المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جواب سؤالات من الفقيه قاسم لطف الله - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٥

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌ الفقه وأصوله

- ‌التشكيك على التفكيك لعقود التفكيك

- ‌القول المفيد في حكم التقليد

- ‌بغية المستفيد في الرد على من أنكر العمل بالاجتهاد من أهل التقليد

- ‌بحث في نقص الحكم إذا لم يوافق الحق

- ‌رفع الخصام في الحكم بعلم الحكام

- ‌بحث في العمل بقول المفتي صحّ عندي

- ‌بحث في الكلام على أمناء الشريعة

- ‌بَحْثٌ في كون الأمر بالشيء نهي عن ضده

- ‌رفع الجناح عن نافي المباح

- ‌جواب سؤالات من الفقيه قاسم لطف الله

- ‌بحث في كون أعظم أسباب التفرق في الدين هو علم الرأي

- ‌الدرر البهية في المسائل الفقهية

- ‌بحث في دم الخيل ودم بني آدم هل هو طاهر أن نجس

- ‌جواب سؤال في نجاسة الميتة

- ‌جواب في حكم احتلام النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌القول الواضح في صلاة المستحاضة ونحوها من أهل العلل والجرائح

- ‌ بحث في دفع من قال أنه يستحب الرفع في السجود

- ‌بحث في أن السجودَ بمجرّده من غير انضمامه إلى صلاةٍ عبادةٌ مستقلةٌ يأجر اللهُ عبده عليها

- ‌كشف الرين في حديث ذي اليدين

الفصل: ‌جواب سؤالات من الفقيه قاسم لطف الله

‌جواب سؤالات من الفقيه قاسم لطف الله

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

على صورة الغلاف ما نصه:

«سؤالات من طلبة العلم من مدينة جبلة، السائل هو الإمام العلامة قاسم لطف الله وقد أجبت بالكراسة التي بعد هذه الكراسة والجواب بخطه كالسؤال» .

ص: 2415

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: (جواب سؤالات من الفقيه قاسم لطف الله).

2 -

موضوع الرسالة: في الأصول.

3 -

أول الرسالة بسم الله الرحمن الرحيم. ما يقول علامة العصر، وزينة الدهر، أقضى القضاة على الاعتدام شيخ الإسلام، وناصر سنة خير الأنام سيدنا القاضي محمد بن علي الشوكاني، أعلى الله علاه، وحقق في الدارين رجاءه ومناه

4 -

أخر الرسالة:

أن نطيل في شأنه أو نستدل على بطلانه.

وفي هذا المقدار كفاية. وإن كان المقام متحملاً لبسط والله ولي الإعانة، وهو حسبي، ونعم الوكيل.

5 -

نوع الخط: خط نسخي معتاد.

6 -

الناسخ: المؤلف: محمد بن علي الشوكاني.

7 -

عدد الورقات: (5) ورقات.

8 -

عدد الأسطر في الصفحة: 18 - 21 سطرًا.

9 -

عدد الكلمات في السطر: 8 كلمة.

10 -

الرسالة من المجلد الرابع من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).

بسم الله الرحمن الرحيم.

ما يقول علامة العصر، وزينة الدهر، أقضى القضاة على الاعتدام شيخ الإسلام، وناصر سنة خير الأنام سيدنا القاضي محمد بن علي الشوكاني- أعلى الله علاه، وحقق في الدارين رجاءه ومناه-.

في مسألتنا المسطرة؟ وطلبتنا التي هي على معارفكم غير منكرة، فلا زلت مرجعًا في فتح كل مغلق، ومحققًا كل مخصص ومقيد يجبان لعام ومطلق، ومبينًا معاني الأدلة الإجمالية، مستنبطًا لنا منها الفروع التفصيلية، فترد ورود الطلبة إلى غدير وردك، فلا يصدرون عنه إلا صدور نبلاء ليس إلا ببركات قصدك، فاشف عليل أوامنا يا عذيقها المرحب، وجديلها المحكك، فلك الألمعية التي لا يمر بها معقد إلا صار محلولاً مفككًا. أفد لا زالت علومك في تخوم التحقيق راسخة، وأحيا بك في سماء التدقيق بازخة.

قال العلامة ابن الحاجب في مختصره (1) لمنتهى سيف الدين الآمدي (2) في تعريف المطلق: المطلق ما دل على شائع في جنسه (3). قال المحقق العضد: ومعنى كونه خصه

(1)(2/ 155)

(2)

في «الإحكام» (3/ 5) قال: المطلق في سياق الإثبات.

(3)

وهو تعريف ابن الحاجب للمطلق.

- المطلق لغة الانفكاك من أي قيد: حسيًّا كان، أو معنويًّا.

فمثال الحسي: يقال: هذا الفرس مطلق.

ومثال المعنوي: الأدلة الشرعية المطلقة، كقوله تعالى:{فتحرير رقبة} [النساء: 92].

المطلق في الاصطلاح: هو المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه.

وهو قول أكثر العلماء.

انظر: «الكوكب المنير» (3/ 392)، «مقاييس اللغة» (3/ 420)، «المسودة» (ص 147)، «البرهان» (1/ 356).

- يكون المطلق في أمور منها:

1 -

قد يكون في معرض الأمر، كقولك:«اعتق رقبة» .

2 -

قد يكون في مصدر الأمر، كقوله تعالى:{فتحرير رقبة} [النساء: 92].

3 -

قد يكون في الخبر عن المستقبل كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» . وكقولك: «سأعتق رقبة» .

فكل واحد من لفظ «الرقبة، الولي» قد تناول واحدًا غير معين من جنس الرقاب، الأولياء.

- لا يمكن أن يكون الإطلاق في معرض الخبر المتعلق بالماضي كقولك: «رأيت رجلاً» أو «عتق رقبة» أو أعطيت طالبًا لأن هؤلاء [الرجل، الرقبة، الطالب] قد تعينوا بالضرورة وهي ضرورة إسناد الرؤية إلى الرجل والعتق للرقبة والإعطاء للطالب.

