المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأبحاث الحسان المتعلقة بالعارية والتأجير والشركة في الرهان - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٨

[الشوكاني]

الفصل: ‌الأبحاث الحسان المتعلقة بالعارية والتأجير والشركة في الرهان

(127)

20/ 2

‌الأبحاث الحسان المتعلقة بالعارية والتأجير والشركة في الرهان

تأليف محمد بن علي الشوكاني

حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3957

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: "الأبحاث الحسان المتعلقة بالعارية والتأجير والشركة في الرهان".

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وبه نستعين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وآله الطاهرين.

وبعد: فإنّه وصل السؤال من سيدي العلامة المفضال صفيِّ الكمال أحمد بن يوسف زبارة

".

4 -

آخر الرسالة: "

ويتمكن صاحب العين من استخلاصها بتسليم الدين.

وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. والله ولي التوفيق.

بقلم: المجيب محمد الشوكاني غفر الله له.

5 -

نوع الخط: خط نسخي عادي.

6 -

عدد الصفحات: 7 صفحات + صفحة العنوان.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 23 سطرًا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 11 كلمة.

9 -

الناسخ: المؤلف محمد بن علي الشوكاني.

10 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3959

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين، وبه نستعين، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمد الأمين وآله الطاهرين.

وبعدُ: فإنه وصلَ السؤالُ من سيدي العلامة المفضال، صفيّ الكمال أحمد بن يوسف زيارة (1) ـ كثر الله فوائده ـ ولفظُهُ:

صدر هذا السؤالُ عن شأن ما يقعُ من الرِّهان الذي يحصلُ من رجل مشتركٍ هو وجماعةٌ، وظاهرٌ أنَّ التقديمَ والتأخيرَ بيده، فيرهنُ مثلاً مالاً له ولشركائه، ولا يعلم المرتهِنُ بحصولِ الإذن منهم ولا عدمِهِ إلَاّ مجرَّدَ ظهور تقديمِهِ وتأخيرِه وإنفاقِه، فهل يكون القولُ للراهنِ، لأنّ الأصلَ عدمُ الإذنِ أو للمرتهِنِ، لأنَّ الظاهر صارفٌ عن الأصل المذكور؟

الثاني: مَنِ استأجر الشيءَ يرهنُه فهل يصحُّ؟ أو استعارَهُ أيضًا لرهنِهِ؟ ومع فرضِ الصحةِ فلا شكَّ في ضمان المرتهن لذلك، لكنْ بقي الكلامُ لو أفلسَ الراهن عن قضاء الدَّين، فهل للمؤجِّر والمعير أن يقضيا الدَّيْنَ ويفكَّاهُ، ويرجعانِ على الراهن الثاني لو أعْسَرَ المعيرُ والراهنُ جميعًا، ولم يبقَ سوى العينِ المعارة، هل يجوزُ للحاكم أن يبيعَها لقضاء دين المرتهنِ، لا سيَّما والمعيرُ لا يعرف بالإعسارِ من الراهنِ، ولا يعرف أن العاريةَ قد تؤدي إلى خروج العينِ عن ملكِه؟ انتهى.

(1) تقدمت ترجمته.

ص: 3963

وأقول ـ مستعينًا بالله ـ: قد اشتملَ هذا السؤالُ على أبحاث:

الأول: قوله: عن شأن ما يقعُ من الرِّهان (1) ـ إلى قوله ـ: لأن الظاهر صارفٌ عن

(1) الرَّهن في اللغة: الثبوت والدّوام يقال ماءٌ راهنٌ. أي راكدٌ ونعمةٌ راهنة أي ثابتة دائمة، وقيل: هو الحبس.

قال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].

وقال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38].

والرَّهن في الشرع: المال الذي يجعل وثيقة بالدّين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممَّن هو عليه حائر بالكتاب والسنة والإجماع.

في الكتاب: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].

أمّا السنة: ستأتي الأحاديث خلال الرسالة.

