكثر من ذلك، وأوسع وأفخم.
(1) قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
(2)
قال صلى الله عليه وسلم: " من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت بسبعمائة ضعف" أخرجه الترمذي رقم (1625) والنسائي (6/ 49) وابن حبان رقم (4628) والحاكم (2/ 87) وصححه ووافقه الذهبي. من حديث خريم بن فاتك رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
فالحاصل أن خصلتي الصبر والحلم يجتمعان في كون كل واحدة منها خصلة فاضلة موجبة للأجر، محبوبة إلى الله وإلى رسوله، وأما مقدار الأجر والثواب فالصبر أكثر أجرا وأوسع جزاء، وأعظم مثوبة. والله أعلم.
فإن قلت: المفهوم [2أ] الثاني الذي ذكره صاحب التعريفات للحلم وهو قوله: وقيل: تأخير مكافأة الظالم، ما النسبة بينه وبين المعنى الأول من معنيي الحلم الذي ذكره؟
قلت: الظاهر أن هذا المفهوم هو بالنسبة إلى الله تعالى (1)، كما أن المعنى الأول هو بالنسبة إلى البشر، كما يفيد ذلك ما تقدم ذكره. وعلى فرض أنهما بالنسبة إلى البشر فلعل النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه، لأن الطمأنينة عند سورة الغضب قد تكون مع مكافأة متأخرة، وقد يكون لا تقع مكافأة أصلا، وتأخير المكافأة قد تكون مع حضور غضب عند الابتداء، وقد لا يكون مع ذلك، فكان بينهما عموم وخصوص من وجه.
فإن قلت: ما النسبة بين هذا المعنى الأخير الذي ذكره صاحب التعريفات للحلم، وبين المعنى اللغوي؟
قلت: العموم والخصوص المطلق، فإن الأناة والعقل قد تتأخر معهما المكافأة، وقد لا تقع مكافأة بخلاف تأخير المكافأة، فإنه نوع من الأناة ولا يصح أن يوجد بدونها،
(1) أما اتصاف الله سبحانه بالحلم بمعنى البراءة عن الطيش فمعلوم بالبرهان المؤدي إلى معرفة كمال الله تعالى، وأما اتصافه بالحلم بمعنى تأخير العقوبة أو رفعها، فأحدهما معلوم بالمشاهدة، والثاني بالموارد النقلية وإجماع أهل الملة الحنيفية، أما تأخير العقوبة في الدنيا عن الكفرة والفجرة من أهل العصيان فمشاهد بالعيان، لأنا نراهم يكفرون ويعصون، وهم معافون في نعم الله يتقلبون، وأما رفع العقوبة في الأخرى فلا يكون مرفوعًا إلا عن بعض من استوجبها من عصاة الموحدين، وأما الكفار فلا مدخل لهم في هذا القسم ولا لهم في الآخرة حظ من هذا الاسم.
"الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى"(ص97).
فكان معنى الحلم لغة أعم مطلقا من هذا المعنى الذي ذكره صاحب التعريفات.
وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. والله ولي التوفيق. انتهى.
قال في المنقول منها: هذه بخط سيدي العلامة إبراهيم بن محمد بن إسحاق، حرره كاتبه محمد بن علي الشوكاني - غفر الله له ولوالديهما ووالدينا والمؤمنين أجمعين - آمين آمين.