الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أثر القرائن في إفادة القطعية
تعريف القرينة: فعيلة بمعنى فاعلة من (قرن) ، ومن معانيه جمع الشيء إلى شيء، ومنه القران بين الحج والعمرة في النسك، والقران بين تمرتين في الأكل، وقرينة الرجل: نفسه التي معه أو زوجه، ودور قرائن: إذا كانت تستقبل بعضها بعضا.
والقرينة: ما يشير إلى المطلوب، ومن أمثلتها في اللغة: القرائن اللفظية، كما في قولك:"ضربت موسى حبلى" المتأخر، لأن التاء من (ضربت) قرينة من اللفظ على أن فاعل الضرب هو (حبلى) المتأخر، ومنها: القرائن الحالية، كما في قولك:(أكلت الكمثرى موسى) 1، فإن الحال تدل على أن الذي يحتمل أن يكون الآكل هو موسى أما الكمثرى ففاكهة مأكولة.
قرائن القطعية في الدليل:
ولكن المراد بالقرائن هنا أخص من ذلك، فإن القرائن التي تفيد
1 انظر معجم نقاييس اللغة لأحمد بن فارس 5/76 ولسان العرب لابن منظور 13/339 والتعريفات للشريف الجرجاني ص174
القطعية في الدليل: جميع ما يؤثر في الدليل ويزيده قوة في الثبوت أو في الدلالة مما ليس داخلا في حجيته وصحته ولا في حده وحقيقته، لأن من القرائن ما تكون لازمة لحجية الدليل وشرطا في قبوله وصحته مثل عدالة الراوي في خبر الواحد، فإنها شرط في قبول الخبر، وكل خبر حجة يلزم أن يكون راويه عدلا، فلا يكون مثل هذه القرائن مرادا به ها هنا، لأن القطعية فرع عن الحجية، ولا يبحث في قطعية دليل لم يثبت كونه حجة.
وإنما المراد الأمور التي تقارن الدليل أو تسبقه أو تلحقه، ويكون لها أثر في ازدياد قوة الدليل والثقة به، وهي أمور قد تخفى على بعض المجتهدين دون بعضهم فيقطع بالدليل من اطلع عليها أو على قدر منها يفيده القطعية ولا يقطع بالدليل من لم يطلع عليها أو اطلع على قدر منها لا يفيده القطعية، وذلك مثل كثرة الطرق المروي بها الخبر، وكون رواته من الأئمة المشهورين المعروفين بمزيد عدل وصدق، وكون الخبر له شواهد معززة في الأدلة الأخرى1.
ومن ذلك - أيضا - ما يذكر من القرائن المؤثرة في العدد المفيد العلم القطعي في الخبر المتواتر2، لأنها ليست لازمة للحجية ولا هي داخلة في
1 انظر مع شيء من التصرف والزيادة شرحَ الكوكب المنير2/325-326 ومسلم الثبوت مع فواتح الرحموت2/110.
2 انظر حاشية المطيعي على نهاية السول3/61 وشرح العضد على المختصر 2/52، 55،56.
حقيقة الخبر المتواتر، فإن حقيقته -كما سيأتي - خبر عدد يستحيل على مجموعهم الكذب، وربما كثر العدد وقل بالنسبة إلى هذا أو ذاك لاختلافهم في الوقوف على القرائن المؤثرة في العدد، ولأن تلك القرائن المؤثرة في العدد ربما خفيت على بعض فلا يكفيه عدد يكفي من اطلع على تلك القرائن.
وقد تكون القرينة لازمة وغير لازمة بحسب المواضع، فمن ذلك العدد في رواة الخبر، فإنه ليس لازما للحجية في مطلق الخبر، إذ الخبر يحتج به إذا كان صحيحا وإن لم يروه أكثر من واحد، لكن العدد لازم لحقيقة الخبر المتواتر، وذلك أن تعدد الرواة في الخبر المتواتر قرينة لازمة لحقيقة الخبر المتواتر وهو في مطلق الخبر قرينة غير لازمة. والله تعالى أعلم.
والقرائن قد تفيد القطعية في الدليل من جهة الثبوت وقد تفيدها فيه من جهة الدلالة، أما من جهة الثبوت فذلك أثر القرائن في قطعية خبر الواحد من جهة الثبوت1، وأما من جهة الدلالة فذلك كل ما يذكر من الأمور المفيدة للمراد من الأدلة زيادة على ظهور المعنى حتى يقوى ويصل إلى القطع، كأن تكون صيغة الدليل مثلا ظاهرة في العموم أو في الوجوب أو في النهي
…
ويقف الناظر في الدليل على قرائن وشواهد أخرى تقوِّي ظاهر هذه الصيغ حتى يقطع بأن المراد من الدليل ما ظهر منه2.
