المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٨

[الشوكاني]

الفصل: ‌البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر

(135)

47/ 2

‌البحثُ المُسْفِر عن تَحْريم كُل مُسْكِر ومُفْتِر

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حقَّقه وعلَّق عليه وخرّج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 4177

وصف المخطوط: (أ)

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر.

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: "لفظ سؤال إلى القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني.

4 -

آخر الرسالة: "غفر الله لهما في شهر ربيع الأول سنة 1209هـ وتاريخ النقل في شهر جمادى الأولى سنة 1327".

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 11 صفحة.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 30 سطرًا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 4179

وصف المخطوط: (ب)

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر.

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم ما يقول سيدنا وشيخنا مجدد العصر الحايز بعلمه الدليل كل الفخر، العالم النحرير البدر المنير أمدّه الله بالتوفيق .....

4 -

آخر الرسالة: "مما لا ينبغي أن يقع فيه خلاف بين أهل العلم.

كمل من تحرير المجيب القاضي العمدة بدر العلماء الراسخين عزُّ الإسلام والدين محمد بن علي الشوكاني حفظه الله وأدام لنا في أيامه، إنَّه على كل شيء قدير، وحرّر الجواب في شهر ربيع آخر سنة 1209هـ.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 10 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 26 سطرًا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 16 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 4182

وصف المخطوط: (ج)

1 -

عنوان الرسالة من المخطوط: البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر.

2 -

موضوع الرسالة: "فقه".

3 -

أول الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم وبه الإعانة والتوفيق ما يقول سيدنا وشيخنا مجدد العصر الحايز بعلمه الدليل كل الفخر العالم النحرير البدر المنير آمين.

4 -

آخر الرسالة: حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني غفر الله له، في شهر ربيعة الأول سنة (1209هـ).

انتهى بلفظه، وحرره الناقل في شهر القعدة سنة (1294هـ).

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: 9 صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: 33 سطرًا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: 20 كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الثاني من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 4185

"لفظ سؤال القاضي العلامة محمد علي الشوكاني. لفظه".

[بسم الله الرحمن الرحيم](1)

[وبه الإعانة والتوفيق](2)

ما يقول سيدُنا وشيخُنا مجدِّدُ العصرِ والحائزُ بعلم الدليل كلّ الفخر، العالم النحرير، [و](3) البدرُ المنير ـ أمده الله بالتوفيق، وسلك به أوضحَ الطريق ـ في الزعفران والجوز الهنديّ ونوعٍ من القات، هل [يحرُم] (4) قياسًا على الحشيشة بجامع التفتير لنهي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:"عن كل مُسْكرٍ ومُفتر؟ " وهل التفتير العلّة الجامعة بين الحشيشة والخمر، فإن حُكم بتحريم ذلك فهل يحرُم القليلُ وإن لم يفتّر كما تحرُم القطرةُ من الخمر وإن لم تُسكِر؟ وهل يجوز بيعُه والانتفاع [به](5) في غير مأكول؟ جزاكما لله خيرًا ونفع بعلومكم. [آمين اللهم آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين](6).

(1) زيادة من (ب).

(2)

زيادة من (ج).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (ب) يحرمن.

(5)

زيادة من (ب) و (ج).

(6)

زيادة من (ب).

ص: 4189

[(الجواب)]

الحمدُ لله وحده وصلاته وسلامه على رسوله وآله ورضي الله عن الصحابة الراشدين والتابعين لهم بإحسان أجمعين ـ كثّر الله فوائدكم ونفع بعلومكم ـ الذي يقوله الحقير: إن الذي قامت عليه الأدلةُ هو تحريمُ ما [يصدقُ](1) عليه اسمُ المُسْكر لما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكرٍ خمرٌ وكلُ مسكرٍ حرامٌ" أخرجه مسلم (2) وأحمدُ (3) وأهل السنن (4) إلا ابن ماجه وفي لفظ: "كلُ مسكر خمرٌ وكل خمرٍ حرام" أخرجه مسلم (5) والدارقطني (6).

[وأخرجه](7) الشيخان (8) وأحمدُ (9) عن أبي موسى أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كل مسكرٍ حرامٌ" وأخرج أحمدُ (10) ومسلمٌ (11) والنَّسائيُّ (12) عن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كل مسكر حرامٌ" وأخرج أبو داود (13) عن ابن عباس

(1) في (ب) و (ج) صدق.

(2)

في صحيحه رقم (74/ 2003).

(3)

في "المسند"(2/ 16)

(4)

أبو داود رقم (3679) والترمذي رقم (1861) وقال: حديث حسن صحيح والنسائي رقم (5582) من حديث ابن عمر. وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (75/ 2003).

(6)

في "السنن"(4/ 248 رقم 11).

(7)

في (ب) و (ج) وأخرج.

(8)

البخاري في صحيحه رقم (4341، 4342، 4344، 4345) ومسلم رقم (1833).

(9)

في "المسند"(4/ 410\ 416، 417).

(10)

في "المسند"(3/ 343).

(11)

في صحيحه رقم (2002).

(12)

في "السنن"(8/ 327).

(13)

في "السنن" رقم (3680) وهو حديث صحيح.

ص: 4190

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كل مخمَّرٍ خمرٌ وكل مسكرٍ حرامٌ".

وأخرج أحمدُ (1) والترمذي (2) وصحَّحه والنَّسائيّ (3) وابن ماجه (4) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كل مسكر حرام".

وأخرج ابن ماجه (5) من حديث ابن مسعود وأخرج أحمد (6) وأبو داود (7) والترمذي (8) وحسّنه عن عائشة [رضي الله عنها] قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كل مسكرٍ حرام وما أسكر الفَرْقُ منه فملءُ الكفِّ منه حرامٌ" وأخرج أحمد (9) وأهل السنن (10) وابن حبان (11) في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وحسّنه التِّرمذي (12)، ورجال إسناده ثقاتٌ.

وأخرج النسائيُّ (13) والبزّار (14) وابنُ .....................................

(1) في "المسند"(2/ 241، 279).

(2)

في "السنن"(4/ 292).

قال الترمذي: هذا حديث حسن وقد روي عن أبي سملة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وكلاهما صحيح.

(3)

"السنن"(8/ 297).

(4)

في "السنن" رقم (3401). وهو حديث حسن.

(5)

في "السنن" رقم (3388). وهو حديث صحيح لغيره.

(6)

في "المسند"(6/ 71، 131).

(7)

في "السنن" رقم (3687).

(8)

في "السنن" رقم (1866) وقال: حديث حسن. وهو حديث صحيح.

(9)

في "المسند"(6/ 71، 72، 131).

(10)

أخرجه أبو داود رقم (3687) والترمذي رقم (1866).

(11)

في صحيحه رقم (5383).

(12)

في "السنن"(4/ 293).

(13)

في "السنن" رقم (5609).

(14)

في "مسنده"(3/ 306 رقم 1098، 1099).

ص: 4191

حبّان (1) والدارقطني (2) عن سعد ابن أبي وقّاص: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قليل ما أسكر كثيرُه".

وفي الباب عن علي [بن أبي طالب](3) رضي الله عنه عند الدارقطني (4) وعن ابن عمر غيرُ حديثه المتقدم عند الطبراني (5) وعن خوات بن جُبير عند الدارقطني (6) والحاكم (7) والطبراني (8)[و](9) عن عبد الله بن [عمر](10) عند الدارقطني (11). وكلُها مصرّحة: "بأنّ ما أسكر كثيرُه فقليلُه حرام".

