الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(132)
52/ 1
سُؤالٌ في الوقفِ على الذُّريَّة
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: "سؤال في الوقف على الذُّرية".
2 -
موضوع الرسالة: "فقه".
3 -
أول الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم.
سؤال في الوقف على الذرية: قال السائل الذي يعرف من قصد الواقفين هو محبتهم أن يكونوا أولادهم أغنياء لا عالةً
…
4 -
آخر الرسالة: فإن رجح المنقول إليه ساغ البيع وهذا يشمل كل ما يتصوَّره الذهن من صور الصَّلاح.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 9 صفحات.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 26 سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 10 كلمات.
9 -
الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال في الوقف على الذرية:
قال السائل: الذي يعرف من قصد الواقفين هو محبتهم أن يكونوا أولادهم أغنياء لا عالةً يتكففون الناس، وخلاصة السؤال:
هل يجوز البيع عند مسيس الحاجة اللاحقة للموقوف عليه أم لا؟
قال رضي الله عنه: ينبغي ههنا تقديمُ مقدمةٍ هي.
مشروعيَّةُ مُطلقِ الوقف.
لا ريب أنَّ النزاع واقعٌ فيها بين السَّلف والخلف، لكنَّ الحقَّ مشروعيَّتُه لما ثبت في المتَّفق عليه (1) من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر:"حبِّس الأصل، وسبِّل الثمر" وحديث إذْنِهِ صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة بوقف بيْرَحاء، وهو متّفقٌ عليه (2)، وحديث:"أما خالد فقد حبس أدرعه وأعْتُدَهُ في سبيل الله" وهو أيضًا متفق عليه (3). ولصدور الوقوع عن جماعةٍ من أكابر الصحابة كما حكاه البيهقيّ (4)، منهم أميرُ المؤمنين رضي الله عنه وكان صدور ذلك منهم بعد موته صلى الله عليه وسلم، فتقرر بما ذكرنا ثبوت مشروعية مُطْلق الوقف (5) أعَمَّ مِنْ أنْ يكون على قرابة كما في وقف أبي طلحة وغيره، أو على المسلمين كما في وقف عمر، أو على الجهاد كما في وقف خالد، أو على قُرَبٍ من القُرب كما في حديث:"خيرُ ما يُخلِّفُ المرءُ بعدَهُ ثلاث منه الصدقة الجارية" أخرجه النسائيُّ (6)، وابن ..............................
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2737) ومسلم رقم (15/ 1632) من حديث ابن عمر.
(2)
أخرجه البخاري موصولاً رقم (1468) ومعلقًا في صحيحه (3/ 311)، (6/ 99) ومسلم رقم (11/ 983).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1461، 2318، 2752) ومسلم رقم (42/ 998). وقد تقدم.
(4)
في "السنن الكبرى"(6/ 126).
(5)
انظر: "المغني"(8/ 186 - 190).
(6)
في "السنن"(6/ 251).
ماجه (1)، وابنُ حِبَّانَ (2). وحديث:"إذا مات ابنُ آدمَ انقطعَ عنه عملُه إلَاّ من ثلاث" أخرجهُ مسلمٌ (3) وحديثُ أنَّ عثمان وقف بئرَ رُومَة على المسلمين عند الترمذي (4)، والنَّسائيّ (5)، والبخاريّ تعليقًا (6).
ولا شكَّ أنّ المشروعيَّة تثبتُ بدون هذا، فلا اعتبارَ بتشكيكِ مَن شكَّكَ في أصل مشروعيّةِ الوقف (7)، ولا متمسّك له، وما رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: لا حبس بعد نزول سورة النساء (8)، [وليس فيها ما يمنع من هذا](9)، وكذلك ما رُوي عن
(1) في "السنن" رقم (241).
(2)
في صحيحه رقم (93).
من حديث أبي قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير ما يخلف الرجل بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغه أجرها، وعلم ينتفع به من بعده". وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (5/ 73 - ط الآفاق).
(4)
في "السنن" رقم (3699) وقال: حديث حسن صحيح غريب.
(5)
في "السنن"(6/ 235).
(6)
رقم الباب (7) في مناقب عثمان (7/ 52 - مع الفتح) وهو حديث صحيح.
(7)
يشير إلى ما يروى عن أبي حنيفة من أن الوقف لا يلزم وقد خالفه في ذلك جميع أصحابه إلا زفر.
انظر: "حاشية رد المحتار" لابن عابدين (4/ 338) و"شرح فتح القدير"(5/ 418 - 419) لابن الهمام.
(8)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 126). وفي إسناده ابن لهيعة. لا تقوم به الحجة.
