الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
75 -
16/ 5
بحث في دفع من قال أنه يستحب الرفع في السجود
تأليف
محمد بن على الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
بسم الله الحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله الأكرمين، وصحبه الأفضلين:
وبعد:
فإنه وقع البحث مع جماعة من أهل العلم- كثر الله فوائدهم- فيما ورد في الرفع من السجود، وطلبوا مني النظر في ذلك فأقول:
اعلم أن الروايات كلها عن العدد الجم من الصحابة (1) رضي الله عنهم عن رسول
(1)(منها) عند افتتاح الصلاة: فقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو خمسين رجلًا من الصحابة منهم العشرة المبشرين بالجنة. فقد روي حديث رفع اليدين من حديث أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، ومالك بن الحويرث، وجابر، وأبي هريرة، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعمير الليثي، والبراء بن عازب، ووائل بن جحر
…
وغيرهم.
أما حديث أبي بكر. فقد أخرجه البييهقي في «السنن الكبرى» (2/ 73 - 74) وقال البيهقي رواته ثقات.
وأما حديث عمر، فقد أخرجه البيهقي أيضًا في «السنن» (2/ 74).
وأما حديث علي، فقد أخرجه أحمد (1/ 73) والبخاري في رفع اليدين رقم (921) وأبو داود رقم (744) والترمذي رقم (3323) وابن ماجه رقم (864) والدارقطني (1/ 287 رقم1) والبيهقي (2/ 74) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأما حديث بن عمر، أخرجه البخاري رقم (736) ومسلم رقم (22/ 290) عن بن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم يكبر».
وأما حديث مالك بن الحويرث أخرجه البخاري رقم (737) ومسلم رقم (391) والطيالسي في «المسند» (1/ 176 رقم 1253) وأحمد (3/ 346) والدرامي (1/ 285) والنسائي (2/ 123) وأبو داود رقم (745) وابن ماجه رقم (859) وأبو عوانة (2/ 94) والدارقطني (1/ 292 رقم 15) والبيهقي (2/ 71). وهو حديث صحيح.
وأما حديث جابر، أخرجه أحمد (3/ 310) وابن ماجه رقم (868) وهو حديث صحيح.
وأما حديث أبي هريرة، أخرجه أبو داود رقم (738) وابن ماجه رقم (860) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 224) وهو حديث صحيح.
وأما حديث أبي موسى. فقد أخرجه الدارقطني (1/ 292 رقم 16) ورجاله ثقات.
وأما حديث عبد الله بن الزبير، فقد أخرجه أبو داود رقم (739) وهو حديث صحيح.
وأما حديث عبد الله بن عباس. فقد أخرجه أحمد (1/ 327) وأبو داود رقم (740) وابن ماجه رقم (865) وهو حديث صحيح.
وأما حديث عمير الليثي. فقد أخرجه ابن ماجه رقم (861) والطبراني في «الكبير» (17/ 48 رقم 104) وأبونعيم في «الحلية» (3/ 358) ووهم ابن ماجه فسماه عمير بن حبيب وإنما هو عمير بن قتادة الليثي. وهو حديث صحيح.
وأما حديث البراء، فقد أخرجه أبو داود رقم (749) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 224) والدارقطني (2/ 293 رقم 18 - 21 - 23) والبيهقي (2/ 76) وهو حديث ضعيف.
وأما حديث وائل بن حجر. فقد أخرجه مسلم رقم (401) وأبو داود رقم (724، 726) والنسائي (2/ 123) وابن ماجه رقم (867) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 223) والدارقطني (1/ 292 رقم 14) والبيهقي (2/ 7) وأحمد (4/ 316 - 317) وهو حديث صحيح.
(ومنها): الرفع عند الركوع وعند الاعتدال:
أخرج البخاري رقم (737) ومسلم رقم (26/ 391) عن مالك بن الحويرث قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يبلغ بهما فروع أذنيه. وهو حديث صحيح.
وأخرج البخاري في صحيحة رقم (739) عن نافع أن ابن عمر: «كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهو حديث صحيح.
وانظر: «كتاب رفع اليدين في الصلاة» للبخاري (ص22) فقد قال: وكذلك يروى عن سبعة عشر نفسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع ثم ذكرهم.
الله- صلى الله عليه وآله وسلم ليس فيها إلا الرفع في الثلاثة المواطن (1) فقط عند التكبير للدخول في الصلاة، وعند الانحطاط إلى الركوع، وعند الارتفاع منه، ولم ينقل عن أحد منهم أنه روى الرفع في السجود، بل ثبت من طرق عن عبد الله بن عمر- رضي
(1) انظر التعليقة السابقة.