1 انظر قطعية خبر الواحد ص (281.) .
2 سيأتي - إن شاء الله قريبا - ضرب الأمثلة على ذلك عند ذكر تقسيمات القرائن.
وللاعتداد بالقرائن في الأدلة أهمية كبيرة، فقد كان عدم النظر فيها وعدم الاعتداد بها سببا في نفي القطعية عن أدلة كثيرة.
فمن جهة الثبوت نفى كثيرٌ القطعيةَ عن أخبار هي قطعية عند المطلعين على القرائن التي خفيت على من نفى القطعية، كالنظر في أحوال الرواة وسيرهم وطرق الرواية1، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وكذلك الخبر المروي من عدة جهات يصدق بعضها بعضا من أناس مخصوصين قد يفيد العلم اليقيني لمن كان عالما بتلك الجهات وبحال أولئك المخبِرين وبقرائن وضمائم تحتف بالخبر، وإن كان العلم بذلك الخبر لا يحصل لمن لم يشركه في ذلك، ولهذا كان علماء الحديث الجهابذة المتبحرون في معرفته قد يحصل لهم اليقين التام بأخبار وإن كان غيرهم من العلماء قد لا يظن صدقها فضلا عن العلم بها"2.
ومن جهة الدلالة أدت الغفلة عن النظر في القرائن المحيطة بالنصوص الشرعية إلى أن نفى بعض من لم يحط بها القطعيةَ عن كثير من الألفاظ الشرعية، إذ أخذها منفردة فتطرقت إليها عنده احتمالات كثيرة صعب عليه من أجلها القطع بها، مع أن القرائن التي تسبقها أو تلحقها أو تقارنها تنفي عنها تلك الاحتمالات3.
1 انظر الإحكام للآمدي2/371-372 ومختصر الصواعق المرسلة2/357، 377-380.
2 مجموع الفتاوى 20/257-259.
3 انظر البرهان1/278، 279 والصواعق المرسلة لابن القيم2/658.
قطعية القرائن:
مذهب كثيرٍ من العلماء1 أن القرائن تؤثر في الدليل وقد تفيد فيه القطع، وأطلق القاضي أبو بكر الباقلاني نفي أن يكون للقرائن أثر في جعل خبر الواحد قطعيا2.
ولكن كون القرائن مفيدة للقطعية في الدليل إنما هو في الجملة ولا يلزم منه أن كل قرينة تفرض مفيدة للقطعية أو لكل أحد، لذا اختلف في جملة من القرائن هل تفيد العلم القطعي في ثبوت خبر الواحد مثلا، كأن يكون الخبر قد تلقاه بعض الأمة بالقبول وأوَّله بعضهم، أو يكون الواحد أخبر به في جماعة لم يكذبوه مع جواز تواطئهم على الكذب3. قرائن الأحوال:
هذا القسم الأول من القرائن.
ويصعب تحديدها بعبارات وافية 1، قال الجويني: "وهى تنقسم إلى
1 انظر البرهان 1/108، 186 والمستصفى 2/18-19،42،144-145 والمحصول 3/214، 4/284 والإحكام للآمدي 2/274 وشرح مختصر الروضة 2/84،108.
2 انظر تلخيص التقريب 2/711-712، 716-717 وانظر المستصفى 2/142 والإحكام للآمدي 2/371-372.
3 انظر الإحكام للآمدي2/280-281 وشرح تنقيح الفصول للقرافي/355 والبحر المحيط للزركشي 4/241-246.
قرائن مقال وقرائن أحوال: أما الأحوال فلا سبيل إلى ضبطها تجنيسا وتخصيصا، ولكنها إذا ثبتت لاح للعاقل في حكم طرد العرف أمور ضرورية"2، وقال في موضع آخر: "إن العلوم الحاصلة على حكم العادات وجدناها مرتبة على قرائن الأحوال، وهي لا تنضبط انضباط المحدودات"3، وقال الغزالي: "إن قصد الاستغراق يعلم بعلم ضروري يحصل عن قرائن أحوال ورموز
…
وأمور معلومة من عادته [أي المتكلم] ومقاصده وقرائن مختلفة لا يمكن حصرها في جنس ولا ضبطها بوصف"4، وقال الرازي: "إن القرائن لا تفي العبارات بوصفها، فقد تحصل أمور يعلم بالضرورة عند العلم بها كون الشخص خجِلا أو وجِلا، مع أنا لو حاولنا التعبير عن جميع تلك الأمور لعجزنا عنه"5.