انظر: «الإحكام» للآمدي (3/ 7)، «روضة الناظر» (ص 260).

ص: 2421

محتملة لحصص كثيرة مما تندرج تحت أمر مشترك من غير تعيين، فتخرج المعارف كلها لما فيها من التعيين شخصًا نحو زيد، وهذا وحقيقة نحو: الرجل، وأسامة [1 أ]، أو خصه نحو:{فعصى فرعون الرسول} (1) في المخطوط (وكذا) والتصويب من «شرح العضد» .% كل عام ولو نكرة، نحو: كل رجل ولا رجل؛ لأنه بما انضم إليه من كل، والنفي صار للاستغراق، وأنه ينافي الشيوع بما ذكرناه من التفسير. فانظر كيف ذكر التعرض للنكرة المجردة عن كل والنفي! وما ذاك إلا لصدق تعريف ابن الحاجب (2) انظر «البحر المحيط» (3/ 414).% بينه وشرحه حيث قال: والمختار أن المطلق ويسمى اسم جنس ما؛ أي: لفظ دل على الماهية بلا قيد من وحدة وغيرها، فهو كلي. وقيل ما دل على شائع في جنسه وقائله توهمه النكرة العامة. واحتج له بأن الأمر بالماهية كالضرب من غير قيد أمر جزئ من جزئياتها كالضرب بالسوط، أو عصا أو غير ذلك؛ لأن الأحكام الشرعية إنما تبنى غالبًا

(1)[المزمل: 16].% أو استغراقًا نحو: الرجال [وكذلك]

(2)

في مختصره (2/ 155).% عليها.

وقد أوضح شمول هذا التعريف لها شيخ الإسلام المحقق العلامة القاضي زكريا محمد بن محمد الأنصاري

ص: 2422

على الجزئيات لا على الماهيات المعقولة لاستحالة وجودها في الخارج. ويرد بأنها إنما يستحيل وجودها كذلك مجردة لا مطلقًا؛ لأنها توجد بوجود جزئي لها. انتهى.

فانظر كيف جعل الأمر بالماهية جزئيًّا على أن المراد بوجودها بالخارج وجودها في ضمن مفرداتها المشخصة. وعلى تعريف القاضي زكريا يكون الأمر بها كليًّا. وقد صرحوا بما يؤيد الأول، وقالوا:{أقيموا الصلاة} [1 ب] أمر جزئي من جزئيات الأمر المطلق الذي هو للوجوب حقيقة (1) قال الزركشي في «البحر المحيط» (3/ 414 - 415): قال ابن الخشاب النحوي: النكرة: كل اسم دل على مسماه على جهة البدل؛ أي فإنه صالح لهذا ولهذا. انتهى.

ولا ينبغي ذلك يعني موافقة ابن الحاجب للنحاة، فإن النحاة إنما دعاهم إلى ذلك أنه لا غرض لهم في الفرق؛ لاشترك المطلق والنكرة في صياغة الألفاظ من حيث قبول «أل» وغير ذلك من الأحكام، فلم يحتاجوا إلى الفرق، أما الأصوليون والفقهاء فإنهما عندهم حقيقتان مختلفتان.

أما الأصولي فعليه أن يذكر وجه المميز فيهما، فإنا قطعًا نفرق بين الدال على الماهية من حيث هي هي. والدال عليها بقيد الوحدة غير معينة، كما نفرق بين الدال عليها بوحدة غير معينة، وهو النكرة، ومعينة وهي المعرفة، فهي حقائق ثلاث لا بد من بيانها.

وأما الفقيه، فلأن الأحكام تختلف عنده بالنسبة إليها، ألا ترى أنه لما استشعر بعضهم التنكير في بعض الألفاظ، اشترط الوحدة، فقال الغزالي فيمن قال: إن كان حملها غلامًا فأعطوه كذا، فكان غلامين، لا شيء لهما؛ لأن التنكير يشغر بالتوحيد، ويصدق أنهما غلامان لا غلام، وكذا لو قال لامرأته: إن كان حملك ذاكرًا فأنت طالق طلقتين، فكانا ذكرين، فقيل: لا تطلق، لهذا المعنى، وقيل تطلق، حملاً على الجنس من حيث هو، فانظر كيف فرق الفقهاء بين المطلق والنكرة.

قال الزركشي (3/ 415): التحقيق أن المطلق قسمان:

أحدهما: أن يقع في الإنشاء، فهذا يدل على نفس الحقيقة من غير تعرض لأمر زائد، وهو معنى قولهم المطلق هو التعرض للذات دون الصفات لا بالنفي ولا بالإثبات، كقوله تعالى:{إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة: 67].

الثاني: أن يقع في الأخبار، مثل رأيت رجلاً، فهو لإثبات واحد مبهم من ذلك التعيين عند السامع، وجعل مقابلاً للمطلق باعتبار اشتماله على قيد الوحدة.

وعلى القسم الأول ينزل كلام «المحصول» (3/ 143). وعلى الثاني ينزل كلام ابن الحاجب (2/ 155) وهو قطعي في الماهية، هذا عند الحنفية وظاهر عند الشافعية كنظير الخلاف في العموم، ولاسترساله على جميع الأفراد يشبه العموم، ولهذا قيل: إنه عام عموم بدل، والإطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ باعتبار معانيها اصطلاحًا، وإن أطلق على المعاني فلا مشاحة في الاصطلاح، وهما أمران نسيان باعتبار الطرفين، ويرتقي إلى مطلق لا إطلاق بعده كالمعدوم، وإلى مقيد لا تقيد بعده كزيد، وبينهما وسائط.