"الميزان"(4/ 166 - 168 رقم 4535/ 3613).
قال الشوكاني في "السيل الجرار"(3/ 49 - 50): مع هذا فهو اجتهاد صحابي ليس بحجة على أحد على أن مراده شيءٌ آخر غير الوقف، وهو أنَّها لا تحبس فريضة عمن أعطاها الله سبحانه كما يدل عليه قوله لا حبس بعد نزول سورة النساء.
ولو قدرنا أنه يريد الوقف لكان محجوبًا بالأدلة الصحيحة وبإجماع الصحابة.
وانظر: "المغني"(8/ 190).
(9)
زيادة من نسخة أخرى.
شُريح (1) أنه قال: جاء محمدٌ يمنعُ الحَبْسَ؛ فليس مرادهما وقف المسلمين [بل المراد حبس الجاهلية السَّوائب ونحوها، وكيف يقال ذلك في أوقاف المسلمين](2) وقد أذِنَ فيها صلى الله عليه وسلم، وماتَ وهي باقيةٌ، وفعلها أكابر الصحابة بعده! على أنّه لو كان مراد ابن عباس وشُريح ذلك ما قام بقولهما حُجَّةً على فرض عدم معارضته لما ثبت عن الشارع، فكيف وهو معارضٌ له! ثم أنّ ابن عباس قد أحال على سورة النساء، وليس فيها ما يمنع [1أ] من هذا.
والحاصل أنّ الوقف قُرْبَةٌ (3) من القُرُبات، وصدقة من الصدقات. ومشروعية مطلق الصدقة مُجمعٌ عليه، والوقف صدقة لها وجه خصوصية يرفع من شأنها، وهو كونُها جاريةً لورود الترغيب في ذلك، وقد وقع النِّزاع في لزوم استمرار التحبيس، وعدم جواز نقضِهِ. ومن أهل العلم من زعم أنّه تأويل صدقة جارية، وفي تأويل احتبس أدراعَه، وأعتده في سبيل الله، والإنصافُ لزومُ الاستمرار، وأنّه مُستفادٌ من هذه العبارات، وما قيل من أنّ حسّأن باع نصيبَه من بيرَحاء التي وقفها أبو طلحة فيجاب أولاً أنَّه لا حجَّة في
(1) قال الترمذي في "السنن"(3/ 660): "لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافًا في جواز وقف الأرضين".
وجاء عن شريح أنّه كره، وروى الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 96) عن عطاء بن السائب قال: سألت شُريحًا عن رجل جعل داره حبسًا على الآخر فالآخر من ولده، فقال: وإنما أفضي ولست أفتي قال فناشدته. فقال: لا حبس على فرائض الله.
وانظر: "المغني"(8/ 185) حيث قال ابن قدامة: ولم ير شريح الوقف. وقال: لا حبس عن فرائض الله. قال أحمد: وهذا مذهب أهل الكوفة، وذهب أبو حنيفة أن الوقف لا يلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه، إلا أن يوصي به بعد موته، فيلزم، أو يحكم بلزومه الحاكم. وحكاه بعضهم عن عليِّ وابن مسعود وابن عباس.
(2)
زيادة من نسخة أخرى.
(3)
انظر "المغني"(8/ 182).
فعلِه. وثانيًا أنه قد أُنكر عليه ذلك كما ثبت في الصحيحين (1) وغيرهما (2) أنَّه لمَّا باعَ قيل له: أتبيعُ صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيعُ صاعًا من تمرٍ بصاعٍ من ذهب؟ وما قيلَ من أنَّ الإنكارَ ليس لكونِ البيعِ ممنوعًا بل لكونِ المالِ جيّدًا فتعسُّفٌ؛ فإنه قيل له أتبيعُ صدقة أبي طلحة؟ ولم يقل [له](3): أتبيعُ هذا المال الجيِّد. ولكن ينبغي أن يُعلمَ أنَّ هذا في الأوقافِ (4) التي يَغْلِبُ الظنُّ أنها لم تُفعلْ إلَاّ لقصدِ القُربةِ، متجرِّدةً عن المقاصدِ الفاسدةِ، والأغراضِ الدنيويةِ؛ وذلك كأوقافِ المشهورينَ بالعلم والصّلاح.
فإن قلتَ: لِمَ لا [يُكتفى](5) بالحملِ على الظاهر من دون اعتبارِ غلبة الظنّ؟
(1) البخاري في صحيحه رقم (2758) ومسلم رقم (998).
(2)
كأحمد (3/ 141).