وضرب أهل العلم لقرائن الأحوال أمثلة تفيد في تقريبها إلى الذهن وفهم المقصود منها، ومن تلك الأمثلة:
- أحوال رواة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاداتهم وما عرف من سيرهم، وأحوال المخبَر عنه، وأحوال المخبِر المبلغ، فكل ذلك يؤثر في
1 انظر التقريب والإرشاد للقاضي أبي بكر الباقلاني1/192.
2 البرهان1/186.
3 المرجع السابق1/373.
4 المستصفى (بولاق) 2/41-42.
5 المحصول4/284، وانظر الوصول إلى الأصول 2/76 ونفائس الأصول 3/ق8-ب.
ازدياد قوة ثبوت الخبر عمن روي عنه1.
- العلامات التي تظهر على الإنسان الخَجِل أو الوَجِل أو الغضبان، فإذا أخبر عدل عن خجله أو وجله أو غضبه مع ظهور تلك العلامات فقد نقطع بما أخبر2.
- حركة المتكلم، وأخلاقه، وعاداته، ومقاصده، وتغيرات وجهه، وحركات رأسه المقارنة لكلامه، والمعينة على قوة بيان مراده من كلامه3.
- إذا علم المرء بامرأة حامل قد اكتملت مدة حملها، ثم سمع الطلق من وراء الجدار مع ضجة النسوان حول تلك الحامل، ثم سمع صراخ الطفل، ثم خرجت نسوة يُعْلِنَّ أنها قد ولدت وأخبرن بذلك، فإنه لا يستريب المخبَر في خبرهن، بل يحصل له العلم به قطعا4.
- قال بعض العلماء ممثلا لقرائن القطعية في بعض أمور زمانه: "لو أن سفيرا من خواص الخدم رفع جانب الستر الشريف عن باب الحرم، وأومأ بالإشارة إلى المنصوب في دست الوزارة5: أن انهض بحرمتك فقد
1 انظر الصواعق المرسلة2/377-380.
2 انظر البرهان1/373 والمستصفى2/41-42.
3 انظر المستصفى كما سبق، و (بولاق) 1/339-340.
4 انظر إحكام الأحكام للآمدي2/279.
5 أي صدر الوزارة، انظر القاموس المحيط1/152 والتنقيح بتحقيق د. حمزة زهير حافظ 2/375 حاشية رقم (1) .
استُغني عن خدمتك! لَقَطع الصدر والحاضرون بصدق قول السفير، وصحة عزل الوزير
…
ولو حضر غريب لا يعرف اختصاصَ المخبِر وسطوةَ السلطان أو عظم قدر المنصوب لم يشاركهم في الاضطرار إلى العلم به
…
"1.
قرائن السياق:وهي قريبة من قرائن الأحوال القرائنُ التي تستنبط من سياق الدليل، ومَثَّل بعض العلماء لذلك بقوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيِّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} 2، فإن "السياق في بيان شرفه صلى الله عليه وسلم، وذلك لا يحصل بإباحة لفظ الهبة له في النكاح دون غيره فقط، بل بأنه صلى الله عليه وسلم يجوز له النكاح بلا مهر"3، فيتبين ضعف احتمال من حمل اللفظ على أن الخصوصية المشار إليها هي كون النكاح بلفظ (الهبة) خاصة به صلى الله عليه وسلم دون غيره، لقوله تعالى:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} 4.
فقرائن الأحوال هي كل ما يلابس الدليل مما يفهم من سياقه وحال وروده ويؤثر في زيادة قوته ثبوتا أو دلالة، وهي تفيد القطعية في الدليل ثبوتا كما في قرائن الأحوال المحيطة بخبر الواحد5، وتفيد القطعية فيه من حيث الدلالة، كالإشارات والحركات والمقاصد والعادات التي شاهدها الصحابة
1 تنقيح المحصول للتبريزي2/375، 376.
2 سورة الأحزاب (50) .
3 مفتاح الوصول/52-53.
4 انظر تفسير القرطبي للآية والتفصيل في المسألة 14/210 فما بعدها.
5 انظر المرجع السابق.
عند نزول القرآن وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم للأحاديث، ففهموا الوجوب والطلب الجازم من بعض صيغ الأمر وفهموا الندب من أخرى، وفهموا العموم من بعض صيغه والخصوص من أخرى، وفهموا الإطلاق والتقييد ونحو ذلك1.
