الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في دم الخيل ودم بني آدم هل هو طاهر أن نجس
تأليف
محمد بن على الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله الأكرمين، وصحبه الميامين.
وبعد:
فإنه وصل هذا السؤال من سيدي عز المعالي، وسيف الخلافة المتلالي محمد بن أمير المؤمنين المتوكل على الله- رضوان الله عليه-. وحاصله:
حصلت بيننا مذاكرة في دم الخيل (1)، ودم بني آدم، هل هو طاهر أم نجس؟ فقلنا: إن كل جم ليس بنجس إلا دم الحيض، ودم النفاس، ولا ينقض الوضوء؛ فالنبي- صلى الله
(1) الدم: هو السائل الأحمر الذي يجري في عروق الإنسان والحيوان.
الدم إما أن يكون مسفوحًا أو غير مسفوح.
1 -
الدم المسفوح: فهو الدم السائل الخارج من العروق، وهو نجس ويستثنى من ذلك دم الشهيد ما دام عليه.
واحتباسه في العروق هو سبب نجاسة الميتة. ولا يجوز أكل الدم المسفوح كله؛ لنه إذا اغتذى به الإنسان زادت فيه الشهوة والغضب وطغت على العدل.
ومن الدم المسفوح: الدم الخارج من فرج المرأة وهو أربعة أنواع:
أ- دم مقطوع بأنه حيض، وهو دم البالغة في عادتها.
ب- دم مقطوع بأنه استحاضة، وهو دم الصغيرة.
ج- دم يحتمل الأمرين، والأظهر أنه حيض.
د- دم يحتمل الأمرين، والأظهر أنه استحاضة.
2 -
الدم غير المسفوح: وهو الدم غير السائل كالكبد والطحال المأكولين ودم الذباب والبق والبراغيث، والدم الذي ما زال في العروق، والدم العالق في اللحم؛ فإنه غير نجس ويجوز أكله، ولذلك كان غسل الذبيحة بدعة، وكذا غسل سكين القصاب بدعة، ولكن لا يجوز تتبعه وأكله كما يفعل اليهود. انظر:«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (17/ 179)(21/ 631). (21/ 228)«شرح العمدة» (1/ 21).
عليه وآله وسلم- احتجم ولم يتوضأ. وأما نواقض الوضوء فما هي إلا ما خرج من السبيلين. وأما مثل اللغو أو الفحش ففيه الاستغفار لا غير. فأفيدوا مما أجبنا عليهم بأدلة واضحة؛ لأنهم إذا أوضحنا لهم أسوة الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: أهل البيت- عليهم السلام بال دليل ولا برهان، إنما هم يخبطون خبط عشواء فالعجب كل العجب من ذلك!.
أقول:- وبالله الثقة، وعليه التوكل-: ينيغي هاهنا تقديم مقدمة، وهي هل الأصل في الحيوانات الحل أو التحريم. الحق أن الأصل الحل إذا كان مستطابًا غير ضار، ولا يخرج عن ذلك إلا ما حرمه الشارع، أو كان ضارًّا، أو غير مستطاب، بل تستخبثه النفس. وقد دل القرآن الكريم على أصالة الحل فقال- سبحانه-:{قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة} (1) إلى آخر الآية. وقال- سبحانه-: {أحل لكم الطيبات} (2) وقال- سبحانه-: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} (3)، وقال تعالى:{وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه} (4).
وفي الصحيحين (5) وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن أعظم المسلمين جرمًا، من سأل عن شيء لم يحرم فحرم
(1)[الأنعام: 145].
(2)
[المائدة: 5].
(3)
[الأعراف 32].
(4)
[البقرة: 29].
(5)
أخرجه البخاري رقم (7289) ومسلم رقم (2358).
عليهم لأجل مسألته».
