الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(136)
32/ 2
الوشي المرقوم في تحريم التحلي بالذهب على العموم
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة من المخطوط: الوشي المرقوم في تحريم التحلي بالذهب على العموم.
2 -
موضوع الرسالة: "فقه".
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم أحمدك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على رسولك وآل رسولك.
4 -
آخر الرسالة: حرر في شهر جمادى الأ، لى سنة 1224 بقلم الحقير علي بن أحمد هاجر غفر الله لهما وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: 13 صفحة ما عدا صفحة العنوان.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: 25 سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.
9 -
الناسخ: علي بن أحمد هاجر.
10 -
الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدُك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسم، وأصلّي وأسلّمُ على رسولك، وآل رسولك.
وبعدُ:
فإنه وقع السؤالُ من بعض أهل العلم ـ كثر الله فوائدهم ـ على التحلي بالذهب للرجال، وهل يجوز تخصيص الأدلة الواردة في المنع من التحلي بالذهب لما ورد من أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان في قبيعةِ سيفيهِ ذهبٌ وفضَّةٌ، فيكون ذلك دليلاً على جواز تحليلة السلاح بالذهب، كالسيف، والجنبية، ونحوهما أم لا يجوز التخصيصُ بمثل ذلك بالنسبة إلى أمّته صلى الله عليه وآله وسلم بل هو خاصّ به؟.
وأقول: الجوابُ عن ذلك ينحصر في وجوه:
الأول: الكلامُ على حديث أبي موسى الأشعري، وما ورد في معناه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في الذهب والحرير:"هذان حرامٌ على ذكور أمتي" أخرجه الترمذيّ (1)، والنسائيّ (2)، وأحمد (3) والطبراني (4)، ولفظ الترمذيّ:"حُرّم لباسُ الذهب والحرير على ذكور أمتي، وأُحِلّ لإناثهم" وقال: صحيح، وقد أعلّه أبو حاتم (5) بأنه من طريق سعيد بن أبي هند عن أبي موسى ولم يَلْقَهُ.
وقد رواه أيضًا عن سعيدٍ ابنُه عبدُ الله، ونافع، واختُلِفَ على نافع، فرواه أيوبُ وعبيد الله بن عمر العمري عن نافع، عن سعيد، عن أبي موسى، ورواه عبد الله بنُ عمر العمريّ عنه، عن سعيد، عن رجل، عن أبي موسى، وقال ابنُ حبّان في صحيحه (6): حديثُ سعيد بن أبي هند عن أبي، عن أبي موسى معلولٌ لا يصحُّ، ولكنه يؤيدُ الحديثَ الذي رواه الدارقطني في العلل (7) عن يحيى بن سليمِ، عن عبيد الله بن عمرَ العمري، عن نافع، عن ابن عمر، وأيضًا فقد وافق الترمذيّ على تصحيحه الحافظُ ابن حزم (8) مع أنه لم يقف على كتاب الترمذي ولا عَرِفَهُ.
(1) في "السنن" رقم (1720) وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
"السنن"(8/ 190).
(3)
في "المسند"(4/ 394، 407).
(4)
لم أجده في "المعجم الكبير" من حديث أبي موسى.
(5)
في كتاب "المراسيل"(ص75). وهو حديث صحيح بشواهده.
(6)
(12/ 250).
(7)
(7/ 241 - 242).
(8)
في "المحلى"(4/ 37).
قلت: وأخرجه الطيالسي في "المسند" رقم (506) والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 275) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 251). وهو حديث صحيح.
وقد أخرجه أيضًا أحمدُ (1)، وأبو داود (2)، والنسائي (3)، وابن ماجه (4)، وابن حبان (5) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخذ حريرًا فجعلَه في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعلَه في شماله، ثم قال:"إن هذين حرامٌ على ذكور أمتي" زاد ابن ماجه (6): "حلٌّ لإناثهم" قال عبد الحق (7) حاكيًا عن علي بن المديني أنه قال: حديثٌ حسن، ورجالُه معروفونَ انتهى، وهو من رواية ابنِ المبارك [1أ] عن الليث، عن يزيدَ بن أبي حبيب، عن ابن أبي الصعبة، عن رجل من همدانَ، عن عبدِ الله بن زرير، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأما ابنُ أبي الصعبة فقد ذكره ابنُ
(1) في "المسند"(1/ 115).
(2)
في سننه رقم (4057).
(3)
في سننه (8/ 160).
(4)
في سننه رقم (3595).
(5)
في صحيحه رقم (5434).
(6)
في سننه رقم (3595).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 351) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (272) و (325) والطحاوي في "شريح معاني الآثار"(4/ 250) والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 425) م طريق رجل سماه بعضهم: أبا أفلح وبعضهم صالح، وبعضهم أبا علي الهمداني عن ابن زرير وهو مجهول.
قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 223): وذكر عبد الحق في "أحكامه الوسطى"(4/ 184): هذا الحديث من جهة النسائي، ونقل عن ابن المديني أنه قال فيه:"حديث حسن ورجاله معروفون" قال ابن القطان في "كتابه" هكذا قال. وأبو أفلح مجهول، وعبد الله بن زرير مجهول الحال قال الشيخ في الإمام وعبد الله بن زرير ذكره ابن سعد في "الطبقات" ووثقه وقال: توفي سنة إحدى وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان".
قلت: قال العجلي في "الثقات": أبو أفلح الهمذاني بصري تابعي ثقة. وقال الذهبي في "الكاشف" صدوق. وقال الحافظ في "التقريب" رقم (7944): مقبول.
وخلاصة القول أن حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديث صحيح.
(7)
في "الأحكام الوسطى"(4/ 184).
حبان في الثقات (1)، واسمه عبد العزيز بن أبي الصعبةِ، وأما الرجلُ الهمدانيُّ فيقال له: أبو أفلحَ، ولا يعرف بغير هذا، وأما عبد الله بن زرير فوثّقه العجليُّ، وابن سعد (2).
وأخرجه أيضًا البيقهيّ (3) من حديث عقبة بن عامر بنحوه قال الحافظ ابن حجر (4): إسنادهُ حسنٌ.
وأخرجه البزَّار (5)، والطبراني (6) من حديث قيس بن أبي حازمٍ بنحوه، وفي إسناده عمرو بن جرير البجلي (7) قال ................
(1)(7/ 111) هو عبد العزيز بن أبي الصعبة وثقة ابن حبان.
(2)
انظر التعليقة رقم (6) في الصفحة السابقة.
(3)
في "السنن الكبرى"(3/ 275 - 276).
قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4161، 4821) ورجاله ثقات غير هشام بن أبي رُقيَّة فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(4/ 2\ 75) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وهو من رجال "تعجيل المنفعة".
وأورده ابن حبان في "الثقات"(5/ 501) وقد روى عنه ثقتان فهو حسن الحديث في الشواهد على الأقل قاله الألباني في "الإرواء"(1/ 308).
(4)
في "التلخيص"(1/ 88).
وخلاصة القول أن حديث عقبة بن عامر حديث حسن.
(5)
في مسنده (1/ 467 رقم 333) وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن إسماعيل عن قيس عن عمر إلَاّ عمرو بن جرير، وعمرو لين الحديث.
(6)
في "الأوسط" رقم (3604) و"الصغير"(1/ 167) وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد إلا عمرو بن جرير تفرد به داود بن سليمان.
وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 143): وقال: رواه البزار والطبراني في "الصغير" و"الأوسط" وفيه عمرو بن جرير وهو متروك.
(7)
عمرو بن جرير، أبو سعيد البجلي، عن إسماعيل بن أبي خالد، كذبه أبو حاتم، وقال الدارقطني: متروك الحديث، وأيضًا كان ضعيفًا، ذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء. وقال ابن عدي: لعمرو ابن جرير مناكير في الإسناد والمتن غير ما ذكرت.
انظر: "الجرح والتعديل"(3/ 1\ 224)"الضعفاء" للعقيلي (3/ 264 - 265)"الكامل"(5/ 1798).
البزّار (1): ليِّنٌ.
وأخرجه البزّار أيضًا، وأبو يعلى، والطراني من حديث (2) عبد الله بن عمرو بنحو حديث أبي موسى، وفي إسناده الأفريقيُّ (3)، وهو ضعيفٌ، لكن ليس بقويِّ الضَّعْفِ، بل حديثُه إذا تُوبِعَ عليه صار حسنًا.
وأخرجه أيضًا الطبرانيُّ (4)، والعقيليُّ (5)، وابن حبّان في الضعفاء (6) من حديث زيد بن أرقم، وفيه ثابت بن زيد، وهو ضعيفٌ، ولكنه قد رواه ابن أبي شيبة من حديث أمية بنت زيد بن أبي أرقم عن أبيها.
(1) في "المسند"(1/ 467).
وخلاصة القول أن الحديث حسن لغيره.
(2)
عزاه إليهم الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 224) ولم يورده الهيثمي في "المجمع".
قلت: وأخرجه الطيالسي في "المسند" رقم (2253) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 251) وفي "شرح مشكل الآثار" رقم (4819) وابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 352) بسند ضعيف.
(3)
هو عبد ارحمن بن زيادة بن أنعم الإفريقي ضعيف.
انظر: "المجروحين"(2/ 50)، "الميزان"(2/ 561).
وخلاصة القول أن حديث عبد الله بن عمرو صحيح لغيره.
(4)
في "الكبير" رقم (5125).
(5)
في "الضعفاء الكبير"(1/ 174).
(6)
لم أجده في "المجروحين" عند ترجمة ثابت بن زيد هذا.
قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4820) و"شرح معاني الآثار"(4/ 251).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 143) وقال: وفيه ثابت بن زيد بن ثابت بن أرقم، وهو ضعيف.
وأخرجه الطبرانيُّ (1) من حديث واثلَة بن الأسقع، وإسناده مقاربٌ كما قال الحافظ (2).
وأخرجه أيضًا البزّار (3) من حديث ابن عباس بإسنادين واهيين، فهذا الحديث قد روي من هذه الطرق عن هؤلاء الصحابة، وهو إذا لم يكن صحيحا باعتبار طريق من هذه الطرق فهو حسنٌ لغيره باعتبار مجموعها، وهو معمولٌ به عند الجمهور، ومن خالفَ في العمل به، فإنما هو خلافٌ راجعٌ إلى اصطلاح في تسمية الحسن كما هو مبيَّن في مواطنه.
الوجه الثاني: في الكلام على دلالته: اعلم أنَّ التحريمَ إذا تعلَّق بعينٍ من الأعيان فلا بدَّ من تقدير، لأنَّ المحرَّمَ في الحقيقة إنما هو فعلُ المكلَّف لا نفسُ تلك العينِ، فذهب جمعٌ من أهل الأصول (4) إلى أن المقدّر لا يكون عامًا إذا كان يتعلّق بتلك العين أفعالٌ كثيرةٌ من أفعال المكلّفين، وذهب جمعٌ منهم إلى تقدير الجميع، وعلى كل حال فلا يصحُّ أن يُقدَّرَ ما هو معلوم بالضرورة الدينية أنه حلالٌ كَلَمْسِ الذهبِ بالكف، أو حمْلِهِ، أو النظر إليه ولا يصحُّ [1ب] تقديرُ لُبْسِه أيضًا، لأنه لا يمكن أن يكون منسوجًا، والذي يوجدُ في
(1) في "الكبير"(ج22 رقم 234) وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن المقدسي القشيري متروك الحديث.
(2)
انظر "التلخيص"(1/ 88 - 89).
(3)
في "المسند"(رقم 3006 ـ كشف) وقال: البزار: إسماعيل بن مسلم: ضعيف وقد روي هذا من غير وجهٍ وأسانيدها متقاربة.
وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 143): وقال: رواه البزار والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسنادين، في أحدهما: إسماعيل بن إسماعيل (كذا في الزوائد، والصواب. إسماعيل بن مسلم)، ابن مسلم المكي وهو ضعيف، وقد قيل: فيه صدوق يهم.
وفي الآخر إسلام (كذا في الزوائد، والصواب سلام) الطويل وهو متروك.
(4)
انظر "إرشاد الفحول"(ص453)، "البحر المحيط"(3/ 162).
الثياب ويسميه الناسُ ذهبًا ليس بذهب، بل هو فضة كما يعرفُ ذلك من يعرفُهُ، بل كل ذهبٍ يجعلُه الإنسان على بدَنِه كالطوقِ والسوارِ ونحوِها والحلقةِ ونحوِها يقال له في لغة العرب حليةً (1)، وكذا ما يجعلُه على سلاحِه. فإن كان المقدّر هو واحدٌ فينبغي أن يكون هو التحلِّي، وإن كان المقدر عامًّا فينبغي أن لا يشملَ ما عُلم بالضرورة أنه حلالٌ من المنافع.
وعلى كل حال فالتَّحلي هو أظهرُ ما يقدَّر إن لم يكن هو المقدَّر وحدَه، وأما الأكلُ والشربُ في آنية الذهب فقد ثبت تحريمُه بدليل على أنه لا يمتنعَ أن يُقدَّرا كما قدِّر التحلِّي فيقال: الذهبُ حرامٌ على الذكور أن يتحلَّوا به، أو يأكلوا أو يشربوا في آنيته.
فإن قلتَ: فقد أخرج أحمدُ (2) والنَّسائيّ (3) من حديث معاوية قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ركوب النمارِ، وعن لُبْسِ الذهب إلاّض مُقَطَّعًا".
قلتُ: يمكنُ أنْ يرادَ باللُّبس هنا معناه الأعمُّ، أعني المخالطةَ والملابسةَ، ومثلُه ما أخرجه أبو داود (4) من حديث المقدامِ بن معدي كربَ، وفيه النَّهيُ عن لبس الذهب والحرير، على أنَّه لو فُرِضَ أنه يمكن لُبْسُهُ غيرُهُ من الثياب لم يكن ذلك مانعًا من تقديره كما يُقدَّرُ التحلِّي (5).
(1) انظر "النهاية"(1/ 435).
(2)
في "المسند"(4/ 95).
(3)
في "السنن"(7/ 176 - 177). وهو حديث صحيح.
(4)
في "السنن"(4131) وهو حديث صحيح.
(5)
قال العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" شرك كتاب "المهذب" كاملاً
(2/ 536). مسألة: [حرمة الذهب على الرجال]: ويحرم على الرجل استعمال قليل الذهب وكثيره، لما روى عليٌّ رضي الله عنه:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبْس القسيِّ، وعن لبس المزعفر، وعن التختم بالذهب".
