الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نثر الجوهر على حديث أبي ذر
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: نثر الجوهر على حديث أبي ذر.
2 -
موضوع الرسالة: آداب.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الأكرمين، ورضي الله عن الصحابة الراشدين.
وبعد: فإن الحديث القدسي المروي من طريق أبي ذر وغيره ..
4 -
آخر الرسالة: وإلى هنا انتهى الشرح لحديث أبي ذر في شهر محرم سنة 1240 هـ بقلم مؤلفه: محمد بن علي الشوكاني. غفر الله لهما.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 54 صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 25 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 9 - 12 كلمة.
9 -
الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.
10 -
الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الأكرمين، ورضي الله عن الصحابة الراشدين، وبعد:
فإن الحديث القدسي (1) المروي من طريق أبي ذر وغيره لما اشتمل على قواعد جليلة، وفوائد جميلة، يرغب إليها كل ذي فهم ويحرص عليها كل ذي علم، أحببت أن أفرده بشرح مختصر منبها على بعض ما تضمنه من الفوائد الفرائد، والعوائد التي هي لشوارد المسائل كقيد الأوابد، ولم أقف على كلام عليه لأحد من أهل العلم (2) إلا ما ذكره النووي في شرحه لمسلم (3)، وجملة ما شرحه به نصف ورقة، قد نقلنا ذلك عنه كما تقف عليه وسميت هذا الشرح:
" نثر الجوهر على حديث أبي ذر "
ولفظه في صحيح مسلم (4) هكذا: عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(1) تقدم تعريفه.
(2)
بل شرح هذا الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العاشرة من الجزء الثالث، من الرسائل المنيرية (ص205 - 246) وفي " مجموع فتاوى شيخ الإسلام " (18/ 136 - 210) وقد قمت بتحقيقها في رسالة مستقلة بعنوان " شرح حديث: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي " بـ (ص96) ط. مؤسسة الريان - بيروت.
(3)
(16/ 132 - 133).
(4)
رقم (2577).
قلت: وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " رقم (490)، وأبو نعيم في " الحلية "(5/ 125،126) والحاكم في " المستدرك "(4/ 241) والطيالسي في " المسند "(ص62 رقم 463) وأحمد في " المسند "(5/ 160) وعبد الرزاق في " المصنف "(11/ 182 رقم 20272) والترمذي رقم (2495) وابن ماجه رقم (4257) والبيهقي في " الأدب " رقم (1027) وابن حبان في " صحيحه " رقم (618) من طرق.
فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.
يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.
يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم.
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم.
يا عبادي إنكم لم تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ".
قال سعيد: كان أبو أدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
وأخرجه الترمذي (1) وابن ماجه (2) من طريق: شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنيم عنه.
(1) في " السنن " رقم (2495).
(2)
في " السنن " رقم (4257).
ولفظ ابن ماجه (1): قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" إن الله تبارك وتعالى يقول: يا عبادي! كلكم مذنب إلا من عافيته فاسألوني المغفرة فأغفر لكم، ومن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني بقدرتي غفرت له، وكلكم ضال إلا من هديته فاسألوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيته فسلوني أرزقكم، ولو أن حيكم وميتكم، وأولكم وآخركم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا فكانوا على قلب أتقى عبد من عبادي، لم يزد في ملكي جناح بعوضة، ولو اجتمعوا فكانوا على قلب أشقى عبد من عبادي لم ينقص من ملكي جناح بعوضة، ولو أن حيكم وميتكم وأولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا، فسأل كل سائل منهم ما بلغت أمنيته ما نقص من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بشفة البحر فغمس فيها إبرة ثم نزعها، ذلك بأني جواد ماجد، عطائي كلام، إذا أردت شيئا، فإنما أقول له: كن فيكون ".
وأخرجه البيهقي (2) من طريق شهر بن حوشب وإبراهيم بن طهمان عنه، ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
" يقول الله عز وجل: يا ابن آدم كلكم مذنب إلا من عافيت، فاستغفروني أغفر لكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، فسلوني أعطكم، وكلكم ضال إلا من هديت، فسلوني الهدى أهدكم ومن استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أشقى رجل منكم ما نقص ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في سلطاني مثل جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم
(1) في " السنن " رقم (4257).
(2)
في " الآداب " رقم " 1027 " و" الأسماء والصفات "(1/ 263).
وميتكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتى تنتهي مسألة كل واحد منهم فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كمغرز إبرة لو غمسها أحدكم في البحر، وذلك أني جواد ماجد، عطائي كلام وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن فيكون ".
وأخرجه الترمذي (1) وحسنه (2) نحوه، إلا أنه قال:" يا عبادي ".
انتهى متن الحديث الذي سنشرحه إن شاء الله، ونبتدئ أولا بالكلام على من تكلم عليه من رجاله ثم نعود إلى شرح ألفاظه فنقول:
1 -
شهر بن حوشب، هو مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، أبو سعيد الشامي (3). قال ابن عون (4) فيه: شهر نزكوه، بنون، وزاي معجمة، أي طعنوا فيه.
وقال شبابة (5) عن شعبة: لقيت شهرا فلم أعتد به.
وقال ابن عدي (6) شهر ممن لا يعتد بحديثه.
وقال أبو حاتم (7) ليس بدون أبي الزبير، ولا يحتج به، وقال النسائي (8) ليس بالقوي.
وقال أبو زرعة (9) لا بأس به، ووثقه ابن معين، وأحمد بن حنبل (10)، والعجلي (11)،
(1) في السنن " رقم (2495).
(2)
في " السنن "(4/ 657).
(3)
انظر: " تهذيب التهذيب "(2/ 182).
(4)
ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(2/ 182).
(5)
ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(2/ 182).
(6)
في " الكامل "(4/ 1355).
(7)
في " الجرح والتعديل "(4/ 358).
(8)
في " الضعفاء والمتروكين " رقم (310).
(9)
ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(2/ 183).
(10)
كما في " بحر الدم " رقم (447).
(11)
في " الثقات " رقم (741).
والفسوي (1)، ويعقوب ابن شيبة (2)، وأخرج له مسلم مقرونا بآخر، وأهل السنن الأربعة والبخاري في التاريخ، وقد أرسل عن تميم الداري وسلمان.
وعنه قتادة ومطر الوراق، عبد الحميد بن بهرام، وثابت، والحكم، وعاصم بن بهدلة، واحتج به غير واحد، وقال الذهبي في كتاب الضعفاء (3) إن حديثه حسن.
وروى أيضًا عن مولاته أسماء بنت يزيد، وابن عباس، وأبي هريرة.
2 -
وأما عبد الرحمن بن غنم (4)، الذي روى عنه شهر فهو الأشعري، اختلف في صحبته فزعم يحيى بن بكير أن له صحبة، وقال ابن يونس: قدم في السفينة، وذكره العجلي (5) في كبار التابعين روى عن عمر، وعثمان، وعنه مكحول، وعمير بن هانئ وخلق، قال ابن عبد البر (6): كان أفقه أهل الشام، وقال العجلي (7) وابن سعد (8) شامي تابعي ثقة، وقد أخرج حديثه أهل السنن الأربعة وعلق له البخاري (9)، قال خليفة: مات سنة ثمانون وسبعين.
3 -
وأما إبراهيم بن طهمان (10) فهو الإمام الثقة، وقد أخرج له الجماعة كلهم ومن تكلم فيه لم يذكر جرحا يعتد به وغاية ما قيل فيه: أنه كان مرجئا شديد الرد على
(1) في " المعرفة والتاريخ "(2/ 97 - 98).
(2)
ذكره ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(2/ 183).
(3)
رقم (2803).
(4)
انظر " تهذيب التهذيب "(2/ 543 - 544)، " التقريب " رقم (3978).
(5)
في " الثقات "(2/ 85).
(6)
في " الاستيعاب "(2/ 424).
(7)
في " الثقات "(2/ 85).
(8)
في " الطبقات "(7/ 441).
(9)
في " صحيحه "(10/ 53 رقم5590).
(10)
انظر: " تهذيب التهذيب "(1/ 69 - 70).
قال أبو حاتم وأبو داود: ثقة.
وقال ابن المبارك: صحيح الحديث. وقال ابن معين والعجلي: لا بأس به.
الجهمية، وتلك شكاة ظاهر عنه عارها. وقد روي رجوعه عن الإرجاء، وليس الجرح باختلاف المذاهب والاعتقادات بمعتد به قط، ولا يلتفت إليه من له بصيرة (1).
قوله: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يروى عن ربه.
فيه التصريح بأن هذا الحديث من جملة الأحاديث القدسية التي رواها صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل بواسطة الملك، ويمكن أن يكون ذلك بلا واسطة، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم سمعه من ربه سبحانه، ولا مانع من ذلك.
قوله: إنه قال: " يا عبادي ".
العباد جمع عبد، ويجمع أيضًا على أعبد، وعبدان بالضم مثل: تمر وتمران، وعبدان بالكسر، مثل جحش وجحشان، وعبدان بالكسر وتشديد الدال، وعبداء ممدودا ومقصورا، وعبدون، وعبيد مثل كلب وكليب (2).
قال في الصحاح (3) وهو جمع عزيز، وحكى الأخفش: عبد مثل سقف، وسقف، أنشد:
أنسب العبد إلى آبائه
…
أسود الجلدة من قوم عبد
وأصل العبودية الخضوع والذل والتعبد التذلل، كذا في الصحاح (4).
قال في القاموس (5) العبد: الإنسان حرا كان أو رقيقا والمملوك.
وقال في الصحاح (6) إن العبد خلاف الحر.
والظاهر من كلام أهل اللغة وكلام أهل الشرع أنه لا يطلق العبد على الحر إلا إذا أضيف إلى الرب عز وجل، لا على الإطلاق كما أشعر به كلام صاحب القاموس.
(1) تقدم التعليق على ذلك.
(2)
انظر: " لسان العرب "(9/ 10 - 11).
(3)
(2/ 503).
(4)
(2/ 503).
(5)
(ص378).
(6)
(2/ 503).
وهكذا العباد يختص بما يضاف إلى الله عز وجل بخلاف العبيد فإنه يعم مع أنه قد صح النهي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: " أن يقول الرجل عبدي أو أمتي، ولكن يقول: فتاي أو فتاتي "(1).
(1) أخرجه البخاري رقم (2552). انظر الرسالة رقم (184).
[معنى الظلم]
قوله: " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ".
قال في الصحاح (1) في - ظلمة يظلمه ظلما ومظلمة -: وأصله وضع الشيء في غير موضعه.
قال: والظلامة والظليمة والمظلمة: ما تطلبه عند الظالم، وهو اسم ما أخذ منك، وتظلمني فلان أي: ظلمني مالي، وتظلم منه: أي اشتكى ظلمه، وظلمت فلانا تظليما إذا نسبته إلى الظلم فانظلم.
قال زهير (2)
هو الجواد الذي يعطيك نائله
…
عفوا ويظلم أحيانا فينظلم (3).
أي: يسأل فوق طاقته فيتكلفه.
وفي ذلك دليل على أن الظلم حرم الله سبحانه على نفسه كما حرمه على عباده.
قال النووي في شرح مسلم (4) قال العلماء: معنى حرمت الظلم على نفسي تقدست عنه وتعاليت، والظلم مستحيل منه سبحانه وتعالى لأنه التصرف في غير ملك، أو مجاوزة حد، وكلاهما مستحيل في حق الله سبحانه، وكيف يجاوز سبحانه حدا وليس فوقه من يطيعه وكيف يتصرف في غير ملك والعالم كله ملكه وسلطانه، وأصل التحريم في اللغة (5) المنع، فسمى تقدسه عن الظلم تحريما لمشابهته الممنوع في أصل عدم الشيء، انتهى.
(1)(5/ 1977).
(2)
البيت الثالث عشر من قصيدة يمدح هرم بن سنان المري.
انظر شرح ديوان "زهير بن أبي سلمى"(ص119).
(3)
كذا في المخطوط: والذي في الديوان (ص115) فيظلم.
(4)
(16/ 132).
(5)
انظر " قاموس المحيط "(1411).
واعلم أن الكلام في هذا يطول، وموضعه علم الكلام، وفيه للأمة مذاهب محررة: مذهب المعتزلة (1)، ومذهب الأشعرية (2)، والتفصيل: وهو الحق، فهو عز وجل يمتنع عليه أن ينقص عاملا أجر عمله أو يعذبه بعد توبته (3).
(1) تقدم التعريف بها.
(2)
تقدم التعريف بها.
(3)
قال ابن تيمية في الرسالة العاشرة من الرسائل المنيرية (ص207) ورسالة محققة بعنوان " شرح حديث يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي "(ص36) بتحقيقي بعد أن ذكر آراء، وأقوال الفرق: ثم يقال لهم الظلم فيه نسبة وإضافة فهو ظلم من الظالم، بمعنى: أنه عدوان وبغي منه، وهو ظلم للمظلوم.
بمعنى: أنه بغي واعتدي عليه، وأما من لم يكن متعدى عليه وبه ولا هو منه عدوان على غيره فهو في حقه ليس بظلم، لا منه ولا له، والله سبحانه خلق أفعال العباد فذلك من جنس خلقه لصفاتهم فهم الموصوفون بذلك، فهو سبحانه إذا جعل بعض الأشياء أسود وبعضها أبيض، أو طويلا أو قصيرا أو متحركا أو ساكنا أو عالما أو جاهلا أو قادرا أو عاجزا أو حيا أو ميتا أو مؤمنا أو كافرا أو سعيدا أو شقيا أو ظالما أو مظلوما، كان ذلك المخلوق هو الموصوف بأنه الأبيض والأسود والطويل والقصير والحي والميت والظالم والمظلوم ونحو ذلك.
والله سبحانه لا يوصف بشيء من ذلك، وإنما إحداثه للفعل الذي هو ظلم من شخص وأكل لآخر، وليس هو بذلك آكلا ولا مأكولا، ونظائر هذا كثيرة، وإن كان في خلق أفعال العباد لازمها أو متعديها حكم بالغة، كما له حكمة بالغة في خلق صفاتهم وسائر المخلوقات. لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك. وقد ظهر بهذين الوجهين تدليس القدرية.
وأما تلك الحدود التي عورضوا بها فهي دعاو ومخالفة أيضًا للمعلوم من الشرع واللغة والعقل، أو مشتملة على نوع من الإجمال، فإن قول القائل: الظالم من قام به الظلم يقتضي أنه لا بد أن يقوم به لكن يقال له: وإن لم يكن فاعلا له آمرا له لا بد أن يكون فاعلا له مع ذلك، فإذا أراد الأول كان اقتصاره على تفسير الظالم بمن قام به الظلم كاقتصار أولئك على تفسير الظالم في فعل الظلم.
والذي يعرفه الناس عامهم وخاصهم أن الظالم فاعل للظلم، وظلمه فعل قائم به، وكل من الفريقين جحد الحق. وأما قولهم من فعل محرما عليه أو منهيا عنه ونحو ذلك، فالإطلاق صحيح لكن يقال: قد دل الكتاب والسنة على أن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة، وكان حقا عليه نصر المؤمنين، وكان حقا عليه أن يجزي المطيعين، وأنه حرم الظلم على نفسه، فهو سبحانه الذي حرم بنفسه على نفسه الظلم، كما أنه هو الذي كتب بنفسه على نفسه الرحمة، لا يمكن أن يكون غيره محرما عليه أو موجبا عليه. فضلا عن أن يعلم ذلك بعقل أو غيره، وإذا كان كذلك فهذا الظلم الذي حرمه على نفسه هو ظلم بلا ريب، وهو أمر ممكن مقدور عليه وهو سبحانه يتركه مع قدرته عليه بمشيئته واختياره، لأنه عادل ليس بظالم كما يترك عقوبة الأنبياء والمؤمنين وكما يترك أن يحمل البريء ذنوب المعتدين.
وفي الحديث أبلغ تشديد وأعظم تأكيد وأشد وعيد على مرتكبي الظلم من العباد فإنه سبحانه حرم على عباده المحرمات ونهاهم عن المنهيات، ولم يذكر في شيء منها ما ذكره في تحريم الظلم من إخبارهم أولاً: بأنه حرم الظلم على نفسه، ثم إخبارهم ثانيًا: بأنه بينهم محرما. فإن في هذا من تقريع الظلمة وتوبيخهم ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه، وذلك لما علمه عز وجل في سابق علمه من كثرة الظلمة في عباده، وندور العادلين منهم، وهذا يعلمه كل من له اطلاع على أخبار العالم، ومعرفة بأحوالهم، وأحوال ملوكهم، وجميع أرباب المناصب الدينية، والرياسات الدنيوية، لا يشك في ذلك شاك، ولا يرتاب فيه مرتاب.
[الظلم محرما بكل أنواعه]
وقد أكثر الله سبحانه في كتابه العزيز من تنزيه جنابه المقدس عن الظلم كقوله سبحانه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (1) وقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (2) وقوله: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (3):، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} (4)، وغير ذلك من الآيات القرآنية.
ونعى على الظلمة ما هم فيه من الظلم من آيات كثيرة.
وقد أجمع المسلمون على تحريم الظلم ولم يخالف في ذلك مخالف، وأجمع العقلاء على أنه من أشد ما تستقبحه العقول، ومن الآيات القرآنية قوله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (5)، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} (6)، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (7)، {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (8)، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} (9)، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} (10)، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} (11) وغير ذلك.
(1)[النحل: 118].
(2)
[فصلت: 46].
(3)
[الكهف: 49].
(4)
[يونس: 44].
(5)
[النساء: 40].
(6)
[غافر: 31].
(7)
[الكهف: 49].
(8)
[ق: 29].
(9)
[يونس: 44].
(10)
[هود: 101].
(11)
[الزخرف: 76].
وقد ثبت في السنة المطهرة من تقبيح الظلم وأهله الكثير الطيب فمن ذلك ما في الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفتله " ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (3).
وفي الصحيحين (4) وغيرهما (5) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " الظلم ظلمات يوم القيامة ".
وأخرج مسلم (6) وغيره (7) من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم ".
وأخرج ابن حبان في صحيحه (8)، والحاكم (9) من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:" إياكم والظلم، فإن الظلم هو الظلمات يوم القيامة ".
وأخرجه الطبراني في الكبير (10) والأوسط (11) من حديث الهرماس بن زياد.
(1) أخرجه البخاري رقم (4686) ومسلم في صحيحه رقم (2583).
(2)
كابن ماجه رقم (4018).
(3)
[هود:102]
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2447) ومسلم رقم (2579).
(5)
كالترمذي رقم (2030).
(6)
في صحيحه رقم (2578).
(7)
كأحمد في " المسند "(3/ 323).
(8)
في " صحيحه " رقم (6248).
(9)
في " المستدرك "(1/ 11).
(10)
(22/ 204 رقم 538).
(11)
رقم (629).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 235) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة وهو ضعيف.
وأخرج أيضًا (1) من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا تظلموا فتدعوا فلا يستجاب لكم، وتستسقوا فلا تسقوا، وتستنصروا فلا تنصروا ".
وأخرج أيضًا في الكبير (2) بإسناد رجاله ثقات من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غال مارق ".
وأخرج أحمد (3) بإسناد حسن من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ويقول: والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيمزق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ".
وأخرج أحمد (4) والطبراني بإسناد حسن، وأبو يعلى من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" اتقوا الظلم ما استطعتم فإن العبد يجيء بالحسنات يوم القيامة يرى أنها ستنجيه فما يزال عبد يقوم يقول: يا رب ظلمني عبدك مظلمة، فيقول: أتموا من حسناته، ما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة من الذنوب ".
(1) الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد "(5/ 235) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفه.
(2)
رقم (8079).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 235) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط رقم (1625) ورجال الكبير ثقات.
(3)
في " المسند "(2/ 68) وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 184) وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.
(4)
انظر تخريجه في " تخريج أحاديث إحياء علوم الدين " للعراقي، وابن السبكي، والزبيدي. استخراج أبي عبد الله محمود الحداد (6/ 2687 - 2689) رقم (4101).
وأخرج البخاري (1) والترمذي (2) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من كانت عنده مظلمة لأخيه أو شيء فليتحلله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ".
وأخرج مسلم (3) والترمذي (4) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أتدرون ما المفلس "؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال:" إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار ".
وأخرج البيهقي في " البعث (5) بإسناد جيد، عن أبي عثمان، عن سلمان الفارسي، وسعد بن مالك وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، حتى عد ستة أو سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: " إن الرجل لترفع له يوم القيامة صحيفته حتى يرى أنه ناج فما تزال مظالم بني آدم تتبعه حتى ما يبقى له حسنة، ويحمل عليه من سيئاتهم ".
وأخرج مسلم (6) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(1) في صحيحه رقم (2449).
(2)
في " السنن " رقم (2419).
(3)
في صحيحه رقم (2581).
(4)
في السنن رقم (2418).
(5)
في " البعث والنشور " رقم (152).
وأخرجه الحاكم (4/ 574) وصححه ووافقه الذهبي.
(6)
في صحيحه رقم (2564).
" المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا التقوى هاهنا [و] يشير إلى صدره [ثلاث مرات] بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله ".
وأخرج الطبراني في الصغير (1) والأوسط عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يقول الله عز وجل: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري ".
ومن شؤم الظلم وسوء مغبته وقبح عاقبته أن دعوة المظلوم على ظالمه مقبولة لا ترد فيحيق به جزاء ظلمه عن قريب، كما في الصحيحين (2) وغيرهما (3) من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال:" اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
وأخرج أحمد (4)، والترمذي (5) وحسنه، وابن ماجه (6)، وابن خزيمة (7)، وابن
(1)(1/ 31).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1496) ومسلم رقم (19).
(3)
كأبي داود رقم (1584).
(4)
في " المسند "(2/ 305، 348،445، 478، 517، 523).
(5)
في " السنن " رقم (2526).
(6)
في " السنن " رقم (1752).
(7)
في " صحيحه " رقم (1901).
حبان (1) في صحيحهما، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ".
وفي رواية للترمذي (2)" ثلاث دعوات لا شك في إجابتهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على الولد ".
وأخرج الحاكم (3) وقال: رواته متفق عليهم إلا عاصم بن كليب فاحتج به مسلم وحده، من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة ".
وأخرج الطبراني (4) بإسناد صحيح من حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ثلاثة تستجاب دعوتهم: الوالد، والمسافر، والمظلوم ".
وأخرج أحمد (5) بإسناد حسن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه ".
وأخرج الطبراني (6) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " دعوتان ليس بينها وبين الله حجاب: دعوة المظلوم، ودعوة المرء لأخيه بظهر
(1) في صحيحه رقم (3428).
(2)
في " السنن " رقم (3598).
(3)
في " المستدرك "(1/ 29).
(4)
أورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 151) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن يزيد الأزرق وهو ثقة.
(5)
في " المسند "(2/ 367) بإسناد حسن.
(6)
أورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 151، 152) وقال: رواه الطبراني وفيه عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وهو ضعيف.
الغيب ".
وأخرج الطبراني (1) بإسناد لا بأس به من حديث خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام. يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ".
وأخرج أحمد (2) برجال الصحيح من حديث أبي عبد الله الأسدي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: " دعوة المظلوم وإن كان كافرا ليس دونها حجاب ".
وأخرج ابن حبان في صحيحه (3) والحاكم (4) وصححه من حديث أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: " كانت أمثالا كلها، أيها الملك المسلط المبتلى المغرور! إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها وإن كانت من كافر
…
" إلى آخر الحديث.
(1) أورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 152) وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه.
(2)
(3/ 153) بسند ضعيف لجهالة أبي عبد الله الأسدي.
قلت: ويقال فيه: أبو عبد الغفار، فقد روى الدولابي - في الكنى (2/ 73) - حديثه من طريق ابن معين، قال: ثنا ابن عفير، قال: أنبا يحيى بن أيوب عن أبي عبد الغفار، عبد الرحمن بن عيسى، قال: سمعت أنسا .. فذكره مرفوعًا وترجم له ابن حجر في تعجيل المنفعة - (2/ 488) - اهـ.
" الفرائد على مجمع الزوائد " تأليف: خليل بن محمد العربي (ص 427).
(3)
رقم (361) بإسناد ضعيف جدا.
(4)
لم أجده في " المستدرك ".
[نصرة المظلوم واجبة]
وورد أيضًا ما يدل على وجوب نصرة المظلوم.
فأخرج البخاري (1) والترمذي (2) من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما "، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال:" تحجزه عن ظلمه أو تمنعه عن الظلم فإن ذلك نصره ".
وأخرج مسلم (3) من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ولينصرن الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه فإنه نصره، وإن كان مظلوما فلينصره ".
وكما ورد الوعيد على الظلمة، ورد الوعد للعادلين.
فأخرج مسلم (4) والنسائي (5)، من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا ".
وفي الصحيحين (6) وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(1) في صحيحه رقم (2443، 2444، 6952).
(2)
في " السنن " رقم (2255).
(3)
في صحيحه رقم (2584).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 311) وأحمد (3/ 324).
وهو حديث صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (18/ 1827).
(5)
في سننه (8/ 221).
قلت: وأخرجه أيضًا أحمد في " المسند "(2/ 160).
(6)
البخاري رقم (660) ومسلم رقم (1031).
قال: " سبعة يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل .. " الحديث.
وأخرج مسلم (1) من حديث عياض بن حمار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقصد موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف يستعفف ذو عيال ".
وأخرج الطبراني في الكبير (2) والأوسط (3) بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة، وحد يقام في الأرض بحقه أزكى فيها من مطر أربعين صباحا ".
وأخرج الترمذي (4) وحسنه والطبراني في الأوسط (5) من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا إمام جائر ".
(1) في صحيحه رقم (2865).
قلت: وأخرجه أحمد (4/ 162) والطبراني في الكبير (17/ 994، 995) وفي الأوسط (2954) والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " رقم (3878).
(2)
رقم (11932).
(3)
رقم (4765).
وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "(5/ 197) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه سعد: أبو غيلان الشيباني، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
قال الألباني في الصحيحة (1/ 411): لا بأس به في الشواهد.
(4)
في " السنن " رقم (1329) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(5)
كما في " المجمع "(5/ 197) وقال: رواه الطبراني وفيه عطية وهو ضعيف.
وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب رقم (1305) والبغوي في شرح السنة رقم (2472). وأبو يعلى في مسنده رقم (11025).
وهو حديث ضعيف.
وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط (1) بإسناد حسن من حديث عمر بن الخطاب.
وأخرج الطبراني (2) بإسناد رجاله ثقات - إلا ليث بن أبي سليم - والبزار (3) بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي، وإمام جائر ".
وأخرج النسائي (4) وابن حبان في صحيحه (5) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أربعة يبغضهم الله: البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر ".
وأخرج الحاكم (6) وصححه من حديث طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " ألا أيها الناس لا يقبل الله صلاة إمام جائر ".
