الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(181)
9/ 5
سؤال وجواب في فقراء الغرباء الواصلين إلى مكة من سائر الجهات ومكثهم في المسجد الحرام
تأليف:
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: سؤال وجواب في فقراء الغرباء الواصلين إلى مكة من سائر الجهات ومكثهم في المسجد الحرام.
2 -
موضوع الرسالة: آداب.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد فإنه وصل هذا السؤال من مكة المشرفة وهذا لفظه:
4 -
آخر الرسالة: ...... ربما يقول به قائل ممن لا يعقل حجج الله، ولا يفهم براهينه وفي هذا المقدار كفاية والله ولي التوفيق.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 5 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 30 سطرا. ما عدا الصفحة الأخيرة فعدد أسطرها خمسة أسطر.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الخامس من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد:
فإنه وصل السؤال من مكة المشرفة، وهذا لفظه:
ما قولكم - رضي الله عنكم- في فقراء الغرباء الواصلين إلى مكة - شرفها الله - الواردين إليها من سائر الجهات، ومكثهم في المسجد الحرام بما معهم من الأمتعة، واتخاذهم إياه مسكنا، ونومهم فيه من صحيح ومريض وجريح، مع كشف عورات أغلبهم، وكثرة صياحهم وتشويشهم على المصلين في آخر المسجد مع الإمام اشتباه الإمام عليهم، ولو كان مبلغ بسبب رفع أصواتهم وترك بعضهم الصلاة مع الجماعة، ومنهم لغالب بقاع المسجد على المصلين بما معهم من الأمتعة المسترذلة، وتلويثهم المسجد بالأوساخ، والبزاق، والمخاط، والقيح والدم، والبول، والغائط المشاهد كل ذلك حسا وعيانا، المؤدي ذلك إلى هتك حرمة البيت الشريف الواجب تعظيمه وتوقيره، والمكث فيه مع الجنابة. وعلى ذلك مما هو مستقبح شرعا هل يباح مكثهم فيه على ما ذكر قياسا على فقراء المهاجرين من أهل الصفة (1) من الصحابة الكرام الذين أشرقت عليهم أنواره عليه الصلاة والسلام أم لا يباح ذلك؟ وعلى ولاة الأمر من القضاة والحكام منعهم وإخراجهم عنه، ولو منعوا من سكنى ما كان لهم من أربطة ودور ونحوها واستيلاء الغير عليها؟ أفيدوا بالجواب، ولكم من الله الوهاب جزيل الثواب آمين.
(1) أهل الصفة: كانوا أضياف الإسلام، كانوا يبيتون في صفة مسجده صلى الله عليه وسلم وهو موضع مظلل من المسجد. ولمزيد تفصيل عن أهل الصفة انظر كتاب "رجحان الكفة في بيان نبذة من أخبار أهل الصفة "للعلامة الحافظ: محمد بن عبد الرحمن السخاوي. تحقيق أبي عبيدة وأبي حذيفة ط. دار السلف
أجاب مولانا العلامة البدر محمد بن علي الشوكاني - كثر الله فوائده -.
أقول: حامدا لله - سبحانه -، ومصليا على رسوله وآله - قد ثبت في هذه الشريعة المطهرة تنزيه المساجد على العموم بما هو دون هذه الأمور المذكورة في السؤال بكثير، فكيف بالمسجد الحرام الذي له من الفضائل الجزيلة، والمناقب الجميلة ما يصعب حصره، وتعسر الإحاطة به! وهو بيت الله - سبحانه - في أرضه، وقبلة العالم، ومكان حجهم! فمن جملة ما ورد في تنزيه المساجد على العموم ما أخرجه الشيخان (1) وغيرهما (2) عن ابن عمر قال:" بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب يوما إذ رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيظ على الناس ثم حكها قال: وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال:" إن الله قبل وجه أحدكم إذا صلى فلا يبصق بين يديه".
وأخرج ابن ماجه (3) من حديث أبي هريرة، وفي إسناده القاسم بن مهران، وهو مجهول (4)، وأخرج نحوه ابن خزيمة في صحيحه (5) من حديث أبي سعيد، وأخرج أيضا
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (406) ومسلم رقم (547) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة، فحكه، ثم أقبل على الناس فقال:" إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى".