وهو حديث صحيح.
ويجوز للرجل أن يتخذ خاتمًا من فضة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان له خاتم من فضة فصّها منها، وكان يجعل فصّها إلى راحته".
أخرجه البخاري رقم (5870) ومسلم رقم (62/ 2094)
…
- قال الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 602 - 603) ركوب النمار وفي رواية "النمور" وكلاهما جمع نمر بفتح النون وكسر الميم ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم وهو سبع أخبث وأجرى من الأسد وهو منقط الجلد نقط سود ـ وفيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه، وإنما نهى عن استعماله جلوده لما فيه من الزينة والخيلاء ولأنه زي العجم وعموم النهي شامل للمذكى وغيره.
قوله: وعن (لبس الذهب إلا مقطعًا) لا بد فيه من تقيد القطع بالقدر المعفوّ عنه لا بما فوقه. جمعًا بين الأحاديث. قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود: والمراد بالنهي الذهب الكثير لا المقطع قطعًا يسيرة منه تجعل حلقة، أو قرطًا أو خاتمًا للنساء أو في سيف الرجل، وكره الكثير منه الذي هو عادة أهل السرف والخيلاء والتكبر ".
الوجه الثالثُ: أنه أخرج أبو داودَ (1) من حديث أبي هريرة: "من أحبَّ أن يُحَلَّقَ حبيبَه بحلقةٍ من نار فلْيُحَلِّقْهُ بحلقةٍ من ذهب، ومن أراد أن يطوِّق حبيبه طوقًا من نار فليطوِّقْهُ طوقًا من ذهب، ومن أحبَّ أن يسوِّرَ حبيبَه بسوار من نار فلْيُسَوِّره بسوارٍ من ذهب، ولكن عليكم بالفضة فالْعبُوا بها". وقد سكت عليه أبو داود، وهو لا يسكت إلَاّ عن صالح للاحتجاج به، وكذلك سكتَ عليه المنذريُّ (2) في تخريجه مع كثرة تحرِّيه، وعدمِ إهماله للكلام على ما يستحقُّ الكلام عليه.
وأقول: هذا الحديثُ إسناده صحيحٌ؛ فإنه قال أبو داود في السنن (3): حدثنا عبد الله ابن مسلمةَ، حدثنا عبد العزيز بن محمدٍ، عن أُسيْدِ بن أبي أسيد البراد، عن نافع بن عياش، عن أبي هريرةَ، فعبدُ الله بن مسلمة هو القعنبيُّ، وهو إمام قد اتفق أهلُ الأمَّهات
(1) في "السنن" رقم (4236).
قلت: وأخرجه أحمد (2/ 334، 378). وهو حديث حسن.
(2)
في "مختصر السنن"(6/ 123 - 124 رقم 4071).
(3)
في "السنن"(4/ 436).
على إخراج حديثه، وهو متَّفقٌ على توثيقه، وأسيد بنُ أبي أسيد قال في التقريب (1): صدوقٌ، وقال ابن رسلان (2): صدوقٌ أيضًا، ونافعُ بنُ عياش قال في التقريب (3): ثقةٌ من الثالثة، وقال ابن رسلان (4): ثقةٌ فاضلٌ.
وقد أخرج الطبرانُّ في الكبير (5) والأوسط (6) من حديث سهلٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أحبَّ أن يسوِّر ولده سوارًا من نار فليسوره سوارًا من ذهب، ولكنِ الفضةُ العبوا بها كيف شئتم" قال في مجمع الزوائد (7): وفي إسناده عبد الرحمن بنُ زيد بن أسلمَ، وهو ضعيف.
وأخرجَ أحمدُ (8) من حدث أبي موسى نحو حديث أبي هريرة المتقدم، وفي آخره:"ولكن عليكم بالفضة العبوا بها لعبًا" وحسَّنه صاحبُ مجمع الزوائد (9) فهذه الأحاديث فيها تحريم هذه الأنواعِ من الحليةِ، ولا فرق بينها وبين غيرها مما يصدُق عليه اسم الحلية.
الوجه الرابع: أخرج أبو داود (10)، والنسائي (11) من حديث رِبعيْ بن خراش عن
(1)(1/ 77 رقم 580). وهو أسيد بن أبي أسيد البرّاد، أو سعيد المديني.
(2)
انظر "عون المعبود"(11/ 199).
(3)
(2/ 295 رقم 18).
(4)
انظر "عون المعبود"(11/ 199).
(5)
(6/ 150 رقم 5811).
(6)
رقم (7296).
(7)
(5/ 147).
(8)
في مسنده (1/ 263 - 264).
(9)
(5/ 147).
(10)
في "السنن" رقم (4237).
(11)
في "السنن" رقم (5140) وهو حديث ضعيف.
امرأته، عن أختٍ لحذيفة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"يا معشر النِّساء أما لكنَّ في الفضة ما تحلَّين به، أما إنه ليس منكنَّ امرأةٌ تحلَّى ذهبًا تظهرهُ إلَاّ عذِّبتْ به" وامرأةُ ربعي مجهولةٌ.
ولكن يشهدُ له ما أخرجه أبو داود (1) والنَّسائي (2) من حديث أسماءَ بنت يزيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أيُّما امرأة تقلَّدت قلادةً من ذهب قُلِّدت في عُنُقِها مثلُهُ من النار يومَ القيامة، وأيُّما امرأة جعَلَت في أُذُنِها خِرْصًا من ذهب جُعِلَ في أُذُنِها مثلُه من نار يومَ القيامة"(3). والحديث الأولُ والآخرُ إذا دلَاّ على تحريم التحلِّي بالذهب للنساء فدلالتُهما على تحريم ذلك على الرجال بفحوى الخطاب،
(1) في "السنن" رقم (4238).
(2)
في "السنن" رقم (5142). وهو حديث ضعيف.
- قال الألباني في "آداب الزفاف"(ص259): والجواب من وجهين:
الأول: رد الحديث من أصله لعدم ثبوته فإنه في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم (10/ 83).
ثانيًا: لو كانت العلة هي الإظهار، لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما، ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع ظهوره، فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار ولهذا قال أبو الحسن السندي:" (تظهره) يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به لكن الفة مثل الذهب في ذلك، فالظاهر أن هذه الزيادة التقبيح والتوبيخ. والكلام لإفادة حرمة الذهب (يعني المحلِّق) للنساء مع قطع النظر عن الإظهار والافتخار".
وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث، وإلا فقد عرفت صفته فسقطالاستدلال به أصلاً.
(3)
قال الخطابي في "معالم السنن"(4/ 437) وهذا يتأول على وجهين:
أحدهما: إنَّه لما قال ذلك في الزمان الأول، ثم نسخ وابيح للنساء التحلي بالذهب. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر وفي إحدى يديه ذهب وفيه الأخرى حرير، فقال:"هذان حرام على ذكور متي حلال لإناثها".
والوجه الآخر: أن هذا الوعيد إنما جاء فيمن لا يؤدي زكاة الذهب دون من أداها.
وهذا هو مرادُنا من ذكرِ هذين الحديثين، وقد اختلفت الأحاديث في تحلِّي النساء بالذهبِ، وجمعنا في ذلك رسالة (1) جوابٍ عن سؤال ورد من بعض الأعلام ذكرنا فيها الجمعَ بين الأحاديث المختلفةِ في تحلِّي النساء بالذهب.