وقد تقرر بهذا أن الشارع لم يحرّم نوعًا خاصًّا من أنواع المسكر دون نوعٍ بل حرّمها على العموم بهذا أن الشارعَ لم يحرِّم نوعًا خاصًّا من أنواع المسكر دون نوعٍ بل حرّمها على العموم وسمّى كلّ ما ستصف بوصف الإسكار خمرًا، فيتناول النصُّ القرآنيُّ أعني قوله تعالى: & إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

(1) في صحيحه رقم (5370).

(2)

في "السنن"(4/ 251 رقم 31). وهو حديث حسن.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في "السنن"(4/ 250 رقم 21).

والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 296) من وجهين ضعيفين.

(5)

في "الأوسط"(1/ 197 رقم 626).

(6)

في "السنن"(4/ 254 رقم 44).

(7)

في "المستدرك"(3/ 413) وسكت عليه الحاكم والذهبي وضعّفه العقيلي.

(8)

أورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 75) وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه إسماعيل بن قيس بن سعدوهو ضعيف".

(9)

زيادة من (ب).

(10)

زيادة من (أ).

(11)

في "السنن"(4/ 250).

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 91) وابن ماجه رقم (3392) والبزار (3/ 350 رقم 2915 ـ كشف) والبيهقي (8/ 296). وهو حديث صحيح.

ص: 4192

فَاجْتَنِبُوهُ & (1) كلّ ما صدُق عليه أنه مسكر، فيكون تحريمه ثابتًا بنص الكتاب وما تواتر من السنة.

ويؤيد هذا أن جماعة من أئمة اللغة جزَموا بأن الخمر إنما سميت خمرًا لِمُخامرتها للعقل وستْرِها له، منهم الدِّينوريّ (2) والجوهري (3) وابن الأعرابيّ (4) وصاحب القاموس (5) والراغبُ في مفردات القرآن (6) وغيرُهم، ولكنه وقع الخلافُ: هل الخمرُ حقيقةٌ في عصير العنب فقط و [مجاز](7) فيما عداه، أو هي حقيقةٌ في كل مسكرٍ أو في بعض المُسكراتِ دون بعض؟ قال الراغب في المفردات (8)[سُمّي](9) الخمر لكونه خامرًا للعقل أي ساترًا له، وهو عند بعض الناس: اسمٌ لكل مسكرٍ وعند بعضهم: المُتَّخَذُ من العنب خاصةً، وعن بعضهم: للمتّخذ من العنب والتمر، وعند بعضهم: لغير المطبوخ، ثم رَجَّح أن كل شيء يستُر العقل يسمى خمرًا، وبذلك جزم من قدّمنا ذكْرَه من أئمة اللغة. قال في القاموس (10):"الخمرُ ما أسكر من عصير العِنب أو عامٌّ كالخمرة"، قال: والعموم أصحُّ لأنها حرِّمت وما بالمدينة خمرُ عِنَب، وما كان [شرابها](11) إلا البسرُ والتمرُ .... انتهى.

(1)[المائدة: 90].

(2)

انظر "لسان العرب"(4/ 212 - 213).

(3)

في "الصحاح"(2/ 649).

(4)

ذكره الجوهري في "الصحاح"(2/ 649) قال: قال ابن الأعرابي: سمِّيت الخمرُ خمرًا لأنَّها تُركت فاختمرت، واختمارها تغيُّر ريحها، ويقال: سمِّيت بذلك لمخارتها العقل.

(5)

(ص495).

(6)

(ص298).

(7)

في (ب) مجازًا.

(8)

(ص299).

(9)

في (أ) يسمى.

(10)

(ص495).

(11)

في (ب) شرابهم.

ص: 4193

[(زعْم الحنفية في تسمية الخمر للمعتصَر من العِنب حقيقةً، ومجازًا في غيره، ورد المؤلف عليهم)]

[قال]: وجزم ابنُ سيده في المحكم (1) بأن الخمرَ حقيقةً إنما هي العنب، وغيرُها من المسكرات يسمى خمرًا مجازًا. وحكى صاحبُ فتح الباري (2) عن صحاب الهداية (3) من الحنفية أن الخمرَ عندهم ما اختمر من ماء العنبِ إذا اشتد، قال: وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم، قال: وقيل: اسمٌ لكل مسكرٍ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمرٌ" وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الخمرُ من هاتين الشجرتين"(4)، ولأنه مُخامرة العقل وذلك موجودٌ في كل مسكر، قال: ولنا إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمرِ بالعنب، ولهذا اشتهر استعمالُها فيه ولأن تحريمَ الخمرِ قطعيٌّ وتحريمَ ما عدا المتخذ من العنب ظنيٌّ، قال: وإنما سُمي الخمر خمرًا لتخمّره لا لمخامرة العقل، قال: ولا يُنافي ذلك كونُ الاسم خاصًا فيه كما في النجم، فإنه مشتقٌ من الظهور ثم هو خاصٌّ بالثريا اهـ.

قال الحافظ (5): والجوابُ عن الحجة الأولى ثبوتُ النقلِ عن بعض أهلِ اللغة بأن غيرَ المُتخَذِ من العنب يسمى خمرًا.

وقال الخطابي (6): زعم قومٌ أن العربَ لا تعرِف الخمرَ إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سمَّوا غير المتّخذ من العنب خمرًا فُصحاءُ، فلم لا يكون هذا الاسم

(1) في "المحكم والمحيط الأعظم"(5/ 185).

(2)

(10/ 49).

(3)

"الهداية" المرغيناني (4/ 108).

(4)

أخرجه مسلم رقم (13/ 1985) والترمذي رقم (1875) وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود رقم (3678) والنسائي (8/ 294) ابن ماجه رقم (3378) من حديث أبي هريرة.

(5)

في "الفتح"(10/ 49).

(6)

في "معالم السنن"(4/ 78).

ص: 4194

صحيحًا لما أطلقوه؟ قال ابنُ عبد البر (1): قال الكوفيون: الخمرُ من العنب [2] لقوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} قالوا: فدل على أن الخمر هو ما يعتصر لا ما [يُنبذ](2)، قال: ولا دليل فيه على الحصر.

وقال أهل المدينة وسائرُ أهل الحجاز وأهل الحديث كلهم: كل مسكر خمرٌ وحكمُه حكمُ المتّخذ من العنب.

ومن الحجة لهم أن القرآن نزل بتحريم الخمر فهِمَ الصحابةُ وهم أهلُ اللسانِ أن كلّ شيء يسمى خمرًا يدخل في النهي، فأراقوا المُتخذ من التمر والرُطب ولم يخصّوا ذلك بالمتخذ من العنب. وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسميةُ كل مسكرٍ خمرًا من الشارع كان حقيقةً شرعيةً، وهي مقدمةٌ على الحقيقة اللغوية، كما تقرر في الأصول (3).

والجواب عن قوله: إن تحريم الخمر قطعيٌّ وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظنيٌّ بأن اختلاف مشتركين في الحكم في الغلط لا يلزم منه [افتراقهما](4) في التسمية كالزنا مثلاً، فإنه يصدق على من وطِئَ أجنبيةً وعلى من وطئ امرأةَ جارِه، والثاني أغلظُ من الأول كما ثبت في الحديث الصحيح (5) أن ذلك من أكبر الكبائر، وكذلك يصدق اسمُ الزنا على وطئ المَحْرم وهي أغلظُ من وطء من ليست كذلك.

وأيضًا الأحكامُ الشرعيةُ لا يشترط فيها الأدلةُ القطعيةُ ...............................

