المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في الإضرار بالجار - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١١

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في مؤاخاته صلى الله عليه وآله وسلم بين الصحابة

- ‌بحث في المتحابين في الله

- ‌تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل

- ‌زهرة النسرين الفائح بفضائل المعمرين

- ‌بحث في جواب سؤال عن الصبر والحلم هل هما متلازمان أم لا

- ‌بحث في الإضرار بالجار

- ‌نثر الجوهر على حديث أبي ذر

- ‌سؤال وجواب في فقراء الغرباء الواصلين إلى مكة من سائر الجهات ومكثهم في المسجد الحرام

- ‌رفع الريبة فيما يجوز وما لا يجوز من الغيبة

- ‌رسالة في حكم القيام لمجرد التعظيم

- ‌العرف الندي في جواز إطلاق لفظ سيدي

- ‌هذه مناقشة للبحث السابق لبعض الهنود الساكنين في تهامةتحقيق الرباني للعالم الصمداني على رسالة الشوكاني[العرف الندي في جواز لفظ سيدي]

- ‌ذيل العرف الندي في جواز إطلاق لفظ سيدي جوابا على المناقشة السابقة

- ‌جواب سؤالات وصلت من كوكبان

- ‌الدواء العاجل لدفع العدو الصائل

- ‌القول الحسن في فضائل أهل اليمن

- ‌مجموعة من الحكم لبعض الحكماء المتقدمين

- ‌بحث مشتمل على الكلام فيما يدور بين كثير من الناس هل الامتثال خير من الأدب أو الأدب خير من الامتثال

الفصل: ‌بحث في الإضرار بالجار

‌بحث في الإضرار بالجار

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 5387

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: بحث في الإضرار بالجار.

2 -

موضوع الرسالة: آداب.

3 -

أول الرسالة: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه لفظ سؤال ورد على القاضي العلامة عز الإسلام محمد بن علي الشوكاني حماه الله

4 -

آخر الرسالة: وهو الذي به أدين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الطاهرين.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: صفحتان.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: الأولى: 29 سطرا.

الثانية: 4 أسطر.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 11 - 12 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 5389

الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه:

لفظ سؤال ورد على القاضي العلامة عز الإسلام محمد بن علي الشوكاني - حماه الله -، من بعض تلاميذه في شهر محرم الحرام سنة 1251. وهو: الله يحفظكم، ويبارك في عمركم، ويكتب نواياكم، وأفضل السلام عليكم ورحمة الله.

المراد من أفضالكم إيضاح حكم من يفعل في ملكه شيئا يضر بجاره من تعلية يحصل بها اطلاع على دار جاره، أو إحراما، أو إثارة دخان، أو دق نجارة أو حدادة، أو غير ذلك مما يفعل في الملك ويضر بالجار.

فهل يمنع من ذلك أم لا؟ لأن في المسألة قولين: المختار عدم المنع، وإذا قلنا: إن له ذلك في ظاهر الشرع فهل يأثم في الباطن؟ وأي الدليلين أقوى: هل دليل من قال يمنع أو عدمه؟ وما هو اختياركم في هذه المسألة؟ هذا وجه الإشكال في هذه المسألة - جزاكم الله خيرا، بحق محمد وآله (1) -.

(1) قال أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم من العلماء: إنه لا يجوز أن يسأل الله تعالى بمخلوق - لا بحق الأنبياء ولا غير ذلك - يتضمن شيئين:

1 -

الإقسام على الله سبحانه وتعالى به، وهذا منهي عنه عند جماهير العلماء.

2 -

السؤال به، فهذا يجوز وطائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف وهو موجود في دعاء كثير من الناس، ولكن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ضعيف بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أنه لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى الذي علمه أن يقول:" أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ". وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته .. تقدمت مناقشته.