وأخرج ابن ماجه (7) والحاكم (8) وصححه والبزار (9) واللفظ له من حديث ابن عمر عن
(1) رقم (348) وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 197) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف.
وأورده المنذري في " الترغيب والترهيب " رقم (3230) وقال: حديثه حسن في المتابعات.
(2)
أورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 236).
(3)
في " المسند " رقم (1603 - كشف).
(4)
في " السنن " رقم (5/ 86).
(5)
رقم (5532).
وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (107) بنحوه وهو حديث صحيح.
(6)
في " المستدرك "(4/ 89) وصححه وتعقبه الذهبي بقوله: سنده مظلم وفيه عبد الله بن محمد العدوي، متهم.
وهو حديث ضعيف.
(7)
في " السنن " رقم (4019) وهو حديث حسن.
(8)
في " المستدرك "(4/ 540) وصححه ووافقه الذهبي.
(9)
في مسنده رقم (1590 - كشف).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 196) وقال: رواه البزار وفيه سعد بن سنان أبو مهدي، وهو متروك.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " السلطان ظل الله في الأرض، يأوي إليه كل مظلوم من عباده فإن عدل كان له الأجر وكان على الرعية الشكر، وإن جار أو حاف أو ظلم كان عليه الوزر وعلى الرعية الصبر ".
وأخرج أحمد (1) بإسناد جيد واللفظ له، وأبو يعلى (2) والطبراني (3) من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" الأئمة من قريش، إن لي عليكم حقا، ولهم عليكم حقا مثل ذلك، فإن استرحموا رحموا، وإن عاهدوا وفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ".
وأخرج أحمد (4) بإسناد رجاله ثقات، والبزار (5)، وأبو يعلى (6) من حديث سيار بن سلامة (7) عن أبي برزة يرفعه نحو الحديث الذي قبله.
(1) في " المسند "(3/ 129، 183).
(2)
في مسنده رقم (3644).
(3)
في الدعاء " (2122).
وأخرجه النسائي في " السنن الكبرى "(5942) والبخاري في " التاريخ الكبير "(2/ 12) معلقا والطيالسي رقم (2133) والحاكم (4/ 501) والبيهقي (8/ 144).
وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.
(4)
في " المسند "(4/ 421، 424).
(5)
في " مسنده " رقم (3857 - كشف).
(6)
في " مسنده " رقم (3645).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 193) وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى أتم منه وفيه قصة والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح، خلا سكين بن عبد العزيز وهو ثقة.
(7)
سيار بن سلامة الرياحي، أبو المنهال البصري، ثقة من الرابعة، روى له الجماعة، مات سنة 129 هـ.
" التقريب " رقم (2715).
وهو حديث صحيح لغيره.
وأخرج أحمد (1) أيضًا بإسناد رجاله ثقات والبزار (2) والطبراني (3) من حديث أبي موسى نحوه أيضا، وزاد - بعد اللعن من الله وملائكته والناس أجمعين -:" إنه لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ".
وأخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات من حديث معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يقدس الله أمة لا يقضى فيها بالحق ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع ".
وأخرجه أيضًا البزار (4) من حديث عائشة.
وأخرجه أيضًا الطبراني (5) من حديث ابن مسعود، بإسناد جيد.
وأخرجه أيضًا ابن ماجه (6) من حديث أبي سعيد.
وأخرج الطبراني في الأوسط (7)، .......................................
(1) في " المسند "(4/ 396).
(2)
في " مسنده " رقم (1582 - كشف).
(3)
أورد الهيثمي في " المجمع "(5/ 193) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجال أحمد ثقات.
وهو حديث صحيح لغيره.
(4)
في " مسنده " رقم (1352 كشف) وقال البزار: لا نعلمه عن عائشة إلا من هذا الوجه.
وأورده الهيثمي في " المجمع "(4/ 196) وقال: رواه البزار، وفيه المثنى بن الصباح وهو ضعيف، ووثقه ابن معين في رواية. وقال في رواية: ضعيف يكتب ولا يترك وقد تركه غيره.
(5)
كما في " مجمع الزوائد "(4/ 197) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات.
(6)
في " السنن " رقم (2426).
وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة "(2/ 248 - 249 رقم 852): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(7)
رقم (6629).
والحاكم (1) وقال: صحيح الإسناد من حديث معقل بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" من ولي أمة من أمتي قلت أو كثرت فلم يعدل فيهم كبه الله على وجهه في النار ".
وأخرج الطبراني (2) بإسناد حسن، وأبو يعلى (3)، والحاكم (4) وصححه، من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" إن في جهنم واديا، في الوادي بئر يقال لها: هبهب (5) حقا على الله أن يسكنه كل جبار عنيد ".
وأخرج أحمد (6) بإسناد جيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل ".
وأخرجه أحمد (7) أيضًا بإسناد رجاله رجال الصحيح، والبزار (8) من حديث سعد بن
(1) في " المستدرك "(4/ 90) وصححه ووافقه الذهبي.
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 213) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد العزيز بن الحصين. وهو ضعيف.
وهو حديث حسن بشواهده.
(2)
في " الأوسط " رقم (3548)، وقال الهيثمي في " المجمع " (5/ 197): رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.
(3)
في " المسند " رقم (7249) وفيه أزهر بن سنان، ضعيف.
(4)
في " المستدرك "(4/ 597) وقال: هذا حديث تفرد به أزهر بن سنان عن محمد بن واسع، لم نكتبه عاليا إلا من هذا الوجه ووافقه الذهبي.
(5)
الهبهب السريع، وهبهب السراب إذا ترقرق. [النهاية (5/ 241)].
(6)
في " المسند "(2/ 431) بإسناده قوي.
وأخرجه البزار في مسنده رقم (1640 - كشف) وأبو يعلى في مسنده رقم (6614) و (6629) وابن أبي شيبة (12/ 219) من طرق من حديث أبي هريرة. وهو حديث حسن.
(7)
(5/ 284) بإسناد ضعيف.
(8)
في مسنده رقم (3739 - كشف). وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 205) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني وفيه رجل لم يسم، وبقية أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح.
عبادة وفي إسناده رجل لم يسم.
وأخرجه البزار (1) والطبراني في الأوسط (2) ورجال البزار رجال الصحيح من حديث أبي هريرة.
وأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير (3) والأوسط (4) رجاله ثقات من حديث ابن عباس.
وأخرج ابن حبان في صحيحه (5) من حديث أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من والي للأمة إلا لقي الله مغلولة يمينه، فكه عدله، أو غله جوره ".
وأخرج مسلم (6) والنسائي (7) من حديث عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله
(1) في: المسند " رقم (1640 - كشف).
(2)
رقم (6221) وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 205) وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط
…
ورجال البزار رجال الصحيح. وهو حديث حسن.
(3)
رقم (12689).
(4)
رقم (286، 9367).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 206) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات. وهو حديث حسن.
(5)
في صحيحه رقم (4525) بإسناد ضعيف جدا. فيه إبراهيم بن هشام الغساني، لم يوثقه غير ابن حبان، وكذبه أبو حاتم وأبو زرعة.
انظر: " الجرح والتعديل "(2/ 142 - 143).
(6)
في صحيحه رقم (1828).
(7)
في " السنن الكبرى " رقم (8873) ولفظه: " اللهم من ولي من أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ". وأخرجه أحمد (6/ 62، 93، 260). وهو حديث صحيح.
عليه وآله وسلم يقول في بيتي هذا: " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ".
وأخرج الطبراني (1) بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من ولي شيئا من أمر المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في حوائجهم ".
وأخرج الطبراني في الصغير (2) والأوسط (3) من حديث ابن عباس أيضًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ما من أمتي أحد ولي من أمر الناس شيئا لم يحفظهم بما حفظ به نفسه إلا لم يجد رائحة الجنة ".
وأخرج مسلم (4) من حديث معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه آله وسلم يقول: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش رعيته إلا حرم الله عليه الجنة ".
وفي رواية (5)" فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة ". وأخرجه أيضًا البخاري (6) من حديثه.
وفي لفظ لمسلم من حديثه أيضًا قال صلى الله عليه وآله وسلم: " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة ".
(1) كما في " مجمع الزوائد "(5/ 211) وقال: رواه الطبراني وفيه حسين بن قيس، وهو متروك، وزعم أبو محصن أنه شيخ صدق. وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2)
(2/ 54).
(3)
رقم (7594).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 211) وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه إسماعيل بن شبيب وهو ضعيف.
(4)
في صحيحه رقم (142).
(5)
في صحيحه رقم (7150).
(6)
في صحيحه رقم (22/ 142).
وأخرج الطبراني في الأوسط (1) والصغير (2) بإسناد رجاله ثقات - إلا عبد الله بن ميسرة أبا ليلى - من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من ولي من أمر المسلمين شيئا فغشهم فهو في النار ".
وأخرج الطبراني (3) بإسناد حسن من حديث عبد الله بن مغفل قال: أشهد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " ما من إمام، ولا وال بات ليلة سوداء غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ".
وأخرج أبو داود (4) واللفظ له والترمذي (5) والحاكم (6) وصححه من حديث عمرو بن مرة الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب دون حاجته
(1) عزاه إليه الهيثمي في " المجمع "(5/ 213).
(2)
(1/ 240 رقم 392 - الروض الداني).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 213) وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه عبد الله بن ميسرة أبو ليلى، وهو ضعيف عند الجمهور ووثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات.
انظر: " التقريب " رقم (3652).
وهو حديث ضعيف.
(3)
عزاه إليه الهيثمي في " المجمع "(5/ 212 - 213).
قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه ثابت بن نعيم الهوجي ولم أعرفه، وبقية رجال الطريق الأول ثقات، وفي الثانية محمد بن محمد بن عبد الله بن مغفل ولم أعرفه.
قال ابن حجر في " اللسان "(2/ 79): ثابت بن نعيم أبو معن، ذكره مسلمة بن قاسم في الصلة وقال:" مجهول، حدثنا عنه يعقوب بن إسحاق بن حجر ".
وهو حديث ضعيف.
(4)
في " السنن " رقم (2948).
(5)
في " السنن " رقم (1333)
(6)
في " المستدرك "(4/ 93) وصححه ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن.
وخلته وفقره يوم القيامة ".
وأخرج نحوه أحمد (1) بإسناد جيد من حديث معاذ.
وأخرج نحوه أحمد (2) أيضًا بإسناد جيد من حديث أبي الشماخ الأزدي (3) عن ابن عم (4) له من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
واعلم أن من أقبح أنواع الظلم ما يرجع إلى الأعراض من غيبة، أو نميمة، أو شتم أو قذف.
وقد ثبت جعل العرض مقترنا بالدم والمال في التحريم، وما أكثر الظلمة في الأعراض فإن الظلمة في الدماء والأموال قليلون بالنسبة إلى من يظلم الناس في دمائهم وأموالهم بخلاف الظلم في الأعراض فإنه كان مقدورا لكل أحد، تتابع فيه كثير من الناس ووقع فيه كثير من أهل العلم والفضل، زين ذلك لهم الشيطان حتى صاروا في عداد الظلمة للدماء والأعراض بل أشر منهم مع عدم النفع لهم، فإن الظلمة في الدماء قد شفوا أنفسهم بالوقوع في هذه المعصية، وكذلك الظلمة في الأموال قد انتفعوا بما أخذوه من الأموال، وأما الظلمة في الأعراض فليس لهم إلا مجرد المعصية المحضة، والذنب العظيم، والظلم الخالي عن النفع،
(1) في " المسند "(5/ 239).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 210) وقال: رواه أحمد والطبراني. ورجال أحمد ثقات.
(2)
في " المسند "(3/ 441) بإسناد ضعيف. وأورده الهيثمي في " المجمع "(5/ 201) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى - رقم (7378) - وأبو السماح - كذا في المطبوع بالسين المهملة ثم آخره مهملة - لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وهو حديث صحيح لغيره.
(3)
قال الحافظ في " تعجيل المنفعة "(2/ 481 رقم 1307): لم يذكره الحاكم أبو أحمد ولا ابن أبي حاتم، وقال الحسيني في التذكرة: مجهول.
(4)
هو عمرو بن مرة الجهني. انظر " التاريخ الكبير "(6/ 308) فقد سماه البخاري هناك.
مع أنه أشد على الهمم الشريفة والأنفس الكريمة من ظلم الدم والمال، كما قال الشاعر:
يهون علينا أن تصاب جسومنا
…
وتسلم أعراض لنا وعقول
وقد ثبت في الصحيحين (1) وغيرهما من حديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: " إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ ".
وأخرج مسلم (2) وغيره (3) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وعرضه، وماله ".
وأخرج أبو يعلى (4) بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: " أتدرون أربا الربا عند الله "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:" فإن أربا الربا عند الله تعالى استحلال عرض امرئ مسلم " ثم قرأ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} (5).
وأخرجه أيضًا البزار (6) بإسناد قوي من حديث أبي هريرة.
وأخرجه أيضًا أبو ............................................
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (67) ومسلم رقم (1679) وقد تقدم.
(2)
في صحيحه رقم (2564).
(3)
كالترمذي رقم (1927) وأبو داود رقم (4882) وابن ماجه رقم (3933).
(4)
في مسنده رقم (4689).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 92) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
وهو حديث حسن.
(5)
[الأحزاب: 58].
(6)
عزاه إليه الهيثمي في " المجمع "(8/ 92) وقال: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير محمد بن أبي نعيم وهو ثقة وفيه ضعف.
داود (1) من حديث سعيد بن زيد.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب " ذم الغيبة "(2) من حديث أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر أمر الربا وعظم شأنه وقال: " إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربا الربا عرض الرجل المسلم ".
وأخرج الطبراني في الأوسط (3) بإسناد فيه عمر بن راشد - وهو ضعيف - قال العجلي (4) لا بأس به، من حديث البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" الربا اثنان وسبعون بابا أدناهما مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربا الربا استطالة الرجل في عوض أخيه ".
وأخرج ابن أبي الدنيا (5)، والبيهقي (6)، والطبراني (7)، من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" إن الربا نيف وسبعون بابا أهونهن بابا من الربا مثل من أتى أمه في الإسلام، ودرهم ربا أشد من خمس وثلاثين زنية، وأشد الربا وأربا الربا وأخبث الربا انتهاك عرض المسلم، وانتهاك حرمته ".
(1) في " السنن " رقم (4876) وهو حديث صحيح.
(2)
في " ذم الغيبة والنميمة " لابن أبي الدنيا (ص 115 رقم 36).
(3)
رقم (7151) وأورده الهيثمي في " المجمع "(4/ 117) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بن راشد، وثقه العجلي وضعفه جمهور الأئمة.
(4)
في " معرفة الثقات "(2/ 166 رقم 1340). وانظر: " التقريب "(2/ 55).
(5)
لم أجده.
(6)
في " الشعب " رقم (6715) وهو حديث ضعيف.
(7)
أخرجه في " الصغير " رقم (224) والأوسط رقم (2968) وأورده الهيثمي في " المجمع "(4/ 117) وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه سعيد بن رحمه وهو: ضعيف.
وأخرج أبو داود (1)، والترمذي (2) وصححه، من حديث عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، قال - بعض الرواة -: يعني قصيرة. فقال: " لقد قلت كلمة لو مزجت بها البحر لمزجته ".
وأخرج أحمد (3) بإسناد رجاله ثقات من حديث جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فارتفعت ريح منتنه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين "!.
وأخرج مسلم (4)، وأبو داود (5)، والترمذي (6)، والنسائي (7)، من حيدث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أتدرون ما الغيبة "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: " ذكرك أخاك بما يكره " قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته "(8).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد ثبت النهي القرآني عن الغيبة، وتمثيل ذلك
(1) في " السنن " رقم (4875).
(2)
في " السنن "(2503). وهو حديث صحيح.
(3)
في " المسند "(3/ 351) بإسناد حسن. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (732، 733) والبيهقي في " الشعب " رقم (6732) من طرق.
وهو حديث حسن قاله الألباني في صحيح الأدب المفرد.
(4)
في صحيحه رقم (2589).
(5)
في " السنن " رقم (4874).
(6)
في " السنن " رقم (1934).
(7)
في " السنن الكبرى "(6/ 467 رقم 11518). وهو حديث صحيح.
(8)
انظر الرسالة رقم (181).
بأكل الميتة! قال الله عز وجل: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (1).
فلم يكتف سبحانه بأكل لحم الأخ حتى ذكر أنه ميت، وفي ذلك من التكريه والتنفير ما يزجر كل ذي عقل.
وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه (2) من حديث أبي هريرة قال: جاء الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشهد على نفسه بالزنا أربع شهادات فرجمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسمع صلى الله عليه وآله وسلم رجلين من الأنصار يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يدع نفسه حتى رجم رجم الكلب! قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم سار ساعة فمر بجيفة حمار شائل برجله، فقال:" أين فلان، وفلان "؟ فقالا: نحن ذا يا رسول الله، فقال لهما:" كلا من جيفة هذا الحمار "، فقالا: يا رسول الله غفر الله لك من يأكل من هذا؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما نلتما من عرض هذا الرجل آنفا أشد من أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة ".
ومن الظلم في الأعراض الشتم واللعن، ففي الصحيحين (3) وغيرهما (4) من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ".
وأخرج مسلم (5)، وأبو داود (6)، .....................................
(1)[الحجرات: 12]. انظر الرسالة رقم (181).
(2)
رقم (4439).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6044) ومسلم رقم (64).
(4)
كالترمذي رقم (1983)، والنسائي (7/ 121، 122) وابن ماجه رقم (69).
(5)
في صحيحه رقم (2587).
(6)
في " السنن " رقم (4894).
والترمذي (1) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " المستبان ما قالا فعلى البادي منهما ما لم يعتد المظلوم ".
وفي الصحيحين (2) أيضًا من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لعن المسلم كقتله ".
وفي البخاري (3) وغيره (4) من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: " يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه ".
وأخرج مسلم (5) وغيره (6) من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه
(1) في " السنن " رقم (1981).
وهو حديث صحيح.
(2)
البخاري في صحيحه رقم (1363) ومسلم رقم (110).
وأخرجه أبو داود رقم (3257) والنسائي (7/ 5) والترمذي رقم (1543) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه: " من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله ".
(3)
في صحيحه رقم (5973).
(4)
كمسلم رقم (90) وأبو داود رقم (5141) والترمذي رقم (1902).
(5)
في صحيحه رقم (2598).
(6)
كأبي داود رقم (4907). وهو حديث صحيح.
قال القرطبي في " المفهم "(6/ 579 - 580): اللعن في الشرع: البعد عن رحمة الله تعالى وثوابه إلى نار الله وعقابه، وأن لعن المؤمن كبيرة من الكبائر، إذ قد قال صلى الله عليه وسلم:" لعن المؤمن كقتله " - تقدم تخريجه.
وقوله: " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ".
صديق: فقيل: وهو الكثير الصدق والتصديق، كما قد تقرر في صفة أبي بكر رضي الله عنه واللعان: الكثير اللعن.
ومعنى هذا الحديث: أن من كان صادقا في أقواله وأفعاله مصدقا بمعنى اللعنة الشرعية، لم تكن كثرة اللعن من خلقه، لأنه إذا لعن من لا يستحق اللعنة الشرعية. فقد دعا عليه بأن يبعد من رحمة الله وجنته، ويدخل في ناره وسخطه، والإكثار من هذا يناقض أوصاف الصديقين، فإن من أعظم صفاتهم الشفقة، والرحمة للحيوان مطلقا، وخصوصا بني آدم، وخصوصا المؤمن، فإن التي معناها الهلاك والخلود في نار الآخرة، فمن كثر منه اللعن فقد سلب منصب الصديقية، ومن سلبه فقد سلب منصب الشفاعة والشهادة الأخروية كما قال:" لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة " وإنما خص اللعان بالذكر ولم يقل: اللاعن، لأن الصديق قد يلعن من أمره الشرع بلعنه، وقد يقع منه اللعن فلتة وندرة، ثم يراجع، وذلك لا يخرجه عن الصديقية، ولا يفهم من نسبتنا الصديقية لغير أبي بكر مساواة غير أبي بكر، لأبي بكر رضي الله عنه في صديقيته، فإن ذلك باطل بما قد علم: أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقدم، لكن: المؤمنون الذين ليسوا بلعانين لهم حظ من تلك الصديقية. ثم هم متفاوتون فيها على حسب ما قسم لهم منها.
وآله وسلم: " لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ".
وأخرج نحوه الترمذي (1) وحسنه من حديث ابن مسعود.
وأخرج أحمد (2)، والطبراني (3)، وابن أبي حاتم وصححه من حديث جرموز الجهني (4) قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال:" أوصيك لا تكن لعانا ".
وأخرج أبو داود (5)، والترمذي (6) وصححه، والحاكم (7) وصححه أيضا، من
(1) في " السنن " رقم (1977) وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه المحدث الألباني.
(2)
في " المسند "(5/ 70) بإسناد صحيح.
(3)
في " الكبير " رقم (2181).
(4)
كذا في المخطوط وصوابه الهجيمي: من بني الهجيم بن عمرو بن تميم، وقيل القريعي، وهو بطن من تميم أيضًا له صحبة، روى هذا الحديث الواحد، ومخرجه عن أهل البصرة.
" الاستيعاب "(1/ 262)، " الإصابة "(1/ 471).
(5)
في " السنن " رقم (4906).
(6)
في " السنن " رقم (1976).
(7)
في " المستدرك "(1/ 48) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن.
من حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار ".
وأخرج الطبراني (1) بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع قال: كنا إذا رينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر.
وأخرج أبو داود (2) من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها [ثم تأخذ يمينا وشمالا] (3) فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلا وإلا رجعت إلى قائلها ".
وأخرج نحوه أحمد (4) بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود.
وأخرج مسلم (5)، ...........................................
(1) في " الأوسط " رقم (6674) بإسناد جيد.
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 73) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وإسناد الأوسط جيد، وفي إسناد الكبير ابن لهيعة وهو لين الحديث.
(2)
في " السنن " رقم (4905) وهو حديث حسن.
(3)
زيادة من سنن أبي داود.
(4)
في " المسند "(1/ 408، 425).
وأورد الهيثمي في " المجمع "(1/ 408) وقال: رواه أحمد. وأبو عمير لم أعرفه وبقية رجاله ثقات. ولكن الظاهر أن صديق ابن مسعود الذي يزوره هو ثقة، والله أعلم.
وصديق ابن مسعود: أبو عمير الحضرمي قال الحافظ في " تعجيل المنفعة ": " مجهول، ويمكن أن يخرجه من حيز الجهالة كونه صديقا لابن مسعود، وأن ابن مسعود كان يزوره كما ذكر في الحديث - أنه كان صديقا لعبد الله بن مسعود، وأن عبد الله بن مسعود كان زاره في أهله .. " وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح غير العيزار بن جرؤل الحضرمي، فليس من رجال الكتب الستة، هو ثقة وثقه ابن معين كما ذكره الحافظ في " التعجيل ".
(5)
في صحيحه رقم (2595).
وغيره (1)، من حديث عمران بن حصين قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:" خذوا ما عليها فإنها ملعونة ". قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد.
وأخرج أبو يعلى (2)، وابن أبي الدنيا (3) بإسناد جيد من حديث أنس قال: سار رجل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلعن بعيره فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " يا عبد الله، لا تسر معنا على بعير ملعون ".
وأخرج ..........................................
(1) كأحمد (4/ 429) وأبو داود رقم (2561).
قال القرطبي في " المفهم "(6/ 580): قوله صلى الله عليه وسلم في الناقة المدعو عليها باللعنة: " خذوا ما عليها فإنها ملعونة " حمله بعض الناس على ظاهره، فقال: أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على أن هذه الناقة قد لعنها الله تعالى. وقد استجيب لصاحبتها فيها. فإذا أراد هذا القائل: أن الله تعالى لعن هذه الناقة كما يلعن من استحق اللعنة من المكلفين كان ذلك باطلا. إذا الناقة ليست بمكلفة. وأيضا فإن الناقة لم يصدر منها ما يوجب لعنها. وإن أراد أن هذه اللعنة: إنما هي عبارة عن إبعاد هذه الناقة عن مالكتها، وعن استخدامها إياها فتلك اللعنة إنما ترجع لصاحبتها، إذ قد حيل بينها وبين مالها، ومنعت الانتفاع به، لا للناقة؛ لأنها قد استراحت من ثقل الحمل وكد السير، فإن قيل: فلعل معنى لعنة الله الناقة أن تترك ألا يتعرض لها أحد، فالجواب: أن معنى ترك الناس لها إنما هو أنهم لم يؤوها إلى رحالهم، ولا استعملوها في حمل أثقالهم، فأما أن يتركوها في غير مرعى، ومن غير علف حتى تهلك فليس في الحديث ما يدل عليه، ثم هو مخالف لقاعدة الشرع في الأمر بالرفق بالبهائم، والنهي عن تعذيبها، وإنما كان هذا منه صلى الله عليه وسلم تأديبا لصاحبتها، وعقوبة لها فيما دعت عليها بما دعت به.
ويستفاد منه: جواز العقوبة في المال لمن جنى فيه بما يناسب ذلك، والله تعالى أعلم.
(2)
في " مسنده " رقم (3622).
(3)
في " الصمت " رقم (390).
قال الهيثمي في " المجمع "(8/ 77): ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.
وهو حديث حسن.
أحمد (1) بإسناد جيد من حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر يسير فلعن رجل ناقته فقال: " أين صاحب الناقة "؟ فقال الرجل: أنا، فقال:" أخرها فقد أجبت فيها ".
وأخرج أبو داود (2)، وابن حبان في صحيحه (3)، من حديث زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة ".
وأخرج البزار (4) بإسناد لا بأس به، والطبراني، من حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " نهى عن سب الديك ".
وأخرج البزار (5) بإسناد رجاله رجال الصحيح - إلا عباد بن منصور (6) - من حديث
(1) في " المسند "(2/ 428).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 77) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وهو حديث حسن.
(2)
في " السنن " رقم (5101).
(3)
في صحيحه رقم (5731).
قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (957) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " رقم (945) والطبراني في " الكبير " رقم (5209) والبغوي في " شرح السنة " رقم (3270). وهو حديث صحيح.
(4)
في مسنده رقم (2040 - كشف).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 77) وقال: رواه البزار والطبراني في " الكبير " رقم (9796) وفي إسناد البزار مسلم بن خالد الزنجي وثقه ابن حبان وغيره وفيه ضعف. وبقية رجاله ثقات.
(5)
في مسنده رقم (2041 - كشف).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 77) وقال: رواه البزار وفيه عباد بن منصور، وثقه يحيى القطان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(6)
عباد بن منصور الناجي، أبو سلمة البصري قاضيها، صدوق، رمي بالقدر وكان يدلس، وتغير بآخره، من السادسة (ت سنة 152 هـ) أخرج له البخاري تعليقا والأربعة.