وأخرج الترمذي (1)، وابن ماجه (2) عن سلمان الفارسي قال: سئل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: «الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم» . فدلت هذه الأدلة العامة أن الأصل في جميع الحيوانات التي لم تكن مستخبثة، من غير فرق بين الأهلية والوحشية. ومن زعم أن شيئًا فيها [1 أ] حرامًا فإن الدليل على ذلك على وجه تقوم به الحجة غير معارض بمثله، أو بما هو أرجح منه كان مقبولًا، وذلك كما ورد في تحريم كل ذي ناب من السباع (3)، ومخلب من الطير (4)، فإنه تخصيص من تلك العمومات الكلية، وكما ورد في تحريم الحمار الأهلي (5)، والبغال، فإنه كذلك مخصص من تلك العمومات، وكذلك تحريم الخبائث (6) المصرح بتحريمها في الكتاب العزيز.
وإذا لم يأت المدعي للتحريم بدليل صحيح صاف عن شوائب الكدر، غير معارض بمثله، أو بما هو أرجح منه كان مردودًا، أو يكفي القائل بالتحليل المنع كما هو مقرر في
(1) في «السنن» رقم (1726) وقال: حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه
…
وسألت البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: ما أراه محفوظًا
…
".
(2)
في «السنن» رقم (3367).
وهو حديث ضعيف.
(3)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (5530) ومسلم رقم (1932) وأبو داود رقم (3820) والترمذي رقم (1477) والنسائي (7/ 200 رقم 4352) من حديث أبي ثعلبة الخشني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع» .
(4)
أخرج مسلم في صحيحه رقم (16/ 1934) من حديث ابن عباس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير» .
(5)
أخرج البخاري رقم (4226) ومسلم رقم (31/ 1938) من حديث البراء بن عازب: «أنه صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية» .
(6)
قال تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157].
علم المناظرة، ولا يحتاج إلى الاستدلال، بل الاستدلال على مدعي التحريم. إذا تقرر لك هذا فمدعي تحريم الخيل (1) عليه الدليل، ويكفينا القيام في مقام المنع، فإذا لم يأت
(1) ذهبت الهادوية ومالك وهو المشهور عند الحنفية إلى تحريم أكلها واستدلوا بحديث خالد بن الوليد: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع» .
- أخرجه أبو داود رقم (3790) وابن ماجه رقم (3198) والنسائي (7/ 202) وأحمد (4/ 89) والدارقطني (4/ 287 رقم 61) وإسناده ضعيف لضعف صالح بن يحيى المقدام، قال البخاري فيه نظر، والراوي عنه وهو أبوه لم يوثقه إلا ابن حبان، وهو حديث ضعيف. -
واستدلوا بقوله تعالى: {لتركبوها وزينة} [النحل: 8].
قالوا: أن الله المنصوصة تقتضي الحصر، فإباحة أكلها خلاف ظاهر الآية.
قيل لهم: بأن كون العلة منصوصة لا تقتضي الحصر فيها، فلا تفيد الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بها في غيرهما اتفاقًا، وإنما نص عليهما لكونهما أغلب ما يطلب، ولو سلم الحصر لامتنع حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل به.
- قالوا: من وجود دلالة الآية على تحريم الآكل عطف البغال والحمير فإنه دال على اشتراكهما معها حكم التحريم، فمن أفرد حكمهما عن حكم ما عطف عليه احتاج إلى دليل.
قيل لهم: أن هذا من دلالة الاقتران وهي ضعيفة.
قالوا: من وجود دلالة الآية أنها سبقت للامتنان، فلو كانت مما يؤكل لكان الامتنان به أكثر؛ لأنه يتعلق ببقاء البينة، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم ويترك أعلاها سيما وقد امتن بالأكل فيما ذكر قبلها.
قيل لهم: بأنه تعالى خص الامتنان بالركوب؛ لأنه غالب ما ينتفع بالخيل فيه عند العرب فحوطوا بما عرفوه وألقوه كما حوطوا في الأنعام بالأكل وحمل الأثقال؛ لأنه كان أكثر انتفاعهم بها لذلك، فاقتصر في كل من الصفين بأغلب ما ينتفع به عليه.