الله عنهما- أنه نفى ذلك وقال: لم يفعله رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم (1) -، وهكذا عن غيره.
والحاصل أن جميع دواوين الإسلام الست الأمهات وغيرها ليس فيها ذكر الرفع في السجود، بل اقتصروا على رواية الرافع في الثلاثة المواطن (2) المتقدم ذكرها فحسب. فما ورد مما يخالف هذا فهو إن كان رواية ثقة من الشاذ (3) المعدوم من قسم الضعيف، وإن كان راويه غير ثقة كان من المنكر (4) وهو أشد ضعفًا من الشاذ، وبهذا القدر يندفع التعلق برواية من شذ أنه- صلى الله عليه وآله وسلم رفع في السجود، فإن أردت زيادةً على
(1) أخرج البخاري في صحيحة رقم (735) ومسلم رقم (390) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه، إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا وقال:«سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» وكان لا يفعل ذلك في السجود.
وأخرج مسلم في صحيحة رقم (21/ 390) وفيه «
…
ولا يرفعهما بين السجدتين».
(2)
أخرج البخاري في صحيحة رقم (735) ومسلم رقم (390) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه، إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا وقال:«سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» وكان لا يفعل ذلك في السجود.
وأخرج مسلم في صحيحة رقم (21/ 390) وفيه «ولا يرفعهما بين السجدتين» .
(3)
الشاذ: من شذ يشذ ويشذ، شذوذًا، إذا انفرد، والشاذ: المنفرد عن الجماعة ..
قال الشافعي: هو أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره.
أقسام الحديث الشاذ: يكون الشذوذ في المتن، ويكون في السند ويكون فيهما معًا.
حكم الحديث الشاذ: ضعيف مردود لأنه راويه وإن كان ثقة لكنه لما خالف من هو أقوى منه وأضبط علمنا أنه لم يضبط هذا الحديث فيرد حديثه ولا يقبل.
انظر «السعي الحثيث إلى شرح اختصار علوم الحديث» د. عبد العزيز دخان (ص218 - 219).
(4)
المنكر: قال د. عبد العزيز دخان في «السعي الحثيث» (223): وهو كالشاذ إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود وكذا إن لم يكن عدلًا ضابطًا، وإن لم يخالف، فمنكر مردود».
المنكر لغة، اسم مفعول. من أنكره، أي جمله ولم يعرفه.
ويطلق المنكر أيضًا على الشيء القبيح والأمر القبيح.
وادق تعريف للحديث المنكر أن يقال: هو الحديث الذي يرويه الضعيف، مخالفًا لرواية من هو أوثق منه أو أولى منه.
هذا فاعلم أن النسائي في سننه (1) في باب (2) رفع اليدين للسجود أخرج عن مالك بن الحويرث «أنه رأي النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رفع يديه في صلاته» وفيه أنه كان يرفعهما إذا سجد، وإذا رفع رأسه [1أ] من السجود، ثم ذكر مثله عنه من طريق ثانية (3)، ومن طريق ثالثة (4) في هذا الباب (5)، وهي كلها من طريق نصر بن عاصم الأنطاكي (6) عن مالك بن الحويرث، ثم ذكر النسائي (7) في باب (8) الرفع من السجدة الأولى عن مالك بن الحويرث مثله، وهي أيضًا من طريق نصر بن عاصم عنه.
فجملة الطرق لحديث مالك بن الحويرث أربع، لكنها لما كانت كلها من طريق نصر ابن عاصم كانت بمنزلة طريق واحدة، ونصر بن عاصم (9) هذا لين الحديث لا يقوم
(1) رقم (1058) وهو حديث صحيح.
(2)
باب رقم (36).
(3)
في سننه رقم (1086) قال: حدثنا محمد بن المثني قال: «حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه فذكر مثله» . وهو حديث صحيح.
(4)
في سننه رقم (1087) وهوحديث صحيح.
(5)
رقم (36) قال: اخبرنا محمد بن المثني قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن نصر ابن عاصم عن مالك بن الحويرث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة فذكر نحوه وزاد فيه وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك».
(6)
كذا في المخطوط وصوابه نصر بن عاصم الليثي البصري. انظر «تهذيب التهذيب» (4/ 217).
(7)
في سننه رقم (1143) وهو حديث صحيح.
(8)
رقم 84 قال: أخبرنا محمد بن المثني قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن نصر ابن عاصم عن مالك بن الحويرث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك كله يعني رفع يديه.
(9)
نصر بن عاصم الليثي البصري. قال أبو داود كان خارجيًا.
قال النسائي: ثقة.
وذكره بن حبان في «الثقات» .