(2)
كأبي داود رقم (479) واللفظ له.
(3)
في:"السنن" رقم (1022).
قلت: وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (550) وأحمد (2/ 250)، وهو حديث صحيح
(4)
بل هو القاسم بن مهران القيسي [مسلم، النسائي، ابن ماجه] خال هشيم فثقة. له عن أبي رافع الصائع، وعنه شعبة وعبد الوارث. وثقه ابن معين. حديثه في الزجر في القبلة.
"ميزان الاعتدال"(3/ 380 رقم 6849).
(5)
(2/ 46، 63 رقم 880،926) وأخرجه أبو داود رقم (480) واحمد (3/ 24) والحاكم (1/ 257) بإسناد حسن.
عن أبي سعيد الخدري قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه العرجين أن يمسكها بيده، فدخل المسجد ذات يوم، وفي يده واحد منها، فرأى نخامات في قبلة المسجد فحتهن حتى أنقاهن، ثم أقبل على الناس مغضبا فقال:" أيحب أحدكم أن يستقبله رجل فيبصق في وجهه، إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة، فإنما يستقبل ربه، والملك عن يمينه فلا يبصق بين يديه ولا عن يمينه".
نحوه أبو داود وغيره (1) من حديث ابن عمر أيضا. وأخرج أبو داود (2)، وابن خزيمة (3)، وابن حبان (4) في صحيحيهما عنه صلى الله عليه وآله وسلم:" من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه". وأخرجه الطبراني في الكبير (5) عن أبي أمامة بنحوه.
وأخرجها ابن حبان (6)، وابن خزيمة (7) في صحيحيهما، والبزار (8) عن ابن عمر بنحوه.
وأخرج الشيخان (9) وغيرهما (10) من حديث أنس عنه صلى الله عليه وآله وسلم
(1) أخرجه ابن خزيمة رقم (1312 و1313) وابن أبي شيبه (2/ 365).
(2)
في "السنن" رقم (3824)
(3)
في صحيحه (2/ 63 رقم 925)
(4)
في صحيحه رقم (1637) من حديث حذيفة. وهو حديث صحيح
(5)
(8/ 293 رقم 7960) عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من بزق في قبلته ولم بوارها جاءت يوم القيامة أحماما تكون حتى تقع بين عينيه".
وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 19) وقال: وفيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف جدا.
قلت وهو حديث ضعيف جدا
(6)
في صحيحه رقم (1636).
(7)
في صحيحه رقم (2/ 278 رقم 1313)
(8)
في مسنده (رقم 413 - كشف).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 19) وقال رواه البزار وفيه عاصم بن عمر، ضعفه البخاري وجماعة وذكره ابن حبان في الثقات. وهو حديث صحيح.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه".
(9)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (415) ومسلم رقم (552)
(10)
كأبي داود رقم (475) والنسائي (2/ 51)
قال:" البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها" وأخرجه أحمد (1) من حديث أبي أمامة بإسناد لا بأس به. وأخرج [1أ] أبو داود (2) وابن حبان في صحيحه (3) عن أبي سهلة السائب بن خلاد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يصلي بكم هذا ". فأراد بعد ذلك أن يصلى بهم فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:" نعم" قال: وأحسبه قال:" إنك آذيت الله ورسوله").
وأخرجه الطبراني في الكبير (4) بنحوه من حديث ابن عمرو، وذكر أن الصلاة هي الظهر. وأخرج الطبراني (5) بإسناد فيه نظر عن أبي أمامة رفعه قال:" إن العبد إذا قام في الصلاة فتحت له الجنان، وكشف له الحجب بينه وبين ربه، واستقبلته الحور العين ما لم يتمخط أو يتنخع". والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا. وقد ثبت النهي عن إنشاد الضالة في المسجد، وهو في الصحيح (6).
(1) في "المسند"(5/ 260).
وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 365) والطبراني رقم (8091، 8092، 8093، 8094). وهو حديث حسن لغيره.
(2)
في "السنن" رقم (481)
(3)
رقم (1634). وهو حديث حسن
(4)
كما في "المجمع"(2/ 20) وقال رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات وهو حديث حسن.
