المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في الماء الكائن في المحلات المملوكة - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٨

[الشوكاني]

الفصل: ‌بحث في الماء الكائن في المحلات المملوكة

(124)

30/ 1

‌بحث في الماء الكائن في المحلات المملوكة

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 3893

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: "بحث في الماء الكائن في المحلات المملوكة".

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده. حفظكم الله وأمتع حياتكم وكثر فوائدكم ولا برحتم البحث النفيس

".

4 -

آخر الرسالة: "

وأستغفر الله لي وله وللمسلمين آمين تم البحث العظيم والحمد لله رب العالمين".

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 8 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 26 سطرًا ما عدا الصفحة الأولى فعدد الأسطر فيها 15 سطرًا والصفحة الأخيرة سطر واحد.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 3895

هذا الرسالة جواب عن بحث كتبه إليَّ القاضي محمد بن صالح بن أبي الرجال (1).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ وحدَه. حفظكم الله وأمتع حياتكم وكثَّر فوائدكم ولا برِحْتم، البحث النفيس وصل، وكنت عزمت على إمساك عِنان الأقلام، والكفِّ عن تطويل ذويل الكلام، خشية من أن يُفْضِي البحثُ إلى نوعِ من المراء المنهيِّ عنه المُرْشَدِ إلى خلافه.

يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن ترك المراء ولو مُحِقًّا"(2) الحديث.

ولكنْ لما كان تأسيس الصواب وتحقيق مناط الحق من أعظم مقاصد الطلاب حدا بي ذلك إلى مراجعتكم لا لقصد الرد لما حرّرتُم بل لقصد التنبيه لكم. وقبل التعرُّض للكلام على ذلك ينبغي أن يُعلَمَ أولاً أن استعمالَ آداب البحث (3) والمناظرة بين كل متناظرين أمر متحتمٌ، ولهذا ترى المباحثة إذ لم يكن ذلكالعلمُ ملحوظًا منها شبيهة بالعبث، فكثيرًا ما ترى مَن مقامُه المنع قائما في مقام الاستدلال، ومن مقامُه الاستدلالُ قائما في مقام المنع، ومن مقامُه النقض أو المعارضة قائما في مقام التصحيح من حيث لا يشعر، وكلُّ ذلك لإهمال ذلكا لعلم وعدم الالتفات إليه والاعتداد به. وكثيرًا ما يظن مَن لم يُراعِ ذلك حقّ المراعاةِ أنه قد أصاب، وأخطأ خصمُه أو أخطأ وأصاب خصمه، ولو عرف ذلك العلم لزال عنه ذلك الظنّ الفاسد.

(1) محمد بن صالح بن محمد بن أحمد بن صالح بن أبي الرجال ولد سنة 1146هـ وأخذ العلم عن جماعة من أعيان ذلك العصر. مهر في الأدب فنظم الشعر الفائق، وبالجملة فهو يتوقد ذكاء وفطنة، وحسن عشرة ومكارم أخلاق وعفة وصيانة وديانة وعلو همة ورياسة واطلاع تام على علم اللغة.

قال الشوكاني في "البدر الطالع" رقم (449) ويجري بيننا هنالك مذكرات أدبية ومحاضرات تاريخية ومن محاسنه أنَّه إذا رأى منكرًا استشاط غيظًا. توفي سنة 1234هـ.

" نيل الوطر "(2/ 268 - 274).

(2)

أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4800) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. وهو حديث حسن.

(3)

انظر "الكوكب المنير"(4/ 370 وما بعدها)، "الفقيه والمتفقه"(2/ 25 وما بعدها).

ص: 3899

إذا تقرر هذا فاعلم أنه إذا قام خصمك في مقام الاستدلال مثلا بدليل من السنة (1) اتّجه لك أن تقولَ: لا أُسلِّم صحة هذا الدليل أو تقول بعد تسليم الصحة: لا أُسلِّم [1] دلالته على المطلوب، فإن كان المنعُ الأولُ أو الثاني مُجرَّدين عن السند على خلاف في قبول المنع المجرَّد، فإذا قبل المستدِلُّ ذلك المنع المجرَّد وكان يرى قبوله لزمه أن يُبيِّنَ صِحَّة الدليل الممنوع صحتُه أو صحَّةَ دلالتِه على المطلوب الممنوع دلالته عليه، فإن وفى بذلك وإلا كانت الدائرة عليه.

وإن لم يقبل خَصْمُك ذلك المنع المجرّد كان عليك أن تُبيِّن منعَ صحة الدليل الواقعة منك، فتقول مثلاً: لأن رجال إسناده (2) أو أحدَهم لا تقوم به الحجةُ لكونه كذا وكذا أو لأن متْنه (3) لا تقوم به الحُجة لكونه كذا وكذا، وتبين منعُ دلالته على المطلوب فتقول

(1) إذا كان دليله من السنة فالاعتراض عليه من خمسة أوجه:

1 -

أن يطالبه بإسناد حديثه.

2 -

أن يقدح في إسناده.

3 -

أن يعترض على متنه.

4 -

أن يدعي نسخه.

5 -

أن يعارضه بخبر غيره.

ولكل وجه وجوه انظر تفصيلها في "الفقيه والمتفقه"(2/ 84 - 90).

(2)

القدح في الإسناد من وجوه:

1 -

أن يكون الراوي غير عدل.