وهو من حديث أنس بن مالك قال: لما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} جاء أبو طلحة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله يقول الله تبارك وتعالى في كتابه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء ـ قال وكانت حديقةً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويستظلُّ بها ويشرب من مائها ـ فهي إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم أرجو برّه وذخره، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح قبلناه منك ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين".
فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه. قال وكان منهم أبيُّ وحسّان قال وباع حسّان حصتُه منه من معاوية فقيل له: أتبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعًا من تمر بصاعٍ من دراهم؟ قال وكانت تلكالحديقة في موضع قصر بني حُديلة الذي بناه معاوية".
(3)
زيادة من نسخة أخرى.
(4)
قال الحافظ في "الفتح"(5/ 388): قوله "باع حسان حصته من معاوية" هذا يدل على أن أبا طلحة ملّكم الحديقة المذكورة، ولم يقفها عليهم إذ لو قوفها ما ساغ لحسان أن يبيعها، فيعكر على من استدل بشيء من قصة أبي طلحة في مسائل الوقف إلا فيما لا تخالف فيه الصدقة الوقف. ويحتمل أن يقال شرط أبو طلحة عليهم لما وقفها عليهم أن من احتاج إلى بيع حصته منهم جاز له بيعها، وقد قال بجواز هذا الشرط بعض العلماء كعلي وغيره
…
".
(5)
في المخطوط: (يقتضي) والصواب ما أثبتناه.
قلتُ: إنّ اختلاط المعروف بالمنكر، وتخبطت المقاصِدِ، وعُلم بالاستقراء صدورُ غالِبَ الأوقاف في هذا العَصْر وما قاربه من العصور السَّالفة لأغراض غير مناسبة؛ فإنَّ من الناس من يُشُحُّ بالمال على ورثته بلا سبب من الوارث، فيحاول إخراجَهُ عن ملكه بعده بكل ممكن. ولو علم في حياته لا يحتاج إليه لأخرجه عن ملكه، ولكنَّه انتفع به مدَّةَ حياتِه، فلما لم يبق له مُستمتَعٌ قال: وقفتُ. وكثيرًا منهم مَن يتحدّثُ بهذا في حياتِهِ. وقد سمعْنا ورأينا وأبطللْنا من هذا الجنس في هذه المُدَّة القريبة ما لا يأتي عليه الحصرُ، والذي يفعل هذا بلا سبب مِنْ وارثه هو الأقلُّ، والأكثر يفعلُ ذلك لعداوةٍ تعرض بينه وبين وارثه وكراهيةٍ. وليت أنّ هذه العداوة والكراهة دينيَّةٌ، ومِن الناس مَن يفعل ذلك في حياتِه فرارًا من لوازمَ شرعيَّةٍ أو عُرفيَّةٍ، ومِن النَّاس من يقفُ [1ب] على الذكور من الأولاد دون الإناث، ومنهم من يقفُ على الذكور والإناث ومنهم من يُخرِجُ الزوجات (1)، وهذا وإن كان فيه خلافٌ لكنَّه مُنادٍ بأنَّ فاعلَهُ لم يُرِدْ بهِ وَجْه الله، وما كان كذلك فهو غيرُ الوقف الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نهى [عنه](2) من حيثيَّة أُخرى.
ومِن الناس مَن يقفُ لمحبّضةِ الشُّهرةِ والذّكْرِ والمنافسة، كمن يقف من المسلمنَ وقفًا. وغيرُ هذه المقاصدِ الفاسدةِ مما يطول الكلام بتعداده. ولمَّا كان هذا هوا لأعمَّ الأغلب كان الأصلُ في كل وقفٍ عدم وجود القُربة، فلا يُحكُمُ الحاكمُ بصحَّته إلَاّ بعد غلبَةِ ظنِّهِ بالقُرْبَةِ مما لا يلتبسُ من القرائن الدالة على الخلوص وأقرب الأوقاف إلى الوقف على المسلمين أو على مصالحهم أو على جميع الورثة أو جميع القرابة؛ فهذه في الغالب لا بدَّ أن تقترن بقرائن الخلوص، فقد يغلبُ الظنُّ بأنَّ صدورَهَا كان لأجْلِ القُربة بسرعة (3)، وقد تحتاجُ إلى البحث، وذلك يختلفُ باختلاف الواقف والأحوال التي لا تخفى، فما غالبُ
(1) انظر "الرسالة" رقم (129).
(2)
زيادة من نسخة أخرى.
(3)
انظر "فتح الباري"(5/ 380)، "المغني"(8/ 185).