(1) في "التمهيد"(1/ 244).

(2)

في (أ) ينبذه.

(3)

انظر "إرشاد الفحول"(107 - 112) وقد تقدم.

(4)

في (ب) اقترافها.

(5)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (4477، 7461، 6001، 6811، 7520) ومسلم رقم (86) والترمذي رقم (3182) والنسائي (7/ 89، 90) عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندًا، وهو خلقك" قلت: إنّ ذلك لعظيم، ثم أي؟ قال:"أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك".

ص: 4195

[ولا](1) يلزم من القطع بتحريم المتخذ من العنب وعدم القطع بتحريم المتخذ من غيره أن لا يكون حرامًا، بل يحكم بتحريمه إذا ثبت بطريق ظني، فكذلك يحكم بتسميته إذا ثبت [بمثل](2) تلك الطريق. وقد تقرر أن اللغة ثبتت بالآحاد وكذلك الأسماء الشرعيّة.

وأما قوله: إن الخمرَ إنما سُمّي خمرًا لتخمّره لا لمُخامرة العقل، فهذا مع كونه مخالفًا لأقوال أئمة اللغة ـ كما تقدم ـ هو أيضًا مخالفٌ لما أسلفنا عنه صلى الله عليه وآله وسلم من الحكم على كل مسكر بأنه خمر، ومخالفٌ لما أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن عن أبي هريرة [رضي الله عنه] (3) قال: قال رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم: "الخمرُ من هاتين الشجرتين النخلةُ والعِنبةُ"(4)، وما أخرجه الشيخان (5) عن أنس قال:"إن الخمرَ حُرّمت والخمرُ يومئذ البُسْرُ والتمرُ"، وفي لفظ قال:"حُرّمت علينا حين حُرّمت وما نجد خمر الأعناب إلا قليلاً وعامةُ خمرِنا البُسر والتمْرُ" رواه البخاري (6). وفي لفظ: "لقد أنزل اللهُ هذه الآية التي حرَّم فيها الخمرَ وما في المدينة شرابٌ إلا من تمر" أخرجه مسلم (7).

وأخرج البخاري (8) عن أنس أيضًا قال: "كنت أسقي أبا عبيدةَ وأُبي بن كعبٍ من فضيحٍ وتمر فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر حُرّمت فقال أبو طلحة: قم يا أنسُ فأهرقها".

(1) في (ب) فلا.

(2)

في (ب) من.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

البخاري رقم (5582) ومسلم رقم (1980).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3673) والنسائي (8/ 287، 288).

(6)

في صحيحه رقم (5580).

(7)

في صحيحه رقم (1982).

(8)

في صحيحه رقم (5582).

ص: 4196

وأخرج البخاريُّ (1) عن ابن عمر قال: "نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربةٍ [ما فيها] (2) شرابُ العنب".

وأخرج الشيخان (3) عن عمرَ أنه قال على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما بعدُ أيها الناسُ، إنه نزل تحريمُ الخمرِ وهي من خمسة: من العنب والتمرِ والعسل والحِنْطة والشعير، والخمرُ ما خامر العقل.

وأخرج أحمدُ (4) وأبو داود (5) والترمذيّ (6) وابن ماجه (7) عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من الحنطة خمرًا ومن الشعير خمرًا ومن الزبيب خمرًا ومن التمر خمرًا ومن العسل خمرًا" زاد أحمدُ وأبو داود: "وأنا أنهى عن كل مسكر".

فإن قيل [3]: هذه الإطلاقاتُ لا تنافي أني كون ما عدا عصيرَ العنب من المسكرات خمرًا مجازًا، فيقال: وأيّ أمرٍ سوّغ المصيرَ إلى المجاز مع ثبوت إطلاق اسم الخمر على كل مسكر بنقل الجماهير من أئمة اللغة وثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه وجمهور أهل العلم، وقد تقرَّر أن الأصلَ في الإطلاق الحقيقةُ [فما](8) الذي نقل عن هذا الأصل وأوجب المصيرَ إلى المجاز؟! ولو سلّمنا أن ذلك إطلاقُ مجازٍ عند أهل اللغة فلا

(1) في صحيحه رقم (5575).

(2)

في (ب) منهما.

(3)

أخرجه البخاري رقم (5581) ومسلم رقم (3032) وأخرجه أبو داود رقم (3669) والترمذي رقم (1874) والنسائي (8/ 295).

(4)

في "المسند"(4/ 267).

(5)

في "السنن" رقم (3677).

(6)

في "السنن" رقم (1873) وقال: هذا حديث غريب.

(7)

في "السنن" رقم (3379). وهو حديث صحيح.

(8)

في (أ): فماذا.

ص: 4197

نسلّم أنه مجاز عند الشارع وأهلِ الشرع، والحقائقُ الشرعيةُ مقدّمة.

وبالجملة فالأدلةُ المتقدمةُ قد دلت على تحريم كلّ مسكرٍ، وذلك هو المطلوب. قال القُرطبي (1): الأحاديث الواردةُ عن أنس وغيره على صحّتها وكثرتِها تُبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمرَ [لا تكون](2) إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرًا ولا يتناوله اسمُ الخمر (3)، وهو قولٌ مخالفٌ للغة العرب والسنة الصحيحة وللصحابة، لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهِموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كلّ مسكر، ولم يفرّقوا بين ما [اتُّخذ](4) من العنب وبين ما يتخذ من غيره، بل سوَّوا بينهما وحرموا كلّ مسكر، ولم يتوقفوا ولا استفصلوا، ولم يُشْكِل [عليهم](5) شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، وهم أهلُ اللسانِ وبلُغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم فيه تردُّد لتوقَّفوا عند الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريمَ، لما كان مقرَّرًا عندهم من النهي عن إضاعة المال، فلمّا لم يفعلوا ذلك بل بادروا إلى الائتلاف علِمنا أنهم فهموا التحريمَ نصًّا، فصار القائل بالتفريق سالكًا مسلكًا غير سليم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر (6) بما يوافقه، وهو من جعل الله الحق على لسانه وقلبه، وسَمِعَهُ الصحابة وغيرهم فلم يُنقل عن أحد منهم إنكارُ ذلك. قال: وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرًا لزِم تحريمُ قليله وكثيره، وقد ثبتت الأحاديث

(1) في "المفهم"(5/ 252).

(2)

في (أ) لا يكون.

(3)

"وإنما يسمى نبيذًا" كذا في "المفهم"(5/ 252).

(4)

في (ب) يتخذ.

(5)

زيادة من (ب).

(6)

وقد خطب عمر بن الخطاب الناس فقال: "ألا وإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل، وهي من خمسة أشياء: من الحنطة، الشعير، والتمر، والزبيب، والعسل، والخمر ما خامر العقل" وقد تقدم تخريجه.

انظر: "فتح الباري"(10/ 45).

ص: 4198

الصحيحةُ (1) في ذلك، ثم ذكَرها. قال:

وأما الأحاديثُ التي تمسّك بها المخالفُ عن الصحابة فلا يصِحّ منها شيءٌ على ما قال عبدُ الله بن المبارك وأحمدُ وغيرهما، وعلى تقدير ثبوت شيء [منها](2) فهو محمولٌ على نقيع الزبيبِ والتمرِ من قبل أن يدخُل حدَّ الإسكار جمعًا بين الأحاديث

انتهى (3). قال ابنُ المنذر (4): قال: إن الخمرَ من العنب ومن غير العنب، عمرُ وعليٌّ وسعدُ وابنُ عمرَ وأبو موسى وأبو هريرة وابنُ عباسٍ وعائشةُ، ومن التابعين ابنُ المسيِّب وعروة والحسن وسعيد بن جبير وآخرون. قال: وهو قول مالك والأوزاعي والثوري وابن المبارك والشافعيّ وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث.