(5)
كما في "المجمع"(2/ 19 - 20) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" من طريق طريف بن الصلت عن الحجاج بن عبد بن هرم، ولم أجد من ترجمها. وهو حديث ضعيف
(6)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (568) وأبو داود رقم (473) وابن ماجه رقم (767) وابن حبان في صحيحه رقم (1649) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا ". وهو حديث صحيح.
وثبت أيضًا النهي عن البيع والشراء (1) والخصومة، ورفع الأصوات، ومن ذلك ما أخرجه ابن ماجه (2) من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمروها في الجمع".
وأخرجه الطبراني في الكبير (3) من حديث أبي الدرداء، وأبي أمامة، وواثلة، ورواه في الكبير (4) أيضًا بتقديم وتأخير من رواية مكحول عن معاذ، ولم يسمع منه.
(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم من كان يبيع، أو يبتاع في المسجد، فقولوا لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك".
أخرجه الترمذي رقم (1321) والنسائي في "عمل اليوم والليلة " رقم (176) وابن خزيمة (2/ 274) وابن حبان رقم (1650) والحاكم (2/ 56). وهو حديث صحيح.
(2)
في "السنن" رقم (750).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 265 رقم 282): هذا إسناد ضعيف أبو سعيد هو محمد بن سعيد الصواب، قال أحمد عمدا كان يضع الحديث. وقال البخاري: تركوه وقال النسائي: كذاب.
قلت: والحارث بن نبهان ضعيف
…
وهو حديث ضعيف جدا
(3)
عزاه إليه الهيثمي في "المجمع"(2/ 19 - 20) وقال رواه الطبراني في "الكبير" من طريق طريف بن الصلت عن الحجاج بن عبد الله بن هرم، ولم أجد من ترجمهما.
(4)
في "المعجم الكبير"(20،173 رقم 369).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 26) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" ومكحول لم يسمع من معاذ".
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف "(1/ 441 - 442 - 1726) عن عبد ربه بن عبد الله عن مكحول ليس بينهما يحيى بن العلاء.
وخلاصة القول أن الحديث ضعيف والله أعلم.
وأخرج الترمذي (1)، وقال حديث حسن صحيح، والنسائي، وابن خزيمة، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:" إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك ". وأخرج ابن حبان في صحيحه (2) الشطر الأول منه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد ثبت في إنزال الغرباء في المساجد أحاديث منها أحاديث إنزال أهل الصفة بمسجده صلى الله عليه وآله وسلم، وهي ثابتة في كتب الحديث والسير، والصفة موضع مظلل في مؤخرة المسجد يأوي إليه المساكين من المهاجرين، وأنزل فيها أيضًا رهطا من عكل لما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري (3) وغيره (4) من حديث أنس، وأنزل وفد ثقيف المسجد. كما أخرجه أبو داود (5) من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، وأخرجه الطبراني في الكبير (6) من حديث عطية بن عبد الله بن سفيان، وفي إسناده محمد بن إسحاق، وقد عنعنه، ومنها ما أخرجه أحمد (7) والطبراني (8) من حديث أسماء بنت يزيد:" أن أبا ذر كان يخدم رسول
(1) تقدم تخريجه آنفا. وهو حديث صحيح
(2)
رقم (1650)
(3)
في صحيحه رقم (233) ومن أطرافه [1501، 3018، 4192، 4193
…
]
(4)
كمسلم في صحيحه رقم (1671).
عكل: بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تميم الرباب، من عدنان.
(5)
في "المراسيل"(ص 80 رقم 17) بسند رجاله ثقات
(6)
لم أعثر عليه في المعجم الكبير
(7)
في "المسند"(6/ 457) بإسناد ضعيف.
(8)
في "الكبير" رقم (1623).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 222 - 223) وقال: رواه أحمد والطبراني بعضه في "الكبير" وفيه شهر بن حوشب وفيه كلام وقد وثق.
الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد، وقد كان بيته فيضطجع فيه".
وأخرجه الطبراني في الأوسط (1) من حديث أبي ذر نفسه. وثبت في الصحيحين (2) وغيرهما:" أنه صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري المسجد " وثبت أيضًا في الصحيحين (3) وغيرهما:" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنزل سعد بن معاذ في المسجد ليعوده من قريب، فلم يرعهم، وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم "الحديث.