أمّا الإجماع: أجمع المسلمون على جواز الرهن بالجملة.

انظر: "المغني"(6/ 444).

الرّهن لا يخلو من ثلاثة أحوال:

1 -

أن يقع بعد الحقِّ فيصحُّ بالإجماع. لأنَّه دين ثابتٌ تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به فجاز أخذها به كالضمان ولأن الله سبحانه قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فجعله بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلها، ومحلها بعد وجوب الحقّ وفي الآية ما يدلُّ على ذلك وهو قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} فجعله جزاء للمداينة مذكورًا بعدها بفاء التعقيب.

2 -

أن يقع الرهن مع العقد الموجب للدين، فيقول: بعتك ثوبي هذا بعشرة إلى شهر، ترهنني بها عبدك سعدًا. فيقول: قبلت ذلك. فيصح أيضًا، وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، لأنَّ الحاجة داعيةٌ إلى ثبوته، فإنّه لو لم يعقده مع ثبوت الحقِّ ويشترط فيه لم يتمكن من إلزام المشتري عقده، وكانت الخيرةُ إلى المشتري، والظّاهر أنَّه يبذله، فتفوت الوثيقة بالحقِّ.

3 -

أنْ يرهنه قبل الحقِّ، فيقول: رهنتك عبدي هذا بعشرة تقرضنيها. فلا يصح في ظاهر المذهب، وهو اختيار أبي بكر والقاضي وذكر القاضي: أن أ؛ مد نص عليه في رواية ابن منصور.

وهو مذهب الشافعي، واختار أبو الخطّاب أنّه يصح. فمتى قال: رهنتك ثوبي هذا بعشرة تقرضنيها غدًا، وسلَّمه إليه، ثم أقرضه الدراهم لزم الرّهن. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، لأنّه وثيقة بحقِّ، فجاز عقدها قبل وجوبه، كالضَّمان، أو فجاز انعقادها على شيء يحدث في المستقبل.

قال ابن قدامة: ولنا أنَّه وثيقةٌ بحقٍّ لا يلزمُ قبله فلم تصح قبله كالشَّهادة، ولأنّ الرهن تابعٌ للحقِّ، فلا يسبقه، كالشهادة والثمن لا يتقدم على البيع، وأمَّا الضمان فيحتمل أن يمنع صحّتُهُ، وإنْ سلمنا فالفرق بينهما أنَّ الضّمان التزام مالٍ تبرُّعًا بالقول، فجاز من غير حقِّ ثابت، كالنَّذْرِ، بخلاف الرّهن.

ص: 3964

الأصل المذكور.

أقول: إنْ كان هذا الرجلُ الذي صار التقديمُ والتأخيرُ بيده مفوَّضًا من شركائه، وكانوا مكلَّفين، والمرادُ بالتفويض هنا أن يظهرَ منهم ما يدلُّ على أنهم قد ألقَوْا مقاليدَ أمرِهم، ووجوهَ تصرفاتِهم مدخولاً ومخروجًا إليه من قولٍ أو فعلٍ، وارتَضَوْهُ لتدبير دنياهم، ولم يعارضوه في شيء من ذلك كما يقعُ كثيرًا من أهل بيت [1أ] لمن هو الأرشدُ منهم، ولم يكن ذلك الرضى والتفويضُ لرهْبةٍ، ولا لشيء من الأمور التي تخالفُ الرضى المحققَ، والتفويضَ الخالصَ فلا شكَّ ولا ريبَ أنَّ من كان بهذه المثابةِ يكون تصرُّفُهُ بما تصرَّفَ به من أموال شركائهِ المكلّفين صحيحًا ناجزًا بموجب التفويض الذي هو مناطٌ شرعيٌّ لإشعاره بالرِّضى، بما وقع منه من التصرفات، وهذا الرضى هو المناطُ المعتبرُ في الكتاب والسنة في تحليل بعض أموال العبادِ لبعض، وإذا كان مجرّدُ الوكالةِ للأجنبيِّ مناطًا شرعيًا في نفوذ تصرُّفاته فبالأولى أن يكون التفويضُ للقريب المشارك مناطًا شرعًا، فإذا وقع من هذا الشريكِ المفوِّضِ رهنُ شيء مما هو مشتركٌ بينَه وبين شركائِهِ المكلّفين فقد صح ونَفَذَ وثبتتْ له أحكامُ الرَّهن، وليس لواحد منهم أن يقولَ بعد ذلك ما أذنتُ، أو ما رضيتُ، أو نحوَ ذلك.