قال الهندي: المطلق الحقيقي: ما دل على الماهية فقط، والإضافي: يختلف نحو: رجل، ورقبة، فإنه مطلق بالإضافة إلى رجل عالم، ورقبة مؤمنة، ومقيد بالإضافة إلى الحقيقي؛ لأنه يدل على واحد شائع، وهما قيدان زائدان على الماهية.% المعبر عنها في الأصول بالمطلق فهو ما وضع للماهية مطلقًا،

(1) في هامش المخطوط: «وللمحقق شارح المختصر على قول المختصر: إذا أمر الآمر بفعل مطلق نحو: اضرب من غير تعيين ضرب [معين] فالمطلوب الفعل الجزئي

إلخ.

واعلم أنك إذا وقفت على الماهية بشرط شيء، وبشرط لا شيء، ولا بشرط شيء علمت أن المطلوب الماهية من حيث هي هي لا بقيد الجزئية، ولا بقيد الكلية. ولا يلزم من عدم اعتبار أحدهما اعتبار الآخر، وأن ذلك غير مستحيل، بل موجود في ضمن الجزئيات. قال السعد: قوله: واعلم. يشير إلى أن مبنى كلام الفريقين على عدم تحقيق معنى الماهية الكلية، وعدم التفرقة بين الماهية المطلقة بمعنى عدم اشتراط قيد ما، والمطلقة بمعنى اشتراط الإطلاق وعدم التقييد، وحقق بها في الماهية بعد ذلك.%. وقال شارح مقدمة ابن هشام النحوي عند قوله: وأما اسم الجنس النكرة

ص: 2423

أي بلا تعيين؛ كأسد: اسم لماهية السبع، فقال: أسد أجرأ من ثعلب، كما يقال أسامة أجرأ من ثعالة. ويعبر عنه بالنكرة، والفرق بينهما بالاعتبار إن اعتبر باللفظ دلالته على الماهية بلا قيد سمي اسم جنس ومطلق، وإن اعتبر دلالته على الماهية مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة.

قال العلامة الجزري شارح شرح المقدمة المذكورة: وعبارة العلامة التفتازاني (1) في شرح الشرح العضدي يدل على أنه لا يجوز أن يراد بالمطلق الماهية من حيث هي، حيث

(1)(2/ 155).

ص: 2424

قال (1)(2/ 155).% وشرحه وشرح شرحه

(1)(2/ 155).%: وإنما فسر الشائع بالحصة نفيًا لما توهم من ظاهر عبارة القوم أن المطلق ما يراد به الحقيقة من حيث هي هي؛ وذلك لأن الأحكام إنما تتعلق بالأفراد دون المفهومات. ولا يخفى عليك أن المطلق في الكتاب والسنة بمعنى الماهية من حيث هي هي كثير، وكون الحكم على الإفراد لا يستلزم إخراج الماهية من حيث هي بمعنى المطلق على ما حقق الحكم في عنوان القضايا على الماهية من حيث هي هي بلا شرط؛ إذ هي الموجودة في الأذهان لا على الأفراد [2 أ].

وأما الأفراد إنما تجري الأحكام عليها بالسراية لاتحادها مع هذه الحقيقة التي هي المحكوم عليها أولاً وبالذات وذكروا أن تلك الأفراد غير مشعور بها، فكيف يكون محكومًا عليها! وقد نقل هذا التحقيق عن المحقق جلال الدين الدواني، والكامل صدر الدين الشيرازي. انتهى كلام شارح شرح المقدمة.

ولعل منكر وجود الطبيعي في الخارج ناظر إلى ما عرف به الموجود الخارجي في كتب الحكمة من أن كل موجود خارجي هو في حد ذاته متميز عن غيره، بحيث إذا لا حظ العقل خصوصيته الممتازة لم يكن له أن يفرض اشتراكها، فلو وجدت الطبيعة في الخارج كانت كذلك، ومنبت وجود الطبيعي في الخارج يكتفى بوجوده في ضمن أفراده المتشخصة في الخارج، كما قال السعد في التهذيب: والحق وجود الطبيعي بمعنى وجود أشخاصه

إلخ.

فأوضحوا لنا هل هذا الخلاف لفظي؟ ولا فرق بين أن يتعلق الحكم بالماهية أولاً وبالذات، ويتعلق بعد ذلك بأفرادها ثانيًا، وبالفرض بطريق السراية كما قرره شارح شرح مقدمة ابن هشام المؤيد بتعريف القاضي زكريا- رحمه الله السابق، وقبل أن يتعلق الحكم بالماهية ملحوظًا [2 ب] معها الأفراد الخارجية كما هو في تعريف المختصر

ص: 2425

للتفتازاني (1) رحمه الله أم الخلاف معنوي، فهو المطلوب تحقيقه؛ لأن من قال باستحالة وجوده الطبيعي في الخارج لا بد أن يكون هو في حد ذاته متميزًا عن غيره بحيث لا يفرض العقل اشتراكه مع أنه مشترك بين أفراد متمكنة في أماكن مختلفة، ومتصفة بصفات متضادة، فيلزم الخلف، ونقول: ومع كون كل وحد من الجزئيات عين الآخر في الخارج فق أسهبنا في الكلام لتعلق المطلوب بلفظ التعريفات غير المتفقة لفظًا ومعنى، فأوضحوا لنا التحقيق في هذا المقام.- أمتع الله المسلمين بطول حياتكم، وأدام النفع بكم-.

وبحيث إن وجدت مباحثة بين التاج السبكي ووالده (2) الشيخ الإمام التقي في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس ملخصة من الأشباه والنظائر لفظها: مسألة معروفة بالإشكال، مذكورة لمعالم الرجال، مشهور بين الفرسان، محررة لتصحيح الأذهان: اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي باعتبار وقوعها على الإفراد، وعلم الجنس الموضوع لها مقصودًا به تمييز الجنس عن غيره، من غير نظر إلى الإفراد هو الذي كان أبي يختاره في الفرق بن اسم الجنس وعلم الجنس (3)، وأنا قائل بما قاله أبي غير أن لي

(1)(2/ 155 - 156).