وقال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(1/ 220) فيحمل قول القائل: أسألك بنبيك محمد على أنه إذا أراد أني أسألك بإيماني به وبمحبته، وأتوسل إليك بإيماني به ومحبته ونحو ذلك

هذا جائز بلا نزاع.

قيل: من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع. وإذا حمل على كلام من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته من السلف، كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين وعن الإمام أحمد وغيره كان هذا حسنا، وحينئذ فلا يكون في المسألة نزاع.

ولكن كثير من العوام يطلقون هذا اللفظ ولا يريدون هذا المعنى فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر.

ص: 5391

[الجواب]

وعليكم السلام، ورحمة الله وبركاته: الذي جاءت به الأدلة المتواترة معنى هو النهي عن الإضرار بالجار، بأي وجه من الوجوه، ولو لم يكن من ذلك إلا التوصية منه صلى الله عليه وآله وسلم بالجار (1)، والأمر بالإحسان إليه (2)، والنهي عن إضراره (3).

وقد ثبت وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه "(4). فانظر كيف علق ثبوت الإيمان بذلك الوصف، فلا يأمن لمن لم يأمن جاره بوائقه.

(1) منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6014)، ورقم (6015)، ومسلم رقم (2624، 2625) والترمذي رقم (1942، 1943) وأبو داود رقم (5151، 5152) وابن ماجه رقم (3673) وابن حبان في صحيحه رقم (512، 513) عن ابن عمر، وعائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".

(2)

منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6018) ومسلم رقم (48) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ".

(3)

أخرج مسلم في صحيحه رقم (45) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو لأخيه ما يحب لنفسه ".

(4)

أخرجه البخاري رقم (6016) ومسلم رقم (46) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه ".

* وأخرج مسلم في صحيحه رقم (46) وأحمد في " المسند "(2/ 373): " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ".

ص: 5392

وما أعظم هذا التهديد، وأشد موقع هذا الوعيد، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!.

ومع هذا فالضرر ممنوع على العموم، لا يجوز لمسلم الإضرار بمسلم كائنا من كان، قال صلى الله عليه وآله وسلم:" المؤمن أخو المؤمن، لا يظلمه، ولا يسلمه " ثبت ذلك في الصحيح (1).

(1) وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6951) من حديث ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ".

* وأخرج البخاري في صحيحه رقم (2442) ومسلم رقم (2580) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ".

ص: 5393

وثبت أيضًا في الصحيح (1) عنه صلى الله عليه وآله وسلم: " والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " فمن ضارر مسلما فقد ظلمه، وأحب له ما يكره لنفسه.

ومن ذلك حديث: " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام "(2)، والجار أخص من ذلك كله بأدلته الخاصة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قطع نخل رجل كان يضارر جاره وقال له:" إنما أنت مضار "(3). فإذا كان مجرد حصول المضاررة مسوغا

(1) أخرجه أحمد (3/ 176، 272، 278) والبخاري رقم (13) ومسلم رقم (45) والنسائي (8/ 115) والترمذي رقم (2517) وابن ماجه رقم (66) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أحمد (1/ 313) وابن ماجه رقم (2341) والطبراني في " الكبير "(1/ 302 رقم 11806) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار

".

وهو حديث صحيح لغيره.

وأخرجه ابن ماجه رقم (2340) من حديث عبادة بن الصامت وهو حديث صحيح.

وأخرجه الدارقطني في " السنن "(4/ 228 رقم 86) والحاكم (2/ 57) والبيهقي في " السنن الكبرى "(6/ 69) من حديث أبي سعيد الخدري.

وأخرجه الطبراني في " الكبير "(2/ 86 رقم 387) وأبو نعيم في " أخبار أصفهان "(1/ 344) من حديث ثعلبة بن مالك.

قلت: حديث: " لا ضرر ولا ضرار " حديث صحيح. انظر: " الصحيحة " رقم (250).