وأما إذا لم يكنْ ذلك المتصرِّفُ بهذه المثابةِ، بل كان كلُّ واحدة من شركائه مستقِلاًّ بالتصرُّفِ بماله، أو كان المتصرِّف واحدًا منهم، ولكن لا على طريق التفويضِ، بل لا يتصرفُ في شيء إلَاّ بإذنهم ورضائِهم، ولا يستبدُّ بأمر دونَهم، فإذا كان هذا هو المعروفَ من حالهم، ووقع منه التصرفُ ببعض الأعيان المشتركة برهنٍ أو غيرِه،

ص: 3965

وخاصمَهُ الشركاءُ، وطلبوا ملكَهم فالقولُ قولُهم، ويكون لهم استخلاصُ ملكِهم من يدِّ مَنْ قد صار إليه ببيعٍ أو رهن أو غير ذلك، لأن الأصلَ والظاهرَ قد تطابقا هاهنا، وبيانُه أنه لا ريبَ أن الأصلَ بقاءُ الشء على ملك مالكِه، وقد عضَّدَ هذا الأصلَ الظاهرُ لأن عدمَ التفويض والاستبداد من ذلك المتصرِّف بالتصرُّفِ في غير هذا الشيء الذي وقع النزاعُ فيه، يستفادُ منه بطريق الظهورِ عدمُ وجود المناط الشرعي، وهو الرِّضى من الشركاء المذكورينَ [1ب]، وهكذا يتعاضَدُ الأصلُ والظاهرُ إذا كان شركاءُ ذلك المتصرِّفِ من النساء اللاتي يباشِرْنَ التصرفاتِ، ويمارِسْنَ ما يمارسهُ الرجالُ من الأمور المتعلِّقة بالأموالِ، أو كان الشركاءُ قاصرينَ، فإنه كما يكون الأصل عدَم الرضى من النساء يكونُ الأصلُ أيضًا عدمَ المصلحةِ للقاصرينَ، وكما يكون الظاهرُ من أحوالِ النساءِ عدمَ الرضى للعلَّةِ التي ذكرناها يكون الظاهرُ عدمَ المصلحة للقاصرينَ، لا سيما في التصرفات التي لا أعواضَ لها هي أصلحُ وأريحُ للقاصرينَ من العينِ أو الأعيانِ التي تصرَّفَِ فيها ذلك المتصرِّفُ بالبيع ونحوِه، فتقرَّر بما ذكرناه أنه قد يعاضِدُ الأصلَ والظاهِرَ في هذه الصورة، والتي قبلَها على عدمِ لزوم تصرُّفِ ذلك المتصرِّف ببيعٍ أو رهنٍ لشركائه.

وأما الصورةُ الأولى، وهي صورة التفويضِ فقد تعارِضُ الأصلَ والظاهرَ، فالأصلُ يقتضي بقاءَ الملكِ لمالِكه، والظاهرُ قد دلَّ على نفوذ تصرُّفِ لمكان التفويض الذي هو مناطٌ شرعيٌّ، فلو فرضنا التباسَ الأمرِ، وعدمِ الوقوف على الحقيقة من تفويض أو عدمِه مع كون الشركاء مكلَّفينَ عارفينَ بما فيه مصلحةٌ، وما لا مصلحة فيه من التصرُّفات، فالواجب الرجوعُ إلى الأصل، وهو بقاءُ الملك، وعدمُ حصولِ الرضى المستفادِ من التفويضِ، ولم يوجدْ هاهنا ما يستفادُ منه ما يخالفُ الأصلَ من ظاهرٍ أو غيره فكان الأصلُ خالصًا عن المعارض، فوجبَ البقاءُ عليه والعملُ به، ويكون للشركاء استخلاصُ ملكهم من يد مَنْ هو في يده، ببيعٍ أو رهنٍ، وكذلك إذا كان الشركاء نساءًا أو قاصرينَ.