الظنِّ بصاحبه أنَّه للقُرْبة المتجددة عن القاصد الفاسدة ـ أو حكم به حاكمٌ مُعتبرٌ له مزيدُ إدراك في أمرين:
أحدُهُما: العِلْمُ؛ فإنَّ مَنْ لم يُطَوِّل الباع في فنونه لا يُوثَقُ بحكمه في الصحَّة والبُطْلان، لأَنَّه قد يَخْفَى عليه ما هو عند مَن هو أعْلَى كعبًا منه من موانعِ الصحّةِ (1).
الأمرُ الثاني: جَوْدَةُ التَّفَرُّسِ، وصدقُ الْحَدْسِ، ومعرفةُ المقاصدِ، وممارسةُ الأحوالِ
(1) قال الشوكاني في "السيل الجرار"(3/ 51 - 52): هذا الوقف الذي جاءت به الشريعة، ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه هو الذي يُتقرب به إلى الله عز وجل حتى يكون من الصدقة الجارية التي لا ينقطع عن فاعلها ثوابه. فلا يصح أن يكون مصرفه غير قُربة، لأن ذلك خلافُ موضوع الوقف المشروع لكن القرية توجد في كل ما أثبت فيه الشرعُ أجرًا لفاعله كائنًا ما كان، فمن وقف مثلاً على إطعام نوع من أنواع الحيوانات المحترمة كان وقفه صحيحًا لأنه قد ثبت في السنة الصحيحة:"أنّ في كل كبدٍ رطبة أجرًا" ومثل هذا لو وقف على من يُخرج القذاة من المسجد، أو يرفع ما يؤذي المسلمين في طرقهم، فإن ذلك وقفٌ صحيح لورود الأدلة الدالةِ على ثبوت الأجر لفاعل ذلك فقِسْ على هذا غيره مما هو مساوٍ له في ثبوت الأجر لفاعله.
وما هو آكد منه في استحقاق الثواب، وأما الأوقاف التي راد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل، ومخالفة فرائض الله عز وجل فهو باطل من أصله لا ينعقد بحال. وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم وما أشبه ذلك فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله بل أراد المخالفة لأحكام الله عز وجل. والمعاندة لما شرعه لعباده. وجعل هذا الوقف الطاغوتيّ ذريعةً إلى ذلك المقصد الشيطانيّ، فليكن هذا منك على ما ذكر فما أكثر وقوعه في هذه الأزمنة وهكذا وقف من لا يحمله على الوقف إلا محبةُ بقاء المال في ذريّته وعدم خروجه عن أملاكهم فيقفه على ذريته فإن هذا إنما أراد المخالفة لحكم الله عز وجل، وهو انتقال الملك بالميراث وتفويض الوارث في ميراثه فيتصرف به كيف يشاء وليس أمر غناء الورثة ولا فقرهم إلى هذا الوقف بل هو إلى الله عز وجل. وقد توجد القُربة في مثل هذا الوقف على الذرية نادرًا بحسب اختلاف الأشخاص فعلى الناظر أن يمعن النظر في الأسباب المقتضية لذلك.
من هذا النادر أن يقف على من تمسك بطرق الصلاح من ذريته أو اشتغل بطلب العلم فإن هذا الوقف ربما يكون المقصد فيه خالصا والقربة متحققة والأعمال بالنيات ولكن تفويض الأمر إلى ما حكم الله به بين عباده وارتضاه لهم أولى وأحق.
وانظر: "المغني"(8/ 185).
المختلفةِ؛ فإنَّ من لم يكن كذلك وإن تبَحَّرَ في المعارف ربَّما انخدع بأدنى تلبيس، ونفق عنده ما يقارِبُهُ من التَّدليس، فإذا كان جامعًا للأمرين، وحكم بصحة الوقف، أو بملزومِ الصحّة، وهو القُربةُ لم يحتج مَن يأتي بعدَه يُشغِلَ نفسَه فيعرّف أحوال ذلك الوقف.
والحاصلُ في كلّ وقفٍ من الأوقاف التي أشرْنا إليها عدمُ القُرْبَة حتى تظهر القربة، [أوما](1) يَحْكُمُ على الصفة المذكورة، أو يبحث فيما لا حُكمَ فيه، حتَّى يغلبَ مع الظنِّ وجودُ قصدِ القُرْبَةِ، وعند ذلك لم يحلُّ نقضُ التَّحبيس إلَاّ لأسبابٍ قد ذَكَر أهلُ الفروعِ منها أربع، فَلْنَذْكُرْ ههنا ما نُرجّحُهُ، فمِنها أن يبلُغَ الحالُ بالموقوفِ عليه إلى حدِّ لو لم يقع البيعُ [2أ] ذهب كمَنْ يقفُ على مسجدٍ ثم أشرفَ على الانهدام (2)، ولم يوجَدْ له ما يقومُ بإصلاحِهِ غيرُ الوقفِ الذي عليهِ؛ فإنَّ ذلك مُسوّغٌ للبيع. والوجْهُ أنَّ الواقف لم يقصد بالوقف عليه إلَاّ استمرار حياته، ودوام عمارته حقيقةً ومجازًا، فإذا تُرِكَ انهدَم، وإذا انهدمَ زال الغَرَضُ المقصودُ من الوقفِ عليه، وهذا معلومٌ من مراد كلِّ واقفٍ، وكذا
(1) زيادة من نسخة أخرى.