(2)

انظر ذلك في «الغيث الهامع شرح جمع الجوامع» (1/ 153 - 154).

(3)

العلم: هو اسم يعين مسماه.

فقولنا «اسم» جنس مخرج لما سواه من الأفعال والحروف، وقولنا «بعين مسماه» فصل مخرج للنكرات، وقولنا «مطلقًا» مخرج لما سوى العلم من المعارف، فإنه لا يعينه إلا بقرينة، إما لفظية مثل (أل) أو معنوية كالحضور والغيبة في أنت وهو. وهذا الحد لابن مالك.

وهو قسمان:

قسم شخصي: وهو الموضوع للحقيقة بقيد الشخص الخارجي، وهو المراد بقوله «فإن كان التعيين خارجيًّا فعلم شخص، كجعفر، علم رجل، وخرنق، علم امرأة.

وأشير إلى القسم الثاني: بقوله (وإلا) أي وإن لم يكن التعيين خارجيًّا بأن لم يوضع على شخص موجودة في الخارج، وإنما وضعه للماهية بقيد الشخص الذهني (فـ) علم (جنس) كأسامة، فإنه علم على الأسد بقيد بشخص ماهيته في ذهن الواضع، وكذا ثعالة على الثعلب، فإن كلاً منهما لم يوضع على واحد من جنسه بعينه، فتشمل الماهية كل أفراد الجنس، ولا يختص ذلك بما لا يؤلف من الوحوش، بل يكون أيضًا لبعض المألوفات، كأبي المضاء لجنس الفرس.

والاسم (الموضوع للماهية من حيث هي)؛ أي: لا بقيد تشخصها في الذهن ولا عدم تشخصها- كأسد- فهو (اسم جنس).

إذا تقرر هذا، فعلم الجنس يساوي علم الشخص في أحكامه اللفظية من كونه لا يضاف، ولا يدخل عليه حرف التعريف، ولا ينعت بنكرة، ولا بقبح مجيئه مبتدأ، ولا انتصاب النكرة بعده على الحال، ولا يصرف منه ما فيه سبب زائد على العلمية.

ويفارقه من جهة المعنى لعمومه، إذ هو خاص شائع في حالة واحدة مخصوصة باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهي، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطًا من تلك الحقيقة في الخارج.

- وأما الفرق بين علم الجنس واسم الجنس، فقال بعضهم، إن اسم الجنس الذي هو أسد، موضوع لفرد من أفراد النوع لا بعينه، فالتعدد فيه من أصل الوضع، وإن علم الجنس الذي هو أسامة، موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن، فإذا أطلقت أسدًا على واحد، أطلقته على أصل وضعه، وإذا أطلقت أسامة على الواحد، فإنما أردت الحقيقة، ويلزم من ذلك التعدد في الخارج، فالتعدد فيه ضمنًا لا قصدًا بالوضع.

ويتساويان في صدقهما على صورة الأسد، إلا أن علم الجنس وضع لها من حيث خصوصها باستحضارها في الذهن، واسم الجنس وضع لها من حيث عمومها.

انظر: «الكوكب المنير» (1/ 146 - 147). «تنقيح الفصول» (ص 33). «تسهيل الفوائد» (ص 30).

ص: 2426

زيادة [3 أ] ونقصًا في بعض مباحثه. أما الزيادة لا أشترط فيه اعتبار وقوعه على الأفراد، وإنما أكتفي بملاحظة الواضع عند الوضع للأفراد، فأقول: اسم الجنس موضوع للقدر المشترك بين الصور الذهنية والخارجية، ملاحظًا في الصور الخارجية وسط الكلام بعد هذا في الفرق المذكور (1) انتهى.

(1) الفرق بن علم الجنس كأسامة، واسم الجنس كأسد، فإنهما في المعنى سواء لصدق كل منهما على كل فرد من هذا الجنس، وفي الأحكام اللفظية مختلفان فإن لأسامة حكم الأعلام من منع الصرف لاجتماع فرعية الأنوثة والعلمية، وغير ذلك من الأحكام، وأسد نكرة محضة

وتقرير الفرق بينهما أن الواضع إذا استحضر صورة الأسد ليضع لها فتلك الصورة المتشخصة في ذهنه جزئية باعتبار تشخصها في ذهنه، ومطلق الصورة كلي، فإن وضع اللفظ للصورة التي في ذهنه فهو علم الجنس، وإن وضعه لمطلق الصورة فهو اسم الجنس، وحينئذ فلا يعرف الفرق بينهما إلا باعتبار وضع الواضع.

واختار والد السبكي أن علم الجنس ما قصد به تمييز الجنس عن غيره مع قطع النظر عن أفراده، واسم الجنس ما قصد به مسمى الجنس باعتبار وقوعه على الأفراد، حتى إذا أدخلت عليه الألف واللام الجنسية صار مساويًا لعلم الجنس؛ لأن الألف واللام الجنسية لتعريف الماهية، وفرع على ذلك أن علم الجنس لا يثني ولا يجمع؛ لأن الحقيقة من حيث هي لا تقبل جمعًا ولت تثنية؛ لأن التثنية والجمع إنما هو للأفراد.

«الغيث الهامع شرح جمع الجوامع» (1/ 153 - 154).

ص: 2427

ومما أشكل أيضًا قول التاج السبكي في الأشباه المذكورة في كتب الجرح والتعديل قال فيه: قال العلامة ابن دقيق العيد (1) رحمه الله: أعراض الناس حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام.