فإن قلتَ: هذا التعويلُ على مجرَّد الأصلِ، والظاهرُ وإن كان قاعدةً كليةً من القواعد

الأصوليةِ والفروعية، لكنَّ مثلَ السائلِ ـ كثر الله فوائده ـ لا يقنعهُ إلَاّ الدليلُ [2أ] لا مجرَّدُ القالِ والقيلِ.

قلتُ: ليس التعويلُ منا هاهنا إلَاّ على ما صرَّح به الكتاب العزيز، والسنَّة المطهَّرة من اعتبار الرِّضى، وطيبة النفس في تحليل أملاك العباد لبعض، وأنَّها لا تؤكلُ بالباطل فإن دلَّتِ القرائنُ المعمولُ بها شرعًا على حصول الرضى، وطيبة النفس فقد حصل المناط الشرعيُّ، فلم يُرَدْ بالظاهر الذي ذكرناه إلَاّ دلالةُ تلك القرائنِ المقبولة على وجود المناطِ الذي اعتبرهُ الكتاب (1) والسنة (2)، ولم نُرِدْ بالأصل إلَاّ عدمَ وجود تلك القرائنِ الدالةِ على وجود المناطِ، فكان الدليلُ على نفوذ التصرُّفِ في صورة التفويض هو الكتابُ والسنةُ، وعلى عدم نفوذِ التصرُّف في غير تلك الصورةِ هو عدمُ وجودِ الدليل الدالّ على انتقال الملكِ عن مالكِه، أو استحقاق حَبْسِهِ عنه.

البحثُ الثاني: سؤالُ السائلِ ـ كثر الله فوائده ـ عن إفلاس الراهنِ عن قضاء الدَّين (3) إذا كان موجودًا، فهل للمؤجِّر للرهن والمعيرِ أن يقضيا الدَّين ويفكَّاه، ويرجعا على الرَّاهن؟.

أقول: جوابُ هذا البحث يتوقف على تحرير أمرين:

الأول: أن المؤجِّر والمعير إنما حصل منهما الرِّضى بحبس تلك العين المرهونة حتى يقيضيَ الراهنُ ما عليه من الدَّين، ولم يحصل منهما الرضى بإخراج العينِ عن ملكِهما كما هو مقتضى ....

....

....

....

....

....

....

....

.....

(1) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].

(2)

منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه".

وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.

(3)

انظر "المغني"(6/ 462).

ص: 3966

الإجارةِ (1) والعارية (2)، وهذا معلومٌ لا لَبْسَ فيه.

الأمر الثاني: أنَّ المرتهِنَ لا ملك له في العين المرهونة، سواءٌ كانت ملكًا للراهن، أو

(1) الإجارة من الأجر وهو العوض قال تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77].

ومنه سمِّي الثواب أجرًا لأن الله يعوِّض العبد به على طاعته، أو صبره على مصيبته.

وهي نوع من البيع، لأنّها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه فهي بيع منافع، والنافع بمنزلة الأعيان لأنه يصح تمليكها في الحياة وبعد الموت، وتضمن باليد والإتلاف ويكون عوضها عنيًا ودينًا. وإنما اختصت بلفظ الإجارة والكراء لأنهما موضوعان لها. والأصل فيها الجواز في الكتاب والسنة والإجماع. -

أمّا الكتاب فقول الله سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6].

وأخرج ابن ماجه في سننه (2/ 817) عن عتبة بن النُّدَّر، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ {طس} حتى إذا بلغ قصة موسى قال: "إنّ موسى عليه السلام آجر نفسه ثماني حجج، أو عشرًا على عفة فرجه وطعام بطنه".