الوجه الخامس: أخرج أحمد (2) من حديث عبد الرحمن بن غُنْمٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تحلَّى ذهبًا، أو حلَّى بَخْرَ بصيصة من ذهب كُوي به يوم القيامة". قال في مجمع الزوائد (3): فيه شهرُ بنُ حوشبٍ، وهو ضعيفٌ يكتُبُ حديثُه، وبقيةُ رجاله رجال الصحيح.
قلت: وقد أخرج حديثَ شهرٍ مسلمٌ في صحيحه (4)، والبخاريُّ في الأدب المفرد، وأهلُ السنن. وقال في التقريب (5): هو صدوقٌ [2ب] كثيرُ الإرسال والتدليس انتهى.
ولكنَّ هذا الحديث لا إرسال فيه. قال في النهاية (6) ما لفظه: مَنْ تحلَّى ذهبًا، أو حلاه ولده مثلَ خُرَبْصيْصةٍ هي الهيئة التي تتراءى في الرمل لها بصيص كأنها عين جرادةٍ. ومنه الحديثُ:"أن نعيمَ الدنيا أقلُّ وأصغر من خربصيصةٍ" انتهى.
فهذان الحديثان يدلَاّن أبلغ دلالة على تحريم التحلي بالذهب، وإن كان شيئًا يسيرًا كالخردلة وما دونَها مما يدركه الطرفُ. والحليةُ تصدقُ على ما هو متصلٌ بالبدن كالطوق، والسوار، وعلى ما هو منفصلٌ عنه ومتّصل بما يتصلُ به من الثياب الملبوسة كحلية السيف، والجنبيةِ، ونحوهما، لأنَّ الكلَّ يحصلُ به الزينةُ. قال في القاموس (7):
(1) انظر الرسالة رقم (137).
(2)
في "المسند"(4/ 227). بسند ضعيف. لضعف شهر بن حوشب.
(3)
(5/ 147).
(4)
لم أجده.
(5)
رقم (2830).
(6)
(2/ 19).
(7)
(ص1647).
الحَلْيُ بالفتح ما تُزُيِّنَ به مصنوع المعدنيات أو الحجارة، الجمع حلِيٌّ كدُلي، أو هو جمع، الواحدة حليةٌ كظبيةٌ بالكسر الحَلْيُ، الجمعُ حِلَّى وحُلَّى، حلَّى السيفَ، وحلاته وحلَّيتُه، وحَلِيتِ المرأةُ كرَضيَ حلْيًا فهي حالٍ وحاليةٌ استفادتْ حَلْيًا أو لبستْه كَتحلَّتْ أو صارتْ ذات حَلْيٍ، وحلَاّها تحليةً ألبسها حَلْيًا أو اتَّخذه لها، انتهى.
وقال في النهاية (1): الحَلْيُ اسمٌ لكل ما يُتزيّن به من مصاغ الذهب والفضة، والجمع حِلي بالضم والكسر انتهى. ولا شك أن الزينة تحصلُ بالحلية التي توضع على البدن بدون حائل، كالطوق، والسِّوار، وتحصل بالحلية التي بينها وبين البدن حائلٌ، كالمناطق التي توضع فوق الثياب، وكالسيف المحلَّى، ونحوِ ذلك. ومَنْ أنكر هذا فهو مكابرٌ ومخالفٌ لما يفيده لغةُ العرب، ولما يفهمه أهلُ اللغة منها، فما كان مثلَ عين الجرادة من الذهب فالتحلّي به حرامٌ، سواء كان على البدن، أو على شيء متصل به ـ بالبدن ـ، كالسيف والمنطقة، والجنبية إذْ صدقَ اسمُ الحلية عليه لغةً فلا يدخلُ في ذلك ما وضعه الإنسان في كُمِّه، أو طرف ثوبه، أو وسطه من الذهب لقصدا لانتفاع به بوجٍ من الوجوه كصرفه في حوائجه أو التداوي به أو نحوِ ذلك، فإن هذا ليس بحليةٍ لا لغةً، ولا شرعًا، ولا عُرفًا.
الوجه السادس: أخرج أحمدُ (2) بإسناد رجالُهُ ثقاتٌ من حديث ابن عمرو عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات من أمّتي وهو متحلٍّ بالذهب حرَّمَ الله عليه لباسه في الجنة"، وأخرجه الطبرانيُّ (3) أيضًا وهو يدلُّ على تحريم التحلّي بالذهب من غير فرقٍ بين قليله وكثيره، وبين ما كان منه متصلاً بالبدن أو بينَه وبين البدن حائلٌ،
(1)(1/ 435).
(2)
في "المسند"(2/ 208) بإسناد صحيح.
(3)
عزاه إليه الهيثمي في "المجمع"(5/ 146) وقال: رواه أحمد والطبراني وزاد ومن مات من أمتي يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الآخرة.
وهو [3أ] عليه أنه حليةٌ، ويصدق على من هو عليه أنه مُتَحلٍّ.
الوجه السابع: أخرج النّسائي (1)، والحاكم (2)، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمنع أهل الحلية والحرير ويقول: "إنكم تحبُّون حليةَ الجنةِ وحريرَها، فلا تلبسوهما في الدنيا".
وفيه التصريح بالنّهي عن لُبْسِ الحلية، وأهل اللغة يقولون: لبسَ السلاحَ لبس لامة الحرب كما يقولون: لبس الثوب. وأما الفرق المذكور في كتب الفقه بين المحمول والملبوس فاصطلاحٌ غيرُ مستندٍ إلى لغة العرب، ولا إلى حقيقة الشرع.
الوجهُ الثامن: حديثُ النَّهي عن لبس الذهب إلَاّ مقطَّعًا، وحديثُ النهي عن لبس الذهب والحرير، وقد تقدما في الوجه الثاني. وتقرير الاستدلال بهما كتقدير الاستدلال بالحديث المذكور في الوجه السابع.
الوجه التاسعُ: حديث أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيلا يلبس حريرًا ولا ذهبًا" أخرجه أحمدُ (3) بإسناد رجالُه ثقاتٌ، وتقريرُ الاستدلال به كما سبقَ.
الوجه العاشرُ: قد ثبت في أحاديث النهي عن خاتم الذهب أنه علَّل صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بأنه جمرةٌ من نار كما في صحيح مسلم (4) من حديث ابن عباس، وكما في حديث أبي سعيد عند النسائي (5)، وهذه العلّة المنصوصة مشعِرةٌ بأنه لا فرق بين
(1) في "السنن"(8/ 156 رقم 5136).
(2)
في "المستدرك"(4/ 191) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي لم يخرجا لأبي عشانة. وهو حديث صحيح.
(3)
في مسنده (1/ 265 رقم 107 ـ الفتح الرباني).
(4)
في صحيحه رقم (52/ 2090) عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد رجلٍ، فنزعه فطرحه وقال:"يعمد أحدُكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلها في يده".
(5)
في "السنن"(8/ 170 رقم 5188): عن أبي سعيد الخدري أنّ رجلاً قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنَّك جئتني وفي يدك جمرةٌ من نار".
وهو حديث صحيح.
غيرِه من أنواع حلية الذهب؛ إذ لا تأثير لكونه ذهبًا في موضع خاصّ من البدن، وهو الأُصبع بل لكونه حليةً.