(2)
قال ابن قدامة في "المغني"(8/ 220 - 221): مسألة: وإذا خرب الوقف، ولم يَرُدّ شيئًا، بيع واشترى بثمنه ما يردّ على أهل الوقف، وجعل وقفًا كالأول، وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع، واشترى بثمنه ما يصلح للجهاد.
وجملةُ ذلك أن الوقف إذا خرب، وتعطلت منافعه، كذار انهدمت أو أرضٍ خربت، وعادت مواتًا، ولم تمكن عمارتُها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه، وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق أهله، ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلَاّ ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه.
وقال مالك والشافعي لا يجوز بيع شيء من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يباع أصلُها، ولا تبتاع، ولا توهب، ولا تورث" تقدم تخريجه.
ولأنَّ ما لا يجوز بيعه مع بقاء نافعه، لا يجوز بيعه مع تعطّلها، كالمُعْتِق والمسجد أشبه الأشياء بالمُعْتَقِ.
انظر: الرسالة رقم (129).
إذا كانَ الموقوفُ عليه آدميًا مُعيَّنًا، أو جماعةً مُعيَّنين لم يذكر الواقف غيرَهُم من أولادهم، وبلغُوا في الفاقة إلى حدِّ خُشِيَ عليه التَّلفُ، فإنَّ البيعَ يَسُوغُ حينئذٍ.
وأمَّا إذا كان الوقف على بطنٍ، ثم كذلك فحصل مع أحد البطون من الفاقة ما يُخشى عليهم فيها الهلاكُ فإنْ كان هلاكُهُم مُستَلْزِمُ بطلان حدوث الذرية منهم مثل أن يكونوا جماعةً مُعيّنينَ لم يكن لهم ذرّية حينئذٍ أو كان معهم ذرّيةٌ يُخْشى هلاكُها بهلاكهم، فلا ريب أنه يجوز إبطال الوقف وإن كان معهم ذرية لا يخشى عليه الهلاك بهلاكهم فربَّما يقالُ أنَّ الواقفَ قصدَ بالوقفِ الصَّدقة الجارية التي ورد الترغيب فيها، فبيعُه لخشية هلاك بعض البطون مفوِّتٌ لِغَرَضِهِ، لأنَّ أولئك إذا هلكُوا خلفَهم بطنٌ آخرُ ينتفعونَ بذلك الوقف، ثُم كذلك وخشية هلاك بعض البطون لا يستلزمُ أنَّ مَن بَعْدَهُم من البطون كذلك، لأنَّ الأزمنة تختلف، فقد يحصل في بعض الأزمنة من غِلَاّتِ الوقف ما يقوم بكفاية الموقوف عليهم، فلا يُخشى عليهم الهلاك، وقد يتحصل لهم الأرزاق من وجهٍ آخر ما يكون بانضمامه إلى الوقف معينًا لهم، فحينئذٍ قد لا يُجوز طيبة نفس الواقف بانقطاع الصدقة الجارية الواصل إليه ثوابها، ما دامت كذلك، بسبب خشية هلاك فرد، أو جماعة مُعيَّنين.