2 -

أن يكون مجهولا.

3 -

أن يكون الحديث مرسلا.

(3)

الاعتراض على المتن فمن وجوه:

1 -

أن يكون المتن جوابًا عن سؤال، والسؤال مستقل بنفسه فيدعي المخالف قصده على السؤال.

2 -

أو أن يكون الجواب غير مستقل بنفسه ويكون مقصورًا على السؤال والسؤال عن فعلٍ خاصٍّ يحتمل موضع الخلاف وغيره، فيلزم السائل المسؤول التوقف فيه حتى يقوم الدليل على المراد به.

ص: 3900

لأن معناه لغةً كذا وهو غيرُ المُتنازع فيه.

هذا إذا استدل خصمُك مثلا بدليل من السنة. وإن استدل مثلاً بالإجماع (1) فتقول: لا أسلِّم الإجماعَ، وحينئذ يكون عليه بيانُ الإجماع وإلا كانت الدائرة عليه. وإذا أوردتَ أقوال العاملين بخلاف ما ادَّعى الإجماعَ عليه كان ذلك من باب بيان المنع والأخذ في المعارضة، فاعرِفْ أن نقْلَ أقوال القائلين إنما يُورِده المناظِر على من ادعى الإجماع، وأما من اعترف بالخلاف في محل النزاع فلا يليق بعارف أن يورد عليه أقوال الرجال لأنه أورَد عليه ما هو مُعترفٌ به.

نعم يُلحق بدعوى الإجماع دعوى إجماع أهل مذهبٍ من المذاهب أو طائفةٍ من الطوائف فإنه إذا اعترض عليه بنقل أقوال بعض أهل ذلك المذهب أو تلك الطائفة كان مقبولاً، وأما إذا أوردت َ الأقوال على من لم يدَّعِ أحدَ ذيْنَك الأمرَين فلا ريب أن نقلها نوعٌ من اللغو والعَبثِ الذي لا طائل تحته، بل هو مستنكرٌ عند مَن كان من صغار الطلبة ألا تراك لو سمعتَ قائلاً يقول: الإمامُ المهديُّ يقول بوجوب الاعتدال بين السجدتين فعند ذلك سمعت آخر يقول له: أخطأتَ قد يقول بوجوب الاعتدالِ مثلا الناصر ـ أما كنتَ تعُدُّ هذا من النوادر المضْحكة لا من المسائل العلمية! إذا تقرَّر هذا فلا يُنكِر القاضي العزّي عافاه الله أني لم أدَّع الإجماع على ما حرَّرتُه في المسألة حتى يرد عليّ ما أورَده من النقول عن أولئك الأعلام وكيف يدّعي ذلك في مسألة الماء التي هي محلُّ النزاع وهذا الإمام الأكبر المهديُّ لدين الله رضي الله عنه يقول في بحره الزخّار (2) ما لفظُه:

فصلٌ: ومن احتفر بئرًا أو نهرًا فهو أحقُّ بمائه إجماعًا (3) فرع (ع ط م قين ك)(4) فهو حقٌّ لا مُلْكٌ فليس له منعُ فضْلتِه، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"الناس شركاء في ثلاثة"(5) الخبر بعض (ها)(6) بل ملك لكن عليه بذلُ الفضْلة للماشية. والكلأ لينبت والوضوء والغسل [2] وإزالة نجاسةِ الثياب وغيرها، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"من منع فضْلَ الماء إلخ"(7) ثم قال في موضع آخرَ (8): مسألة: والماءُ على أضرب حق إجماعًا كالأنهار غير المستخْرَجة والسيول وملك إجماعًا ماء يحرز في الجرار (9)، ومُختلفٌ فيه كماء الآبار والعيونِ والقناة المحتفرةِ في الملك (م ع ط قين) (10) حق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"الناس شركاء في ثلاثة"(11) ولم يفصّل إلا ما خصه الإجماعُ كماء الجرار فمن أخذ منه شيئًا ملَكه لكن يأثم الداخلُ بغير رضاه إذا العرصة ملكُه (قم ي بعصش)(12) بل ملكه لكونه في ملكه كماء الجرة.

قلنا: ماء الجرة نقل وإحراز لا هذا فأشبه السيول انتهى.

ثم قال مسألة: وأما البِرَاكُ التي تُحفَر في المُلْك أو يجر إليها ماء مباح فماؤُها حقٌّ لكن

(1) إنْ كان دليله الإجماع فإنَّ الاعتراض عليه من ثلاثة أوجه:

1 -

أن يطالب بظهور القول لكل مجتهد من الصحابة.

2 -

أن يبين ظهور خلاف بعض الصحابة.

3 -

أن يعترض على قول المجمعين، إن لم يكونوا صرحوا بالحكم بمثل ما يعترض على لفظ السُّنة "الفقيه والمتفقه"(2/ 90 - 94).

(2)

(3/ 99 - 100).

(3)

في "البحر" وإن بعدت منه أراضيه وتسط غيرها.

(4)

ع: أبو العباس، ط: أبو طالب، م: المؤيد بالله. قين: الحنفية والشافعية. ك: مالك.

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

ها: الهادي.

(7)

تقدم تخريجه.

(8)

(3/ 102).

(9)

ونحوها (ي) فإن كان يكال أو يوزن في الجهة فمثلي وإلا فقيمي. (ي): الإمام يحيى.