قال الحافظ في فتح الباري (5): يمكن الجمعُ بأن مَن أطلق الخمرَ على غير المُتَّخذِ من العنب حقيقةً يكون أراد الحقيقةَ الشرعية، ومن نفى أراد الحقيقةَ [4] اللغوية، وقد أجاب بهذا ابنُ عبدِ البرِّ وقال: إن الحكمَ إنما يتعلق بالاسم الشرعيِّ دون اللغوي .. انتهى.

وأيضًا يقال: ما وقع من مبادرة الصحابة إلى إراقة ما لديهم من غير عصيرِ العِنَب من المسكرات وعدم استفصالِهم عن ذلك، إما لفهمهم أن الخمرَ حقيقةٌ في الكل، أو يكونُ فعلُهم على تقدير أن حقيقةٌ في البعض مجازٌ في البعض دليلاً على جواز استعمال اللفظ في جميع معانيه الحقيقية والمجازية، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرّرهم على ذلك ولم ينكر عليهم، فجاز إطلاقُ الخمرِ على كل مُسكرٍ بذلك، وهو المطلوب، فيكون تحريم كلِّ مسكرٍ ثابتًا بنص القرآن كما هو ثابتٌ بنص السُّنةِ كما تقدم.

(1) تقدم ذكرها.

(2)

في (أ) فيها.

(3)

أي كلام القرطبي في "المفهم"(5/ 253).

(4)

عزاه إليه ابن قدامة في "المغني"(12/ 496).

(5)

(10/ 49).

ص: 4199

وإذا تقرر لك هذا وعرفت قيام الدليل على تحريم كل مسكر من غير تقييدٍ فاعلم أن كلّ نوع ثبتت له خاصيّة الإسكار فهو محرّمٌ من غير فرقٍ بين المائعِ والجامدِ، وما كان بعلاج وما كان بأصل الخِلْقة. انتهى.

(تعريفُ المُسْكِر والإسكار لغةً)

والمُسكِرُ هو ما حصل به السُّكرُ، والسكرُ نقيضُ الصَّحْو، قال في القاموس (1): سكر كفرح سُكْرًا وسَكْرًا وسَكَرَانًا نقيض صحا

انتهى. وقد حقق معنى السُّكْرِ جماعةٌ من أهل العلم، فمنهم من قال: هو الطرَبُ والنَّشاةُ، ومنهم من قال: هو زوالُ الهموم وانكشافُ السرِّ المكتوم. ومنهم من قال بغير ذلك مما هو في الحقيقة راجعٌ إليه.

قال المحققُ الشريفُ في التعريفات (2): السُّكْرُ غفلةٌ تعرِض بغلَبة السُّرورِ على العقل لمباشرة ما يوجبها من الأكل والشرب. والسكرُ من الخمر عند أبي حنيفة أن لا يعلم الأرض من السماء، وعند أبي يوسف ومحمدٍ والشافعيّ هو أن يختلط كلامُه، وعند بعضِهم أن يختلِط في مشيه بحركة

انتهى.

وقال في شرح الفتح لابن حُميد: السكرُ مخامرةُ العقلِ وتشويشُه مع حصول طرَبٍ وسُلُوٍّ مخصوصَين قال: وإن لم يذهب إلا بعضُ علومِ العقل أو بعض المستعملين له دون بعض فإنه لا يخرُج بذلك عن كونه مسكرًا

انتهى. فما كان يؤثّرُ أي هذه التأثيرات ـ على الخلاف ـ أو يؤثّرُها كلَّها ولو لم يحصُل إلا باستعمال الكثير منه دون القليل فهو حرامٌ لِما سلف من الأدلة.

وإلى ذلك ذهب جمهور الصحابة والتابعين والعِتْرةُ جميعًا (3) وأحمد وإسحاق والشافعيّ ومالك.

(1)(ص529).

(2)

(ص235).

(3)

انظر: "المغني"(12/ 497)، "المفهم"(5/ 253).

ص: 4200

[(ضعيف قولُ من قال بحِل ما دون المسكر من غير عصير العنب والتمر)]

وذهب النّخعيّ والثّوريّ وابن أبي ليلى وشريكٌ وابن شُبْرُمة وأبو حنيفة وأصحابه وسائرُ الكوفيين، وأكثر علماء البصرة إلى أنه يحل دون المُسكر من غير عصير العنب والرُّطَب، واستدلوا بما أخرجه البيهقيّ (1) في حديث عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم في النبيذ:"فإن اشتدّ فاكسروه بالماء فإن [أعياكم] (2) فأهْريقوه".

وقال البيهقي (3) بعد إخراجه الروايات الثابتة عن وفد عبد القيس خاليةً عن هذه اللفظة، وأخرج نحو ذلك (4) من حديث ابن عباس، وفي ألفاظه أنه من قول ابن عباس، وأخر نحوه (5) أيضًا عن عائشة من قولها، وفي إسناده مجهولٌ، وأخرج نحوَه أيضًا عن أبي هريرةَ [5] مرفوعًا نحوَه وهو من طريق عكرمة بن عمار عن أبي كثير السّخيّ عنه، وهو إسناد ضعيف، لأن عكرمة اختلط، وأخرج أيضًا من حديث الكلْبي نحوَه، والكلبيّ متروك، وأخرج نحوه أيضًا عن ابن عباس من طريق أخرى وفي إسنادها يزيدُ بنُ أبي [زيادة] (6) وهو ضعيفٌ لا يُحتَجّ به. ونحوَه من حديث ابنِ عمرَ وفي إسناده عبدُ الملك بنُ نافعِ بنِ أخي القَعقاع قال يحيى بنُ معينٍ هم يُضعّفونه. وقال البُخاريّ: لم يتابَعْ عليه. وقال النَّسائي: لا يُحتَجّ بحديثه (7). وكل ما في هذا الباب ..............................

(1) في "السنن الكبرى"(8/ 302).

(2)

في (أ) أعناكم.

(3)

في "السنن الكبرى"(8/ 302 - 303).

(4)

البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 303).

(5)

انظر "تهذيب التهذيب"(6/ 378).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

انظر "تهذيب التهذيب"(6/ 378).

ص: 4201

[فلا](1) يخلو من ضَعف حتى قال إسحاقُ بنُ راهويَه (2): سمعت عبد الله بن إدريس الكوفيّ يقول: "قلت لأهل الكوفةِ: يا أهل الكوفة: .. إنما حديثكم الذي تحدّثونه في النبيذ عن العُميان والعُوران، أين أنتم من أبناء المهاجرين والأنصار؟! ".

وأيضًا هذه الأحاديث لا تدل على مطلوبهم، فإن كسر النبيذ لا يتعيّن أن يكون لأجل الشدة المستلزمة للسُّكر، فإنه قد يكون الكسرُ لاشتداد الحلاوة أو الحموضة، ومع الاحتمال لا تنتهض للاستدال غللا فرض تجرّدهِ عن المُعارِض فكيف إذا كان ذلك الضعيفُ معارضًا بالأحاديث الصحيحة الكثيرة والقاضية بأن ما أسكر كثيرهُ فقليلُه حرامٌ، كما تقدم! فإذا كان الكثيرُ من الزعفران والجَوزِ الهنديِّ ونوعٌ من القات يبلُغ بمُستعمِله إلى السُكر حرم عليه قليله كما يحرم عليه كثيره، وإذا كان يؤثر ذلك التأثير مع بعض المستعملين له دون البعض الآخر كان التحريم مختصًا بمن يحصل معه ذلك الأثر دون من عداه (3).