فتقرر بجميع هذه الأدلة المذكورة في هذه الوجوه العشَرَةِ أن حليةَ الذهب محرَّمةٌ على الرجال. أما الحديثُ المذكور في الوجه الأول فالتصريح فيه بالتحريم، وأمَّا الحديثُ المذكور في الوجه الثالث فالتصريح فيه بأن تلكَ الحلية من الذهب تكون نارًا، وكذلك الحديثان المذكوران في الوجه الرابع، ومثل ذلك الحديثان المذكوران في الوجه الخامس، وأما الحديث المذكور في الوجه السادس فللتصريح فيه تارةً أنه يحرُم عليه لباسُهُ في الجنة، وأما الحديثُ المذكور في الوجه السابع فللتصريح فيه بالنهي، وكذلك الحديثان المشار إليهما في الوجه الثامن، وكذلك الحديثُ المذكورُ في الوجه التاسع، وأمَّا أحاديث الخاتَمِ فلما ذكرنا هنا في العلَّة من العلة المنصوصة المقتضية أنه لا فرق بين الخاتم وغيره، المصرِّحة بأنه جمرةٌ من نار، وقد تقرَّر في الأصول (1) أنَّ النهي عن الشيء [3ب] أو التوعُّد عليه بالعذاب، أو بدخول النار، أو بأنه يحرُم على فاعله في الجنة يقتضي كلُّ واحد منها التحريمَ فكيف إذا كانت مجتمعةً!.
الوجهُ الحادي عَشَرَ: في الحديث الذي عورضتْ به هذه الأحاديثُ في بعض أنواع الحلية، وذلك حليةُ السلاح، أخرجه الترمذيُّ (2) وقال (3): حسنٌ غريب عن طالب بن حُجَيْر، حدثنا هُودُ بن عبدِ الله بن سعد عن جدِّه مزيدَةَ قال: دخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهبٌ وفضةٌ. قال طالبٌ: فسألتُ عن القبيعة
(1) انظر "إرشاد الفحول"(ص384)، "تيسير التحرير"(1/ 375).
(2)
في "السنن" رقم (1690) وهو حديث ضعيف.
(3)
الترمذي في "السنن"(4/ 200).
قال: كانت قبيعةُ سيفه فضةً. هكذا ساقه الحافظُ في التخليص (1)، ولم يتكلَّم عليه، بل اقتصر على نقل تحسين الترمذيّ له. وقد قال في التقريب (2) ما لفظه: طالب بنُ حجير بمهملةٍ وجيمٍ، مصغَّرٍ العبديُّ البصريُّ صدوقٌ من السابعة. وقال فيه (3) أيضًا ما لفظه: هودُ بن عبد الله العبديّ مقبولٌ من الرابعة انتهى. فعلى هذا يكون الحديثُ حسنًا كما قال الترمذي (4)، ولكنه قد ورد (5) ما هو أرجحُ منه مصرِّحًا بأن قبيعةَ سيفه كانت فضةً، وهو من رواية جرير بن حازم عن قتادة عن أنس، ورواه هشامٌ عن قتادةَ عن سعيد بن أبي الحسن مرسلاً، ورجَّح (6) المرسلَ أحمدُ، وأبو داودَ (7)، والنسائي (8)، وأبو حاتم، والبزار، والدارميُّ، والبيهقي، وقال: تفرد به جرير بنُ حازم، قال الحافظ (9): لكن أخرجه الترمذيُّ (10) والنسائي (11) من حديث هُمامٍ عن قتادةَ عن أنس، وله طريقٌ غيرُ هذه رواها النّسائي (12) من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فضة. وإسنادُهُ صحيح.
ورواه الطبرانيّ في الكبير (13) من حديث محمد بن حمير، حدثنا أبو الحكم الصيقل،
(1)(1/ 85).
(2)
(1/ 377 رقم 13).
(3)
أي ابن حجر في "التقريب"(2/ 322 رقم 199).
(4)
الترمذي في "السنن"(4/ 200).
(5)
أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1691) وهو حديث صحيح.
(6)
عزاه إليهم ابن حجر في "التلخيص"(1/ 85).
(7)
في "السنن" رقم (2583).
(8)
في "السنن"(8/ 219 رقم 5374).
(9)
في "التلخيص"(1/ 85).
(10)
في "السنن"(4/ 201).
(11)
في "السنن"(8/ 219).
(12)
في "السنن"(8/ 219 رقم 5373).
(13)
(20/ 360 رقم 844). وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 271) وفيه أبو الحكم الصيقل ولم أعرفه وبقية رجال ثقات.
حدثني مرزوق الصيقل أنه صقلَ سيفَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذا الفقار، وكانت له قبيعةٌ من فضة. هذا صحابيان قد رفعاه كما رفعه جرير بن حاتم على أنه لو لم يكن في الباب إلَاّ حديثُ أنس مع الاختلاف في رفعه وإرسالِهِ لكان الرفعُ زيادةً يجيب المصيرُ إليها، فمن عَلِمَ حُجَّةٌ على من لم يعلم، ولا سيما وقد تابعَ جريرَ بن حازم (1) على رفعه [4أ] همامٌ، لكنَّ الشأن في مخالفة هذه الأحادي المصرِّحة بأن قبيعة سيفه صلى الله عليه وآله وسلم كانت فضةً لحديث (2) طالبِ بن حُجَيْرٍ المذكورٍ سابقًا، مع تصريحه بعد تمام حديثه بأن سأل عن قبيعة السيف فقيل له كانت فضة، فإن لم نعتبر هذه المخالفة، وقلنا: الرواية المصرِّحة بالذهب والفضة مشتملةٌ على زيادة مقبولة، ولا سيما في حديث طالب بن حجير أنّ الذهب كان على القبيعة، بل على السيف، فلا منافاة بينه وبين الروايات المصرِّحة بأن القبيعة كانت من فضة، فإن القبيعة هي التي تكون على رأس قائم السيف وطرف مَقْبَضِهِ، وقيل: ما تحتَ شاربي السيفِ، وقيل ما فوق المقبضِ.
وعلى كل حال فالقبيعة موضعٌ خاصٌّ من السيف، فلا تَعَارُضَ بين الروايات، وقال الحافظ الذهبيُّ في حرف الطاء من الجزء الثاني من الميزان (3) ما لفظه: طالبُ بنُ حَجير عن هود بن عبد الله بنِ سعيد عن جده مَزِيدَة العَصري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح وعلى سيفِهِ ذهبٌ وفضة كانت قبيعةُ السيف فضةً، قال الترمذي (4): حسنٌ، وقال الحافظ (5) أبو الحسن القطان: هو عندي ضعيفٌ لا حَسَنٌ،
(1) كذا في المخطوط ولعل الصواب حاتم كما تقدم آنفًا.
(2)
تقديم تخريجه وهو حديث ضعيف.
(3)
(2/ 333 رقم 3971).
(4)
(4/ 200).
(5)
في "الميزان"(2/ 333).
وصدق أبو الحسن.
قلتُ: تفرَّد به طالب، وهو صالحُ الأمر إن شاء الله، وهذا منكر، فما علمنا في حلية سيفه صلى الله عليه وآله وسلم ذهبًا. انتهى (1).