(3)

عن سمرة بن جندب أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به الرجل ويشق عليه فطلب إليه أن يناقله فأبى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى قال: " فهبه لي ولك كذا وكذا " أمرا رغبه فيه فأبى فقال: " أنت مضار " فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصاري: " اذهب فاقلع نخله ".

أخرجه أبو داود في " المراسيل " رقم (407) وفيه محمد بن عبد الله: هو ابن أبي حماد الطرسوسي القطان، روى عنه جمع، وباقي السند رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعن.

وأخرجه البيهقي (6/ 158) من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري عن سعيد بن المسيب ..

ص: 5394

لإتلاف مال الجار الذي وقع منه الضرار، فكيف لا يجوز منعه عن الضرار والأخذ على يده (1)؟.

(1) قال ابن قدامة في " المغني "(7/ 52): وليس للرجل التصرف في ملكه تصرفا يضر بجاره، نحو أن يبني فيه حماما بين الدور، أو يفتح خبازا بين العطارين، أو بجعله دكان قصارة يهز الحيطان ويخربها، أو يحفر بئرا إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها، وبهذا قال بعض أصحاب أبي حنيفة وعن أحمد رواية أخرى، لا يمنع. وبه قال الشافعي، وبعض أصحاب أبي حنيفة لأنه تصرف في ملكه المختص به. ولم يتعلق به حق غيره فلم يمنع منه، كما لو طبخ في داره أو خبز فيها. وسلموا أنه يمنع من الدق الذي يهدم الحيطان وينثرها.

قال ابن قدامة: ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار " ولأن هذا إضرار بجيرانه، فمنع منه، كالدق الذي يهز الحيطان وينثرها، وكسقي الأرض الذي يتعدى إلى هدم حيطان جاره، أو إشعال نار تتعدى إلى إحراقها قالوا: هاهنا تعدت النار التي أضرمها، والماء الذي أرسله، فكان مرسلا لذلك في ملك غيره، فأشبه ما لو أرسله إليها قصدا.

قلنا: - ابن قدامة -: والدخان هو أجزاء الحريق الذي أحرقه، فكان مرسلا في ملك جاره فهو كأجزاء النار والماء، وأما دخان الخبز والطبخ فإن ضرره يسير ولا يمكن التحرز منه، وتدخله المسامحة.

ثم قال: وإن كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر، فليس لصاحب الأعلى الصعود على سطحه على وجه يشرف على سطح جاره، إلا أن يبني سترة تستره.

قال الشافعي: لا يلزمه عمل سترة لأن هذا حاجز بين ملكيهما فلا يجبر أحدهما عليه كالأسفل.

قال ابن قدامة: ولنا أنه إضرار بجاره

وذلك لأنه يكشف جاره، ويطلع على حرمه، فأشبه ما لو اطلع عليه من صير بابه أو خصاصه، وقد دل على المنع من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح ".

وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري رقم (6902) ومسلم رقم (2158).

انظر: " المجموع " للنووي (13/ 86، 91، 100، 104).

ص: 5395

وقد استدل المجوزون لذلك بدليل: هو أن للإنسان أن يتصرف بملكه كيف شاء، لورود الأدلة الدالة على أن الإنسان مفوض في ملكه (1).

وهذا الاستدلال بمحل من الاختلال، لأنه لا معارضة بين مثل هذا الدليل العام والأدلة الخاصة الواردة بمنع الضرار، بل الجمع ممكن بين العام على الخاص، فيجوز للمالك أن يتصرف في ملكه كيف شاء، إلا أن يكون في ذلك التصرف ضرار على جاره أو على مسلم من المسلمين، فلا يجوز له ذلك، وهذا من الوضوح بمكان مكين عند جميع العلماء المصنفين (2)، وهو الذي به أدين.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

(1) انظر التعليقة السابقة.

(2)

وهو الرأي الراجح لما تقدم.

وانظر كلام ابن قدامة في " المغني "(7/ 52 - 53)، " الحاوي الكبير "(8/ 85 - 70).

ص: 5396