فإن قيل: إن هذه الأمور المذكورة إنما يحصل بها التفتيرُ دون السكر، فيقال: إن بلغ هذا التفتير إلى حد السُكر كما يحصل من أكل الحشيش [وشربها](4) فلا نزاع في أن ذلك من المحرمات وإن لم يبلغ إلى ذلك الحدِّ، بل مجرّد التفتير فقد ورد ما يدل على تحريم كلّ مفتّر، فأخرج أبو داود (5) عن أم سلمة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه

(1) في (أ) ولا.

(2)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 306).

(3)

قال الحافظ في "فتح الباري"(10/ 40 - 41):

"قال البيهقي حمل هذه الأشربة على أنهم خشوا أن تتغير فتشتد فجوزوا صب الماء فيها ليمتنع الاشتداد، أولى من حملها على أنها كانت بلغت حد الإسكار، فكان صب الماء عليها لذلك لأن مزجها باملاء لا يمنع إسكارها إذا كانت قد بلغت حد الإسكار. ويحتمل أن يكون صب الماء كون ذلك الشراب كان حِمض

".

(4)

في (ب) شرابها.

(5)

في "السنن" رقم (3686) وهو حديث ضعيف.

ص: 4202

وآله وسلم عن كل مسكر ومفتّر. وهذا حديثٌ صالحٌ للاحتجاج به لأن أبا داودَ سكت عنه، وقد رُوي عنه أنه لا يسكُت إلا عمَّا هو صالحٌ للاحتجاج، وصرَّح بمثل ذلك جماعةٌ من الحفاظ كابن الصلاح وزين الدين والنووي وغيرُهم، وإذًا لأردنا الكشفَ عن حقيقة رجال إسناده فليس فيهم من هو متكلِّمٌ عليه إلا شهرُ بنُ حَوشب، وقد اختلف في شأنه أئمة الجرح والتعديل، فوثّقه الإمامُ أحمد ويحيى بن معين وهما إماما الجرَح والتعديل ما اجتمعا على توثيق رجلٍ إلا وكان ثقةً، ولا علىتضعيف رجلٍ إلا وكان ضعيفًا. فأقلُّ أحوالِ حديثِ شهرٍ المذكورِ أن يكون حسنا، والترمِذيّ يصححُ حديثه (1) كما يعرف ذلك من له ممارسةٌ لجامعه.

[(تعريفُ المُفتِّر)]

قال ابنُ رسْلانَ (2) في شرح السُنن: والمُفتِّرُ بضم الميم وفتْحِ الفاء وتشديد المُثنَّاة فوق المكسورة، ويجوز فتحُها ويجوز تخفيفُ التاء مع الكسر، وهو كلُ شرابٍ يورث الفُتورَ والخَدَرَ في أطراف الأصابع، وهو مقدِّمةُ السُكر (3)

انتهى.

[6]

قال في النهاية (4) المُفْتِرُ الذي إذا شُرب أحمى الجسَدَ وصار فيه فتورٌ وهو ضعيفٌ وانكسار، يقال: أفتر الرجلُ فهو مفْترٌ، إذا ضعُفت جفونُه وانكسر طرفُه، فإما أن يكون أفتره بمعنى فتّره أي جعله فاترًا، وإما أن يكون أفتر الشرابُ إذا أفتر صاحبَه كأقطف الرجلُ إذا قُطفتْ دابتُه، ويقتضي هذا سكون الفاءِ وكسرَ المثنّاة فوقُ مع التخفيف.

(1) ذكره المنذري في "مختصر السنن"(5/ 269).

(2)

عزاه إليه الآبادي في "عون المعبود"(10/ 92).

(3)

قاله الخطابي في "معالم السنن"(4/ 90).

(4)

(3/ 408).

ص: 4203

وقال الخطابي (1): المُفترُ كلُ شرابٍ يورث الفتورَ والخدَرَ في الأعضاء، قال في القاموس (2): فتَر يفتِرُ فتورًا وفُتارى سكن بعد حدّة ولان بعد شدّة، وفتّره تفتيرًا، وفتر الماءُ سكَن حرُّه فهو فاتر وفاتور، وجسمُه فتورًا: لانت مفاصلُه وضعُف، والفَتَرُ محركةً الضعْف، قال: والفُتار كغراب: ابتداءُ النشْوة، وطرفٌ فاترٌ: ليس بحاد النظر، قال: وأفتر: ضعُفت جفونُه، وانكسر طرفُه، والشرابُ فترَ شاربُه. انتهى.

وعطفُ المُفْتر على المُسكر يدل على أنه غيرُه، لأن العطفَ يقتضي المُغايَرةَ، قال ابنُ رسلانَ (3): فيجوز حملُ المُسكرِ على الذي فيه شدْةٌ مطْرِبةٌ وهو محرمٌ يجب فيه الحدُّ، ويُحمل المُفتِرُ على النبات كالحشيش الذي يتعاطاه السِّفْلةُ. وقد نقل الرافعيُّ والنَّووي (4) في باب الأطمعة عن الرُّوياني أن النبات الذي يُسكر وليس فيه شدةٌ مطربةٌ يحْرُم [أكله](5) ولا حدَّ فيه.

[(حكمُ البَنْج والزَّعفران والجوَز الهندي)]

قال ابنُ رسلان (6): يقال: إن الزعفرانَ يُسكِر إذا استُعمل مفردًا بخلاف ما إذا استُهلك في الطعام، وكذا البنجُ شربُ القليل من مائة يُزيل العقْل وهو حرامٌ إذا زال العقلُ لكن لا حدَّ فيه

انتهى.

وإذا ثبت أن الزعفرانَ مسكرٌ (7) إذا استُعمل مفردًا كما ذكره فيحرُم استعمالُه مخلوطًا

(1) في "معالم السنن"(4/ 90).

(2)

(583 - 584).

(3)

عزاه إليه الآبادي في "عون المعبود"(10/ 92).

(4)

في شرحه "لصحيح مسلم"(13/ 149).

(5)

في (أ) كله.

(6)

عزاه إليه الآبادي في "عون المعبود"(10/ 92).

(7)

قال علي بن العباس إمام الفن بلا نزاع قال في كامل الصناعة في الباب السابع والثلاثين: الزعفران حار يابس لطيف مجفف تجفيفًا مع قبض يسير، ولذلك صار يدر البول وفيه قوة منضحة وينفع أورام الأعضاء الباطنة إذا شرب وضمد به من خارج ويفتح السدد التي في الكبد أو في العروق ويقوي جميع الأعضاء الباطنة وينفذ الأدوية التي يخلط بها إلى جميع البدن.

وقال محمد شمس الحق العظيم آبادي في "عون المعبود"(10/ 105) وقد سألت غير مرة من أدركنا من الطباء الحذاق صاحب التجربة والعلم والفهم، فكلهم اتفقوا على أنّه لا يسكر مفردًا.