قرائن المقال (أو القرائن اللفظية) :
هذا القسم الثاني من القرائن، وهي ما كان من قرائن الدليل لفظا معينا في بيان المراد منه، وذلك في جهة الدلالة كالألفاظ المخصِّصة للعموم أو المقيِّدة للمطلق أو المبيِّنة للمجمل، فقد تكون من الكثرة أو القوة بحيث يقطع من وقف عليها بالمراد بالدليل، وفي جهة الثبوت كتواتر الخبر على ثبوت إجماع الأمة.
ومن الأمثلة على القرائن اللفظية:
- تأكيد المعنى الظاهر من الكلام، كما إذا قال قائل:"اضرب الجناة وأكرم المصلحين"، فإن ظاهر هذا العموم2، فإذا قال: "كافتهم، صغيرهم وكبيرهم، شيخهم وشابهم، ذكرهم وأنثاهم، كيف كانوا، وعلى أي وجه كانوا، لا تغادر منهم أحدا، بسبب من الأسباب ووجه من
1 انظر - مع شيء من التصرف - التقريب والإرشاد للقاضي أبي بكر 1/432،434-436 والمستصفى 2/42-43 و (بولاق) 1/339-340.
2 على خلاف في الصيغة المطلقة في العموم هل تفيد العموم ظاهرا أم تفيده قطعا. انظر ص (خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.) من هذا البحث.
الوجوه"
…
حصل علم قطعي بأن مراده من الصيغة العموم1.
- اطراد اللفظ الظاهر في موارد استعماله على معنى واحد، فتجري مجرى النصوص التي لا تحتمل غير مسماها، بتلك الموارد التي هي قرائن مفيدة زيادة بيان في الظاهر2.
- وقريب من قرائن المقال القرائن الخارجية، وهي الأدلة المنفصلة من نص أو قياس أو عمل، التي تبين المراد من الدليل المحتمل، مثالها أن قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثةَ قُرُوءٍ} 3 يحتمل في جهة الدلالة أن يكون التربص بالحيض أو بالأطهار، فيستدل من يرى أنه بالحيض بقرائن وأدلة أخرى تعزز ذلك الاحتمال كقوله تعالى:{وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتهُنَّ ثَلَاثةُ أَشْهُرٍ وَاللَائِي لَمْ يَحِضْنَ} 4، فجعل عدة المرأة التي لا تحيض لصغر أو يأس بالأشهر بدلا من الحيض، فدل على أن الأصل في العدة أن يكون بالحيض، وبأن القصد من العدة استبراء الرحم من الحمل والعلامة الدالة على براءة الرحم في العادة هي الحيض لا الطهر! فإن الطهر تشترك فيه الحامل والحائل، والحيض في غالب
1 انظر المستصفى (بولاق) 2/41-42.
2 انظر الصواعق المرسلة2/670-672.
3 سورة البقرة (228) .
4 سورة الطلاق (4) .
العادة خاص بالحائل، فكان النظر المناسب للمقصد الشرعي من ذلك أن تكون العدة بالحيض1.
ومثال قرينة موافقة العمل: أن قوله تعالى في آية الوضوء: {يَأَيهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكُمْ إِلى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلكُمْ إِلى الْكَعْبَيْنِ} 2 يحتمل أن يكون {أَرْجُلكُمْ} معطوفا على قوله: {رُؤُوسِكُمْ} ويحتمل أن يكون معطوفا على قوله: {وُجُوهَكُمْ وَأَيديَكُمْ} ، وهو على الاحتمال الأول ممسوح، وعلى الثاني مغسول، لكن عمل الصحابة فمن بعدهم قرينة تؤيد الاحتمال الثاني، إذ المنقول عن عامتهم هو الغسل لا المسح3.
تقسيم آخر للقرائن:
قسم بعض العلماء القرائن إلى عادية وعقلية وحسية.
فالعادية: كالقرائن التي تكون على من يخبر بموت ولده من التفجع وشق الجيوب!
1 انظر مفتاح الوصول للشريف التلمساني ص53-55.
2 سورة المائدة (6) .
3 انظر المرجع السابق، وانظر تفصيل المسألة في تفسير القرطبي 6/91 فما بعدها.
والعقلية: كخبر جماعة تقتضي البديهة أو الاستدلال صدقه 1.
والحسية: كالقرائن التي تكون على من يخبر بعطشه2.