انظر: «تهذيب التهذيب» (4/ 218 - 219).
بمثابة الحجة، مع أنه قد أختلف عليه في ذلك فأخرج النسائي (1) عن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد، حدثنا شعبه عن قتادة، عن نصر، عن مالك أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم «كان إذا صلى رفع يديه حين يكبر حيال أذنيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. واقتصر على هذه المواطن، ولم يذكر الرفع في السجود، فتقرر لك بهذا أنه قد حصل الاختلاف في حديث مالك بن الحويرث، وذلك اضطراب يوجب أن يكون من قسم الضعيف، فكيف ومداره على ضعيف، وهو نصر بن عاصم.
فإن قلت: قد روى النسائي في سننه (2) في باب (3) رفع اليدين بين السجدتين نحو ذلك من غير طريق مالك بن الحويرث، فقال: أخبرنا موسى عن عبد الله بن موسى البصري قال: أخبرنا انضر بن كثير أبو سهل الأزدي قال: صلى إلى جنبي عبد الله بن طاووس بمنى في مسجد الخيف، فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه، فأنكرت أنا ذلك، فقلت لوهيب بن خالد: إن هذا يصنع [1ب] شيئًا لم أر أحد يصنعه، فقال له وهيب: تصنع شيئًا لم أر أحد يصنعه، فقال عبد الله بن طاووس: رأيت أبي يصنعه، وقال: إني رأيت بن عباس يصنعه، وقال عبد الله بن عباس:
(1) في سننه رقم (880) وهو حديث صحيح.
(2)
رقم (1146).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (740) وهو حديث صحيح.
(3)
رقم (87): رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه.
«رأيت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه» .
قلت: هذا النضر بن كثير هو السعدي (1) البصري. قال بن حبان (2) فيه يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به بحال. انتهى.
فكيف تثبت هذه السنة برواية هذا الكذاب! وبرواية مثل نصر بن عاصم مع الاختلاف عليه في ذلك إثباتًا ونفيًا، مع ما فيه من الضعف! هذا على تقدير أن رواية هذا الكذاب، وهذا الضعيف لم يخالف ما هو أولى منها، فكيف وهي مخالفة لرواية الجمع الجم من الصحابة! حتى قيل أنهم خمسون صحابيًا، وقيل أكثر من ذلك.
فإن قلت: قد روي (3) أنه كان يرفع في كل خفض ورفع. قلت: إذا صح ذلك
(1) النضر بن كثير السعدي ويقال: الضبي أبو سهل البصري العابد.
قال أبو حاتم: سمعت أن حنبل يقول: هو ضعيف الحديث.
قال البخاري: عنده مناكير، وقال في موضع آخر: عنده نظر.
قال النسائي: صالح.
«تهذيب التهذيب» (4/ 226).
(2)
ذكره ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (4/ 226).
قال الحافظ في «الفتح» (2/ 223): وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر ابن عاصم عن مالك بن الحويرث «أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه» .
(3)
أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (15/ 46 - 47 رقم5831) عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه في كل خفض، ورفع وركوع، وسجود وقيام، وقعود بين السجدتين، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك».
وقال الطحاوي عقبه: وكان هذا الحديث من رواية نافع شاذًا لما رواه عبيد الله وقد روي هذا الحديث عن نافع بخلاف ما رواه عنه عبيد الله.
قال الحافظ في «الفتح» (2/ 223)» وهذه رواية شاذة فقد رواه الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه الحفاظ عن نصر بن علي المذكور بلفظ عياش شيخ البخاري- الحديث رقم (739) حدثنا عياش قال: حدثنا عبد الأغلى قال: حدثنا عبيد الله عن نافع «أن بن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم رواه حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه بن طهمان عن أيوب وموسى بن عقبة مختصرًا.
نقيس حمل هذا الخفض وارفع على ما بينته رواية (1) الجمهور، بل رواية الكل لا على ما في رواية ذلك الكذاب والضعيف، وليست بزيادة يجب العمل بها، أو الحمل عليها، فإن العمل بالزيادة إنما تكون بعد أن تقوم بها الحجة، ويتعين الأخذ بها، لا مثل هذه الزيادة التي لا يجوز العمل عليها، ولا الأخذ بها، فضلًا عن أن تكون مقبولة.
وفي هذا كفاية. والله ولي التوفيق، وقد ذكر ابن القيم في الهدي (2) أن رواية الرفع في السجود وهم، فليكتب كلامه هنا [2أ].
(1) في المخطوط مكرر.
(2)
(1/ 211 - 212) وانظر «جامع الفقه» موسوعة الأعمال الكاملة للأمام ابن القيم الحوزية (1/ 89 - 91).