وثبت عند البخاري (4) وغيره من حديث عائشة في شأن المرأة السوداء في قصة
(1) رقم (4456).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 223) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا سلسل ابن نفير لم يدرك أبا ذر.
وأخرجه أحمد في "المسند"(5/ 144) بسند ضعيف.
وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 223) وقال: رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد وثق.
(2)
أخرجه البخاري رقم (469) ومسلم رقم (541)
(3)
أخرجه البخاري رقم (4122) ومسلم رقم (1769)
(4)
في صحيحه رقم (439) عن عائشة رضي الله عنها قالت أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور قالت فوضعته أو وقع منها. فمرت به حدياة وهو ملقى فحسبته لحما فخطفته، قالت فالتمسوه فلم يجدوه قالت. فاتهموني به قالت: فطفقوا يفتشون، حتى فتشوا قبلها، قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته، قالت: فوقع بينهم. قالت: فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم وأنا منه بريئة. وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت. قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت:
ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا
…
ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
قالت عائشة: فقالت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعدا إلا قلت هذا فحدثتني بهذا الحديث.
الوشاح، وكان لها خباء في المسجد أو حفش. وثبت في الصحيح (1)"إنزال وفد الحبشة في المسجد، ولعبهم بجرابهم فيه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر ". وثبت [1ب] في الصحيح (2) أيضاً: " أن ابن عمر كان ينام في المسجد، وهو شاب أعزب لا أهل له " ونحو هذه الأحاديث الثابتة في نزول الغرباء المسجد، وانزل كل غريب من الوفد لا يجد له منزلا، وليس فيها ما ذكره السائل من صنيع هؤلاء النازلين به الآن من تلويثه بالنجاسات، واحتجازه بأمتعتهم، وتشويش المصلين برفع أصواتهم؛ فإن مثل هذه الأمور تصان المساجد عما هو دونها بكثير فضلا عن المسجد الحرام، فتركهم والحالة هذه منكر، وتفويت لما بنيت المساجد له كما في حديث:" أن المساجد لم تبن لهذا، إنما بنيت لذكر الله والصلاة "(3) فهؤلاء قد فوتوا بهذا العمل منهم ما بنيت له المساجد.
وقد ورد النهي عن أن يشغل القارئ من كان مصليا مع أن تلاوة القرآن من أفضل الذكر التي بنيت له المساجد، ولكنه لما صاحب هذه التلاوة التي هي عبادة محضة ما هو مفسدة، وهو التشويش على المصلين خرج ذلك من باب المعصية، فكيف بما هو لغو بحت، وضوضاة محض، وجلبة لا يراد بها شيء من طاعات الله - سبحانه -، ولا يحل لعالم أن يحتج لفعل مثل هؤلاء المسؤول عنهم بمثل ما وقع لسعد بن معاذ من انفجار
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (454) وأطرافه (455، 950، 988، 3529، 3931، 5190، 5136) ومسلم في صحيحه رقم (892) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (440) وأطرافه [1121، 1156، 3738، 3740، 7015، 7030] من حديث ابن عمر
(3)
أخرجه مسلم رقم (569) من حديث بريدة رضي الله عنها وفيه:" لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له وهو حديث صحيح وقد تقدم.
جرحه وسيلانه في المسجد، فإن ذلك وقع اتفاقا عن غير قصد. وقد صرح الحديث المتقدم في إنزاله بالعلة التي لأجلها أنزل بالمسجد، وهو أن يعوده صلى الله عليه وآله وسلم من قريب، ولا يحل أيضًا الاحتجاج بفعل الحبشة ولعبهم بالحراب، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغ في إكرامهم مكافأة للنجاشي بما صنعه من المعروف مع الصحابة المهاجرين إليه، حتى كان في بعض الحالات قد يتولى خدمتهم بنفسه الشريفة تكميلا لتلك المكافأة.
ومع هذا فهم إنما فعلوا ما هو صناعة من صنائع الحرب ودقيقة من دقائقه. وعلى كل حال فأين هذا من صنيع هؤلاء الذين لوثوه بالنجاسات، وقذروه بالوساخات، وكشف العورات، ورفع الأصوات، وتشويش أهل العبادات. وانظر إلى ما أخرجه عبد الرزاق (1) من حديث جابر قال:" أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن مضطجعون في مسجده فضربنا بعسيب في يده وقال: قوموا لا ترقدوا في المسجد".