ص: 4204

بغيره من الأطعمة وغيرِها لما تقدم أن ما سكرَ كثيرُه فقليلُه حرامٌ، سواء كان مفردًا أو [مختلطًا](1) بغيره وسواء كان يقوّي على الإسكار بعد الخلط أو لا يقوّي، وأما إذا لم يكن الزعفرانُ ونحوُه من جنس المُسكرات بل من جنس المُفتّرات فلا يحرُم منه إلا ما وُجد فيه ذلك المعنى، أعني التفتيرَ [بالعقل](2)، ولا يحرم القليلُ منه كما يخلط [منه](3) بين كثيرُه فقليلُه حرام، اللهم إلا أن يقال: يحرُم قليلُ المفْتر قياسًا على قليل المُسكر، بجامع تحريمِ الكثير من كل واحدٍ منهما، ولكن هذا إنما يتم بعد تصحيح هذا القياسِ وعدمِ وجودِ فارقٍ يقدَح في صحته.

قال الإمامُ المَهدي في البحر (4) ما لفظُه: وما أسكر بأصل الخِلْقة كالحشيشة والبَنْج والجَزوة فطاهرٌ، وعن بعضهم: نجس. قلت: وهو القياسُ إن لم يمنعَ إجماعٌ. انتهى

فهذا الكلامُ يدل على أن الأمورَ المذكورة مسْكرةٌ، وهكذا يدل على ذلك قولُه رحمه الله في الأزهار (5): والمُسكرُ وإن طُبخ إلا الحشيشةَ والبنْجَ ونحوَهما، وفسره شارحُه بالجوز الهندي والقُرَيط وظاهرُ الاستثناء [7] من المُسْكر أن الحشيشة وما معها مُسكرةٌ.

(1) في (أ) مختلطًا.

(2)

في (ب) بالفعل.

(3)

زيادة من (ب، ج).

(4)

(1/ 11).

(5)

(1/ 137 ـ مع السيل).

ص: 4205

وقال الجلال في "ضوء النهار"(1): إنه استثناءٌ منقطعٌ لأن المذكوراتِ لا تُسْكر وإنما تخدّر أو تغيّر، لأن السكرَ عبارةٌ عن الطرب المثيرِ للنخْوة ولو كانت من السُكر لافتقر تخصيصُها إلى دليل شرعي. انتهى.

[(تحريمُ الحشيشة)]

قال الحافظ ابنُ حجرٍ (2): مجيبًا على من قال: إن الحشيشةَ ليست بمسكرة بل مخدِّرة: إن ذلك مكابرةُ لأنها تُحدِث ما يحدث الخمرُ من الطرَب والنشاة

انتهى.

وعلى الجملة إنه إذا سُلّم أنها غيرُ مسْكرةٍ فهي مفتّرة، وكلُ واحدٍ من الأمرين يقتضي تحريمَها، وقد حكى الفِرْيابي (3) وابنُ تَيْميةَ (4) الإجماعَ على تحريم الحشيشة، قال: ومن استحلها فقد كفر، [قالا] (5):[وإن](6) لم يتكلّم فيها الأئمة الأربعة، لأنها لم تكن في زمنهم وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولةُ التتار.

وذكر ابنُ تيمية في كتابِ (السياسة)(7) أن الحدَّ واجبٌ في الحشيشة كالخمر، وحكى الماوَرديُّ (8) أن النباتَ الذي فيه شدةً مطربةٌ يجب فيه الحدُّ. وقال ابنُ البَيطار (9) ـ وإليه انتهت الرياسةُ في معرفة خواص النبات ـ إن الحشيشةَ مُسكرةٌ جدًّا، إذا تناول الإنسانُ منها قدْرَ دِرْهمٍ أو درهميت أخرجتْه إلى حد الرُّعونة، وقد استعملها قومٌ

(1)(1/ 94).

(2)

ذكره الأمير الصنعاني في "سبل السلام"(7/ 180).

(3)

انظر: "عون المعبود"(10/ 92).

(4)

في "مجموع الفتاوى"(34/ 205).

(5)

في (أ) قال.

(6)

في (ب) وإنما.

(7)

"السياسة الشرعية"(ص144).

(8)

ذكره الآبادي في "عون المعبود"(10/ 92).

(9)

ذكره الآبادي في "عون المعبود"(10/ 92).

ص: 4206

فاختلَّت عقولُهم.

وقال ابن دقيق العيد (1) في الجوزة: إنها مسكرة، وقله عنه المتأخرون من الحنفية والشافعية والمالكية واعتمدوه وذكر ابنُ القسطلاني (2) في تكريم المعيشة أن الحشيشة ملحقةٌ بجوزة الطيب والزعفران والأفيون والبنج، وهذه من المسكرات المخدّرات، وقال الزركشي (3): إن هذه الأمور المذكورةَ تؤثر في مُتعاطيها المعنى الذي يدخله في حد السكران فإنهم قالوا: السكرانُ هو الذي اختل كلامهُ المنظوم وانشكف سرّه المكتوم، وقال بعضهم: هو الذي لا يعرِف السماءَ من الأرض. ثم نقل عن الغزالي الخلافَ في ذلك.

قيل (4) والأولى أن يقال: إن أُريد بالإسكار تغطيةُ العقل فهذه كلُها صادقٌ عليها معنى الإسكار، وإن أريد بالإسكار تغطيةُ العقل مع الطربَ فهي خارجةٌ عنه، فإن إسكارَ الخمر يتولّد منه النشأة والنشاطُ والطرَبُ والعَرْبَدة والحميّة، والسكرانُ بالحشيشة ونحوها يكون مما فيه ضدُّ ذلك فتقرر من هذا أنها تحرمُ لِمضرّتها العقلَ ودخولِها في المفتّر المنْهيِّ عنه، ولا يجب الحدُّ على متعاطيها لأن قياسها على الخمر مع الفارق ـ[وقد انتفى](5) بعضُ الأوصاف ـ لا يصح، كذا قيل.

والحاصلُ أن الحشيشةَ وما في حكمها مما له عمَلُها لا شك ولا ريب في تحريمها لأنها إن كانت من المسْكرات فهي داخلةٌ في عموم أدلةِ تحريمِ المسْكر، وقد عرفْتَ مَنْ جزَم بأنها مسكرةٌ، وإن كانت من المُفترات والمخدّرات فهي محرمةٌ بالحديث المتقدِّم في تحريم كلّ مُفْتر [8]، ولا يخرُج عن هذين الأمرين أصلاً.

(1) ذكره الأمير الصنعاني في "سبل السلام"(7/ 181).

(2)

ذكره الآبادي في "عون المعبود"(10/ 92).

(3)

ذكره الآبادي في "عون المعبود"(10/ 93).

(4)

ذكره الآبادي في "عون المعبود"(10/ 93).

(5)

كذا في المخطوط [أ. ب. جـ] وصوابه [وهو انتفاء]. انظر المصدر السابق.

ص: 4207

[(تعريف الخَدَر)]

والخَدَرُ ليس أمرًا غيرَ الفتور، بل هو فتورٌ مع زيادة. قال في القاموس (1): الخدَر بالتحريك [امذلال](2) يغشى الأعضاءَ، خَدِرَ كفرح فهو خدِرٌ، وفتورُ العينِ أو ثقلٌ فيها مِن قَذى .... انتهى. ومع هذا فقد عرفتَ الإجماعَ على تحريمها بحكاية الإمامين الفرْيابي وابنِ تيميةَ (3) فلم يبقَ ارتيابٌ في التحريم (4).

