الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(73)
22/ 1
جواب في حكم احتلام النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
ما تقولون- رضي الله عنكم وأرضاكم- في أنه ثبت في الخصائص النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام أن نبي الله- صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتلم، وأن الاحتلام من قبل الشيطان- أعاذنا الله منه- مع الحديث الثابت في الصحاح (1) عن أم المؤمنين عائشة زوج النبي- صلى الله عليه وآله وسلم:«كنت أفركه من ثوب رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم ويصلي فيه» . هذا معنى الحديث. أفيدوا جزاكم الله خيرًا.
(1) أخرجه أحمد (6/ 125، 132) ومسلم (1/ 238 رقم 105/ 288). وأبو داود رقم (371، 372) والترمذي (1/ 198 رقم 116) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (1/ 156، 157) وابن ماجه (1/ 197 رقم538).
عن عائشة قالت: كنت أفرك المني من ثوب ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه «وهو حديث صحيح» .
* وأخرجه أحمد (6/ 243) بسند حسن.
عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه ويحته من ثوبه يابسًا ثم يصلي فيه» .
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (229، 230) و (231، 232) ومسلم رقم (108/ 289) عن عائشة رضي الله عنه: «كنت أإسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء» . وهو حديث صحيح.
وأخرج الدارقطني في «السنن» (1/ 125 رقم3). عنها رضي الله عنه: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسًا وأغسله إذا كان رطبًا» . وهو حديث صحيح.
الحمد لله رب العالمين
الجواب- والله الهادي- أنه قد ذهب جمع من العلماء إلى استحالة الاحتلام في حقه- صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: لأنه من تلاعب الشيطان بالئائم، وجزموا بأن المني (1) الذي كان على ثوبه- صلى الله عليه وآله وسلم ليس إلا من الجماع، ويقويه أنه لا ملازمة بين كون المني موجودًا في ثوبه، وبين كونه عن احتلام، لا عقلًا ولا عادة، لاحتمال أن يكون مما بقي في الذكر من أثر الجماع، أو مما يحصل عند مقدمات الجماع، كما حكى ذلك النووي (2) عن جماعة من العلماء.
وذهب قوم جمع إلى منع الاستحالة، ومنع كون الاحتلام من تلاعب الشيطان (3)، وجزموا بأنه جائز منه- صلى الله عليه وآله وسلم وبأنه من فيض البدن الخارج في بعض الأوقات، فالقائلون بأن عدم الاحتلام من خصائصه- صلى الله عليه وآله وسلم
(1) قال ابن الأثير «النهاية» (4/ 368): «المني» بالتشديد، وهو ماء الرجل وقد مني الرجل وأمنى، واستمنى إذا استدعى خروج المني.
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (3/ 198 - 199).
(3)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (7005) ومسلم في صحيحه رقم (2261) عن أبي سلمة عن أبي سلمة عن أبي قتادة الأنصاري وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفرسانه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان. فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره» .
قال الحافظ في «الفتح» (1/ 332 - 333): وليس بين حديث الفك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث.
وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبًا والفرك على ما كان يابسًا وهذه طريقة الحنفية.
قال الحافظ والطريقة الأولى أرجح لأن العمل بالخبر والقياس معًا لأنه لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك.
ويرد الطريقة الثانية أيضًا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة: «كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوب يابسًا ثم يصلي فيه» . فإنه تضمن ترك الغسل في الحالتين.
وقال الأمير الصنعاني في «حواشي العدة» (1/ 400 - 411): قال الأولون: هذه الأحاديث في فركه وحته إنما في منيه صلى الله عليه وسلم وفضلاته صلى الله عليه وسلم طاهرة فلا يلحق به غيره.
وأجيب عنه بأنها أخبرت عائشة عن فرك المني من ثوبه فيحتمل أنه عن جماع وقد خالطه مني المرأة فلم يتعين أنه منيه صلى الله عليه وسلم وحده.
والاحتلام على الأنبياء غير جائز، لأنه من تلاعب الشيطان، ولا سلطان له عليهم، ولئن قيل: إنه يجوز أنه منيه صلى الله عليه وسلم وحده، وأنه من فيض الشهوة بعد تقدم أسباب خروجه من ملاعبة ونحوها، وأنه لم يخاطه غيره فهو محتمل ولا دليل مع الاحتمال.
وذهبت الحنفية إلى نجاسة المني كغيرهم ولكن قالوا: يطهره الغسل، أو الفرك، أو الإزالة بالإذخر أو الخرقة عملًا بالحديثين.
هم الأولون. ولا يشكل الحديث على قولهم، لأنهم قد تخلصوا عنه بما سلف.
والقائلون بأن ذلك ليس من خصائصه، وهم الآخرون لا إشكال يرد عليهم والله أعلم.
انتهي جواب سيدي القاضي عين أعيان العلماء المجتهدين، عز الدين محمد بن على الشوكاني- حفظه الله- كما حفظ من الذكر المبين، وجعله قرة عين المسلمين آمين آمين آمين.