(10)

انظر التعليقة رقم (2) في هذه الصفحة.

(11)

تقدم تخريجه.

(12)

قم: أحد قولي أبي طالب. ي: الإمام يحيى. بعصش: بعض أصحاب الشافعي.

ص: 3901

لا يدخلُ إلا بإذن إلخ.

وقال في البيان (1): مسألة: والماءُ على ثلاثة أقسام ثم قال: الثالثُ ماءُ العيونِ المسخرجةِ والآبارِ والمناهلِ المملوكة والمسبلةِ والأراضي المملوكةِ ثم ساق الخلافَ بعد ذلك حتى قال (فرْعٌ) فلو نبعَتْ عينٌ في موضع ممْلوكٍ، فالأقربُ إن ما يخرج منها يكون هكذا على الخلاف إلخ.

دعْ عنك ذكْرَ الخلافِ في البحر الذي هو مُدَرِّسُ كبارِ الطلبةِ، والبيانَ الذي هو مدرَّسُ المتوسّطين منهم، هذا شرحُ الأزهارِ (2) الذي هو مُدَرَّسُ صغارِ الطلبةِ ذكر فيه الثلاثةَ الأقسامَ وقال في ماء الآبار والعيونِ المستخرجةِ أنه حقٌّ عند أبي طالب وأبي العباس للمذهب، وهو قولُ أبي حنيفةَ والمنصورِ بالله وبعض أصحاب الشافعيِّ وآخر قولي المؤيد بالله، وعند بعضِ أصحابِ الشافعيِّ والمؤيَّدِ بالله قديمًا أنه مُلْكٌ، هكذا ساق الخلافَ، وكما أني لم أدَّعِ الإجماعَ مطلقًا لم أدَّعِ أنه إجماعُ العِترةِ الطاهرةِ وأتباعِهم حتى يتوجَّه في المناظرة أن يُقالَ: قال فلانٌ منهم كذا وقال فلانٌ منهم كذا إنما الذي عرَّفْتُ القاضيَ عافاه الله به أنه لا يحلّ تحميلَ أهلِ عافش غرامةَ ما تدّعيه عليهم القضاةُ إلى أبي الرجال وأنه غيرُ مطابقٍ لما تقرَّرَتْ عليه قواعدُ المذهبِ الشريف ولا لما قامت عليه الأدلةُ، ثم خيَّرت القاضيَ أطالا لله بقاءه بين أن يناظِرَ على مُقتضَى المذهبِ أو على مقتضى الدليل فحرَّر كثَّر الله فوائده ما لا يُقابِلُ بمثله إلا من ادّعى خلافَ الإجماعِ، وأين ذلك مما نحن بصدده فإنه لا يصلُح في جواب ما رسَمتُه له إلا أن يقولَ صدَّرتُ إليكم أبحاثًا على مقتضى الدليلِ يخالف ما زعمتم من عدم الجوازِ وعدم لزوم الضمان لمتلف ذلك الماء، أو يقول صدَّرْتُ إليكم أبحاثًا يقتضي أن المذهبَ المقرّرَ المعروفَ المعمولَ به الآن مصرِّحٌ بثبوت الغرامةِ [3] على مُتلف ذلك الماء، وكلُّ عارفٍ يعلم أنه لا يحسن في جواب ما

(1) انظر "مؤلفات الزيدية"(1/ 222) وقد تقدم.

(2)

(2/ 810 - 814 السيل الجرار).

ص: 3903

رسمتُه إلا هذا لا مجرَّد القول. وينبغي أن نبيِّن للقاضي عافاه الله ما هو المذهبُ، فإنه ربما وقع الخروجُ عن البحث لأجل عدمِ استحضارِ ذلك فنقول كان المذهبُ الشريفُ في اصطلاح القدماء عبارة عن نصوص الإمام الأكبر الهادي إلى الحق سلام الله عليه ثم في اصطلاح مَن بعدَهم ما اتفق عليه أبو العباس وأبو طالب والقاضي زيدٌ، وعند بعضِهم أن الثالثَ المؤيدُ بالله ثم في اصطلاح مَن بعدَهم ما رجَّحه صاحبُ اللُّمَعِ والتذكرة، وهذا هوا لذي يُشير إليه الإمامُ المهديُّ في مؤلفاته بالمذهب ثم في اصطلاح مَن بعدهم ما نصّ عليه الأزهارُ وقرَّره صاحبُ البيانِ، ثم ومع الإطلاق على ما رجَّحه مهذّبوا المذهبِ كالمُفتي والشامي والسَّحولي والقاضي عامر المُقبلي، وآخر من له تقرير للمذهب وترجيح أحسنُ بن أحمد الشبيبي (1)