وظاهر أنه أراد المحدثين مشتغلون بالبحث عن أحوال الرواة لتمييز العدل الضابط من المتوسط الضبط وحده، ومن الضعيف فيهما. والحكام مشتغلون بمثل ذلك ليميزوا بين العدل وغيره عند أداء الشهادات، فالمقصدان مرضيان، كيف وبمقصد المحدثين حفظت السنة الغراء من تحريف الغالين، وافتراء الوضاعين! حتى أوصلوها إلى من بعدهم

(1) في «الاقتراح» (ص 302).

قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في «علوم الحديث» (ص 389 - 390): الكلام في الرجال جرحًا وتعديلاً جوز صونًا للشريعة ونفيًا للخطأ والكذب عنها، وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة

ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى، ويتثبت ويتوقى التساهل، كيلا يجرح سليمًا، ويسم بريئًا بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها، وأحسب أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم

من مثل ما ذكرناه خاف، فيما رويناه أو بلغناه أن يوسف بن الحسين الرازي- وهو الصوفي- دخل عليه وهو يقرأ كتابه في الجرح والتعديل، فقال له: كم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة ومائتي سنة، وأنت تذكرهم وتغتابهم؟ فبكى عبد الرحمن «اهـ.

انظر: «الرفع والتكميل» (ص 47)، «شرح ألفية العراقي» (3/ 262).

ص: 2428

واضحة جلية كما تلقيت [3 ب] غضة طرية فانتفع بها الأواخر والأوائل محفوظة من كل حال حائل، محصية عن أن يتفوه بأدنى دخل فيها لسان ملحد، فإن فعل أحرقته بسوارق كل منجد، وأعدمته طوارق كل مصعد، فكيف لا يرجوا أن يكونوا من الذين لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون.

فحققوا لنا مراد العلامة ابن دقيق العيد في هذه العبارة المنقولة- جزيتم خيري الدنيا والآخرة-.

ومما أشكل علينا صحة بيع العينة (1) عند إمامنا الشافعي رضي الله عنه مع أنه قد يتوصل به إلى ربا الفضل، قال النووي- رحمه الله في شرح مسلم (2) في باب الربا في حديث (3) «من قدم بتمر جنيب من خيبر فقال له رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم: أكل تمر خيبر كذا؟» قال النووي (4) - في أثناء شرحه على الحديث المذكور-: واحتج في هذا الحديث أصحابنا- رحمهم الله وموافقوهم في أن مسألة العينة ليس بحرام، وفسرها بأنها الحيلة التي يفعلها بعض الناس [4 أ] توصلاً إلى مقصود الربا، بأن يريد أن يعطيه مائة درهم بثمانين فيبيعه ثوبًا بثمانين، ثم يشتريه منه بمائة، ويوضح الدلالة من هذا الحديث أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم قال:«بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا» . ولم يفرق بين أن يشتري من المشتري أو من غيره، فدل على أنه لا فرق في هذا كله، ليس بحرام عند الشافعي (5) وآخرين، وقال مالك وأحمد: هو

(1) بيع العينة هو أن يبيع سلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها من المشتري بأقل ليبقى الكثير في ذمته، وسميت عينة لحصول العين أي النقد فيها. ولأنه يعود إلى البائع عين ماله.

(2)

(11/ 20 - 21).

(3)

رقم (94/ 1593). وهو حديث صحيح.

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 21).

(5)

انظر «المغني» (4/ 278).

«رحمة الأمة في اختلاف الأئمة» لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الشافعي ت: 780 هـ (ص 287).

ص: 2429

حرام (1) انتهى.

فجعل هذا البيع حيلة إلى التوصل إلى محرم، وقد قلتم: أن للوسائل حكم المقاصد، فهل تحريم من حرمه لكونه وصلة إلى محرم، وحيلة إلى تناول الربا؟ فإن الشافعي لا يحرم الحيلة إلا إذا توصل بها إلى إبطال حق الغير، أو لما أورده السبكي، وقال: رواه الدارقطني (2) وأحمد (3)، وهو أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنكرته على زيد ابن أرقم رضي الله عنه بأبلغ إنكار، وقالت: إنه أبطل جهاده مع رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم.وقال السبكي بعد هذا: واعلم أن القوم لم ينتهض لهم حجة بهذا الحديث، ولو سلم لهم الاحتجاج بقول الصحابي، فإن الشافعي ذكر أنه لا يثبت مثله عن عائشة- رضي الله عنها. قال: قلت وفيه ما ينبه على عدم ثبوته وهو قولها: «إنه أبطل جهاده» ولم يقل أحد أن من يعمل بالعينة يحبط عمله. انتهى.

(1) انظر «المغني» (4/ 278).

فقد نقل عن الشافعي أنه قال بجوازه أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد وأبي هريرة- قد تقدم عند مسلم رقم (94/ 1593) - «بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا» فإنه دل على جواز بيع العينة، فيصح أن يشتري ذلك البائع له، ويعود له عين ماله لأنه لما لم يفصل ذلك في مقام الاحتمال دل على صحة البيع مطلقًا، سواء كان من البائع أو غيره؛ وذلك لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يجري مجرى العموم في المقال

(2)

في «السنن» (3/ 52 رقم 212)، وفي إسناده العالية بنت أيفع.

(3)

ليس للعالية بنت أيفع مسند عند الإمام أحمد.

قال الزيلعي في «نصب الراية» (4/ 16) ردًّا على ابن الجوزي حين قال عن العالية هذه بأنها امرأة مجهولة لا يقبل خبرها. «قلنا: بل هي امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في «الطبقات» (8/ 487)، فقال: العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة» اهـ.

وقال ابن التركماني في «الجوهر النقي» (5/ 330): «العالية: معروفة روى عنها زوجها وابنها وهما إمامان وذكرها ابن حيان في الثقات من التابعين.