قالوا: من وجود دلالة الآية أنه لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة التي امتن بها وهي الركوب والزينة.
قيل: بأنه لو لزم من الإذن في أكلها أن تغني للزم مثله في البقر ونحوها، مما أبيح أكله ووقع الامتنان به لمنفعة أخرى.
- وقيل لهم: أن آية النحل مكية اتفاقًا، والإذن في أكل الخيل كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين.
- أن آية النحل ليست نصًّا في تحريم الأكل والحديث صريح في جوازه ولو سلم ما ذكر كان غايته الدلالة على ترك الأكل وهو أعم من أن يكون للتحريم أو للتنزيه أو لخلاف الأولى، وحيث لم يتعين هذا واحد لا يتم التمسك، فالتمسك بالأدلة المصرحة بالجواز أولى.
بالدليل قامت عليه الحجة، وبطلت دعواه، واسترحنا من الكلام معه، والاستدلال عليه (1). وهذه الجملة معلومة من علم المناظرة، لا خلاف بين أهله في ذلك، وكما أن هذا معلوم في علم المناظرة فهو أيضًا معلوم في علم أصول الفقه، فإن المتمسك بالعام لديهم لا يتزحزح عن ذلك العموم إلا إذا اعتقد من يدعي خلافه بالمخصص الصالح للاحتجاج به، وإلا فقوله رد عليه.
إذا تقرر لك هذا فاعلم أن القائل بأن الخيل لا يحل أكلها، وأنها كالحمير، والبغال لا بد أن يأتي بدليل تقوم به الحجة، وإلا فالواجب البقاء على تلك العمومات السابقة، فإن استدل على تحريمها بقول الله- عز وجل:{والخيل والبغال والحمير لتركبوها} (2) الآية. قلنا له: هذه الآية ليس فيها شيء من الدلالة على ما تريد، وبيانه أن الله- سبحانه- إذا ذكر لشيء من مخلوقاته فائدة، أو فائدتين، أو فوائد، فذلك لا يدل على أن لا يوجد فيها [1 ب] غير ما ذكره الله- سبحانه-، وهذا لا يخالف فيه أحد ممن يعرف العلوم الآلية، ويدري بلغة العرب، وبأسرارها المبينة في علم المعاني والبيان، وفي علم أصول الفقه.
وقد ذكر الله- سبحانه- في الإبل فوائد ومنها: {وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه} (3) الآية، وهكذا سائر الحيوانات التي أحلها لا يستلزم ذكر فائدة من فوائدها أن تكون هي المرادة، ولا يجوز غيرها، وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم، ومع هذا فهذه الآية التي استدلوا بها مكية وقد تعقبها التحليل بالمدينة كما سيأتي بيانه.
(1) سيأتي ذكره.
(2)
[النحل: 8].
(3)
[النحل: 7].
وإذا عرفت أنه لا دليل لهم فها نحن نتبرع بذكر الدليل الدال على الحل، وإن لم يكن ذلك مما يلزم؛ لأن مجرد المنع والوقوف عليه يكفي، ولكن اسمع أدلة الحل حتى ينشرح صدرك بالحق الحقيق بالقبول فنقول: ثبت في الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث جابر أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم «أذن في لحوم الخيل» ، وثبت أيضًا في الصحيحين (3) وغيرهما من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت:«ذبحنا على عهد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم فرسًا ونحن بالمدينة فأكلناه» .