[(قصة يرويها المؤلِّف لبعض المُتهتكين)]

[قال](5) وقد وأعمى الله بصرَ وبصيرةَ بعض الأدباء المتأخرين من أهل اليمين، فاشتهر بالحشيشة الخبيثة، واستعملها بمَرْأى من العامة ومَسْمع، وكان المسكين رحمه الله ممن له صورة عند العامة جليلةٌ يعتقدون فيه أنه من أعيان العلماء، وليته كان يتكتّم باستعمال هذه الخبيثةِ ويعترف بالمعصية ويُعلن بالتحريم كما يفعله كثيرٌ من العصاة، ولكنه كان يصرِّح بأنها حلالٌ بلا برهان في مواقف جماعةٍ من العامة الذي هم أتباعُ كلِّ ناعق، فجعلوه حُجَّةً لهم، وبالغوا في تعظيمه ووصْفِه بالعلم لموافقته لأهوائهم. وقد روى لي هذه القصة جماعةٌ ممن لا أشك في صدقهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد أحسن مَن قال:

(1)(ص490).

(2)

في (ب) انذلالٌ والصواب ما أثبتناه من (أ. جـ) حسب المصدر.

(3)

"السياسة الشرعية في إصلاح الرعية"(ص144).

(4)

وهذا ما نرجحه.

(5)

زيادة من (أ).

ص: 4208

فسادٌ كبيرٌ عالمٌ مُتهتِّكٌ

وأفسدُ منه جاهلٌ متنسِّكُ

هما فتنةٌ للعالمين كبيرةٌ

لمن بهما في دينه يتمسّك

وقد صارت مِحنةُ ذلك الأديبِ الذي ضلّ وأضل بما صدَر منه من قول وعملٍ في هذه القضية التي هي من أعظم مزالقِ الزّلل باقية إلى الآن كما أخبرني بذلك من له خِبْرةٌ بأحوال الناسِ والاطلاع على أمورهم.

وقد سُقنا في هذه الورقات من الأدلة ونصوص العلماء الأكابرِ على مسألة السؤالِ ما فيه كفاية [لمن له هداية](1).

فالزعفران والجوز الهنْدي والأفيونُ ونحوُها لاحقةٌ بالمسْكرات إن صح قولُ من قال (2):

(1) زيادة من (أ).

(2)

اختلفت أقوال العلماء وعباراتهم ولم يتفقوا على أمرٍ واحدٍ.

تقدم ذكر بعضها: ومنها قال في "الدر المختار": ويحرم أكل البنج والحشيشة هي ورق القنب والأفيون لأنّه مفسد للعقل.

وقال آخر: البنج بالفتح نبات يسمى شيكران يصدع ويسبت ويخلط العقل كما في التذكرة للشيخ داود، والمسبت الذي لا يتحرك.

وذهبت أئمة الحنفية إلى أن ما أسكر كثيره حرم قليله وهو في المائعات دون الجامعات، وهكذا في غيره من الأشياء الجامعة المضرة في العقل أو غيره يحرم تناول القدر المضر منها دون القليل النافع لأن حرمتها ليست لعينها بل لضررها فيحرم عندهم استعمال القدر المسكر من الجامدات دون القليل منها.

وقال القزويني: الزعفران الزائد على الدرهم سم قاتل.

وقال الزركشي: إن هذه الأشياء لا تحرم إلا لمضرتها العقل ودخولها في المفتر المنهي عنه.

وقال الأدبيلي: إن الجوز الهندي والزعفران ونحوهما يحرم الكثير منه لإضراره لا لكونه مسكرًا. -

قال الشيخ ابن حجر المكي في "الزواجر"(1/ 491) الكبيرة السبعون بعد المائة آكل المسكر الطاهر كالحشيشة والأفيون والشيكران بفتح الشين المعجمة وهو البنج وكالعنبر والزعفران وجوزة الطيب.

فهذه كلها مسكرة كما رح به النووي في بعضها وغيره في باقيها ومرادهم بالإسكار هنا تغطية العقل لا مع الشدة المطربة لأنها من خصوصيات المسكر المائع، وبما قررته في معنى الإسكار في هذه المذكورات علم أنَّه لا ينافي أنها تسمى مخذرة وإذا ثبت أن هذه كلها مسكرة أو مخدرة فاستعمالها كبيرة وفسق كالخمر فكل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في مستعمل شيء من هذه المذكورات لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه لأنّه الآلة للفهم عن الله تعالى وعن رسوله المتميز به الإنسان عن الحيوان والوسيلة إلى إيثار الكمالات عن النقائص فكان فيتعاطي ما يزيله وعيد الخمر.

ص: 4209

إنها تُسكر ولو في حال من الأحوال، وإن صح قولُ من قال: إنها مفترةٌ فهي أيضًا محرَّمةٌ لذلك، لما سلف، فهي مشاركةٌ للمسكر على أحد التقديرين، وللمفتر على الآخر، وكل واحدٍ منهما يقتضي التحريم. وإن لم يصحّ فيها، وصف الإسكار ولا وصف التفتير والتخدير مطلقًا فلا وجه للحكم بتحريمها. فمن أراد العثور على الحقيقة فليسأل من له اختبارٌ عن التأثير الذي يحصل بالأمور المذكورة وبعد ذلك يحكمُ علىكل واحد منهما بما أودعناه في هذه الرسالة، وهذا إن لم يكتف بما نقلناه عن العلماء في وصف تلك الأمور كما سلف.

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحلالُ بيِّن، والحرام بيِّنٌ، وبينهما مشتبهات والمؤمنون وقّافون عند الشبهات، فمن تركها فقد استبرأ لعِرضه ودينه"(1) وأقلُّ [أحوال](2) الجَوز الهندي وما ذكر معه أن يكون من الأمور المشتبهات، وثبت [9] عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" صححه ابن حبان (3) والحاكم (4) والترمذي (5). وقد حكي في شرح الأثمار (6) عن الإمام شرف الدين أن الجوزَ الهندي والزعفران ونحوهما يحرمُ الكثير منه لأضراره لا لكونه

(1) انظر الرسالة رقم (58).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في صحيحه رقم (722).

(4)

في "المستدرك"(2/ 13)، (4/ 99).

(5)

في "السنن" رقم (2518).

من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(6)

تقدم تعريفه.

ص: 4210

مسكرًا وكذلك القريط وهو الأفيون. انتهى.

[(حكمُ القات عند المؤلِّف وتفنيده لما قال ابنُ حجر فيه)]

[قال]: وأما القاتُ فقد أكلتُ منه أنواعًا مختلفةً وأكثرتُ منها فلم أجد لذلك أثرًا في تفتير ولا تخديرٍ ولا تغيير، وقد وقعتْ فيه أبحاثُ طويلة بين جماعةٍ من علماء اليمن عند أول ظهورِه، وبلغتْ تلك المذاكرةُ إلى علماء مكة، وكتب ابن حجرٍ الهيثمي في ذلك رسالةً طويلة سماها (تحذير الثقات من أكل الكفتة والقات)، ووقفتُ عليها في أيام سابقةٍ فوجدته تكلم فيها بكلام من لا يعرف ماهية القات.

وبالجملة أنه إذا كان بعض أنواعه تبلُغ إلى حد السكر أو التفتير من الأنواع التي لا نعرفها توجّه الحكمُ بتحريم ذلك النوع بخصوصه، وهكذا إذا كان يضُرّ بعضَ الطباع من دون إسكار وتفتير حرُم لإضراره وإلا فالأصلُ الحِلُّ كما يدل على ذلك عمومات القرآن والسنة.

وأما قولُكم: وهل يجوز بيعه، فالظاهرُ من الأدلة تحريمُ بيع كلّ شيء انحصرتْ نفعتهُ في محرم لا يُقصد به إلا ذلك المحرّم، أو لم ينحصِرْ ولكنه كان الغالبُ الانتفاع به في محرم، أو لم يكن الغالبَ ذلك، ولكنه وقع البيعُ لقصد الانتفاع به في أمر محرم، فما كان على أحد هذه الثلاث الصور كان بيعه محرمًا، وما كان خارجًا عنها كان بيعه حلالاً.