انظر: " التقريب " رقم (3142).
ابن عباس: أن ديكا صرخ قريبا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رجل: اللهم العنه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" كلا إنه يدعو إلى الصلاة ".
وأخرج أبو يعلى (1)، والبزار (2) بإسناد رجاله الصحيح - إلا سويد بن إبراهيم (3) - والطبراني بإسناد رجاله ثقات - إلا سعيد بن بشير (4) - من حديث أنس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلذعت رجلا برغوث فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" لا تلعنها فإنها نبهت نبيا من الأنبياء للصلاة ". وفي لفظ: " فإنها توقظ للصلاة ".
وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط (5) من حديث علي.
فهذه الأحاديث قد اشتملت على أن السب والغيبة واللعن من أشد المحرمات وأنه
(1) في " مسنده " رقم (2959).
(2)
في " مسنده " رقم (2042 - كشف).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 77) وقال: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط - رقم (5732) - ورجال الطبراني ثقات. وفي سعيد بن بشير ضعف وهو ثقة، وفي إسناد البزار سويد بن إبراهيم، وثقه ابن عدي وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجالهما رجال الصحيح.
وهو حديث ضعيف جدا.
(3)
سويد بن إبراهيم الجحدري، أبو حاتم الحناط، البصري صدوق سيئ الحفظ، له أغلاط. وقد أفحش ابن حبان فيه القول من السابعة (ت سنة 167) أخرج له البخاري في " الأدب المفرد ".
انظر: " التقريب " رقم (2687).
(4)
سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، أبو عبد الرحمن، ضعيف من الثامنة (ت سنة 168 هـ) أخرج له الأربعة.
" التقريب "(2276).
(5)
رقم (9318) وهو حديث ضعيف جدا.
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 78) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سعد بن طريف، وهو متروك.
حرام على فاعله ولو كان الذي وقع اللعن عليه من غير بني آدم، بل ولو كان من أصغر الحيوانات جرما كالبرغوث مع ما يحصل منه من الأذى والضرر، فانظر - أرشدك الله - ما حال من يسب أو يغتاب أو يلعن مسلما من المسلمين وماذا يكون عليه من العقوبة، فكيف بمن يفعل ذلك بخيار عباد الله من المؤمنين. بل كيف من يسب أو يغتاب أو يلعن خيرة الخيرة من العالم الإنساني وهم الصحابة رضي الله عنهم مع كونهم خير القرون (1) كما وردت بذلك السنة المتواترة، فأبعد الله الروافض عمدوا إلى من يعدل مد أحدهم أو نصيفه أكثر من جبل أحد من إنفاق غيرهم كما في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" فإنه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "(2).
وورد في الكتاب والسنة من مناقبهم وفضائلهم التي امتازوا بها ولم يشاركهم فيها غيرهم ما لا يفي به إلا مؤلف بسيط! مع ورود الأحاديث الصحيحة في النهي عن سبهم على الخصوص، بل ثبت في الصحيح (3) النهي عن سب الأموات على العموم، وهم خير الأموات كما كانوا خير الأحياء لا جرم، فإنه لم يعادهم ويتعرض لأعراضهم المصونة إلا أخبث الطوائف المنتسبة إلى الإسلام وشر من على وجه الأرض من أهل هذه الملة وأقل أهلها عقولا، وأحقر أهل الإسلام علوما، وأضعفهم حلوما بل أصل دعوتهم لكياد الدين ومخالفة شريعة المسلمين، يعرف ذلك من يعرفه ويجهله من يجهله، والعجب كل العجب من علماء الإسلام وسلاطين هذا الدين كيف تركوهم على هذا المنكر البالغ في القبح إلى غايته ...............................
(1) تقدم تخريجه مرارا.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3673) ومسلم في صحيحه رقم (2540) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم.
(3)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1393) وطرفه (6516) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: " لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا
…
".
ونهايته (1).
فإن هؤلاء المخذولين لما أرادوا رد الشريعة المطهرة ومخالفتها طعنوا في أعراض الحاملين لها الذين لا طريق لنا إليها إلا من طرقهم، واستذلوا أهل العقول الضعيفة والإدراكات الركيكة بهذه الذيعة (2) الملعونة والوسيلة الشيطانية، فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة ويضمرون العناد للشريعة ورفع أحكامها عن العباد، وليس في الكبائر ولا في معاصي العباد أشنع ولا أخنع ولا أبشع من هذه الوسيلة إلا ما توسلوا بها إليه فإنه أقبح منها؛ لأنه عناد لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولشريعته.
فكان حاصل ما هم فيه من ذلك أربع كبائر كل واحدة منها كفر بواح:
الأولى: العناد لله عز وجل.
والثانية: العناد لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
والثالثة: العناد للشريعة المطهرة وكيادها، ومحاولة إبطالها.
والرابعة: تكفير الصحابة رضي الله عنهم، الموصوفين في كتاب الله سبحانه بأنهم {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} (3)، وأن الله سبحانه يغيظ بهم الكفار، وأنه قد رضي عنهم (4).
مع أنه قد ثبت في هذه الشريعة المطهرة أن من كفر مسلما كفر.
كما في الصحيحين (5) وغيرهما (6) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله
(1) تقدم بيان حكم سب الصحابة.
انظر: " المفهم "(6/ 492).
وانظر الرسالة رقم (44).
(2)
كذا في المخطوط ولعلها (الذريعة) تقدم تعريفها.
(3)
[الفتح:29]
(4)
انظر الرسالة رقم (44).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6104) ومسلم رقم (60).
(6)
كأبي داود رقم (4687) والترمذي رقم (2637) ومالك في الموطأ (2/ 984).
عليه وآله وسلم: " إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه ".
وفي الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " ومن دعا رجلا بالكفر أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه ".
وفي البخاري (3) وغيره من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما ".
وأخرج ابن حبان في صحيحه (4) من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما أكفر رجل رجلا إلا باء أحدها بها إن كان كافرا وإلا كفر بتكفيره ".
فعرفت بهذا أن كل رافضي (5) خبيث على وجه الأرض يصير كافرا بتكفيرهم لصحابي واحد، لأن كل واحد منهم قد كفر ذلك الصحابي، فكيف بمن كفر كل الصحابة واستثنى أفرادا يسيرة تنفيقا لما هو فيه من الضلال على الطغام الذين لا يعقلون الحجج ولا يفهمون البراهين ولا يفطنون لما يضمره أعداء الإسلام من العناد لدين الله والكياد لشريعته، فمن كان من الرافضة كما ذكرنا فقد تضاعف كفره من جهات أربع كما سلف، وهم طوائف منهم الباطنية (6) .....................................................
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6045) ومسلم رقم (61).
(2)
كأحمد (5/ 166).
(3)
في صحيحه رقم (6103).
(4)
رقم (248).
(5)
تقدم تعريف الرافضة (ص 148).
(6)
نشأ مذهبهم في منتصف القرن الثالث، وضعه قوم أشرب في قلوبهم بغض الدين وكراهية النبي صلى الله عليه وسلم من الفلاسفة والملاحدة والمجوس واليهود ليصرفوا الناس عن دين الله، وكانوا يبعثون دعاتهم إلى الآفاق لدعوة الناس إلى مذهبهم، ومن دعاتهم ميمون بن ديصان القداح التنوي، فظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر
ولهم ألقاب كثيرة منها الباطنية وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا، ولكل تنزيل تأويلا.
وبالعراق يسمون الباطنية والقرامطة المزدكية، وبخراسان: التعليمة، الملحدة.
" التبصير في الدين "(ص 86)، " الملل والنحل "(1/ 228 - 230).
والقرامطة (1) وأمثالهم من طوائف العجم ومن قال بقولهم، فإنهم غلوا في الكفر حتى أثبتوا الإلهية لمن يزعمون أنه المهدي المنتظر، وأنه دخل السرداب، وسيخرج منه في آخر الزمان!.
وبلغ من تلاعبهم بالدين أنهم يجعلون في كل مكان نائبا عن الإمام المذكور الموصوف بأنه إلههم! ويسمون أولئك النواب حجابات للإمام المنتظر ويثبتون لهم الإلهية! وهذا مصرح به في كتبهم، وقد وقفنا منها على غير كتاب، فانظر إلى هذا الأمر العظيم وإلى أي مبلغ بلغ الملاحدة من كياد الدين والتلاعب بضعاف العقول من الداخلين في الدعوة الإسلامية حتى أخرجوهم منها إلى أكفر الكفر واتخاذ إله غير الله عز وجل وتعالى وتقدس، وخدعوهم [ .... ](2) بما يظهرونه من المحبة الكاذبة لأهل البيت رضي الله عنهم وهم أشد الأعداء لهم، قد جنوا على ربهم فلم يجعلوا إلها بل جعلوا الإله فردا من أفراد البشر الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى زيادة على ألف سنة، ثم جنوا على رسول الله فأخرجوه من الرسالة وكذبوه فيما يدعيه من النبوة؛ وهو الذي لم يشرف أهل البيت إلا بشرفه، ولا عظموا إلا بكونهم أهل بيته، وقد ثبت في كتب اللغة (3) وشروح ..................................................
(1) تقدم التعريف بها.
(2)
هنا كلمة غير واضحة في المخطوط.
(3)
انظر " القاموس "(ص 730).
الحديث (1) وكتب التاريخ (2)، أن الرافضة إنما ثبت لهم هذا اللقب لما طلبوا من الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي رحمه الله أن يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال:" هما وزيرا جدي " فرفضوه، وفارقوه فسموا حينئذ الرافضة.
فانظر كيف كان ثبوت هذا اللقب الخبيث لهم بسبب خذلهم لنصرة ذلك الإمام العظيم، وما أحسن ما رواه الإمام الهادي يحيى بن الحسين إمام اليمن في كتابه الأحكام (3) [ .... .. ] (4) مسلسلا بآبائه من عنده إلى عند الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:" إنه سيكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يعرفون به يقال لهم الرافضة فاقتلهم قتلهم الله إنهم مشركون "(5).
هذا ذكره في كتاب الطلاق من الأحكام ولم يذكر في كتابه هذا حديثا مسلسلا بآبائه غير هذا الحديث، وهو الإمام الذي صار علما يقتدى بمذهبه في غالب الديار اليمنية (6).
(1) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (1/ 103): وسموا رافضة من الرفض وهو الترك، قال الأصمعي وغيره: سموا رافضة لأنهم رفضوا زيدا بن علي فتركوه.
(2)
انظر " سير أعلام النبلاء "(5/ 389 - 390).
(3)
لعله: الأحكام الجامع لقواعد دين الإسلام.
انظر: " مؤلفات الزيدية "(1/ 80).
(4)
كلمة غير واضحة في المخطوط.
(5)
أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " رقم (979) بإسناد ضعيف ورجاله كلهم ثقات غير محمد بن أسعد التغلبي، قال أبو زرعة والعقيلي: منكر الحديث.
قاله الألباني في " ظلال الجنة في تخريج السنة "(2/ 474).
وانظر الرسالة رقم (19) من الفتح الرباني.
النبز: اللقب والجمع الأنباز.
قيل: التنابز هو التداعي بالألقاب وهو يكثر فيما كان ذما.
" تاج العروس "(8/ 154).
(6)
انظر الرسالة رقم (19) من الفتح الرباني.
فالحاصل أن من صدق عليه هذا اللقب أقل أحواله أن يكون معاديا للصحابة، لاعنا لهم، مكفرا لغالبهم، هذا على تقدير عدم تفطنه لما هو العلة الغائبة للرافضة من: العناد لله سبحانه، ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وللشريعة المطهرة.
فتقرر لك بهذا أن من قدر على إنكار صنيع الرافضة ولم يفعل فقد رضي بأن تنتهك حرمة الإسلام وأهله، وسكت على ما هو كفر متضاعف كما سلف، وأقل أحواله أن يكون كفرا بتكفير الأكثر من الصحابة، ومن سكت عن إنكار الكفر مع القدرة عليه فقد أهمل ما أمر الله سبحانه في كتابه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك الإنكار على ما هو كفر بواح وأهمل ما هو أعظم أعمدة الدين وأكبر أساطينه وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)، فلا بكتاب الله سبحانه ولا بسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم اقتدى، وقد ثبت في الصحيحين (2) وغيرهما (3) من حديث عبادة بن الصامت قال:" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ".
وأخرج مسلم (4) والترمذي (5) والنسائي (6) وابن ماجه (7) من حديث أبي سعيد الخدري
(1) تقدم توضيحه مرارا.
(2)
أخرجه البخاري رقم (7055، 7056) ومسلم في صحيحه رقم (42/ 1709).
(3)
كالنسائي (7/ 137)، وابن ماجه رقم (2866) وأحمد (2/ 314، 318، 319) ومالك في الموطأ (2/ 957).
(4)
في صحيحه رقم (49).
(5)
في " السنن " رقم (2172) وقال: حديث حسن صحيح.
(6)
في " السنن "(8/ 111، 112).
(7)
في " السنن " رقم (1275،4013).
وهو حديث صحيح.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ".
ولفظ النسائي (1) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من رأى منكم منكرا فغيره بيده فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بيده فغيره بلسانه فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برئ وذلك أضعف الإيمان ".
وأخرج أبو داود (2)، والترمذي (3) وابن ماجه (4) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، أو أمير جائر ".
وفي إسناده عطية بن سعد العوفي (5)، وقد ضعفه أحمد وغيره، ووثقه ابن معين وغيره وحسن حديثه الترمذي، وهذا الحديث مما حسنه له، وأخرج حديثه ابن خزيمة في صحيحه (6).
وأخرج النسائي (7) بإسناد صحيح عن طارق بن شهاب البجلي الأحمسي: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع رجله في الغرز - أي الجهاد أفضل؟ قال: " كلمة حق عند سلطان جائر ".
وأخرج ابن ماجه (8) بإسناد صحيح من حديث أبي أمامة عنه صلى الله عليه وآله وسلم
(1) في " السنن "(8/ 112).
(2)
في " السنن " رقم (4344).
(3)
في " السنن " رقم (2174). وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(4)
في " السنن " رقم (4011). وهو حديث حسن، والله أعلم.
(5)
انظر " الميزان "(3/ 80).
(6)
في صحيحه رقم (2368).
(7)
في " السنن "(7/ 161).
(8)
في " السنن " رقم (4012).
أنه قال: " أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر ".
وأخرج الحاكم (1) وصححه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ".
وأخرج البخاري (2) وغيره (3) من حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؟! فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ".
وأخرج مسلم (4) وغيره من حديث ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون (5). وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ".
وفي الصحيحين (6) من حديث زينب بنت جحش قالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا
(1) في " المستدرك "(3/ 195). وصححه وتعقبه الذهبي بقوله: حفيد الصغار لا يدرى من هو.
وهو حديث ضعيف.
(2)
في صحيحه رقم (2493).
(3)
كالترمذي في " السنن " رقم (2173).
(4)
في صحيحه رقم (50).
(5)
في هامش المخطوط، الحواري الناصر.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3346) ومسلم رقم (2880).
الصالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبث ".
وأخرج الترمذي (1) وحسنه من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله [أن] (2) يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم ".
وأخرج ابن ماجه (3) بإسناد رجاله ثقات من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يحقرن أحدكم نفسه "، قالوا: يا رسول الله، وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال:" يرى أمرا لله عليه فيه مقال ثم لا يقول فيه! فيقول الله عز وجل [له] (4) يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشيت الناس! قال: فأنا كنت أحق أن تخشى ".
وأخرج أبو داود (5) واللفظ له، والترمذي (6) وحسنه، من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده! فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال:
(1) في " السنن " رقم (2169).
وهو حديث حسن بشواهده.
(2)
زيادة من سنن الترمذي.
(3)
في " السنن " رقم (4008). وهو حديث حسن.
(4)
زيادة من سنن ابن ماجه.
(5)
في " السنن " رقم (4336).
(6)
في " السنن " رقم (3047).
وأخرجه ابن ماجه رقم (4006) مرسلا عن أبي عبيدة.
وهو حديث حسن بشواهده.
ثم قال: " كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا ".
وهو من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه.
وأخرجه ابن ماجه (2) عن أبي عبيدة مرسلا.
وأخرج أبو داود (3) وابن ماجه (4)، وابن حبان في صحيحه (5) من حديث: جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه ولا يغيرون إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا ".
وأخرج أبو داود (6) وابن ماجه (7) والترمذي (8) وصححه، والنسائي (9) وابن حبان في
(1)[المائدة:78 - 81].
(2)
في " السنن " رقم (4006).
(3)
في " السنن " رقم (4339).
(4)
في " السنن " رقم (4009).
(5)
رقم (302).
(6)
في " السنن " رقم (4338).
(7)
في " السنن " رقم (4005).
(8)
في " السنن " رقم (3057).
(9)
في " السنن الكبرى "(6/ 338 رقم 11157).
صحيحه (1) عن أبي بكر الصديق قال: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ".
ولفظ النسائي (2) إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروا عمهم الله بعقاب ".
وفي رواية لأبي داود (3)" ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب ".
وأخرج الحاكم (4) وصححه من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم ".
وأخرج ابن حبان في صحيحه (5) عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وآله وسلم بخصال من الخير: " أوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن لا أقول إلا الحق وإن كان مرا ".
وأخرج أبو داود (6) من حديث عرس بن عميرة ...................................
(1) في رقم (304). وهو حديث صحيح.
(2)
في " السنن الكبرى " رقم (6/ 338 رقم 11157).
(3)
في " السنن " رقم (4338).
(4)
في " المستدرك "(4/ 96) وصححه ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن.
(5)
رقم (449) وأخرجه أحمد (5/ 159). وهو حديث صحيح.
(6)
في " السنن " رقم (4345). وهو حديث حسن.
الكندي (1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها وكرهها - وفي رواية - فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها ". وفي إسناده مغيرة بن زياد الموصلي (2)، ضعفه أحمد، ووثقه أبو حاتم وغيره، وصحح له الترمذي.
وأخرج ابن ماجه (3)، وابن حبان في صحيحه (4) من حديث عائشة: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر: " يا أيها الناس، إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم ".
وأخرج أحمد (5) والترمذي (6) واللفظ له، وابن حبان في صحيحه (7) من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر ".
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا.
(1) هو: العرس بن عميرة الكندي، صحابي مقل، قيل: عميرة أمه، واسم أبيه قيس بن سعيد بن الأرقم. وقال أبو حاتم: هما اثنان. من رجال أبي داود والنسائي.
" التقريب " رقم (4552).
(2)
انظر: " التقريب " رقم (6834).
(3)
في " السنن "(4004).
(4)
في صحيحه رقم (290).
وهو حديث ضعيف.
(5)
في " المسند "(1/ 257).
(6)
في " السنن " رقم (1921) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(7)
رقم (459).
وهو حديث ضعيف.
قوله: " فلا تظالموا ".
بفتح المثناة الفوقية، وأصله: تتظالموا، فحذفت إحدى التاءين كما في نظائره، وفيه زيادة تأكيد لقوله: وجعلته بينكم محرما، وإشعار بالتغليظ، والمراد لا يظلم بعضكم بعضا [ .... ](1).
قوله: " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ".
أقول: هذه العبارة الربانية قد أفادت العموم، وأن ذلك شأن كل عبد من عباد الله سبحانه كما تفيده إضافة العباد إلى الضمير، فإن ذلك من صيغ العموم، ثم زاد ذلك شمولا وإحاطة التأكيد بلفظ كل ثم الاستثناء فإنه لا يكون إلا من عموم شامل، فالكلام متضمن للحكم على كل عبد من العباد بالضلال إلا من هداه الله، وأن ذلك أصلهم الذي جبلوا عليه.
قال النووي في شرح مسلم (2) قال المازري (3) ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلالة إلا من هداه الله تعالى، وفي الحديث المشهور:" كل مولود يولد على الفطرة "(4).
قال: فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال الفطر لضلوا [إلا من هداه الله](5)، وهذا الثاني أظهر. انتهى.
أقول: المجمع (6) بين الحديثين ممكن، فإن أصل كونهم مولدين على الفطرة، لا بد معه من القيام بما شرعه الله لعباده في كتبه المنزلة على لسان رسله المرسلة، فالعباد قبل
(1) عبارة غير واضحة في هامش المخطوط وهي من الأصل كما أشار إليها المؤلف.
(2)
(16/ 132).
(3)
في " المعلم بفوائد مسلم "(3/ 165).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1385) ومسلم رقم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقد تقدم مرارا.
(5)
زيادة من " المعلم بفوائد مسلم "(3/ 165) للمازري.
(6)
لعلها " الجمع ".
التمسك بشرائع الله في ضلال حتى يتمسكوا بها، فيخرجون من الضلالة إلى الهداية ومن الظلمة إلى النور، فكلهم قبل التمسك بشرائع الله ضال إلا من هداه سبحانه بالشريعة.
ومع تمسكهم بالشرائع المشروعة لهم، لا ينتفعون بذلك كلية الانتفاع إلا بمصاحبة رحمة الله سبحانه لهم، وذلك هو الفضل الذي يتفضل الله عز وجل به عليهم، كما في الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث عائشة أنها كانت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لن يدخل أحدا الجنة عمله " قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ".
وأخرجه أحمد (3) بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لن يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله " قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، وقال بيده فوق رأسه ".
وأخرجه البزار (4) والطبراني (5) من حديث أبي موسى.
وأخرجه أيضًا الطبراني (6) من حديث أسامة بن شريك.
وأخرجه .....................................................................................
(1) أخرجه البخاري رقم (6467) ومسلم رقم (2818).
(2)
سيأتي ذكره.
(3)
في " المسند "(3/ 52). وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 356) وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.
(4)
عزاه إليه الهيثمي في " المجمع "(10/ 357).
(5)
في " الأوسط " رقم (6553).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 357) وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير إلا أنه قال في الكبير: ما منكم من أحد يدخله عمله الجنة، فقال بعض القوم: ولا أنت، فذكره. وفي أسانيدهم أشعث بن سوار وقد وثق على ضعفه، وبقية رجالهم ثقات.
(6)
أورده الهيثمي في " المجمع "(6/ 357) وقال: رواه الطبراني وفيه المفضل بن صالح الأسدي، وهو ضعيف.
أيضا (1) من حديث شريك بن طارق بإسناد جيد.
وكذلك لا بد من جري ألطاف الله على عباده بتخفيف الحساب، كما ثبت في الصحيحين (2) وغيرهما (3) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" من نوقش الحساب عذب " فقلت: أليس يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِي كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} (4)؟ فقال: " إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ".
وكذلك التثبيت للعباد من الله عز وجل عند الموت، وعند سؤال الملكين، وعند الحساب، وعند المرور على السراط.
فعرفت أنه إذا لم يهد الله عبده إلى التمسك بشرائعه ويلاحظه بألطافه وتفضلاته، لم ينفعه كونه مولودا على الفطرة، لأن معنى كونه مولودا على الفطرة: أنه قابل بفطرته لما يريه الله من الحق ويهديه إليه، وليس مجرد هذا القبول مستلزما لكونه مهديا غير ضال، ولهذا أثر فيه ما عليه أبواه كما في هذا الحديث:" ولكن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه "(5).
قال النووي (6): وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هدى الله، ويهدي الله الذين اهتدوا بإرادة الله سبحانه ذلك، وأنه سبحانه وتعالى ما أراد هداية الآخرين، ولو أرادها لاهتدوا خلافا ......................................
(1) في " الكبير " رقم (7218) وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 357) وقال: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (103) ومسلم رقم (1001).
(3)
كأبي داود رقم (3093)، وأحمد (6/ 47، 48، 91).
(4)
[الانشقاق: 7 - 9].
(5)
تقدم تخريجه
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (16/ 132).
للمعتزلة (1) في قولهم الفاسد: إنه سبحانه وتعالى أراد هداية الجميع، جل الله أن يريد ما لا يقع، أو يقع ما لا يريد. انتهى.
أقول: هذه المسألة قد طال فيها النزاع بين الأشعرية (2) والمعتزلة وتمسك كل منهم بظواهر قرآنية، وكلامهم يعود إلى مسألة خلق الأفعال (3)، وفيها من الكلام واختلاف الأقوال ما هو معروف، والمذهب الحق الذي لا يتمذهب به إلا أهل التوفيق: هو ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين من الإيمان بما جاء به الكتاب العزيز والسنة المطهرة وإمرار الصفات على ظاهرها من دون تعرض لتأويل ولا اشتغال بتطويل.
وقد أوضحت ذلك في الجواب الذي أجبت به على السؤال الوارد من علماء مكة المشرفة وسميته: " التحف في الإرشاد إلى مذاهب السلف "(4)، فمن وقف عليه وفهمه حق فهمه وضع عن ظهره عباء (5) ثقيلا وأماط عن قلبه كربا طويلا، والمهدي من هداه الله، بيده الخير كله دقه وجله.
وفي قوله: " فاستهدوني أهدكم " دليل على أنه ينبغي لكل عبد من عباد الله سبحانه أن يسأله الهداية له إلى ما يرضيه منه، فمن هداه الله فاز لأنها إن كانت الهداية:
1 -
بمعنى إرادة الطريق، كما في قوله سبحانه:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} فكل عاقل لا يختار لنفسه بعد أن يرى طريق الحق وسبيل الرشد إلا سلوكه والمرور فيه، فإن اختار طريق الضلالة فهو معاند واقع في الشر على علم به واختيار له، وليس بعد هذا في عمى البصير وفساد العقل شيء، وعلى نفسها تجني براقش (6).
(1) تقدم التعريف بها.
(2)
تقدم التعريف بها.
(3)
انظر الرسالة رقم (1).
(4)
انظر الرسالة رقم (19) من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
(5)
كذا في المخطوط وصوابه (عبئا). " القاموس "(ص 59).
(6)
تقدم شرح المثل.
2 -
وإن كانت بمعنى الإيصال إلى المطلوب، فتلك السعادة التي لا يساويها سعادة، والكرامة التي تقصر عندها كل كرامة، وهي التي سألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:" اللهم اهدني فيمن هديت "(1).
(1) أخرجه أبو داود رقم (1425) والنسائي (3/ 133) وابن ماجه رقم (1178) وأحمد (1/ 99 - 200) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 209). وهو حديث صحيح.
[وجوب التوكل على الله سبحانه وتعالى مع الأخذ بالأسباب]
قوله: " يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ".
أقول: هذا الكلام الإلهي قد أفاد شمول كل عبد من عباد الله كما بيناه قريبا، فلا يوجد عبد من عباده سبحانه إلا والمطعم له هو الله عز وجل، ولو فرض - فرضا لا حقيقة - أن عبدا من عباده لم يطعمه فهو جائع، ولكنه عز وجل قد أطعم الكل من غير فرق بين مسلم وكافر، وذكر وأنثى، وصغير وكبير، وحر وعبد، وكل ما توصل به العباد من الأسباب التي يتحصل بها الرزق في الصورة فهي من الله عز وجل؛ لأنه خالق العبد وموجده، فلولا أنه خلقه وأوجده لم يكن لشيء من تلك الأسباب وجود.