وقد يجوزُ طيبة نفس الواقف بانقطاع الصدقة الجارية لاغنتام هذه الفرصة التي لا يقادَرُ قدَرُها؛ وهي حفظُ حياة نفس أو نفوس، ولا سيّما إذا كان الموقوف عليهم الأولاد، فأولادهم؛ فإنَّ الواقف قد يفتدي نفس الواحد بجميع الدنيا لو كانت في يده، فضلاً عن جُزءٍ يسير وصل إليه منها، ويلحقُ بهذا لو لم تبلغ الفاقة بالموقوف عليهم إلى حدِّ خشية الهلاك، إنما بلَغَ به الحالُ إلى الفَقْرِ المُدْقِعِ [2ب]، وتكَفُّف الناس، ورِثَّة اللِّباس، وأعوازِ ما لا بدَّ منه من الطعام والشراب في بعض الحالات، والوصول إلى حدٍّ يرقُّ له الشَّامِتُ، ويبكي له الرَّاحمُ. وفي قيمة ذلك الوقف إغناء ومُستمتعٌ؛ فهذا أيضًا وإن كان دونَ الأُول فهو لا يمنع أن يقال: ربَّما كان في سدّ فاقته من الأجر المتتابع ما لو علم به الواقف لآثره على جريان تلك الصدقة، ولا سيَّما إذا كان من الأولاد، وأولاد الأولاد؛ فإنه لو فُرِضَ مشاهدةُ الواقف لهم على تلك الحال
لباعَ نفائس الأموال كما نُشاهده في كثير من الأحياء من الجدِّ، والاجتهاد، وارتكاب الأخطار، ومتابعة الأسفار، والاغتراب من الوطن، ومفارقة الإلف والمسكن، كلُّ ذلك للقيام بما يسدُّ فاقة قرائبه، ويغنيهم عن تكفّف الناس، وقد يرْتَكبُ الأهوال لتحصِّل الفضلات لهم، التي لا تمسُّ الحاجة إليها كتشييد الدُّور، ورفاهة العيش، ورونق الثياب، وركوب فاره الدَّواب، قاصدًا بذلك أن يتجمَّلوا بما جلبه إليهم، وينبلُوا في الأَعيُن، ويُجلُّوا في الصدرو، ويكفوا مؤونة الاحتقار والاضطهاد.
وربَّما يقتحم لمثل هذه التخيُّلات، بَحُوْرُ الهَلَكات، ونُحُور المعضلات، فيجود بدينه تارةً في جمع الحطام من الحرام، ويُسمِّحُ بنفسه أخرى في معارك الحروب والصَّدام، وكثيرًا ما ترى الأعناق تُضْرَبُ، والأطراف تُقطَعُ، ومارِنُ (1) المروةِ (2) يُجْدَعُ في محبَّةِ الأولادِ والأحفادِ، وربَّما يقال أنّ الواقف لمّا صار في دار غير هذه الدار، ورحل عن دار الاغترار إلى دار القرار ذهَبتْ عنه هذه التُّرهاتُ، وانْقَشَعَ عنه ظلالُ الغرورِ؛ فلم تبق له رغبةٌ في غير الأجورِ، ولا يخطرُ ببالِهِ ما كان عليه من أحوالِ الدنيا وبتصوُّره يُحسِنُ الآن من عطفيه للأقارب، فهو في موطن يفرُّ المرءُ فيه عن أخيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تُؤويه (3)؛ فليس له بِدَفْعِ فاقَتِهِم من حاجةٍ، ولا عنده في بُؤسِهِم وفَقْرِهم لحاجة، فهو
(1) مارنُ: مَرن، يمرن مرانة ومرونة وهو لين في صلابة ومرن الشيء يمرن مرونًا إذا استمر.
ومرنت يد فلان على العمل أي صلبت واستمرَّت.
وقيل: المارن: الأنف، وقيل ما لان منه. وقيل طرفه.
"لسان العرب"(13/ 86).
(2)
المروة: حجر أبيض براق، وقيل هي التي يقدح منها النار.
ومروة المسعى التي تذكر مع الصَّفا وهي أحد رأسيه اللذين ينتهي السعي إليهما سميت بذلك.
"لسان العرب"(13/ 89).
(3)
يشير إلى قوله تعالى: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} [المعارج: 11 - 14].
يؤثر أجر استمرار الصدقة [3أ] الجارية، وثواب الانتفاع بوقفه من البطون التي تأتي بعد هذا البطن الذي أصابته الحاجة، وكيف يسمح بانقطاع الخير الواصل إليه بمجرَّد توفير غرض غيره، وصونه عن ذلك الفقر، واستكانة الحاجة، وضراعة الفاقة، وخضوع القلّة، ولا يقول نفسي نفسي! وقد قال هذه المقالة (1) ذلك الجمع الجم من الأنبياء والمرسلين، وكيف تلتحق هذه الخشية على الموقوف عليه مع وجودا لفرق الذي يتبلَّج وجهُهُ، فإنَّ خشْيَةَ هلاك الموقوف عليه كالمسجد، والمعيَّن من المسلمين، ومصالحهم يستلزم انقطاع ثواب تلك الصدقة الجارية باعتبار الأمر المفعول لأجله، بخلاف ما نحن بصدده فلا خشية هلاك ولا انقطاع.
فإن قلت: هذه مسألة السؤال، وقد سُقْتَ في شأنها هذه الأحوال، فماذا الذي لديكَ؟ فإنَّ هذه ثمرةُ التَّعويلِ عليكَ.