ومن أدلة الصورة الأولى أحاديث النهي (1) عن بيع الخمر والميتة والخنزير، لأن هذه الأمور لا يُنتفع بها إلا في محرم، ولا يُتصوّر الانتفاع بها في أمر حلال، ومن هذا القبيل الحشيشة فإن منفعتها منحصرةٌ في الحرام.

ومن أدلة الصورة الثانية ما أخرجه الترمذي (2) من حديث أبي أمامة أن رسول الله

(1) انظر الرسالة رقم (110، 114).

(2)

في "السنن" رقم (1282) وقال: حديث أبي أمامة، إنما نعرِفُهُ مِثْلَ هذا مِنْ هذا الوجه، وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه وهو شامي.

وأخرجه ابن ماجه رقم (2168). وهو حديث حسن.

ص: 4211

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تبيعوا القينات والمغنيّات ولا تشتروهن ولا تُعلموهن ولا خير في تجارة فيهن، وثمنُهن حرام" ومن المعلوم أن منفعة القينات لم تنحصر في الحرام ولكن لما كان الغالب الانتفاع بهن في الحرام جعل الشارع حكمهن 5ث تحبثما فقثع حكم ما لا يُنتفع به في غير الحرام تنزيلاً للأكثر منزلة الكُلّ، ومن هذا القبيل البنجُ الجوز الهندي وما شابهما.

ومن أدلة الصورة الثالثة ما أخرجه الطبرانيّ في الأوسط (1) بإسناد حسّنه الحافظُ ابن حجر (2) من حديث عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من حبس العنب أيام القطاف حتى يبعه ممن يتخذه خمرًا فقد تقحّم النار على بصيرة" ولا شك أن العنبَ في الغالب يُنتفع به في الأمور الجائزة ولكنه لما كان القصدُ بيعه إلى من يستعمله في أمر محرم كان بيعُه محرمًا، لأن وسيلة الحرام حرامٌ [10]، وأما ما عدم القصد فلا تحريم، ومن هذا الزعفران فمن باعه إلى من يستعمله في أمر جائز، أو مع عدم القصد فلا تحريم، ومن هذا الزعفران فمن باعه إلى من يستعمله في أمر جائز، أو مع عدم القصد فبيعه حلال، ومن باعه إلى من يستعمله في أمر غير جائز نحو أن يبيعه إلى من يعلم أنه يأكل منه مقدارًا يحصل به التفتير أو الإضرار بالبدن قاصدًا للبيع إلى من كان كذلك فبيعُه غير جائز، وإذا تقرر هذا التفصيل ارتفع ما يرد من الإشكالات على حديث ابن عباس عند الحاكم والبيهقيّ بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله إذا حرم [على قوم أكل](3) شيء حرّم .......................

(1) رقم (5356) وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 90) وقال: فيه عبد الكريم بن عبد الكريم، قال أبو حاتم: حديثه يدل على الكذب.

(2)

في "بلوغ المرام"(رقم 837).

وهو حديث باطل. انظر الضعيفة رقم (1269).

(3)

زيادة من مصدر الحديث.

ص: 4212

ثمنه" (1) فإنه قال بعض أهل العلم: إنه يلزم من الأخذ بظاهر هذا الحديث تحريم بيع الحمُر الأهلية وغير [ها](2) مما يصلُح لحلال وحرام.

ويُجاب بأن الحمر الأهلية إذا باعها البائع إلى من يأكلها كان البيعُ محرمًا مع القصد لما سلف من أن وسيلة الحرام حرامٌ وإن باعها إلى من لا يأكُلها أو مع عدم القصد [فلا وجه](3) للتحريم، وهكذا كل ما كان من هذا القبيل.

وقال ابن القيم (4): إنه يراد بحديث ابن عباس المذكور أمران: أحدُهما ما هو حرامُ العين والانتفاع جملة كالخمر والميتة والدم والخنزير وآلات الشرك (5)، فهذه ثمنُها حرامٌ كيفما اتفقت. والثاني ما يباح الانتفاع به في غير الأكل وإنما يحرم أكله كجلد الميتة بعد الدباغ وكالحمر الأهلية والبغال ونحوِهما مما يحرم أكلُه دون الانتفاع به، فهذا قد يقال:[إنه](6) لا يدخل في الحديث وإنما يدخل فيه ما هو حرامٌ على الإطلاق، والصواب ما ذكرنا من التفصيل، فإن هذه الأمور يحرُم بيعها إذا بيعت لأجل المنفعة المحرمة، كما إذا بيع [الحمار والبغلُ لأكلهما وقد قيل إن بيعَ](7) الشيء الذي يحرم في بعض الأحوال إلى من ينتفع به في ذلك الأمر المحرم مع القصد حرامٌ بالإجماع. ومما يؤيد تحريم بيع الشيء الذي يُنتفع به في الأمور الجائزة في الغالب إلى من يستعمله فيما لا يجوز ما أخرجه البيهقي (8) والبزّار (9) عن عِمران بن حصين مرفوعًا في النهي عن بيع السلاح في الفتنة.

(1) أخرجه أحمد (3/ 370) وأبو داود رقم (3488) من حديث ابن عباس وهو حديث صحيح.

(2)

زيادة من (أ).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

انظر "زاد المعاد"(5/ 674 - 675)

(5)

قال ابن القيم في "زاد المعاد"(5/ 675) أما تحريم بيع الأصنام فيستفاد منه تحريم بيع كل آلة متخذة للشرك علىأي وجه كانت، ومن أي نوع كانت صنمًا أو وثنًا أو صليبًا، وكذلك الكتب المشتملة على الشرك وعبادة غير الله فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها.

(6)

زيادة من (أ).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في "السنن الكبرى"(5/ 327).

(9)

في مسنده (4/ 117 رقم 3333 ـ كشف).

ص: 4213

وأما سؤال السائل حفظه الله عن تلك الأمور: هل يجوزُ الانتفاعُ بها في غير الوجه الذي حُرّمَت لأجله فنقول: نعم يجوز أن يُنتفعَ بها في غير الوجه الذي تحرُم من جهته، كما يجوز الانتفاعُ بالحيوانات التي يحرُم أكلُها في غير الأكل، والانتفاعُ بالعِنَب ونحوِه في جميع المنافع ما عدا الصورة المحرّمة التي هي جعلُه خمرًا، وهذا مما لا ينبغي أن يقع فيه خلافٌ بين أهل العلم والله أعلم. انتهى.

[من خطه المعروفِ رحمه الله تعالى حرّره المجيبُ محمدُ بن علي الشوكاني غفر الله لهما في شهر ربيع الأول سنة 1209هـ وتاريخ النقل في شهر جُمادى الأولى سنة 1327](1).

[كمل من تحرير المجيب القاضي العمدة بدر العلماء الراسخين عز الإسلام والدين محمد بن علي الشوكاني حفظه الله وأدام لنا في أيامه، إنه على كل شيء قدير، وحرّر الجواب في شهر ربيع الآخر سنة 1209هـ](2)

[حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني غفر الله له، في شهر ربيع الأول سنة (1209هـ).

انتهى بلفظه، وحرره الناقل في شهر القعدة سنة (1294هـ)] (3).

(1) زيادة من المخطوط (أ).

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

زيادة من المخطوط (ج).

ص: 4214