وقال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77].

وهذا يدل على جواز أخذ الأجر على إقامته. -

وأمّا السنة، فثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، استأجرا من بني الدِّيل هاديًا خرِّيتًا.

- وأجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة. "

المغني" (8/ 5 - 10).

(2)

العاريَّةُ: إباحة الانتفاع بعينٍ من أعيان المال مشتقةٌ من عار الشيء: إذا ذهب وجاء ومنه قيل للبطَّال: عيَّارٌ: لتردُّده في بطالته والعرب تقول: أعاره، وعاره: مثل أطاعه وطاعه.

والأصل فيها الكتاب: قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7].

والسنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة عام حجَّة الوداع: "العاريةُ مؤدّاة، والدّين مقضيّ، المنحة مردودةٌ والزّعيم غارم".

وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها. " المغني"(8/ 340).

ص: 3968

مستأجَرَةً، أو مستعارةً للهرن، وليس له إلَاّ مجرَّدُ حَبْسِها حتى يقبضَ دَيْنهُ، لا أنه يستحقُّ زيادةً على ذلك (1).

وإذا تقرَّر هذا فالمؤجِّرُ للعين، والمعيرُ لها للرَّهن [2ب] قد رضيا بحبْسِها حبسًا مقيَّدًا بغاية هي قضاءُ الدَّين، فإذا وقع منها التسليمُ لذلك الدّين التي حُبِسَت العينُ به فليس للمرتهِن أن يمتنعَ من تسليمِ العين، لأنَّه قد حصل له مطلوبُهُ من الرِّهان، ولم يبقَ على المؤجِّر والمعيرِ ما يوجبُ بقاءَ العينِ، لأنَّ الغايةَ التي رضيا بحبس العين إلى حصولها قد حصلتْ، وهي تسليمُ الدَّيْنِ، وقد سلَّماه راضيين مختارينِ، وأما رجوعُهُما على الراهين الذين هو المستأجرُ والمستعيرُ للعين ليرهنَها، فإن كان تسليمُ الدّين منهما بأمرِه، أو بحكمِ حاكمٍ فلهما الرجوعُ عليه، إما كونُ ذلك بأمره فظاهرٌ، لأنَّ التسليمَ منهما يكون بسبب الأمر منه عنه قضاءًا لدينه، وإما كونُ التسليم بحكمِ حاكمٍ فلأنَّ ذلكَ الحكمَ قد تضمَّن الأمرَ لهما بقضاء دين المديونِ، وللحاكم أن يقضيَ ديونَ المديون إذا كان له مالٌ كما وقع في قصةِ معاذ بن جبل (2) وجابر (3) بنِ عبد الله، وهما مشهورتان، معروفتانِ، ثابتتان في دواوين الإسلام.

وهذا المديونُ وغن لم يكن له مالٌ لكنه لما حبسَ ملكَ غيره بيد مَنْ له الدينُ عليه كان

(1) انظر "المغني"(6/ 462).

(2)

أخرجه أبو داود في "المراسيل" رقم (172) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (15177) وهو منقطع وهو من حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك مرسلاً.

وهو حديث ضعيف.

وأخرجه الدارقطني في "السنن"(4/ 230 - 231 رقم 95) والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 48) والحاكم في "المستدرك"(2/ 58). وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقرّه الذهبي.

من حديث كعب بن مالك قال: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه".