(الاستدلال بالقرائن) في كلام الشيرازي والباجي:
في كلام الباجي وأبي إسحاق الشيرازي وغيرهما عبارة: "الاستدلال بالقرائن"، وليس المراد بالقرائن في هذه العبارة ما في هذا المبحث، وإنما المراد بها عندهم أن يقرن الشارع بين شيئين في اللفظ فيختلف في أن ذلك يقتضي التسوية بينهما في الحكم3، ويسمى أيضا (دلالة الاقتران) 4 أو (الاستدلال بالقِران)5.
1 وجعل الغزالي (المستصفى1/340) مما يقترن به القرائن مثل قوله تعالى: {وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الزمر: (67) وأنه قد أحيل في ذلك على دليل العقل. وانظر ص (خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.) في أن أدلة العقول لا تعارض ظواهر الأدلة الشرعية وأن ما يفيده الظاهر هو المراد بدون تأويل، فلا حاجة في مثل ذلك إلى قرائن العقول.
2 انظر شرح الكوكب المنير2/670-672.
3 انظر إحكام الفصول للباجي/675-676 وشرح اللمع للشيرازي1/443-444.
وانظر التعريف في العدة لأبي يعلى4/1420 والمسودة140 وشرح الكوكب النير3/259.
4 انظر البحر المحيط للزركشي6/99-101.
5 انظر عبارات أهل العلم عن هذه الدلالة: (القِران) و (القرينة) في العدة لأبي يعلى4/1420 والمسودة ص140، و (الاقتران) و (القرينة) في البرهان للجويني2/768، و (الاقتران) في المستصفى3/288، و (القِران) في ميزان الأصول لعلاء الدين السمرقندي ص415 وشرح الكوكب المنير 3/259.
وفي التبصرة للشيرازي (ص229) : "الاستدلال بالقِران لا يجوز"، لكن قال المحقق:"في الأصل (القرائن) وهو تحريف من الناسخ، والصواب ما أثبته" وأحال على اللمع والمستصفى.
أما اللمع فالذي وقفت عليه فيه قول الشيرازي عند كلامه على المسألة (ص43 من الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية، وص131 من الطبعة التي مع تخريج أحاديث اللمع) : "وهكذا كل شيئين قرن بينهما في اللفظ ثم ثبت لأحدهما حكم بالإجماع لم يجب أن يثبت ذلك الحكم للآخر
…
ومن أصحابنا من قال: إذا ثبت لأحدهما حكم ثبت لقرينه"، والذي في المستصفى (3/288) : "ظن قوم أن من مقتضيات العموم الاقتران بالعام والعطف عليه
…
وهو غلط".
ويؤيد أن عبارة (القرائن) التي في نسخة التبصرة هي الصحيحة أمور: منها أنه لا تعارض بين ما في المستصفى واللمع - على فرض أن فيهما (القِران) - وبين ما في أصل التبصرة، لما سبق من تعدد عبارات العلماء عن هذه الدلالة، ومنها أنها عبارة الشيرازي في شرح اللمع والباجي في إحكام الفصول وهو زميله في الأخذ عن القاضي أبي الطيب الطبري بل هي عبارة منقولة عن القاضي أبي الطيب الطبري نفسه ففي المسودة ص140:"قال أبو الطيب: اختلف أصحابنا في الاستدلال بالقرائن" وفي البحر المحيط6/100 "وقال أبو الطيب: قول ابن عباس: إنها لقرينتها، إنما أراد بها لقرينة الحج في الأمر والأمر يقتضي الوجوب فكان احتجاجه بالأمر دون الاقتران
…
".
والحاصل أن لأهل العلم عبارات كثيرة في التعبير عن هذه الدلالة، وأن عبارة بعضهم - ومنهم الشيرازي في التبصرة -:(الاستدلال بالقرائن) وهي عبارة صحيحة، وأن المراد ب (القرائن) في ذلك غير ما ههنا. والله تعالى أعلم.
ووردت هذه العبارة في الأثر عن ابن عباس1 رضي الله عنهما
1 هو عبد الله بن العباس بن المطلب أبو العباس القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة وترجمان القرآن، ولد وبنو هاشم في الشعب قبل الهجرة، وتوفي بالطائف سنة (68) هـ. انظر الإصابة4/90-94.
في الاستدلال على وجوب العمرة وأنها مثل الحج، قال:"إنها - أي العمرة - لقرينة الحج في كتاب الله تعالى: {وَأَتمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} 1"2.
1 سورة البقرة (196) .
2 أخرجه البخاري معلقا عن ابن عباس. انظر صحيح البخاري مع فتح الباري 3/597) . وأخرجه الشافعي بسنده عنه في الأم2/132 وأسنده البيهقي أيضا في السنن الكبرى 4/351، وانظر تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر2/241.