وفي لفظ أحمد (4): «فأكلناه نحن وأهل بيته «وقد اقتصرنا هاهنا على هذين الحديثين الثابتين في صحيح البخاري، والمتواتر قطعي الدلالة لا يحل مخالفته بالظنيات، وإن كثر عددها، فكيف وليس هنا دليل يفيد أن الصحابة أجمعوا على حل أكل الخيل، وكذلك أخرج ابن أبي شيبة (5) عن ابن جريج مثل ذلك، وهما تابعيان مميزان لا يخفى عليهم ما كان عليه الصحابة بلا شك ولا ريب، فعرفت بما ذكرنا أن حل لحوم الخيل مدلول عليه بعموم الآيات القرآنية، والمتواتر من السنة المطهرة، وبإجماع الصحابة، وبعض البعض من هذا يكفي، لا سيما مع عدم وجود دليل يتمسك به القائل بالتحريم، بل يكفي مجرد القيام مقام المنع كما تقدم، فأعجب من القائل بالتحريم كيف خفي ليه مثل هذا! ومع هذا هو مذهب الإمام زيد بن على كما حكاه الإمام الهدي عنه في البحر الزخار (6)، بل هو
(1) أخرجه البخاري رقم (4219) ومسلم في صحيحه رقم (1941).
(2)
أبي داود رقم (3788) والترمذي رقم (1478) والنسائي (7/ 202). وهو حديث صحيح.
(3)
أخرجه البخاري رقم (5510) ومسلم رقم (1943).
(4)
في «المسند» (6/ 354) بسند صحيح.
(5)
في «المصنف» (8/ 67 - 70) بسند صحيح.
(6)
(4/ 330).
قول أمير المؤمنين، وسيد المسلمين علي بن أبي طالب رضي اله عنه كما حكاه في الجامع الكافي (1) جامع مذهب آل محمد ولفه: وروى محمد بإسناده [2 أ] عن زيد بن علي عن علي رضي الله عنه أنه قال: يحل أكل الخيل العراب. انتهى.
وإذا عرفت أن الخيل حلال فدمها طاهر كما ذهب إليه الجمهور، وهو الحق (2) الذي لا شك فيه، ولم يسمع القول بنجاسة الدم لا في زمن الصحابة، ولا التابعين، وهذا يعرفه كل من يعرف مذاهب أهل العلم، وهذا في غير دم الحيض والنفاس، وما خرج من السبيلين.
وإلى هذا ذهب جماعة من أهل البيت منهم: زيد بن علي، والإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي- رضي الله عنهم وقد روى عنه صاحب الجامع الكافي (3) جامع آل محمد أنه قال: إذا رأيت في ثوب أخيك دمًا وهو يصلي فلا تخيره حتى ينصرف، وروى عنه أنه قال: لا تعاد الصلاة من نضخ دم.
وروى صاحب الجامع الكافي بإسناده عن علي رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم توضأ ثم أمس إبهامه أنفه، فإذا دم فأعاد مرة أخرى، فلم ير شيئًا فأهوى بيده إلى الأرض فمسحه، ولم يحدث وضوءًا، ومضى إلى الصلاة. ورواه أيضًا عن أمير المؤمنين- رضي الله عنهم زيد بن علي بإسناده.
وقد كان الصحابة- رضي الله عنهم تتمضخ ثيابهم بالدماء عند الجهاد، ولم يؤثر عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر أحدًا منهم بغسل ثوبه، أو ينزعه عنه حال الصلاة. ومن ذلك الصحابي الذي أرسله- صلى الله عليه وآله وسلم يقف في
(1)«الجامع الكافي (جامع آل محمد)» . تأليف: الحسن بن محمد الحسني الديلمي.
انظر «مؤلفات الزيدية» رقم (1029).
(2)
انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (21/ 520).
(3)
تقد ذكره.
محل الحراسة للمجاهدين، فإنه جاء في ظلمة الليل رجل من الكفار فرآه مستقيمًا يصلي، فرماه مرة بعد مرة ن والسهام تصيبه، ولم يخرج من الصلاة حتى أتمها، ثم أتى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم فعاتبه على صبره على ذلك، ولم يأمر بنزع الثياب التي عليه للصلاة، ولا أنكر عليه إتمامه للصلاة.