ص: 2430

وفي جامع الأصول (1)[البقرة: 275].% فلم ينكر أحد على عائشة، والصحبة متوافرون. ذكره رزين (2) كلمة غير واضحة في المخطوط.% الشافعي الوارد عن عائشة [ .... ] (3) قال ابن الطلاع في أحكامه كما في «التلخيص» (4/ 54):«لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه وثبت عنه أنه قال: «اقتلوا الفاعل والمفعول به» - أخرجه أحمد (1/ 300)، وأبو داود رقم (4462)، وابن ماجه رقم (2516)، والترمذي رقم (1456)، والحاكم (4/ 355)، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي- من حديث ابن عباس.

وهو حديث صحيح.%، ولا يشترط الحصان (4) انظر «الدر المنثور» «2/ 457 - 458).% قوله: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ

(1)(1/ 572 رقك 405).% أن عائشة قالت: «إن لم يتب منه» قالت أم ولد زيد: «فما تصنع» فتلت عائشة: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

(2)

عزاه إليه صاحب «جامع الأصول» (1/ 572)، قال: ذكره رزين ولم أجده في «الأصول» .% انتهى.

فلتبينوا أيضًا لنا معنى قول الشافعي: لا يثبت مثله عن عائشة، وإن كان قد قالوا قد يرد الحديث بقرائن من حال الراوي أو المروي عنه يدركها من له في الحديث ملكة واطلاع تام فإذا هذا هو بسبب الذي [ .. ].

(3)

كلمة غير واضحة في المخطوط.% ليكون منسوخًا [4 ب].

ومما دعت الحاجة إليه ترجيح ما هو الراجح من هذين الاحتمالين وهو أن الذي عليه الشافعي رضي الله عنه في أن اللائط مقيس على الزاني المحصن في الرجم.

(4)

أخرج ابن ماجه رقم (2562)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 355) من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا» . وهو حديث حسن لغيره.% في اللواط، إلا أن المفعول به يجلد ويعزر. هذا هو المذهب الذي عليه أهله ومقلدوه.

وقال الإمام السيوطي- رحمه الله في تفسير

ص: 2431

فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (1) وهذا منسوخ بالحد إن أريد بها الزنا، وكذلك إن أريد بها اللواط عند الشافعي. وحكى المذهب السابق عنه، قال: وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير. والأول قال [ .. ](2) المذهب أراد الزاني والزانية، ويرده تبيينهما بمن المتصلة بضمير الرجال وإشراكهما في الأذى والتوبة والإعراض، وهو مخصوص بالرجال لما تقدم في النساء من الحبس. انتهى.

فانظروا فإن الذي استظهره السيوطي- رحمه الله ظاهر الدلالة على ما ذكره، وإن خالف رأي الشافعي، فإن جعله آية الجلد ناسخة لهذه الآية سواء أريد بها الزنا أو اللواط خفي، ولكن قد وافقه كثيرون، وفعل الصحابة كما لا يخفاك، فوجهوا لنا الأوجه، فإن الجمود على التقليد إذا كان الدليل على خلافه يذم ويقبح ولا يليق بالمنصف العصبية لمقلده، فالحق غير منحصر في رأيه، ولا هو بالمعصوم من الخطأ، فالحق أحق أن يتبع- كثر الله فوائدكم، وأدام النفع بكم، ولولي مكافأتكم- آمين.

ومما لم يدر أهو مقرر صحيح عندكم أم لا؟ وقد تطلبناه فما وجدنا عليه نصًّا على قلة الكتب والعلماء في جهتنا، وهو ما أورده السيد البطليوسي في شرح ديوان المعري في تهنئة بعصر [ .. ] (3) في عرس بقصيدة مطلعها:

سالم أعدائك مستسلم

وادعى في هذه القصيدة أن النثار صعد إلى الجو سلمًا، وانتثر منه زهر السماء أو أن السماء دنت عند نثر النثار فالتقطت باقتها من الزهر [5 أ] وقال بعد هذا الادعاء:

وكيف لا تطمع في مغنم

من الثريا يعض ما يغنم

وقال الشرح المذكور: ومن قوله من الثريا راجع إلى السماء، وهي موضوعة إلى

(1)[النساء: 16].

(2)

كلمة غير مقروءة في المخطوط.

(3)

كلمة غير مقروءة في المخطوط.

ص: 2432

ما وضعت له، لأن السماء حيوان يعقل له عقل ونفس، وهكذا الأجرام العلوية كالشمس والقمر والكواكب، وعلل بأن السماء محل الفيض والفيض إلى العالم السفلي بواسطتها، ولا يقع الفيض إلا بواسطة ما يعقل، وما تكلفه المفسرون وغيرهم من تأويل إطلاق ما عليها، وأنها مما لا يعقل، وتأويل ما أشبهها مثل قوله- جل وعلا- حكاية لقول يوسف- على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام-:{والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} (1) كون هذا الجمع مختصًّا بمن يعقل لا أصل له (2)، فإنهم لم يرزقوا توفيقًا يدركون به حقائق الأشياء كما هي عليه.

هذا مضمون ما أورده [ .... ](3) لأحد بما سبق عبر على ذهن بعضنا

(1)[يوسف: 4].

(2)

قال الرازي في تفسيره (18/ 86 - 87): «قوله: {رأيتهم لي ساجدين} فقوله: {ساجدين} لا يليق إلا بالعقلاء، والكواكب جمادات، فكيف جازت اللفظة المخصوصة بالعقلاء في حق الجمادات.

قلنا: إن جماعة من الفلاسفة الذين يزعمون أن الكواكب أحياء ناطقة احتجوا بهذه الآية وكذلك احتجوا بقوله: {وكل في فلك يسبحون} والجمع بالواو والنون مختص بالعقلاء، وقال الواحدي: إنه تعالى لما وصفها بالسجود صارت كأنها تعقل فأخبر عنها كما يخبر عمن يعقل كما قال في صفة الأصنام: {وتراهم ينظرون إليك وهو لا يبصرون} وكما في قوله تعالى: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} ».