وفي إسناده حرام (2) بمهملتين، وهو ضعيف، ولكنه يقويه ما أخرجه الطبراني (3) بإسناد رجاله ثقات عن أبي عمرو الشيباني قال: كان ابن مسعود يعس بالمسجد فلا يدع سوادا إلا أخرجه " ولا يحل أيضًا الاحتجاج لهؤلاء المنجسين لبيت الله المقذرين له بما روي من
(1) في مصنفه (1/ 422 - 423 رقم 1655).
(2)
وهو حرام بن عثمان الأنصاري.
قال مالك ويحيى ليس بثقة، قال أحمد: ترك الناس حديثه.
قال إبراهيم بن يزيد الحافظ سألت يحيي بن معين عن حرام. فقال: الحديث عن حرام حرام.
وقال الذهبي بعد ذكره الحديث. هذا حديث منكر جداً.
"الميزان"(1/ 468 - 469) رقم (1766).
(3)
في "الكبير"(9/ 293 رقم 9266).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 24) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله موثقون.
وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم (1654)
أكله صلى الله عليه وآله وسلم في نادر الحالات في المسجد كما أخرجه الطبراني في الكبير (1) من حديث ابن الزبير بإسناد فيه ابن لهيعة قال:" أكلنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما شواء، ونحن في المسجد ". وكما أخرجه أحمد (2) من حديث بلال برجال ثقات مع انقطاع فيه:" أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤذنه بالصلاة فوجده يتحسر في مسجد بيته".
وكما أخرجه أحمد (3)، وأبو يعلى (4) من حديث:[ابن عمر](5) أنه صلى الله عليه وآله وسلم شرب فضيخا في مسجد يقال له مسجد الفضيخ " وفيه عبد الله بن نافع ضعفه البخاري، وأبو حاتم والنسائي. وقال ابن معين: يكتب حديثه. وكما في حديث عبد الله [2أ] بن الحارث قال:" كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد الخبز واللحم". أخرجه ابن ماجه (6).
فليس في هذا وأمثاله من التقذير والتنجيس شيء، فالواجب على أولي الأمر أن
(1) كما في "مجمع الزوائد"(2/ 21) وقال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام.
(2)
في "المسند"(6/ 13) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 21) وقال رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن أبا داود قال: لم يسمع شداد مولى عياض من بلال والله أعلم.
قلت: شداد مجهول، ولم يدرك بلالا فالسند ضعيف منقطع.
(3)
في "المسند"(2/ 106).
(4)
في مسنده رقم (5733).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 21) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قال: أتي بجر فضيخ بسر وهو في مسجد الفضيح. فشربه فلذلك سمي مسجد الفضيخ. وفيه عبد الله بن نافع. ضعفه البخاري وأبو حاتم والنسائي وقال ابن معين يكتب حديثه.
انظر:"الميزان"(3/ 512 - 513).
* الفضيخ: شراب يتخذ من البسر المفضوخ أي المشدوخ. أي غير مسكر.
(5)
زيادة يقتضيها السياق
(6)
في "السنن" رقم (3300) وهو حديث صحيح
ينزهوا بيت الله عز وجل عن هذه الأمور التي لا يحلها الشرع في شيء من مساج المسلمين، فكيف ببيت رب العالمين الذي شرفه الله على كل مسجد من مساجد الدنيا بمضاعفة الصلاة فيه إلى تلك الأضعاف المذكورة في حديث:" صلاة في مسجدي هذا "(1) الحديث.
وأخرج أحمد (2)، وابن ماجه (3) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيرا، أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله، ومن دخل لغير ذلك كان كالناظر إلى ما ليس له"، وفي لفظ:" بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع لدى غيره".