الوجه الثاني عشر: في كيفية الجمع بين الأحاديث المتقدِّمة المصرِّحة بتحريم الذهب أو المستلزمة لذلك، وبين هذا الحديث المذكور في الوجه الذي قبل هذا أنّه صلى الله عليه وآله وسلم دخل يوم الفتح وعلى سيفه ذهبٌ وفضةٌ.
اعلم أنه قد صرّح أهل الأصول (2) بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر بشيء أو نهى عن شيء، ثم تركَ ما أمرَ بفعلِه، أو فعلَ ما نَهَى عن فعله، فإن كان ذلك الأمرُ أو النهيُ ونحوُهما يختصَّان بالأمَّة، ولا يشملانِهِ صلى الله عليه وآله وسلم لا بطريق التنصيص، ولا بطريق الظهور كما إذا قال لا يحلُّ لكم، لأحدِكم، لا تفعلوا، أو افعلُوا أو هذا حرامٌ عليكم، أو واجبٌ على الأمَّة، أو واجبٌ أو حرامٌ عليها، فلا معارضة بين أمره أو نهيه لنا، وبين فعله أو تركِه المخالفِ لما أمرَ به أو نهى عنه [4ب]، وإن كان الأمرُ أو النهيُ أو نحوُهما يشملانِهِ صلى الله عليه وآله وسلم بطريق الظهور كأن يقول: ليفعل كلُّ مسلم كذا، أو لا يفعلْ، أو مَنْ فعلَ، أو هذا واجبٌ على المسلمين، أو حرام، فإنَّ فِعْلَهُ صلى الله عليه وآله وسلم لِمَا نهى عنه، وترْكَهُ لما أمر به يكون مخصِّصًا له من ذلك العموم، فيكون ذلك الفعلُ أوِ التَّركُ من خصوصياته، وإن كان ما أمر به أو نهى عنه أو نحوُهما يتناوله بطريق التنصيص عليه كأن يقول: أُمِرْتُ وأمرتم، أو نُهيتُ ونُهيتم عن كذا، أو يقول: واجبٌ عليَّ وعليكم، أو حرام عليّ وعليكم، ثم فعل ما يخالفُ ذلك كان هذا الفعل نسْخًا لما تقدَّمه من الأمر أو النهي أو نحوِهما في حقِّه. هذا إذا لم يظهر دليل يدلُّ على التأسّي به كان هذا الفعل ناسخًا لما تقدّمه من الأمر أو
(1) كلام الذهبي في "الميزان"(2/ 333).
(2)
انظر "إرشاد الفحول"(ص170 - 180)، "تيسير التحرير"(1/ 252)، "العدة"(1/ 260).
النهي المخالفين له في حقِّه، وحق الأمَّة، أو دليلاً على الجواز في جانب الفعل والتّرك.
إذا تقرر هذا فاعلم أنّه لم يكن في دخوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح بسيف عليه ذهبٌ وفضة ما يدلُّ على التأسِّي به في ذلك، فلا يكون مخالفًا للأحاديث الدالّة على تحريم التحلّي بالذهب. لا يقالُ: إن أدلة التاسِّي العامّة كقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1)، وقوله:{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} (2) وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) ونحو ذلك، لأنا نقول: إن أدلة تحريم التحلِّي بالذهب على الأمة أخصُّ مطلقًا من أدلة التأسِّي العامّة، فتكون مخصِّصة بها. وقد صرح بهذا أهلُ الأصول.
فإن قلت: أبِنْ لي ما زعمتَه من عدم المعارضة بين حديث تحلية سيفه صلى الله عليه وآله وسلم بالذهب، وبين بعض الأحاديث التي سردتَها في تحريم الذهب، وكيفية التخصيص في البعض الآخر.
قلتُ: أما الحديث المذكورُ في الوجه الأول فلا معارضة، لأنّه مصرِّحٌ بأن التحريم على ذكور أمَّته صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ليس من ذكور أمَّتهِ، إذ المضافُ غيرُ المضاف إليه، والأمَّةُ هم المؤتمونَ به، المتابعون، وهو الإمام المتبوع والإمام غير المأموم، والتابعُ غيرُ المتبوع.
وأم الحديثان المذكوران [5أ] في آخر الوجه الثاني، وهما المشارُ إليهما في الوجه الثامن فليس فيهما إلَاّ مُطْلَقُ النَّهي، فإن كان المخاطِبُ (4) غيرَ داخلٍ في الخطاب فلا
(1)[الأحزاب: 21].
(2)
[آل عمران: 31].
(3)
[الحشر: 7].
(4)
قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص446 - 447): بعد أن ذكر الاختلاف في هذه المسألة.
- ذهب الجمهور إلى أنه يدخل ولا يخرج عنه إلا بدليل يُخصِّصه.
- وقال أكثر أصحاب الشافعية إنه لا يدخل إلا بدليل.
- قال ابن برهان في "الأوسط": ذهب معظم العلماء إلى أن الأمر لا يدخل تحت الخطاب ونقل القاضي عبد الجبار وغيره من المعتزلة دخوله.
وخالف ابن برهان في نقله عن معظم العلماء الرازي في "المحصول"(2/ 379) وابن الحاجب في "مختصر المنتهى"(2/ 127)
…
".
قال الشوكاني: والذي ينبغي اعتماده أن يقال إن كان مراد القائل بدخوله في خطابه أن ما وضع للمخاطب يشمل المتكلّم وضعًا فليس كذلك، وإن كان المراد أن يشمله حكمًا فمسلّم إذا دل عليه دليلٌ وكان الوضع شاملاً له كألفاظ العموم.
وانظر: "البحر المحيط"(3/ 192)، "نهاية السول"(2/ 82).
معارضةً، وإن كان داخلاً فهما شاملان له بطريق الظهور، فيكون تحليةُ سيفه صلى الله عليه وآله وسلم تخصيصًا له في ذلك الأمر الخاصّ من الحلية دون ما عداه.
وأما الحديث المذكور في الوجه الثالث فإذا كانت صيغة العموم (1) في قوله: "من أحبّ أن يحلّق حبيبه" شاملةً له، وكانت أيضًأ شاملةً لجميع أنواع الحلية بفحوى الخطاب أو بلحنِهِ فيكون حديثُ تحلية سيفه صلى الله عليه وآله وسلم مخصِّصًا له.
وأما الحديثان المذكوران في الوجه الرابع في نهي النساء عن حلية الذهب، فإذا كان داخلاً كغيره من المسلمين بفحوى الخطاب فتحليةُ سيفه صلى الله عليه وآله وسلم مخصِّصةٌ له من عموم دليل الفحوى، وهكذا يكون مخصِّصًا له من عموم الحديثين المذكورين في الوجه الخامس، لما فيهما من الصيغة العامة له بطريق الظهور.
وأما الحديث المذكور في الوجه السابع؛ فإن الخطاب لغيره.
وأما الحديثُ المذكور في الوجه التاسع فالقبيعةُ (2) تشمله بطريق الظهور، فيكون تحليةُ
(1) انظر "إرشاد الفحول"(ص404)، "البحر المحيط"(3/ 64).
(2)
القبيعة: هي التي تكون على رأس قائم السيف.
وقيل: هي ما تحت شاربي السيف. "النهاية"(4/ 7).