وانظر: «روح المعاني» للآلوسي (12/ 179 - 180).

قال محيي الدين الدرويش في «إعراب القرآن الكريم» (4/ 451): «في قوله تعالى: {ساجدين} أجرى الكواكب الأحد عشر والشمس والقمر مجرى العقلاء وهو الذي يسميه النحاة تغليبًا وهذا الوصف صناعي، أما السر البياني فأمر كامن وراء هذا الوصف؛ ذلك لأنه وصف الكواكب والشمس والقمر بما هو خاص بالعقلاء وهو السجود أجرى عليها حكمهم كأنها عاقلة وهذا كثير شائع في كلامهم» .

(3)

ثلاث كلمات غير مقروءة في المخطوط.

ص: 2433

أن الإمام السيوطي ذكر في الحبائك (1) فيما يتعلق بالملائكة أن اللوح ملك من الملائكة فهذا فيه تأييد لهذا.

فحققوا لنا صحة هذا القول أو عدم صحته.

(1)(ص 33 - 34).

ص: 2434

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وآله الطاهرين، وصحبه الراشدين.

الجواب عن السؤال الأول- وعلى الله في إصابة الحق- المبين إن الماهية المحررة قد وقع الاتفاق على عدم وجودها في الخارج، وأنها لا توجد إلا في ضمن أفرادها، ولهذا حصل على عدم وجود الكلي العقلي، والكلي المنطقي، في الخارج الكلي الطبيعي، فالاتفاق أيضًا كائن على عدم وجوده في الخارج، ومن قال إنه موجود بوجود إقراره فهو قائل: لا وجود له في الخارج؛ لأن وجود أفراده غير وجوده.

إذا عرفت هذا فاعلم أن الأوامر الشرعية (2) كلمة غير مقروءة في المخطوط.% بما لا وجود له في الخارج أصلاً؛ لأنها مجردة مستحيلة الوجود خارجًا، والتعلق بالمحال محال؛ لأن التعلق به عارض من عوارضه، والعارض لا يوجد بدون معروض المعروض مستحيل الوجود؛ لأنه ماهية ما إذا وجدت [ .. ](3) كلمة غير مقروءة في المخطوط.% في ضمن فرد من أفرادها، أو مع ملاحظة فرد من أفراده من حيث هي هي، والحاصل أن الماهية المجزأة تتعلق بشيء من الأوامر بها؛ لأنها قد جردت عن كل شيء والماهية المطلقة يصح تعلق الأوامر بها لأنها متحققة الوجود في ضمن جزئياتها، فالأمر بها مقيد بقيد الحيثية، وهو التحقق في ضمن أو أفرادها أو الملاحظة لفرد أو أفرد [6 أ].

وأما الفرق المسئول عنه بين قول من قال إنه يتعلق الأمر بالماهية أولاً، وبأفرادها ثانيًا،

(1) في هامش المخطوط ما يلي: (هذا الجواب أجبت به عن السؤالات التي وردت إلي من العلامة قاسم لطف الله).

(2)

انظر «البحر المحيط» (2/ 407 - 408).% لا تتعلق [ .. ]

(3)

كلمة غير مقروءة في المخطوط.% موضوع، فالأوامر الشرعية هي أمر بالماهية [ .. ]

ص: 2435

وبدخول قول من قال إنه يتعلق بالماهية ملحوظًا معها الأفراد الخارجية هو أن متعلق الأمر عند الأوليين الماهية التي ينتقل الذهن منها إلى أفراده، ومتعلقه عند الآخرين هو الماهية مع الإفراد؛ لأن ملاحظة الشيء مع الشيء يستلزم أن يكونا جميعًا متعلق ما وقع عليهما، أو عرضا له، فوجب بهذا أن الأولين يجعلون المتعلق بنفس الماهية المطلقة المستلزمة لإفرادها ثانيًا، والآخرين يجعلون المتعلق مجموع الماهية وأفرادها، وهذا خلاف معقول لا خلاف لفظي (1).

وأما ما استطرده السائل- كثر الله فوائده- من كلام التاج السبكي (2) ووالده التقي- رحمهما الله- فالأقرب ما قاله الوالد لا الولد، والبحث طويل الذيل، كثير الشعب. وقد جمعت فيه رسالة مستقلة استوفينا فيها ما قاله أهل العلم في هذا البحث، وما هو الصواب، ومع العود إلى الوطن- إن شاء الله- نرسلها إلى السائل.

وأما ما سأل عنه السائل- عافاه الله- من مقالة العلامة ابن دقيق العيد (3) رحمه الله أن أعراض الناس حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام.

فلعله يريد المتساهلين في البحث والفحص عن أسباب الجرح من الطائفتين، وأما من قام في مقام التحري، وبالغ في الكشف والفحص، ووقف في موقف الإنصاف فهو حقيق بأن يقال فيه: إنه وقف بهتكه لأستار الكذابين، وتمزيقه لأعراض الوضاعين [6 ب] وإشهار فضائحهم وقبائحهم على رءوس الأشهاد، وعلى عرصات الجنة، وفي روضات الفردوس، وكيف لا يكون كذلك وقد ذبوا عن سنة رسول لله، وذادوا عها الكذابين، وصفوها عن شوب كدر الكذب، وقذر الوضع، وجالوا بينها وبين الزنادقة

(1) انظر: بداية الرسالة.

(2)

تقدم ذكره.

(3)

في «الاقتراح» (ص 302).