قلتُ: الذي أراده عدم الجَزْمِ بأَمْر مُعيَّن، بل يُفوَّضُ الأمرُ إلى الحاكم المعْتَبَرُ بعد أن تُعْرَض على [عقلِهِ](2) هذه الأحوال، [ويحيط بما سُقناه من القال، فإن الأحوال](3) تختلف باختلاف الأشخاص، ولكن مع قصر النَّظر على الموزنة بين أجر التعجيل الموفّر لكونه بالرَّقبة مع شدَّة الحاجة وبين أجر الاستمرار مع بقاء الرَّقبة، وإنّما قلنا هذا لأن الحكم على ميِّت قد صار بين أطباق الثَّرى؛ فإنه لا بُدّ يسألُ عن حرمةُ الثَّواب الواصل إليه فيم حرمه؟ ولم قطع الصداقة الواصل ثوابها إليه، ولا ينفع الجواب إلَاّ بما يرْجُحُ في موازين الحساب، لا بما يصفه الأحياء من أنَّ ذلك لو كان حيًّا لفَعل؛ فإنَّه بموطنٍ
(1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (3340، 3361، 4712) ومسلم رقم (327/ 194) الترمذي رقم (2434) وأحمد (2/ 435 - 436) من حديث أبي هريرة"
…
يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعد مثله، وإنّه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح ".
(2)
زيادة من نسخة أخرى.
(3)
زيادة من نسخة أخرى.
قد طاحتْ عنه مراعاةُ المروءة، وذهبت عنه المحافظات على ما تُوجِبُهُ الحميَّات، وأنا إلى الآن لم أزل مضطربًا بين أطراف هذا الكلام، مُتردِّدًا إن تصوَّرتُ حقيقة بين الإقدام والإحجامم، وقد نقضتُ وأبرمتُ بحسبِما يقتضيه الحال، وراجيًا من الله عدم المؤاخذة لاستفراغ وُسعي في كلا الطرفين.
وقد يعرض بعد التنفيذ ما يوقع في الحيرة والندامة فأداويه بمرهم دلَّ عليه المختار صلى الله عليه وسلم؛ وهو ما صحَّ عنه "أنَّ الحاكم إذا اجتهد فأصاب فلَهُ أجران"(1) وفي رواية: جرَّبْتُهُ في الشِّفاء من التهاب [3ب] الأسف على ما فرَّط، وهو أنَّ القصد بهذا الاجتهاد هو باعتبار الوقت الذي وقع فيه النَّقض والإبرام، لا باعتبار ما بعدَهُ، ولو كان كذلك لما صحَّ اجتهادُ المجتهد إلَاّ عند آخر جُزْءٍ من حياتِهِ؛ لأنَّ تجويزَ تصيير الرَّاجح مرجوحًا، أو المرجوح راجحًا لا ينقطعُ ما دامت الحياةُ. وهنا يستلزم ألَاّ يُنجز حكمٌ من أحكام الشريعة من حاكمٍ، ولا مُفتٍ، وهو باطلٌ إجماعًا وعقلاً ونقلاً، ولِنُتمَّ الكلام في بقيةِ المقتَضَيَاتِ للنَّقض باعتبار ما لديّ كما ذكرتُه سابقًا، وإن كان ذلك خارجًا عن سؤال السائل، فهو لا يخلُو عن فائدة.
وقد أشار ـ حفظه الله ـ في آخر الأسئلة أنَّ المجيب يتكلَّمُ على ما يقتضيه المقامُ ممَّا له دَخْلٌ، وعلى ما يتفرَّعُ عليه ممَّا لا يقتضيه، فما وقع في بعض هذه الأجوبة من الاستطراد هو من باب الامتثال لِما رسَمه، فَمِن جُمْلَةِ المقتضياتِ للنقض إذا بلغَ الوقفُ نفسه إلى حالٍ إذا لم يُستدرك عندَها بالبيع أو المعارضة بطل الغرض المقصودُ منه كُلاًّ أو بعضًا؛ فإنه يسوغ بيعُ الكُلِّ إذا كان بيع البعض لا يقومُ بالإصلاح (2)، ويسوغ بيعُ البعضِ إذا
(1) تقدم مرارًا.
(2)
تقدم ذكره.
انظر الرسالة (129)، "المغني"(8/ 195).
كان يقومُ بإصلاح البعض. ثُم إذا بيع الكل وجب التعويض لذلك المبيع بمقدار الثَّمن من جنسه، أو من غير جنسه، ممَّا يبقَى وتتأبَّدُ منفعتُهُ.