سيفِه صلى الله عليه وآله وسلم مخصِّصة له فيتلك الحلية الخاصة، وهكا ما ذكر في الوجه العاشر؛ فإن التعليل بأن الخاتَمَ الذهب جمرةٌ من نار يشملُه، فيكون تحليةُ سيفِه بالذهب مخصِّصةً له في ذلك النوع الخاصّ على ما قررناه من دلالة العلة على تحريم حلية الذهب على العموم.
فتقرَّر لك من جميع ما حررناه أن التحلِّي بالذهب لا يحلُّ سواءٌ كانتِ الحليةُ متصلةً بالبدن كالطوقِ والسِّوارِ، أو كان بينَها وبينَه حائلٌ كمِنْطَقَةِ الذهب، وحليةِ السيفِ، والدِّرع، والجنبيةِ من غيرِ فرقٍ بينَ القليلِ والكثيرِ كما تقدم في حديث الخربصيصة (1)؛ فإنَّ مَنْ جعل على سيفِه أو درعِه أو جنبيته حرفًا من حروف الذهب المعروفة فقد جعل عليه زيادةً على مائة خربصيصةٌ، ومن قال: نحلية الرجل أو درْعَهُ، أو نحوَهُما ليست بحليةٍ للرجل فقد [5ب] خالف اللغةَ والشرعَ والعُرْفَ؛ فإن الرَّجُلَ إنما يجعلُ الحلية على السيف ونحوِه ليتزيَّنَ بها.
وأما تزيين الجماد فليس مما يقصده العقلاء إلَاّ إذا أرادوا نفاقَهُ، ورفعَ ثمنه، وهذا صُنْعُ الصّاغةِ والباعة، وأهل التجارة لا صنعُ من يلبسُ السلاح ويتزيّن به، وبما عليه، ولو كانت الحلية حلالاً إذا كانت في شيء بينه وبين الجمس ما يمنعُ اتصالَه به لكان سوارُ الذهب الذي يكون زونُهُ رطلاً حلالاً إذا جُعِلَ بينَه وبين البدن ما يمنعُ اتصالُه من ثوبٍ أو جلدٍ أو نحوِها، أو كان على صفيحةٍ من فضةٍ أو نحوها، وهذا لا يقولُ به مَنْ يفهمُ لغةَ العرب، ويعرفُ مقاصدَ الشرع.
الوجه الثالثَ عشرَ: اعلم أنه لم ينهضْ دليلٌ على تحريم استعمالِ الذهب والفضةِ، بل الحديثُ الصحيح (2) المجمع عليه، وما ورد في معناه من الأحاديث
(1) تقدم توضيح معناه.
(2)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (5634) ومسلم رقم (1/ 2065) عن أم سلمة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الذي يشرب في إناء الفضة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنم".
الصحيحة (1) المصرِّحة بتحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضةِ، والتوعُّدِ على ذلك بأن من فعله فإنما يُجَرْجرُ (2) به في بطنه نار جهنم لا يدلّ على إلحاق سائر الاستعمالات بهما، لا بفحوى الخطاب ولا بِلَحْنِهِ. ولا يدلُّ عليه بمطابقة، ولا تضمّن، ولا التزام. وهكذا لم يرِدْ ما يدلُّ على منع اتخاذ آنية الذهب والفضة لغير الأكل والشرب (3)، وإنما
(1) منها: ما أخرجه البخاري رقم (5426) ومسلم رقم (2067) من حديث حذيفة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها، فإنَّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".
(2)
أي يحدر فيها نار جهنم، فجعل الشرب والجرع جرجرة، وهي صوت وقوع الماء في الجوف.
قال الزمخشري: يروى برفع النار، والأكثر النَّصب، وهذا القول مجاز، لأن نار جهنم على الحقيقة لا تجرجر في جوفه، والجرجرةُ. صوت البعير عند الضجر، ولكنّه جعل صوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النذهي عنها واستحقاق العقاب علىاستعمالها كجرجرة نار جهنم في بطنه في طريق المجاز. هذا وجه رفع النار. ويكون قد ذكر يجرجر بالياء للفصل بينه وبين النار.
فأمّا على النّصب فالشارب هو الفاعل، والنّار مفعوله، يقال جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعًا متواترًا له صوت. فالمعنى كأنّما يجرع نار جهنم. "
النهاية" (1/ 255)، "فتح الباري" (10/ 97).
(3)
قال القرطبي في "المفهم"(5/ 345): وهذا الحديث ـ أي حديث أم سلمة ـ دليل على تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، ويُلحق بهما ما في معناهما مثل: التطيُّب، والتكحُّل وما شابه ذلك وبتحريم ذلك قال جمهور العلماء سلفًا وخلفًا. ورُوي عن بعض السلف إباحة ذلك، وهو خلاف شاذّ مطّرح للأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا الباب.
وانظر: "فتح الباري"(10/ 97 - 98).
- وقال القرطبي في "المفهم"(5/ 345 - 346): ثم اختلف العلماء في تعليل المنع، فقيل: إن التحريم راجعٌ إلى عينهما. وهذا يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: "هي لهم في الدنيا، ولنا في الآخر".
وقيل: ذلك مُعلّل بكونهما رؤوس الأثمان، وقيم المتلفات. فإذا اتخذ منهما الأواني قلّت في أيدي الناس، فيجحف ذلك بهم. وهذا كما حُرِّم فيهما رب الفضل، وقد حسّن الغزاليّ هذا المعنى، فقال: إنهما في الوجود كالحكّام الذين حقهم أن يتصرفوا في الأقطار ليظهروا العدل، فلو منعوا نم التصرّف والخروج للناس لأخلّ ذلك بهم، ولم يحصل عدلٌ في الوجود.
وصياغةُ الأواني من الذهب والفضة حبسٌ لهما عن التصرُّف الذي ينتفع به الناس.
وقيل: إنّ ذلك معلّل بالسّرف، والتشبُّه بالأعاجم.
قلت: ـ القرطبي ـ وهذا التعليل ليس بشيء لأنه يلزم عليه أن يكون اتخاذُ تلك الأواني، واستعمالها مكروهًا، لأن غاية السّرف والتشبّه بالأعاجم أن يكون مكروهًا، والتهديد الذي اشتمل عليه الحديث المتقدم مفيدٌ للتحريم لا للكراهة.
وكلُّ ما ذكرناه من التحريم إنَّما هو في الاستعمال، وأما اتخاذ الأواني من الذهب والفضة من غير استعمال: فمذهبنا، ومذهب جمهور العلماء: أن ذلك لا يجوز.
وذهبت طائفة من العلماء: إلى جواز اتخاذها دون استعمالها.
وفائدة هذا الخلاف بناء الخلاف عليه في قيمة ما أفسد منها، وجواز الاستئجار على عملها. فمن جوّز الاتخاذ، قوّم الصياغة على مفسدها. وجوّز أخذ الأجرة عليها. ومن منع الاتخاذ، منع هذين الفرعين.
فأما ما ضُبِّب من الأواني بذهبٍ، أو فضة أو كانت فيه حلقةٌ من ذهب أو فضةٍ. فذهب الجمهور إلى كراهة استعمال ذلك. وأجازه أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد، وإسحاق إذا لم يجعل فمه على التضبيب أو الحلقة، وروي أيضًا مثله عن بعض السلف. قالوا: وهو كالعَلَم في الثواب والخاتم في اليد بشرب به، وقد استحبّ بعض العلماء الحلقةَ دون التضبيب.