ثم بعد إيجاده للعبد جعل له ما يباشر به تلك الأسباب، من صحة الجوارح والحواس، وسلامتها من الآفة التي تبطل عملها، فلو كان غير قادر على تحريك جوارحه كالمصاب بإقعاد أو شلل لم يتمكن من تلك الأسباب، وهكذا لو كان مسلوب الحواس الظاهرة أو الباطنة، أو مسلوب العقل لم يتمكن من شيء من تلك الأسباب، وهذا لو كان سليم الروح والحواس والعقل ولكنه معتلا بمرض لا يتمكن معه من تلك الأسباب لم يحصل له شيء منها فهو سبحانه المعطي والرازق والمطعم، فمن لم يطعمه الله فهو جائع، ومن لم يستطعم الله فهو غير طاعم.
وفي قوله: " فاستطعموني أطعمكم " إرشاد للعباد أن يسألوا ربهم عز وجل ويطلبوا الرزق منه.
وقد أخرج أبو داود (1)، والترمذي (2) وصححه من حديث ابن مسعود قال: قال
(1) في " السنن " رقم (1645).
(2)
في " السنن " رقم (2326).
وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وهو حديث حسن.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق أو آجل ".
وأخرج نحوه الحاكم (1) من حديث وصححه.
وأخرج الطبراني في الصغير (2) والأوسط (3) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من جاع أو احتاج فكتمه الناس، وأفضى به إلى الله، كان حقا على الله أن يفتح له قوت سنة من حلال ".
واعلم أن رازق العباد هو الله عز وجل، وما وصل إليهم على يد بعضهم من بعض فهو من رزق الله عز وجل؛ لأنه المعطي لمن أجرى ذلك على يده والملهم له، فمن رزق ربه أعطى وبإلهامه له فعل ما فعل، لكنه ينبغي للعباد أن يشكروا بعضهم البعض على ما وصل إليهم على يد بعضهم.
فقد أخرج أبو داود (4)، والنسائي (5) واللفظ له، وابن حبان في صحيحه (6)، والحاكم (7) وصححه، من حديث عبد الله ..............
(1) في " المستدرك "(1/ 408). وصححه ووافقه الذهبي.
(2)
(1/ 141 رقم 214 - الروض الداني).
(3)
رقم (2379).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 256) وقال: رواه الطبراني في " الصغير " و" الأوسط " وفيه إسماعيل بن رجاء الحصني ضعفه الدارقطني.
انظر: " الضعفاء والمتروكين "(ص81) رقم 85.
(4)
في " السنن " رقم (1672).
(5)
في " السنن "(5/ 82).
(6)
رقم (3408).
(7)
في " المستدرك "(1/ 412).
وهو حديث صحيح.
بن عمر (1)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه ".
وأخرجه الطبراني في الأوسط (2) مختصرا من حديثه بلفظ: " من اصطنع إليكم معروفا فجازوه، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له حتى يعلم أنكم قد شكرتم، فإن الله شاكر يحب الشاكرين ".
وأخرج أبو داود (3) والترمذي (4) وحسنه، وابن حبان في صحيحه (5) من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور ".
وأخرج الترمذي (6) وحسنه من حديث أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء ". وهذا الحديث قد أسقط من بعض نسخ الترمذي!.
(1) في المخطوط (عمرو) والصواب ما أثبتناه من مصادر الحديث.
(2)
رقم (29).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 181) وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك.
وهو حديث ضعيف جدا.
(3)
في " السنن " رقم (4813).
(4)
في " السنن " رقم (2034). وقال: هذا حديث حسن غريب.
(5)
في صحيحه رقم (3415).
وهو حديث حسن.
(6)
في " السنن " رقم (2035) وقال: هذا حديث حسن جيد غريب لا نعرفه من حديث أسامة إلا من هذا الوجه. وهو حديث صحيح، والله أعلم.
وأخرجه أيضًا من حديثه الطبراني في الصغير (1) مختصرا بلفظ: " إذا قال الرجل: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء ".
وأخرج أحمد (2). بإسناد رجاله ثقات من حديث الأشعث بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن أشكر الناس لله تبارك وتعالى أشكرهم للناس ".
وفي رواية لأحمد (3) أيضا: " لا يشكر الله من لا يشكر الناس ".
وأخرج أحمد (4) أيضًا بإسناد رجاله ثقات - إلا صالح بن أبي الأخضر، وهو مع
(1)(2/ 291 رقم 1184 الروض الداني) من حديث أبي هريرة.
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 182) وقال: رواه الطبراني في الصغير وفيه موسى بن عبيدة الزيدي، وهو ضعيف.
وأخرج الطبراني في " الصغير "(2/ 291 رقم 1183) عن أسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء ".
وفي إسناده عبد المنعم بن نعيم وهو متروك. ومن طريقه البيهقي في " الشعب "(6/ 516 رقم 9118).
وهو حديث ضعيف جدا. قاله الألباني في " ضعيف الترغيب "(1/ 288 رقم 571/ 3).
(2)
في " المسند "(5/ 212).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 180) وقال: رواه أحمد والطبراني. ورجال أحمد ثقات.
قلت: وفي سنده عبد الرحمن بن عدي الكندي تفرد بالرواية عنه عبد الله بن شريك العامري، وقال الحافظ في " التقريب " رقم (3949): مجهول.
والخلاصة أن الحديث صحيح لغيره.
(3)
في " المسند "(5/ 211) في سنده انقطاع.
وهو حديث صحيح لغيره.
(4)
في " المسند "(6/ 90).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 181) وقال: رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " رقم (2484) وفيه صالح بن أبي الأخضر، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجال أحمد ثقات.
وهو حديث حسن لغيره.
ضعفه ممن يعتبر به - من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من أتي إليه معروف فليكافئ به، ومن لم يستطع فليذكره فإن من ذكره فقد شكره، ومن تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور ".
وأخرج أبو داود (1)، والترمذي (2) وصححه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" لا يشكر الله من لا يشكر الناس ".
وقد روي هذا الحديث برفع (الله) ورفع (الناس)، وبنصبهما، وبرفع الأول وبنصب الثاني، وبالعكس (3).
وأخرج الطبراني (4) من حديث طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من أولي معروفا فليذكره، فمن ذكره فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره ".
وأخرجه ابن أبي الدنيا (5) من حديث عائشة.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (6) بإسناد لا بأس به، وابن أبي .....................
(1) في " السنن " رقم (4811).
(2)
في " السنن " رقم (1954) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(3)
قاله الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب "(1/ 733).
(4)
في " الكبير " رقم (211).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 181) وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه.
وهو حديث حسن لغيره.
(5)
في " قضاء الحوائج " رقم (79).
وهو حديث حسن لغيره.
(6)
(4/ 375).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(8/ 182) وقال: رواه عبد الله، وأبو عبد الرحمن راويه عن الشعبي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات
قلت: أبو عبد الرحمن هو القاسم بن الوليد وهو ثقة.
الدنيا (1) من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، ومن تركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب ".
وأخرج أبو داود (2) والنسائي (3) واللفظ له من حديث أنس قال: قالت المهاجرون: يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا قوما أحسن بذلا لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة! قال:" أليس تثنون عليهم به، وتدعون لهم؟ " قالوا: بلى. قال: " فذاك بذاك ".
وقد ورد ما يدل على قبول العطية من بعض العباد لبعض.
فأخرج أحمد (4) بإسناد رجاله ثقات، والبيهقي (5)، من حديث المطلب بن عبد الله بن
(1) في " قضاء الحوائج " رقم (78).
قال الألباني في " صحيح الترغيب "(1/ 573): هذا يشعر بأن الإمام أحمد نفسه لم يروه، وليس كذلك، فقد أخرجه في موضعين من مسنده (4/ 278، 375) وفي الموضعين رواه ابنه أيضا.
ثم قال: ومن عجائب الهيثمي أنه عزا الحديث لعبد الله بن أحمد دون أبيه، وبزيادة منكرة وقد تكلمت عليها في " الضعيفة " رقم (4854).
(2)
في " السنن " رقم (4812).
(3)
في " عمل اليوم والليلة " رقم (181).
وأخرجه أحمد (3/ 200 - 204) والترمذي في " السنن " رقم (2487). وقال: حديث صحيح حسن غريب.
وهو حديث صحيح.
(4)
في " المسند "(6/ 77، 259).
(5)
في " السنن الكبرى "(6/ 184).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(3/ 100) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن المطلب بن عبد الله مدلس، واختلف في سماعه من عائشة.
* المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي، صدوق، كثير التدليس والإرسال، روى له الأربعة، والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام.
" التقريب " رقم (6710).
حنطب: أن عبد الله بن عامر بعث إلى عائشة بنفقة وكسوة، فقالت للرسول: أي بني لا أقبل من أحد شيئا! فلما خرج الرسول قالت: ردوه علي، قالت: إني ذكرت شيئا، قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" يا عائشة، من أعطاك عطاء بغير مسألة فاقبليه، فإنما هو رزق عرضه الله إليك ".
وأخرج أبو يعلى (1) بإسناد لا بأس به من حديث عمر بن الخطاب قال: قلت: يا رسول الله، قد قلت لي أن خيرا لك أن لا تسأل أحدا من الناس شيئا! قال:" إنما ذاك أن تسأل، وما آتاك الله من غير مسألة، فإنما هو رزق رزقكه الله عز وجل ".
وأخرج أحمد (2) بإسناد صحيح، وأبو يعلى (3)، والطبراني (4)، وابن حبان (5) في صحيحه والحاكم (6) وصححه من حديث خالد بن عدي الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من بلغه عن أخيه معروف من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه ".
وأخرج أحمد (7) بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث أبي هريرة قال: [قال
(1) في المسند رقم (28/ 167) بسند صحيح.
وأورده الهيثمي في " المجمع "(3/ 100) وقال: هو في الصحيح باختصار، ورواه أبو يعلى، ورجاله موثقون.
وهو حديث صحيح لغيره.
(2)
في " المسند "(4/ 221).
(3)
في " مسنده رقم (925).
(4)
في " الكبير " رقم (4124).
(5)
رقم (3404، 5108).
(6)
في " المستدرك "(2/ 162) وهو حديث صحيح.
(7)
في " المسند "(2/ 292). وهو حديث صحيح.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] (1): " من آتاه الله شيئا من هذا المال من غير أن يسأله فليقبله فإنما هو رزق ساقه الله إليه ".
وأخرج الطبراني في الكبير (2) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا ".
وأخرجه (3) أيضًا من حديث أنس.
وهذا باعتبار العطايا من بعض العباد لبعض.
وأما العطايا من أموال الله من سلطان أو غيره، ففي الصحيحين (4) وغيرهما (5) من حديث ابن عمر أن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر مني إليه فقال: " خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموله، فإن شئت فكله، وإن شئت تصدق به، وما لا فلا تتبعه نفسك ".
وأخرج أحمد (6) بإسناد جيد، والطبراني (7) والبيهقي (8)، عن عائذ ابن ............................
(1) زيادة من مسند أحمد.
(2)
في " الكبير " رقم (13560) وأورده الهيثمي في " المجمع "(3/ 101) وقال: رواه الطبراني في " الكبير " وفيه مصعب بن سعيد وهو ضعيف.
وهو حديث ضعيف.
(3)
الطبراني في " الأوسط " رقم (8235).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(3/ 101) وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عائذ بن سريج وهو ضعيف.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7164) ومسلم في صحيحه رقم (1045).
(5)
كالنسائي (5/ 105)، وأبو داود رقم (1671).
(6)
في " المسند "(5/ 65).
(7)
في " المعجم الكبير "(18/ 19 رقم 30).
(8)
في " الشعب " رقم (3554).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(3/ 101) وقال: رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، ورجال أحمد رجال الصحيح. وهو حديث صحيح.
عمر (1)! عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من عرض له من هذا الرزق شيء من غير مسألة ولا إشراف فليتوسع به في رزقه، فإن كان غنيا فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه ".
قوله: " يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم ".
هذه العبارة الرحمانية، والكلام الصمداني، تشمل كل فرد من أفراد العباد، لما قدمنا من أن إضافة العباد إلى ضمير الرب سبحانه يفيد العموم، ويزداد ذلك تأكيدا بقوله:" كلكم " ثم بالاستثناء المشعر بعموم المستثنى منه، فالمعنى كل فرد من أفرادكم عار عن اللباس إلا من كسوته.
ثم طلب عز وجل منهم أن يطلبوا منه أن يكسوهم فقال: " استكسوني "، ثم أخبرهم بأنه يجيب هذا الطلب الواقع منهم فقال:" أكسكم ".
ومن أمعن النظر في هذه الفواصل المذكورة في هذا الحديث علم ما عند الرب سبحانه من الرحمة لعباده ومزيد اللطف بهم، فإنه بين لهم ما بهم من مزيد الحاجة إلى عطائه الجم وتفضله العم في أعظم ما تدعوهم الحاجة إليه وهو الطعام الذي لا يعيشون بدونه، وأمرهم أن يطلبوه منه، وتكفل لهم بالإجابة وإعطائهم ما يطلبونه، ثم ذكر لهم ما لا بد لهم منه من ستر أبدانهم بالكسوة التي لولا وجودها لهم لانكشفت عوراتهم وأضر بهم البرد، وأنه الكاسي لهم والمتفضل بذلك عليهم، ثم أمرهم تفضلا منه لهم ولطفا بهم أن يطلبوا ذلك منه، ووعدهم بالإجابة لدعوتهم والتفضل منه لهم لحاجتهم، وهذا بعد أن نهاهم عن التظالم في ذات بينهم، بعد أن أخبرهم أنه حرم الظلم على نفسه؛ ليقتدوا به عز وجل في تجنب هذه الخصلة القبيحة التي تفسد معايشهم؛ وتبطل بها أحوالهم
(1) كذا في المخطوط، والصواب (عمرو) كما في مصادر الحديث.
وأموالهم التي لا قوم لهم إلا بها، وبعد أن أخبرهم أنهم كلهم على الضلال إلا من هداه منهم، ثم أمرهم بأن يسألوه الهداية لأنها عماد الدين ومعيار الفلاح فسبحان الله وبحمده ما أبلغ هذا الكلام وأعلى طبقته وأرفع منزلته، انظر كيف قدم لهم أن يتجنبوا ما يفسد به أمور معاشهم وحال حياتهم، ثم أرشدهم في أمور دينهم إلى أن يطلبوا منه الهداية، ثم ذكر لهم ما هو أهم أمور الحياة وأعظم مهمات المعاش، ثم أرشدهم إلى أن يطلبوا ذلك منه ليتفضل به عليهم ويوصله إليهم، فهل بعد هذه الرحمة البالغة والتفضل العظيم؟ وأن يلبسوا من الثياب ما أحله لهم ورغبهم في لبسه.
كما أخرجه الترمذي (1) وصححه، والنسائي (2)، وابن ماجه (3)، والحاكم (4) وصححه من حديث سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " البسوا البياض فإنها أطيب وأطهر، وكفنوا فيها موتاكم ".
وأخرج أبو داود (5)، والترمذي (6) وصححه، وابن حبان في صحيحه (7) من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم ".
وأن يتجنبوا منها ما حرمه الله عليهم، ففي الصحيحين (8) ................................
(1) في " السنن " رقم (2810).
(2)
في " السنن "(4/ 34).
(3)
في " السنن " رقم (3567).
(4)
في " المستدرك "(4/ 185) وصححه ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(5)
في " السنن " رقم (3878).
(6)
في " السنن " رقم (994).
(7)
في صحيحه رقم (5399).
وهو حديث صحيح.
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5833) ومسلم رقم (11/ 2069).
وغيرهما (1) من حديث عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ".
وفي الصحيحين (2) أيضًا من حديثه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إنما يلبس الحرير من لا خلاق له ".
وفي الصحيحين (3) أيضًا من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ".
وفي الصحيحين (4) أيضًا من حديث عقبة بن عامر قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له ثم قال: " لا ينبغي هذا للمتقين ".
وأخرج البخاري (5) من حديث عقبة بن عامر (6) أنه صلى الله عليه وآله وسلم: " نهى عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه ".
والأحاديث في المنع من لبس الحرير كثيرة (7).
وفي الصحيحين (8)، وغيرهما (9) من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" من جر ثوبه خيلاء لم ينظر إليه يوم القيامة "، فقال أبو بكر الصديق: يا
(1) كالترمذي رقم (2817) والنسائي (8/ 200).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6081) ومسلم رقم (3591) وقد تقدم.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5832) ومسلم رقم (2073) وقد تقدم.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5801) ومسلم رقم (2075).
(5)
في صحيحه رقم (5837).
(6)
كذا في المخطوط. والصواب عن حذيفة رضي الله عنه.
(7)
انظر الرسالة رقم (136، 138).
(8)
أخرجه البخاري رقم (5784) ومسلم رقم (2085).
(9)
كأبي داود رقم (4085) والنسائي (8/ 208).
رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده! فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إنك لست ممن يفعل خيلاء ".
وفي الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديثه أيضًا قال: " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء ".
وفي الصحيحين (3) وغيرهما (4) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا ".
وأخرج أبو داود (5)، والنسائي (6)، وابن ماجه (7)، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ".
وأخرج البخاري (8) وغيره (9) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار ".
وأخرج أبو داود (10) والنسائي (11)، .....................................
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5783) ومسلم رقم (2085).
(2)
كابن ماجه رقم (3569) ومالك في " الموطأ "(2/ 914) والترمذي رقم (1730).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5788) ومسلم رقم (2087).
(4)
كمالك (2/ 914) وابن ماجه رقم (3571).
(5)
في " السنن " رقم (4094).
(6)
في " السنن "(8/ 208).
(7)
في " السنن " رقم (3576).
وهو حديث صحيح.
(8)
في صحيحه رقم (5887).
(9)
كالنسائي (8/ 207).
(10)
في " السنن " رقم (4098).
(11)
في " عشرة النساء " رقم (371).
وابن ماجه (1)، وابن حبان في صحيحه (2)، والحاكم (3) وصححه من حديث أبي هريرة قال:" لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ".
وأخرج البخاري (4)، وأهل السنن الأربع (5) من حديث ابن عباس قال:" لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ".
وفي الباب أحاديث.
قوله: " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم ".
قال النووي (6) الرواية المشهورة: " تخطئون " بضم التاء، وروي بفتحها وفتح الطاء، خطأ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطئ، ومنه قوله تعالى:{اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} (7)، ويقال في الإثم أيضا: أخطأ. فهما صحيحان. انتهى.
ويؤيد هذا ما حكاه ابن القطاع في كتاب الأفعال (8) عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: يقال خطئ وأخطأ بمعنى واحد.
(1) في " السنن "(1903).
(2)
في صحيحه رقم (5722).
(3)
في " المستدرك "(4/ 194). وهو حديث صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (5885).
(5)
أبو داود رقم (4097)، والترمذي رقم (2784) والنسائي في عشرة النساء رقم (369) وابن ماجه رقم (1904).
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (16/ 133 - 134).
(7)
[يوسف:97].
(8)
(1/ 317).
وقال غيره: خطئ في الدين، وأخطأ في كل شيء عامدا [أو غير عامد](1).
وقيل: خطئ خطأ: تعمد الذنب، وأخطأ أصاب الذنب على غير عمد [هذا الأعم](2)، وفي لغة أخرى: بمعنى واحد [في غيره العمد](3).
وقد قدمنا أن هذه العبارة الربانية تفيد العموم من جهات.
لما أرشد سبحانه عباده إلى ما فيه نظام معاشهم مما يحتاجون إليه من الطعام والثياب وأخبرهم أنه الكاسي لهم، وأمرهم بأن يطلبوا منه أن يطعمهم ويكسوهم، ووعدهم بالإجابة.
أرشدهم عز وجل إلى ما فيه نظام دينهم وآخرتهم، فأخبرهم بأنهم يخطئون بالليل والنهار لما في طباعهم من الميل إلى الشهوات، وبشرهم بأنه يغفر لهم الذنوب جميعا، ويا لها من بشارة لا يعادل قدرها ولا يسر بمثلها، فإنه إذا غفر لهم جميع الذنوب نجوا من النار ودخلوا الجنة، وهذا هو الإفضال، هذا العطاء الفياض، هذا الجود، هذا الكرم.
وقد بشر سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بمثل هذه البشارة الواردة إلينا على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: {يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (4).
وقال سبحانه: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (5).
(1) زيادة من المصدر السابق (كتاب الأفعال).
(2)
زيادة من المصدر السابق (كتاب الأفعال).
(3)
زيادة من المصدر السابق (كتاب الأفعال).
(4)
[الزمر:53].
(5)
[النساء:110].
(6)
[آل عمران:135].
وقال عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (1).
وقد ثبت في السنة المطهرة من الإرشاد إلى الاستغفار وأنه يمحو الذنوب الكثير الطيب فمن ذلك ما أخرجه مسلم (2) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم "(3).
فانظر ما يفيد هذا الحديث من التخصيص على الاستغفار المتسبب عن الذنوب، وذلك لأن بني آدم من شأنهم أن تكثر منهم الذنوب، لما جبلوا عليه من الميل إلى الشهوات، وأن من حاول منهم أن لا يقع منه ذنب البتة فقد حاول ما لا يكون، لأن العصمة لا تكون إلا للأنبياء، فلو راموا أنهم لا يذنبون أصلا راموا ما ليس لهم!.
وأخرج أحمد (4) وأبو يعلى (5) بإسناد رجاله ثقات من حديث أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم ".
وأخرج أحمد (6) والطبراني (7) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
(1)[الأنفال: 33].
(2)
في صحيحه رقم (2749).
(3)
انظر الرسالة رقم (194، 195) من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
(4)
في " المسند "(3/ 238).
(5)
في مسنده رقم (4226).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 215) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات.
وهو حديث صحيح لغيره.
(6)
في " المسند "(1/ 289).
(7)
في " الكبير " رقم (12795) وفي " الأوسط "(5072).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 215) وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار قوله: " كفارة الذنب في " الكبير " و" الأوسط "، والبزار، وفيه يحيى بن عمرو بن مالك النكري، وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات ".
انظر: " الميزان "(3/ 286) و" الثقات "(8/ 487).
وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
وسلم: " كفارة الذنب الندامة، لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم ".
وأخرج الطبراني في الكبير (1) والوسط (2) من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لو لم تذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون ثم يغفر لهم ".
وأخرجه أيضًا البزار (3)، ورجالهم ثقات.
وأخرجه أيضًا البزار (4) من حديث أبي سعيد نحو حديث أبي هريرة المتقدم، وفي إسناده: يحيى بن كثير وهو ضعيف (5)!.
وأخرج الطبراني في الأوسط (6) بإسناد رجاله ثقات من حديث الزبير أن رسول الله
(1) عزاه إليه الهيثمي في " المجمع "(10/ 215).
(2)
رقم (2376) و (5073) وقال الهيثمي في " المجمع "(10/ 215): "
…
رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، وقال في " الأوسط ": لخلق الله خلقا يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم وهو الغفور الرحيم " رواه البزار بنحو " الأوسط " محالا على موقوف عبد الله بن عمرو، ورجالهم ثقات وفي بعضهم خلاف.
(3)
في " المسند "(4/ 82 رقم 3247 - كشف).
(4)
في مسنده (4/ 82 رقم 3251 - كشف).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 215) وقال: رواه البزار وفيه يحيى بن كثير البصري. وهو ضعيف.
(5)
انظر " التقريب "(رقم الترجمة 595).
(6)
رقم (839) وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 208) وقال: رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات.
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار ".
وأخرجه أيضًا البيهقي (1) بإسناد لا بأس به.
وأخرج البزار (2) من حديث أنس بإسناد رجاله رجال الصحيح - إلا تمام بن نجيح وقد وثقه ابن معين، وضعفه البخاري، وغيره - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما من حافظين يرفعان إلى الله في يوم فيرى تبارك وتعالى في أول الصحيفة [وفي آخرها] (3) استغفارا إلا قال تبارك وتعالى: قد غفرت لعبدي [ما بين طرفي الصحيفة] (4) ".
وأخرج الترمذي (5) وحسنه، والنسائي (6)، من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" من استغفر الله غفر له ".
وأخرج الترمذي (7)، والنسائي (8)، وابن ماجه (9)، وابن حبان في صحيحه (10)،
(1) في " الشعب " رقم (648).
(2)
في " مسنده "(4/ 83 رقم 3252 - كشف).
قال البزار: لا نعلم رواه عن الحسن عن أنس إلا تمام، وهو صالح، ولم يرو هذا الحديث غيره، ولم يتابع عليه، تفرد به أنس.
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 208) وقال: رواه البزار. وفيه تمام بن نجيح وثقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
انظر: " الميزان "(1/ 359) و" الضعفاء والمتروكين " للنسائي رقم (94).
(3)
زيادة من مصدر الحديث.
(4)
زيادة من مصدر الحديث.
(5)
في " السنن " رقم (3470) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(6)
لم أجده في " المجتبى، ولا الكبرى، ولا عمل اليوم والليلة " وهو حديث ضعيف جدا.
(7)
في " السنن " رقم (3334).
(8)
في " عمل اليوم والليلة " رقم (418).
(9)
في " السنن " رقم (4244).
(10)
في صحيحه رقم (926).
والحاكم (1) وصححه من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر صقلت، فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2) ".
وأخرج الحاكم (3) وصححه من حديث أم عصمة العوصية (4) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما من مسلم يعمل ذنبا إلا وقف الملك ثلاث ساعات فإن استغفر من ذنبه لم يوقفه عليه ولم يعذبه به يوم القيامة ".
وأخرجه من حديثها أيضًا الطبراني في الكبير (5)، وفي إسناده أبو مهدي: سعيد بن سنان، وهو متروك!.
وأخرج الطبراني (6) من حديث أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو
(1) في " المستدرك "(2/ 517) وصححه ووافقه الذهبي.
(2)
[المطففين:14].
وهو حديث حسن.
(3)
في " المستدرك "(4/ 262) وصححه ووافقه الذهبي.
قلت: فيه سعيد بن سنان أبو مهدي الحمصي: متروك.
وهو حديث ضعيف جدا.
(4)
العوصية: بمهملتين، نسبة إلى بني عوص، بفتح أوله وسكون ثانيه، ابن عوف بن عذرة، وهي صحابية.
" الإصابة " رقم (12169)، " أسد الغابة " رقم (7539).
(5)
في " الأوسط " رقم (17).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 208) وقال: رواه الطبراني وفيه أبو مهدي سعيد بن سنان وهو متروك.
(6)
في " الكبير " رقم (7765).