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 3969

ذلك وجهًا لوقوع الحكم من الحاكم بالرجوع عليهِ، ولكنه لما كان فقيرًا كان معذورًا من القضاء إلى ميسرة، كما شرعه الله لعباده في محكم كتابه، وأما إذا كان تسليمُ الدين من المؤجِّر والمعيرِ لا بإذن من الراهن، ولا بحكمٍ من الحاكم، فلا مناطَ شرعيٌّ يوجب الرجوعَ على الراهن، بل قد وقع منهما الاستخلاص لملكهما بتسليم الدَّين، والراهنُ معذورٌ بالفقر، والدَّيْنُ باقٍ في ذمَّته، فمتى أيْسَرَ كان للمؤجر والمعير [3أ] أن يلزما المرتهِنَ بالمطالبة للراهن بدينه، فإذا قبضه منه كان لهما أن يرجعَا على المرتهنِ بما دفعاه إليه استخلاصًا لتلك العينِ، لأنه قد قبض دينَه ممن عليه الدينُ، وهو الموجِبُ لحبس العين، فيجبُ عليه ردُّ ما قبضَهُ منهما، لأنه لم يقبضْ ذلك إلَاّ في مقابلة فكِّ الرّضهن لصاحبه، لا أنه دينُه الذي يستحقُّه على مَنْ هو عليه.

فإن قلتَ: إذا كان الراهنُ شريكًا للمؤجِّر والمعير، وأعسرَ قبل قضاء الدين فماذا يكون؟.

قلتُ: إذا كانت قسمةُ العين ممكنةً قسَمَها الحاكم (1)، وسلَّم للمؤجِّر أو المعير نصيبَهما حيث قد سلَّما ما يقابلُ ذلك من الدَّين، وبقي نصيبُ الراهنِ رهنًا حتى يتمكَّنَ من قضاء الدين، أو يحكمَ الحاكم عليه بقضاء الدين من نصيبه من تلك العينِ المرهونةِ.

وحكم المؤجِّر أو المعيرِ فيما سلَّماه لاستخلاص تلك العينِ يكونُ على التفصيل السابق. وأما إذا كانت العين مما لا يمكن قِسْمَتُه فليس للمؤجِّر أوا لمعير أن يطالِبَا باستخلاص نصيبهما، إلَاّ إذا بذلا جميعَ الدين المتعلِّق بالعين، لأ، هما قد رضيا بِحَبْسِ العينِ إلى غايةٍ هي قضاءُ جميع الدَّين، أو قضاءُ ما يقابل نصيبَهما من العين، لكن بشرط عدم دخول النقص على المرتهنِ، ولا يتمُّ ذلك إلَاّ في مث لالصورة الأولى، لا في مثل هذه الصورة، لعدم إمكان القسمةِ.

البحث الثالثُ: سؤالُ السائلِ ـ كثر الله فوائده ـ عن إعسار المؤجِّرِ للعين، أو المعيرِ

(1) انظر "المغني"(8/ 451)، "المجموع"(12/ 323).

ص: 3970

لها للرهنِ مع إعسارِ الراهنِ، ولم يبقَ سوى تلك العين هل يجوزُ للحاكم أن يبيعَها لقضاء دين المرتهن؟

إلخ.

أقول: ليس له ذلك لأمرين:

الأول: أنه لا يحلُّ مالكُ المؤجِّرِ أو المعيرِ إلَاّ بطيبةٍ من نفسه وبرضائه، كما صرح بذلك الكتابُ العزيزُ، والسنةُ المطهرة، وهما لم تطب أنفسُهُما بذلك، ولا رَضِيَا به [3ب].

والثاني: أنهما إنما رضيا بِحَبْس العين فقط، ولم يحصلْ منهما الرِّضى بزيادةٍ على ذلك فضلاً عن إخراجها عن ملكهما إلَاّ في مثل صورة الاشتراك والتفويض الذي قدمنا ذِكْرَهَا وهي مسألةٌ أخرى غيرُ مسألةِ العينِ المؤجرة أو المُعارة للرَّهن. ومع هذا فقد ثبتَ في الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حديث (1) أبي هريرةَ أنه قال:"لا يغلقُ الرهنُ بما فيه" قال في النهاية (2): يقال: غلقَ الرهنُ غلوقًا إذا قي في يد المرتهن لا

(1) أخرجه الشافعي في "المسند"(2/ 164 رقم 568) والدارقطني (3/ 32 رقم 126) وقال: "هذا إسناد حسن متصل". والحاكم في "المستدرك"(2/ 51) والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 39) وابن حبان رقم (1123 ـ موارد).