والوجه في تسويغ البيع أنه يُعْلَمَ أنّ غرض الواقف استمرار الصَّدَقة الجارية، وأنَّ انقطاعها ليس من غرضه، ولا مقصوده، لأنّ المفروض أنَّه من العُقلاء ومِن طلبة الأجْرِ، فوجب حينئذ العمل بما يُعْلَمُ أنَّه من مراده، والمبالغة في نفعه بالثَّواب بكل مُمكن، وليس في الإمكان أبدعُ ممَّا كان. ولا يُعارض هذا تجويز أنَّ بعض ما بطل نفعه قد يرجَى عَوْدُهُ في زَمَنٍ آخرَ، فإنَّ هذا التَّجويزَ ليسَ ممَّا يَعتبرُه العُقلاء في نفع أنفسهم. مثلاً إذا انقطع [الماء](1) الذي [4أ] تُسقى به الأرض انقطاعًا يَغْلِبُ على الظنِّ عدمُ عَوْدِهِ، والأرضُ لا تُزْرَعُ إلَاّ بذلكَ، فإنّه يُسَوِّغُ البيعَ إن أمكنَ، أو بيعَ البعض لاستخراج الماء، إذا كان العمل يفيدُ في مثل ذلك. ولا يقال أنّ تجويز عَوْدِ الماءِ في زمانٍ مُسْتَقْبَلٍ يمنعُ البيعَ لما سلفَ.
[ومن جُمْلَةِ المقتَضَياتِ للبيع أن يكون ذلك الوقف في مكان مخافة بعد أن كان في مكان أَمِن بحيثُ يتعذَّرُ الانتفاعُ به؛ فإنَّ هذا لاحقٌ بالأولِ، ومثلُهُ أنْ يكون في أرضٍ فارقها سُكَّانُها](2).
ومن جُملةِ المقتضيات للبيع (3) نَقْلُ مصلحةٍ إلى أصلحَ منْها؛ فإنه إذا كان الوقف في محلٍّ تكثُرُ عليه الغرامات والنَّفقَاتُ، إمَّا لِبعدٍ عن الموقوف عليه، أو لاحتياجه إلى عملٍ كثيرٍ، أو لعروض آفة له في بعض الأوقاف، أو كونه إذا أريد إصلاحه احتاج إلى غرامةٍ لا يقومُ بها الحاصلُ منه، وغيرُهُ بالعكسِ من ذلكَ كالدَّارِ التي تُؤجَّرُ، والأرضُ التي تُزرعُ.
والحاصلُ أنَّ المُعْتَبَرَ أنْ يكونَ الثاني أصلحَ من الأولِ بوجهٍ من الوجوهِ التي لها مدخلٌ
(1) زيادة من نسخة أخرى.
(2)
زيادة من نسخة أخرى.
(3)
تقدم توضيحه.
في نفع الميِّتِ الواقفِ بما يصلُ إليه من الثَّواب، أو باستمراره، أو نحو ذلك. والوجه في تسويغ البيع لهذا أنَّ المفروض أنّ الواقف وقف لقصد وصول ثواب هذه الصَّدقة إليه، فالعلة معقولةٌ، فما كان أدخلَ في هذه الفائدة المقصودة، وأنفعَ لفاعِلِها فَفِعْلُهُ من باب المعاونَةِ على البِرِّ، وإدخالِ الخيرِ على الغير وهو مندوبٌ إليه للعلم بأنه لا مَقْصِدَ للواقف بتحبيس تلك العين بنفسها، وإن كان غيرُها أصلحَ منها. ولو فُرِضَ أنَّ ذلكَ مقصِدُهُ لكانَ من بابِ الشُّحِّ على بقاء المال، والمحبَّة له، وكراهةِ أن يدخل تحت ملك غيره، وهذا خارجٌ عن الغرض الذي نحن بصدَدِه، وهو أنْ لا مَقْصِدَ للواقفِ إلَاّ القُربة، ووصولَ الخير إليه.
فإن قلتَ: يمكنُ أن يكون تعلُّقُ غَرَضِهِ بتحبيسِ هذه العين [4ب] بخصوصِها، لكونها أنفعَ من وجهٍ من الوجوهِ وأما باعتبار الحال الذي وقعَ فيه، أو باعتبار المآل؟.
فإن اختلفَ وَجْهُ النفعِ أو الصَّلاح، فكان أحدُهُما أصلحَ من الآخرِ من وجهٍ من الوجوهِ، والآخرُ أصلحُ منه من وجهٍ، فلا بُدَّ من الموازنة بين الوجهين، فإن رجَحَ المنقولُ إليه ساغَ البيعُ، وهذا يَشْمَلُ كلَّ ما يتصوَّرَهُ الذّهن من صور الصَّلاح.
انتهى. [5أ].