والكافةُ من علماء ذمار الآن يجعلون المذهب ما قرَّره، وكذلك غالبُ علماء صنعاءَ وهو شيخُ شيوخي وهو يروي ذلك عن السيد صلاح عن جيشي الكُحلاني عن جيّاش عن إبراهيمَ السَّحولي وهو يرويه حسبما حرَّره في الطراز المعروف فإذا أطلق المذهب في هذه الأعصارِ، وربما وقع خلافٌ في بعض الحالاتِ ما بين تقريرِ مشائخ علماء صنعاء وعلماء ذمار وعلماء صعْدَة وعلماء كُحْلانَ ولكن هي مواضعُ مخصوصةٌ معروفةٌ عند المحقِّقين من الفروعيين ولا أعلم الآن خلافًا بين أهلِ هذه المحلات في أن الماء المُستخرجَ من مُلك كالغيول المملوكة والآبار المملوكة حقٌ من الحقوق التي لا يجوز بيعُها ولا تلزمَ الغرامةُ مَن أتلفها ولو عُرض هذا على جميعَ مَن له معرفةٌ بالمذهب لما وسِعَه إلا الاعترافُ بالاتفاق وعدمُ الاختلاف، ولكن كثيرًا من المشتغلين بالفروع يعرِف من المذهب الاسمَ دون المُسمَّى فينظر القاضي أطالَ الله بقاءه هل يصحُّ شيء منها للمباحثة في الاجتهاد والاستدلال، وهو الحكمُ؟ وغايةُ ما رأيتُه يعوّل عليها عافاه الله هو إدراجُ الماء المتنازعِ فيه في أنه في حكم المنقولِ المحروز.

(1) تقدمت ترجمته.

ص: 3904

وأقول: إنْ كان هذا الإدراجُ على مقتضى المذهبِ فغيرُ صحيحٍ فقد قدمنا من كلام البحرِ (1) والبيان (2) والأزهارُ (3) وشرحِه ما يتّضح به تفسيرُ ما في حكم النقل والإحراز، وكيف يصِحّ ذلك وهذا الأزهارُ (4) يقول [4] ولو مستخرجًا من مُلك بعد قوله يُملك الماء بالنقل والإحراز وما في حكمها، فهل يصح تفسيرُ المستخرَجِ من المُلك بأنه الذي في حكمها في عبارة الأزهارِ، وهل ذلك يؤدي إلى المناقضة في كلام الأزهارِ إذ لا شك أن الذي في حكم المنقول المُحْرَزِ ملكٌ لا حَقٌّ.

وقولُه: ولو مستخرجًا في سياق الحقِّ لا يُملك.

فإن قلت: فما هو الذي في حكم النقلِ والإحراز.

قلتُ: هو ما وقع التفسيرُ به في كلام أهلِ المذهبِ وذلك كمواجل الحصونِ والبيوتِ ولكن يشرط أن تكونَ ممنوعةً كما وقع التقييدُ بذلك في كلامهم حتى إنه وقع في الحواشي املنقولِ تقريرُها عن شيوخ المذهبِ أن ماءَ البئرِ التي في الدار حقٌّ وقد صرّح به شرح الأزهار بل نقل إبراهيمُ السَّحولي عن والده: أن ماءَ الجرَّةِ الموضوعةِ تحت الميزاب حقٌّ مع أنه قد خالف في مواجل الحصونِ والبيوتِ الممنوعةِ جماعةٌ من مشائخ المذهبِ فهذا تقريرُ المذهبِ إن كانالقاضي حماه الله يريد المناظرةَ على وَفْقه، وإن كان يريد المناظرةَ على وفق الاجتهاد فنقول: حديثُ: "الناسُ شركاءُ في ثلاث"(5) وأحاديثُ (6) النهي عن بيع الماء تدل على المنع فإذا المعارضُ لهذه الأحاديث أو الناسخُ لها أو المخصِّصُ لها ولنتبرع بما سيجده القاضي بعد البحثِ تقريبًا له فنقول: لا معارض لذلك إلا محْضُ

(1)(3/ 99 - 100، 103).

(2)

تقدم التعريف.

(3)

(2/ 810 مع السيل الجرار).

(4)

(2/ 810 مع السيل الجرار).

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

تقدم ذكرها.

ص: 3905

القياسِ على الصيد الواقعِ في الحفيرة أو الشبكةِ ولم يعوّل القائلُ بخلاف المذهب الأعلى ذلك لا غيرُ وليس غير. وهذا القياسُ أولاً يرِد عليه من الاعتراضات التي ترِد على مثله كما تقرر في علم الأُصولِ ما يُبْطِلُه وعلى فرض عدم البُطلانِ فهو مصادم للنص، والأقيسَةُ إذا صادمت النصوص (1) وجب اطّراحُها وعدمُ الاعتداد بها كما تقرر في الأصول (2)، وعلى فرض جوازِ التخصيص (3) بالقياس وتسليمِ أن هذا القياسَ صالحٌ للتخصيص فغايةُ ما هناك عدمُ جوازِ الأخذِ، وليس النزاع إلاّ في الضمان، وقد تكلَّم أئمةُ المذهبِ في هذا بما يشفي ويكفي.

قال في المعيار للنَّجري في الاستدلال على أنه يُملك الماءُ بالنقل (4) والإحرازِ ما لفظُهُ:

(1) تقدم ذكرها.

(2)

انظر شروط صحة القياس "إرشاد الفحول"(ص678 - 686)، "تيسير التحرير"(3/ 276)، "جمع الجوامع"(2/ 222).

(3)

ذهب الجمهور إلى جوازه وقال الرازي في "المحصول"(3/ 96): وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك وأبي الحسين البصري والأشعري وأبي هاشم أخيرًا.

وذهب أبو علي الجبّائي إلى المنع مطلقًا.