وهذه الحديث في البخاري (1) من حديث جابر مختصرًا. وأخرج غيره (2) مطولًا. والقصة مشهورة معروفة في كتب السير (3) والحديث، وقد استدل القائلون بنجاسة الدم بدليلين: الأول: قوله- عز وجل: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتتة أو دمًا مسفوحًا} (4) الآية. وليس في هذه الآية دلالة قط؛ لأنها مسوقة لذكر ما يحرم أكله. ولهذا قال على طعم يطعمه، ولا ملازمة بين تحريم الأكل والنجاسة بوجه من الوجوه قط. ومن ادعى الملازمة فقد غلط غلطًا بينًا وأما استدلالهم بحديث عمار (5) فهو مما لا تقوم به حجة قط.
(1) في صحيحه (10/ 280) تعليقًا.
(2)
كأبي داود في «السنن» رقم (198) وأحمد (3/ 343 - 344) والدارقطني (1/ 223 - 224) وابن خزيمة (1/ 24 - 25) وابن حبان رقم (1096) والحاكم في «المستدرك» (1/ 156 - 157) وهو حديث حسن.
(3)
انظر «السيرة النبوية» لابن هشام (3/ 291 - 292).
«المغازي» للواقدي (1/ 397).
(4)
[الأنعام: 145].
(5)
أخرجه الدارقطني (1/ 127) والبزار رقم (248 - كشف) وأبو يعلى في «المسند» (1/ 16) والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 14) والعقيلي في «الضعفاء» (1/ 176) وابن عدي في «الكامل» (2/ 98) من طريق ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن عمار به.
قال الدارقطني عقبه: لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جدًّا.
وقال البيهقي: هذا باطل لا أصل له وإنما رواه ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن عمار.
وعلي بن زيد غير محتج به وثابت بن حماد متهم بالوضع. انظر: «تلخيص الحبير «(1/ 33)، «مجمع الزوائد»
(1/ 283). وخلاصة القول: أن حديث عمار موضوع.
وقد اتفق علماء الحديث العارفون به على ضعفه من وجوه كثيرة ليس المقام مقام بسطها، واتفقوا [2 ب] على أنها لا تقوم به الحجة، فالبقاء على الأصل وهو الطهارة متعين.
ومن جملة من ذهب من أهل البيت إلى أن خروج الدم لا ينقض الوضوء الإمام الناصر صاحب الجبل والديلم المعاصر للإمام الهادي يحيى بن الحسين قال: الأمير الحسين في الشفاء (1): قيل: روى أنس «أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ» . (2) ولم يزد على غسل محاجمه دل على أن ذلك لا ينقض الوضوء. وهو قول الناصر للحق وأتباعه. انتهى.
وقد روى هذا الحديث الدارقطني (3) وقال المنذري في تخريج المهذب: أن إسناده حسن. وقال ابن العربي في خلافياته: أن الدارقطني رواه بإسناد صحيح (4).
(1)(1/ 82 - 83).
(2)
أخرجه الدارقطني (1/ 151 رقم 2) وفي سنده «صالح بن مقاتل» قال عنه الدارقطني: يحدث عن أبيه، ليس بالقوي. وهو حديث ضعيف.
(3)
أخرجه الدارقطني (1/ 151 رقم 2) وفي سنده «صالح بن مقاتل» قال عنه الدارقطني: يحدث عن أبيه، ليس بالقوي. وهو حديث ضعيف.
(4)
قال ابن حجر في «التلخيص» (1/ 113 رقم 152) وادعى ابن العربي أن الدارقطني صححه، وليس كذلك، بل عقبه في «السنن» صالح بن مقاتل ليس بالقوي، وذكره النووي في فصل الضعيف. وفي الباب أحاديث تفيد عدم نقضه منها:
عن بكير بن عبد الله المزني أن ابن عمر عصر بثرة بين عينيه، فخرج منها شيء ففته بين أصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ. بإسناده صحيح.