انظر: "المغني"(1/ 103 - 105).
ذكرنا هذا الوجْهَ لئلا يظُنّ ظانٌّ بأن هذا لا يحلُّ قياسًا على تحريم الحِلْية، أو على تحريم الأكل والشرب.
الوجهُ الرابعَ عشرَ: "اعلم أنَّه لم يكن في شيء من الأحاديث السابقة ما يدلُّ على تحريم حلية الفضة، فالواجب البقاء على الأصل، وهو أنها حلالٌ استصحابًا للبراءة الأصلية، وعملاً بالعمومات القرآنية:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} (1) و {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} (2) ونحوِهما.
(1)[الأعراف: 32].
(2)
[البقرة: 29].
وقد زاد ذلك الأصل، وهذه العمومات تأييدًا وتأكيدًا الحديث المذكور في الوجه الثالث بلفظ:"ولكن عليكم بالفضة فالْعبوا بها لعبًا"(1) فيدخلُ في ذلك التحلّي بها بكل نوع من أنواع الحلية [6أ]، ولبسُها على كل هيئة من هيئات اللُّبس.
وقد ورد ما يدلّ على جواز بعض أنواع الحلية، وهو مما يزيد ذلك الأصل، وتلك العمومات تأييدًا أيضًا كحديث اتخاذه صلى الله عليه وآله وسلم لخاتم الفضة، وإرشاده إلى اتخاذه كما في حديث بريدة عند أهل السنن (2). قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه خاتمٌ من حديد فقال: "ما لي أرى عليك حلية أهل النار! " ثم جاءه وعليه خاتمٌ من صِفْرٍ، وفي رواية من شبهٍ فقال:"ما لي أجد منك رائحةَ الأصنام! " ثم جاءه وعليه خاتَمٌ من ذهب، فقال:"ما لي أرى عليك منك رائحةَ الأصنام! " ثم جاءه وعليه خاتَمٌ من ذهب، فقال:"ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة! " فقال: فَمِنْ أي شيء اتّخذهُ؟ قال: "من ورقٍ" قال الترمذي (3): هذا حديث غريبٌ، وفي إسناده عبد الله بن مسلم أبو طيبة السُّلمي المروزي (4)، قاضي مَروْ، روى عبد الله بن بريدة وغيره. قال أبو حاتم الرازي (5): يُكْتَبُ حديثُه ولا يُحتَجُّ به، فجمع أنواع الحلية واللُّبس والاستعمال والانتفاع بالفضة حلالٌ لا يخرج من ذلك إلَاّ ما خصَّه الدليلُ، كالأحاديث المصرِّحة بتحريم الأكل والشرب في صِحافِهما.
فإن قلت: قد روى أبو داود (6) من حديث ثوبانَ أن النبيّ ـ صلى الله عليه وآله
(1) تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (4223) والترمذي رقم (1785) وقال: هذا حديث غريب.
والنسائي رقم (5198).
(3)
في "السنن"(4/ 248).
(4)
انظر: "ميزان الاعتدال"(2/ 504 رقم 4605).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (4213).
قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(5/ 275) بسند ضعيف.
- حميد الشامي: قال ابن عدي: أنكر عليه حديثه عن سليمان المنبهي ولا أعلم له غيره قال الذهبي: ولا أخرج له أبو داود سواه في ذكر فاطمة وتعليقها الستر وتحلية ولديها بقلبين.
" الميزان"(1/ 617).
- وسليمان المنبهي: تفرد عنه حميد الشامي، وقال ابن معين: لا أعرفهما.
"الميزان"(2/ 229).
قال الألباني في "ضعيف أبي داود": ضعيف الإسناد منكر.
- قال الإمام النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(14/ 33) وعبارته: "وأما الصبيان فقال أصحابنا ـ أي الشافعية ـ يجوز إلباسهم الحلي والحرير في يوم العيد لأنّه لا تكليف عليهم، وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه:
أصحها: جوازه.
والثاني: تحريمه.
والثالث: يحرم بعد سن التمييز" اهـ.
قلت: لا فرق بين الصغير والكبير في الحرمة بعد أن كاد ذكرًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار هذا الحكم على الذكورة يقوله صلى الله عليه وسلم: "هذان حرام على ذكور أمتي" ـ تقدم تخريجه وهو حديث صحيح ـ إلا أن اللابس إذا كان صغيرًا فالإثم على من ألبسه لا عليه لأنه ليس من أهل التحريم عليه.
هذا إذا كان كله حريرًا وهو المصمت، وهذا ما قاله الحنفية ـ "بدائع الصنائع" (5/ 131) ـ والمالكية ـ "حاشية العدوى على الرسالة (2/ 412) ط: عيسى الحلبي ـ وهوا لراجح عند الحنابلة ـ "المغني"(2/ 304) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "حرام لباس الحرير على ذكور أمتي لا لإناثهم".
وسلم ـ قدم من غزاةٍ، وكان لا يقدُم إلَاّ حينَ يقدُم ببيتِ فاطمةَ رضي الله عنها فوجدها قد علّقت سِترًا على بابها، وحلّت الحسَنَيْنِ بقلبين من فضةٍ، فتقدّم فلم يدخل عليها، فظنّت أنه إنما منعه أن يدخل ما رأى فهتكت السِّتر، وفكّت القلبين عن الصبيين فانطلقا إلى رسول الله يبكيان، فأخذه منهما وقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى آل فلان إن هؤلاء أهل بيتي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا. يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب، وسوارًا من عاج.
قلت: قد أوضح صلى الله عليه وآله وسلم في هذا أنه إنما كره لأهل أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، وأرشهدم إلى الزُّهد فيها، وليس في ذلك ما يدل على المنع لهم
جَزْمًا ولا لغيرهم.
الوجه الخامسَ عشرَ: قد رخص [6ب]صلى الله عليه وآله وسلم في لُبْس الذهب مقطّعًا كما تقدم في الحديث المذكور في الوجه الثامن، ورخص أيضًا لعرفجةَ بن أسعد لما قُطِعَ أنفه يوم الكلاب أن يتّخذ أنفًا من ذهب، أخرجه أبو داود (1)، والنّسائي (2)، والترمذي (3)، وحسَّنه. فهذان وما ورد موردِهما يخصّص بهما عموم الأحاديث المتقدمة، ويمكن أن يُقالَ: إن اتّخاذ الأنفِ من الذهب، وكذلك السّنّ ليس من الحلية التي يراد بها الزينةُ، بل من التداوي والانتفاع المباح، فلا معارضة بينه وبين الأحاديث المصرّحة بتحريم الحلية.
وفي هذا المقدار كفايةٌ. والله ولي التوفيق.
انتهى نقلاً من خط سيدي القاضي العلامةِ عزّ الإسلام محمد بن أحمد مشحم رحمه الله نقلاً عن خط المجيب شيخنا الإمام العلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني ـ أدام الله فوائده آمين.
حُرِّرَ في شهر جُمادَى الأولى سنة 1224 بقلم الحقير علي بن أحمدَ هاجر ـ غفر الله لهما ـ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1) في "السنن" رقم (4232).
(2)
النسائي رقم (5164).
(3)
في "السنن" رقم (1770). وهو حديث حسن.
تم المجلد الرابع من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني
والله الحمد والمنة
ويليه المجلد الخامس إن شاء الله