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص528): والحقُّ الحقيق بالقبول أنّه يخصص بالقياس الجليِّ لأنّه معمول به لقوة دلالته وبلوغها إلى حد يوازِن النُّصوص وكذلك يخصص بما كان علته منصوصة أو مجمعًا عليها، وأما العلة المنصوصة فالقياس الكائن بها في قوة النصِّ وأما العلة المجمع عليها فلكون الإجماع قد دل دليل مجمع عليه، وما عدا هذه الثلاثة أنواع من القياس فلم تقم الحجة بما لعمل به من أصله.

انظر مزيد تفصيل: "البحر المحيط"(3/ 381)"الإحكام" للآمدي (2/ 362)، "المستصفى"(3/ 349).

(4)

روى أبو عبيد في "الأموال"(ص302) أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه.

قال ابن قدامة في "المغني"(6/ 147): وعلى ذلك مضت العادةُ في الأمصار ببيع الماء في الرّوايا، والحطب، والكلأ من غير نكير وليس لأحد أن يشرب منه ولا يتوضأ، ولا يأخذ إلا بإذن مالكه.

وكذلك لو وقف على بئره، أو بئر مباح فاستقى بدلوه، أو بدولابٍ أو نحوه فما يرقِّيه من الماء ملكه، وله بيعه لأنه ملكه بأخذه في إنائه.

قال أحمد: إنّما نُهي عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراه.

وقال ابن قدامة (6/ 146): وأما ما يحوزه من الماء في إنائه أو يأخذه من الكلأ في حبله أو يحوزه في رحله، أو يأخذ من المعادن فإنه يملكه بذلك، وله بيعه بلا خلاف بين أهل العلم.

ص: 3906

وذلك لأنه قد يعارض في مُلكه العمومُ الذي هو قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: "الناسُ شركاءُ في ثلاثة"(1) والقياسُ على الصيد الواقع في الحفيرة أو الشبكة فقال: جماعةٌ: يُخصَّصُ العمومُ بالقياس (2) كما تقرر في علم الأصولِ فيكون ذلك الماءُ مملوكًا، وقال الجمهورُ: بل يُرفَض القياسُ لمصادمته النصَّ وليس من تقديمِ العمومِ على القياس. وحقيقةُ أن الشركة في الماء التي قصدها الشارعُ في الحديث إما أن يكونَ قبل وجود سبب مُلكِه وهو لا يصلُحُ مقصودًا لذاته لأن ذلك معلومٌ من [5] العقل وإنما بعث لتعريف الأحكام الشرعيةِ أو بعد وجود السببِ وتأثيره في الملك، فذلك أيضًا لا يصلُح للإجماع على أنه لا شركَةَ بعد المُلكِ لأنها خلافُ مقتضى المُلك فلم يبقَِ إلا أن يُريدَ بعد وجودِ السببش فيكونُ الشارعُ مُعرِّفًا لنا أن السبب وإن وُجد لا يوجب المُلكَ لكن خرَجَ ما إذا كان بعد النقل والإحرازش بالإجماع فبقيَ حيث كان الإحرازُ فقط إذ لو أخرجناه لبقيَ النصّث غيرَ معمولٍ به أصلاً انتهى كلامُه.

وفيه من القدح على دعوى التخصيصِ بذلك القياسِ ما يكفي وحاصلُهُ أن المخصَّصَ إذا أفضى إلى حد الاستغراق لم يبْقَ من باب التخصيصِ بل من باب النسخِ وهو يجوِّز النسخَ (3) بالقياس وهذا معلومٌ معروفٌ في الأصول فليُراجِع القاضي حرسَه الله بين الكتب

(1) تقدم تخريجه مرارًا.

(2)

انظر كلام الشوكاني وقد تقدم.

(3)

ذهب الجمهور إلى أنّ القياس لا يكون ناسخًا ونقله القاضي أبو بكر في "التقريب" عن الفقهاء والأصوليين قالوا: لا يجوز نسخ شيء من القرآن والسنة بالقياس لأن القياس يستعمل مع عدم النصِّ فلا يجوز أن ينسخ النصُّ ولأنه دليل محتملٌ والنسخ يكون بأمر مقطوعٍ ولأن شرط القياس أن لا يكون في الأصول ما يخالفه ولأنه عارض نصًّا أو إجماعًا فالقياس فاسد الوضع.

انظر: "المسودة"(ص216)، "الكوكب المنير"(3/ 571)، "البحر المحيط"(4/ 131).

ص: 3907

الأصولية ليتَّضح له الصواب، أو يباحث عن ذلك مَن لديه علمٌ بها ولْيتخيَّر عافاه الله لذلك من يعرف ما يقول ويُقال له كالرجل الذي باحثَه ونقل جوابَه، فإن ذلك كلامٌ ليس من العِرْفان في شيء، بل مفصول عن الطّلاوة العلمية بالمرة مع غلاظةٍ وخشونةٍ في الألفاظ هي الباعثة لتحرير هذه الأحرف فيالله [أُلُوَّه] (1)! أيقولُ في عنوان جوابه: المسألةُ ظاهرةٌ مشكوفةٌ في كتب الفروع وليست من المسائل الغامضة التي بحث عنها ويراجع فيها العلماء إلخ.