المسيء فإن ندم واستغفر منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة ".
قال في مجمع الزوائد (1) رواه الطبراني (2) بأسانيد، ورجال أحدها وثقوا.
وأخرج الطبراني (3) أيضًا من حديثه من وجه آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " صاحب اليمين أمين على صاحب الشمال، فإذا عمل حسنة أثبتها وإذا عمل سيئة قال له صاحب اليمين: امكث ست ساعات، فإن استغفر لم تكتب وإلا ثبتت عليه ". قال في مجمع الزوائد (4) رجاله وثقوا.
وأخرجه (5) أيضًا من وجه ثالث من حديثه بنحوه وفي إسناده: جعفر بن الزبير (6) وهو كذاب.
وأخرج أحمد (7)، وأبو يعلى (8)، والطبراني (9) من حديث أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إن إبليس قال لربه عز وجل: وعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال الله عز وجل: فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني ". قال في مجمع الزوائد (10) وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، وكذلك أحد إسنادي أبي يعلى، وأخرجه أيضا .........
(1) في (10/ 208).
(2)
في " الكبير " رقم (7765).
(3)
في " الكبير " رقم (7787).
(4)
في " المجمع "(10/ 208).
(5)
انظر " المجمع "(10/ 208).
(6)
جعفر بن الزبير الحنفي أبو الباهلي، الدمشقي، نزيل البصرة، متروك الحديث.
" التقريب " رقم (939).
(7)
في " المسند "(3/ 29، 41، 76).
(8)
في " المسند "(1399).
(9)
في " الأوسط " رقم (8783).
(10)
في " المجمع "(10/ 207).
الحاكم (1) وقال: صحيح الإسناد.
وأخرج أبو داود (2)، والنسائي (3)، وابن ماجه (4)، والحاكم (5) والبيهقي (6) من حديث عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ".
وأخرج ابن ماجه (7) بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن بسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا ".
وأخرج الطبراني في الأوسط (8) والكبير (9) من حديث عقبة بن عامر: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أحدنا يذنب؟ قال: " تكتب عليه " قال: ثم يستغفر؟ قال: " يغفر له ويتاب عليه، ولا يمل الله حتى تملوا ".
قال في مجمع الزوائد (10) وإسناده حسن.
(1) في " المستدرك "(4/ 261) وصححه ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن.
(2)
في " السنن " رقم (1518).
(3)
في " عمل اليوم والليلة " رقم (456).
(4)
في " السنن " رقم (3819).
(5)
في " المستدرك "(4/ 262) وصححه وتعقبه الذهبي بقوله: الحكم فيه جهالة أي الحكم بن مصعب. قال الحافظ في " التقريب " رقم (502): مجهول.
(6)
في " الشعب " رقم (645).
وهو حديث ضعيف.
(7)
في " السنن " رقم (3818). وهو حديث صحيح.
(8)
رقم (791).
(9)
رقم (8689).
(10)
(10/ 200). وقال: رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " وإسناده حسن.
وأخرج الترمذي (1) وحسنه من حديث أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " قال الله عز وجل: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ".
وأخرج أبو داود (2)، والترمذي (3) وابن أبي شيبة (4) وابن حبان (5) من حديث بلال بن يسار بن زيد قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف ".
قال الترمذي (6) غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال المنذري (7) إسناد جيد متصل، فقد ذكر البخاري في تاريخه (8) أن بلالا سمع من أبيه يسارا وأن يسارا سمع من أبيه زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأخرجه الترمذي (9) من حديث أبي سعيد، وقال فيه:" ثلاث مرات ".
(1) في " السنن " رقم (3540) وقال: هذا حديث حسن غريب.
وهو حديث حسن لغيره.
(2)
في " السنن " رقم (1517).
(3)
في " السنن " رقم (3577). وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(4)
في " المصنف "(7/ 71).
(5)
لم أجده.
(6)
في " السنن "(5/ 569).
(7)
في " الترغيب والترهيب "(2/ 468).
(8)
(2/ 108).
(9)
في " السنن " رقم (3575) من حديث أبي سعيد البراد، عن معاذ بن عبد الله بن حبيب، عن أبيه، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وأبو سعيد البراد: هو أسيد بن أبي أسيد.
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (5082) والنسائي رقم (5428، 5429) وهو حديث حسن.
وأخرجه الحاكم (1) من حديث ابن مسعود بهذه الزيادة (2)، قال: صحيح.
وأخرجه الطبراني (3) من حديث ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات.
وأخرجه أبو داود (4) والترمذي (5) وحسنه والنسائي (6) وابن ماجه (7) وابن حبان في صحيحه (8) من حديث أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " ما من عبد يذنب فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له "، ثم قرأ هذه الآية:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} (9) إلخ.
وأخرج البخاري (10) وغيره من حديث .....................................
(1) في " المستدرك "(1/ 511) وقال: صحيح على شرطهما.
(2)
أي " يقولها ثلاثا ".
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(3)
في " الكبير " رقم (8541).
وأورده الهيثمي في " المجمع "(10/ 210) وقال: رواه الطبراني موقوفا ورجاله وثقوا.
(4)
في " السنن " رقم (1521).
(5)
في " السنن " رقم (406) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(6)
في " عمل اليوم والليلة " رقم (417).
(7)
في " السنن " رقم (1395).
(8)
في صحيحه رقم (623).
(9)
[آل عمران:135].
وهو حديث صحيح.
(10)
في صحيحه رقم (6323) عن شداد بن أوس قال: " سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بك من شر ما صنعت ".
[شداد بن أوس](1) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " سيد الاستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بك من شر ما صنعت ".
ولفظ أبي داود (2) والنسائي (3) وابن السني (4) من حديثه بلفظ: " سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ".
وأخرجه بهذا اللفظ البخاري (5) في موضع آخر، وأحمد في المسند (6).
وإنما سمي سيد الاستغفار:
1 -
لجمعه لمعاني التوبة كلها، استعير له اسم السيد، وهو في الأصل للرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في المهمات (7).
2 -
وأيضا فيه الإقرار لله سبحانه بالألوهية والعبودية.
3 -
والاعتراف بأنه الخالق.
4 -
والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه.
(1) في المخطوط أوس بن أوس. والصواب ما أثبتناه من مصدر الحديث.
(2)
في " السنن " رقم (5070).
(3)
في " السنن الكبرى "(8/ 279).
(4)
في " عمل اليوم والليلة " رقم (372).
(5)
في صحيحه رقم (6306).
(6)
في " المسند "(4/ 122، 125).
(7)
قاله الطيبي كما في " فتح الباري "(11/ 99).
5 -
والرجاء بما وعد.
6 -
والاستعاذة مما جنى على نفسه.
7 -
وإضافة النعم إلى موجدها.
8 -
وإضافة الذنب إلى نفسه.
9 -
ورغبته في المغفرة.
10 -
واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو (1).
(1) قاله ابن أبي حمزة كما في " فتح الباري "(11/ 100).
[تنزيه الله سبحانه وتعالى]
قوله: " يا عبادي إنكم لم تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ".
لما ذكر سبحانه وتعالى ما أنعم به على عباده من أمور الدنيا والآخرة وأرشدهم إليه من مصالح الدين والدنيا، أبان لهم هاهنا أنه لم يفعل ذلك لمصلحة ترجع إليه منهم، ولا لفائدة يوصلونها إليه، لأنهم أحقر وأقل من أن يستطيعوا ذلك، أو يبلغوا إليه بوجه من الوجوه.
ولهذا قال: " إنكم لن تبلغوا ضري "، أي: ليس لكم من القدرة ما تطيقون أن تبلغوا به ذلك، فإني الخالق لما فيكم من القوة والقدرة، والموجد لها فيكم، والمتفضل بها عليكم، فكيف تبلغون إلي ذلك المبلغ الذي أنتم أعجز من أن تصلوا إلى شيء منه، وأقل من أن تبلغوا ما هو دونه.
وصدق الله عز وجل فإن العبد غاية ما يتمكن منه ويصل إليه أن يعصي الله تعالى وتقدس، وهو إنما يضر بذلك نفسه، ويوردها في موارد الخسران، ويقودها إلى العذاب الأليم، والبلاء المقيم، ويتعرض لانتقام منه وحلول سخطه عليه، فيجمع له بين عذاب الدنيا والآخرة، فلا دنياه أبقى، ولا آخرته رجا، فكان كما قلت:
إن أشقى الناس في الناس فتى
…
بين ترك الدين والدنيا جمع
صار كالمنبت في الأسفار لا
…
ظهره أبقى ولا أرضا قطع
وعلى فرض أن الله سبحانه يمهله ويستدرجه من حيث لا يعلم، ويخلي بينه وبين عصيانه وطغيانه، فمن ورائه نار جهنم، فقد باع الحياة الدنيا الأبدية والنعيم المقيم بعاجل لذة زائلة ونعمة ذاهبة، واستبدل بها عذاب الأبد وشقاء الدهر الذي لا ينفد ولا ينقطع.
وهكذا من كان من العباد مطيعا لله عز وجل، قائما بما أوجبه عليه من الواجبات البدنية والمالية، متصدقا بماله متقربا إلى الله بما خوله من النعم وأعطاه من البر، فهو لم
ينفع بذلك إلا نفسه، وربح الفوز بالنعيم الأبدي والسلامة من العذاب الأخروي، ومع ذلك قد يكون ما فعله من الخير سببا لحراسة ما تفضل الله به عليه في الدنيا عن الزوال، فإن إعمال الخير لا سيما بذل المال للمحاويج؛ من أعظم أنواع الشكر الذي وعد الله عباده إن فعلوه بالمزيد فقال:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (1) فهذا قد نفع نفسه في دنياه وأخراه، كما ضر الأول نفسه في عاجلته وآجلته وكلاهما لم يجاوز ضر نفسه ولا نفع نفسه، وذلك غاية قدرته ونهاية استطاعته فسبحان الله العظيم، ما ألطفه وأرأفه بعباده، حتى بلغ معهم في التعليم والإرشاد إلى هذه الغاية، لدفع ما لعله يقع في خواطر الصم البكم الذين هم أشبه بالدواب وإن كانوا في مسلاخ إنسان وجسم بني آدم كما وقع من اللعين حيث قال:{يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} (2).
فسبحان الصبور على مثل هذه الحماقات من هؤلاء الذين هم كالأنعام؛ بل هم أضل سبيلا.
قوله: " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ".
لما ذكر الله سبحانه أن عباده لا يبلغون ضره ولا يبلغون نفعه، وكانت عقولهم القاصرة محتاجة إلى مزيد تصريح وتأكيد وطرف من الإيضاح والمبالغة، أخبرهم سبحانه بأن انتفاء ذلك الضر والنفع الذي نفى عوده إلى حضرته المقدسة وجنابه الأعز الأجل، ليس هو باعتبار نوع من أنواع العالم، أو باعتبار أهل عصر من العصور، بل لو اجتمع أول الثقلين وآخرهم، وكانوا على غاية من الصلاح والانقياد والطاعة والتقوى، بل لو
(1)[إبراهيم:7].
(2)
[غافر:36].
كانوا على حالة أعلى من هذه الغاية، ومنزلة أرفع من هذه المنزلة، وهي أن يكونوا كالفرد الكامل منهم والرجل كل الرجل في جماعتهم، وهو من ملئ قلبه من التقوى حتى صار أتقى الثقلين الإنس والجن بعد اجتماع أولهم وآخرهم، ولا يخفاك أن أتقى الثقلين عن اجتماعهم المعروض الشامل لأولهم وآخرهم هم الأنبياء عليهم السلام، وأتقى الأنبياء هو سيد ولد آدم الأنبياء وغيرهم، وهو نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فانظر هذه المبالغة البليغة والكلام الفائق.
وقوله: " واحد " للتأكيد كما يقتضيه مقام المبالغة مثل قوله سبحانه: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} ومثل قوله: {دَكَّةً وَاحِدَةً} (1) ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لأولى رجل ذكر "(2).
ثم لما فرغ سبحانه من المبالغة في جانب دفع النفع، ذكر المبالغة في جانب دفع الضرر فقال:" يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ".
وفيه مثل ما تقدم من المبالغة البليغة والكلام الجاري على أكمل نظام وأتم أسلوب.
وهذا القلب الذي هو أفجر قلوب الثقلين عند الاجتماع المفروض، قد يكون قلب إبليس أو أحد مردة الجن، وقد يكون قلب بعض جبابرة الإنس كفرعون والنمرود ولا يعلم ذلك إلا علام الغيوب.
والمقصود من هذا أن عبادة العابدين، وتقوى المتقين، وزهد الزاهدين، إنما ينتفع بها فاعلها فقط، ومعصية العاصين، وتهتك المتهتكين، وكفر الكافرين، ونفاق المنافقين، إنما تضر فاعلها، وليس إلى الله عز وجل ولا عليه تبارك وتعالى من ذلك شيء.
فإن قلت: قد ثبت في ....................................
(1)[الحاقة:14].
(2)
أخرجه البخاري رقم (6732) ومسلم رقم (1615) وقد تقدم.
الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم!، والذي نفس محمد بيده؛ لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه ".
قلت: قد أجاب أهل العلم عن معنى قوله عز وجل: " الصوم لي وأنا أجزي به " بأجوبة كثيرة منها ما أجاب سفيان بن عيينة فقال (3)
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1904) ومسلم رقم (3) وقد تقدم.
(2)
كأبي داود رقم (2363) والنسائي (4/ 163) وابن ماجه رقم (1638).
(3)
ذكره الحافظ في " الفتح "(4/ 107).
قال القرطبي في " المفهم "(3/ 212 - 213) قوله: " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي " اختلف في معنى هذا على أقوال:
1 -
أن أعمال بني آدم يمكن الرياء فيها، فيكون لهم، إلا الصيام فإنه لا يمكن فيه إلا الإخلاص، لأن حال الممسك شبعا كحال الممسك تقربا، وارتضاه المازري.
2 -
أن أعمال بني آدم كلها لهم فيها حظ إلا الصيام فإنهم لا حظ لهم فيه. قاله الخطابي.
3 -
أن أعمالهم هي أوصافهم، ومناسبة لأحوالهم إلا الصيام، فإنه استغناء عن الطعام، وذلك من خواص أوصاف الحق سبحانه وتعالى.
4 -
أن أعمالهم مضافة إليهم إلا الصيام فإن الله تعالى أضافه إلى نفسه تشريفا كما قال: " بيتي وعبادي ".
5 -
أن أعمالهم يقتص منها يوم القيامة فيما عليهم إلا الصيام فإنه لله تعالى ليس لأحد من أصحاب الحقوق أن يأخذ منه شيئا. قال ابن العربي.
وقد كنت استحسنته إلى أن فكرت في حديث المقاصة فوجدت فيه ذكر الصوم في جملة الأعمال المذكورة للأخذ منها. فإنه قال فيه: " هل تدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار ".
- أخرجه مسلم رقم (2581) وأحمد (2/ 303) - وهذا يدل على أن الصوم يؤخذ كسائر الأعمال.
6 -
أن الأعمال كلها ظاهرة للملائكة، فتكتبها إلا الصوم، وإنما هو نية وإمساك فالله تعالى يعلمه، ويتولى جزاءه. قاله أبو عبيد.
7 -
أن الأعمال قد كشفت لبني آدم مقادير ثوابها وتضعيفها إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير، ويشهد لهذا مساق الرواية الأخرى التي فيها:" كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " يعني: - والله تعالى أعلم - أنه يجازي عليه جزاء كثيرا من غير أن يعين مقداره، ولا تضعيفه، وهذا كما قال الله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] وهم الصائمون في أكثر أقوال المفسرين. وهذا ظاهر قول الحسن، غير أنه قد تقدم ويأتي في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة، وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام رمضان صيام الدهر. وهذه النصوص في إظهار التضعيف، فبعد هذا الوجه بل بطل. والأولى حمل الحديث على أحد الأوجه الخمسة المتقدمة.
انظر: " فتح الباري "(4/ 108 - 109).
1 -
معناه إذا كان يوم القيامة، يحاسب الله عز وجل عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة.
2 -
وقيل: إن الصيام لما كان هو الإمساك عن الطعام، وهذا الإمساك ليس من الأفعال التي تظهر للناس، فكان الصيام مما لا يدخله الرياء، لأن الرياء لا يكون إلا بأفعال تظهر للناس مثل الصلاة والصدقة ونحوهما، ومثل غير ذلك.
والظاهر أنه لا حاجة إلى جميع ما ذكروه فقد صرح في هذا الحديث نفسه بما يرشد إلى ما هو المراد.
ففي ............................................................
البخاري (1) وغيره (2) ما لفظه: " يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصوم لي وأنا أجزي به " فهذا قد أفاد أنه لما ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل ربه عز وجل، كان الصوم له أي: لأجله من غير نفع له في ذلك، بل كان النفع للصائم لما ترك طعامه وشرابه وشهوته لأجل ربه، لأن ذلك هو الإخلاص الذي أمر الله به عباده بقوله:{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (3).
فليس بين هذا الحديث القدسي الذي نحن بصدد شرحه، وبين الحديث القدسي الذي في الصيام تعارض، فافهم هذا.
فإن قلت: قد ثبت في صحيح مسلم (4) من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ليس أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله تعالى، من أجل ذلك حرم الفواحش، وليس أحد أحب إليه العذر من الله تعالى، من أجل ذلك أنزل الكتاب وبعث الرسل ".
قلت: لا تلازم بين كون الشيء محبوبا وكون لمن حصلت له محبة له نفع فيه! فقد يحب الإنسان صفات الخير، وإن كان لا نفع له فيها، ولا ضرر عليه في تركها، كما يجده كل عاقل عند ظهور الخصال المحمودة المطابقة لمنهج الشرع كالعدل، وظهور السنن وارتفاع البدع، وإنما أحب ذلك سبحانه لأن مدحه من عباده هو الشكر له على ما أفاضه عليهم من النعم، وذلك من أعظم ما يتقربون به إليه، ويتوسلون به إلى مرضاته، فيحصل لهم بذلك الفوز بالنعيم الأبدي، والخير الأخروي، ولهذا طلب سبحانه منهم
(1) في صحيحه رقم (1894).
(2)
كمسلم رقم (1151).
(3)
[البينة:5].
(4)
في صحيحه رقم (32/ 2760).
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (4634) وأحمد (1/ 381).
القيام بما شرعه لهم، والكف عما نهاهم عنه، وليس ذلك إلا لفائدة عائدة عليهم، ونعمة حاصلة لهم، فالمدح منهم لربهم هو من أعظم أسباب خيرهم الآجل والعاجل، ولهذا يقول الله عز وجل:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (1).
وصح في أدعية الصباح والمساء أن العبد إذا قال في صباح يومه:" اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته".أخرجه أبو داود (2) والنسائي (3) وابن حبان وصححه (4)، من حديث عبد الله بن غنام البياضي وجود النووي (5) إسناده، وأخرجه أيضًا ابن حبان (6) من حديث ابن عباس.
وبالجملة فندب الله عز وجل لعباده إلى مدحه، هو مثل ندبه لهم إلى شكره وحمده، والنفع في ذلك كله للعباد، وتعالى وتقدس ربهم عز وجل أن يكون له في ذلك نفع أو في تركه ضر.
وانظر إلى ما اقترنت به محبته عز وجل للمدح من عباده في هذا الحديث، من ذكر الغيرة التي من أجلها حرم الفواحش، والمحبة للعذر التي من أجلها أنزل الكتاب وأرسل الرسل، فإنه لا يقع في ذهن عاقل أن في ذلك شيئا من النفع أو الضر، بل كل ذلك لرعاية الرب الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء لمصالح عباده.
والحاصل أن تسبيحه عز وجل مدح له، وحمده مدح له، وشكره مدح له، وتكبيره
(1)[إبراهيم:7]
(2)
في "السنن" رقم (5073)
(3)
في "السنن الكبرى"(6/ 5 رقم 9835)
(4)
لم يخرجه من حديث عبد الله بن غنام البياضي.
وهو حديث ضعيف.
(5)
في "الأذكار"(ص 66)
(6)
في صحيحه رقم (861)
مدح له، بل توحيده من أعظم المدح له سبحانه، وقد رغب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاستكثار من هذه الأمور، وبين ما فيها من الأجر العظيم للعباد، فعرفت بهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" ما أحد أحب إليه المدح من الله "، فلا تعارض بينه وبين حديث الباب.
فإن قلت: قد ثبت في الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله بأرض فلاة".
وفي رواية لمسلم (3):" لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت عنه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".
وفي الصحيحين (4) وغيرهما (5) من حديث الحارث بن سويد عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية (6) مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6309) ومسلم رقم (2747)
(2)
كأحمد (3/ 213) وابن حبان في صحيحه رقم (617).
(3)
في صحيحه رقم (7/ 2747)
(4)
أخرجه البخاري رقم (6308) ومسلم رقم (2744)
(5)
كأحمد (1/ 383) وابن حبان في صحيحه رقم (618)
(6)
في حاشية المخطوط: فلاة مهلكة.
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 143):الدو: الصحراء التي لا نبات بها.
والدوية منسوبة إليها وقد تبدل من إحدى الواوين ألف، فيقال: داوية على غير قياس.
* في هذا الحديث: إثبات الفرح لله عز وجل، فنقول في هذا الفرح: إنه فرح حقيقي، وأشد فرح ولكنه ليس كفرح المخلوقين.
الفرح بالنسبة للإنسان هو نشوة وخفه يجدها الإنسان من نفسه عند حصول ما يسره، ولهذا تشعر بأنك إذا فرحت بالشيء كأنك تمشي على الهواء ولكن بالنسبة لله عز وجل، لا نفسر الفرح بمثل ما نعرفه من أنفسنا فنقول هو فرح يليق به عز وجل مثل بقية الصفات، كما أننا نقول: لله ذات، ولكن لا تماثل ذواتنا، فله صفات لا تماثل صفاتنا، لأن الكلام عن الصفات فرع عن الكلام في الذات.
فنؤمن بأن الله تعالى له فرح كما أثبت ذلك أعلم الخلق به، محمد صلى الله عليه وسلم وأنصح الخلق للخلق، وأفصح الخلق فيما ينطق به عليه الصلاة والسلام.
ونحن على خطر إذا قلنا: المراد بالفرح الثواب، لأن أهل التحريف يقولون: إن الله لا يفرح، والمراد بفرحه: إثابته التائب. أو: إرادة الثواب لأنهم هم يثبتون أن لله تعالى مخلوقا بائنا منه هو الثواب ويثبتون الإرادة، فيقولون في الفرح: إنه الثواب المخلوق أو: إرادة الثواب.
ونحن نقول: المراد بالفرح: الفرح حقيقة، مثلما أن المراد بالله عز وجل نفسه حقيقة ولكننا لا نمثل صفاتنا بصفات الله أبداً.
ويستفاد من هذا الحديث:
مع إثبات الفرح لله عز وجل وكمال رحمته جل وعلا ورأفته بعباده، حيث يحب رجوع العاصي إليه هذه المحبة العظيمة .... هارب من الله، ثم وقف ورجع إلى الله
. يفرح الله به هذا الفرح العظيم.
ومن الناحية المسلكية: يفيدنا أن نحرص على التوبة غاية الحرص، كلما فعلنا ذنبا، تبنا إلى الله.
قال تعالى في وصف المتقين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً) أي فاحشة: مثل الزنى، اللواط، نكاح ذوات المحارم قال تعالى:(وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا)[النساء:22].
(وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء:32].
وقال لوط لقومه: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ)[الأعراف:80].
إذا: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ) ذكروا الله تعالى في نفوسهم، ذكروا عظمته، وذكروا عقابه وذكروا ثوابه للتائبين.
(فَاسْتَغْفَرُوا لذُنُوبِهِمْ) فعلوا ما فعلوا ولكنهم ذكروا الله في نفوسهم واستغفروا لذنوبهم.
قال تعالى (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)[آل عمران: 135].
فأنت إذا علمت أن الله يفرح بتوبتك هذا الفرح الذي لا نظير له. لا شك أنك سوف تحرص غاية الحرص على التوبة.
"شرح العقيدة الواسطية"(2/ 19 - 21)
نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه، فالله تعالى أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته".
قلت: الفرح منه عز وجل بتوبة عبده، هو لعظيم لطفه به ومزيد رأفته عليه لسلامته - بتوبته- من العذاب الأليم، وهذا هو من رحمته عز وجل لعباده، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاكيا عن الرب عز وجل أنه قال:" سبقت رحمتي غضبي"(1) ومعلوم أن نفع هذه التوبة هو للعبد، كما أن ضر تركها هو عليه، وليس للرب تعالى وتقدس في ذلك نفع، ولا عليه سبحانه في خلافه ضرر، فليس بين هذا الحديث وبين حديث الباب تعارض.
والمراد بالفرح المنسوب إلى الرب عز وجل هو: الرضا بما وقع من ذلك العبد! البالغ إلى أشد من الرضا الحاصل لواجد تلك الضالة عند وجودها (2)
(1) أخرجه البخاري رقم (7553) ومسلم رقم (2751).
(2)
نجد أن الشوكاني لم يلتزم بالمنهج الذي ذكره في "التحف في مذاهب السلف" وهي الرسالة رقم (3) من "الفتح الرباني"(ص 259 - 260).
فقد قال: ونعرف أن مذهب السلف من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم هو إيراد أدلة الصفات على ظاهرها، من دون تحريف لها، ولا تأويل متعسف لشيء منها، ولا جبر ولا تشبيه ولا تعطيل يفضي إليه كثير من التأويل.
وقال الدكتور محمد حسين الغماري في " الشوكاني مفسراً" أن الشوكاني رجع عن بعض هذه التأويلات في رسالته التحف لأنها من آخر ما ألف ولم يؤيد ما ذهب إليه بأي دليل إلا حسن الظن به.
* ونقف معا على أسس سليمة وقواعد مستقيمة:
1 -
أن أسماء الله وصفاته توقيفية، بمعنى أنهم لا يثبتون لله إلا ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله في سنته من الأسماء والصفات ولا يثبتون شيئا بمقتضى عقولهم وتفكيرهم، ولا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسوله في سنته. لا ينفون عنه بموجب عقولهم وأفكارهم، فهم لا يتجاوزون الكتاب والسنة، وما لم يصرح الكتاب والسنة بنفيه وإلا إثباته، كالعرض والجسم والجوهر، فهم يتوقفون فيه بناء على هذا الأصل العظيم.
2 -
أن ما وصفه الله به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق على ظاهره، ليس فيه أحاج ولا ألغاز بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، فأهل السنة يثبتون ألفاظ الصفات ومعانيها، فليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من المتشابه الذي يفوض معناه، لأن اعتبار نصوص الصفات مما يفهم معناه يجعلها من الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، والله تعالى قد أمرنا بتدبر القرآن كله، وحضنا على تعقله وتفهمه، وإذا كانت نصوص الصفات مما لا يفهم معناه، فيكون الله قد أمرنا بتدبر وتفهم ما لا يمكن تدبره وتفهمه وأمرنا باعتقاد ما لم يمكن تدبره وتفهمه وأمرنا باعتقاد ما لم يوضحه لنا تعالى الله عن ذلك.