وإذا ثبت هذا في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم فهو في المسجد الحرام ثابت بفحوى الخطاب فما ينبغي اعتماده في مثل هؤلاء هو أن يقال لهم بالمعروف إذا نزلتم في هذا المسجد الشريف الذي يقصده العالم من أطراف الأرض فلا تقذروه بشيء من الأقذار، ولا تلوثوه بشيء من النجاسات، ولا تحجزوه على من يقصده لعبادة الله، ولا ترفعوا فيه صوتا، ولا تكشفوا فيه عورة، ولا تهتكوا فيه حرمة، وأحيوه بالعبادة والذكر، وارفعوا من أمتعتكم ما يمنع الوافدين إليه من الصلاة فيه، والعمل الصالح، فإن
(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (1190) ومسلم رقم (1394) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام".
(2)
في "المسند"(2/ 350 - 527).
(3)
في "السنن" رقم (227).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (97) والحاكم (1/ 91) وابن أبي شيبة (12/ 209) من طرق.
وهو حديث صحيح.
وأخرج الطبراني في "الكبير"(5911) من حديث سهل بن سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من دخل مسجدي هذا لبتعلم خيرا، أو ليعلمه كان بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن دخله لغير ذلك من أحاديث الناس كان بمنزلة من يرى ما يعجبه وهو شيء غيره".
أطاعوا فذاك، وإن أبوا خرجوا كرها شاءوا أم أبوا.
فحرمة هذا البيت العظيم فوق كل حرمة، وشرفه الله فوق كل شرف، وهؤلاء المسؤول عنهم إن كانوا على الصفات المذكورة فليسوا من القوم الذي ينزلون بهذا البيت العظيم، ولا هم من الوفد الذين يقفون فيه بل هم من الهاتكين لحرمته التي عظمها الله، المانعين لمن وفد إليه من عباده، وهل يعد التقذير بالنجاسات، وكشف العورات من عمل يخالف تلك الحرمة، وينافي تلك العظمة، ويضاد ذلك الشرف، وينافي تلك الجلالة ولو لم يكن من أفعال هؤلاء إلا تصغير حرمة البيت الحرام عند القاصدين له من أقطار المعمورة، فإنها داره عند وفوده إليه، ووقوفه بأبوابه، وهو على تلك الصفات قد احتجز أكثر أمكنته هؤلاء المقذرة ثيابهم، البادية سوآتهم، ورأى فيه النجاسات والقاذورات، وسمع صراخهم وعويلهم حتى كأنهم في سوق من الأسواق، أو حمام من الحمامات، وكان هذا الوافد من أطراف الأرض من عوام أهلها، فمعلوم لكل عاقل أنه يقع في خاطره، ويثبت في تصوره غير ما كان يعتقده، ودون ما كان يسمعه. وهذه مفسدة عظيمة تقتضي وحدها تنزيه البيت عنهم إذا لم يتركوا ما صاروا فيه من التلاعب [2ب] بهذه الحرمة العظيمة، والتهاون بهذه المزية الشريفة.
فإن قال قائل: لهم حرمة. قلنا: أي حرمة إن كان فعله هذا الفعل في أشرف بقاع الأرض، ولو سلمنا الحرمة لكانت حرمة البيت أعظم من حرمتهم، وما حصل فيه من هتك حرمته، وتصغير عظمته، ومنع الوافدين - إلى بيت الله الكريم - من الطاعات، تارة بالحجز لأمكنته، وتارة برفع الأصوات المشوشة لكل مصل فيه أعظم وأطم مما حصل فيهم من الإخراج منه إذا لم يمتثلوا للوقوف فيه على ما يسوغه الشرع، ويجوزه الدين. ومعلوم أن التسوية التي أثبتها الله للحرم الشريف، والمسجد المعظم بقوله:(سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)(1) لم يرد بها التسوية بين الطاعة والمعصية في الحق والباطل،
(1)[الحج:25]
وفي الخير والشر. ومثل هذا مما لا ينبغي بأن يقع فيه خلاف. ومعلوم لكل من له فهم ونصيب من علم أن هذا البيت الشريف لم يكن لغير الطاعات، ولم يوضع لمثل هذه المنكرات، ومن قال من أهل العلم بأنه يخير من فر إليه من الخائفين.
قيد ذلك بأن لا يكون ارتكابه للمعصية فيه، ولهذا وإن كان أجنبيا عما سأل عنه السائل لكنه ربما يقول به قائل ممن لا يعقل حجج الله، ولا يفهم براهينه.
وفي هذا المقدار كفاية. والله ولي التوفيق.