فنقول: كم مدّعٍ للطهور قبل أن يعرِفَ الماهيَّة والكيفية فلله درُّك إلى أي نسبةٍ تنسُب هذه الظهور هل إلى كون المسألة في الفروع فهذا لا يجهَلُه أحد ولم تسأل عنه، أم كونُ فيها خلافٌ فكذلك ليس هو محلُّ النزاعِ أم حيث الدليلُ فلستَ فيما أظن ممن يعرف منه لا حقيرًا ولا قطميرًا. ألا تراك تقول في أثناء الجوابِ إن حديث النهي عن بيع الماء إنْ صحَّ (2) مهجورُ الظاهرِ فهذه العبارةُ تدل على ..................................

(1) كلمة غير واضحة في المخطوط.

(2)

كيف هذا.

- وقد أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2353) ومسلم رقم (36/ 1566) والترمذي رقم (1272) وابن ماجه رقم (2478) وابن الجارود رقم (596) وأحمد (2/ 244) ومالك في "الموطأ"(2/ 744 رقم 29) والحميدي (2/ 477 رقم 1124) والبغوي في "شرح السنة"(6/ 168 رقم 1668) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ".

-

وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (38/ 1566) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ".

- وفي لفظ البخاري رقم (2354): "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ".

- وأخرج أحمد (6/ 139) وابن ماجه رقم (2479) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمنع نقعُ البئر". وهو حديث صحيح لغيره.

- وأخرج أحمد (2/ 183) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله عز وجل فضله يوم القيامة". وهو حديث صحيح لغيره.

- وأخرج مسلم في صحيحه رقم (34/ 1565) من حديث جابر: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء".

- وأخرجه أبو داود رقم (3478) والنسائي رقم (7/ 307) والترمذي رقم (1271) من حديث إياس بن عبد وقد ورد بزيادة: "الملح".

- وأخرجه ابن ماجه رقم (3477) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع الماءُ والنار والكلأ". وهو حديث صحيح.

ص: 3908

تردُّدك (1) في صحَّة الحديثِ ولا سيما مع التعبير بلفظ إنْ الموضوعةِ للشك كما تقرر في علم المعاني والبيان.

فيالله العجبُ، هذا الحديثُ قد تكاثرت طرقُه حتى بلغ فيما أظن إلى حد التواترُ المعنويّ وهو مدوَّنٌ في غالب الكتُبِ الحديثية صحاحِها ومسانيدِها ومجاميعها وهو في كتب العِتْرةِ الكرامِ في غير كتابِ، وما أظنّ من له سماعٌ في مختصر من مختصرات الحديثِ يتردَّد في صحة هذا الحديث ويأتي بمثل تلك العبارة المُشعِرة بعدم الاطلاع على ذلك الفنِّ بالمرة ثم أعجبُ من هذا قولُك أنه مهجورُ الظاهرِ (2)، وهجرُ الظاهرِ باتفاق أهل العلم لا يكون إلا لموجب، فما هو الموجب؟ ثم أعجب من الجميع قولُك بعد ذلك كما لا يخفى مع أنه أخْفى السُّها (3) بل لا أدري إلى الآن ما موجبُ هجْر هذا الظاهر [6] على أني

(1) الحديث صحيح: انظر التعليقة السابقة.

وانظر الرسالة رقم (111).

(2)

الظاهر: قال الغزالي في "المستصفى"(3/ 84 - 85): هو المتردد بين أمرين وهو في أحدهما أظهر. وقيل: هو ما دل على معنى مع قبوله لإفادة غيره إفادة مرجوحةً. فاندرج تحته ما دل على المجاز الراجح.

وقيل: ما دل دلالة ظنيَّة إما بالوضع كالأسد للسبع المفترس، أو العرف كالغائط للخارج المستقذَر إذا غلب فيه بعد أن كان في الأصل للماكن المطمئنِّ من الأرض.

انظر: "المسودة"(ص574)، "تيسير التحرير"(1/ 136).

(3)

السُّها: كُويكِبٌ صغير خفيُّ الضوء في بنات نعش الكبرى والناس يمتحنون به أبصارهم. "لسان العرب"(6/ 416).

ص: 3909

كما قيل:

وقد درتُ في تلك المعاهد كلها

وسرَّحتُ طرفي بين تلك المعالم (1)

فإن قلت: ليس الظهور الذي زعمتَه إلا من حيثية المذهبِ كما دل على ذلك قولُك وليس الخوضُ إلا فيما نصّ عليه أئمةُ المذهب الشريفِ.

فأقول: نعم ليس النزاعُ إلا في المذهب، ولكن ماذا أفدتَ أفادا لله بك فإنك لم تأت إلا بما يدُلّ على عدم تعقُّل مَحلَّ النزاعِ أصلاً لأنك قلتَ: إن الماءَ يُملك بالنقل والإحرازِ وهو غيرُ محلّ النزاعِ، ولعل سائلَك لا يخفى عليه هذا فإن النزاعَ بيني وبينه ليس إلا في اندراج ما وقع الخوضُ فيه في حكمِ النقلِ والإحرازِ أو عدمِ اندراجِه، فما لنا وللنقل والإحراز. ثم قلت: وكون الآبارِ وسواقي الأنهارِ شاهدةً لذلك.