أخرجه البخاري معلقًا (1/ 280). وعبد الرازق في «المصنف» (1/ 145 رقم 553) وابن أبي شيبة في «المصنف» (1/ 138)، والبيهقي (1/ 141) وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 172 رقم 65). (ومنها): حديث ابن عباس قال: «إذا كان الدم فاحشًا فعليه الإعادة، وإن كان قليلًا فلا إعادة عليه» .
أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (1/ 172 رقم 64).
وأخرج الشافعي كما في «التلخيص» (1/ 114) عن رجل عن ليث عن طاوس عن ابن عباس، قال:«اغسل أثر المحاجم عنك، وحسبك» .
(ومنها): عن عطاء ابن السائب قال: رأيت عبد الله بن أبي أوفى «بزق دمًا ثم قام فصلى» . وإسناده صحيح.
أخرجه البخاري تعليقًا (1/ 280). وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 172 رقم 63).
ومما يلزم القائلين بنجاسة الدن أنهم استدلوا على طهارة ما خرج من سبيلي المأكولات من الحيوانات بحديث جابر (1) والبراء (2) بلفظ: «لا بأس ببول ما أكل لحمه» ، وهذا الحديث وإن كان لا تقوم به حجة لكنهم لما استدلوا به وحكموا لما يؤكل لحمه بطهارة البول كان الدم أخف من البول، وكان يلزمهم أن يحكموا بطهارة دم ما يؤكل لحمه مع كونه خارجًا من أحد السبيلين، فكيف حكموا بنجاسة الدم الخارج منها! ولم يثبتوا إلا السمك (3) ......................................
(1) أخرجه الدارقطني في «السنن» (1/ 128) وهو حديث ضعيف جدًّا.
(2)
أخرجه الدارقطني في «السنن» (1/ 128) وهو حديث ضعيف جدًّا.
(3)
أما دم السمك فليس بدم على التحقيق؛ لأن الدم على التحقيق يسود إذا شمس، ودم السمك يبيض، لهذا يحل تناوله من غير ذكاة، ولأن طبع الدم حار وطبع الماء بارد، فلو كان للسمك دم لم يدم سكونه في الماء.
وفي مبسوط شيخ الإسلام أنه ما أخذ أي ما يتغير، وقال: بعضهم هو دم ولكنه طاهر؛ لأنه لو كان نجسًا لأمر بالطهارة فصار حكمه حكم الكبد والطحال ودم يبقى في العروق كذا في «الإيضاح» . وقال أبو يوسف: في قول الشافعي هو نجس إلحاقًا بسائر الدماء، وهو ضعيف.
انظر: «البناية في شرح الهداية» (1/ 748).
والبق والبرغوث (1)، وما صلب على الجرح، وما بقي في العروق (2) بعد الذبح، بل ثبت (3) أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم أمر أهل عرينة أن يشربوا من أبوال الإبل، وإنما ذكرنا هذا تقريبًا للأذهان؛ لتفهم أنه لا وجه للحكم بنجاسة الدم من الآدمي، ومن الخيل والإبل ونحوها من سائر المأكولات (4).
وأما انتقاض الوضوء بتعمد الكذب والنميمة ونحوهما من المعاصي (5) فاستدل القائلون بذلك الحديث المروي عن أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم: «رأى رجلًا مسبلًا إزاره في الصلاة، فأمر بإعادة الوضوء والصلاة» (6) ففي إسناده ....................
(1) ودم البق والبراغيث ليس بشيء، وبه قال مالك وأحمد في رواية لأنه ليس بمسفوح، والمسفوح، ودم الحدأة والأوازغ نجس؛ لأنه دم سائل وما يبقى في العروق واللحم طهر لا يمنع جواز الصلاة، وإن كثر؛ لأنه ليس بمسفوح، ولهذا حل تناوله، وعن أبي يوسف أنه معفو عنه في الثياب لعدم الاحتراز فيه دون الثوب.