إذا، فمعاني صفات الله تعالى معلومة يجب اعتقادها، وأما كيفيتها فهي مجهولة لنا، لا يعلمها إلا الله تعالى، ولهذا يقول الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[طه: 5]. كيف استوى؟ قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".
وما قال الإمام مالك في الاستواء هو قاعدة في جميع الصفات، وهو قول أهل السنة والجماعة قاطبة، فمن نسب إلى السلف أنهم يفوضون معاني الأسماء والصفات، ويجعلون نصوصها من المتشابه الذي استأثر الله بعلم معناه فقد كذب عليهم، لأن كلامهم يخالف كلام هذا المفتري.
3 -
السلف يثبتون الصفات إثباتا بلا تمثيل، فلا يمثلونها بصفات المخلوقين لأن الله ليس كمثله شيء، ولا كفء له، ولا ند له، ولا سمي له، ولأن تمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء لمعرفة الموصوف والله تعالى لا يعلم كيفية ذاته إلا هو والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات، فكذلك له صفات لا تشبه الصفات:) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]، أي لا يشبهه أحد لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فيجب الإيمان بما وصف الله به نفسه، لأنه لا أحد أعلم من الله بالله:(أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ)[البقرة: 140]، فهو أعلم بنفسه وبغيره.
كما يجب الإيمان بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله في حقه:(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 3 - 4]. فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينزه ربه جل وعلا من أن تشبه صفته بصفة الخلق.
4 -
وكما أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله على وجه يليق بجلاله ولا يشبهونه بخلقه، فهم ينزهونه عن النقائص والعيوب تنزيها لا يفضي بهم إلى التعطيل بتأويل معانيها أو تحريف ألفاظها عن مدلولها بحجة التنزيه، فمذهبهم في ذلك وسط بين طرفي التشبيه والتعطيل، تجنبوا التعطيل في مقام التنزيه وتجنبوا التشبيه في مقام الإثبات.
5 -
طريقة أهل السنة والجماعة فيما يثبتون لله من الصفات وما ينفون عنه من النقص هي طريقة الكتاب والسنة، وهي الإجمال في النفي والتفصيل في الإثبات كما في قوله تعالى:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11]. فأجمل في النفي وهو قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وفصل في الإثبات وهو قوله تعالى: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وكل نفي في صفات الله فإنه يتضمن إثبات الكمال، وليس هو نفيا محضا، لأن النفي المحض ليس فيه مدح لأنه عدم محض والعدم ليس بشيء.
ومن أمثلة النفي المتضمن لإثبات الكمال: قوله تعالى: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف: 49] أي: لكمال عدله سبحانه.
وقوله: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا)[البقرة: 255] أي: لكمال قدرته وقوته.
وقوله: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)[البقرة: 255] أي: لكمال حياته وقيوميته.
"الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد"(ص149 - 152).
وانظر: "الرسالة في اعتقاد أهل السنة"(ص 403)، "مجموع الفتاوى"(6/ 518).
فالتعبير عن الرضا بالفرح لقصد تأكيد معنى الرضا في نفس السامع، والمبالغة في
تقريره، وقد حكي النووي في شرح مسلم (1) عند شرحه لهذا الحديث عن المازري (2) أن الفرح ينقسم إلى وجوه منها: السرور والسرور يقارنه الرضا بالمسرور به ثم ذكر نحو ما ذكرناه.
قال في الصحاح (3) فرح به سر.
قوله: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".
قوله: المخيط، هو بكسر الميم، وفتح التحتية، وهو: الإبرة (4).
قال النووي (5) قال العلماء: هذا تقريب إلى الأفهام، ومعناه لا ينقص شيئا، كما قال في الحديث الآخر: "
…
لا يغيضها نفقة" (6) أي لا ينقصها، لأن ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدود [الفاني](7)، وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما صفتان لا يتطرق إليهما نقص، فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة، والمقصود التقريب إلى الأفهام بما [شاهدوه](8)، فإن
(1)(17/ 60، 61).
(2)
في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 187 - 188).
(3)
(1/ 390)
(4)
انظر: "القاموس المحيط"(ص 860)
(5)
في شرحه لصحيح مسلم (16/ 133)
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4684) وأطرافه (5352، 7411، 7419، 7496) ومسلم في صحيحه رقم (993) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع".
(7)
في المخطوط [في المعاني] وما أثبتناه من "صحيح مسلم"(16/ 133 - النووي).
(8)
في المخطوط [يشاهدونه] وما أثبتناه من "صحيح مسلم"(16/ 133 - النووي)
البحر من أعظم المرئيات عيانا وأكبرها! والإبرة من أصغر الموجودات! مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء والله أعلم. انتهى.
أقول: انظر إلى هذا الكلام الفياض والعطاء الجم! فإن اجتماع جميع الإنس والجن، أولهم وآخرهم في مكان واحد، ثم تفضله عز وجل بإعطاء كل سائل مسألته على أي صفة كانت، وفي أي مطلب من المطالب اتفقت، كرم لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه.
ولعل المراد من هذا الإخبار الرباني لعبيده الضعفاء -الذين خلقهم وأحياهم ورزقهم ثم يميتهم ثم يحييهم الحياة الأبدية إنما لنعيم مقيم أو لعذاب أليم- هو تأكيد استغناءه عز وجل عنهم، وعدم حاجته إليهم، وأن من كان هذا شأنه يعطي جميع العالم من الإنس والجن -عند اجتماعهم المفروض أولهم وآخرهم- كل سائل مسألته، ولك مستعطٍ عطيته، هو ذا الغنى المطلق الذي لا يتعاظمه شيء، ثم ترغيبهم في سؤاله واستعطائه، وأنه عز وجل لا تفني خزائن ملكه، ولا تنقص بالعطاء بحار كرمه، ولا يؤثر فيها سؤال السائلين، وإن كانوا في الكثرة على هذه الصفة التي تقصر العقول عن الإحاطة ببعض البعض من أهل عصر من العصور، فكيف بجميع الناس من عند آدم إلى ما لا نهاية له معلومة لنا، فكيف إذا انضم إليهم الجن أولهم وآخرهم.
فسبحانه ما أعظم شأنه، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، لا جرم إذا ضاقت أذهان العباد عن تصور كرمه وتفضله، فهو خالق الكل، ورب العالم، وليس عالم الإنس والجن بالنسبة إلى كل العالم من المخلوقات إلا القدر اليسير، وهو يعطي الكل الخير، لأنه إذا كان شأنه هذا الشأن العظيم من إعطاء السائلين، فهو قد تكفل لهم بأن يخلف عليهم ما أنفقوا كما قال في كتابه العزيز:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1).
(1)[سبأ: 39]
انظر إلى هذه الآية الكريمة، فإنه سبحانه أخبرهم بأنه يخلف لهم كل ما أنفقوه وجاء بهذه الكلية الشاملة، فإن قوله:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ} يفيد بعمومه المستفاد من الشرطية الكلية أن يخلف كل حقير وجليل من أنواع ما أنفقوه، ثم أكد ذلك بقوله:{مِنْ شَيْءٍ} فإنه يتناول ما يصدق عليه لفظ الشيء، وهو يصدق على الخردلة إذ لا خلاف أنها شيء بل يصدق على أقل جزء من أجزائها، ثم ذيل هذه الجملة الشرطية بقوله:{وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1).
فانظر إلى ما في هذه الجملة التذييلية من تطمين خواطر المنفقين وتشويقهم إلى ما يخلفه عليهم من هو خير الرازقين، فإن في ذلك ما يجذب خواطر المتقين إلى أن يكونوا من المنفقين المنتظرين لما وعدهم به خير الرازقين، فإنه كونه خير الرازقين لا يكون ما يخلفه عليهم إلا أضعاف أضعاف ما ينفقون، كما تراه في أحوال بني آدم فإن من كان منهم موصوفا بالكرم لا يكافئ إلا بالكثير الذي يكون بالنسبة إلى ما كافأ به عليه فوقه بكثير.
فكيف إذا كان ملكا من ملوك الدنيا الذي ينزعه إلى الكرم عرق، فكيف إذا كان ملك الملوك وربهم وخالقهم ورازقهم، ومع هذا الخلف الذي يخلعه على المنفقين، فلهم الجزاء الأخروي بما أنفقوا الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، كما وعد به الرب سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (2).
وقد ورد في السنة المطهرة الترغيب في الإنفاق بالأحاديث الكثيرة الصحيحة منها ما في .......................................
(1)[سبأ: 39].
قال صاحب "الدر المصون"(9/ 196): قوله: (الرَّازِقِينَ) إنما جمع من حيث الصورة لأن الإنسان يرزق عياله من رزق الله، والرازق في الحقيقة للجميع إنما هو الله تعالى.
(2)
[الزلزلة: 7 - 8].
الصحيحين (1) وغيرهم (2) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ - فإِنَّ اللَّهَ يَقبلها بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِها كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ ".
وأخرج مسلم (3) والترمذي (4) من حديث أبي هريرة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عز وجل ".
وأخرج مسلم (5) من حديثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي، مَالِي! وإِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَأبقى (6) وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ ".
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1410) ومسلم رقم (1014)
(2)
كالنسائي (5/ 57) والترمذي رقم (661) وابن ماجه رقم (1842).
(3)
في صحيحه رقم (2588).
(4)
في "السنن" رقم (2029). وهو حديث صحيح.
(5)
في صحيحه رقم (2959). وهو حديث صحيح.
(6)
قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(18/ 94) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ وَلِمُعْظَمِ الرُّوَاة: (فَاقْتَنَى) بِالتَّاءِ وَمَعْنَاهَا: اِدَّخَرَهُ لِآخِرَتِهِ أَي ادَّخَرَ ثَوَابه وَفِي بَعْضهَا " فَأَقْنَى " بِحَذْفِ التَّاء، أَيْ أَرْضَى.
وقال القرطبي في "المفهم"(7/ 111 - 112): قوله: "يقول ابن آدم مالي مالي" أي يغتر بنسبة المال إليه وكونه في يديه، حتى ربما يعجب به ويفخر، ولعله ممن تعب هو في جمعه، ويصل غيره إلى نفعه، ثم أخبر بالأوجه التي ينتفع بالمال فيها وافتتح الكلام بـ (إنما) التي هي للتحقيق والحصر فقال:"إنما له من ماله ثلاث" وذكر الحديث.
وقوله: "أو أعطى فأقنى" هكذا وقع هذا اللفظ عند جمهورهم، ووجهه أعطى الصدقة فاقتنى الثواب لنفسه، كما قال في الرواية الأخرى:"تصدقت فأمضيت" - عند مسلم رقم (3/ 2958) وقد رواه ابن هامان:"فأقنى" بمعنى: أكسب غيره، كما قال تعالى (أغنى وأقنى) [النجم: 48].
وأخرج البخاري (1) والنسائي (2) من حديث ابن مسعود: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ " قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر".
وفي الصحيحين (3) من حديث عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة".
وأخرج أحمد (4) بإسناد صحيح من حديث ابن مسعود بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليتق (5) أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة".
وأخرجه أحمد (6) أيضًا بإسناد حسن من حديث عائشة بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "استتري من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبع".
وقد أخرج نحوه أبو يعلى (7)، والبزار (8) من حديث أبي بكر الصديق.
(1) في صحيحه رقم (6442)
(2)
في "السنن"(6/ 237)
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6539) ومسلم رقم (1016).
(4)
في "المسند"(1/ 446). وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 105) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وهو حديث صحيح لغيره.
(5)
في المخطوط [ليق] وما أثبتناه من مصدر الحديث.
(6)
في "المسند"(6/ 79) وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 105) وهو حديث حسن لغيره
(7)
في مسنده (1/ 85)
(8)
في مسنده رقم (933 - كشف). وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 105) وقال: رواه أبو يعلى والبزار وفيه محمد بن إسماعيل الوساوسي وهو ضعيف جدا. وهو حديث ضعيف جدا.
وروي نحوه أيضًا من حديث أنس (1)، وأبي هريرة (2)، وأبي أمامة (3)، والنعمان بن بشير (4).
وأخرج الترمذي (5) وصححه من حديث معاذ بن جبل أنه قال له صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: "الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار".
وأخرج ابن حبان (6) نحوه من حديث كعب بن عجرة.
وأخرج الترمذي (7) وحسنه، وابن حبان وصححه (8) من حديث أنس قال: قال
(1) أورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 106) وقال: البزار والطبراني في "الأوسط" ورجال البزار رجال الصحيح.
(2)
قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 106) وقال: رواه البزار - في مسنده رقم (937 - كشف) وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي قال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وحسن البزار حديثه. وقال البزار في مسنده (1/ 444 - كشف) قد روي عن أبي هريرة من غير هذا الوجه وهذا الإسناد عن أبي هريرة أحسن إسناد يروى في ذلك وأصحه.
(3)
قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 106): رواه الطبراني في "الكبير" -رقم (8017) - والأوسط وفيه فضال بن جبير وهو ضعيف.
(4)
قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 106): رواه البزار -في مسنده رقم (935 - كشف) والطبراني في "الكبير"، وفيه أيوب بن جابر وفيه كلام كثير وقد وثقه ابن عدي.
(5)
في "السنن"(2616) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح لغيره.
(6)
في صحيحه رقم (5567). وهو حديث صحيح لغيره.
(7)
في "السنن" رقم (664) قال الترمذي: حديث حسن غريب.
(8)
في صحيحه رقم (3309). وهو حديث حسن.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء".
وأخرج الترمذي (1) وصححه، وابن ماجه (2) من حديث أبي كبشة الأنماري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه: "
…
ما نقص مال عبد من صدقة".
وفي الصحيحين (3) وغيرهما (4) من حديث أبي هريرة قال: "ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل البخيل والمتصدق: كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرب أيديهما وثديهما إلى تراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفوا أثره، وجعل البخيل كلما هم بالصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها".
وأخرج أحمد (5) وابن خزيمة (6) والحاكم (7) وصححه من حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس".
قال يزيد بن أبي حبيب: فكان (أبو مرثد) لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة. وأخرج أحمد (8) ..................
(1) في "السنن" رقم (2325).
(2)
في "السنن" رقم (4228).
وهو حديث صحيح لغيره.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5797) ومسلم رقم (1021).
(4)
كالنسائي (5/ 70 - 72).
(5)
في "المسند"(4/ 147).
(6)
في صحيحه رقم (2431).
(7)
في "المستدرك"(1/ 416) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.
(8)
في "المسند"(5/ 350).
والبزار (1) والطبراني (2) وابن خزيمة في صحيحه (3) والحاكم (4) وصححه البيهقي (5) عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحيي سبعين شيطانا".
وفي الصحيحين (6) وغيرهما (7) من حديث أنس قال: لما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (8) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إن أحب أموالي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:"بخ ذاك مال رابح، ذاك مال رابح".
وأخرج البيهقي (9) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة".
وأخرج الترمذي (10) وصححه وابن ....................................................
(1) في مسنده رقم (934 - كشف).
(2)
في "الأوسط" رقم (1038)
(3)
رقم (2457)
(4)
في "المستدرك"(1/ 417) وصححه ووافقه الذهبي.
(5)
في "الشعب" رقم (3774) وفي "السنن الكبرى"(4/ 187)
وهو حديث ضعيف.
(6)
أخرجه البخاري رقم (1461) ومسلم رقم (998)
(7)
كالترمذي في "السنن" رقم (1997) والنسائي (6/ 231 - 232).
(8)
[آل عمران: 92].
(9)
في "السنن الكبرى"(4/ 189). رواه البيهقي مرفوعًا وموقوفا على أنس ولعله أشبه، وهو حديث ضعيف جدا. قاله الألباني في "ضعيف الترغيب" رقم (522).
(10)
في "السنن" رقم (2863). وقال: حديث حسن صحيح.
خزيمة (1) وابن حبان في صحيحه (2) والحاكم (3) وصححه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن"، فذكر الحديث
…
إلى أن قال فيه: "وآمركم بالصدقة، ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقربوه ليضربوا عنقه جعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم؟ وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه" الحديث.
وأخرج البيهقي (4) من حديث عمرو بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن صدقة المسلم تزيد من العمر وتمنع ميتة السوء، ويذهب الله بها الكبر والفخر".
وأخرج ابن خزيمة (5) وابن حبان (6) في صحيحيهما والحاكم (7) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جمع مالا حراما ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه". وفي إسناده دراج أبو السمح وهو ضعيف (8).
(1) في صحيحه (2/ 64 رقم 930)
(2)
في صحيحه رقم (6233)
(3)
في "المستدرك"(1/ 236) وقال: صحيح على شرطهما.
كلهم من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
(4)
في "الكبير" رقم (31). وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 110) وقال رواه الطبراني و"الكبير"، وفيه كثير بن عبد الله المزني، وهو ضعيف.
(5)
في صحيحه رقم (2471).
(6)
في صحيحه رقم (797 - موارد).
(7)
في "المستدرك"(1/ 390)
(8)
دراج بن سمعان، أبو السمح، قيل اسمه عبد الرحمن، ودراج لقب السهمي مولاهم المصري القاص صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، من الرابعة، مات سنة 126هـ أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة. انظر:"التقريب" رقم (2436).
وأخرج ابن خزيمة في صحيحه (1) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "خير الصدقة ما أبقت غني، واليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول،
…
".
وأخرج أبو داود (2) وابن خزيمة في صحيحه (3) والحاكم (4) وقال: صحيح، من حديث أبي هريرة أيضًا أنه قال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال:"جهد المقل وابدأ بمن تعول".
وأخرج الترمذي (5) وصححه وابن حبان في صحيحه (6) عن أم بجيد أنها قالت: يا رسول الله، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إياه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"إن لم تجدي إلا ظلفا محرقا فادفعيه إليه في يده".
وفي الصحيحين (7) وغيرهما (8) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء فيقول
(1) في صحيحه رقم (2436).
(2)
في "السنن" رقم (1677)
(3)
رقم (2451)
(4)
في "المستدرك"(1/ 414). وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح
(5)
في "السنن" رقم (665)
(6)
في صحيحه رقم (2473). وهو حديث صحيح.
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4684) ومسلم رقم (1010)
(8)
كابن حبان رقم (3323) وأحمد (2/ 305، 306، 347)
أحدهما: "اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا".
وفي الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديثه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "قال الله تعالى: يا عبدي، أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما بيده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع".
وأخرج مسلم (3) والترمذي (4) من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا ابن آدم، إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى".
وأخرج أحمد (5)، وابن حبان في صحيحه (6) والحاكم (7) وصححه والبيهقي (8)، عن أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"ما طلعت شمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان: اللهم من أنفق فأعقبه خلفا ومن أمسك فأعقبه تلفا".
وفي الصحيحين (9) وغيرهما (10) من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: قال لي رسول
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4684) ومسلم رقم (993)
(2)
كأحمد (2/ 242، 313، 500) وابن ماجه رقم (197) وقد تقدم.
(3)
في صحيحه رقم (1036)
(4)
في "السنن" رقم (1093).
(5)
في "المسند"(5/ 197).
(6)
في صحيحه رقم (3319)
(7)
في "المستدرك"(2/ 444، 445)
(8)
في "شعب الإيمان" رقم (3412).
وهو حديث صحيح.
(9)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1433) ومسلم رقم (1029)
(10)
كأبي داود رقم (1699) والترمذي رقم (1960)
الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا توكي فيوكى عليك". وفي رواية (1)"أنفقي، أو انفحي، أو انضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك".
وفي الصحيحين (2) وغيرهما (3) من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها".
وفي رواية: (4)"لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجلا آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".
وأخرج الطبراني في الكبير (5)، وأبو الشيخ، ابن حبان (6)، والحاكم (7) وصححه، من حديث بلال قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بلال، مت فقيرا ولا تمت غنيا". قلت: وكيف لي بذلك يا رسول الله؟ قال: "ما رزقت فلا تخبأ، وما سئلت فلا تمنع". فقلت: يا رسول الله، وكيف لي بذلك؟ فقال:"هو ذاك أو النار".
وأخرج الطبراني في الكبير (8) بإسناد رجاله ثقات محتج بهم في الصحيح من حديث
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2591) ومسلم رقم (2331)
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (73) ومسلم رقم (815، 816)
(3)
كأبي داود في "السنن" رقم (4208)
(4)
أخرجه البخاري رقم (5025) ومسلم رقم (267/ 815)
(5)
رقم (1021)
(6)
في كتاب "الثواب" كما في "الترغيب"(1/ 700)
(7)
في "المستدرك"(4/ 316) وصححه وتعقبه الذهبي فقال: واه.
وهو حديث ضعيف
(8)
رقم (5990).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 124) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح وهو حديث صحيح والله أعلم.
سهل بن سعد الساعدي قال: كانت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة فلما كان عند مرضه قال: "يا عائشة، ابعثي بالذهب إلى علي"، ثم أغمي عليه، وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك مرارا، كل ذلك يغمى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشغل عائشة ما به، فبعث إلى علي فتصدق بها، وأمسى رسول الله (في جديد الموت)(1) ليلة الاثنين، فأرسلت عائشة بمصباح لها إلى امرأة من نسائه فقالت:"أهدي لنا في مصباحنا من عكتك السمن، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسى في جديد الموت".
وأخرج ابن حبان في صحيحه (2) معناه من حديث عائشة.
وأخرج أحمد (3) بإسناد رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن الصامت الغفاري البصري -وهو ثقة- قال: كنت مع أبي ذر فخرج عطاؤه ومعه جارية له، فجعلت تقضي حوائجه، ففضل معها سبعة فأمرها تشتري بها فلوسا، قال: قلت: لو أخرته للحاجة تنوبك أو للضيف ينزل بك؟ قال: إن خليلي عهد إلى أن: "أيما ذهب أو فضة أوكي عليه جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله عز وجل".
(1) في المخطوط حديد وما أثبتناه من "صحيح الترغيب"(1/ 552). وانظر: "الصحيحة" رقم (2653)
(2)
في صحيحه رقم (3212، 3213) ولكن ليست فيه قصة الموت والمصباح.
* عكتك: العكة من "السمن أو العسل" هي وعاء من جلود مستدير تختص بهما، وهو بالسمن أخص.
"النهاية"(3/ 284)
(3)
في "المسند"(5/ 165، 176).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(3/ 125) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وهو حديث صحيح.
وأخرجه أيضًا الطبراني (1) بإسناد رجاله رجال الصحيح.
وأخرج أبو يعلى (2) بإسناد رجاله ثقات، والبيهقي (3) من حديث أنس قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث طوائر، فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتيته بها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فإن الله يأتي برزق غد".
وأخرج ابن حبان في صحيحه (4) والبيهقي (5) من حديث أنس قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخر شيئا لغد".
وأخرج مسلم (6) وغيره (7)! من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من البخل والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر،
(1) في "الكبير" رقم (1641) وأورده الهيثمي في "المجمع (3/ 125) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" وأحمد بنحوه، ورجاله ثقات، وله طريق رجالها رجال الصحيح.
(2)
في مسنده رقم (4223).
(3)
في "الشعب" رقم (1348، 1349).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 241) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
قال الألباني وفيه من لم يوثقه أحد إلا ابن حبان، وضعفه البخاري والعقيلي -هو هلال بن سويد. انظر:"الضعيفة" رقم (6743).
وهو حديث ضعيف.
(4)
رقم (6322، 6344).
(5)
في "الشعب" رقم (1464، 1478).
وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2362) وفي "الشمائل" رقم (347).
وهو حديث صحيح.
(6)
بل أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2823) وأطرافه (4707، 6367)، 6371).
(7)
كأبي داود رقم (1540) والنسائي في "السنن"(8/ 257)، وأحمد (3/ 113، 117، 179، 231، 235)
وفتنة المحيا والممات".
وأخرج الترمذي (1) من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" خصلتان لا تجتمعان في قلب مؤمن: البخل، وسوء الخلق".
وأخرج أبو داود (2)، والترمذي (3) بإسناد رجاله ثقات من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم"(4).
(1) في "السنن" رقم (1962) وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صدقة بن موسى وهو حديث صحيح لغيره.
(2)
في "السنن" رقم (4760).
(3)
في "السنن" رقم (1964) وقال: حديث غريب.
وهو حديث صحيح لغيره.
(4)
قال ابن الأثير في "النهاية"(3/ 354 - 355):" المؤمن غر كريم، أي ليس بذي نكر، فهو ينخدع لانقياده ولينه، وهو ضد الخب، يقال فتى غر وفتاة غر، وقد غررت تغر غرارة. يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة، وقلة الفطنة للشر، وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلا، ولكنه كرم وحسن خلق.
الخب: بالفتح الخداع، وهو الجربز الذي يسعى بين الناس بالفساد رجل خب وامرأة خبة. وقد تكسر خاؤه. فأما المصدر فبالكسر لا غير.
"النهاية"(2/ 4).
[عدل الله في خلقه].
قوله: " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"(1).
(1) قال ابن تيمية في شرحه للحديث (ص89 - 95): في رسالة يا عبادي
…
بتحقيقنا.
ثم ختمه بتحقيق ما بينه فيه من عدله وإحسانه فقال:" يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" فبين أنه محسن إلى عباده في الجزاء على أعمالهم الصالحة إحسانا يستحق به الحمد؛ لأنه هو المنعم بالأمر بها، والإرشاد إليها، والإعانة عليها ثم إحصائها ثم توفية جزائها. فكل ذلك فضل منه وإحسان، إذ كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل، وهو وإن كان قد كتب على نفسه الرحمة وكان حقا عليه نصر المؤمنين كما تقدم بيانه، فليس وجوب ذلك كوجوب حقوق الناس بعضهم على بعض الذي يكون عدلا لا فضلا؛ لأن ذلك إنما يكون لكون بعض الناس أحسن إلى البعض فاستحق المعاوضة، وكان إحسانه إليه بقدرة المحسن دون المحسن إليه، ولهذا لم يكن المتعاوضان ليخص أحدهما بالتفضل على الآخر لتكافئها، وهو قد بين في الحديث أن العباد لم يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه فامتنع حينئذ أن يكون لأحد من جهة نفسه عليه حق، بل هو الذي أحق الحق على نفسه بكلماته فهو المحسن بالإحسان وبإحقاقه وكتابته على نفسه فهو في كتابة الرحمة على نفسه وإحقاقه نصر عباده المؤمنين ونحو ذلك محسن إحسانا مع إحسان فليتدبر اللبيب هذه التفاصيل التي يتبين بها فصل الخطاب في هذه المواضع التي عظم فيها الاضطراب فمن بين موجب على ربه بالمنع أن يكون محسنا متفضلا، ومن بين مسوي بين عدله وإحسانه وما تنزه عنه من الظلم والعدوان، وجاعل الجميع نوعا واحدا، وكل ذلك حيد عن سنن الصراط المستقيم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وكما بين أنه محسن في الحسنات متم إحسانه بإحصائها والجزاء عليها بين أنه عادل في الجزاء على السيئات فقال:" ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" كما تقدم بيانه في مثل قوله: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)[هود:101] وعلى هذا الأصل استقرت الشريعة الموافقة لفطرة الله التي فطر الناس عليها، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري - (رقم 5947 - البغا) - عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " ففي قوله:" أبوء لك بنعمتك علي " اعتراف بنعمته عليه في الحسنات وغيرها وقوله:" وأبوء بذنبي " اعتراف منه بأنه مذنب ظالم لنفسه، وبهذا يصير العبد شكورا لربه مستغفرا لذنبه، فيستوجب مزيد الخير وغفران الشر من الشكور الغفور، الذي يشكر اليسير من العمل ويغفر الكثير من الزلل.