فيالله العجب حيث يتصدر للإفتاء من كان بهذه المنزلة وأين هذا مما نحن فيه وما معنى هذه الشهادة فإن الكوزَ والسواقيَ المملوكة لا خلاف بيني وبين سائلك أنها مملوكةٌ ولا نزاع بيننا فيها ولا ملازمة به بين مُلكِها ومُلْكِ الماء الحالِّ فيها والجاري عليها لا عقْلاً ولا شرعًا ولا عادةً بإجماع العُقلاء ثم قال: وعلى ذلك مضت عادةُ المسلمين.

أقول: أيها المجيبُ إلى ماذا أشهدتَ بقولك ذلك؟ هل إلى مُلك الماء بالنقل والإحرازِ فذلك خارجٌ عما سألتَ عنه أم إلى شهادة الكوزِ والسواقي فما معنى هذه الشهادة وما معنى كونها مصبّ العُرف والعادة؟

وقولُك: فهو إجماعُ السلف والخلف في صحة تلك فإلى أين يا أبا ليلى وكم هذه

(1) هو لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنة 548هـ وقال بعده:

فلم أر إلا واضعًا كفَّ حائر

على ذقن أو قارئ مِنّ نادم

انظر: "نهاية الإقدام"(ص3)، "الفتوى الحموية" لابن تيمية (ص7)، "الملل والنحل"(1/ 173).

ص: 3910

الجُرأة على حكاية الإجماع فانظُر رعاك الله في مختصر من مختصرات الفقه لتعرف مقدار ما تحمَّلْت. وهكذا فليكم الكلامُ المفيدُ ثم يُغنيك عن القَعقعة [ببسط](1) أخصَرُ كتاب، وعن كمال الاطلاعِ الذي جعلْتَه ثلْبًا لخصمك وتبجحًا لعلمك أحقرُ الاطّلاع.

وأعجبُ من هذا كلِّه الاستدلالُ بالتصرف بالماء في أنواع القُرَبِ، فيا أيها المسكين لا ملازَمَة بين الأمرين فإنه يصِحُّ التقرُّبُ بما لا يصِحّ بيعُه ولا تجب غرامته بإجماع المسلمين كالحقوق (2) والثَّمر قبل نفْعِه ودور مكة (3) ونحوِ ذلك فما بلنا ولهذا، أو لِنُمْسِكْ

(1) كلمة غير واضحة ولعلها ما أثبتناه.

(2)

انظر "الحاوي"(6/ 473).

الخلاصة:

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/ 176) أمَّا النَّهي عن بيع فضل الماء ليمنع بها الكلأ، فمعناه أن تكون لإنسان بئر مملوكة له بالفلاة وفيها ماء فاضل عن حاجته، ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذه افلا يمكن أصحاب المواشي رَعْيه إلَاّ إذا حصل لهم السقي من هذه البئر، فيحرُم عليه منع فضل هذا الماء للماشية، ويجب بذله بلا عوض، لأنّه إذا منعَ بذله امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ خوفًا على مواشيهم من العطش ويكون بمنعه الماء مانعًا من رعي الكلأ.

ثم قال: والمذهب الصحيح أنّ من نبع في ملكه ماءٌ صار مملوكًَا له. أما إذا أخذ الماء في إناء من الماء المباح؛ فإنّه يملكه، هذا هو الصواب وقد نقل الإجماع عليه.

وجاء في كتاب: "كفاية الأخيار"(ص 363 - 364).

واعلم أن الماء قسمين:

1 -

ما نبع في موضع لا يختص بأحدٍ، ولا صنع لآدميٍّ في أنباطه، وإجرائه، كالفرات وجيحون وعيون الجبال وسيول الأمطار، فالناس فيها سواء، نعم، إن قلّ الماءُ أو ضاق المشرع قدم على السابق، وإن كان ضعيفًا، لقضاء الشرع بذلك، فإن جاءوا معًا أقرع، فإن جاء واحدٌ يريد السّضقي وهناك محتاج للشرب، فالذي يشرب أولى، قاله (المتولي) ومن أخذ منه شيئًا في إناء أو حوض ملكه، ولم يكن لغيره مزاحمته فيه، كما لو احتطب، هذا هوا لصحيح. الذي قطع به الجمهور والله أعلم.

2 -

المياه المختّصة، كالآبار والقنوات، فإذا حفر الشخص بئرًا في ملكه فهل يكون ماؤها ملكًا؟ وجهان: أصحها نعم، لأنَّه نماء ملكه، فأشبه ثمر شجرته، وكمعدن ذهب أو فضة خرج في ملكه وقد نصَّ الشافعي رحمه الله على هذا في غير موضع، فعلى هذا ليس لأحدٍ أن يأخذه، لو خرج عن ملكه، لأنَّه ملكه فأشبه لبن شاته.

انظر: "الأم"(8/ 127). "مغني المحتاج"(2/ 375).

وقيل: إن الماء لا يُملك لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار" والمذهب الأول.

والحديث على وجهين لا يجب على صاحب البئر بذل ما فضل عن حاجته لزرع غيره على الصحيح. ويجب بذله للماشية على الصحيح. ففي الصحيحين: "

لا تنمعوا فضل الماء لتمنعوا الكلأ" والفرق بين الماشية والزرع ونحوه حرمة الروح، بدليل وجوب سقيها بخلاف الزرع ثم لوجوب البذل شروط:

1 -

أن يَفْضُل عن حاجته، فإن لم يفضل لم يجب، ويبدأ بنفسه.

2 -

أن يحتاج إليه صاحبالماشية بألا يجد ماءً مباحًا.