انظر: «البناية في شرح الهداية» (1/ 748 - 749).
(2)
انظر التعليقة السابقة.
(3)
أخرجه البخاري رقم (233) ومسلم رقم (1671) وأبو داود رقم (4364) والنسائي (7/ 96 رقم 4029) والترمذي (1/ 106 رقم 72)، وابن ماجه رقم (2578).
(4)
انظر: «المغني» (1/ 248).
(5)
قال النووي في «المجموع» (2/ 73) قال ابن المنذر في كتابيه «الإشراف والإجماع» وابن الصباغ: أجمع العلماء على أنه لا يجب الوضوء من الكلام القبيح؛ كالغيبة والقذف وقول الزور، وغيرها.
واحتج الشافعي ثم ابن المنذر وثم البيهقي وأصحابنا في المسألة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لغيره تعالى أقامرك فليتصدق» .
أخرج البخاري رقم (4860) ومسلم رقم (5/ 1647).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (638) و (4086).
وهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ولا يستدل به على نقض الوضوء بالمعاصي.
مجهول (1) فلا يصح الاستدلال به على انتقاض وضوء المسبل إزاره، فضلًا عن غيره من الفاعلين للكذب، وسائر المعاصي.
واستدلوا أيضًا بقصة الأعمى التي أخرجها الطبراني في الكبير (2) عن أبي موسى قال: بينما النبي- صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بالناس إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد، وكان في نضره ضرر فضحك كثير من القوم في الصلاة فأمر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة. وفي إسناده محمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي (3)، قال أبو داود (4): إنه لم يكن بمحكم العقل.
ورواه البيهقي (5) عن أبي العالية مرسلًا، وقال: أما هذا فحديث مرسل، ومراسيل أبي العالية ليست بشيء، كان لا يبالي عمن أخذ. وقال الشافعي (6) حديث أبي
(1) قيل: هو يحيى بن أبي كثير وهو يحيى بن أبي كثير اليمامي، أحد الأعلام الأثبات، ذكره العقيلي في كتابه ولهذا أوردته فقال: ذكر بالتدليس.
انظر: «الميزان» رقم (9607).
وقيل: هو كثير بن جهمان السلمي.
انظر: «الميزان» (3/ 403).
(2)
كما في «مجمع الزوائد» (1/ 246) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في «الكبير» وفيه محمد بن عبد الملك الدقيقي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون.
قلت: قد ترجم لمحمد بن عبد الملك المزي في «التهذيب» (26/ 24 - 29) وهو ثقة لا طعن فيه.
وقال الزيلعي في «نصب الراية» (1/ 47): رواه الطبراني في معجمه.
قلت وإسناده منقطع، أبو العالية لم يسمع من أبي موسى. وهو حديث ضعيف.
(3)
انظر ترجمته في «الميزان» (3/ 632 رقم 7893).
وثقه مطين والدارقطني. وقال أبو حاتم: صدوق.
(4)
انظر «الميزان» (3/ 132 رقم 7893).
(5)
في «السنن» (1/ 144) وهو حديث ضعيف.
(6)
ذكره ابن عدي في «الكامل (3/ 1022).
العالية الرياحي رياح. وقال ابن عدي (1): أكثر ما ينقم على أبي العالية هذا الحديث، وقد جزم جماعة من الحفاظ أنه لم يصح في كون الضحك [3 أ] ينقض الوضوء شيء.
وأقول: ما كان لأصحاب رسول الله الذين هم خير القرون (2) أن يضحكوا في صلاتهم أ لا سيما على مثل هذه القضية التي تقتضي البكاء لا الضحك، فأي سبب للضحك لسائر الناس في رجل ضرير تردى في حفرة، فكيف للصحابة المؤتمين بالصادق المصدوق- صلى الله عليه وآله وسلم!، قال البيهقي (3): وليس في شيء من الروايات أنه أمرنا بالوضوء.