قال ابن حجر في "بلوغ المرام" رقم (6/ 812) بتحقيقنا: أن رجاله ثقات إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله في "المراسيل" لأبي داود رقم (186). ورجاله ثقات رجال الصحيح، غير محمد بن ثور، وهو ثقة، وأخرجه البيهقي (6/ 40) من طريق أبي داود.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (15033) ومن طريقه الدارقطني (3/ 33) عن معمر به.

وأخرجه الطحاوي (4/ 102) من طريق أبي النعمان، عن سفيان، عن الزهري به وأخرجه الطحاوي (4/ 100) من طريق ابن وهب أنَّه سمع مالكًا ويونس وابن أبي ذئب يحدثون عن ابن شهاب. عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تغلقُ الرهن" وهو في "الموطأ"(2/ 728 رقم 13) من طريق ابن شهاب.

وأيضًا في "المراسيل" لأبي داود رقم (187) ورجاله ثقات رجال الشيخين.

(2)

(3/ 379).

ص: 3971

صاحبُه على تخليصه، والمعنى أنه لا يستحُّه المرتهن إذا لم يستفِكُّهُ صاحبُه، وكان هذا من فعل الجاهليةِ أن الراهنَ إذا لم يؤدِّ ما عليه في الوقت المعيَّنِ ملكَ المرتهنُ الرَّهنَ، فأبطله الإسلامُ. انتهى.

فإذا كان هذا حُكمُ الرهنِ الذي يرهنُه مالكُه في دين عليه، فكيفَ إذا لم يكنِ الرهنُ ملكًا للراهِن! بل كان مستأجرًا له، أو مستعيرًا! فإنه لا وجْهَ يقتضي غلاقَهُ، ويسوغُ إخراجَهُ عن ملك مالكهِ (1).

فإن قلت: قد ذكرتَ سابقًا أنَّه ثبت شرعًا ما يدلُّ على أن الحاكمَ يقضي دينَ المديون من ملكهِ الذي هو باقٍ تحتَ يده لم يخرجْ عنه إلى يد مَنْ له الدَّيْنُ كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم في قصَّة معاذ بن جبل، فكيف لا يجوزُ للحاكم أني قضيَ دينَ المديون من عينٍ قد سُلِّطَ صاحبُ الدين عليها بالرهن، وجعلها محبوسة في يده!.

قلت: هذا يتمُّ في الرهن المملوكِ للراهن الذي عليه الدينُ، ويكون ذلك مخصِّصًا لحديث: لا يغلقُ الرهنُ، لأنَّه عامٌّ؛ إذِ الفعلُ يتضمَّنُ النكرةَ، فهو في قوة الإغلاقِ للرهن، والنكرةُ في سياق النفي من صيغ العمومِ (2)، فيكون بيعُ الرهن للقضاء مخصَّصًا بهذا العموم، وصورة التخصيصِ.

أما الإعسارُ من الراهن، أو مطالبةُ الغرماءِ تضييقُهم كما وقع في قصة معاذٍ (3)، وأما إذا كان الرهن غيرَ مملوكٍ، بل مُسْتَأْجَرٌ، أو مستعارٌ، فلا وجْهَ لإخراجه عن ملك مالكه بحال من الأحوال، بل غايةُ ما هناك أنه يبقَى محبوسًا حتى يتمكَّن الراهنُ من القضاء، أو يتمكنَ صاحبُ العين من استخلاصِها بتسليم الدَّيْنِ.

وفي هذا المقدار كفايةٌ لمن له هدايةٌ. والله ولي التوفيق. بقلم المجيب محمدٍ الشوكاني ـ غفر الله له ـ.

(1) انظر "المغني"(8/ 450 - 458).

(2)

تقدم توضيح ذلك.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 3972