وهنا انقسم الناس ثلاثة أقسام في إضافة الحسنات والسيئات التي هي: الطاعات والمعاصي إلى ربهم وإلى نفوسهم، فشرهم الذي إذا ساء أضاف ذلك القدر، واعتذر بأن القدر سبق بذلك، وأنه لا خروج له عن القدر فركب الحجة على ربه في ظلمه لنفسه، وإن أحسن أضاف ذلك إلى نفسه ونسي نعمة الله عليه في تيسيره لليسرى، وهذا ليس مذهب طائفة من بني آدم ولكنه حال شرار الجاهلين الظالمين الذين لا حفظوا حدود الأمر والنهي، ولا شهدوا حقيقة القضاء والقدر. كما قال فيه الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به.
وخير الأقسام وهو القسم المشروع وهو الحق الذي جاءت به الشريعة أنه إذا أحسن شكر نعمة الله عليه، وحمده إذ أنعم عليه بأن جعله محسنا ولم يجعله مسيئا، فإنه فقير محتاج في ذاته وصفاته وجميع حركاته وسكناته إلى ربه، ولا حول ولا قوة إلا به. فلو لم يهده لم يهتد، كما قال أهل الجنة:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف:43]. وإذا أساء اعترف بذنبه واستغفر ربه وتاب منه وكان كأبيه آدم الذي: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23]. ولم يكن كإبليس الذي قال: (بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)[الحجر: 39 - 40] ولم يحتج بالقدر على ترك مأمور ولا فعل محظور مع إيمانه بالقدر خيره وشره، وأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ونحو ذلك.
وهؤلاء هم الذين أطاعوا الله في قوله في هذا الحديث:" فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "- تقدم تخريجه-.
ولكن بسط ذلك وتحقيق نسبة الذنب إلى النفس مع العلم بأن الله خالق أفعال العباد فيه أسرار ليس هذا موضعها. ومع هذا فقوله تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)[النساء:78 - 79]، ليس المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية الطاعة والمعاصي، كما يظنه كثير من الناس حتى يحرف بعضهم القرآن ويقرأ:(فَمِنْ نَفْسِكَ) ومعلوم أن معنى هذه القراءة يناقض القراءة المتواترة، وحتى يضمر بعضهم القول على وجه الإنكار له وهو قول الله الحق فيجل قول الله الصدق الذي يحمد ويرضى قولا للكفار يكذب به ويذم ويسخط بالإضمار الباطل الذي يدعيه من غير أن يكون في السياق ما يدل عليه.
ثم إن من جهل هؤلاء ظنهم أن في هذه الآية حجة للقدرية - تقدم التعريف بهم - واحتجاج بعض القدرية بها، وذلك أنه لا خلاف بين الناس في أن الطاعات والمعاصي سواء من جهة القدر. فمن قال: إن العبد هو الموجد لفعله دون الله أو هو الخالق لفعله وأن الله لم يخلق أفعال العباد. فلا فرق عنده بين الطاعة والمعصية. ومن أثبت خلق الأفعال وأثبت الجبر أو نفاه، أو أمسك عن نفيه وإثباته مطلقا وفصل المعنى أو لم يفصله فلا فرق عنده بين الطاعة والمعصية. فتبين أن إدخال هذه الآية في القدر في غاية الجهالة. وذلك أن الحسنات والسيئات في الآية المراد به المسار والمضار دون الطاعات والمعاصي، كما في قوله تعالى:(وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الأعراف:168] وهو الشر والخير في قوله: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)[الأنبياء:35]. وكذلك قوله: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)[آل عمران:120] وقوله تعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي)[هود:10].وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[الأعراف:94 - 95]. وقوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ)[الأعراف:131]. فهذه حال فرعون وملئه مع موسى ومن معه كحال الكفار والمنافقين والظالمين مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إذا أصابهم نعمة وخير قالوا: لنا هذه أو قالوا: هذه من عند الله، وإن أصابهم عذاب وشر تطيروا بالنبي والمؤمنين وقالوا: هذه بذنوبهم. وإنما هو بذنوب أنفسهم لا بذنوب المؤمنين. وهو سبحانه ذكر هذا في بيان حال الناكلين عن الجهاد الذين يلومون المؤمنين على الجهاد فإذا أصابهم نصر ونحوه قالوا: هذا من عند الله. وإن أصابتهم محنة قالوا: هذه من عند هذا الذي جاءنا بالأمر والنهي والجهاد، قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) إلى قوله: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) إلى قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ) إلى قوله: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)(وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا) أي: هؤلاء المذمومين يقولون: (هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) أي: بسبب أمرك ونهيك قال الله تعالى: (فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) من نعمة (فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)[النساء: 71 - 72] أي: فبذنبك. كما قال (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)[الشورى:30]، وقال (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [الروم:36].
وأما القسم الثالث: في هذا الباب: فهم قوم لبسوا الحق بالباطل وهم بين أهل الخير وبين شرار الناس وهم الخائضون في القدر بالباطل. فقوم يرون أنهم هم الذين يهدون أنفسهم ويضلونها ويوجبون لها فعل الطاعة وفعل المعصية بغير إعانة منه وتوفيق للطاعة ولا خذلان منه في المعصية. وقوم لا يثبتون لأنفسهم فعلا ولا قدرة ولا أمرا، ثم من هؤلاء من يبخل عنه الأمر والنهي فيكون أكفر الخلق وهم في احتجاجهم بالقدر متناقضون، إذ لا بد من فعل يحبونه وفعل يبغضونه، ولا بد لهم ولكل أحد من دفع الضرر الحاصل بأفعال المعتدين. فإذا جعلوا الحسنات والسيئات سواء لم يمكنهم أن يذموا أحدا ولا يدفعوا ظالما ولا يقابلوا مسيئا وأن يبيحوا للناس من أنفسهم كل ما يشتهيه مشته ونحو ذلك من الأمور التي لا يعيش عليها بنو آدم، إذ هم مضطرون إلى شرع فيه أمر ونهي أعظم من اضطرارهم إلى الأكل واللباس".
لما ذكر لهم سبحانه وتعالى ما هو رأس مصالح المعاش والمعاد: وهو تحريم الظلم، وأنه حرمه على نفسه وجعله محرما بينهم، ثم نهاهم عن التظالم ليتم لهم فيما بينهم سيرة العدل ومسلك الخير.
ثم ذكر لهم ثانيًا: أنهم على ضلال إلا من هداه الله عز وجل وأخرجه من ظلمات
الضلال إلى أنوار الهداية، وأمر بأن يطلبوا منه الهداية ليظفروا بها بخير الآخرة، ويفوزوا بالنعيم المقيم.
ثم ذكر لهما ثالثًا: أن ما يحتاجون إليه في هذه الدار مما تدعو الضرورة إليه ولا يتم المعاش إلا به، وهو قوام الأنفس من الطعام ووقاية الأبدان من ضرر ما لا بد منه البر وستر العورات، وهو من فضله العميم وجوده الواسع، وأمرهم أن يطلبوا ذلك منه ليتفضل به عليهم ويعطيهم طلبتهم، ويسعفهم بقضاء حاجتهم.
ثم ذكر لهم: ما جلبوا عليه من كثرة الخطايا في غالب أوقاتهم، وندبهم إلى ما يمحو ذلك عنهم، ويزيل أثره، وهو الاستغفار، ووعدهم أنه سيغفر لهم ويتجاوز عنهم، ثم ذكر لهم: أنه فعل ما فعل لهم وتفضل بما تفضل به عليهم من غير أن يكون له منهم فائدة أو عليه مضرة، وأنه إنما أعطاهم ما أعطى ومنحهم ما منح لمجرد الفضل العميم والكرم الجسيم.
ثم أخبرهم: بأن عطاه الجم وتفضله العم لا ينقص بكثرة العطايا، وإن يلعب أبلغ المبالغ ووصلت إلى حد يقصر عنه الوصف، ويضيق الذهن عن تصوره، وتقصر العقول عن إدراكه.
ثم بعد هذا كله: أخبرهم بأن ما وجدوه من الخير فهو من إنعامه عليهم لا من كسبهم ولا من سعيهم، ثم أمرهم: بالحمد له سبحانه عليهم، وما وجدوه من غير الخير فهو عقوبة أعمالهم وجزاء ضلالهم، فليعودوا باللوم على أنفسهم في الجالبة لذلك عليهم (وعلى نفسها براقش تجني)(1)، ولولا رحمته التي وسعت كل شيء، ومغفرته للمستغفرين، وتوبته على التائبين، لكانوا أحقاء بما كان لأعمالهم جزاء وفاقا، ولكسب أيديهم مثلا طباقا، وسبحان من كتب على نفسه الرحمة، ومن سبقت رحمته غضبه، وما في هذا الحديث القدسي هو مثل ما في الكتاب العزيز من قوله عز وجل: {مَا
(1) تقدم شرح المثل.
أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (1).
وقوله سبحانه: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (2).
وقوله سبحانه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (3).
ولا ينافي ما في هذه الآيات قوله عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ
…
} (4) إلى آخر الآية.
لأن غاية ما في هذه الآية: أن ذلك سابق في الكتاب وهو اللوح المحفوظ، وكل أسباب الخير والشر سواء كانت من العبد أو من غيره هي في الكتاب، قد سبق العلم بها وجف القلم بما هو كائن، ومثل هذا قوله عز وجل:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} (5).
والكلام في هذا البحث يطول، وقد أوضحناه في كثير من مؤلفاتنا.
والحاصل أنه لا تعارض بين سبق العلم وكون ما وقع من العبد هو بقضاء الله وقدره وبين عقوبة العاصي بمعصيته، وهذا لا يفهمه إلا من فهم الفرق بين الحقائق الكونية والحقائق الدينية.
قوله: قال سعيد، كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثى على ركبتيه.
أقول: سبب هذا عند رواية هذا الحديث العظيم ما اشتمل عليه من المواعظ، والزواجر، والترغيبات، والترهيبات، والبشارات، والإنذارات.
(1)[النساء: 79].
(2)
[طه: 15]
(3)
[البقرة: 286].
(4)
[الحديد: 22]
(5)
[التوبة: 51]
وحق لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أنه يحصل معه عند رواية هذا الحديث أو سماعه ما يرجف قلبه، ويقشعر له جلده، خوفا من الله عز وجل وتعظيما لشأنه العظيم.
قوله: "إن الله تبارك وتعالى يقول: يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته، فاسألوا المغفرة أغفر لكم، ومن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة واستغفرني بقدرتي غفرت له".
ذكر في هذه الرواية أن كل العباد لا يخلو أحد منهم من الذنب إلا من عافاه الله، وفي الرواية الأولى أنهم جميعا يخطئون بالليل والنهار إلا من غفر له، ولا مخالفة بين الروايتين؛ لأن العافية منه عز وجل إذا تفضل بها على عبده عصمه عن مواقعة الذنب، ومن أذنب فقد أمره بأن يسأله المغفرة، وأيضا العافية هي الشاملة لعافية الدنيا والآخرة، ومغفرة الذنوب هي الفرد الكامل من أفرادها، وعليها تدور مصالح المعاد، وبها النجاة من النار والفوز بالجنة، ولهذا قال بعد ذكر العافية في هذه الرواية:"فاسألوني المغفرة أغفر لكم".
وقد ورد في طلب العافية من الرب عز وجل أحاديث متواترة ومنها:
ما أخرجه أحمد (1) والترمذي (2) وحسنه، والنسائي (3)، وابن ماجه (4)، وابن حبان (5) والحاكم (6) وصححاه من حديث أبي بكر الصديق أنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه
(1) في " المسند"(1/ 3، 4، 5، 7، 8، 9، 11) بإسناد حسن.
(2)
في "السنن" رقم (3558) وقال: حديث حسن غريب.
(3)
في "السنن"، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (879، 888) وفي "السنن الكبرى"(6/ 220 رقم 10715) من طرق عن جماعة من الصحابة وأحد أسانيده صحيح.
(4)
في "السنن" رقم (3849)
(5)
في صحيحه رقم (952)
(6)
في "المستدرك"(1/ 529) وصححه ووافقه الذهبي
وآله وسلم عام أول على المنبر -ثم بكى- فقال: "سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية". وإنما لم يصححه الترمذي لأن في إسناده: عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه مقال (1).
وقد حكى البخاري (2) أن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والحميدي كانوا يحتجون بحديثه.
وأخرج البزار (3) بإسناد رجاله رجال الصحيح -غير موسى بن السائب وهو ثقة- من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما سأل العباد شيئا أفضل من أن يغفر لهم ويعافيهم".
وأخرج البزار (4) أيضًا بإسناد رجاله ثقات من حديث أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوم مبتلين فقال: "أما كان هؤلاء يسألون الله العافية".
(1) قال ابن معين: ضعيف، وقال الترمذي: صدوق، وقال ابن حبان: رديء الحفظ. قال الذهبي: حديثه في مرتبة الحسن.
"الميزان"(2/ 484 رقم 4536). وفي "الثقات"(2/ 58 رقم 963): قال العجلي: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب مدني تابعي ثقة، جائز الحديث.
(2)
انظر "الميزان"(2/ 485 رقم 4536)
(3)
في مسنده (4/ 51 - 52 رقم 3176 - كشف).
وقال البزار: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، وسالم لم يسمع من أبي الدرداء.
وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 174) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن السائب وهو ثقة.
(4)
في مسنده (4/ 36 رقم 3134 - كشف).
وقال البزار: لا نعلمه رواه عن حميد إلا ابن عياش.
وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 147) وقال: "رواه البزار وإسناده حسن، ورواه أبو يعلى بنحوه كذلك".
وأخرج الطبراني (1) بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح -غير يزيد بن أبي زياد وهو حسن الحديث- من حديث العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئا أدعو الله تعالى به؟ فقال: "سل ربك العافية". قال: فمكث أياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله ربي؟ فقال: "يا عم، سل الله العافية في الدنيا والآخرة".
وقد أخرج هذا الحديث الترمذي في سننه (2) قال: "حدثنا بن منيع، حدثنا عبيد بن أحمد عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب، فذكره
…
".
قال الترمذي (3) بعد إخراجه: هذا حديث صحيح، وعبد الله هو ابن الحارث بن نوفل، وقد سمع من العباس بن عبد المطلب. انتهى.
وأخرج الطبراني في الكبير (4) من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمه العباس: "يا عم، أكثر الدعاء بالعافية". وفي إسناده هلال بن خباب (5) وقد ضعفه جماعة، وهو ثقة كما قال في مجمع الزوائد (6)، وبقية رجاله ثقات.
وأخرج ...................................................................
(1) أورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 175). وقال رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير يزيد بن أبي زياد وهو حسن الحديث. قلت: الحديث إسناده حسن.
(2)
في "السنن" رقم (3514)
(3)
في "السنن"(5/ 535). وهو حديث صحيح.
(4)
رقم (11908) وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 175) وقال: رواه الطبراني وفيه هلال بن خباب وهو ثقة وقد ضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات.
(5)
انظر "التقريب" رقم (7334)، "والميزان"(4/ 312)
(6)
(10/ 175).
الترمذي (1) وحسنه من حديث أنس: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ قال:"سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة". ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك. ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك، قال:"فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت".
وأخرج الطبراني أيضًا في الكبير (2) من حديث معاذ بإسناد رجاله رجال الصحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من دعوة أحب إلى الله أن يدعو بها عبد من أن يقول: اللهم إني أسألك المعافاة أو (العافية) (3) في الدنيا والآخرة".
وأخرج الطبراني في الكبير (4) أيضًا من حديث محمد بن عبد الله بن جعفر قال: كنت مع عبد الله بن جعفر إذ جاءه رجل فقال: مرني بدعوات ينفعني الله بهن، قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسأله رجل عما سألتني عنه فقال: " سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة".
وفي إسناده [سليمان بن داود](5) الشاذكوني، وفيه ضعف.
وأخرج البزار (6) من حديث ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(1) في "السنن" رقم (3558) وقال: حسن غريب. وهو حديث ضعيف.
(2)
رقم (346) وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 175) وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير العلاء بن زياد وهو ثقة، ولكنه لم يسمع من معاذ.
(3)
في "مجمع الزوائد"(والعافية)
(4)
أورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 175) وقال رواه الطبراني، وفيه سليمان بن داود الشاذكوني وهو ضعيف.
(5)
في المخطوط (سليمان بن موسى) وما أثبتناه من "الميزان"(2/ 205 رقم 3451).
(6)
في مسنده (4/ 60 رقم 3196 كشف).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 175) وقال رواه البزار، وفيه يونس بن خباب وهو ضعيف.
يقول: "اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي
…
" الحديث.
ومن ذلك ما أخرجه الترمذي (1) وحسنه، والنسائي (2)، وابن خزيمة (3) وابن حبان (4) وصححاه، من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة"، قيل: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: "سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة".
وأخرج النسائي (5) وغيره (6) من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "سلوا الله العفو والعافية".
والأحاديث في الباب واسعة جدا.
ولما طلب منهم سبحانه سؤاله المغفرة، أخبرهم بأنه يغفر لهم لمجرد هذا الطلب، ثم ضم إلى ذلك أنه يغفر لمن علم من عباده أنه ذو قدرة على المغفرة واستغفره بقدرته غفر له وكل عبد من العباد وإن كان له من الإسلام أقل حظ يعلم أنه عز وجل يقدر على مغفرة الذنوب، وكيف يشك في ذلك شاك أو يتخالج عبد من عباده ريب، وهو خالق العالم بأسره ورب الكل، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو المتفضل الكريم المطلق،
(1) في "السنن" رقم (3594) وقال: هذا الحديث حسن.
(2)
في "السنن الكبرى"(6/ 22 رقم 9895).
(3)
في صحيحه رقم (425، 426، 427).
(4)
في صحيحه رقم (1696).
قال الألباني: منكر الحديث بهذا التمام.
انظر: "الإرواء"(1/ 362)
(5)
في "السنن الكبرى"(6/ 221 رقم 10722).
(6)
" كابن حبان رقم (950). وأحمد في "المسند" (1/ 4).
وهو حديث صحيح لغيره.
المتجاوز العفو الغفور.
وفي هذه المفاصلة الفاضلة بشارات:
1 -
منها أن عافيته سبحانه تعصم من عافاه من عباده عن الذنوب.
2 -
ومنها أنه يغفر للمستغفرين.
3 -
ومنها أنه يغفر لمن علم أنه ذو قدرة على مغفرة الذنوب.
فانظر هذه الرحمة الواسعة والفضل الجم والكرم الفياض، وتصوره في الأحوال -ولله المثل الأعلى- لو رأيت بعض ملوك الدنيا وقد أشرف على عبيد له، يقول لهم هذه المقالة، لما وجدت عبارة تفي بوصف ما جبل عليه من الرأفة والرحمة والعلم، مع أنه مخلوق مثلهم، ومحتاج لما يحتاجون إليه من خالقه ورازقه وخالقهم ورازقهم، فكيف إذا كان القائل لهذه المقالة هو خالق السموات والأرض وما فيها، وخالق كل المخلوقات، ورازق جميع من يحتاج إلى الرزق من جميع خلقه، فإنك تجد ذهنك قد ضاف عن تصور بعض البعض من هذه الرحمة الواسعة والحلم العظيم والكرم العميم.
سبحانك ما أعظم شأنك، سبحانك ما أعز سلطانك، سبحانك ما أجل إحسانك، سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأقول (1)
لو كأن لي كل لسان لما
…
وفيت بالشكر لبعض النعم
فكيف لا أعجز عن شكرها
…
وليس لي غير لسان وفم (2)
قوله:" وكلكم ضال إلا من هديته، فاسألوني الهدى أهدكم".
في هذه الرواية زيادة تصريح على ما في الرواية الأولى لأنه قال هنا:" فاسألوني الهدى أهدكم"، وفيما سبق قال:" فاستهدوني أهدكم"، ومعنى استهدوني: اطلبوا مني
(1) أي الشوكاني رحمه الله
(2)
انظر "ديوان الشوكاني"(ص 328). ثم قال:
هذا هو الإفضال هذا العطا الـ
…
فياض هذا الجود هذا الكرم
الهداية (1)،والمعنى أنه سبحانه سجل على جميع عباده بالضلال فكان لهذا من الموقع في
(1) قال ابن تيمية في شرحه للحديث: فلما ذكر في أول الحديث ما أوجبه من العدل وحرمه من الظلم على نفسه وعلى عباده ذكر بعد ذلك إحسانه إلى عباده مع غناه عنهم وفقرهم إليه، وأنهم لا يقدرون على جلب منفعة لأنفسهم ولا دفع مضرة إلا أن يكون هو الميسر لذلك، وأمر العباد أن يسألوه ذلك وأخبر أنهم لا يقدرون على نفعه ولا ضره مع عظم ما يوصل إليهم من النعماء ويدفع عنهم من البلاء، وجلب المنفعة ودفع المضرة إما أن يكون في الدين أو الدنيا.
فصارت أربعة أقسام:
الهداية والمغفرة: وهما جلب المنفعة ودفع المضرة في الدين والطعام والكسوة، وهما جلب المنفعة ودفع المضرة في الدنيا.
وإن شئت قلت: الهداية والمغفرة يتعلقان بالقلب الذي هو ملك البدن وهو الأصل في الأعمال الإرادية، والطعام والكسوة يتعلقان بالبدن الطعام لجلب المنفعة واللباس لدفع المضرة، وفتح الأمر بالهداية فإنها وإن كانت الهداية النافعة هي المتعلقة بالدين فكل أعمال الناس تابعة لهدي الله إياهم، كما قال سبحانه:(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)[الأعلى: 1 - 3].
وقال موسى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه:50].
وقال تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[البلد:10].
وقال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[الإنسان:3].
ولهذا قيل الهدى أربعة أقسام:
1 -
الهداية إلى مصالح الدنيا فهذا مشترك بين الحيوان الناطق والأعجم وبين المؤمن والكافر.
2 -
الهدى بمعنى دعاء الخلق إلى ما ينفعهم وأمرهم بذلك، وهو نصب الأدلة وإرسال الرسل. وإنزال الكتب، فهذا أيضًا يشترك فيه جميع المكلفين سواء آمنوا أو كفروا، كما قال تعالى:(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)[فصلت:17].
وقال تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)[الرعد:7].
وقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشورى:52]. فهذا مع قوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)[القصص:56]، يبين أن الهدى الذي أثبته هو البيان والدعاء والأمر والنهي والتعليم وما يتبع ذلك ليس هو الهدى الذي نفاه وهو القسم الثالث الذي لا يقدر عليه إلا الله.
3 -
الهدى الذي هو جعل الهدى في القلوب وهو الذي يسميه بعضهم بالإلهام، والإرشاد وبعضهم يقول: هو خلق القدرة على الإيمان كالتوفيق عندهم ونحو ذلك وهو بناء على أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل فمن قال ذلك من أهل الإثبات جعل التوفيق والهدى ونحو ذلك خلق القدرة على الطاعة، وأما من قال إنهما استطاعتان:
إحداهما: قبل العقل وهي الاستطاعة المشروطة في التكليف كما في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران:97] ..
والثانية: المقارنة للعقل وهي الموجبة له وهي المنفية عمن لم يفعل في مثل قوله: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ)[هود:20].
4 -
الهدى في الآخرة، كما قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) [الحج:23 - 24].
قلوب العباد ما تضيق له الصدور وتقشعر له الجلود، ثم فتح [لهم](1) باب الهداية، وعرفهم أنهم يخرجون من هذه الظلمة إلى النور بمجرد سؤاله عز وجل الهداية لهم، وأنه سيهديهم لا محالة إذا طلبوا ذلك منه، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد، وقد تقدم بيان سبب كونهم مجبولين على الضلال.
قوله:"وكلكم فقير إلا من أغنيته فسلوني أرزقكم".
هذه الرواية أعم من الرواية الأولى، وأكثر فائدة، فإنه سبحانه هنالك قال:" يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم". فلقد خص في هذه الرواية: الطعام والكسوة لكونهما أهم ما يحتاجه العباد وأعظم ما تدعو حاجتهم إليه.
(1) في المخطوط (لكم) والصواب ما أثبتناه
وأما قوله:" كلكم فقير إلا من أغنيته"، فالافتقار كما يكون إلى الطعام والكسوة يكون أيضًا إلى غيرهما من الشراب والمسكن وما يقوم به المعاش في هذه الدار، ثم قال:"إلا من أغنيته": أي " كفيته جميع ما تدعوا حاجته إليه من كل ما لا بد منه، ثم قال:" فسلوني أرزقكم" فأمرهم بالسؤال مطلقا، وقد تقرر في علم البيان: أن حذف المتعلق مشعر بالعموم (1).
فالمعنى: سلوني ما شئتم حتى أرزقكم إياه وأعطيكم ما تطلبون من كل حاجة تحتاجونها كائنة ما كانت.
(1) قال الزركشي في "البحر المحيط"(3/ 162) حذف المعمول نحو زيد يعطي ويمنع، يشعر بالتعميم، وقوله:(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)[يونس:25] أي كل أحد وهذا لم يتعرض له الأصوليون، وإنما ذكره أهل البيان، وفيه بحث، فإن ذلك إنما أخذ من القرائن وحينئذ فإن دلت القرينة على أن المقدر يجب أن يكون عاما فالتعميم من عموم المقدر سواء ذكر أو حذف، وإلا فلا دلالة على التعميم فالظاهر أن العموم فيما ذكر إنما هو دلالة القرينة على أن المقدر عام، والحذف إنما هو لمجرد الاقتضاء لا التعميم. وانظر:" معترك الأقران في إعجاز القرآن"(228 - 230).
[ملك الله لا ينقص بالعطاء].
قوله:" ولو أن حيكم وميتكم، وأولكم وآخركم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا فكانوا على قلب أتقى عبد من عبادي، لم ينقص من ملكي جناح بعوضة".