وأخرج البيهقي (4) عن أبي الزناد قال: كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهي إليه منهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير (5)، والقاسم بن محمد (6)، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار في مشيخة جلة سواهم يقولون عن من رعف غسل عنه الدم، ولم يتوضأ. وفي من ضحك في الصلاة إعادة صلاته ولم يعد منه وضوءه. انتهى.
قلت: وهؤلاء السبعة الذي صرح بأسمائهم هم الفقهاء السبعة، الذين كانت تدور عليهم الفتيا في أيام التابعين، وقال الشاعر:
(1) في «الكامل» (3/ 1028).
(2)
تقد م تخريجه مرارًا.
(3)
في «السنن» (1/ 145).
(4)
في «السنن» (1/ 145).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 387) من طريق حماد بن سلمة عن هشام، قال: ضحك أخي في الصلاة فأمره عروة أن يعيد الصلاة ولم يأمره أن يعيد الوضوء.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 387) من طريق عبد الرحمن بن القاسم، قال: ضحكت خلف أبي وأنا في الصلاة فأمرني أن أعيد للصلاة.
وأخرجه عبد الرازق في مصنفه (2/ 377 رقم 3768 ورقم 3769).
ألا كل من لا يقتدي بأئمة
…
فقسمته ضيزى عن الحق خارجه
فقل هم عبيد الله عروة قاسم
…
سعيد أبو بكر سليمان خارجه
ويعمم غيرهم كما قال في مشيخة جلة سواهم، فعدم نقض الدم للوضوء هو إجماع التابعين (1)، ولو خالفهم غيرهم لبينوه، وهيهات أن يخالف هؤلاء الجبال غيرهم! وإجماعهم يدل على إجماع الصحابة كما ذكرنا لك سابقًا. ولو قال صحابي من كبارهم أو صغارهم ما خفي ذلك على ذلك هؤلاء الأئمة من التابعين، وحكم أجمع الصحابة والتابعون لا ينبغي أن يخالفهم مخالف.
وأما كون الكذب والغيبة والنميمة ونحوها غير ناقض للوضوء فلا دليل على ذلك، ولا من كتاب، ولا من سنة. وما سبق في قصة المسبل إزاره، وفي قصة الضرير الذي تردى فقد عرفناك أنه لا يصلح للاستدلال به على القصتين المذكورتين، فكيف يستدل به على الكذب والغيبة والنميمة! ولم يوجب الله- سبحانه- على فاعل المعصية إلا التوبة [3 ب].
وإلى هنا كفاية. وقد أوضحت في مصنفاتي [هذا](2) المسائل أكثر مما هنا. والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل [4 أ].
(1) قال مالك في «المدونة الكبرى» (1/ 100): فيمن قهقه في الصلاة وهو وحده: يقطع ويستأنف، وإن تبسم فلا شيء عليه، وإن كان خلف إمام فتبسم فلا شيء عليه، وإن قهقه مضى مع الإمام، فإذا فرغ الإمام أعاد صلاته، وإن تبسم فلا شيء عليه.
وقال الشافعي في «الأم» (1/ 21): لا وضوء من كلام وإن عظم ولا ضحك في صلاة ولا غيرها.
وقال ابن هانئ في «مسائل أحمد بن هانئ» قال: وسألت أحمد عن الرجل يضحك في الصلاة؟ قال: يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء.
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل، لا يرى من الضحك في الصلاة وضوءًا. قال: لا أدري بأي شيء أعادوا الوضوء من الضحك، أرأيت لو سب رجلًا قال: أما أنا فلا أوجب فيه وضوءًا ليس تصح الرواية فيه.
«مسائل أحمد» لأبي داود (13).
(2)
كذا في المخطوط ولعل الصواب (هذه).