ص: 2436

والمبتدعة، وسار المتلاعبين بالدين! فأعظم الله أجرهم، وأحسن جزاءهم، وأثابهم عن السنة المطهرة أجزل ثواب. فلولا أن الله- سبحانه- حفظها بهم لاختلط المعروف بالمنكر، والخير بالشر، وقال من شاء ما شاء، وتلاعب بالسنة طوائف الملاحدة على ما طوقوا به أعناق المتشرعين من المنن الجزيلة فهو إما جاهل لا يدري ما يقول، أو منغمس في بحر التعصب والابتداع، وما هو بأول كلب ينبح القمر، ولا بأول من رمى شط الفرات العذر بالقذر، ومن هذا القبيل الشاعر الجاهل أو المتجاهل. ولابن معين في الرجال مقالة سيسأل عنها والملائك شهيد، فإن كان حقًّا فالمقالة عيبه، وإن كان كذبًا فالعقاب شديد، وهذا من أعظم الجهل وأقبح الغلط، فإن هؤلاء أعني - الأئمة- لم يقوموا مقام الغيبة مرة قعدوا مقاعد البهت للناس، بل قالوا لأهل الإسلام: إن فلانًا يكذب على رسول الله، أو يجازف ولا يتحرى الصواب، أو خفيف الحفظ لا يضبط ما يسمعه، أو مبتدع يستجيز الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم ببدعته، كما هو مذهب طائفة من الروافض، أو مبتدع لا يستجيز الكذب ببدعته، ولكنه يتعمد الكذب ليدعوا الناس إلى بدعته، وكل هؤلاء غير مأمون على سنة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم كما أن من كان غير ثقة، غير مأمون على الشهادة يقتطع أموال الناس بمجرد رشوة [7 أ] يعطاها، أو غير ذلك من الأسباب الحاملة لمن لا دين له، ولا أمانة على الشهادة عند الحكام في الدماء والأموال، فإن من كان متساهلاً بدينه الذي تعبده الله به يغلب الظن بتساهله في الشهادة وغيرها.

وأما سؤال السائل- عافاه الله- عن بيع العينة.

فالحق الذي لا ينبغي العدول عنه، ولا الالتفات إلى ما سواه أن كل وصلة توصل بها إلى نوع من أنواع الربا، وكل ذريعة يتذرع بها إلى شائبة من شوائبه باطلة حرام لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع فيها، أو يفتي بحلها، أو رخص لعبد من عباد الله

ص: 2437

في شأنها. وأما حديث التمر الجنيب فهو حديث صحيح (1)، ولطف لطف الله به وبعباده بسببه، فإنه خلصهم به من كثير من شوائب الربا، وفرق بين ما شرع للخلوص من الحرام، وبين التوصل إلى الحرام، بل هما متقابلان، فكيف يدل الحديث على الأمرين! فالاستدلال بحديث التمر الجنيب على جواز بيع العينة غلط أو مغالطة.

وبالجملة فالدليل على منع ذرائع الربا ووسائله هو الأدلة في القرآن والسنة الدالة على تحريم الربا، ولا يحتاج معها إلى الاستدلال بقول صحابي على فرض أنه قاله اجتهادًا منه.

وأما ما سأل عنه السائل- عافاه الله- من قول الإمام الشافعي- رحمه الله لا يثبت مثله عن عائشة (2) رضي الله عنها.

فهذا الإمام الكبير لا يقول هذه المقالة إلا بعد أن يطلع من الأسباب القادحة في الثبوت على ما يوجب الجزم بعدم الثبوت، وهو أجل وأعلا وأنبل من أن يقول شيئًا عن غير بصيرة، أو بدون تنقيب، ولكن هو [7 ب] قد قضى ما عليه، وواجب علينا أن نبحث كبحثه، وننظر كنظره، ونعمل بما يظهر بعد التحري والفحص ومراجعة دواوين الرجال المستوفية للكلام في أحوالهم، تجريحًا، وتعديلاً، وإجمالاً وتفصيلاً، كالتهذيب للمزي، والنبلاء، وتاريخ الإسلام للذهبي، ونحو هذا.

وأما ما سأل عنه السائل من كلام أهل العلم في شأن اللوطي.

فالذي أقول به، وأعمل عليه أن الفاعل والمفعول به المكلفين يستحقان القتل لحديث:«اقتلوا الفاعل والمفعول به» (3) وهو حديث صالح للاحتجاج به. وقد قرت في مؤلفاتي وأطلت البحث في شانه، ولا وجه للقول بالرجم والإلحاق بالمحصن، بل هذه

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

أخرجه أحمد (1/ 300) وأبو داود رقم (4462) وابن ماجه رقم (2561) والترمذي رقم (1456). من حديث ابن عباس وهو صحيح.

ص: 2438

المعصية أوجب الشارع على فاعلها والمفعول به القتل، من غير فرق بين بكر (1) هذا المثل لإحدى ضرائر رهم بنت الخزرج امرأة سعد بن زياد مناة رمتها رهم بعيب كان فيها، فقالت الضرة: رمتني بدائها المثل، يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه.

«مجمع الأمثال» (1/ 178) و (2/ 23).% وانسلت، فهو المتكلف المتعسف بلا شك ولا شبهة ولا فائدة لإطالة منا، وتزييف هذا الكلام الباطل، والتكثير من دفعه فهو أظهر بطلانًا، وأبين فسادًا من أن نطيل في شانه أو نستدل على بطلانه.

وفي هذا المقدر كفاية ، وإن كان المقام متحملاً للبسط.

والله ولي الإعانة، وهو حسبي، ونعم الوكيل [8 أ].

(1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه ابن ماجه رقم (2562)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 355) من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا» . وهو حديث حسن لغيره.% وثيب، ومحصن وغير محصن.

وأما ما سأل عنه السائل من قول البطليوسي في شأن الشمس والقمر والسماء والكواكب، وأنها حيوانات تعقل.

فهذا قول باطل فاسد غاية الفساد، لا ينبغي أن يلتفت إليه مسلم، ولا يعتقد صحته موحد. العجب منه حيث قال: وما تكلفه المفسرون وغيرهم

إلى آخر كلامه، وما أحقه بأن يقال له: رمتني بدائها

ص: 2439