هذه الرواية أشمل من الرواية الأولى لأنه سبحانه قال هناك:" لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم
…
إلخ" وقال هنا:" لو أن (جميع)(1) حيكم وميتكم"، فصرح بالأموات فكان أوضح من ذكر مجرد ذكر الأولية والآخرية، وقد دخل في قوله:" يا عبادي " الجن كما دخل الإنس.
ثم صرح بما يشمل الأولين والآخرين بقوله:" وأولكم وآخركم" ثم جاء بما يشمل الجمادات كلها ناميها وغيره، فقال:" ورطبكم ويابسكم"، وبهذا تعرف أن في هذه الرواية زيادة فائدتين:
الأولى: التنصيص على الأموات بعد الأحياء.
الثاني (2) ذكر أعم العام وهو كل رطب ويابس.
وأما التعبير بجناح البعوضة فهو لقصد المبالغة في التعميم، ولا نقص أصلا كما تقدم.
قوله:" ولو أن حيكم وميتكم، وأولكم وآخركم، ورطبكم ويابسكم، [اجتمعوا] (3) فسأل كل سائل منهم ما بلغت أمنيته، ما نقص من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بشفة البحر فغمس فيها إبرة ثم نزعها، ذلك بأني جواد ماجد، عطاي كلام، إذا أردت شيئا فإنما أقول له: كن فيكون".
ذكر سبحانه في هذه الرواية أن كل سائل ما بلغت أمنيته، وذكر فيما تقدم أنه أعطى
(1) ليست كلمة (جميع) من متن الحديث. انظر نص الحديث.
(2)
صوابه (الثانية)
(3)
زيادة من نص الحديث: انظره فقد تقدم آنفا
كل إنسان منهم مسألته، والظاهر أن هذه الرواية أشمل مما تقدم لأنه جعل مدى المسألة ما بلغت إليه أمنيته، وما يتمناه الإنسان من الفوائد العاجلة والآجلة في غاية الكثرة، بخلاف إعطاء السائل مسألته، فإن المسألة قد تكون بالكثير من الفوائد وقد تكون بالواحدة منها، وأما قوله:" فغمس فيها إبرة ثم نزعها"، فهو كقوله في الرواية المتقدمة:" ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط
…
"، لأن الإبرة هي المخيط وإن اختلفت في الصغر والكبر.
وأما قوله:" ذلك بأني جواد ماجد عطاي كلام إذا أردت شيئا إنما أقول له: كن فيكون". فهو يفيد أن قوله في الرواية الأولى:" ما نقص مما عندي"، وأن قوله هنا:" ما نقص من ملكي"(1)، ومعناها: من مقدوري، وأما قوله:" إذا أردت شيئا إنما
(1) قال ابن تيمية في شرحه للحديث (ص 82 - 88):
فبين أن جميع الخلائق إذا سألوا وهم في مكان واحد وزمان واحد فأعطى كل إنسان منهم مسألته لم ينقصه ذلك مما عنده، إلا كما ينقص الخياط:(وهي الإبرة) إذا غمس في البحر. وقوله:" لم ينقص مما عندي "فيه قولان:
(أحدهما): أنه يدل على أن عنده أمورا موجودة يعطيهم منها ما سألوه إياه وعلى هذا فيقال: لفظ النقص على حاله، لأن الإعطاء من الكثير.
وإن كان قليلا فلا بد أن ينقصه شيئا ما، ومن رواه:" لم ينقص من ملكي" يحمل على ما عنده، كما في هذا اللفظ فإن قوله:" مما عندي" فيه تخصيص ليس هو في قوله:" من ملكي" وقد يقال: المعطى إما أن يكون أعيانا قائمة بنفسها، أو صفات قائمة بغيرها.
فأما الأعيان: فقد تنقل من محل آخر، كما يوجد نظير علم المعلم في قلب المتعلم من غير زوال علم المعلم، وكما يتكلم المتكلم بكلام المتكلم قبله من غير انتقال كلام المتكلم الأول إلى الثاني، وعلى هذا فالصفات لا تنقص مما عنده شيئا وهي من المسؤول الهادي، وقد يجاب عن هذا بأنه هو من الممكن في بعض الصفات أن لا يثبت مثلها في المحل الثاني حتى تزول عن الأول، كاللون الذي ينقص وكالروائح التي تعبق بمكان وتزول. كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على حمى المدينة أن تنقل إلى مهيعة وهي الجحفة (أ).
(أ) أخرجه البخاري رقم (1889، 3926) ومسلم رقم (480/ 1376).
(والقول الثاني): أن لفظ النقص هنا كلفظ النقص في حديث موسى والخضر الذي في الصحيحين (أ) من حديث ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:" أن الخضر قال لموسى لما وقع عصفور على قارب السفينة فنقر في البحر فقال يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر " ومن المعلوم أن نفس علم الله القائم بنفسه لا يزول منه شيء بتعلم العباد وغنما المقصود أن نسبة علمي وعلمك إلى علم الله كنسبة ما علق بمنقار العصفور إلى البحر ومن هذا الباب كون العلم يورث كقوله:" العلماء ورثة الأنبياء"(ب) ومنه قوله: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)(جـ) ومنه توريث الكتاب أيضًا كقوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(د) ومثل هذه العبارة من النقص ونحوه تستعمل في هذا وإن كان العلم الأول ثابتا، كما قال سعيد بن المسيب لقتادة، وقد أقام عنده أسبوعا سأله فيه مسائل عظيمة حتى عجب من حفظه وقال:"نزفتني يا أعمى". وإنزاف القليب ونحوه هو رفع ما فيه بحيث لا يبقى فيه شيء، ومعلوم أن قتادة لو تعلم جميع علم سعيد لم يزل علمه من قلبه كما يزول الماء من القليب. لكن قد يقال التعليم إنما يكون بالكلام والكلام يحتاج إلى حركة وغيرها مما يكون بالمحل ويزول عنه، ولهذا يوصف بأنه يخرج من المتكلم كما قال تعالى:(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)(هـ).
(أ): تقدم تخريجه مرارا.
(ب): وهو جزء من حديث حسن وقد تقدم.
(جـ)[النمل:16].
(د): [فاطر:32].
(هـ): [الكهف:50].
ويقال قد أخرج العالم هذا الحديث ولم يخرج هذا. فإذا كان تعليم العلم بالكلام المستلزم زوال بعض ما يقوم بالمحل وهذا نزيف وخروج. كان كلام سعيد بن المسيب على حقيقته ومضمونه أنه في تلك السبع الليالي من كثرة ما أجابه وكلمه ففارقه أمور قامت به من حركات وأصوات بل ومن صفات قائمة بالنفس كان ذلك نزيفا.
ومما يقوي هذا المعنى أن الإنسان وإن كان علمه في نفسه فليس هو أمرا لازما للنفس لزوم الألوان للمتلونات، بل قد يذهل الإنسان عنه ويغفل، وقد ينساه ثم يذكره فهو شيء يحضر تارة ويغيب أخرى وإذا تكلم به الإنسان وعلمه فقد تكل النفس وتعيا حتى لا يقوى على استحضاره إلا بعد (مدة) فتكون في تلك الحال خالية عن كمال تحققه واستحضاره الذي يكون به العالم عالما بالفعل، وإن لم يكن نفس ما زال هو بعينه القائم في نفس السائل والمستمع.
ومن قال: هذا يقول كون التعليم يرسخ العلم من وجه لا ينافي ما ذكرناه، وإذا كان مثل هذا النقص والنزيف معقولا في علم العباد كان استعمال لفظ النقص في علم الله بناء على اللغة المعتادة في مثل ذلك، وإن كان هو سبحانه منزها عن اتصافه بضد العلم بوجه من الوجوه أو عن زوال علمه عنه لكن في قيام أفعال به وحركات نزاع بين الناس من المسلمين وغيرهم وتحقيق الأمر أن المراد: ما أخذ علمي وعلمك من علم الله وما نال علمي وعلمك من علم الله وما أحاط علمي وعلمك من علم الله كما قال: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)[البقرة: 255]. إلا كما نقص أو أخذ أو نال هذا العصفور من هذا البحر أي: نسبة هذا إلى هذا كنسبة هذا إلى هذا، وإن كان المشبه به جسما ينتقل من محل إلى محل ويزول عن المحل الأول، وليس المشبه كذلك، فإن هذا الفرق هو فرق ظاهر يعلمه المستمع من غير التباس كما قال صلى الله عليه وسلم:" إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر"(متفق عليه). فشبه الرؤية بالرؤية وهي وإن كانت متعلقة بالمرئي في الرؤية المشبهة والرؤية المشبه بها، لكن قد علم المستمعون أن المرئي ليس مثل المرئي فكذلك هنا شبه النقص بالنقص وإن كان كل من الناقص والمنقوص، والمنقوص منه المشبه ليس مثل الناقص والمنقوص والمنقوص منه المشبه به.
ولهذا كل أحد يعلم أن المعلم لا يزول علمه بالتعليم، بل يشبهونه بضوء السراج الذي يحدث يقتبس منه كل أحد ويأخذون ما شاءوا من الشهب وهو باق بحاله. وهذا تمثيل مطابق، فإن المستوقد من السراج يحدث الله في فتيلته أو وقوده نارا من جنس تلك النار، وإن كان قد يقال أنها تستحيل عن ذلك الهواء مع أن النار الأولى باقية. كذلك المتعلم يجعل في قلبه مثل علم المعلم مع بقاء علم المعلم، ولهذا قال علي رضي الله عنه: العلم يزكو على العمل أو قال: على التعليم والمال ينقصه النفقة، وعلى هذا فيقال في حديث أبي ذر أن قوله:" مما عندي" وقوله:" من ملكي" هو من هذا الباب وحينئذ فله وجهان: (أحدهما): أن يكون ما أعطاهم خارجا عن مسمى ملكه ومسمى ما عنده، كما أن علم الله لا يدخل فيه نفس علم موسى والخضر.
(والثاني): أن يقال بل لفظ الملك وما عنده يتناول كل شيء وما أعطاهم فهو جزء من ملكه ومما عنده، ولكن نسبت إلى الجملة هذه النسبة الحقيرة ومما يحقق هذا القول الثاني أن الترمذي روى هذا الحديث من طريق عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر مرفوعًا فيه:" لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتى تنتهي مسألة كل واحد منهم فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كمغرز إبرة غمسها أحدكم في البحر وذلك أني جواد ماجد واجد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون". فذكر سبحانه أن عطاءه كلام وعذابه كلام يدل على أنه هو أراد بقوله:" من ملكي ""ومما عندي" أي: من مقدوري فيكون هذا في القدرة كحديث الخضر في العلم والله أعلم.
ويؤيد ذلك أن في اللفظ الآخر الذي في نسخة أبي مسهر:" لم ينقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص البحر" وهذا قد يقال فيه: إنه استثناء منقطع أي: لم ينقص من ملكي شيئا لكن يكون حاله حال هذه النسبة وقد يقال: بل هو تام والمعنى على ما سبق.
أقول له كن فيكون "، فالمراد بالشيء: هو المعلوم له عز وجل قبل إبداعه، وقبل توجيه هذا الخطاب إليه، وليس المراد بالشيء هو الموجود في الخارج، فإن ذلك يستلزم تحصيل الحاصل، وهو محال.
فالحاصل أن هذا من خطاب التكوين: وهو الذي يكون به عز وجل المخاطب ويخلقه به بدون طلب فعل من المخاطب ولا قدرة للمخاطب ولا إرادة ولا وجود، بخلاف خطاب التكليف (1) فإنه: الذي يطلب به من المأمور فعلا أو تركا يفعله بقدرته وإرادته، وإن كان ذلك جميعه بحول الله وقوته، وقد اختلف الناس في:" خطاب التكليف هل يصح أن يخاطب به المعدوم أم لا؟ " والبحث مستوفى في الأصول (2).
(1) قال ابن تيمية: إن الإرادة نوعان إرادة الخلق وإرادة الأمر، فإرداة الأمر أن يريد من المأثور فعل ما أمر به، وإرادة الخلق أن يريد هو خلق ما يحدثه من أفعال العباد وغيرها. والأمر مستلزم للإرادة الأولى دون الثانية. والله تعالى أمر الكافر بما أراده منه بهذا الاعتبار. فإنه لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد وإرادة الخلق هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد، فهذه الإرادة لا تتعلق إلا بالموجود، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن
…
".
"منهاج السنة النبوية"(1/ 388)، (2/ 296)، "إرشاد الفحول"(ص74).
(2)
قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 77): وقع الخلاف بين الأشعرية والمعتزلة هل المعدوم مكلف أم لا؟. فذهب الأولون إلى الأول، والآخرون، إلى الآخر، وليس مراد بتكليف المعدوم أن الفعل أو الفهم مطلوبان منه حال عدمه فإن بطلان هذا معلوم بالضرورة فلا يرد عليهم ما أورده الآخرون من أنه إذا امتنع تكليف النائم والغافل امتنع تكليف المعدوم بطريق الأول، بل مرادهم التعلق العقلي أي توجه الحكم في الأزل إلى من علم الله وجوده مستجمعا شرائط التكليف واحتجوا بأنه لو لم يتعلق التكليف بالمعدوم لم يكن التكليف أزليا لأن توقفه على الوجود الحادث يستلزم كونه حادثا واللازم باطل؛ فالملزوم مثله لأنه أزلي لحصوله بالأمر والنهي وهما كلام الله وهو أزلي، وهذا البحث يتوقف على مسألة الخلاف في كلام الله سبحانه، وهي مقررة في علم الكلام.
واحتج الآخرون بأنه لو كان المعدوم يتعلق به الخطاب لزم أن يكون الأمر والنهي والخبر والنداء والاستخبار من غير متعلق موجود وهو محال، ورد بعدم تسليم كونه محالا بل هو محل النزاع.
قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" بعد ذلك (ص78): وتطويل الكلام في هذا البحث قليل الجدوى بل مسألة الخلاف في كلام الله سبحانه وإن طالت ذيولها وتفرق الناس فيها فرقا وامتحن بها من امتحن من أهل العلم وظن من ظن أنها من أعظم مسائل أصول الدين ليس لها كثير فائدة، بل هي من فضول العلم. ولهذا صان الله سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم عن التكلم فيها.
ومن التكوين: ما أخرجه مسلم (1) وغيره (2) عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله خلق مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة".
وما أخرجه البخاري (3) وغيره (4) من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض".
ومن ذلك حديث (5) "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: ما
(1) في صحيحه رقم (16/ 1653).
(2)
كالترمذي رقم (2156).
(3)
في صحيحه رقم (3190).
(4)
كالنسائي في "الكبرى" رقم (11240)
(5)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2155) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه وهذا الشطر المذكور من الحديث حسن والله أعلم. قال القرطبي في "المفهم"(6/ 668 - 669) قوله: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة". أي: أثبتها في اللوح المحفوظ، أو فيما شاء، فهو توقيت للكتب، لا للمقادير، لأنها راجعة إلى علم الله تعالى وإرادته، وذلك قديم لا أول له، ويستحيل عليه تقديره بالزمان، إذ الحق سبحانه وتعالى بصفاته موجود، ولا زمان ولا مكان، وهذه الخمسون آلأف سنة سنون تقديرية، إذ قبل خلق السموات لا يتحقق وجود الزمان، فإن الزمان الذي يعبر عنه بالسنين والأيام والليالي إنما هو راجع إلى أعداد حركات الأفلاك، وسير الشمس، والقمر في مدة في علم الله تعالى لو كانت السموات موجودة فيها لعددت بذلك العدد، وهذا نحو مما قاله المفسرون في قوله:(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)[الأعراف: 54] أي: في مقدار ستة أيام، ثم هذه الأيام كل يوم منها مقدار ألف سنة من سني الدنيا. كما قال تعالى:(وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)[الحج: 47]. وكقوله تعالى: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ)[السجدة: 5].
هذا قول ابن عباس وغيره من سلف المفسرين على ما رواه الطبري في "تاريخه" عنهم ويحتمل أن يكون ذكر الخمسين ألف جاء مجيء الإغياء في التكثير، ولم يرد عين ذلك العدد، فكأنه قال: كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق هذا العالم بآحاد كثيرة وأزمان عديدة وهذا نحو مما قلناه في قوله تعالى: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)[التوبة: 80]، والأول: أظهر وأولى.
وقال القاضي عياض في "الإيمان من إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم"(2/ 696 - 697) وفيه -الحديث- حجة لمذهب أهل السنة في الإيمان بصحة كتاب الوحي المقادير في كتب الله تعالى من اللوح المحفوظ وما شاء بالأقلام التي هو تعالى يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات من كتاب الله، والأحاديث الصحيحة -انظر ما تقدم منها- وأن ما جاء في ذلك على ظاهره، لكن كيفية ذلك وجنسه وصورته مما لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه على غيبه من ذلك من ملائكته ورسله ومما لا يتأوله ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والإيمان". إذا جاءت به الشريعة ودلائل العقول لا تحيله. والله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، حكمة من الله، وإظهارا لما شاء من غيبة لمن شاء من ملائكته وخلقه وإلا فهو الغني عن الكتب والاستذكار لا إله غيره.
انظر: "مجموع الفتاوى"(3/ 148)(7/ 381 - 386).
انظر: "فتح الباري"(3/ 245 - 247)(6/ 477 - 515)، "شفاء العليل" لابن القيم (1/ 91).
أكتب؟ قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة".
فالمراد (في الآية)(1) أنه سبحانه يقول للشيء الثابت في علمه كن فيكون، وليس المراد أنه يقول للشيء الموجود في الخارج في كن فيكون حتى يلزم المحال، فالذي يقال له كن هو الذي يراد قبل أن يخلق لأنه متميز في علم الله سبحانه وسابق قدره.
قوله في الرواية الثالثة: "يا ابن آدم كلكم مذنب إلا من عافيت، فاستغفروني أغفر لكم".
أخبر سبحانه عباده بأنهم متلوثون بالذنوب مقارفون للمعاصي للعلة التي ذكرناها فيما تقدم إلا من عافاه الله منهم من الوقوع في موجبات الذنوب وأسبابها، وهؤلاء المذنبون قد فتح لهم عز وجل باب الرحمة، وندبهم إلى الاستغفار، وسد باب الإياس وأغلقه، لأنه سبحانه لا يتعاظمه ذنب كائنا ما كان حتى الشرك بالله! والكفر به!، فإنه لا خلاف أن الكافر إذا أسلم غفر الله له ذنوبه وجب الإسلام ما قبله، ولهذا يقول سبحانه: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ
…
} إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا} (2) وفي الآية الأخرى: {فَإِنْ تَابُوا} إلى قوله: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (3). وقال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} إلى قوله: {أَفَلَا يَتُوبُونَ .... } (4).
فالتوبة من هذا الذنب الذي هو أشد الذنوب تمحوه! ويصير التائب من الذنب كمن لا ذنب له! وما عدا ذلك من الذنوب فالاستغفار يرفعه لأن مجرد الاستغفار مشعر بالتوبة إلا أن يكون الذنب من حقوق بني آدم المالية، فلا توبة منه إلا برده أو استطابة نفس
(1) يشير إلى قوله تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[النحل: 40].
(2)
[التوبة: 5]
(3)
[التوبة: 11]
(4)
[المائدة: 73 - 74].
مالكه، وكذلك ما كان من حقوق بني آدم من الدماء فلا توبة إلا ببذل النفس للقصاص، أو الأرش فيما لا قصاص فيه، أو الإبراء، وما كان منها في الأعراض فلا بد من التحلل الكائن عن رضا وطيبة نفس، وإذا لم يحصل شيء من ذلك فالموعد القيامة بين يدي الحاكم العدل.
وقد أخرج مسلم (1)! وغيره (2) من حديث أبي سعيد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض من مظالم كانت بينهم في الدنيا، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة
…
".
وصح (3) عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من كانت عنده مظلمة لأخيه في دم أو مال فيتحللها منه قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار إلا الحسنات والسيئات، فإن كان له حسنات أخذ من حسناته بقدر مظلمته، وإلا أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم طرح في النار".
وأخرج البخاري في كتاب الأدب (4)، واستشهد به في صحيحه (5)، وأحمد (6)، وغيره (7) من حديث جابر قال: "إذا كان يوم القيامة فإن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه
(1) بل أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2440) وطرفه (6535)
(2)
كأحمد في "المسند"(3/ 13، 57، 63، 74).
(3)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (449) وطرفه (6534) في كتاب "المظالم والغصب" باب رقم (10/ 10) وفي كتاب الرقاق باب (48/ 48) القصاص يوم القيامة.
(4)
في "الأدب المفرد" رقم (973)
(5)
أي البخاري في صحيحه (1/ 173 - 174 رقم 78) تعليقا بصيغة الجزم.
(6)
في مسنده (3/ 495).
(7)
انظر "فتح الباري"(1/ 174)
من قرب: أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة قبله مظلمة حتى أقضيه منه".
قوله: "وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أعطكم".
في هذا إرشاد للعباد إلى التوكل (1) على ربهم في أرزاقهم، وأن جميعهم فقراء إلا من
(1) قال ابن تيمية في "شرح حديث:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي" ص62، وأما قوله: "يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته
…
" يقتضي أصلين عظيمين:
أحدهما: وجوب التوكل على الله في الرزق المتضمن جلب المنفعة كالطعام ودفع المضرة كاللباس، وأنه لا يقدر غير الله على الإطعام والكسوة قدرة مطلقة، وإنما القدرة التي تحصل لبعض العباد تكون على بعض أسباب ذلك ولهذا قال سبحانه:(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 233].
وقال: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ)[النساء: 5].
فالمأمور به هو المقدور للعباد وكذلك قوله: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، َتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)[البلد: 14، 15، 16].
وقوله: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)[الحج: 36]
…
فذم من يترك المأمور به اكتفاء بما يجري به القدر، ومن هنا يعرف أن السبب المأمور به أو المباح لا ينافي وجوب التوكل على الله في وجود السبب بل الحاجة والفقر إلى الله ثابتة مع فعل السبب إذ ليس في المخلوقات ما هو وحده سبب تام لحصول المطلوب، ولهذا لا يجب أن تقترن الحوادث بما قد يجعل سببا إلا بمشيئة الله تعالى فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فمن ظن الاستغناء بالسبب عن التوكل فقد ترك ما أوجب الله عليه من التوكل، وأخل بواجب التوحيد، ولهذا يخذل أمثال هؤلاء إذا اعتمدوا على الأسباب فمن رجا نصرا أو رزقا من غير الله خذله الله كما قال علي رضي الله عنه: لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه وقد قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر: 2]. وهذا كما أن من أخذ في التوكل تاركا لما أمر به من الأسباب فهو أيضًا جاهل ظالم، عاص لله يترك ما أمره، فإن المأمور به عبادة لله وقد قال تعالى:(فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)[هود: 123].
وقال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة: 5].
أغناه الله، فدفع الفقر لا يغني فيه سعي ولا كسب، ولا حيلة للعبد في شيء من ذلك، بل الغنى بيد الله عز وجل، من أفاض عليه من خزائن ملكه صار غنيا، ولا ينافي ذلك السعي في أسباب الرزق، كما في قوله عز وجل:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ .... } (1).
فإن الله عز وجل هو مسبب الأسباب، وهو الفاتح لأبواب الخير، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} (2) الآية.
وقال سبحانه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} (3).
قوله: "وكلكم ضال إلا من هديت فسلوني الهدى أهدكم، ومن استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له، غفرت له ولا أبالي".
لما كان أصل هذا النوع الإنساني الضلال والجهل، لأن الهدى والعدل لا بد أن يتقدمه علم، إذ من لا يعلم لا يدري ما العدل ولا ما الهدى حتى يعلم بذلك، فأخبر الله سبحانه عباده أن كلهم ضال إلا من هداه عز وجل، فهو الهادي، لا هادي سواه، ثم أرشدهم إلى أن يسألوه الهداية لهم، وكفل لهم إذا سألوه ذلك أن يجيبهم ويمنحهم ما سألوه، ويعطيهم ما طلبوه، ثم أرشدهم إلى أن يطلبوا منه المغفرة لذنوبهم بعد أن يعلموا أنه ذو قدرة على ذلك، وكل مسلم يعلم ذلك، فالتقييد بهذه الزيادة فيه الإشعار لهم بأنه
(1)[الملك: 15]
(2)
[فاطر: 2]
(3)
[يونس: 107]
سيغفر لهم لا محالة، لأنه لا يوجد مسلم يخالف في هذه القدرة الربانية على مغفرة الذنوب، ثم زيادة قوله سبحانه:"ولا أبالي" تفيد مزيد التأكيد أنه فاعل لذلك، وأنه لا يتعاطفه شيء، ولا يبالي من شيء، ومن ذاك الذي يبالي به رب العالم وخالق الكل، والجميع عبيده وخلقه وتحت قدرته وتصرفه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وقد قدمنا شرح هذه الكلمات المذكورة في هذه الرواية الثالثة فيما قبلها، ولكنا نتعرض لمزيد فائدة وتقييد شاردة.
قوله: "ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا على قلب أشقى رجل منكم، ما نقص ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زادوا في سلطاني مثل جناح بعوضة".
قد قدمنا الكلام على [هذا](1) الفصل مستوفى، والمراد من هذا أنه سبحانه بين لهم أنه يحسن إليهم بما سبق ذكره وغيره، ولا يزيد إحسان المحسنين في سلطانه شيئا، فإن ذلك إنما هو عادة المخلوقين، فإن غالب أعطياتهم لبعضهم البعض لجلب النفع أو دفع الضر، وأما رب العالم وخالقهم ومحييهم ومميتهم فهو الغني المطلق، الذي لا يبلغ عابده نفعه ولا يستطيعون ضره، وكيف يستطيع ذلك من هو في الضعف والعجز بمكان، بحيث لا يجلب لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا، فكيف يقدر على أن يجلب لغيره من المخلوقات نفعا أو يدفع عنهم ضرا، فتعالى الله الملك الحق وتقدس عن أن يقع في خلد أحد من عباده، مسلمهم وكافرهم، ومطيعهم وعاصيهم، أنه يعود إلى ربه الخالق له، والرازق والمحيي له والمميت، زيادة في سلطانه من طاعته أو نقص فيه من عصيانه.
قوله:" ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم، سألوني
(1) في المخطوط (هذه) والصواب ما أثبتناه.
حتى تنتهي مسألة كل واحد منهم، فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كمغرز إبرة لو غمسها أحدكم في البحر، وذلك أني جواد ماجد، عطاي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له: كن فيكون".
هذا الفصل قد تقدم شرحه مستوفى فلا نطيل الكلام عليه.
وإلى هنا انتهى الشرح لحديث أبي ذر في شهر محرم سنة: (1240 هـ) بقلم مؤلفه محمد بن علي الشوكاني، غفر الله لهما.