3 -

أن يكون هناك ملأ يُرعى، ولا يمكن رعيه إلا بسقي الماء.

4 -

أن يكون الماء في مستقره، وهو مما يُستَخْلف، فأما إذا أخذه في الإناء فلا يجب بذله على الصحيح. وإذا وجب البذل عن الماشية من حضور البئر، بشرط أن لا يتضرَّر صاحب الماء في زرع أو ماشية، فإن تضرَّر بورودها مُنعتْ، ويستقي الرعاة لها.

قاله الماوردي: وإذا وجب البذل فهل يجوز له أن يأخذ عليه عوضًا، كطعام المضطر؟ وجهان: الصحيح: لا.

(3)

انظر "الحاوي"(6/ 473).

الخلاصة:

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/ 176) أمَّا النَّهي عن بيع فضل الماء ليمنع بها الكلأ، فمعناه أن تكون لإنسان بئر مملوكة له بالفلاة وفيها ماء فاضل عن حاجته، ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذه افلا يمكن أصحاب المواشي رَعْيه إلَاّ إذا حصل لهم السقي من هذه البئر، فيحرُم عليه منع فضل هذا الماء للماشية، ويجب بذله بلا عوض، لأنّه إذا منعَ بذله امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ خوفًا على مواشيهم من العطش ويكون بمنعه الماء مانعًا من رعي الكلأ.

ثم قال: والمذهب الصحيح أنّ من نبع في ملكه ماءٌ صار مملوكًَا له. أما إذا أخذ الماء في إناء من الماء المباح؛ فإنّه يملكه، هذا هو الصواب وقد نقل الإجماع عليه.

وجاء في كتاب: "كفاية الأخيار"(ص 363 - 364).

واعلم أن الماء قسمين:

1 -

ما نبع في موضع لا يختص بأحدٍ، ولا صنع لآدميٍّ في أنباطه، وإجرائه، كالفرات وجيحون وعيون الجبال وسيول الأمطار، فالناس فيها سواء، نعم، إن قلّ الماءُ أو ضاق المشرع قدم على السابق، وإن كان ضعيفًا، لقضاء الشرع بذلك، فإن جاءوا معًا أقرع، فإن جاء واحدٌ يريد السّضقي وهناك محتاج للشرب، فالذي يشرب أولى، قاله (المتولي) ومن أخذ منه شيئًا في إناء أو حوض ملكه، ولم يكن لغيره مزاحمته فيه، كما لو احتطب، هذا هوا لصحيح. الذي قطع به الجمهور والله أعلم.

2 -

المياه المختّصة، كالآبار والقنوات، فإذا حفر الشخص بئرًا في ملكه فهل يكون ماؤها ملكًا؟ وجهان: أصحها نعم، لأنَّه نماء ملكه، فأشبه ثمر شجرته، وكمعدن ذهب أو فضة خرج في ملكه وقد نصَّ الشافعي رحمه الله على هذا في غير موضع، فعلى هذا ليس لأحدٍ أن يأخذه، لو خرج عن ملكه، لأنَّه ملكه فأشبه لبن شاته.

انظر: "الأم"(8/ 127). "مغني المحتاج"(2/ 375).

وقيل: إن الماء لا يُملك لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار" والمذهب الأول.

والحديث على وجهين لا يجب على صاحب البئر بذل ما فضل عن حاجته لزرع غيره على الصحيح. ويجب بذله للماشية على الصحيح. ففي الصحيحين:

" لا تنمعوا فضل الماء لتمنعوا الكلأ " والفرق بين الماشية والزرع ونحوه حرمة الروح، بدليل وجوب سقيها بخلاف الزرع ثم لوجوب البذل شروط:

1 -

أن يَفْضُل عن حاجته، فإن لم يفضل لم يجب، ويبدأ بنفسه.

2 -

أن يحتاج إليه صاحبالماشية بألا يجد ماءً مباحًا.

3 -

أن يكون هناك ملأ يُرعى، ولا يمكن رعيه إلا بسقي الماء.

4 -

أن يكون الماء في مستقره، وهو مما يُستَخْلف، فأما إذا أخذه في الإناء فلا يجب بذله على الصحيح. وإذا وجب البذل عن الماشية من حضور البئر، بشرط أن لا يتضرَّر صاحب الماء في زرع أو ماشية، فإن تضرَّر بورودها مُنعتْ، ويستقي الرعاة لها.

قاله الماوردي: وإذا وجب البذل فهل يجوز له أن يأخذ عليه عوضًا، كطعام المضطر؟ وجهان: الصحيح: لا.

ص: 3911

عنّا القلمَ عن الخوض مع من كان بهذه المنزلة، فإنه لا يستحق أن يُعدّ في المتعلمين فضلاً عن المُعلَّمين ومَن يصلح للمناظرة، وقد جعل اللهُ القاضيَ العزّي عافاه الله في غَناء عن أن يسأل مثل هذا المسكين فإنه ربُّ الذهب والوقّاد والفهْم المُنقاد، وما أفاد ذلك المسكينُ إلا تكديرَ صفْوِ المُذاكرة وتقدير مَورد المناظرة [7] وأستغفر الله لي وله وللمسلمين آمينَ. تم البحثُ العظيم والحمدُ لله رب العالمين.

ص: 3912